الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 7 يوليو 2023

الطعن 442 لسنة 11 ق جلسة 12 / 11 / 1966 إدارية عليا مكتب فني 12 ج 1 ق 15 ص 162

جلسة 12 من نوفمبر سنة 1966

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة عادل عزيز زخاري وعبد الستار عبد الباقي آدم ويوسف إبراهيم الشناوي وعباس فهمي محمد بدر المستشارين.

--------------------

(15)

القضية رقم 442 لسنة 11 القضائية

(أ) سفر للخارج. سلطة تقديرية. 

القانون رقم 74 لسنة 1952 و97 لسنة 1959 الترخيص بالسفر إلى الخارج من الأمور المتروكة لتقدير الإدارة حسبما تراه متفقاً مع الصالح العام - لا يحد منها ما فرضه القرار الوزاري رقم 65 لسنة 1959 من شروط يتعين على الموظفين المختصين مراعاتها في منح تأشيرات الخروج.
(ب) سفر للخارج. هجرة. 

هجرة المواطنين إلى الخارج - سلطة وزارة الداخلية في بحث طلبات التصريح بالهجرة والبت فيها يستهدف رعاية مصلحة الوطن والتحقق من جدية رغبة المهاجر واحتمال نجاحه.

--------------------
1 - إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن الترخيص أو عدم الترخيص في السفر إلى خارج البلاد هو من الأمور المتروكة لتقدير الإدارة حسبما تراه متفقاً مع الصالح العام فلها أن ترفض الترخيص إذا قام لديها من الأسباب ما يبرر ذلك ولا يقدح في سلامة هذا المبدأ أن قرار وزير الداخلية رقم 65 لسنة 1959 في شأن الحصول على إذن لمغادرة أراضي الجمهورية قد تضمن النص على أن يصدر هذا الإذن من الموظف المختص في الحدود التي تتطلبها مصلحة البلاد العليا أو تقتضيها دواعي الأمن العام - ذلك أنه بتقصي الأحكام التي تنظم السفر إلى الخارج يبين أنه في 26 من مايو سنة 1952 صدر المرسوم بقانون رقم 74 لسنة 1952 في شأن جوازات السفر وإقامة الأجانب متضمناً النص في المادة الأولى منه على أنه لا يجوز دخول الأراضي المصرية أو الخروج منها إلا لمن يحمل جواز سفر ساري المفعول - ثم في 16 من يونيو سنة 1956 صدر القانون رقم 254 لسنة 1956 بتعديل أحكام المرسوم بقانون رقم 74 لسنة 1952 متضمناً النص على إضافة مادة إليه برقم 1 مكرراً نصها (يجوز لوزير الداخلية بقرار منه أن يوجب على المصريين والأجانب الحصول على إذن خاص "تأشيرة لمغادرة الأراضي المصرية" ويعين في القرار شروط منح الإذن والسلطة التي يرخص لها بمنحه ومدة صلاحيته...) وأشارت المذكرة الإيضاحية للقانون المذكور إلى الأوامر العسكرية التي كانت تحتم الحصول على تأشيرة خاصة لمغادرة الأراضي المصرية وقالت أنه (لما كانت النية متجهة إلى إلغاء الأحكام العرفية فإن هذه الأوامر العسكرية التي توجب الحصول على تأشيرة خاصة لمغادرة الأراضي المصرية تصبح عديمة الأثر كما وأن اعتبارات الأمن وسلامة الدولة في الداخل والخارج وحماية الاقتصاد القومي لا تزال تتطلب الإبقاء على نظام وجوب الحصول على تأشيرة الخروج بالنسبة للمصريين والأجانب على السواء - فقد أعدت وزارة الداخلية مشروع القانون المرافق على نحو روعيت فيه هذه الاعتبارات حتى يتسنى لوزير الداخلية بقرار منه أن يفرض على المصريين والأجانب الحصول على تأشيرة خاصة لمغادرة الأراضي المصرية في الوقت الذي يرى فيه ضرورة لذلك وبالشروط والأوضاع التي يحددها القرار) ثم في 3 من مايو سنة 1959 صدر القانون رقم 91 لسنة 1959 في شأن جوازات السفر متضمناً النص في المادة الأولى منه على أنه (لا يجوز لمن يتمتعون بجنسية الجمهورية العربية المتحدة مغادرة أراضي الجمهورية أو العودة إليها إلا إذا كانوا يحملون جوازات سفر وفقاً لهذا القانون...) وفي المادة الثانية منه على أنه (يجوز لوزير الداخلية بقرار يصدره أن يوجب على من يتمتعون بجنسية الجمهورية العربية المتحدة قبل مغادرتهم الأراضي الحصول على إذن خاص "تأشيرة" وله أن يبين حالات الإعفاء من الحصول على هذا الإذن ويحدد في هذا القرار شروط منح الإذن والسلطة التي يرخص لها في منحه ومدة صلاحيته...) كما نص في المادة 11 منه على أنه (يجوز بقرار من وزير الداخلية لأسباب هامة يقدرها رفض منح جواز السفر وتجديده، كما يجوز له سحب الجواز بعد إعطائه) - واستناداً إلى هذا القانون أصدر وزير الداخلية القرار رقم 65 لسنة 1959 في شأن الحصول على إذن (تأشيرة) لمغادرة أراضي الجمهورية العربية المتحدة وقد نص هذا القرار في المادة الأولى منه على أنه (لا يجوز لأحد ممن يتمتعون بجنسية الجمهورية العربية المتحدة بأن يغادر أراضي الجمهورية إلا إذا كان حاصلاً على إذن خاص بذلك (تأشيرة) كما نص في المادة الثانية منه على أن (يصدر الإذن المشار إليه في المادة الأولى من مدير مصلحة الهجرة والجوازات والجنسية أو من رؤساء مكاتب تأشيرات الخروج بالمصلحة وفروعها... وفي الحدود التي تتطلبها مصلحة البلاد العليا أو تقتضيها دواعي الأمن العام) والمستفاد من أحكام القانون أنه لا يجوز مغادرة أراضي الجمهورية إلا بجواز سفر وأنه منذ أن فرض الحصول على تأشيرة سفر بمقتضى قرار وزير الداخلية الصادر وتنفيذاً للقانون أصبح لا يكفي لمغادرة البلاد الحصول على جواز سفر بل صار من المتعين الحصول أيضاً على تأشيرة سفر ولا شك في أنه وفقاً لأحكام القانون وعلى الأخص المادة 11 منه تكون للجهة الإدارية المختصة سلطة تقديرية في الترخيص أو عدم الترخيص بالسفر عن طريق الموافقة على منح جواز السفر أو رفض منحه أو سحبه للأسباب العامة التي تقدرها ولا يحد من هذه السلطة المستمدة من نصوص القانون الخاصة بمنح جوازات السفر أو رفض منحها أو سحبها - ما فرضه القرار الوزاري رقم 65 لسنة 1959 من شروط يتعين على الموظفين المختصين مراعاتها في منح تأشيرات الخروج وهي أن يكون منحها في الحدود التي تتطلبها مصلحة البلاد العليا أو تقتضيها دواعي الأمن وهي حسبما هو مستفاد من المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 254 لسنة 1956 ذات الاعتبارات التي دعت إلى فرض وجوب الحصول على تلك التأشيرات لمغادرة البلاد بمقتضى القرار الوزاري المذكور.
2 - أن وزارة الداخلية وضعت قواعد تنظيمية تسير على سننها في بحث طلبات التصريح بالهجرة والبت فيها منها وجوب تقديم شهادات ميلاد الطالب وأفراد أسرته ووثيقة الزواج - وموافقة سفارة دولة الهجرة - وموافقة مبدئية على الهجرة من الجهة التي يعمل بها رب الأسرة وأفراد عائلته - والمؤهلات العلمية الحاصلين عليها - ومما يثبت إجادة طالب الهجرة للغات الأجنبية وموافقة إدارة التعبئة بالنسبة إلى الأطباء والصيادلة والمهندسين وبعض الفئات الأخرى وما يفيد إعفاء هؤلاء من التكليف أو عدم خضوعهم له - ومن القواعد المذكورة ألا يسمح بالهجرة إلا في البلاد التي يسمح نظامها بقبول مهاجرين إليها - ووجوب أن تشمل الهجرة العائلة بأكملها ضماناً لجدية الرغبة فيها وحفاظاً على وحدة العائلة من التشتت الأمر الذي تسعى لتحقيقه دول الهجرة أيضاً - ومنح المهاجرين بعض المزايا النقدية والجمركية لتحويل مبلغ في حدود خمسمائة جنيه وتصدير منقولات شخصية في حدود 200 جنيه وذلك تمشياً مع سياسة الدولة في تشجيع هجرة المواطنين إلى الخارج - وواضح من هذه القواعد أن الجهة الإدارية قد استهدفت بها رعاية مصلحة الوطن بعدم الترخيص بهجرة الكفاءات العلمية والفنية والمهنية التي تعاني الدولة ومرافقها نقصاً فيها - ومن ناحية أخرى التحقق من جدية رغبة المهاجر في الهجرة ومن مدى احتمال نجاحه في الهجرة والاستقرار فيه مستهدية في ذلك بسنه وثقافته ومؤهلاته ومدى إلمامة بلغة المهجر وحالته الاجتماعية وظروفه المعيشية ونوع عمله وخبرته وغير ذلك من الأمور التي يستشف منها مدى صلاحيته لتحمل التزامات الهجرة وأعبائها وذلك حرصاً من جانب الدولة وهي في أول عهدها بتنظيم الهجرة على اختيار العناصر الصالحة لتكوين نواة طيبة للجاليات العربية في المهجرة بقصر الهجرة على العناصر الصالحة من المواطنين حتى تستفيض حسن السمعة لأبناء وطنهم فلا تغلق بلدان المهجر أبوابها في وجوه النازحين إليها من الجمهورية العربية المتحدة وحتى لا تتكبد الدولة - في حالة فشل المهاجر - مبالغ من العملات الأجنبية دون مقتض في وقت اشتدت فيه حاجة مرافقها إلى تلك العملات.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل حسبما يبين من الأوراق في أنه بصحيفة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإداري في 29 من أكتوبر سنة 1964 أقام السيد/ شفيق حلمي داود الدعوى رقم 182 لسنة 19 القضائية ضد السيد وزير الداخلية والسيد المدير العام لمصلحة الهجرة والجوازات والجنسية طالباً الحكم:
أولاً: وبصفة مستعجلة بوقف القرار الصادر عن السيد المدير العام المذكور فيما تضمنه من رفض طلبه للهجرة إلى كندا.
وثانياً: بالنسبة للطلبات الموضوعية بقبول الطعن شكلاً لتقديمه. في الميعاد القانوني وفي الموضوع بإلغاء القرار سالف الذكر وإلزام المطعون ضده بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة.
وقال شارحاً لدعواه أنه قدم طلب هجرة إلى كندا في 13 من سبتمبر سنة 1964 إلى مصلحة الهجرة والجوازات والجنسية بالإسكندرية بناء على موافقة من سفارة كندا التي أرسلت إليه في 2 من سبتمبر سنة 1964 - إلا أن المصلحة رفضت طلبه في 20 من أكتوبر سنة 1964 دون إبداء الأسباب وقال أن هذا الرفض يعتبر صورة من صور الانحراف بالسلطة كما أنه يعتبر إخلالاً بمبدأ متعلق بحقوق الإنسان وهو حرية العمل.
وأودع المدعي مذكرة بدفاعه قال فيها أنه بعد أن كانت وزارة الداخلية قد وافقت على هجرته رفضت طلبه بناء على شكوى من مطلقته السيدة نوال عبد القادر عمار أدعت فيها أنه سوف يهاجر تاركاً نجله هشام دون نفقة وأنها أقامت ضده دعوى مطالبة بمؤخر الصداق الخاص بها - وذكر أنه أمن مستقبل ابنه المذكور بتخصيص مبلغ 391 جنيهاً لدى شركة مياه الإسكندرية كنفقة له فضلاً عن أنه تنازل له عن ممتلكاته وقام بإجراءات نقل الملكية إليه وأنه عند بلوغ ابنه سن التاسعة وهو أقصى سن للحضانة سيحضر لضمه إليه وضم أخيه الآخر والسفر بهما إلى كندا وبذلك تسقط حجة تهربه من نفقة ابنه. وأضاف أن ما ادعته مطلقته من أن لها مؤخر صداق مردود بأنها أقامت الدعوى رقم 93 لسنة 1962 أمام محكمة باب شرقي وقضى برفضها فاستأنفت الحكم وعلى ذلك فدعواها لا تصلح سنداً قانونياً يجيز منعه من الهجرة وذكر أنه قدم إلى الإدارة ضامناً لدفع نفقه ولديه هو أخوه فؤاد حلمي الذي وقع إقراراً بهذا الضمان وأن سابقة زواجه ثلاث مرات حق من حقوقه الشخصية التي لا يجوز للدولة التدخل فيما ما دام قد استعمل حقوقه المشروعة في حدود القانون ووفى بكافة الالتزامات المترتبة على هذا الزواج.
وأودعت الوزارة مذكرة بدفاعها قالت فيها إن الهجرة ليست حقاً تنشئه المستندات أو تحديد موعد الوصول إلى بلد المهجر وإنما هي هدف من أهداف الدولة تشرف جهة الإدارة المختصة بما لها من سلطة تقديرية على تحقيق الغرض منه وأن الجمهورية العربية المتحدة تشجع هجرة المواطنين للسعي وراء الرزق في البلاد التي تقبل الهجرة لتحقيق غرض معين هو حل مشكلة تزايد السكان وتحكم الهجرة اعتبارات عامة منها اختلاف وضع المواطن المهاجر عن وضع المواطن العادي في أنه وهو يغادر بلاده الأصلية يعتزم الإقامة في بلد المهجر ويظل محتفظاً بجنسيته الأصلية ما لم يفقدها لأي سبب من الأسباب القانونية - وأن المهاجرين يكونون نواة لوطن صغير في بلد المهجر بما ينشرونه من عادات وطنهم وثقافته كما يحكمها مدى احتمال نجاح المواطن الراغب في الهجرة في بلد المهجر وكونه دعاية حسنة لبلاده فيها - وأنه لذلك كان لزاماً على جهة الإدارة المشرفة على تحقيق الغرض من المهجر أن تراعى في دراسة أسبابها ودوافعها هذه الاعتبارات لمنع التحايل واستغلال الهجرة للإضرار بالمصلحة العامة. وذكرت الوزارة أنه تبين من فحص طلب المدعي أنه استخرج جواز سفر بمهنة موظف بشركة مياه الإسكندرية وقرر في طلب الهجرة أنه يعمل موظفاً عادياً وقدم شهادة بذلك من الشركة - وثبت أنه يحمل دبلوم مدرسة الهندسة التطبيقية العليا (قسم الميكانيكا) ومقيد بنقابة المهن الهندسية وبمواجهته بإنكار مهنته كمهندس قرر أن الشركة لم تسند إليه مسئوليات المهندس - كما ثبت أنه كان متزوجاً من السيدة ليلى مصطفى المدني المدرسة بإحدى المدارس الثانوية وأنجب منها الطفل عبد العزيز ثم طلقها وحكم للطفل بنفقة شهرية قدرها ثمانية جنيهات كما أنه تزوج السيدة نوال عبد القادر عمار وأنجب منها الطفل هشام وطلقها في 17 من يناير سنة 1961 وحكم للطفل بنفقة شهرية ثمانية جنيهات ونصف - وثبت من بحث حالته الاجتماعية أنه متزوج من سيدة أخرى تدعى سميحة شهبندر وبمواجهته بإنكار زواجه منها قرر أنه طلقها ولم يقدم ما يثبت الطلاق - وأضافت الوزارة أن طلبه رفض لعدم خبرته العلمية باعتباره موظفاً عادياً منذ سنة 1949 بشركة مياه الإسكندرية ولفشله في الحياة العملية المستشف من قنوعه بوظيفة عادية طوال هذه المدة برغم مؤهله ولأن حالة عدم الاستقرار التي تلازمه والمستشفة من فشله في الاستقرار العائلي تجعل من المشكوك فيه قدرته على الاستقرار في بلد المهجر - كما أن رغبته الشديدة في التحايل على السفر بأسرع وقت تدل على أنه قصد التهرب من المسئولية الملقاة على عاتقه من نفقة وقضايا والتهرب من القيود المفروضة على سفر المهندسين وذلك بالإضافة إلى أنه لا يجيد لغة أجنبية - وكل ذلك يقطع بعدم صلاحيته للهجرة - وذكرت الوزارة أن المصلحة حين باشرت سلطتها التقديرية في رفض الطلب لم تنحرف في استعمال هذه السلطة بل استهدفت تجنب تهجير شخص لا يصلح للهجرة وأن الترخيص في السفر إلى الخارج هو من الأمور المتروكة لتقدير الإدارة حسبما تراه متفقاً مع الصالح العام - وانتهت في مذكرتها إلى طلب الحكم برفض الدعوى وإلزام المدعي بالمصروفات وأتعاب المحاماة.
وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريراً برأيها انتهت فيه إلى أنها ترى الحكم برفض الدعوى وإلزام المدعي بالمصروفات وذلك تأسيساً على أنه خالف بعض شروط الهجرة لعدم تقديمه موافقة إدارة التعبئة على هجرته وما يفيد إعفاءه من أوامر التكليف أو عدم خضوعه لها بوصفه مهندساً وما يفيد إجادته اللغة الإنجليزية ولإخفائه واقعة كونه متزوجاً وقت تقديم طلبه تحايلاً على شرط شمول الهجرة العائلة بأكملها فضلاً عن إدلائه ببيانات غير صحيحة إلى إدارة الجوازات والجنسية عند تقديم طلبه وأنه لذلك يكون القرار المطعون فيه قد صدر صحيحاً قائماً على أسباب تبرره.
وعقب المدعي على تقرير هيئة المفوضين بمذكرة قال فيها أنه ثابت من المستندات المقدمة أنه يجيد اللغة الإنجليزية إذ أنه يعمل بشركة كانت إنجليزية قبل تأميمها وكانت تشترط في جميع موظفيها إجادة تلك اللغة كما أنه التحق بالمكتبة الأمريكية لدراسة اللغة الإنجليزية ووصل إلى المرحلة المتوسطة وذكر أنه عقد زيجاته جميعاً في حدود القانون وتقدم بالضمانات الكافية لسداد نفقة نجله هشام وأن والدة نجله عبد العزيز قد تكفلت بالإنفاق عليه كما أنه قدم ما يثبت طلاقه لزوجته الثالثة - وأضاف أن إدارة التعبئة قد وافقت على هجرته - وأن مصلحة الجوازات والجنسية قد وافقت أيضاً ولم تعدل عن موافقتها إلا بسبب شكوى مطلقته نوال عبد القادر وانتهى المدعي إلى التصميم على طلباته.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه بإلغاء القرار المطعون فيه على أن الجهة الإدارية قد بررت سبب رفضها السماح للمدعي بالهجرة بعدم خبرته وعدم استقراره وعدم إجادته لغة أجنبية وإدلائه بأقوال غير صحيحة ولم تبن هذا الرفض على أسباب تتعلق بالتزامات عامة قبل الدولة أو بخشية مساس وجوده بالمهجر بسلامة الدولة أو بأمنها أو سمعتها في الداخل أو في الخارج أو بوجود مصلحة الدولة في بقائه فيها وعدم هجرته منها - وأنه بالنسبة لعدم الخبرة فثابت أن المدعي حاصل على دبلوم مدرسة الهندسة التطبيقية العليا في سنة 1947 وأنه عمل مهندساً حتى شهر ديسمبر سنة 1955 ومنحته نقابة المهن الهندسية لقب مهندس فلا يسوغ القول بعد ذلك بأنه ليست لديه الخبرة للعمل خارج البلاد كما أن هذا المؤهل يستلزم الإلمام باللغة الإنجليزية ويفترض إلمامه بها الإلمام الكافي الذي يسمح له بالعمل خارج البلاد فضلاً عما يفيده من إقامته في البلد الأجنبي من إتقان لغته فيكون من التجني على الواقع القول بأنه لا يجيد اللغة الإنجليزية - وأنه بالنسبة إلى التذرع بعدم استقرار المدعي الذي استخلصته الجهة الإدارية من أنه طلق ثلاث زوجات فليس في ذلك ما يشير إلى عدم استقراره أو إلى أن أسباب الطلاق ترجع إليه كما لا يبين منه أن هذا الطلاق قد انعكس على عمله أو أثر في كفايته أو سمعته ولم يثبت أن شيئاً من ذلك كله له صلة بالصالح العام الذي يتعين أن يكون رائد الجهة الإدارية في رفضها التصريح له بالهجرة - وأنه بالنسبة إلى الإدلاء بواقعة غير صحيحة إذ نسبت إليه الجهة الإدارية أنه لم يبين في طلبه أنه يعمل مهندساً وأنه أبان أن الشركة عهدت إليه أخيراً بأعمال إدارية وليست هندسية وأنه لم يكن يعمل مهندساً عندما قدم طلب استقالته فإنه حتى على فرض القول بأن هذه الواقعة غير صحيحة فإنه لا يسوغ للجهة الإدارية إعمال سلطتها التقديرية في التصريح بالسفر أو منعه كجزاء على الإدلاء بأقوال غير صحيحة بل يجب عليها أن تتغيا في إصدار قرارها الأهداف التي حددها المشرع والتي أفصحت عنها المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 254 لسنة 1956 وهي اعتبارات الأمن العام وسلامة الدولة في الداخل والخارج وحماية الاقتصاد القومي - وأنه لما تقدم فإن قرار الجهة الإدارية بالامتناع عن التصريح للمدعي بالهجرة لا يقوم على أسباب تبرره من حيث الواقع أو القانون - وأنه مما يدل على حسن نية المدعي وأنه لم يقصد من الهجرة التهرب من نفقة ولديه أنه خصص المكافأة التي يستحقها عن مدة خدمته بشركة مياه الإسكندرية لأداء النفقة المستحقة عليه لهما وقدم إقراراً من الشركة يفيد ذلك ضمنه أخوه في أداء النفقة المحكوم بها لهما وقدم شهادة رسمية تدل على أنه نقل ملكية العقار الذي يملكه إلى ولده هشام.
ومن حيث إن الطعن يقوم على:
(أولاً) أن الحكم قد خالف القانون إذ قرر أن القرار المطعون فيه لم يقم على أسباب تبرره وقد تعرض الحكم للسبب نفسه ولم يتعرض للعيب الذي يشوب القرار استناداً لركن السبب وهو إما مخالفته القانون لعيب في محل القرار أو الانحراف لعيب في أهداف القرار والقرار المطعون فيه لا يشوبه عيب في محله أو هدفه فالمصلحة حينما أصدرته استهدفت الصالح العام وهو منع شخص غير صالح للهجرة قد تؤدي هجرته إلى الإساءة لسمعة البلد وفقاً لما قدرته واستخلصته من الظروف المحيطة بحاله والتي لها مطلق الحرية في تقديرها وكان على المحكمة أن تسلط رقابتها على ما إذا كان تقدير المصلحة حقق الهدف الذي قصدته بإصدار قرارها وأن تصدر حكمها بالإلغاء إذا وجدت أن هناك انحرافاً لعيب في الهدف لا لعدم وجود سبب فالسبب قائم والهدف هو مجال الرقابة فيما إذا كان القرار قد حققه أم لم يحققه.
(ثانياً) أن ما استندت إليه المحكمة من أنه ما كان يجوز لجهة الإدارة إعمال سلطتها التقديرية استناداً إلى إدلاء المطعون ضده بأقوال غير صحيحة وأنه يجب أن تتغيا الأهداف التي قصدها المشرع من القانون رقم 254 لسنة 1956 فإن هذا هو ما قامت به الإدارة فالهجرة ليست حقاً ينشئه القانون فحسب بل أنها هدف تحكمه اعتبارات هامة يجب توافرها في المواطن وكل ذلك ثابت من أقوال المدعي بسبب إعطائه بيانات غير صحيحة وإنكار صفته كمهندس وعدم استقرار حياته العائلية. كل هذا استخلصته الجهة الإدارية أنه لا يصلح للهجرة وهي حرة في تكوين عقيدتها ما دام قرارها غير مشوب بالانحراف وهي لم تنحرف كما أن الهدف من الهجرة هو تحسين حالة المواطن وفتح الباب أمامه لتحسين حالته المادية ولم يكن المطعون ضده في حاجة إلى هذا التحسين لأنه يتقاضى مرتباً 97 جنيهاً و250 مليماً علاوة على حصة يملكها في بعض العقارات والبلاد في حاجة إليه لممارسة الأعمال الهندسية والميكانيكية التي تقوم بها الشركة التي يعمل بها وهي من القطاع العام - ومرحلة العمل القادمة في حاجة إلى جهود كل الفنيين.
ومن حيث إن هيئة مفوضي الدولة أودعت تقريراً برأيها انتهت إلى أنها ترى الحكم بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وإلزام الحكومة المصروفات مؤيدة في ذلك الحكم المطعون فيه وما قام عليه من أسباب.
ومن حيث إن الوزارة الطاعنة قد أودعت مذكرة بدفاعها رددت فيها ما تضمنه دفاعها أمام محكمة القضاء الإداري وأضافت أن الإدارة قد أخطرت المدعي برفض طلبه وأثر تظلمه من هذا القرار أفهم بأن هذا الرفض يرجع إلى فقدانه للمقومات والشروط التي يجب توافرها في طالب الهجرة - وذكرت أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ فيما ذهب إليه من اعتبار الهجرة من الحقوق المتعلقة بالحريات العامة ذلك أن القانون رقم 97 لسنة 1959 في شأن جوازات السفر يقضي في المادة الأولى منه بأنه لا يجوز مغادرة أراضي الجمهورية أو العودة إليها إلا بجواز سفر وفي المادة الثانية بعدم جواز مغادرة البلاد أو العودة إليها إلا في الأماكن المخصصة لذلك وبإذن من الموظف المختص بالرقابة وأن القرار رقم 65 لسنة 1959 يقضي في المادة الأولى منه بأنه لا يجوز لأحد ممن يتمتعون بجنسية الجمهورية العربية المتحدة أن يغادر أراضي الجمهورية إلا إذا كان حاصلاً على إذن خاص بذلك (تأشيرة) وأنه بمقتضى هذه الأحكام يحظر على أي مواطن السفر إلى الخارج ما لم توافق جهة الإدارة المختصة على الترخيص له بذلك بمنحه جواز السفر والإذن له بمغادرة البلاد وللإدارة سلطة واسعة في الترخيص أو عدم الترخيص في السفر إلى الخارج وتسري هذه المبادئ في شأن الترخيص بالهجرة باعتبارها من حالات السفر للخارج - وقالت الوزارة أن الغرض الأساسي الذي تهدف إليه الدولة من تقدير نظام الهجرة هو إيجاد التناسب بين عدد السكان وإمكانيات أرض الوطن بما يحقق الصالح العام فضلاً عما يحققه من إيجاد علاقات تجارية واقتصادية مع الدولة المهجر - وأنها تراعي في مجال الهجرة إلى جانب قيام الطالب بالتزاماته قبل الدولة عدة اعتبارات هي احتياج الوطن لمختلف الكفايات وأن تكون الهجرة إلى إحدى البلاد التي يسمح نظامها القانوني بقبول المهاجرين وتقدير مدى احتمال نجاح المواطن في دولة المهجر وأنه روعي في بادئ الأمر أن يكون التهجير في نطاق ضيق وانتفاء العناصر الصالحة للهجرة حتى يتحقق بهم حسن السمعة في بلدان المهجر – ومضت الوزارة تقول أنها استخلصت حالة القلق وعدم الاستقرار التي تلازم المدعي وبالتالي عدم صلاحيته للهجرة من عناصر ثابتة وأنها لم تمنعه من الهجرة كجزاء على إدلائه بأقوال غير صحيحة وإنما قدرت وهي بصدد تكوين عقيدتها ما تثيره هذه الواقعة من تعذر التعرف على حقيقة ميوله وحياته الاجتماعية على النحو الذي يمكن معه تقدير مدى كفاءته وقدراته وأنه لذلك يكون القرار المطعون فيه قد صدر مستنداً إلى سبب صحيح مستمداً من الوقائع الثابتة بهدف تحقيق الصالح العام.
ومن حيث إن المدعي قد عقب على الطعن وعلى مذكرة الوزارة بمذكرة قال فيها أنه لم يخف عن الإدارة شيئاً وأنه قد اتفق مع زوجته الجديدة على الطلاق بعد أن رفضت الهجرة معه وأصبح الطلاق واقعاً شرعاً قبل تقدمه بطلب الهجرة وتمت الإجراءات الشكلية بوثيقة مؤرخة في 4 من أكتوبر سنة 1964 قدمها إلى الإدارة قبل أن تصدر قرارها ولكن ترتب على شكوى مطلقته نوال عبد القادر رفضه طلبه وذكر أن الدعوى يحكمها القانون رقم 74 لسنة 1952 المعدل بالقانون رقم 254 لسنة 1956 وأشار إلى المذكرة الإيضاحية للقانون الأخير وإلى أحكام القانون رقم 97 لسنة 1959 والقرار رقم 65 لسنة 1959 الصادر تنفيذاً له وقال أنه يتضح من هذا القرار أن قيد منح تأشيرة الخروج مقصور على حالتين هما الحدود التي تتطلبها مصلحة البلاد العليا - والحدود التي تفرضها مصلحة الأمن العام في مصر - فإذا وضعت المصلحة قيوداً تخرج عن هذه الحدود كان ذلك خروجاً على مقتضى التفويض - وذكر أن الإدارة قد أفصحت عن أسباب قرارها برفض طلبه فتخضع لرقابة القضاء الإداري للتحقق من مدى مطابقتها للواقع وللقانون وما دامت قد أفصحت عن هذه الأسباب فقد استغلق عليها أن تضيف أسباباً جديدة إذا استشفت أثناء سير الدعوى أن الأسباب الأولى لا تقوم على سند من واقع أو قانون - وقال أن الأسباب التي تذرعت بها الإدارة غير صحيحة وبعيدة عن الأسباب التي تتصل بمصالح البلاد العليا ودواعي الأمن العام - وأنه لم يتهرب من مسئولياته العائلية - وأن السبب الذي قام عليه قرار الرفض هو تدخل مطلقته نوال عبد القادر عمار بعد إن كانت الموافقة على طلب الهجرة وعلى وشك الصدور بعد أن وردت موافقات إدارة التعبئة والمباحث العامة فيكون القرار قد اتسم بدوافع شخصية لا تمت إلى الصالح العام بصلة.
ومن حيث إنه بجلسة 26 من يونيو سنة 1965 حكمت المحكمة في طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض هذا الطلب وقررت بالنسبة إلى طلب الإلغاء إعادة الطعن إلى المرافعة لتقدم الحكومة ما يفيد رأي الجهات الإدارية التي لم تبد رأيها بعد في طلب الهجرة ولبيان رأي السيد الوزير المختص بذلك وفقاً للقواعد التنظيمية المعمول بها في هذا الشأن - وبنت المحكمة قضاءها في طلب وقف التنفيذ على أن الأسباب التي قدمها المدعي لم يكن من شأنها حتى تاريخ صدور الحكم أن تحمل على ترجيح إلغاء هذا القرار.
ومن حيث إن الوزارة قد أودعت مذكرة تكميلية أضافت فيها إلى ما سبق أن أبدته من دفاع أن ما وقع من أحداث خلال نظر الطعن قد أكد سلامة القرار:
(1) فقد اعتقل المطعون ضده خلال الفترة من 6 سبتمبر إلى 8 من ديسمبر سنة 1965 لأسباب تتعلق بالأمن العام ضمن الإجراءات التي اقتضتها مواجهة تحركات الرجعية وكشف مؤامرة جماعة الإخوان.
(2) وباستطلاع رأي المباحث العامة بشأن التصريح له بالهجرة أفادت بأنه بعرض الموضوع على السيد رئيس الوزراء ووزير الداخلية في 10 من نوفمبر سنة 1965 لم يوافق على ذلك.
(3) وتقرر إدراج المذكور في قوائم الممنوعين من السفر في 3 من يناير سنة 1966 وسيستمر هذا الإدراج والآثار المترتبة عليه لمدة خمس سنوات.
- وأضافت الوزارة أنه لم يعد هناك جدوى من إلغاء القرار إذ صدر قرار السيد رئيس الوزراء ووزير الداخلية في 10 من نوفمبر سنة 1965 بعد الموافقة على هجرة المدعي وقرار إدراجه في قوائم الممنوعين.
ومن حيث إن المدعي قد عقب على هذه المذكرة بمذكرة قال فيها أنه بالنسبة إلى ما أثير في شأن النزاع بينه وبين مطلقاته قد قام:
(1) صورة رسمية من حكم صادر لصالحه ضد مطلقته ليلى مصطفى بإلزامها بأن تسلم له أبنه عبد العزيز ليتولى إكمال تربيته وبكفها عن مطالبته بنفقته وذلك اعتباراً من 22 من يناير سنة 1962.
(2) حكم صادر لصالحه ضد مطلقته نوال عبد القادر بكف يدها عن مطالبته بنفقة ولدها هشام تأسيساً على أن للصغير مالاً يصدر له ريعاً ومن ثم تكون نفقته في ماله.
(3) المستندات المثبتة لتلاعب مطلقته سميحه محمد جلال التي أقامت دعوى مدعية أنه راجعها فقضت المحكمة بعدم صحة ادعائها وخلص المدعي من هذه المستندات إلى أن موضوع التهرب من نفقة الأولاد ظاهر البطلان.
- وذكر أن الوزارة قد ابتدعت بعد إقامة الدعوى سببين جديدين هما:
(1) أن القوانين الصادرة خاصة بالسفر أما الهجرة فحص للدولة.
(2) أن رئيس الوزراء قد رفض أخيراً الموافقة على سفره كما أعيد إدراج اسمه في سجل الممنوعين.
- وعقب على السبب الأول بقوله أن القانون رقم 97 لسنة 1959 والقرار رقم 65 لسنة 1959 يسريان على الهجرة وقد نص القرار على صدور الإذن (تأشيرة الخروج) في الحدود التي تتطلبها مصلحة البلاد العليا أو تفرضها دواعي الأمن العام وبذلك يخرج ما دونها سواء كان متصلاً بمصلحة البلاد ومن باب أولى ما كان متصلاً بمصالح الأفراد من نزاع زوجي أو نفقة أو غير ذلك - وذكر أن القرار رقم 65 لسنة 1959 بعد أن نص على الجهة المختصة بإعطاء الإذن في حدود مصلحة البلاد العليا ودواعي الأمن العام نص في المادة الثانية على أن (يعهد بمراعاة هذه الاعتبارات إلى ضابط يعين في كل من الإقليمين لهذا الغرض) - وقال أنه إذا كان الضابط المختص وهو مفتش المباحث العامة بالإسكندرية قد أخطر إدارة الجوازات بالإسكندرية بأنه لا توجد لديه موانع سياسية من إجابة الطلب فتصدى تلك الإدارة بالرفض يعتبر تصدياً من غير مختص - وعقب على السبب الثاني بقوله أن القرار الذي قيل بصدوره من رئيس مجلس الوزراء إنما كان بناء على تظلم جديد تقدم هو به في 18 من أغسطس سنة 1965 وحررت في شأنه مذكرة اختير لعرضها الوقت الذي كان فيه قد أعتقل كإجراء وقائي فكان طبيعياً أن يرفض - فرفضه ليس قراراً جديداً فضلاً عن أنه ليس محل الطعن - ثم تحدث المدعي عما أثير في شأن استمرار وضعه في قائمة الممنوعين في 3 من يناير سنة 1966 فذكر أنه موضوع في القائمة منذ سنة 1955 ورغم ذلك وافقت المباحث العامة على هجرته بأن قررت أنه لا توجد موانع سياسية تحول دون ذلك - وأن الوضع في القائمة ليس معناه منع السفر وإنما معناه أنه يتعين على إدارة الجوازات الرجوع إلى المباحث العامة أولاً.
ومن حيث إنه بعد أن قررت المحكمة تكليف الحكومة بتقديم ما لديها من إيضاحات في شأن ما يدعيه المدعي من أن قرار السيد وزير الداخلية في 10 من نوفمبر سنة 1965 بعدم الموافقة على هجرته إنما كان رفضاً لتظلم مقدم منه وليس قراراً جديداً وبإيداع التظلم قرار الوزير المشار إليه - أودع الحاضر عن الوزارة بجلسة 8 من أكتوبر سنة 1966 حافظة تضمنت صورة مذكرة مكتب السيد رئيس الوزراء ووزير الداخلية مؤرخة في أول نوفمبر سنة 1965 جاء بها أن المدعي طلب الهجرة إلى كندا وأخفى صفته كمهندس وسبق له الزواج والطلاق مرتين وله أولاد منهما ثم تزوج من ثالثة ولما علم أنها قد تكون عقبة أمامه في الهجرة طلقها ورفضت مصلحة الجوازات السماح له بالهجرة نظراً لحالة عدم الاستقرار النفسي التي يعانيها حيث لا تتوفر فيه شروط الصلاحية كمهاجر واستعداده للاستقرار في المهجر - ولحرمانه من الميزات النقدية والجمركية (تحويل 500 جنيه ومتعلقات شخصية 200 جنيه) وأنه رفع دعوى لإلغاء قرار عدم التصريح له بالهجرة وحكم لصالحه وطعنت الجوازات في الحكم وطلبت المحكمة الإدارية العليا موافاتها برأي وزير الداخلية وإدارة المباحث وتبين أن المذكور معتقل بتاريخ 6 من سبتمبر سنة 1965 - وانتهت المذكرة بعبارة:
(رجاء الموافقة على إخطار المحكمة بناء على طلبها أن الوزارة لم تصرح له بالهجرة لأسباب تتعلق بالأمن العام) ومؤشر عليها بعبارة (معاد بعد العرض بالموافقة).
ومن حيث إن المدعي قد عقب على المذكرة المشار إليها بقوله أنه واضح منها أن أسباب رفض طلبه هي حالة عدم الاستقرار النفسي التي يعانيها حيث لا تتوافر فيه شروط الصلاحية كمهاجر ولحرمانه من المميزات النقدية والجمركية - وأن الإشارة إلى اعتقاله في 6 من سبتمبر سنة 1965 لأنه من الإخوان كانت في صدد الرد لا السبب - وأن المصلحة طلبت الموافقة على إخطار المحكمة بناء على طلبها بأن الوزارة لم تصرح له بالهجرة لأسباب تتعلق بالأمن العام - وذكر المدعي أن هذه العبارة قاطعة في أنه لم يصدر قرار ولم يطلب إصدار قرار بالمنع من السفر وإنما طلب مجرد إخطار المحكمة بناء على طلبها - والموافقة إنما تنصب على إخطار المحكمة بالسبب الذي من أجله صدر قرار رفض الهجرة ولم يكن الأمر أمر استصدار قرار جديد أو بناء على أسباب جديدة لتدعيم قرار سابق بل كان مجرد استئذان لموافاة المحكمة العليا بما قيل أنها طلبته وهنا عمدت مصلحة الجوازات إلى إقحام سبب المنع بأن متعلق بالأمن العام - وأضاف أن هذه المصلحة لم يكفها أنها خرجت على القانون بإقحامها نفسها في خلافات عائلية من أجلها شرع الطلاق في الديانة الإسلامية فحاولت أن تصحح موقفها وأن تخلع المشروعية على قرارها فزجت بعبارة الأمن العام كأنها حقيقة واقعة.
ومن حيث إنه قد بأن لهذه المحكمة من الاطلاع على الأوراق وبوجه خاص من ملف إدارة الهجرة والجوازات والجنسية بالإسكندرية رقم 1100/ 20888 - ملف الإدارة العامة للهجرة والجوازات والجنسية بالقاهرة رقم 100/ 35860 - أنه - في 13 من سبتمبر سنة 1964 تقدم المدعي إلى إدارة الهجرة والجوازات والجنسية بطلب مؤرخ في 25 من يوليو سنة 1964 طالباً منحه جواز سفر - وذكر في هذا الطلب أنه لم يسبق له استخراج جواز سفر - كما تقدم في ذات التاريخ أي في 13 من سبتمبر سنة 1964 إلى ذات الإدارة بطلب للتصريح له بالهجرة إلى كندا ذكر فيه أنه يعمل بشركة مياه الإسكندرية وأنه يجيد اللغة الإنجليزية وأن سبب رغبته في الهجرة تحسين حالته الاجتماعية ومن بين المستندات التي أرفقها بهذا الطلب:
(1) صورة فوتوغرافية من شهادة إدارية عن حالته الاجتماعية صادرة في 7 من سبتمبر سنة 1964 من مندوب شياخة قسم باب شرقي تتضمن أن المدعي طلق السيدة ليلى مصطفى المدني بوثيقة طلاق في 17 من يناير سنة 1954 ورزق منها بولد اسمه عبد العزيز وطلق السيدة نوال عبد القادر عمار في 17 من يناير سنة 1961 ورزق منها بولد اسمه هشام وأن ذلك هو ما ظهر لمحرر الشهادة من التحريات.
(2) إقرار موثق في 17 من أغسطس سنة 1964 صادر من علي فؤاد داود حلمي يتضمن أنه تعهد بدفع النفقات المفروضة على أخيه الشقيق شفيق حلمي داود لولده عبد العزيز وقدرها ثمانية جنيهات شهرياً ولولده هشام وقدرها ثمانية جنيهات ونصف وذلك إلى حاضنتي الوالدين طوال هجرة أخيه شفيق.
(3) صورة لدبلوم مدرسة الهندسة التطبيقية الذي حصل عليه المدعي في سنة 1947.
(4) صورة من بطاقة شعبة الهندسة الميكانيكية تفيد أنه مهندس مقيد بالنقابة.
(5) صورة شهادة صادرة من شركة مصر للغزل والنسيج بكفر الدوار في 31 من مايو سنة 1949 تفيد أن المدعي كان يعمل بها بوظيفة مهندس تحت التمرين بقسم الورش من 18 من نوفمبر سنة 1947 إلى 31 من مايو سنة 1949.
(6) صورة شهادة من شركة مياه الإسكندرية تفيد بأنه يعمل في خدمتها منذ أول يونيو سنة 1949 وأن مرتبه الإجمالي 66 جنيه و497 مليماً وأنه ليس لديها مانع من هجرته - وفي 14 من سبتمبر سنة 1964 أي في اليوم التالي لتقديم الطلب أرسلت إدارة الهجرة والجوازات كتاباً إلى مفتش المباحث العامة بالإسكندرية طالبة منه إبداء رأيه في طلب المدعي ومبينة أنه مهندس بشركة مياه الإسكندرية وأنه بالكشف بقوائم الممنوعين اتضح أنه مدرج (عدم منح تأشيرة خروج + منع سورياً بناء على طلب المباحث العامة/ هيئات بكتابها رقم 13078/ 59 بتاريخ 3/ 12/ 1959) - كما طلبت تلك الإدارة من كل من مصلحة الضرائب وإداري القوى العاملة وإدارة التعبئة العامة إبداء رأيها في هجرة المدعي المهندس بشركة المياه - وفي 28 سبتمبر سنة 1964 أجابت إدارة المباحث العامة بالإسكندرية بأنه لا توجد لديها موانع سياسية من إجابة المدعي إلى طلبه السماح بالهجرة على كندا كما أجابت إدارة التعبئة والإحصاء بأنه ليس من الفئات المطلوب أخذ رأيها بخصوصها - وفي 26 من سبتمبر سنة 1964 تقدمت السيدة نوال عبد القادر عمار بشكوى ذكرت فيها أنه صدر لها حكم نفقة ضد المدعي لولدها هشام وأنها علمت أنه على وشك السفر مهاجراً إلى كندا وأن ذلك يعطل تنفيذ أحكام النفقة كما أنه يتهرب من قضية مطالبتها له بمؤخر الصداق المؤجلة لجلسة 7 من أكتوبر سنة 1964 وطلبت وقف إجراءات استخراج جواز سفر له حتى يفي بالتزاماته - وفي 4 من أكتوبر سنة 1964 كلف المدعي بتقديم شهادة إدارية بحالته الاجتماعية بعد طلاقه من زوجته ليلى مصطفى المدني ونوال عبد القادر ثم في 5 من أكتوبر سنة 1964 أرسلت إدارة الهجرة والجوازات بالإسكندرية كتاباً في شأن طلب المدعي إلى مدير عام مصلحة الهجرة والجوازات والجنسية أشارت فيه إلى أن مطلقته نوال عبد القادر قد قررت أنه متزوج من سيدة أخرى هي سميحة شهبندر وأنه بإعادة تكليف المدعي بتقديم شهادة إدارية بحالته الاجتماعية قرر أنه متزوج من السيدة المذكورة وأنه طلقها دون أن يبين تاريخ الطلاق واقترحت الإدارة عدم الموافقة على طلبه للأسباب الآتية:
(1) أنه قدم شهادة إدارية بأنه طلق من السيدة ليلى مصطفى المدني ومطلق من السيدة نوال عبد القادر عمار - ولم يذكر بالشهادة أن هناك زوجة أخرى هي السيدة سميحة شهبندر التي قرر عند مناقشته أنه قد تم طلاقه منها.
(2) أنه يبدو أنه يتهرب من المسئوليات المفروضة عليه ويتهرب من القضية المرفوعة عليه من مطلقته نوال التي تطالبه فيها بمؤخر صداقها.
(3) أنه عند مناقشته قرار أنه يعمل موظفاً بشركة المياه وأثبت ذلك على طلب استخراج الجواز وأنكر مهنته الحقيقية وهي مهندس بدليل أنه قدم شهادة من شركة المياه غير واضح بها عمله بالشركة إلا أن الإدارة تداركت ذلك من واقع مؤهله الدراسي - وقامت مصلحة الهجرة والجوازات والجنسية ببحث الموضوع وأعدت مذكرة في شأن طلب المدعي ذيلت بتأشيرة مؤرخة في 15 من أكتوبر سنة 1964 نصها (تعلق ذمة الطالب المالية قبل مطلقاته لا يمنع من هجرته إلا إذا استصدرت إحداهن أمراً من المحكمة أو النيابة المختصة بمنعه من السفر ولا دخل للمصلحة في ذلك إلا أنه يلاحظ أن الطالب أنكر مهنته الأصلية (مهندس) وأنكر أنه متزوج من ثالثة ثم عاد وقرر بأنه طلقها ولم يثبت هذا الطلاق فإعطاء الطالب بيانات غير صحيحة يدعو إلى الشك في الغرض من الهجرة.. والهجرة وسيلة للرزق وليست وسيلة للتهرب من المسئوليات فضلاً عن كثرة زواج الطالب وطلاقه يؤيد رأي جوازات إسكندرية في أن حالته قلقة ولا يساعده هذا على النجاح في بلد المهجر وأرى الرفض) - وبناء على ما انتهت إليه هذه المذكرة أجابت مصلحة الهجرة والجوازات والجنسية في 18 من أكتوبر سنة 1964 على إدارة الجوازات بالإسكندرية أنها (لا توافق على طلب المذكور التصريح له بالهجرة إلى كندا) - وفي 26 من أكتوبر سنة 1964 تقدم المدعي بتظلم إلى مدير المصلحة ذكر فيه أنه علم برفض طلبه في 20 من أكتوبر وطلب إعادة النظر في الموضوع مبدياً استعداده لعمل جميع الإجراءات والضمانات اللازمة لخروجه من البلاد - ثم بصحيفة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإداري في 29 من أكتوبر سنة 1964 أقام دعواه طالباً الحكم بتنفيذ وإلغاء القرار الصادر من السيد مدير عام مصلحة الهجرة والجوازات والجنسية فيما تضمنته من رفض طلبه الهجرة إلى كندا - وأثناء نظر الدعوى تقدم المدعي بتظلمات أخرى عديدة كان مصيرها جميعاً الرفض وتردد في المذكرات التي أعدت في شأنها وفيما تحمله من تأشيرات أن من أسباب رفضها عدم خبرة المدعي وعدم تقديمه ما يثبت إجادته لغة أجنبية وما يثبت طلاقه من زوجته الثالثة وعدم كفاية ضمان شقيقه للوفاء بنفقة ابنيه - ورددت الوزارة هذه الأسباب فيما تقدمت به من دفاع أمام محكمة القضاء الإداري وفي هذا الطعن - وتضمنت أسباب طعنها أن حالة المدعي لم تكن في حاجة إلى تحسين وأن البلاد في حاجة إليه - كما تقدم المدعي أثناء نظر الدعوى وفي هذا الطعن بالمستندات التي استند إليها في إثبات خبرته وإلمامه باللغة الإنجليزية وتقديمه الضمانات الكافية للوفاء بنفقة ابنيه - ثم تقدم بأحكام قضائية يستفاد منها أن المنازعات بينه وبين مطلقاته قد حسمت بتلك الأحكام وأنه قد حكم لصالحه بتسليم ابنه عبد العزيز إليه وبكف مطلقته نوال عبد القادر عن مطالبته بنفقة ابنه هشام - وتنفيذاً لقرار هذه المحكمة الخاص ببيان رأي الوزير المختص في طلب أودعت الوزارة أخيراً صورة مذكرة مدير مكتب السيد رئيس الوزراء ووزير الداخلية المشار إليه آنفاً والمؤرخة في أول نوفمبر سنة 1965 التي تضمنت أن المدعي اعتقل في 6 من سبتمبر سنة 1965 وأن السيد الوزير قد وافق على إخطار المحكمة بناء على طلبها بأن الوزارة لم تصرح له بالهجرة للأسباب تتعلق بالأمن العام.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن الترخيص أو عدمه في السفر إلى خارج البلاد هو من الأمور المتروكة لتقدير الإدارة حسبما تراه متفقاً مع الصالح العام فلها أن ترفض الترخيص إذا قام لديها من الأسباب ما يبرر ذلك - ولا يقدح في سلامة هذا المبدأ أن قرار وزير الداخلية رقم 65 لسنة 1959 في شأن الحصول على إذن لمغادرة أراضي الجمهورية قد تضمن النص على أن يصدر هذا الإذن من الموظف المختص في الحدود التي تتطلبها مصلحة البلاد العليا أو تقتضيها دواعي الأمن العام - ذلك أنه بتقصي الأحكام التي تنظم السفر إلى الخارج يبين أنه في 26 من مايو سنة 1952 صدر المرسوم بقانون رقم 74 لسنة 1952 في شأن جوازات السفر وإقامة الأجانب متضمناً النص في المادة الأولى منه على أنه لا يجوز دخول الأراضي المصرية أو الخروج منها إلا لمن يحمل جواز سفر ساري المفعول - ثم في 16 من يونيو سنة 1956 صدر القانون رقم 254 لسنة 1956 بتعديل بعض أحكام المرسوم بقانون رقم 74 لسنة 1952 متضمناً النص على إضافة مادة إليه رقم 1 مكرراً نصها (يجوز لوزير الداخلية بقرار منه أن يوجب على المصريين والأجانب الحصول على إذن خاص "تأشيرة" لمغادرة الأراضي المصرية "ويعين في القرار شروط منح الإذن والسلطة التي يرخص لها بمنحه ومدة صلاحيته...) وأشارت المذكرة الإيضاحية للقانون المذكور إلى الأوامر العسكرية التي كانت تحتم الحصول على تأشيرة خاصة لمغادرة الأراضي المصرية وقالت أنه (لما كانت النية متجهة إلى إلغاء الأحكام العرفية فإن هذه الأوامر العسكرية التي توجب الحصول على تأشيرة خاصة لمغادرة الأراضي المصرية تصبح عديمة الأثر كما وأن اعتبارات الأمن وسلامة الدولة في الداخل والخارج وحماية الاقتصاد القومي لا تزال تتطلب الإبقاء على نظام وجوب الحصول على تأشيرة الخروج بالنسبة للمصريين والأجانب على السواء - فقد أعدت وزارة الداخلية مشروع القانون المرافق على نحو روعيت فيه هذه الاعتبارات حتى يتسنى لوزير الداخلية بقرار منه أن يفرض على المصريين والأجانب الحصول على تأشيرة خاصة لمغادرة الأراضي المصرية في الوقت الذي يرى فيه ضرورة لذلك وبالشروط والأوضاع التي يحددها القرار) ثم في 3 مايو سنة 1959 صدر القانون رقم 97 لسنة 1959 في شأن جوازات السفر متضمناً النص في المادة الأولى منه على أنه:
لا يجوز لمن يتمتعون بجنسية الجمهورية العربية المتحدة مغادرة أراضي الجمهورية أو العودة إليها إلا إذا كانوا يحملون جوازات سفر وفقاً لهذا القانون...) وفي المادة الثانية منه على أنه (يجوز لوزير الداخلية بقرار يصدره أن يوجب على من يتمتعون بجنسية الجمهورية العربية المتحدة قبل مغادرتهم الأراضي الحصول على إذن خاص "تأشيرة" وله أن يبين حالات الإعفاء من الحصول على هذا الإذن ويحدد في هذا القرار شروط منح الإذن والسلطة التي يرخص لها في منحه ومدة صلاحيته...) كما نص في المادة 11 منه على أنه (يجوز بقرار من وزير الداخلية لأسباب هامة بقدرها رفض منح جواز السفر أو تجديده كما يجوز له سحب الجواز بعد إعطائه). واستناداً إلى هذا القانون أصدر وزير الداخلية القرار رقم 65 لسنة 1959 في شأن الحصول على إذن (تأشيرة) لمغادرة أراضي الجمهورية العربية المتحدة وقد نص هذا القرار في المادة الأولى منه على أنه (لا يجوز لأحد ممن يتمتعون بجنسية الجمهورية العربية المتحدة أن يغادر أراضي الجمهورية العربية إلا إذا كان حاصلاً على إذن خاص بذلك (تأشيرة) كما نص في المادة الثانية منه على أن (يصدر الإذن المشار إليه في المادة الأولى من مدير عام مصلحة الهجرة والجوازات والجنسية أو من رؤساء مكاتب تأشيرات الخروج بالمصلحة وفروعها... في الحدود التي تتطلبها مصلحة البلاد العليا أو تقتضيها دواعي الأمن العام..) والمستفاد من أحكام القانون أنه لا يجوز مغادرة أراضي الجمهورية إلا بجواز سفر وأنه منذ أن فرض الحصول على تأشيرة خروج بمقتضى قرار وزير الداخلية الصادر تنفيذاً للقانون أصبح لا يكفي لمغادرة البلاد الحصول على جواز سفر بل صار من المتعين الحصول أيضاً على تأشيرة خروج ولا شك في أنه وفقاً لأحكام القانون وعلى الأخص المادة 11 منه تكون للجهة الإدارية المختصة سلطة تقديرية في الترخيص أو عدم الترخيص بالسفر عن طريق الموافقة على منح جواز السفر أو رفض منحه أو سحبه للأسباب الهامة التي تقدرها ولا يحد من هذه السلطة المستمدة من نصوص القانون الخاصة بمنح جوازات السفر أو رفض منحها أو سحبها - ما فرضه القرار الوزاري رقم 65 لسنة 1959 من شروط يتعين على الموظفين المختصين مراعاتها في منح تأشيرات الخروج وهي أن يكون منحها في الحدود التي تتطلبها مصلحة البلاد العليا أو تقتضيها دواعي الأمن وهي حسبما هو مستفاد من المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 254 لسنة 1956 ذات الاعتبارات التي دعت إلى فرض وجوب الحصول على تلك التأشيرات لمغادرة البلاد بمقتضى القرار الوزاري المذكور.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أن الأسباب التي قام عليها القرار الصادر في 18 من أكتوبر سنة 1964 من مدير مصلحة الهجرة والجوازات والجنسية برفض التصريح للمدعي بالهجرة - التي لا تخرج عن كونها مغادرة للبلاد - هي أنه أدلى بيانات غير صحيحة تدعو إلى الشك في غرضه من الهجرة - وهي وسيلة للرزق لا للتهرب من المسئوليات - فضلاً عن أن كثرة زواجه وطلاقه تدل على أنه في حالة قلق الأمر الذي لا يساعده على النجاح في المهجر - وهي أسباب تتحصل في أنه كان عند صدور القرار المشار إليه غير صالح للهجرة - أما ما أشير إليه في الأوراق من أسباب أخرى فهي إما أثيرت بمناسبة بحث تظلماته أو بصدد الرد على دعواه وإما جدت بعد صدور القرار كاعتقاله في الفترة من 6 من سبتمبر إلى 28 من ديسمبر سنة 1965.
ومن حيث إنه ولئن كان من غير السائغ أن يسند إلى المدعي عند تقديمه بطلب الهجرة أنه أخفى مهنته الأصلية وهي (مهندس) ذلك أنه أرفق مع الطلب المذكور من المستندات ما يكشف بوضوح حقيقة مهنته - إلا أنه في الواقع من الأمر قد أخفى عند تقديم هذا الطلب واقعة زواجه من السيدة سميحة شهبندر - يدل على ذلك تقديمه شهادة إدارية عن (حالته الاجتماعية) مؤرخ في 7 من سبتمبر سنة 1964 لا تتضمن الإشارة إلى زواجه بها أو طلاقه منها ولم يتقدم بأي بيان عن ذلك إلا بناء على طلب الإدارة بعد أن كشفت مطلقته السيدة نوال عبد القادر عن ذلك الزواج وهو لم يتقدم بعد ذلك بالدليل على تطليقه إياها إلا في 11 من أكتوبر سنة 1964 إذ تقدم في هذا التاريخ بشهادة إدارية مؤرخة في 10 من أكتوبر سنة 1964 مصحوبة بصورة إشهار طلاقها المؤرخ في 4 من أكتوبر سنة 1964 وقد دفعه إلى طلاقها حسبما ذكر في دفاعه رفضها الهجرة معه.
ومن حيث إنه إذا استخلصت الإدارة من تكرار زواج المدعي وطلاقه ومن إقدامه على الهجرة تاركاً وراءه ابنيه ومن تصرفه مع زوجته الثالثة ومحاولته إخفاء واقعة زواجه منها ثم مسارعته إلى تطليقها - إذا استخلصت الإدارة من كل ذلك أنه شخص قلق غير مستقر وأنه من غير المحتمل أن يتهيأ له الاستقرار أو يكتب له النجاح في المهجر وأنه قد تصدر منه في الخارج تصرفات مماثله تسيء إلى سمعة وطنه وسمعة المهاجرين معه فإن استخلاصها يكون سائغاً ومن أصول تنتجه.
ومن حيث إن المستفاد مما أودعته الوزارة من أوراق خاصة بالهجرة أن هجرة المواطنين إلى الخارج قد بدأت في سنة 1961 وأن الوزارة قد وضعت قواعد تنظيمية تسير على سننها في بحث طلبات التصريح بالهجرة والبت فيها منها وجوب تقديم شهادات ميلاد الطالب وأفراد أسرته ووثيقة الزواج - وموافقة سفارة دولة الهجرة - وموافقة مبدئية على الهجرة من الجهة التي يعمل بها رب الأسرة وأفراد عائلته - والمؤهلات العلمية الحاصلين عليها - وما يثبت إجادة طالب الهجرة للغات الأجنبية وموافقة إدارة التعبئة بالنسبة إلى الأطباء والصيادلة والمهندسين وبعض الفئات الأخرى وما يفيد إعفاء هؤلاء من التكليف أو عدم خضوعه له - ومن القواعد المذكورة أيضاً ألا يسمح بالهجرة إلا إلى البلاد التي يسمح نظامها بقبول مهاجرين إليها - ووجوب أن تشمل الهجرة العائلة بأكملها ضماناً لجدية الرغبة فيها وحفاظاً على وحدة العائلة من التشتت والتفكك الأمر الذي تسعى لتحقيقه دول المهجر أيضاً - ومنح المهاجرين بعض المزايا النقدية والجمركية لتحويل مبلغ في حدود خمسمائة جنيه وتصدير منقولات شخصية في حدود 200 جنيه وذلك تمشياً مع سياسة الدولة في تشجيع هجرة المواطنين إلى الخارج - وواضح من هذه القواعد أن الجهة الإدارية قد استهدفت بها رعاية مصلحة الوطن بعدم الترخيص بهجرة الكفاءات العلمية والفنية والمهنية التي تعاني الدولة ومرافقها نقصاً فيها - ومن ناحية أخرى التحقق من جدية رغبة المهاجرين في الهجرة ومن مدى احتمال نجاحه في المجهر والاستقرار فيه مستهدية في ذلك بسنه وثقافته ومؤهلاته ومدى إلمامه بلغة المهجر وحالته الاجتماعية ظروفه المعيشية ونوع عمله وخبرته وغير ذلك من الأمور التي يستشف منها مدى صلاحيته لتحمل التزامات الهجرة وأعبائها وذلك حرصاً من جانب الدولة وهي في أول عهدها بتنظيم الهجرة على اختيار العناصر الصالحة لتكوين نواة طيبة للجاليات العربية في المهجر بقصر الهجرة على العناصر الصالحة من المواطنين حتى تستفيض حسن السمعة لأبناء وطنهم فلا تغلق بلدان المهجر في وجوه النازحين إليها من الجمهورية العربية المتحدة وحتى لا تتكبد الدولة - في حالة فشل المهاجر - مبالغ من العملات الأجنبية دون مقتض في وقت اشتدت فيه حاجة مرافقها إلى تلك العملات.
ومن حيث إنه في ضوء الاعتبارات السابقة لا تثريب على الجهة الإدارية إن هي استخلصت من الوقائع المشار إليها آنفاً أن المدعي كان عند تقديم طلبه والبت فيه في حالة قلق وعدم استقرار تجعله غير صالح للهجرة وتجعل نجاحه في المهجر أمراً بعيد الاحتمال. كما أنه لا تثريب عليها إذ قدرت أن هذه الأسباب هي من الأهمية بحيث تقتضى عدم التصريح له بالهجرة.
ومن حيث إنه لذلك يكون القرار الصادر برفض طلب المدعي التصريح له بالهجرة قائماً على سببه المبرر له ومطابقاً للقانون وقد استهدفت به الإدارة تحقيق المصلحة العامة.
ومن حيث إنه ولئن كان الثابت من الأوراق أن ما جد أثناء نظر الطعن من قبض على المدعي واستمرار قيده في قائمة الممنوعين لم يكن من بين الأسباب التي دعت الجهة الإدارية إلى إصدار قرارها إلا أنه يؤيد النتيجة التي انتهت إليها في شأنه.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون الطعن على أساس سليم ويكون الحكم المطعون فيه إذ ذهب غير هذا المذهب قد جانب الصواب الأمر الذي يتعين معه القضاء بإلغائه وبرفضه دعوى المدعي وإلزامه بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وألزمت المدعي بالمصروفات.

الطعن 580 لسنة 10 ق جلسة 12 / 11 / 1966 إدارية عليا مكتب فني 12 ج 1 ق 14 ص 149

جلسة 12 من نوفمبر سنة 1966

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة الدكتور أحمد موسى وعادل عزيز زخاري وعبد الستار عبد الباقي آدم وعباس فهمي محمد بدر المستشارين.

---------------

(14)

القضية رقم 580 لسنة 10 القضائية

(أ) موظف. "انتهاء الخدمة. استقالة". قرار إداري. سببه. إكراه. 

طلب الاستقالة هو ركن السبب فى القرار الإداري الصادر بقبولها - وجوب صدوره عن رضاء صحيح - يفسده ما يفسد الرضا من عيوب ومنها الإكراه - خضوع الإكراه باعتباره مؤثراً في صحة القرار لتقديم المحاكم الإدارية في حدود رقابتها لمشروعية لقرارات الإدارية - خضوعه كذلك لرقابة المحكمة العليا في تعقيبها على أحكام تلك المحاكم.
(ب) موظف. "انتهاء الخدمة. استقالة". إكراه. 

تبصير الجهة الإدارية لصاحب الشأن لما قد يترتب على الشكوى المقدمة ضده من إحالة الأمر على النيابة الإدارية وما قد يجره ذلك من إحالته إلى المحكمة - اختياره الاستقالة - لا تثريب على مسلك الجهة الإدارية - أساس ذلك.

-----------------
1 - أن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن طلب الاستقالة هو ركن السبب في القرار الإداري الصادر بقبولها، وأنه يلزم لصحة هذا القرار أن يكون الطلب قائماً لحين صدور القرار مستوفياً شروط صحته شكلاً وموضوعاً. وأن طلب الاستقالة باعتباره مظهراً من مظاهر إرادة الموظف في اعتزال الخدمة يجب أن يصدر برضاء صحيح، فيفسده ما يفسد الرضا من عيوب، ومنها الإكراه إن توافرت عناصره، بأن يقدم الموظف الطلب تحت سلطان رهبة تبعثها الإدارة في نفسه دون حق، وكانت قائمة على أساس، بينما كانت ظروف الحال تصور له خطراً جسيماً محدقاً يهدده هو أو غيره في النفس أو الجسم أو الشرف أو المال، ويراعى في تقدير الإكراه جنس من وقع عليه هذا الإكراه وسنه وحالته الاجتماعية والصحية وكل ظرف آخر من شأنه أن يؤثر في جسامته، وأن الإكراه باعتباره مؤثراً في صحة القرار الإداري - يخضع لتقدير المحاكم الإدارية في حدود رقابتها لمشروعية القرارات الإدارية، كما يخضع لرقابة المحكمة العليا في تعقيبها على أحكام تلك المحاكم.
2 - لا تثريب على الجهة الإدارية إن هي بصرت الطاعن بما قد يترتب على الشكوى من إحالة الأمر إلى النيابة الإدارية وما قد يجره ذلك من إحالته إلى المحاكمة، ثم تركت له التقدير في هذا الشأن فاختار هو أهون الضررين، إذ الإدارة بمسلكها هذا لم تتخذ وسيلة غير مشروعة، ولم تنحرف بسلطتها عن الغاية المشروعة بل أنها سلكت المسلك السوي الواجب عليها اتباعه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن وقائع هذا الطعن - على ما يبين من أوراقه - تخلص في أن الطاعن أقام الدعوى رقم 445 لسنة 15 القضائية ضد جامعة عين شمس أمام محكمة القضاء الإداري "هيئة المنازعات الخاصة بالعقود الإدارية والتعويضات بصحيفة أودعها سكرتيرية المحكمة في 20 من فبراير سنة 1961، طلب فيها الحكم" بإلزام الجامعة بأن تدفع له عشرة آلاف جنيه على سبيل التعويض عما أصابه من أضرار مادية وأدبية لإكراهه على تقديم استقالته من الخدمة مع إلزام المدعى عليها بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة. "وقال في بيان دعواه أنه تخرج في كلية الآداب عام 1940، وحصل على دبلوم معهد الدراسات الشرقية عام 1943، والدكتوراه عام 1955 ثم عين مدرساً للغة التركية بكلية الآداب بجامعة عين شمس عام 1956، وظل يؤدي عمله على خير وجه، وكان الطلبة والطالبات يترددون عليه للتزود من عمله، واستيضاحه فيما شكل عليهم فهمه، وكان من بينهم الطالبات فايزة شافعي وتيسير سليم ونبيلة فكري، وكانت الأخيرة مخطوبة لزميل لها في الكلية يدعي حامد إسماعيل وقد ألحت هذه الطالبة على الطاعن إلحاحاً شديداً كي يهدي إليها أحد دواوينه الشعرية" "وردة وبلبل" وأن يكتب عليه "كلمة إهداء، فلم يسعه إزاء إلحاحها من إهدائها الديوان بعد أن كتب عليه "إلى ابنتي الآنسة نبيلة مع أطيب التمني" وما أن شاهد خطيبها الكتاب في يدها وعليه (الإهداء) حتى أخذته ثورة جامحة واستولت عليه غيره عارمة، فبادر إلى تقديم شكوى إلى الدكتور مهدي علام عميد الكلية ضمنها ما صورته له غيرته العمياء، وقد تلقفت الكلية هذه الشكوى ودعت مقدمها إلى مكتب العميد الذي وجه إليه جملة استجوابات تعسفية على حد قوله ولم يواجه الطاعن بها، وإنما اقتصر العميد على أن قرأ عليه بعض فقرات من الشكوى وهو يهدده ويتوعده في كل لحظة بالتشهير به والإساءة إليه وإهانته أمام تلاميذه، ولم يشأ أن يسمع أقوال شهود النفي، وكان مع المستجوبين الدكتور محمد القصاص والدكتور إبراهيم أمين الشواربي رئيس قسم اللغات الشرقية الذي يحتدم كراهية وحقد على الطالب بشهادة كثير من أساتذة جامعة القاهرة وعين شمس وطلبة قسم الدراسات الشرقية بآداب عين شمس، وقد ظهر هذا الحقد منذ نحو عامين حين اختلف معه في الرأي على أسئلة الامتحان وأصبح التعاون بينهما مستحيلاً، وقد سبق لرئيس القسم أنه سبه أمام بعض زملائه قبل استجوابه بنحو أسبوعين. وكان الدكتور الشواربي أثناء استجوابه ينهره ويتهكم عليه. وبرغم أن الطالب كتب إلى العميد ورقة يدحض بها ما وجهه إلى الطاعن إلا أن المستجوبين لم يظهروا أي استعداد للتفاهم أو مناقشة الحقائق ولم يصدقوه في دفع التهمة، كما لم يقبل العميد سحب الشكوى على الرغم من إلحاح والد الطالبة.. وفي هذا الجو المليء بالحقد والضغينة طلب إليه العميد أن يكتب إليه طلباً بنقله إلى وظيفة غير تدريسية لأسباب صحية فكتبها الطالب ظناً منه أن ذلك من قبيل الشكليات فليست هناك تهمة ثابتة وسوف يحفظ التحقيق بعدها، كما أنه انتهزها فرصة لترك الكلية إلى جهة أخرى، ووقف الأمر عند هذا الحد، وبعد مضي نحو شهر أرسل إليه العميد برقية في مصيفه بالإسكندرية يطلب إليه فيها مقابلة مدير الجامعة في يوم 25 أو 26 من أغسطس سنة 1960 وقابل الطاعن المدير الذي لم يشأ أن يستمع إلى أقواله بتمامها، وأمر بضرورة تقديم استقالته لأن السلطات غير راضية عنه، بعد أن صور له أن إبلاغ النيابة الإدارية فيه مساس بكرامته وشخصه، وأنه سوف يجد له عملاً آخر، فاضطر الطالب إلى تقديم استقالته - ويستطرد الطاعن أنه لما كان قد أكره على تقديم الاستقالة التي أعقبها حرمانه من العمل في الجامعات وأي جهة أخرى من الجهات، وفي ذلك مخالفة للائحة الجامعية التي تقضي بأن عضو هيئة التدريس غير المرغوب فيه علمياً أو خلقياً ينقل إلى وظيفة أخرى، وهو إجراء لم يتخذ معه، كما أنه قدم التماساً في 15 من نوفمبر سنة 1960 إلى الجامعة يطلب فيه إجراء التحقيق دون أن يجاب إلى طلبه. وقد ترتب على إكراهه على تقديم الاستقالة أن حاقت به أضرار مادية وأدبية، وتقوضت حياته العلمية وحيثيته الاجتماعية مما يقدر عنه تعويضاً مقداره عشرة آلاف جنيه..
وفي مذكرة شارحة مرفقة بعريضة الدعوى قال إنه في نهاية العام الدراسي 1960 زاره بعض تلاميذه من طلبه السنة النهائية لسؤاله عن بعض التراكيب الفارسية والتركية استعداداً لأداء الامتحان، أما الطالبات فلم يحضرن لانشغالهن بالعمل بقسم الوثائق بوزارة الإرشاد فحدد لهن يوماً آخر، وفي الميعاد المحدد حضرت الطالبتان تيسير سليم وفايزة الشافعي ولم تحضر الطالبة نبيلة فكري، وقد جرت عادته على أن يستقبل طلبته وزملاءه بحجرة المكتب إلا أنه استقبل الطالبتين المذكورتين بحجرة الاستقبال وشرح لهما ما أرادتا كما استبقاهما بعض الوقت ريثما تحضر زميلتهما.. وبعد فترة حضرت الطالبة نبيلة فكري ولم تطق زميلتاها البقاء أكثر من خمس دقائق وانصرفتا. وقبل انصرافهما طلب من الطالبة نبيلة أن تنقل ما كتبه زميلتاها في حجرة المكتب حتى لا تشغل بالحديث معهما. وبعد انصراف الزميلتين توجه إلى حجرة المكتب وكانت قد فرغت من الكتابة فطلبت منه نسخة من ديوانه وألحت إلحاحاً شديداً في الطلب، وصدر منها ما لا يصح أن يصدر من طالبة إزاء أستاذها، ولكنه قدم إليها الديوان مسجلاً عليه عبارة الإهداء السابق ذكرها وانصرفت بعد ذلك، ولعلها شعرت بما يجرح كبرياءها خصوصاً بعد أن ردها فيما أضمرت في نفسها وأشعرها بأنه يعتبرها ابنته وهو ما لم يرض ضميرها فنسجت هي وخطيبها القصة التي صادفت هوى في نفس الدكتور الشواربي.
وقال أن الطالبة نبيلة كانت قد أوغرت صدر خطيبها بدافع العقدة الكامنة في أغوارها وهي عقدة الإعجاب بالنفس والادعاء بكثرة المعجبين، فقد سبق لها أن أذاعت بشأن وكيل إحدى الوزارات أنه معجب بها وأنه يطلب منها التردد عليه مما آثار خطيبها أمام زملائه وصمم على الاعتداء عليه، وفي مرة أخرى قالت أن رئيسها في إدارة الوثائق معجب بها ويطيل الوقوف معها ويطلب ترددها عليه. وكان قولها هذا أمام زملائها مما جعل خطيبها موضع السخرية فهدد وتوعد.
وقد عقبت الجامعة على الدعوى بأن المدعي لم يكن حين التحق بالعمل وبالجامعة لائقاً طبياً لإصابته بمرض السكر فتقرر إعفاؤه من شرط اللياقة الطبية بقرار من مدير الجامعة، وأنه كان طبيعياً أن يشعر بإرهاق بعد قيامه بعمله فطلب أول الأمر نقله إلى وظيفة غير تدريسية لعدم قدرته الصحية، ثم لم يلبث أن تقدم باستقالته وقد قبلت مراعاة لظروفه الصحية من جهة ومصلحة العمل من جهة أخرى.. أما ما زعمه من إكراهه على الاستقالة فهو قول يعوزه الدليل ولا صحة له، ولا يعقل أن يكون بريئاً ثم يستجيب وهو رجل له مكانته العلمية لما يطلب منه.. وانتهت المذكرة إلى أن استقالته قبلت وفقاً لحكم المادة 107 من قانون نظام موظفي الدولة. وبذلك يكون طلب التعويض يكون غير قائم على أساس سليم من القانون.
وفي مذكرة لاحقة قدمها الطاعن أمام محكمة القضاء الإداري طلب سماع شهادة بعض الأساتذة عن واقعة استقالته فسمعت أقوال العميد والدكتور الشواربي والدكتور القصاص، ولم تستجب المحكمة إلى طلبه سماع شهود آخرين.
وقد قدم مفوض الدولة تقريراً بالرأي القانوني انتهى فيه إلى رفض الدعوى.
ومن حيث إن محكمة القضاء الإداري أصدرت في 5 يناير سنة 1964 حكمها "برفض الدعوى وألزمت المدعي بالمصروفات".. وأسست قضاءها على أن المدعي يقول بأن وسيلة الإكراه تنحصر في مطالبة مدير الجامعة له باعتزال الخدمة......... وأن المطالبة على هذا النحو لا يمكن أن تصل إلى الإكراه المفسد للرضا، بل أن الأمر على حد قول المدعي لا يعدو أن يكون مجرد طلب. ومن ناحية أخرى فإن القول بأن مدير الجامعة خيره بين الاستقالة وبين إحالة الشكوى المقدمة ضده إلى النيابة الإدارية فإنه بفرض صحة هذا الادعاء فإنه لا ينهض وحده وسيلة للإكراه ذلك أن مطالبته باعتزال الخدمة مع (التلميح إليه بالتحقيق الإداري لا يمكن اعتباره وسيلة غير مشروعة اتخذت للضغط على إرادته لم يستطع معها دفعاً ولم يكن له مخرج إلا الرضوخ والاستسلام لما طلب منه، خاصة إذا روعي أن المدعي نفسه عاد وطالب بإحالته إلى التحقيق أمام أية جهة إدارية كانت أم قضائية ليتمكن من الدفاع عن نفسه الأمر الذي ينهار معه دفاعه من هذه الناحية - وأنه فيما يتعلق بالعنصر النفسي فإن مجرد مطالبة المدعي باعتزال الخدمة على النحو السالف الذكر لا يمكن أن يبعث في نفسه الرهبة، وذلك بمراعاة الدرجة العلمية الكبيرة الحاصل عليها وثقافته وإطلاعه، فليس من الهين التسليم بأن تنهار إرادته أمام مجرد هذه المطالبة ما دام أنه يجد في نفسه الصلاحية التي تؤهله للبقاء في الخدمة، خاصة وهو رب أسرة مسئول عن اسمه وسمعته وشرفه.
وانتهت المحكمة إلى أنه وقد اختار المدعي بمحض إرادته تقديم الاستقالة لما رآه فيها من الخير والمصلحة بسبب حالته الصحية وهو على بصيرة من أمره، وبعد أن وازن.. وانتهى إلى هذا الرأي، فإنه لا يجوز له أن يدعي أن إكراها قد أحاط به فأفسد رضاءه ليتنصل من طلب اعتزال الخدمة بتعللات لا تدل على معنى من معاني الإكراه أو تفيد في قيامه، الأمر الذي يتعين معه رفض الدعوى.
وحيث إن الطعن يقوم على قصور الحكم ومخالفته للقانون وإخلاله بحق الدفاع، ذلك أن الطاعن لم يحصر وسيلة الإكراه في مطالبة المدير إياه بالاستقالة لكن دعواه دعوى تعويض عن سلسلة من الإجراءات الجائرة التي لا تقبل التجزئة والتي انتهت بحمل الطاعن على الاستقالة. وأن الطالب لم يكن حراً ولا مختاراً بل كانت إرادته مشوبة بإكراه أدبي غالباً نسج رؤساؤه خيوطه من إساءة استعمال سلطتهم ومن تنكب أحكام القانون العام وقانون تنظيم الجامعات فتبنوا على نحو صارخ في مخالفة للأصول القانونية قاله شفوية ظاهرة السخف رواها شخص ليس له صفة الشاهد ولا صفة صاحب الحق ولا صفة الولي على صاحب الحق عن موضوع واضح طابعة الشخصي الذي لا شأن للجامعة به، واستغل هؤلاء الرؤساء هالة مراكزهم ومكانتها وإمكان اتصالهم بالسلطات وزعم اتصالهم بها في ترويع الطالب وإزعاجه وإقناطه من رد تلك القالة وإثبات براءته للسلطات ومن أحكام التحقيق العادل النزيه. ومع أن أوراق الملف ناطقة بأن السبب الصحي الوارد في كتاب الاستقالة سبب صوري بالنسبة إلى الجامعة والطاعن عول الحكم على هذا السبب الصوري وعزا الاستقالة إلى الحالة الصحية للطاعن، كذلك فإن المحكمة قد أخلت بحق الدفاع إذا التفتت عن طلب الطاعن سماع أقوال مدير الجامعة والطالبات.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني، أشارت فيه إلى أن الثابت من أقوال الدكتور مهدي علام أن الطالب بدأ عليه الاضطراب والقلق حين اطلع على الشكوى كما أن الثابت من أقوال الدكتور الشواربي أن الطاعن أسر إليه عندما عرضت عليه الشكوى بقوله "أنا غرقت وعاوزك تخلصني" فقال للعميد "اصبر عليه شويه" ومن قول هذين الشاهدين يبين أن الطاعن كان مضطرباً قلقاً يحاول من الرهبة التعلق بمن حوله لإنقاذه والتريث معه، مما يؤكد أن رهبة قد وقعت في نفسه مهددة إياه بخطر جسيم محدق وأن الثابت من ملف الدعوى أن الطاعن زوج وأب مسئول عن رعاية النشء وهو في نفس الوقت مريض بمرض السكر حسبما يستفاد من نتيجة الكشف الطبي عليه سنة 1957 فإن الإجراءات التي اتخذت معه استجابة لقول طالب لا شأن له بالموضوع - من بعض أعضاء هيئة التدريس ومعهم السيد عميد الكلية لا شك مؤثرة في هذا الإكراه الذي أدى إلى تقديم الطاعن استقالته ليمنع فضيحة في وسط أسرته ووسط طلابه لا يزيلها مهما ثبت بعد ذلك من عدم ارتكابه لأمر مما أسند إليه - وانتهى التقرير إلى طلب إلغاء الحكم المطعون فيه والحكم للطاعن بالتعويض الذي تقدره المحكمة بمراعاة ما أصابه من فقد لوظيفته، ثم ملاحقته بعد ذلك بإبعاده عن المجالات التي يقدم فيها علمه، واحتياطياً بإحالة الدعوى إلى التحقيق لتتولى المحكمة سماع شهادة الشهود على الوقائع التي أثارها الطاعن حتى تصل إلى الصحيح من الوصف القانوني لوقائع الإكراه لا تزال حكمها موضعاً صحيحاً.
ومن حيث إنه بالعرض للأوراق التي قدمتها الجامعة بشأن واقعة الدعوى يبين أنها تناولت ما يلي بحسب الترتيب الزمني:
(1) مذكرة السيد عميد الكلية في 25 من مايو سنة 1960 وقد أثبت فيها أنه في الرابعة من مساء يوم 25 سنة 1960 حضر إلى مكتبه الزميلان الدكتور الشواربي والدكتور القصاص، وأبلغه الدكتور الشواربي أن الدكتور القصاص أبلغه أمر رأي أن يسمعه إياه لاتصاله بقسم اللغات الشرقية.
وعندئذ سرد الدكتور القصاص ما أخبره به الطالب حامد إسماعيل نقلاً عن خطيبته نبيلة السيد فكري وأثبت العميد أنه اتفق مع الزميلين على دعوة الطالب حامد إسماعيل أمامه في اليوم الثاني لسماع أقواله أولاً، ثم التصرف بعد ذلك.
(2) مذكرة السيد عميد الكلية في 26 من مايو سنة 1960 وقد أثبت فيها حضور الدكتور الشواربي والدكتور القصاص والطالب حامد إسماعيل، وأن الأخير قص عليهم ما ينطبق على ما أخبره به الدكتور القصاص في اليوم السابق نقلاً عنه. فطلب منه أن يحرر مذكرة بذلك ففعل، واتفق معه على إحضار الطالبة نبيلة فكري في يوم 29/ 5/ 1960 للاستماع لأقوالها.
(3) مذكرة الطالب حامد إسماعيل إلى عميد الكلية في 26 من مايو سنة 1960 وقد ضمنها أن خطيبته الآنسة نبيلة السيد فكري أعلمته منذ قرابة أسبوع أن الدكتور............. المدرس بالكلية كان قد حدد للطلبة وطالبات فرع اللغة التركية موعداً لمقابلته في منزله مساء نفس اليوم، فلم يمكنهم تبليغ هذا الموعد لزملائهم من الطلبة،. وتوجهن ثلاثتهن إلى منزل الدكتور نجيب، وكانت الآنسة نبيلة قد تأخرت بعض الوقت في اللحاق بزميلتيها، فلما أن دخلت إلى حجرة الاستقبال وجدت زميلتيها مع الدكتور نجيب الذي أخبرها بأنهما سبقنها ونقلا بعض الدروس، وطلب إليها أن تتوجه إلى حجرة المكتب لنقل ما فاتها، ثم لحق بعد قليل وأعلمها أن زميلتيها قد انصرفتا، ولما اعترضت على ذلك وأبدى ملاحظته على اضطرابها وأمسك يديها ليتحسس حرارتها نتيجة اضطرابها. فحاولت الانصراف فوراً إلا أنه أخذ يطلب منها أن تحضر إليه يومياً حتى يوم الامتحان ليعطيها دروساً خصوصية بغير أجر فرفضت، ثم طلب منها أن تتصل به تليفونياً بحجة أنه يريد سماع صوتها فقط، ولما فشلت جميع عروضه طلب يدها ليقبلها إذا ما كانت تمانع في تقبيله لها، وأخذ يتوسل إليها وركع بالفعل أمامها.. كل هذا وهي تبدي من وسائل الدفاع المسموح لها في مثل هذه الظروف.. ولما فشل في جميع محاولاته وصممت على الخروج أخذ يعتذر لها ويرجوها ألا تبوح بما بدر منه. ويضيف الطالب حامد إسماعيل أنه لما قابل زميلتيها في اليوم التالي ولامهما على انصرافهما وترك خطيبته بمفردها ذكرتا أن الدكتور هو الذي طلب إليهما الانصراف.
(4) إجابة الطالبة نبيلة السيد فكري على سؤال موجه إليها كتابة من العميد عن معلوماتها عن زيارتها لمنزل الطاعن ذكرت فيها أنها وزميلتيها كانتا على موعد مع الطاعن في منزله لشرح بعض الكلمات، وأنها تأخرت في الذهاب لظروف عارضة. فلما لحقت بزميلتيها أعطتها إحداهما الورقة المكتوب بها الكلمات لتنقلها إلا أن الطاعن عرض عليها الذهاب إلى حجرة المكتب ثم لحق بها بعد قليل وأخبرها أن زميلتيها انصرفتا فتألمت وسألته عن سبب ذلك فقال لها أنهما كانتا تنويان النهوض قبل مجيئها. وأنه لم يأمرهن بالانصراف، ومضت في كتابة الكلمات، إلا أنه قال لها أنها مضطربة بعض الشيء وأنه لا داعي لهذا الاضطراب. ثم حاول أن يمسك يديها ليتبين ما إذا كانت باردة أم لا، ثم تصرف بعد ذلك بعض التصرفات التي لم ترض عنها وحاولت الانصراف غاضبة إلا أنه اعتذر عن ذلك وأنها قبلت اعتذاره.
(5) إجابة الطالبتين على سؤال موجه إلى كل منهما من العميد بشأن معلوماتهما ومؤدى إجابة كل منهما أنهما ذهبتا إلى منزل الطاعن في الموعد المحدد وتأخرت الطالبة نبيلة فلقيهما الطاعن وعاونهما في الترجمة، حاولنا الانصراف غير مرة إلا أنه استمهلهما، ثم حضرت نبيلة فأعطياها الورقة لتنقلها إلا أنه عرض عليها الذهاب إلى المكتب، ولما أن لاحظ أنها وزميلتيها تتحادثان في مسائل خاصة عرض عليهما الانصراف إن أرادتا فانصرفتا، وزادت الطالبة تيسير أن الطاعن عرض عليهما الانصراف مرتين وأنه اتصل بها في المنزل ليخبرها أن الطالبة نبيلة غادرت المنزل بعد انصرافهما بعشر دقائق.
(6) ما كتبه الطاعن في 31 من مايو سنة 1960: "لا أنكر مجيء الطالبات إلى داري لشرح بعض النصوص، وأن الطالبة نبيلة دخلت حجرة مكتبي لحضورها متأخرة ورغبة زميلاتها في الانصراف وأن سبب بقائها في حجرة المكتب هي احتمال مجيء الجيران لزيارة زوجتي.. لكني أنكر أني فكرت في الاعتداء عليها وأنها قاومت هذه الرغبة أو أني أهديتها كتاباً من كتبي إرضاء لها لقد أهديته إليها نزولاً على رغبتها".
(7) ما كتبه الطاعن أيضاً في 31 من مايو 1960 وقد ردد بعض ما كتبه أولاً... وأضاف قائلاً "لا أنكر أن الاضطراب كان بادياً على الطالبة نبيلة لانفرادها عن زميلتيها، وربما بدر مني سؤال عن اضطرابها، وقد أكون ربت على كتفها أو يدها دون قصد وبسلامة نية، فإن الطالبة والطالبات يعلمون حق العلم أن صلتي بهم صلة أبوية. أما اتصالي بتيسير تليفونياً بعد خروج نبيلة فلاً أذكر والله وحدوثه لا يدل على شيء ذي بال فتيسير تحدثني تليفونياً أحياناً كما تحدث زوجتي التي تعرفها".
(8) كتاب موجه من الطاعن إلى عميد الكلية مؤرخ 31 من مايو سنة 1960 يعرب فيه عن رغبته في الانتقال إلى وظيفة أخرى غير تدريسية لأسباب صحية، وقد أشر العميد على هذا الطلب في أول يونيه سنة 1960 بتبليغه إلى مدير الجامعة مع التوصية بقبوله "نظراً لظروف الطالب التي أشار إليها والتي أعرفها حق المعرفة".
(9) استقالة مقدمة من الطاعن وموجهة إلى مدير جامعة عين شمس بتاريخ 26/ 7/ 1960. ولم يشر الطاعن فيها إلى الأسباب التي دعته إلى تقديم الاستقالة. وقد أشر المدير في ذات التاريخ بعرضها على مجلس الجامعة الذي وافق عليها بجلسته المنعقدة في 27/ 7/ 1960.
(10) كتاب موجه من السيد مدير جامعة عين شمس إلى السيد وزير التربية والتعليم يبلغه استقالة الطاعن وموافقة العميد عليها في 1/ 6/ 1960 ثم موافقة مجلس الجامعة في 27/ 7/ 1960، وقد أشر الوزير عليها بالموافقة في 9 من أغسطس سنة 1960.
ومن حيث إنه بالعرض لأقوال الشهود الذين سئلوا بمعرفة السيد المفوض، وهم السيد العميد ورئيس القسم والدكتور القصاص، يبين أن العميد قد شهد بأن الدكتور الشواربي رئيس القسم اتصل به أن الدكتور القصاص يرغب في إبلاغه عن شكوى الطالب حامد إسماعيل، فدعا الطالب وسأله عما حدث وكلفه بكتابة معلوماته فدونها على النحو الوارد بالأوراق، ثم دعا الطالبة نبيلة فكري، ومن بعدها الطالبتين الأخريين فكتبت كل معلوماتها، ثم دعا الطاعن وأطلعه على ما كتبته الطالبة النبيلة وخطيبها وزميلتاها، فكتب الطاعن أجابته الأولى، ثم لم يلبث أن بدا عليه الاضطراب والقلق وأخذ يقول أنه في حالة ميسورة وفي غنى عن الوظيفة وسأله عما سيفعل بالأوراق ولما أفهمه أنه من واجبه تبليغها للجامعة، قال أنه يرجو ألا يكون هناك تحقيق، وأنه يلجأ إليه للتصرف بوصفه أخاً أكبر، فأشار الشاهد عليه أن يطلب نقله إلى وظيفة غير تدريسية، وأن يسبب طلبه بضعف صحته، خصوصاً وأن الثابت من ملف خدمته أنه مريض بالسكر، فقدم إليه طلباً مكتوباً بهذا المعنى، وكان قد اتصل بمدير الجامعة فأعرب عن موافقته على إجراء النقل. وأضاف العميد أنه أشر على الطلب بما يفيد توصيته بقبوله لعمله بظروف الطاعن الخاصة، وكان يعني بذلك في حقيقة الأمر ظروف الشكوى وأكد العميد أنه لا يعرف بوجود عداء بين الطاعن ورئيس القسم، وأن رئيس القسم كان حريصاً على ألا يزج بنفسه في موضوع الشكوى، وأنه أي العميد هو الذي طلب إليه الحضور.
ونفى الدكتور الشواربي أن ثمة نزاعاً بينه وبين الطاعن وقال أنه كان حاضراً عندما دعي الطاعن لمقابلة العميد ثم انصرف لبعض الوقت، وعاد فوجد الطاعن وقد كتب إجابته الأولى، وأنه مال عليه قائلاً: "أنا غرفت وعاوزك تخلصني" فرجا العميد أن "يصبر عليه شويه" فأعطاه ورقة وقال أديني حاصبر ويتفضل يجلس على المائدة الجانبية ويكتب ما يشاء وأضاف أن الطالبة عندما دعيت بمكتب العميد قالت أنها مسألة حدثت وأنا قبلت اعتذاره. فأفهمها أن المسألة ليست متعلقة بشخصها وإنما تتعلق بطالبة ومدرس بالجامعة، وأن الطالب كان راغباً في تقديم الشكوى وأنه هدد بالانتقام من المدعي إذا لم تتخذ الجامعة إجراء ما. وقد ردد الدكتور القصاص ما حدث من الطالب.
ومن حيث إن مفاد ما تقدم أنه عزى إلى الطاعن ارتكاب فعل يجافي مقتضيات وظيفته ويفقده الصلاحية للاستمرار في الاضطلاع بتبعاتها، وأن الدلائل كلها تضافرت على صحة هذا الاتهام، فالثابت أنه دعا الفتيات إلى داره لمعاونتهن في شرح ما غم عليهن أثناء الدراسة، وإذ قدمت إحداهن متأخرة عن زميلتيها فقد أشار عليها أن تنتقل إلى غرفة أخرى لتنقل بعض ما فاتها، وما كانت ثمة حاجة إلى مثل هذا التوجيه والفرصة متسعة وأمامها لإجراء هذا النقل في أي وقت آخر وأي مكان.. والثابت أيضاً أنه أشار على الفتاتين الأخريين بالانصراف إن أرادتا، وأنه كرر هذا القول غير مرة، فلم يسعهن إلا مغادرة داره، وليس ينبئ ما بدر منه إلا عن الرغبة في الانفراد بالفتاة وقد فعل. ثم فرطت منه أمور لم ترض عنها الفتاة، وهمت بالانصراف غاضبة، إلا أنه اعتذر لها بيد أنها لم تلبث أن كشفت لخاطبها عما جرى، وأشارت هي إلى ذلك في أقوالها على استحياء.. وشأن المتوجس المستريب بادر فور انصرافها إلى الاتصال بإحدى الفتاتين الأخريين لينبئها بأنها انصرفت في أعقابهما، فلما أن نقل الخبر إلى العميد من خاطب الفتاة طلب منه ومن الفتاة وزميلتيها أن يكتبوا ما لديهم من معلومات، ودعا الطاعن ليواجهه بما كتبوا فأسقط في يده وعراه الاضطراب والتمس العون من رئيس القسم الذي كان بجواره فاستجاب له، وطلب من العميد أن يفسح له فرصة التفكير فيما يكتب ثم التمس النصح من العميد فأشار عليه أن يقدم طلباً بنقله إلى وظيفة أخرى - لكن مدير الجامعة - الذي أحيط خبراً بما جرى - دعاه إلى مكتبه بعد مدة غير قصيرة من إبلاغه بطلب النقل، وانتهى الأمر بتقديم استقالته.
ومن حيث إن الوقائع المتقدمة ثابتة مهما شهد به أو أثبته من جرى سؤالهم عن هذا الموضوع ولم يقم دليل على أن بينهم وبين الطاعن ما يدعوهم إلى الكيد له أو التجني عليه.
ومن حيث إن الطعن قد بني على أن الاستقالة كانت وليدة الإكراه وأن المحكمة قد أخلت بحق الدفاع حين التفتت عن طلب سماع شهود آخرين.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن طلب الاستقالة هو ركن السبب في القرار الإداري الصادر بقبولها، وأنه يلزم لصحة هذا القرار أن يكون الطلب قائماً لحين صدور القرار مستوفياً شروط صحته شكلاً وموضوعاً. وأن طلب الاستقالة باعتباره مظهراً من مظاهر أراده الموظف في اعتزال الخدمة يجب أن يصدر برضاء صحيح، فيفسده ما يفسد الرضا من عيوب، ومنها الإكراه أن توافرت عناصره، بأن يقدم الموظف الطلب تحت سلطان رهبة تبعثها الإدارة في نفسه دون حق، وكانت قائمة على أساس، بأن كانت ظروف الحال تصور له خطراً جسيماً محدقاً يهدده هو أو غيره في النفس أو الجسم أو الشرف أو المال، ويراعي في تقدير الإكراه جنس من وقع عليه هذا الإكراه وسنه وحالته الاجتماعية والصحية وكل ظرف آخر من شأنه أن يؤثر في جسامته وأن الإكراه باعتباره مؤثراً في صحة القرار الإداري - يخضع لتقدير المحاكم الإدارية في حدود رقابتها لمشروعية القرارات الإدارية، كما يخضع لرقابة المحكمة العليا في تعقيبها على أحكام تلك المحاكم.
وحيث إن مساق الوقائع السابق بها العرض لا تنم على وقوع إكراه عليه بل ولا شبهة إكراه، فالرجل قد شعر بفداحة ما جنت يداه وأدرك مغبته، فأثر أن يفصم علاقته الوظيفية مختاراً كي يجنب نفسه مواقف الاتهام وما قد تجره عليه من معقبات افتضاحه والتشهير به، وليس فيما صدر من العميد أو مدير الجامعة ما يشير إلى وقوع إكراه عليه مفسد لرضاه، فهو قد التمس النصيحة بادي الرأي من العميد فأشار عليه أن يتقدم بطلب نقله إلى وظيفة أخرى، ثم لقي المدير وأعقب هذا اللقاء تقديم استقالته، وبفرض التسليم بما قرره الطاعن من أنه أشار عليه أن يستقيل بعد أن صور له أن إبلاغ النيابة الإدارية فيه مساس بكرامته وشخصه وأن السلطات غير راضية عنه - ذلك كله لا يرقى إلى مرتبه التهديد أو الإيعاز بخطر محدق بالنفس أو الجسم أو الشرف أو المال، وليس من الجسامة بحيث تبعث فيمن هو في مثل مركز المدعي وسنه وثقافته رهبة تؤثر على إرادته فتفسدها وإذاً فلا تثريب على الجهة الإدارية إن هي بصرت الطاعن بما قد يترتب على الشكوى من إحالة الأمر إلى النيابة الإدارية وما قد يجره ذلك من إحالته إلى المحاكمة، ثم تركت له التقدير في هذا الشأن فاختار هو أهون الضررين، وإذن فالإدارة بمسلكها هذا لم تتخذ وسيلة غير مشروعة، ولم تنحرف بسلطتها عن الغاية المشروعة، بل أنها سلكت المسلك السوي الواجب عليها اتباعه.
ومن حيث إنه متى كان ذلك، وكان الثابت أن الاستقالة لم تكن وليدة الإكراه بل نتيجة الاقتناع بسلامة مغبتها بالقياس إلى مسالك لا تؤمن عواقبها وأن وقائع التهديد المدعاة - بفرض صحتها - لم تكن لتؤثر في نفس الطاعن تأثيراً يحمله على تقديم الاستقالة، وأن القرار الصادر بقبولها يكون قائماً على سببه.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بما ينعاه الطاعن الحكم المطعون فيه من إخلال بحق الدفاع لرفض المحكمة الاستجابة إلى طلبه سماع بعض الشهود، فإنه متى كان الثابت أن المحكمة وقد افترضت صحة ما طلب المدعي إحالة الدعوى إلى التحقيق لإثباته، ونفت مع ذلك لأسباب سائغة وقوع إكراه مؤثر على إرادة الطاعن، فإنها لا تكون ملزمة بإجراء تحقيق لم تعد ثمة حاجة إليه.
ومن حيث إنه لما تقدم جميعه يكون الحكم المطعون فيه صحيحاً فيما انتهى إليه، ويكون الطعن على غير أساس سليم من القانون حقيقاً بالرفض.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وألزمت المدعي بالمصروفات.

الطعن 907 لسنة 9 ق جلسة 12 / 11 / 1966 إدارية عليا مكتب فني 12 ج 1 ق 13 ص 128

جلسة 12 من نوفمبر سنة 1966

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة الدكتور أحمد موسى وعبد الستار عبد الباقي آدم ويوسف إبراهيم الشناوي وعباس فهمي محمد بدر المستشارين.

------------------

(13)

القضية رقم 907 لسنة 9 القضائية

(أ) مؤسسة عامة. بنك مصر. 

الوضع القانوني لبنك مصر بعد نقل ملكيته إلى الدولة بموجب القانون رقم 39 لسنة 1960 - يعتبر مؤسسة عامة بصريح نص مادته الأولى. اتفاق ذلك وأحكام القانون رقم 32 لسنة 1957 بإصدار قانون المؤسسات العامة الذي لم يقصر تحديد المؤسسات العامة على معناها التقليدي - عدم تخويل البنك اختصاصات السلطة العامة - لا ينفي عنه صفحة المؤسسة العامة وإنما يدل على أن تحقيق أغراض هذه المؤسسة لا يستلزم تخويلها تلك السلطات - عدم تأثر وضع البنك المذكور كمؤسسة عامة خاضعة للقانون رقم 32 لسنة 1957 بصدور القانون رقم 265 لسنة 1960 بتنظيم المؤسسات العامة ذات الطابع الاقتصادي أو القانون رقم 60 لسنة 1963 بإصدار قانون المؤسسات العامة أو بالقانون رقم 117 لسنة 1961 بتأميم بعض الشركات والمنشآت - أساس ذلك.
(ب) مؤسسة عامة. بنك مصر. 

تحويل بنك مصر إلى مؤسسة عامة خاضعة للقانون رقم 32 لسنة 1957 يترتب عليه اعتبار موظفيه موظفين عموميين - خضوعهم للأحكام والأنظمة المقررة بالنسبة لموظفي الحكومة فيما لم يرد بشأنه نص خاص في العقود المبرمة معهم أو اللوائح التنظيمية الصادرة من الجهات المختصة بالبنك قبل تحويله إلى مؤسسة عامة - عدم انطباق القرارات الجمهورية رقمي 1528، 1598 لسنة 1961 ورقم 3546 لسنة 1962 ورقم 800 لسنة 1963 وبالتالي أحكام قانون العمل على موظفي البنك.
(ج) موظف "تأديب. المحاكمة التأديبية". حكم. بنك مصر.
تحويل مؤسسة بنك مصر إلى شركة بموجب قرار رئيس الجمهورية رقم 872 لسنة 1965 - يترتب عليه انطباق لائحة العاملين بالشركات على العاملين به من تاريخ نفاذه - ليس له من أثر على الحكم الصادر قبل هذا التحويل - بحث مشروعية الحكم يتم على أساس القواعد التنظيمية التي كان معمولاً بها عند صدوره.

------------------
1 - أن بنك مصر كان شركة مساهمة يحكمها القانون رقم 26 لسنة 1954 بشأن بعض الأحكام الخاصة بالشركات المساهمة وظل كذلك حتى 11 من فبراير سنة 1960 فصدر القانون رقم 39 سنة 1960 في شأن انتقال ملكية بنك مصر إلى الدولة ونص في مادته الأولى على أن "يعتبر بنك مصر مؤسسة عامة وتنتقل ملكيته إلى الدولة" ونصت المادة السادسة على أن "يظل بنك مصر مسجلاً كبنك تجاري ويجوز له أن يباشر كافة الأعمال التي يقوم بها قبل صدور القانون". وأشارت ديباجة القانون إلى القانون 32 سنة 1957 بإصدار قانون المؤسسات العامة وهو ينص في مادته الأولى على أن "للمؤسسات العامة شخصية اعتبارية ويكون إنشاؤها بقرار من رئيس الجمهورية وفقاً للأحكام المنصوص عليها في هذا القانون.
ويؤخذ من هذا النصوص أن المشرع قد أفصح بعبارات صريحة واضحة لا تحتمل أي تأويل، أنه قصد إلى تأميم بنك مصر ونقل ملكيته إلى الدولة، وأنه بما له من سلطة تقديرية مطلقة في تحديد طرق إدارة المشروعات المؤممة قد اختار له طريق المؤسسة العامة دون شكل الشركة المساهمة. ولا وجه لما أثاره الطاعن من أن بنك مصر لا يقوم على مرفق عام يبرر اعتباره مؤسسة عامة إذ أن المشرع لم يخوله التمتع بسلطات القانون العام مما يقطع بانصراف نيته عن إضفاء صفة المؤسسة العامة على البنك إذ أن قرار رئيس الجمهورية 249 سنة 1961 بإنشاء مؤسسة مصر قد كشف عن قصد المشرع في الشكل الذي أراد أن يضفيه على بنك مصر - ذلك لأنه بالنسبة إلى الاعتراض الأول فإنه يستخلص من نصوص القانون رقم 32 لسنة 1957 المشار إليه ومذكرته الإيضاحية أن المقصود بالمؤسسات العامة في حكم ذلك القانون هو الأشخاص الإدارية التي تنشأ لإدارة المرافق العامة بمعناها المحدد في القانون الإداري، وكذلك الأشخاص الإدارية الأخرى التي تنشأ لإدارة المشروعات العامة التي تنشؤها الدولة أو تملكها عن طريق التأميم، فلم يرد المشرع أن يقصر فكرة المؤسسات العامة على المعنى التقليدي وإنما أراد أن يترك الباب مفتوحاً ليدخل في نطاقها الأشخاص الإدارية التي تدير مشروعات لا يمكن اعتبارها مرافق عامة. وعلى ذلك يكون هذا الاعتراض على غير أساس، أما بالنسبة إلى الاعتراض الثاني فقد نصت المادة الثانية من القانون 32 لسنة 1957 المشار إليه على أن "يبين القرار الصادر بإنشاء المؤسسة ما يكون لها من اختصاصات السلطة العامة لتحقيق الغرض الذي أنشئت من أجله" ومفاد هذا النص أن قرار الإنشاء هو الذي يحدد الاختصاصات اللازمة لتحقيق أغراض المؤسسة، فإذا خلا قرار الإنشاء من سلطات من هذا القبيل فليس معنى ذلك تخلف ركن من الأركان اللازم توافرها لإنشاء المؤسسات وإنما يحمل ذلك على أن تحقيق أغراض المؤسسة لا يستلزم تخويلها تلك السلطات، وأما بالنسبة للاعتراض الثالث فإنه يبين من الاطلاع على قرار رئيس الجمهورية رقم 249 لسنة 1961 أنه قضى في مادته الأولى بإنشاء مؤسسة عامة تسمى مؤسسة مصر ونصت المادة الثانية منه على ما يأتي: "يتكون رأس مال المؤسسة المذكورة من............. (ب) رأس مال بنك مصر وغيره من المؤسسات العامة التي يصدر بتحديدها قرار من رئيس الجمهورية، ويظل لبنك مصر الشخصية المعنوية". فهذا القرار لم يمس الكيان القانوني لبنك مصر بعد أن أصبح مؤسسة عامة ولم يدمجه في المؤسسة الجديدة وإنما ملكها رأس ماله.
أن وضع بنك مصر كمؤسسة عامة ينطبق عليها أحكام القانون رقم 32 لسنة 1957 لم يتأثر بصدور القانون 265 سنة 1960 بتنظيم المؤسسات العامة ذات الطابع الاقتصادي أو القانون 60 سنة 1963 بإصدار قانون المؤسسات العامة ذلك لأنه مناط انطباق هذين القانونين على المؤسسات العامة القائمة وقت صدورها هو أن يصدر بذلك قرار من رئيس الجمهورية (المادة الأولى من القانون الأول والمادة 35 من القانون الثاني) وهو الأمر الذي لم يتحقق بالنسبة إلى مؤسسة مصر فلم يصدر قرار بتطبيق أي من هذين القانونين عليها. كما لم يتأثر الوضع القانوني للبنك بصدور القانون رقم 117 لسنة 1961 بتأميم بعض الشركات والمنشآت والذي بموجبه أممت جميع البنوك وشركات التأمين، ذلك لأن هذا القانون لا يسري إلا بالنسبة إلى الشركات والمنشآت المنصوص عليه في الجدول المرافق للقانون وليس من بينها بنك مصر.
2 - أنه وقد حول بنك مصر إلى مؤسسة عامة وفقاً للقانون 32 لسنة 1957 المشار إليه فمن ثم فإن موظفيه يعتبرون موظفين عموميين بحكم تبعيتهم لشخص من أشخاص القانون العام وتسري عليهم تبعاً لذلك الأحكام والأنظمة المقررة بالنسبة لموظفي الحكومة فيما لم يرد بشأنه نص خاص في العقود المبرمة معهم أو اللوائح التنظيمية الصادرة من الجهات المختصة بالشركات قبل تحويلها إلى مؤسسة عامة عملاً بنص المادة 13 من القانون 32 لسنة 1957 المشار إليه وهي تنص على ما يلي "تسري على موظفي المؤسسات العامة أحكام قانون الوظائف العامة فيما لم يرد بشأنه نص خاص في القرار الصادر بإنشاء المؤسسة أو اللوائح التي يضعها مجلس الإدارة". وقد أشارت المذكرة الإيضاحية للقانون لهذا المعنى صراحة بقولها "ونظراً لما يترتب على اعتبار المؤسسة شخصاً من أشخاص القانون العام من اعتبار موظفيها موظفين عموميين فقد عنى بالنص على أن تسري عليهم الأحكام العامة في شأن التوظف التي تسري على موظفي الحكومة.
ولا وجه للاعتداد بما أبداه أطراف الخصومة من انطباق القرارات الآتية على موظفي بنك مصر وهي قرارات رئيس الجمهورية أرقام 1598 سنة 1961 بإصدار لائحة نظام موظفي الشركات التابعة للمؤسسات العامة والقرار 1528 سنة 1961 بإصدار لائحة نظام موظفي وعمال المؤسسات العامة والقرار 3546 سنة 1962 بإصدار لائحة نظام العاملين بالشركات التابعة للمؤسسات العامة والقرار 800 سنة 1963 الذي قضى بتطبيق القرار 3546 سنة 1962 على موظفي المؤسسات العامة - كل في نطاقه الزمني وكل هذه القرارات عدا القرار الثاني منها تحيل إلى قانون العمل فيما لم ينص عليه نظام المؤسسة أو الشركة - لا اعتداد بذلك - لأن القرارين 1598 لسنة 1961، 3546 لسنة 1962 خاصان بموظفي الشركات التابعة للمؤسسات العامة فهو لا يسري على موظفي المؤسسات العامة ومن بينها موظفو بنك مصر. كما أن القرار 1528 سنة 1961 خاص بموظفي المؤسسات العامة ذات الطابع الاقتصادي والتي يصدر بتحديدها قرار من رئيس الجمهورية، وبنك مصر لا يعتبر من هذه المؤسسات على الوجه السالف بيانه، وأما بالنسبة إلى القرار 800 سنة 1963 فإنه مقصور التطبيق على موظفي المؤسسات العامة بالمفهوم الذي عناه قانون المؤسسات العامة رقم 60 لسنة 1963 دون العاملين بمؤسسات عامة لا ينطبق عليها أحكام القانون 60 سنة 1963 المشار إليه وعلى هذا الوجه فلا ينطبق على موظفي مؤسسة بنك مصر.
3 - أنه بتاريخ 21 مارس سنة 1965 وبعد أن صدر الحكم المطعون فيه صدر قرار رئيس الجمهورية رقم 872 سنة 1965 بتحويل مؤسسة بنك مصر إلى شركة مساهمة عربية يتولى البنك المركزي وضع نظامها، إلا أن هذا القرار وما ترتب عليه من انطباق لائحة العاملين بالشركات على العاملين بالبنك اعتباراً من تاريخ نفاذه ليس له من أثر على الحكم المطعون فيه الذي تبحث مشروعيته على أساس القواعد التنظيمية التي كان معمولاً به عند صدوره دون غيرها.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة - حسبما يبين من الأوراق - تتحصل في أنه بتاريخ 11 من يوليه سنة 1962 أودعت النيابة الإدارية سكرتيرية المحكمة المختصة بمحاكمة موظفي وزارات الحكومة مصالحها من الدرجة الأولى فما فوقها ومن في حكمهم من موظفي المؤسسات والهيئات العامة أوراق الدعوى التأديبية التي قيدت بسجل المحكمة تحت رقم 10 لسنة 4 القضائية وتقرير اتهام فيها ضد السيد/ مختار عبد الغفار خليفة وكيل بنك مصر فرع المنصورة متضمناً اتهامه بأنه في خلال المدة من يوليه سنة 1958 إلى مايو سنة 1961 بتوكيل بنك مصر فرع المنصورة بدائرة محافظة الدقهلية لم يؤد عمله بالدقة والأمانة وخرج على مقتضى الواجب الوظيفي وعرض إيراد البنك للخسارة وأخل بنظام الائتمان الخاص بالبنك وقام بإجراءات المشتروات الخاصة بالفرع بالمخالفة للتعليمات وحمل أموال البنك بمصروفات دون حق وقد تم ذلك على الوجه الآتي:
أولاً - عن إخلاله بنظام الائتمان الخاص بالبنك:
(1) قام خلال موسمي 1959/ 1960، 1960/ 1961 بتسليف عملاء البنك الموضحة أسماؤهم في التحقيقات مبالغ أكثر من قيمة البضائع المودعة والضامنة لمسحوباتهم.
(2) صرح لعملاء الفرع، أخوان أبو الحسن بشحن كميات من الأرز الأبيض قيمتها 23 ألف جنيه إلى الإسكندرية وتخزينها بمعرفتهم مما أخرجها من حيازة البنك مع أنها كانت مرهونة لديه بمعرفة هؤلاء العملاء الأمر الذي من شأنه الانتقاص من ضمانات هذا الرهن ويخل بحقوق البنك ويلحق الضرب بماليته لولا أن تنبه فرع مينا البصل بالإسكندرية الذي أخطر الإدارة العامة فاتخذت الإجراءات لتثبيت حيازة البنك على هذا الأرز.
(3) خالف الشروط التي وضعتها إدارة البنك لإعادة التعامل مع عميل الفرع السابق محمود متولي رمضان فأخل بضمانات البنك قبل هذا العميل ومن أمثلة ذلك:
( أ ) في أنه كان يسلف هذا العميل بأكثر من قيمة بضائعه المودعة بالبنك مخالفاً بذلك الشروط التي تقضي بأن يحتفظ البنك في هذه الحالة بالاحتياط الكامل وقدره 25% فلاً تجاوز السلعة 75% من قيمة البضائع.
(ب) صرف إلى العميل المذكور مبالغ مقابل أقطان تحت الوزن.
(ج) لم يستوف شروط حيازة البنك على البضائع المخزونة بالشونة الملحقة بمحلج العميل والمملوكة لهذا الأخير، فلم يحرر عقد إيجار لمكان التشوين وفقاً للمتبع.
(د) لم يتثبت من ملكية العميل للمحلج باستخراج كشوف مكلفة أو شهادات مصرف.
(هـ) لم يظهر مركز هذا العميل على حقيقته خلال المدة من 25/ 1 حتى 23/ 4/ 1961 فلم يقيد فواتير حلج الأقطان أولاً بأول طبقاً للتعليمات بل فعل ذلك دفعة واحدة في نهاية الموسم ليخفي حقيقة مركز العميل عن إدارة البنك.
(4) صرف إلى السيدة/ إحسان النمر عدة مبالغ بلغ مجموعها في شهر إبريل سنة 1961 مائة جنيه دون عقد سلفة وبغير ضمان ودون حساب فوائد مخالفاً بذلك تعليمات البنك.
(5) صرف إلى العميل حسن صالح الحديدي مبالغ تزيد على 700 جنيه خلال النصف الأول من عام 1961 دون تأمين أو عقد سلفة أو حساب فواتير مخالفاً بذلك تعليمات البنك.
ثانياً - عن خروجه على تعليمات البنك الخاصة بنظام المشتريات:
خالف تعليمات البنك المنظمة لأعمال المشتريات فتعمد القيام بمشتريات لفرع المنصورة محلياً بلغت قيمتها 2700 جنيه دون الرجوع إلى المركز الرئيسي للبنك ودون أن يتبع الإجراءات السليمة في هذه المشتريات وبغير تصريح منه قاصداً من وراء ذلك تحقيق نفع لنفسه الأمر الذي كان من شأنه إلحاق الضرر بمالية البنك، وقد تم ذلك على الوجه الموضح بأوراق التحقيق.
ثالثاً - حمل ميزانية البنك دون حق أثمان مشتريات خاصة به كماكينة تجديف للرياضة وبطاطين وأدوات منزلية ومفروشات وتكاليف ترميمات وعمل أرفف بمسكنه كما حملها مبالغ دون حق ثمناً لمشتريات لم يثبت أنها وردت للبنك وقد تم ذلك على الوجه المبين بالأوراق.
رابعاً - حمل ميزانية البنك دون حق قيمة ما كان يجب عليه أن يدفعه مقابل الاستهلاك الكهربائي في منزله طوال مدة عمله بالفرع منذ يوليو سنة 1958 حتى شهر إبريل سنة 1961 مخالفاً بذلك المنشور الدوري رقم 435 في 18/ 7/ 1936 الذي يقضي بأن يتحمل وكلاء الفروع استهلاكاتهم من التيار الكهربائي بواقع 20% من جملتها يدفع شهرياً في الجهات التي ليس بها استراحة، 15% في الجهات التي بها استراحة.
خامساً - أمر بصرف بدل غذاء لموظفي الفرع متجاوزاً بذلك ما تقضي به أحكام اللائحة العامة لموظفي البنك.
وبناء على ذلك يكون الموظف المذكور قد ارتكب المخالفات الإدارية والمالية المنصوص عليها في المواد 12، 20، 21، 23، 24 من اللائحة الخاصة بموظفي وعمال بنك مصر والمادتين 9، 1/ 6 من لائحة الجزاءات الخاصة بموظفي البنك والمادة 82 مكرراً فقرة 5 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة لذلك طلبت النيابة الإدارية محاكمته بالمواد المذكورة تطبيقاً للقانون رقم 39 لسنة 1960 باعتبار بنك مصر مؤسسة عامة والمادة 4 من القانون 19 لسنة 1959 والمواد 14، 31 من القانون رقم 117 لسنة 1958.
وبجلسة 20 من أكتوبر سنة 1962 قررت المحكمة وقف السير في الدعوى حتى تنتهي النيابة العامة من التحقيقات التي تباشرها بشأن موضوع الاتهام. وبعد أن قررت النيابة العامة إحالة الأوراق إلى الجهة التي تتولى محاكمته تأديبياً لاستئناف السير في محاكمته على ما وقع منه من مخالفات، استأنفت المحكمة التأديبية نظر الدعوى.
وبجلسة 25 من مايو سنة 1963 حكمت المحكمة بمجازاة المتهم بعقوبة العزل من الوظيفة مع حرمانه من عشر مكافأة انتهاء الخدمة وأقامت المحكمة قضاءها على أن ما دفع به المتهم من بطلان التحقيقات استناداً إلى المادة 66 من القانون 91 سنة 1959 بإصدار قانون العمل في غير محله لأن المتهم يحاكم وفقاً لأحكام القانونين 39 سنة 1960، 117 سنة 1958، وأما بالنسبة للموضوع فقالت المحكمة أن التهم المسندة إلى المتهم قد ثبتت في حقه على الوجه الآتي:
فبالنسبة إلى التهمة الأولى الخاصة بالإخلال بنظام الائتمان الخاص بالبنك فقد ثبتت التهمة في حقه بجميع أشطارها ذلك لأنه يتضح من الكشوف المدونة بها بيانات المناقضات عن مراكز العملاء أن الإدارة كانت تناقض المتهم في تصرفاته بالنسبة إلى عملاء الفرع وقد ذكر السيد/ طه برعي مهنا مدير إدارتي التفتيش والفروع أن الإدارة لفتت نظر المتهم عدة مرات إلى خروجه على تعليمات البنك ووصل الأمر إلى حد تهديده واستدعائه للإدارة، وكان دائماً يطلب الصفح والتجاوز، وأنه لهذا السبب هدده السيد/ محمود العتال عضو مجلس الإدارة المنتدب وأنذره بالوقف والفصل. وقد شهد السيد العضو المنتدب أنه تبين للبنك أن هناك تجاوزاً كبيراً في حساب بعض العملاء فاستدعى المتهم وأنذره ثم تفاهم معه على كيفية تسوية العجز. ولم ينازع المتهم في أنه لم يلتزم تعليمات البنك فيما يتعلق بالتجاوز عن الحدود القصوى المصرح بها بالنسبة للعملاء وإن كان قد أرجع ذلك إلى أسباب غير مقبولة وليس من شأنها إعفاؤه من المسئولية، أما عن قول المتهم أن الإدارة كانت تعلم بكل تجاوز وأنها كانت تقره بعض الحالات أو تزيد عليه حسبما يبين من الأمثلة التي أوردها في دفاعه فإن هذا لا يصلح سبباً في خروجه على الأنظمة كما أن موافقة الإدارة على بعض التجاوز كان مرجعه في غالب الأحيان أن المتهم وضعها أمام الأمر الواقع بالمخالفة لأحكام الأنظمة المعمول بها، وأن السياسة التي انتهجها المتهم كانت من الخطورة إلى الحد الذي يخشى منها على ضياع أموال البنك - وأما بالنسبة للتصريح الصادر لأخوان أبو الحسن فقد ثبت للمحكمة أن خروج الأرز من حيازة البنك كان مرجعه عدم اتخاذ المتهم الإجراءات اللازمة لضمان استمرار حيازة البنك لذلك الأرز بنقله إلى شونه، ولا يعفيه من هذه المسئولية محاولة إلقائها على عاتق موظفين آخرين لأنه مسئول معهم عن تنفيذ التعليمات. وأما بالنسبة للمخالفة الخاصة بمركز العميل محمود متولي رمضان فرأت المحكمة أنه كان على المتهم أن يلتزم الشروط التي وضعتها الإدارة.. عندما وافقت على إعادة التعامل مع العميل، ولا يتجاوزها إلا بعد الحصول مقدماً على موافقتها، ولا يبرر هذه المخالفة علم البنك بالتجاوز بعد وقوعه كما أن ما يقوله المتهم في تبرير صرف مبالغ لهذا العميل مقابل أقطان تحت الوزن، من أن الإدارة وافقت على الصرف لبعض العملاء مقابل أقطان تحت الوزن لا يبرر تصرف المتهم من تلقاء نفسه لأن الإدارة هي المختصة في الحالتين بالموافقة على الصرف أو عدم الموافقة على ذلك، ويضاف إلى ذلك أن المتهم مسئول عن عدم قيد فواتير حلج الأقطان أولاً بأول لمخالفة ذلك للتعليمات ولأن هذا التصرف يساعد على عدم أظهار مركز العميل بقدر قيمة الفواتير وكذلك فهو مسئول عن عدم تحرير عقد بإيجار شونة العميل وعدم استخراج صور مكلفات للمحلج. وأما بالنسبة إلى موضوع السلفة الخاصة بالسيدة أحسان عارف النمر فإنه وإن كان المتهم هو المختص بالموافقة على منح الفرق فقد كان يجب عليه أن يضمن تقديمه الشروط التي تستوجبها التعليمات من تحرير عقد أو كمبيالة، ولا يمكن إلقاء أي مسئولية في هذا الصدد على الموظفين المختصين لأن التصريح بالصرف صدر دون أي قيد أو شرط. وأما بالنسبة للسلفة الخاصة بالعميل حسن صالح الحديدي ومقدارها 700 جنيه فإنها من ناحية تجاوز حدود اختصاص المتهم. وفقاً للأمر الصادر في 30 من نوفمبر سنة 1957 حسبما ذكر في التحقيق عند أجابته على سلفة السيد أحسان النمر، إذ يعطي لوكيل الفرع حق التصريح بالسلفة الجديدة في حدود 250 جنيهاً وحق تجديد السلفة في حدود 500 جنيه ومن جهة أخرى أصدر المتهم التصريح بصرفها دون أي قيد أو شرط، ولا يحول دون قيام هذه المسئولية ما قاله من أنه يملك إصدار كتابات الضمان في حدود 1000 جنيه مقابل حساب جار قدره 25% باعتبار أن المخاطرة في الأمرين واحدة طالما أن للاختصاص بالموافقة على السلف نصاباً يقل عن ذلك. وأما بالنسبة للتهمة الثانية والمتعلقة بخروج المتهم على تعليمات البنك الخاصة بنظام المشتريات. فقد رأت المحكمة أن المتهم أقحم نفسه في عدة مشتريات وأن كلاً من العضو المنتدب ومدير التوريدات قد شهدا بأن التعليمات لا تجيز الشراء محلياً بغير تصريح سابق من إدارة البنك وأن مدير التوريدات أضاف أن الصرف جرى على أنه يجوز للفروع الشراء في الحالات الطارئة في حدود بسيطة وهو ما لا ينطبق على معظم المشتريات. وأما بالنسبة للمخالفات الثالثة والخاصة بتحميل ميزانية البنك ثمن مشتريات خاصة بالمتهم فقالت المحكمة أن التحقيقات أسفرت عن أن المتهم استغل وظيفته أسوأ استغلال وبشكل غير لائق بموظف في مثل مركزه ولا ينفي هذه المسئولية قيامه برد المبالغ التي قدر البنك أنه تحملها نتيجة لتصرف المتهم.
وأقامت المحكمة قضاءها بالنسبة للمخالفة الرابعة والخاصة بتحميل الميزانية دون حق مقابل استهلاك مسكنه عن التيار الكهربائي على أن منشورات الإدارة تنشأ في حق المتهم هذا الالتزام وقد برر عدم دفعه بمبررات غير مقبولة ومن ثم تكون مخالفة عدم الدفع ثابتة في حقه.
وأما بالنسبة للتهمة الأخيرة وهي قيام المتهم بصرف بدل غذاء للموظفين بالمخالفة لتعليمات البنك فرأت المحكمة أنها ثابتة في حقه لأنه كان يتعين عليه تنفيذ أحكام اللائحة الخاصة بالبنك ولا يخالفها إلا بعد الرجوع مقدماً إلى الإدارة المختصة.
وانتهت المحكمة إلى أن المخالفات التي ثبتت في حق المتهم من الخطورة بحيث تجعله غير أهل لتحمل مسئوليات وظيفته وغير صالح للاستمرار فيها مما يستوجب الحكم بعزله مع حرمانه من عشر مكافأته.
ومن حيث إن مبنى الطعن - على ما جاء في عريضة الطعن والمذكرات الشارحة - أن الحكم المطعون فيه قد شابته المخالفات الآتية:
أولاً - الخطأ في تطبيق القانون وتأويله فقد اعتبرت المحكمة بنك مصر مؤسسة عامة والطاعن موظفاً عاماً تنطبق في شأنه قواعد التوظف على أن هذا التكييف غير صحيح، ذلك لأنه وإن كان القانون رقم 39 سنة 1960 في شأن انتقال ملكية بنك مصر إلى الدولة قد وصف البنك بأنه مؤسسة عامة تابعة للمؤسسة الاقتصادية إلا أن هذا الوصف يجاوز قصد المشرع ولا يتطابق والواقع القانوني الذي أفصح عنه القرار الجمهوري رقم 249 لسنة 1961 الذي أنشأ مؤسسة مصر وجعل بنك مصر أحد فروعها، فالمعيار المميز للمؤسسات العامة أنها تقوم على إدارة مرفق عام الأمر الغير متوافر بالنسبة إلى بنك مصر، فهو لا يقوم إلا بالأعمال المصرفية شأنه في ذلك شأن سائر البنوك الأخرى التي خضعت لأحكام القانون رقم 117 سنة 1961 وانتقلت ملكيتها إلى الدولة، ولا خلاف في أنها ظلت جميعها شركات خاضعة لأحكام القانون الخاص ولم ينازع أحد في أنها تعتبر مؤسسات عامة. ولا أدل على قصد المشرع أنه لم يقصد اعتبار بنك مصر مؤسسة عامة كما أنه لم يخوله التمتع بسلطات القانون العام كنزع الملكية وحق التنفيذ المباشر، وهي أهم ما يميز أشخاص القانون العام عن أشخاص القانون الخاص وقد رأى المشرع في النهاية أن يصحح الوضع فأصدر القرار الجمهوري رقم 872 سنة 1965 باعتبار بنك مصر شركة مساهمة عامة وهذا القرار ليس إنشاء لوضع جديد وإنما هو كشف عن حقيقة قانونية خشي المشرع أن تضيع في غمار تسمية خاطئة. ويترتب على تكييف بنك مصر أنه شركة من شركات القطاع العام وليس مؤسسة عامة النتائج الآتية:
( أ ) أن الحكم المطعون فيه صدر من محكمة مختصة بإصداره. ذلك لأن الأصل في تحديد الجهة التي تملك التأديب أن يتوقف ذلك على الجهة التي يتبعها الموظف فإذا كان عاملاً في مؤسسة أو هيئة عامة اختصت بمحاكمته المحكمة التأديبية المختصة بمحاكمة الموظفين العموميين، أما إذا كان عاملاً في شركة فإنه تختص بمحاكمته المحكمة التي نص عليها القانون رقم 19 لسنة 1959، وإذا كان بنك مصر شركة من شركات القطاع العام وفقاً للتكييف الصحيح فإن المحكمة المختصة بمحاكمة المدعي تكون هي المحكمة المختصة بتأديب موظفي الشركات. ولما كان الحكم قد صدر من محكمة أخرى هي المحكمة المختصة بمحاكمة الموظفين فأنه يكون باطلاً لصدوره من محكمة لا ولاية لها.
وقال الطاعن أنه مع التسليم جدلاً بأن بنك مصر هو مؤسسة عامة وليس شركة فليس مناط تحديد الاختصاص التأديبي بالنسبة لغير موظفي الحكومة هو الوصف الذي يعطي للجهة التي يعمل بها الموظف وإنما بطبيعة مركز العامل المقدم إلى المحاكمة وهل هو مركز تنظيمي فيعتبر موظفاً بمؤسسة أو هيئة عامة ويجري في شأنه ما يجري في شأنه الموظفين من ضوابط تأديبية أو هو مركز تعاقدي فيخرج من عداد موظفي المؤسسات والهيئات. ولا شبهة في أن موظفي بنك مصر لا يعتبرون موظفين عامين ولا تعتبر مراكزهم تنظيمية وإنما هم يخضعون للوائح الخاصة بهم ولقانون العمل، ولا يترتب على التأميم إلا انتقال عقود استخدامهم إلى المؤسسة الجديدة دون أن يمس ذلك بمراكزهم التعاقدية. وقد أخذ المشرع بها الرأي فأصدر القرار الجمهوري رقم 800 لسنة 1963 بسريان لائحة العاملين بالشركات رقم 3546 سنة 1962 على موظفي المؤسسات العامة وتنص المادة الأولى من هذا القرار الأخير على أن قانون العمل يسري على موظفي المؤسسات العامة فيما لم يرد بشأنه نص خاص في اللائحة يكون أكثر سخاء بالنسبة إليهم. وعلى أساس هذه الفكرة أيضاً جرى قضاء المحاكم التأديبية على الاختصاص بالنظر في محاكمة موظفي البنوك المؤممة (بنك الجمهورية وبنك الاتحاد التجاري).
(ب) المحكمة طبقت قانوناً غير القانون الواجب التطبيق: ذلك لأنه يتوقف على تحديد طبيعة المؤسسة التي يعمل بها الطاعن تحديد القانون الواجب التطبيق من الناحية الموضوعية وهل هو قانون نظام موظفي الدولة فيما لم يرد بشأنه نص خاص بلائحة المؤسسة، أو هو قانون العمل، وإذ كان بنك مصر في حقيقته شركة من شركات القطاع العام فمن ثم يكون القانون الواجب التطبيق هو قانون العمل في كل ما يتعلق بعناصر التأديب أي سواء ما تعلق منها بطبيعة الدعوى أما ما يجري في شأنها من تحقيق أو سقوط. ونتيجة لذلك كان يجب على المحكمة أن تقضي ببطلان تحقيق النيابة الإدارية وسقوط المخالفات المنسوبة إلى الطاعن عملاً بنص المادة 66 فقرة 2، 3 من قانون العمل رقم 91 سنة 1959 التي تقضي بعدم جواز اتهام العامل في مخالفة مضى على كشفها أكثر من 15 يوماً أو توقيع عقوبة تأديبية بعد ثبوت المخالفة بأكثر من ثلاثين يوماً، إذ الثابت أن الاتهام وجه إلى الطاعن بعد كشف المخالفات بأكثر من خمسة عشر يوماً ووقعت العقوبة بعد أكثر من ثلاثين يوماً، وإذا فرض جدلاً أن التحقيقات التي أجرتها النيابة الإدارية صحيحة فإنها قد انتهت من التحقيق في يناير سنة 1962 ولم تقم بإيداع الدعوى التأديبية سكرتيرية المحكمة إلا في شهر يوليه سنة 1962 أي بعد أكثر من ثلاثين يوماً منذ ثبوت المخالفة الأمر الذي يترتب عليه سقوط الدعوى التأديبية.
(جـ) إذا كان بنك مصر مؤسسة عامة عند نظر الدعوى التأديبية وغدا أثناء نظر الطعن شركة تجارية وتغيرت الطبيعة القانونية للعاملين فيه (وهو ما لا يسلم به الطاعن) نتيجة لصدور قرار رئيس الجمهورية رقم 872 سنة 1965 فإن الأثر الفوري لهذا القرار يقتضي إعادة النظر في الحكم المطعون فيه باعتبار أن الأمر يتعلق بنظام العقاب على النحو الذي فصلته المحكمة الإدارية العليا في حكمها الصادر في الطعن رقم 702 سنة 10 قضائية.
ثانياً: عدم استخلاص الحكم المطعون فيه النتائج التي انتهى إليها استخلاصاً سائغاً فقد انتهى الحكم المطعون فيه إلى إدانة الطاعن في جميع التهم المنسوبة إليه وهي تندرج تحت طائفتين:
(1) المخالفات الفنية.
(2) المخالفات الإدارية.
وأما بالنسبة إلى المخالفات الفنية وهي التي تقوم على إخلال مزعوم من جانب الطاعن بنظام الائتمان فقد تصور الحكم أنها تخضع لقواعد جامدة أو تعليمات صارمة دون اعتبار لظروف المرنة التي يترك تقديرها للموظفين الذين يشغلون وظائف رئيسية وفات الحكم أن الطاعن بحكم منصبه يتمتع بسلطة تقديرية واسعة في تصريف شئون البنك ولاسيما فيما يتعلق بالمسائل الفنية، وإذا جاز أن يحاسب على خطأ في التقدير فلاً يجوز أن يحاسب تأديبياً عن أمر تتفاوت فيه التفسيرات ووجهات النظر، والطاعن لم يخرج عن نطاق التقدير ويجاوزه إلى حد الانحراف الذي يمكن أن يحاسب عليه تأديبياً. وقد شهد الأستاذ علي البسيوني المدير المساعد المختص بفروع البنك بالوجه البحري "أن حالة العمل وظروفه قد تضطر وكيل الفرع إلى التجاوز عن الحد المصرح به وإلى التجاوز في الصرف تحت مسئوليته الشخصية ولم تجر العادة على عمل تحقيق مع الوكيل عند كشف حساب العميل ويجوز عند الصرف أن يكون الوكيل يأمل في تحسين المركز نتيجة ضرب الأرز أو حلج القطن ويستفيد الفرع من كثرة الوارد، وأن إدارة البنك كانت على علم بحالة الصرف وهذا هو السبب في إرسال المناقضات". وشهد بذلك أيضاً السيد محمود العتال العضو المنتدب. وإذ كان للوكيل أن يتصرف تحت مسئوليته فإن الصرف يعتبر أمراً فنياً يخضع لتقديره ولا يعد من الأخطاء التأديبية وإنما هو خطأ فني مما تتسع له مخاطر المهنة ولا يجوز أن يكون محلاً لمحاكمة تأديبية.
وأما بالنسبة إلى المخالفات الإدارية فقد أورد الطاعن بصحيفة طعنه ومذكراته الشارحة رده على جميع التهم التي نسبت إليه بما يتفق وما سبق أن أبداه في مذكراته التي قدمها إلى المحكمة التأديبية العليا. وانتهى الطاعن إلى أن المحكمة التأديبية إذ قضت بإدانته وهي غير مختصة بمحاكمته تكون قد أخطأت في تأويل القانون وتطبيقه كما أخطأت في استخلاص النتيجة التي انتهت إليها من ملف التحقيقات مما يجعل حكمها باطلاً.
ومن حيث إن مفوض الدولة قدم تقديراً انتهى فيه إلى طلب الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء في موضوع الدعوى بالجزاء المناسب عما ثبت في حق الطاعن من مخالفات، وأقام رأيه على أساس أن بنك مصر يعتبر مؤسسة عامة وأن موظفيه هم موظفون عموميون فتسري عليهم أحكام قانون التوظف فيما لم يرد بشأنه نص خاص في القرار الصادر بإنشاء المؤسسة أو اللوائح التي يضعها مجلس الإدارة، فضلاً عن أحكام قرار رئيس الجمهورية رقم 1538 سنة 1961 ثم قرار رئيس الجمهورية رقم 800 سنة 1963 الذي قضى سريان لائحة العاملين بالشركات التابعة للمؤسسات العامة الصادر بها قرار رئيس الجمهورية رقم 3546 سنة 1962 على العاملين بالمؤسسات العامة كل في نطاقه الزمني. ويسري في شأن تأديب هؤلاء الموظفين أحكام القانونيين رقمي 117 لسنة 1958، 91 لسنة 1959، وأنه إذا عرضت الدعوى التأديبية على المحكمة المختصة وفقاً لهذين القانونين فهي لا تتقيد بالأحكام الموضوعية المنصوص عليها في القانون رقم 91 سنة 1959 أو المواعيد المحددة لسقوط حق رب العمل في توقيع الجزاء الوارد به وإنما هي تطبق أحكام قانون النيابة الإدارية، وعلى ذلك يكون الدفع ببطلان التحقيق وسقوط الدعوى التأديبية على غير أساس من القانون.
وأما بالنسبة إلى الموضوع فيرى المفوض أن جميع التهم ثابتة في حق الطاعن وأن المحكمة التأديبية استخلصت أدلة الإدانة من واقع التحقيقات فيما عدا التهمتين الثانية والرابعة، فالتهمة الثانية خاصة بخروج الطاعن على التعليمات الموضوعة لنظام مشتريات البنك. وقد أسند إلى الطاعن أنه قام بشراء مهمات تقدر بمبلغ 2700 جنيه دون الرجوع في ذلك إلى المركز الرئيسي ودون اتباع الإجراءات السليمة في الشراء كالشراء بالمناقصة أو بالممارسة بمعرفة لجنة قاصداً من ذلك تحقيق منفعة لنفسه وإذ كانت الأوراق قد خلت من تعليمات كما لم يثبت أن الطاعن أراد أن يحقق منفعة ذاتية، ولا يكفي في هذا الصدد مجرد الشبهات التي حامت حوله فإن المحكمة التأديبية تكون قد أخطأت في تحصيل الواقعة وأما بالنسبة للتهمة الرابعة والخاصة بتحمل التيار الكهربائي فالملاحظ أن الطاعن لم يتبع أساليب احتيالية للتحلل من دفع قيمة الاستهلاك وأنه كان واقعاً في خطأ يتحصل في أن وكيل الفرع معفى من دفع القيمة وقد بادر إلى سداد المبلغ بمجرد مطالبته ومن ثم فلاً يكون هناك وجه للمخالفة. ولما كان الجزاء الذي وقعته المحكمة والحالة هذه يكون غير قائم على كامل سببه فمن ثم يتعين إلغاء الحكم وتوقيع للجزاء المناسب لأن الدعوى مهيأة للفصل في موضوعها.
ومن حيث إن إدارة قضايا الحكومة قدمت مذكرات رددت فيها ما جاء في تقرير مفوض الدولة إلا فيما يتعلق بما ارتآه بالنسبة إلى التهمتين الثانية والرابعة فقد رأت.. إدارة قضايا الحكومة أن ما ورد بالتقرير بشأنهما لا يتفق مع الواقع أو القانون ذلك لأنه من الأمور المسلمة أن للمحكمة التأديبية الحرية المطلقة في أن تستمد الدليل الذي تقتنع به فلها أن تأخذ بأقوال الشهود وإذا اطمأنت إليها أو بما تطمئن إليه منها كما لها إلا تأخذ بها إطلاقاً دون معقب عليها في ذلك وإذا بنت المحكمة التأديبية رأيها على أساس من الوقائع التي استخلصتها من التحقيقات فإن حكمها يكون سليماً ولا معقب عليه. وانتهت إدارة قضايا الحكومة إلى أن المخالفات التي أسندت إلى الطاعن ثابتة في حقه ومنها ما يكفي وحده لتوقيع الجزاء الذي وقعته المحكمة التأديبية وأنه لا يؤثر على سلامة هذا الحكم تحويل بنك مصر إلى شركة بموجب قرار رئيس الجمهورية رقم 872 سنة 1965 - وطلبت قبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً.
ومن حيث إنه عن الوجه الأول من أوجه الطعن فإن مقطع النزاع فيه ينحصر في معرفة الوضع القانوني لبنك مصر وهل يعتبر شركة من شركات القطاع العام كما يذهب إلى ذلك الطاعن أو أنه مؤسسة عامة وكذلك في تحديد النظام القانوني للعاملين في البنك.
ومن حيث إن بنك مصر كان شركة يحكمها القانون رقم 26 سنة 1954 بشأن بعض الأحكام الخاصة بالشركات المساهمة وظل كذلك حتى 11 من فبراير سنة 1960 تاريخ صدور القانون رقم 39 سنة 1960 في شأن انتقال ملكية بنك مصر إلى الدولة ونص في مادته الأولى على أن "يعتبر بنك مصر مؤسسة عامة وتنتقل ملكيته إلى الدولة" ونصت المادة السادسة على أن "يظل بنك مصر مسجلاً كبنك تجاري ويجوز له أن يباشر كافة الأعمال التي كان يقوم بها قبل صدور القانون". وأشارت ديباجة القانون إلى القانون 32 سنة 1957 بإصدار قانون المؤسسات العامة وهو ينص في مادته الأولى على أن "للمؤسسات العامة شخصية اعتبارية ويكون إنشاؤها بقرار من رئيس الجمهورية وفقاً للأحكام المنصوص عليها في هذا القانون".
ومن حيث إنه يؤخذ من هذه النصوص أن المشرع قد أفصح بعبارات صريحة واضحة لا تحتمل أي تأويل، أنه قصد إلى تأميم بنك مصر ونقل ملكيته إلى الدولة، وأنه بما له من سلطة تقديرية مطلقة في تحديد طرق إدارة المشروعات المؤممة قد اختار له طريق المؤسسة العامة دون شكل الشركة المساهمة. ولا وجه لما أثاره الطاعن من أن بنك مصر لا يقوم على مرفق عام يبرر اعتباره مؤسسة عامة إذ أن المشرع لم يخوله التمتع بسلطات القانون العام مما يقطع بانصراف نيته عن إضفاء صفة المؤسسة العامة على البنك إذ أن قرار رئيس الجمهورية رقم 249 سنة 1961 بإنشاء مؤسسة مصر قد كشف عن قصد المشرع في الشكل الذي أراد أن يضفيه على بنك مصر - ذلك لأنه بالنسبة إلى الاعتراض الأول فإنه يستخلص من نصوص القانون رقم 32 لسنة 1957 المشار إليه ومذكرته الإيضاحية أن المقصود بالمؤسسات العامة في حكم ذلك القانون، هو الأشخاص الإدارية التي تنشأ لإدارة المرافق العامة بمعناها المحدد في القانون الإداري، وكذلك الأشخاص الإدارية الأخرى التي تنشأ لإدارة المشروعات العامة التي تنشئها الدولة أو تملكها عن طريق التأميم، فلم يرد المشرع أن يقصر فكرة المؤسسات العامة على المعنى التقليدي وإنما أراد أن يترك الباب مفتوحاً ليدخل في نطاقها الأشخاص الإدارية التي يدير مشروعات لا يمكن اعتبارها مرافق عامة. وعلى ذلك يكون هذا الاعتراض على غير أساس، أما بالنسبة إلى الاعتراض الثاني فقد نصت المادة الثانية من القانون 32 لسنة 1957 المشار إليه على أن "يبين القرار الصادر بإنشاء المؤسسة ما يكون لها من اختصاصات السلطة العامة لتحقيق الغرض الذي أنشئت من أجله" ومفاد هذا النص أن قرار الإنشاء هو الذي يحدد الاختصاصات اللازمة لتحقيق أغراض المؤسسة، فإذا خلا قرار الإنشاء من سلطات من هذا القبيل فليس معنى ذلك تخلف ركن من الأركان اللازم توافرها لإنشاء المؤسسة وإنما يحمل ذلك على أن تحقيق أغراض المؤسسة لا يستلزم تخويلها تلك السلطات، وأما بالنسبة للاعتراض الثالث فإنه يبين من الاطلاع على قرار رئيس الجمهورية رقم 249 سنة 1961 أنه قضى في مادته الأولى بإنشاء مؤسسة عامة تسمى مؤسسة مصر ونصت المادة الثانية على ما يأتي "يتكون رأس مال المؤسسة المذكورة من......... (ب) رأس مال بنك مصر وغيره من المؤسسات العامة التي يصدر بتحديدها قرار من رئيس الجمهورية، ويظل لبنك مصر شخصيته المعنوية". فهذا القرار لم يمس الكيان القانوني لبنك مصر بعد أن أصبح مؤسسة عامة ولم يدمجه في المؤسسة الجديدة وإنما ملكها رأس ماله.
ومن حيث إن وضع بنك مصر كمؤسسة عامة ينطبق عليها أحكام القانون رقم 32 سنة 1957 لم يتأثر بصدور القانون 265 سنة 1960 بتنظيم المؤسسات العامة ذات الطابع الاقتصادي أو القانون 60 سنة 1963 بإصدار قانون المؤسسات العامة ذلك لأن مناط انطباق هذين القانونين على المؤسسات العامة القائمة وقت صدورهما هو أن يصدر بذلك قرار من رئيس الجمهورية (المادة الأولى من القانون الأول والمادة 35 من القانون الثاني). وهو الأمر الذي لم يتحقق بالنسبة إلى مؤسسة مصر فلم يصدر قرار بتطبيق أي من هذين القانونين عليها. كما لم يتأثر الوضع القانوني للبنك بصدور القانون رقم 117 سنة 1961 بتأميم بعض الشركات والمنشآت والذي بموجبه أممت جميع البنوك وشركات التأمين، ذلك لأن هذا القانون لا يسري إلا بالنسبة إلى الشركات والمنشآت المنصوص عليه في الجدول المرافق للقانون وليس من بينها بنك مصر.
ومن حيث إنه وقد حول بنك مصر إلى مؤسسة عامة وفقاً للقانون 32 سنة 1957 المشار إليه فمن ثم فإن موظفيه يعتبرون موظفين عموميين بحكم تبعيتهم لشخص من أشخاص القانون العام وتسري عليهم تبعاً لذلك الأحكام والأنظمة المقررة بالنسبة لموظفي الحكومة فيما لم يرد بشأنه نص خاص في العقود المبرمة معهم أو اللوائح التنظيمية الصادرة من الجهات المختصة بالشركة قبل تحويلها إلى مؤسسة عملاً بنص المادة 13 من القانون 32 سنة 1957 المشار إليه وهي تنص على ما يأتي "تسري على موظفي المؤسسات العامة أحكام قانون الوظائف العامة فيما لم يرد بشأنه نص خاص في القرار الصادر بإنشاء المؤسسة أو اللوائح التي يضعها مجلس الإدارة". وقد أشارت المذكرة الإيضاحية للقانون لهذا المعنى صراحة بقولها "ونظراً لما يترتب على اعتبار المؤسسة شخصاً من أشخاص القانون العام من اعتبار موظفيها موظفين عموميين فقد عنى بالنص على أن تسري عليهم الأحكام العامة في شأن التوظف التي تسري على موظفي الحكومة".
ومن حيث إنه لا وجه للاعتداد بما أبداه أطراف الخصومة من انطباق القرارات الآتية على موظفي بنك مصر وهي قرارات رئيس الجمهورية أرقام 1598 سنة 1961 بإصدار لائحة نظام موظفي الشركات التابعة للمؤسسات العامة والقرار 1528 سنة 1961 بإصدار لائحة نظام موظفي وعمال المؤسسات العامة والقرار 3546 سنة 1962 بإصدار لائحة نظام العاملين بالشركات التابعة للمؤسسات العامة والقرار 800 سنة 1963 الذي قضى بتطبيق القرار 3546 سنة 1962 على موظفي المؤسسات العامة - كل في نطاقه الزمني وكل هذه القرارات عدا القرار الثاني منها تحيل إلى قانون العمل فيما لم ينص عليه نظام المؤسسة أو الشركة – لا اعتداد بذلك - لأن القرارين 1598 لسنة 1961، 3546 لسنة 1962 خاصان بموظفي الشركات التابعة للمؤسسات العامة فهو لا يسري على موظفي المؤسسات العامة ومن بينها موظفو بنك مصر، كما أن القرار 1528 سنة 1961 خاص بموظفي المؤسسات العامة ذات الطابع لاقتصادي والتي يصدر بتحديدها قرار من رئيس الجمهورية، وبنك مصر لا يعتبر مع هذه المؤسسات على الوجه السالف بيانه، وأما بالنسبة إلى القرار 800 سنة 1963 فإنه مقصور التطبيق على موظفي المؤسسات العامة بالمفهوم الذي عناه قانون المؤسسات العامة رقم 60 سنة 1963 دون العاملين بمؤسسات عامة لا ينطبق عليها أحكام القانون 60 سنة 1963 المشار إليه وعلى هذا الوجه فلاً ينطبق على موظفي مؤسسة بنك مصر.
ومن حيث إنه يخلص من ذلك أن بتلك مصر كان مؤسسة عامة طبقاً لأحكام القانونين رقمي 32 سنة 1957، 39 سنة 1960 المشار إليهما وأن موظفيه يعتبرون موظفين عموميين يعاملون بالقواعد التنظيمية التي تضمنتها اللوائح الخاصة بالبنوك وعقود استخدامهم مكملة بأحكام قانون نظام موظفي الدولة فيما لم يرد بشأنه نص خاص فيها ولا ينطبق في شأنهم قانون العمل ومن ثم فإن المحكمة التأديبية المختصة بموظفي الحكومة تكون هي المختصة بمحاكمتهم تأديبياً طبقاً لأحكام القانونين رقمي 117 سنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية، 19 سنة 1959 في شأن سريان أحكام ذلك القانون على موظفي المؤسسات والهيئات العامة والشركات والجمعيات والهيئات الخاصة وعلى هذا الأساس يكون نعي الطاعن على الحكم المطعون فيه بأنه صدر من محكمة غير مختصة وأن هذه المحكمة طبقت قانوناً غير القانون الواجب التطبيق على غير أساس سليم من القانون حقيقاً بالرفض.
ومن حيث إنه بالنسبة للموضوع فإن الطعن يقوم على المخالفات التي أسندها الحكم المطعون فيه إلى الطاعن تندرج تحت طائفتين:
الأولى: المخالفات الفنية المتعلقة بنظام الائتمان "موضوع التهمة الأولى 1، 2، 3" وهي لا تعتبر من المخالفات التي يجوز مساءلة وكيل الفرع عنها تأديبياً وإنما يعتبر الخطأ فيها خطأ فنياً مما تتسع له مخاطر المهنة.
الثانية: مخالفات إدارية وقد استخلصت المحكمة التأديبية أدلة إدانتها من غير أصول تنتجها.
ومن حيث إنه بالنسبة إلى الوجه الأول من هذا الدفاع فإنه مردود بأن التهمة الأولى التي أسندت إلى الطاعن والتي حكم عليه من أجلها تنحصر في إخلاله بنظام الائتمان الخاص بالبنك بأن قام بتسليف العملاء مبالغ أكثر من قيمة المبالغ الضامنة لحسابهم بالمخالفة لتعليمات البنك التي تضع حدوداً قصوى للتسليف لا يجوز الخروج عليها إلا بعد موافقة إدارة البنك، وكذلك لقيامه بالترخيص لأحد العملاء بنقل بضائع مرهونة لدى البنك دون أن يتخذ من الإجراءات ما يضمن استمرار حيازة البنك لها، وفي مخالفة الشروط التي وضعتها الإدارة لإعادة التعامل مع أحد العملاء، والواقع أن التعليمات ونظام البنك لم يتركا للطاعن أي سلطة تقديرية في التحلل من تعليمات الإدارة، بل ألزمته باتباعها وإذا أراد المخالفة فإن عليه أن يحصل على موافقة الإدارة على ذلك، وما دامت ليست للطاعن حرية التصرف في التجاوز بدون تصديق جهته الرئيسية فإن أي إخلال من جانبه بتلك التعليمات لا يعد بمثابة خطأ فني وإنما هو في حقيقة الأمر مخالفة صريحة تعد بمثابة إخلال بواجبات الوظيفة يجوز أن يكون محلاً للمساءلة التأديبية.
ومن حيث إنه بالنسبة إلى الوجه الثاني من دفاع الطاعن فقد استقر قضاء هذه المحكمة على أن أحكام المحاكم التأديبية هي أحكام نهائية ولا يجوز الطعن فيها إلا أمام المحكمة الإدارية العليا في الأحوال المنصوص عليها في القانون 55 سنة 1959 في شأن تنظيم مجلس الدولة، فإذا انتفى قيام حالة من هذه الحالات وكان الحكم مستنداً إلى وقائع صحيحة قائمة لها أصول ثابتة وموجودة في الأوراق كيفها تكييفاً قانونياً سليماً. واستخلص منها نتيجة سائغة تبرر اقتناعه الذي بنى عليه قضاءه فلا محل للتعقيب عليه باستئناف النظر بالموازنة والترجيح فيما قام لدى المحكمة التي أصدرت الحكم من دلائل وبيانات وقرائن أحوال إثباتاً أو نفياً في خصوص قيام أو عدم قيام الحالة الواقعية أو القانونية التي تكون ركن السبب في توقيع الجزاء أو بالتدخل في تقدير خطورة هذا السبب وما يمكن ترتيبه عليه من آثار أو فيما استخلصته من هذه الدلائل والبيانات وقرائن الأحوال وما كونت منه عقيدتها واقتناعها فيمت انتهت إليه ما دام تكييفها للوقائع سليما وما استخلصته منها هو استخلاص سائغ من أصول تنتجه مادياً أو قانونياً ولها وجود في الأوراق.
ومن حيث إنه بان لهذه المحكمة من الاطلاع على التحقيقات والأوراق المودعة ملف الطعن أن المحكمة التأديبية قد استخلصت النتيجة التي انتهت إليها فيما يتعلق بالتهم جميعها من عناصر سليمة تنتجها ولها أصل ثابت في الأوراق ومن ثم فلا معقب على حكمها، ولا اعتداد بما أثاره المفوض من أن تلك المحكمة قد استخلصت اقتناعها بإدانة الطاعن عن التهمتين الثانية والرابعة من غير أصول تنتجها - ذلك لأنه بالنسبة إلى التهمة الثانية فقد ثبت من أقوال الشهود أن ثمة تعليمات تقضي بأن يقوم المركز الرئيسي للبنك بالمشتروات ولا يجوز للفروع أن تتولى الشراء محلياً ما لم يرخص لها بذلك وفي كل حالة على حده، إلا في أحوال الضرورة أو الترميمات العاجلة وفي حدود معينة، فقد شهد بذلك السيد عضو مجلس الإدارة المنتدب (ص 245 من التحقيقات) والسيد طه برعي مهناً مدير إدارة الفروع والتفتيش (ص 198) والسيد محمد نجيب حسن المفتش بالبنك (ص 24) ومحمد محمد يكن مدير قلم التوريدات بالمركز الرئيسي، كما شهد السيد محمد نجيب حسن أن الطاعن هو الذي كان يتعاقد بنفسه مع الموردين دون أن يلجأ إلى الطرق السليمة في الشراء أي بالمناقصة أو بالممارسة عن طريق لجنة تشكل لهذا الغرض، وأن أغلبية المشتريات قد تمت عن طريق أحد التجار بإحدى القرى التابعة لمركز كفر صقر وكانت الأسعار تزيد زيادة كبيرة من الأسعار السوقية، وأن الطاعن كان يوقع على فواتير الشراء ثم يوقع على فيشات الصرف المرفقة بأوامر الشراء الأمر الذي يجعله مسئولاً عن صحة تلك العمليات، ويضاف إلى ذلك أن بعض المهمات التي تم شراؤها لم يتم توريدها فعلاً إلى البنك ومنها على سبيل المثال خمس إطارات اشتراها ذلك التاجر لحساب البنك من شركة رول للتجارة والمقاولات وحصل على ثمنها. وقد ثبت من شهادة يوسف عبد الأحد الموظف المختص بتلك الشركة أن عملية الشراء لم تتم وأن ذلك التاجر استرد نقوده (ص 177) كما أثبت وكيل النيابة الإدارية بعد إطلاعه على دفاتر الشركة أن عملية الشراء لم تتم فعلاً وأن التاجر عبد البديع متولي استرد ما دفعه (ص 185) وإذ انتهت المحكمة التأديبية إلى اعتبار التهمة المشار إليها ثابتة في حق الطاعن على أساس أنه اتضح لها من التحقيقات ما يلقى ظلالاً كثيفة من الشك حول بعض تصرفاته إلى الحد الذي يكفي مساءلته تأديبياً فإنها تكون قد استخلصت النتيجة التي انتهت إليها بالنسبة إلى هذه التهمة من أصول تنتجها ويكون تقديرها بمنأى من الطعن. وأما بالنسبة إلى التهمة الرابعة فلما كان الحكم المطعون فيه استخلص دليل الإدانة مما استظهره من مسلك الطاعن في التحلل من دفع قيمة التيار الكهربائي المستحق عليه تنفيذاً للتعليمات التي كان يعلمها الطاعن فمن ثم كان استخلاصه يكون سائغاً ولا معقب عليه.
ومن حيث: إنه بتاريخ 21 من مارس سنة 1965 وبعد أن صدر الحكم المطعون فيه صدر قرار رئيس الجمهورية رقم 872 سنة 1965 بتحويل مؤسسة بنك مصر إلى شركة مساهمة عربية يتولى البنك المركزي وضع نظامها، إلا أن هذا القرار وما ترتب عليه من انطباق لائحة العاملين بالشركات على العاملين بالبنك اعتباراً من تاريخ نفاذه ليس له من أثر على الحكم المطعون فيه الذي تبحث مشروعيته على أساس القواعد التنظيمية التي كان معمولاً به عند صدوره دون غيرها.
ومن حيث إنه يخلص من كل ما تقدم أن الحكم المطعون فيه قد أصاب الحق في قضائه ويكون الطعن على غير أساس من القانون متعيناً رفضه مع إلزام الطاعن بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وألزمت الطاعن بالمصروفات.

الطعن 932 لسنة 8 ق جلسة 12 / 11 / 1966 إدارية عليا مكتب فني 12 ج 1 ق 12 ص 122

جلسة 12 من نوفمبر سنة 1966

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة الدكتور أحمد موسى وعادل عزيز زخاري وعبد الستار عبد الباقي آدم وعباس فهمي محمد بدر المستشارين.

-----------------

(12)

القضية رقم 932 لسنة 8 القضائية

موظف "تأديب". "الجرائم التأديبية". تعليمات إدارية.
مخالفة الموظف للتعليمات الإدارية - تشكل مخالفة مسلكية ينبغي مساءلته عنها تأديبياً - لا سبيل إلى هذه المسئولية بذريعة أنه لم يكن على بينة من هذه التعليمات متى كان بوسعه العلم بها - اطراد العمل على مخالفتها - لا يشفع في حد ذاته في هذه المخالفة.

----------------
أن مخالفة الموظف للتعليمات الإدارية تشكل مخالفة مسلكية ينبغي مساءلته عنها، ولا سبيل إلى دفع مسئوليته بذريعة أنه لم يكن على بينة منها متى كان بوسعه العلم بها، إذ الأصل أنه يجب على الموظف أن يقوم بالعمل المنوط به بدقة وأمانة وهو الأصل الذي رددته المادتان 73 من قانون نظام موظفي الدولة و53 من قانون العاملين، ومن مقتضيات هذه الدقة وجوب مراعاة التعليمات التي تصدرها الجهات الرئاسية لتنظيم العمل، وعلى الموظف أن يسعى من جانبه إلى الإحاطة بهذه التعليمات قبل البدء في العمل فإنه تراخ في ذلك فخرج عليها عن غير قصد فقد حقت مساءلته. ذلك أن أطراد العمل على مخالفة التعليمات الإدارية في الفترة السابقة على اضطلاع الموقف بأعباء وظيفته لا يشفع في حد ذاته في مخالفة هذه التعليمات، إذ الخطأ لا يبرر الخطأ.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن وقائع هذا الطعن - على ما يبين من أوراقه – تخلص في أن النيابة الإدارية أودعت سكرتيرية المحكمة التأديبية لوزارات الصحة والمرافق والإسكان والأوقاف أوراق الدعوى التأديبية التي قيدت بسجلها تحت رقم 115 لسنة 2 القضائية ضد الدكتور سيزوستريس سعد جبراوي الطبيب بمستشفى سنورس المركزي والموظف من الدرجة الخامسة بالكادر الفني العالي "لأنه في خلال عام 1956 أمر هو وطبيبان آخران بمستشفى سنورس بصرف المعونة المقدمة من مؤسسة كير الخيرية الأمريكية بطريقة خاطئة مما أدى إلى التلاعب فيها - إذ اتضح أنها صرفت للأهالي جزافاً ودون ما قاعدة وكذلك صرفت للممرضات وموظفي وتومرجية وشغالة المستشفى وكذا موظفي بنك التسليف وبعض الأهالي الأثرياء، كل ذلك دون أن يكون لهم صلة قرابة بالمصدورين وهم المختصون بالرعاية في التوزيع - الأمر الذي يشكل مخالفة لأحكام المواد 73 و82 مكرراً و83 من القانون رقم 210 لسنة 1951" وطلبت النيابة الإدارية محاكمته طبقاً للمواد السالفة الذكر والمادة 31 من القانون رقم 117 لسنة 1958. وأوضحت النيابة الإدارية في مذكرتها المرافقة لتقرير الاتهام أن الطريقة الخاطئة التي انتهجها الطاعن في توزيع المعونة على أساس بطاقات التموين أو تذاكر العيادة الطبية قد فتحت الباب للتلاعب في عملية الصرف، وأنه أمر بصرف معونة لموظفي بنك التسليف الزراعي بسنورس وعددهم أحد عشر شخصاً، كما أمر بصرف 25 نصيباً لشخص واحد يدعى عوض هنيه، وأسند عملية القيد في الدفاتر إلى مساعد المعمل ومعاون المستشفى.
وبجلسة 30 من يناير سنة 1962 قضت المحكمة التأديبية بمجازاة الطاعن وزميليه. بالإنذار - وأقامت قضاءها على أن التعليمات الخاصة بنظام توزيع المعونة فصلت الأحكام الخاصة بصرفها، فورد نظام الصرف في البند الثالث منها متضمناً النص على صرف أنواع المعونة للمستحقين في العيادات الخارجية وكذلك الذين يتناولون أغذية في المستشفيات وفي الوحدات التي بها عدد من المستحقين أكثر من المقرر للوحدة يراعى في اختيار المستحقين إعطاء الأسبقية للفئات الحساسة من حوامل ومراضع وأطفال وللمصابين بأمراض سوء التغذية كالضعف العام والأنيميا والبلاجرا والكساح. وجاء بهذا البند أيضاً أن يعطي كل مستحق سواء في المستشفيات الداخلية أو العيادات الخارجية رقماً مسلسلاً ثابتاً وقبل البدء في التوزيع في العيادات الخارجية تحرر البطاقة الخاصة بكل مستحق ويثبت فيها رقمه المسلسل واسمه وتختم بخاتم الوحدة ويحتفظ المستحق بالبطاقة لاستعمالها عند الصرف وتوقيعها من المسئول عن الصرف في المكان المخصص لكل مرة. وعند التوزيع يحرر كشف التوزيع من أصل وصورتين ويكون شاملاً لأسماء المستحقين وأرقامهم المسلسلة ثم بعد تسليم الكميات لأربابها والتوقيع من كل بالاستلام يوقع المسئول عن الصرف على الكشف ثم يعتمد من رئيس الوحدة. ويختم بخاتم الوحدة ويرسل الأصل وصورة منه إلى اللجنة العامة بمقرها وتحتفظ الوحدة بالصورة الأخرى. ويخلص الحكم إلى أن المحكمة تأخذ على المتهم أنه لم ينفذ التعليمات المذكورة في الشق الخاص بنظام الصرف، ذلك أن التعليمات قضت بأن يتم الصرف على أساس البطاقات التي تصرف لهم، في حين أن الصرف قد تم فعلاً على أساس تذاكر العيادة الخارجية أو بطاقات التموين. ومن ثم فإن المتهم يكون مسئولاً عن مخالفة التعليمات في هذا الشق فقط.
ومن حيث إنه بتاريخ 2 مايو سنة 1962 أودع المحكوم عليه سكرتيرية المحكمة تقريراً بالطعن في هذا الحكم طلب فيه "قبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والحكم ببراءته". وذكر أنه لاحظ عندما تولى العمل بالمستشفى أن الصرف يتم بطريقة غير سليمة، وأن بعض الأفراد يحملون بطاقات تصرف عدة أنصبة تبلغ 17 أو 25 نصيباً فاستحدث نظاماً جديداً مؤداه أن يبرز كل مستحق بطاقة التموين الخاصة به للتأكد من شخصيته وعدد أفراد عائلته على أن يقتصر الصرف على ستة أشخاص كحد أقصى، إلا أن العاملين بالمستشفى الذين كانوا يستنزفون أكثر من ثلث المعونة ثاروا على هذا القيد وأثاروا أصحاب البطاقات على الطاعن، وعمدوا إلى تهديده وحرضوا حاملي بطاقات الإعانة على الامتناع عن استلام أنصبتهم وفقاً لهذا النظام احتجاجاً على تقليل الأنصبة، فلم يكن أمامه إلا أن يصرف الأنصبة الزائدة لحمله تذاكر العيادة الخارجية إذ تقضي التعليمات بأنه إذا تغيب أحد المنتفعين الأصليين فإنه يجب على المستشفى أن تصرف نصيبه لمريض آخر توقياً لإبقاء المعونة بغير صرف. ولما لاحظ الطاعن أن مستخدمي المستشفى قعدوا عن تنفيذ تعليماته فأبلغ الشرطة والنيابة العامة والتمس في الوقت نفسه من مفتش صحة المديرية أن يعفيه من القيام بهذه المهمة فوافقه الأخير على إيقاف الصرف ريثما يتم الرجوع إلى الوزارة. وقال إنه اكتشفت وجود عربات محملة بالمعونة تبارح المستشفى، فأبلغ الشرطة التي قامت بضبط العربات، وأجرت النيابة تحقيقاً انتهت فيه إلى مجازاة كافة مستخدمي المستشفى وزميليه الطبيبين الآخرين، أما هو فلم تطلب النيابة العامة مجازاته بل أنها شكرته على مجهوده في ضبط التلاعب.
ونعى الطاعن على الحكم أنه أخطأ في استخلاص الوقائع التي أقام عليها الإدانة، لأنه الطاعن لم يأمر بالصرف على أساس بطاقات التموين وحدها. وإنما كان الأمر بالصرف لحاملي بطاقات المعونة مع الاستئناس ببطاقات التموين للتأكد من شخصية أصحابها وعدد أفراد العائلة، كذلك فإنه لم يأمر بالصرف لحاملي بطاقات العيادة الخارجية إلا في حدود تخلف حاملي بطاقات المعونة من استلامها وهذا يطابق ما أخذت به بعد ذلك التعليمات الصادرة لقسم الأمراض الصدرية. ونعى الطاعن على الحكم أيضاً أن العقوبة المقضي بها قد جاوزت النطاق الذي يقرره القانون، إذ استمر نظر القضية أمام المحكمة عامين فتأخرت لسبب أحالته إلى المحاكمة ترقيته إلى الدرجة الرابعة بغير موجب.
ومن حيث إن هيئة المفوضين قدمت تقريراً بالرأي القانوني رددت فيه ما جاء بالتعليمات الخاصة بصرف المعونة على نحو ما جاء بالحكم المطعون فيه، وانتهت إلى القول بأن الثابت من الأوراق أن صرف المعونة بمستشفى سنورس المركزي الذي يعمل به الطاعن قد تم لغير مستحقيها بسبب عدم التزام التعليمات التي تضبط عملية التوزيع، وأن الطاعن قد خالف هذه التعليمات عندما اعتمد على بطاقات التموين كأساس لصرف المعونة المذكورة وهو ما لم ينكره الطاعن وإن كان قد برره برغبته في التأكد من شخصية من تصرف إليهم، وما كان في حاجة إلى ذلك لو أنه التزم التعليمات المقررة في هذا الشأن كما أنه اعترف بصرف المعونة لموظفي بنك التسليف الزراعي من غير أن يكونوا مستحقين لها - وأنه بذلك لا تكون المحكمة التأديبية إذ انتهت من تعييب مسلك الطاعن وتأثيم ما ارتكب من مخالفة للتعليمات الواجب اتباعها قد أخطأت في استخلاص الواقعة أو في تكييفها على ضوء الفهم السليم لأحكام القانون، ويكون حكمها بإدانة الطاعن قائماً على سببه، وهو إخلال الموظف بواجبات وظيفته والخروج على مقتضاها أما ما يثيره بشأن آثار عقوبة الإنذار المحكوم بها عليه من تعطيل ترقيته فمردود بأن هذه الآثار أنما تستمد مصدرها من نصوص القانون التي تحظر ترقية الموظف المحال إلى المحاكمة التأديبية.
ومن حيث إن الطاعن عقب على مذكرة هيئة المفوضين بمذكرة أشار فيها على أن الطبيبين السابقين عليه هما اللذان وضعا قواعد التوزيع. وأنه لم يرتح لهذه القواعد وطلب موافاته بالتعليمات فلم يهده إليها أحد وأنه حاول تنظيم التوزيع وضبطه فقاومه مرؤسوه. وأنه لم يأمر بالصرف بموجب بطاقة التموين ولم يقل أحد في التحقيقات بذلك لكنه اشترط تقديمها مع بطاقات المعونة. وأنه لا يفهم كيف يعاقب موظف على مخالفة تعليمات لم تصل إلى علمه بل أن الأصول الإدارية توجب أن يوقع الموظف على المنشور الذي حوي هذه التعليمات بما يفيد إطلاعه عليها. وأن الصرف لموظفي بنك التسليف إنما تم على أساس أنهم كانوا يحملون بطاقات الإعانة في عهد سابقيه فضلاً عن أن كتبة وخفراء بنك التسليف الزراعي ليسوا من أثرياء القوم. أما الصرف على تذاكر العيادة الخارجية فقد جرى به العمل من قبل نظراً لأن بطاقات المعونة كانت قد نفذت وأنه لم ير ضيراً في ذلك، كذلك فإن العمل جرى على أن ينوب مستحق عن غيره في صرف مقرراته ما دام يحمل بطاقته وأنه يرى ألا وجه للمؤاخذة فيما يتعلق بإسناد القيد في الدفاتر إلى مساعدة المعمل أو معاون المستشفى ما دام الحاجة قد دعت إلى ذلك.
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على التحقيقات التي أجريت في هذا الشأن أن أول دفعة من المعونة الأمريكية أرسلت إلى مستشفى سنورس المركزي في 10 من يوليه سنة 1955 وأن التعليمات الخاصة بتوزيعها والمشار إلى مضمونها في الحكم المطعون فيه أبلغت إلى المستشفى في ذات التاريخ بكتاب الوزارة رقم 6601 كما أرسلت الدفاتر الخاصة بقيدها، ورغم ذلك فقد جرى العمل منذ هذا التاريخ على توزيع المعونة دون التقيد بهذه التعليمات.
ومن حيث إنه ولئن كان الطاعن قد أنكر إطلاعه على التعليمات الخاصة بتوزيع المعونة إلا أنه لم يجحد أنه جرى في صرف المعونة أولاً على سنن سلفه ودون أية قاعدة، ثم لجأ إلى صرفها بمحض اجتهاده، وهو في ذلك لم يلتزم في صرفها ببطاقات المعونة التي كانت تحت ناظريه، وإنما أمر بصرفها تارة بموجب بطاقات التموين وتارة أخرى بموجب تذاكر العيادة الخارجية، ومنحها للأصحاء غير المستحقين لها من ذلك أنه صرفها لجميع موظفي بنك التسليف الزراعي كما منح أحد الأشخاص خمسة وعشرين نصيباً. ولم يعن بتقصي صدور تعليمات في هذا الصدد وهو ما يقتضيه واجب الحرص واليقظة لمن كان في مثل موقفه. ولو قد بذل قدراً ضئيلاً من العناية لأمكنه الاهتداء إلى التعليمات التي سبق إبلاغها إلى المستشفى إن كان حقاً إنه لم يطلع عليها.
ومن حيث إن مخالفة الموظف للتعليمات الإدارية تشكل مخالفة مسلكية ينبغي مساءلته عنها، ولا سبيل إلى دفع مسئولية بذريعة أنه لم يكن على بينة منها متى كان بوسعه العلم بها، إذ الأصل أنه يجب على الموظف أن يقوم بالعمل المنوط به بدقة وأمانة وهو الأصل الذي رددته المادتان 73 من قانون نظام موظفي الدولة و53 من قانون العاملين، ومن مقتضيات هذه الدقة وجوب مراعاة التعليمات التي تصدرها الجهات الرئاسية لتنظيم العمل، وعلى الموظف أن يسعى من جانبه إلى الإحاطة بهذه التعليمات قبل البدء في العمل فإن تراخ في ذلك فخرج عليها من غير قصد فقد حقت مساءلته.
ومن حيث إن اطراد العمل على مخالفة التعليمات الإدارية في الفترة السابقة على اضطلاع الموظف بأعباء وظيفته لا يشفع في حد ذاته في مخالفة هذه التعليمات، إذ الخطأ لا يبرر الخطأ.
ومن حيث إنه متى كان ذلك وكان الواضح أنه كان بوسع الطاعن الإحاطة بما صدر منه تعليمات في شأن المعونة قبل صرفها فإن مساءلته تكون متعينة.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون الحكم المطعون فيه على الحق فيما انتهى إليه ويكون الطعن غير قائم على أساس من القانون قميناً بالرفض.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وألزمت الطاعن بالمصروفات.

الطعن 915 لسنة 8 ق جلسة 12 / 11 / 1966 إدارية عليا مكتب فني 12 ج 1 ق 11 ص 113

جلسة 12 من نوفمبر سنة 1966

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة عادل عزيز زخاري وعبد الستار عبد الباقي آدم ويوسف إبراهيم الشناوي وعباس فهمي محمد بدر المستشارين.

-----------------

(11)

القضية رقم 915 لسنة 8 القضائية

(أ) اختصاص. "محكمة تأديبية". موظف "تقدير الكفاية". 

المادة 32 من القانون رقم 210 لسنة 1951 - ولاية الهيئة المشكلة منها المحكمة التأديبية منوطة بما نصت عليه هذه المادة - ليست لها ولاية الإلغاء - أو التعقيب على تقدير الكفاية في التقرير الذي يعرض عليها.
(ب) دعوى. "انتهاء الخصومة". موظف. مركز تنظيمي.
إقرار الجهة الإدارية للمدعي بوضع مخالف للقوانين واللوائح - لا يمنع المحكمة من أنزال حكم القانون في المنازعة المطروحة أمامها - أساس ذلك - تعلق الأمر بأوضاع إدارية تحكمها القوانين واللوائح ولا تخضع لإدارة ذوي الشأن أو اتفاقاتهم أو إقراراتهم المخالفة له - حكم المحكمة الإدارية باعتبار الخصومة منتهية بناء على مثل هذا الإقرار - يعتبر مخالفاً للقانون ما دام الإقرار لا يستند إلى إجراء اتخذ بالطريق القانوني.
(جـ) موظف. "تقدير الكفاية". القانون 210 لسنة 1951 

- تخفيض رئيس المصلحة التقدير إلى مرتبة ضعيف استناداً إلى ما دونه في خانة الملاحظات سلامة تقدير رئيس المصلحة الذي أقرته لجنة شئون الموظفين - مهمة لجنة شئون الموظفين - ليست مجرد تسجيل مادي للتقديرات الصادرة من الرؤساء.
(د) موظف. "تقدير الكفاية". 

اللائحة التنفيذية للقانون رقم 210 لسنة 1951 نص المادة 17 منها على أن تسجل لجنة شئون الموظفين - عند اعتمادها لتقدير رئيس المصلحة - مناقشاتها وقراراتها والأسباب التي بنيت عليها في سجل خاص - إغفال ذلك - لا يترتب عليه بطلان التقرير - أساس ذلك نص المادة المشار إليها من القواعد التنظيمية.

-----------------
1 - أن ولاية الهيئة المشكلة منها المحكمة التأديبية - في مجال إعمال حكم المادة 32 من القانون رقم 210 لسنة 1951 - منوط بما نصت عليه هذه المادة، وهو فحص حالة الموظف الذي يقدم عنه تقريران متتاليان بدرجة ضعيف. فإذا تبين لها أنه قادر على الاضطلاع بأعباء وظيفة أخرى قررت نقله إليها بذات الدرجة والمرتب أو مع خفض درجته أو مرتبه أو نقله إلى كادر أدنى. وإذا تبين لها أنه غير قادر على العمل فصلته من وظيفته مع حفظ حقه في المعاش أو المكافأة. فالمحكمة التأديبية في وظيفتها هذه ليست محكمة إلغاء ومن ثم فهي لا تملك التعقيب على تقدير الكفاية في التقرير السنوي الذي يعرض عليها طالما أن هذا التقرير لم يلغ من قضاء الإلغاء المختص أو يسحب إدارياً بالطريق الصحيح.
2 - أن إقرار الإدارة للمدعي بوضع مخالف للقوانين واللوائح لا يمنع المحكمة من أنزال حكم القانون في المنازعة المطروحة أمامها لتعلق الأمر بأوضاع إدارية تحكمها القوانين واللوائح ولا تخضع لإرادة ذوي الشأن أو اتفاقاتهم أو إقراراتهم المخالفة لها.. وعلى ذلك فإن قرار الجهة الإدارية باعتبار التقرير المطعون فيه عديم الأثر بناء على ما انتهت إليه المحكمة التأديبية يكون مخالفاً للقانون ما دام أنه لم يسحب أو يلغ بالطريق القانوني.. وتكون المحكمة الإدارية - إذ قضت بحكمها المطعون فيه، باعتبار الخصومة منتهية بناء على اتفاق طرفي النزاع - قد خالفت صحيح حكم القانون وكان يتعين عليها الحكم في موضوع الدعوى.
3 - أن مهمة لجنة شئون الموظفين ليست مجرد تسجيل مادي للتقديرات الصادرة من الرؤساء ولو بان للجنة من الأسباب ما يقتضي مراجعتها وإنما مهمتها التعقيب الجدي قبل وضع التقدير النهائي إذ قامت لديها مثل هذه الأسباب.
4 - إن إغفال لجنة شئون الموظفين عند اعتمادها لتقدير رئيس المصلحة لتسجيل مناقشاتها وقراراتها والأسباب التي بنيت عليها في سجل خاص طبقاً لما نصت عليه المادة 17 من اللائحة التنفيذية للقانون رقم 210 لسنة 1951 - الذي كان سارياً حينذاك - لا اعتداد بذلك إذا أن ما نصت عليه هذه المادة إنما هو من القواعد التنظيمية التي لا يترتب على إغفالها بطلان التقرير خاصة وأن لجنة شئون الموظفين قد اعتمدت تقرير رئيس المصلحة وقد بني هذا التقرير على أساس صحيحة - دونها ذلك الرئيس على نفس التقرير - ومستمدة من أصول ثابتة بملف خدمة المدعي حسبما سلف البيان.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من أوراق الطعن - في أن المطعون عليه السيد/ محمد حسين محمد رفعت قد أقام الدعوى رقم 419 لسنة 8 قضائية بصحيفة أودعها سكرتيرية المحكمة الإدارية لوزارتي الأشغال والحربية في 28 من مارس سنة 1961 ضد السيد وزير الحربية بصفته الرئيس الأعلى لمصلحة الطيران المدني طالباً الحكم بإلغاء التقرير السري الذي وضع عنه عن عام 1958 واعتباره كأن لم يكن مع ما يترتب عليه من آثار مع إلزام المدعى عليه بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وقال - شرحاً لدعواه - أنه في 2 من مايو سنة 1959 أخطر بالتقرير السري السنوي عن عام 1958 بدرجة خمس - وأربعين درجة دون بيان مرتبة الكفاية. وقد اعتبرت المصلحة هذا التقدير بدرجة ضعيف بالرغم من أن الرئيس المباشر والمدير المحلي - وهما أقرب الناس إليه وأعلمهم بحالته ودرجة كفايته - قد منحاه درجات مجموعها 74 درجة بتقدير مرض لأنه كان يقوم بعمله وبما يكلف به من أعمال أخرى على خير وجه ولم يحدث خلال ذلك العام أي تحقيق معه بخصوص خطأ أو تأخير. بل أنه لم يستنفد أجازاته القانونية حرصاً على مصلحة العمل. إلا أن المدير العام ولجنة شئون الموظفين - الذين لا يعلمون عنه شيئاً - قد خفضوا التقدير جزافاً إلى 45 درجة دون بيان مرتبة الكفاية ودون وضع درجات. واستندوا في ذلك إلى أنه مشاغب كثير التغيب ضعيف الإنتاج وهي أسباب لا سند لها من واقع الدعوى وملف الخدمة مما يجعل التقدير غير مستند إلى أساس. وأضاف المدعي أن المصلحة أحالته إلى الهيئة المشكل منها مجلس التأديب لبحث حالته لحصوله على تقريرين بدرجة ضعيف عن عامي 1958، 1959 - في القضية رقم 9 لسنة 2 تأديبية - وقد قامت الهيئة بتحقيق الأمر وسمعت شهوداً ثم انتهت إلى رفض طلب المصلحة مما يقطع ببطلان التقرير المطعون فيه.
وقد أودعت مصلحة الطيران المدني صورة من الأمر الإداري رقم 246 مستخدمين المؤرخ في 9 من مايو سنة 1961 المتضمن اعتبار التقريرين السريين عن المدعي لعامي 1958، 1959 عديمي الأثر.
وبجلسة التحضير التي عقدها السيد مفوض الدولة في 21 من نوفمبر سنة 1961 قرر مندوب المصلحة المذكورة أن التقرير السري عن سنة 1958 قد أهدرته الهيئة المشكلة منها المحكمة التأديبية وصدر بذلك الأمر الإداري رقم 246 سالف الذكر وصرفت إلى المدعي علاوته الدورية المستحقة له في أول مايو سنة 1960 وفي نفس الجلسة قرر المدعي أن ما ذكره مندوب المصلحة صحيح وأنه لا يمانع في الحكم باعتبار الخصومة منتهية بشرط إلزام الحكومة بالمصروفات.
وقدم السيد مفوض الدولة تقريراً بالرأي القانوني مسبباً في الدعوى انتهى فيه إلى أنه يرى الحكم باعتبار الخصومة منتهية وإلزام الحكومة بالمصروفات.
وبجلسة 21 من يناير سنة 1962 قضت المحكمة الإدارية باعتبار الخصومة منتهية وألزمت الحكومة بالمصروفات. وأقامت قضاءها على أنه يتضح من أقوال مندوب مصلحة الطيران المدني الذي وافقه عليها المدعي أن هذه المصلحة قد أهدرت التقرير المطعون فيه وأزالت ما ترتب عليه من أثر وهو حرمان المدعي من علاوته الدورية ومنحته إياها من تاريخ استحقاقه لها وبذلك أصبحت الخصومة غير ذات موضوع مما يتعين معه اعتبارها منتهية. وقد طعنت الحكومة في هذا الحكم بصحيفة أودعتها سكرتيرية هذه المحكمة في 22 من مارس سنة 1962 طالبة الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والحكم برفض دعوى المطعون ضده مع إلزامه المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وبنت طعنها على أن ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه - من أن جهة الإدارة سلمت بطلبات المطعون فيه وأهدرت التقرير الذي وضع عن أعماله سنة 1958 - ينطوي على الخطأ ومخالفة القانون فضلاً عن مخالفته للواقع الثابت في الدعوى.. ذلك أن الوزارة الطاعنة كانت قد عرضت أمره على الهيئة المشكلة منها المحكمة التأديبية لفحص حالته بعد حصوله على تقريرين بدرجة ضعيف في سنتي 1958، 1959 تطبيقاً للمادة 32 من القانون رقم 210 لسنة 1951. وإذا كانت الهيئة قد انتهت إلى رفض الطلب - استناداً إلى أن التقريرين المعروضين لم يحررا وفقاً لأحكام القانون فإنها تكون قد جاوزت اختصاصها لأن الاختصاص بذلك معقود إلى المحكمة الإدارية أو محكمة القضاء الإداري. ومن ثم فلاً يكون لحكم الهيئة حجية على بطلان تقرير سنة 1958 وبالتالي فإنه يكون قائماً منتجاً لآثاره وإذا كانت جهة الإدارة - خطأ منها، ولتصورها أن تنفيذ قرار الهيئة المشكلة منها المحكمة التأديبية يقتضي إلغاء آثار هذا التقرير، قد منحت المدعي العلاوة الدورية المستحقة له في أول مايو سنة 1960، فليس مؤدى ذلك أنها استجابت إلى طلبات المدعي بإلغاء التقرير المشار إليه. بل هو مجرد خطأ في تنفيذ قرار الهيئة، وهو خطأ اضطرت الوزارة إلى أن تلفت النظر إليه بمنشورها المؤرخ في 16 من يناير سنة 1962 وانتهت الوزارة في صحيفة طعنها إلى أن تقرير سنة 1958 يظل قائماً ومنتجاً لآثاره خاصة وأنه قد استوفى أوضاعه الشكلية وتم في الشكل الذي حدده القانون ومر بمراحله حتى صدر في شأنه قرار لجنة شئون الموظفين.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني مسبباً في الطعن انتهت فيه إلى أنها ترى الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وببطلان التقرير السري السنوي المقدم عن المطعون عليه لعام 1958 وما يترتب عليه من آثار واستندت في ذلك إلى أنه يتضح من مطالعة التقرير المنوه عنه أن رئيس المصلحة قد خفض التقدير الذي وضعه الرئيس المباشر وأقره عليه المدير المحلي من 74 درجة إلى 45 درجة أي إلى مرتبة ضعيف ودون أن يقدر على انفراد تقدير كل عنصر من عناصر التقرير ودون أن يبين العنصر الذي أجري فيه هذا الخفض ولم يبن بالتقرير سوى الملاحظة التي ذكر فيها "أنه مشاغب وكثير التغيب وضعيف الإنتاج" وهي عبارة غير واضحة الدلالة على العناصر التي تناولها التخفيض ومقداره في كل عنصر منها. كما أن لجنة شئون الموظفين قد اعتمدت تقدير رئيس المصلحة دون أن تقوم بأي تعقيب جدي مبرر لذلك فضلاً عن أنها لم تنفذ ما نصت عليه المادة 17 من اللائحة التنفيذية للقانون رقم 210 لسنة 1951 فلم تسجل مناقشاتها والقرارات التي اتخذتها والأسباب التي بنيت عليها ولذلك فإن التقرير المطعون فيه يكون باطلاً لأنه لم يحرر على الوجه الذي رسمه القانون.
وقدم المدعي مذكرة ردد فيها دفاعه السابق وانتهى إلى طلب الحكم بإلغاء الحكم المطعون وببطلان التقرير السري المطعون فيه وما يترتب عليه من آثار مع إلزام الحكومة بالمصروفات.
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على أوراق الطعن أن الجهة الإدارية قد قدرت كفاية المدعي عن عامي 1958، 1959 بمرتبة ضعيف ولذلك فقد أحالته تلك الجهة إلى الهيئة المشكلة منها المحكمة التأديبية لبحث حالته طبقاً للمادة 32 من القانون رقم 210 لسنة 1951 - الذي كان سارياً حينذاك - وقيد هذا الطلب برقم 9 لسنة 2 تأديبية وقد قررت تلك الهيئة بجلسة 30 من يناير سنة 1961 رفض هذا الطلب وذلك بعد أن سمعت شهادة كل من الرئيس المباشر والمدير المحلي ورئيس المصلحة وأقامت قضاءها على أنه قد اتضح لها من مناقشة هؤلاء الشهود في أسس تقدير رؤساء المدعي في التقريرين موضوع الطلب وملاحظاتهم بشأنه باعتباره غير ضعيف كما قررت أنهما لم يحررا وفقاً لأحكام القانون لأن اللجنة لم تنفذ المادة 17 من اللائحة التنفيذية للقانون 210 لسنة 1951.
ومن حيث إن ولاية الهيئة المشكلة منها المحكمة التأديبية - في مجال إعمال حكم المادة 32 سالفة الذكر - منوط بما نصت عليه هذه المادة، وهو فحص حالة الموظف الذي يقدم عنه تقريران متتاليان بدرجة ضعيف. فإذا تبين لها أنه قادر على الاضطلاع بأعباء وظيفة أخرى قررت نقله إليها بذات الدرجة والمرتب أو مع خفض درجته أو مرتبه أو نقله إلى كادر أدبي. وإذا تبين لها أنه غير قادر على العمل فصلته من وظيفته مع حفظ حقه في المعاش أو المكافأة. فالمحكمة التأديبية في ولايتها هذه ليست محكمة إلغاء ومن فهي لا تملك التعقيب على تقدير الكفاية في التقرير السنوي الذي يعرضه عليها طالما أن هذا التقرير لم يلغ من قضاء الإلغاء المختص أو يسحب إدارياً بالطريق الصحيح.
ومن حيث إن الجهة الإدارية كانت قد أخطأت فهم القانون بتصورها أن تنفيذ قرار الهيئة المشكلة منها المحكمة التأديبية يقتضي إلغاء آثار قرار تقدير الكفاية ولذلك أصدرت قراراً بمنح المدعي علاوته الدورية المستحقة له من أول مايو سنة 1960 كما أن مندوب تلك الجهة - مسايرة لهذا الفهم الخاطئ "قد قرر أن التقرير المطعون فيه قد أصبح عديم الأثر ووافقه المدعي على ذلك وبأنه لا يمانع في اعتبار الخصومة منتهية فقضت المحكمة الإدارية بذلك في 21 من يناير سنة 1962.
ومن حيث إن إقرار جهة الإدارة للمدعي بوضع مخالف للقوانين واللوائح لا يمنع المحكمة من إنزال حكم القانون في المنازعة المطروحة أمامها لتعلق الأمر بأوضاع إدارية تحكمها القوانين واللوائح ولا تخضع لإرادة ذوي الشأن أو اتفاقاتهم أو إقراراتهم المخالفة لها وعلى ذلك فإن إقرار الجهة الإدارية باعتبار التقرير المطعون فيه عديم الأثر - بناء على ما انتهت إليه المحكمة التأديبية - يكون مخالفاً للقانون ما دام أنه لم يسحب أو يلغ بالطريق القانوني وتكون المحكمة الإدارية - إذ قضت، بحكمها المطعون فيه، باعتبار الخصومة منتهية بناء على اتفاق طرفي النزاع قد خالفت صحيح حكم القانوني وكان يتعين عليها الحكم في موضوع الدعوى.
ومن حيث إن الدعوى مهيأة للفصل في موضوعها.
ومن حيث إن المدعي أقام الدعوى طالباً الحكم بإلغاء التقرير السري الموضوع عنه عن عام 1958 وما يترتب على ذلك من آثار مستنداً في ذلك إلى أن رئيسه المباشر قد منحه 74 درجة بمرتبة مرض ووافقه المدير المباشر إلا أن المدير العام ولجنة شئون الموظفين قد قاما بتخفيض التقدير جزافاً إلى 45 دون وضع درجات لكل عنصر من عناصر التقدير.
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على التقرير المطعون فيه - المرفق بملف خدمة المدعي المقدم في الطعن رقم 914 لسنة 8 قضائية المحدد للحكم فيه جلسة اليوم - أن الرئيس المباشر قد منح المدعي 74 درجة (أي بمرتبة مرض) موزعة كالآتي 44 درجة من 60 للعمل والإنتاج، 8 درجات من 10 للمواظبة، 15 درجة من 20 للصفات الشخصية، 7 درجات من 10 للقدرات ووافق المدير المحلي على رأي الرئيس المباشر.. غير أن رئيس المصلحة، وهو المدير العام، قد خفض هذه الدرجات إلى 45 درجة (أي بمرتبة ضعيف) دون وضع درجات للعناصر الفرعية ودون في خانة الملاحظات أن المدعي "مشاغب وكثير التغيب وضعيف الإنتاج". وقد اعتمدت لجنة شئون الموظفين تقدير رئيس المصلحة بخمس وأربعين درجة.
ومن حيث إن التقدير المذكور هو عن عام 1958 أي في ظل المادة 30 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بعد تعديلها بالقانون رقم 73 لسنة 1957 ومن موجب هذا التعديل أن يكون تقدير كفاية الموظف بمرتبة "ممتاز أو جيد أو مرضي أو ضعيف" وأن تكتب التقارير على النماذج ويحسب الأوضاع التي يقدرها وزير المالية والاقتصاد بقرار يصدر منه بعد أخذ رأي ديوان الموظفين. وقد صدر فعلاً القرار الوزاري رقم 629 لسنة 1957 مرفقاً به النموذج الذي تكتب عليه التقارير السنوية السرية. ويبين من الاطلاع عليه أن تقدير العناصر الفرعية بالأرقام الحسابية يكون فقط للرئيس المباشر. أما المدير المحلي ورئيس المصلحة فإن تقديرهما يكون على أساس إحدى المراتب المشار إليها دون تقدير العناصر الفرعية من التقدير بالأرقام الحسابية.
ومن حيث إنه لذلك يكون التقرير المطعون فيه المقدم عن المدعي عن سنة 1958 قد استوفى أوضاعه الشكلية وجرى في المراحل المرسومة له قانوناً. وأنه وإن كان الرئيس المباشر قد قدر كفاية المدعي بأربع وسبعين درجة (أي بمرتبة مرض) ووافقه على ذلك المدير المحلي - إلا أن رئيس المصلحة قد رأي تقدير كفايته بمرتبة ضعيف واستند في ذلك إلى ما دونه في خانة الملاحظات من أنه "مشاغب وكثير التغيب وضعيف الإنتاج" وأقرت ذلك لجنة شئون الموظفين وهذه مسائل يعرفها الرؤساء من احتكاكهم بالمرءوسين ولا تثبت في الأوراق ولا يمكن استظهارها من ملفات الخدمة. وفضلاً عن ذلك فإن هذا الذي دونه رئيس اللجنة له صداه بملف خدمة المدعي إذ الثابت به أنه في 27 من ديسمبر سنة 1958 (أي في فترة التقرير) قد عوقب بخصم عشرة أيام من راتبه لاعتدائه على رئيسه المباشر بالقول والضرب. فضلاً عن سابقة مجازاته بخصم ثلاثة أيام في 25 من مايو سنة 1957 وبالإنذار في 9 من ديسمبر سنة 1957 لإهماله. ومن ثم يكون تقدير رئيس المصلحة الذي أقرته لجنة شئون الموظفين قد صدر صحيحاً خاصة وأنه لم يثبت انحراف ذلك الرئيس أو أعضاء لجنة شئون الموظفين في تقديرهم لمرتبة كفاية المدعي أو أن هذا التقرير قد أملاه الغرض أو انطوى على إساءة استعمال السلطة. فضلاً عن أن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن مهمة لجنة شئون الموظفين ليست مجرد تسجيل مادي للتقديرات الصادرة من الرؤساء ولو بأن للجنة من الأسباب ما يقتضي مراجعتها وإنما مهمتها التعقيب الجدي قبل وضع التقدير النهائي إذا قامت لديها مثل هذه الأسباب. ومن ثم يكون التقرير المطعون فيه قد صدر صحيحاً متفقاً وأحكام القانون.
ومن حيث إنه لا اعتداد بما ذكرته الهيئة المشكلة منها المحكمة التأديبية - من أن إغفال لجنة شئون الموظفين عند اعتمادها لتقدير رئيس المصلحة لم تسجل مناقشتها وقراراتها والأسباب التي بنيت عليها في سجل خاص طبقاً لما نصت عليه المادة 17 من اللائحة التنفيذية للقانون رقم 210 لسنة 1951 - الذي كان سارياً حينذاك - لا اعتداد بذلك إذ أن ما نصت عليه هذه المادة أنما هو من القواعد التنظيمية التي لا يترتب على إغفالها بطلان التقرير خاصة وأن لجنة شئون الموظفين قد اعتمدت تقدير رئيس المصلحة وقد بني هذا التقدير على أسباب صحيحة - دونها ذلك الرئيس على نص التقرير - ومستمدة من أصول ثابتة بملف خدمة المدعي حسبما سلف البيان.
ومن حيث إنه لما تقدم تكون دعوى المدعي - التي طلب فيها الحكم بإلغاء التقرير السري الذي وضع عنه عام 1958 - غير قائمة على أساس سليم من القانون ويتعين لذلك القضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وإلزام المدعي بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى مع إلزام المدعي بالمصروفات.