الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 7 يوليو 2023

الطعن 932 لسنة 8 ق جلسة 12 / 11 / 1966 إدارية عليا مكتب فني 12 ج 1 ق 12 ص 122

جلسة 12 من نوفمبر سنة 1966

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة الدكتور أحمد موسى وعادل عزيز زخاري وعبد الستار عبد الباقي آدم وعباس فهمي محمد بدر المستشارين.

-----------------

(12)

القضية رقم 932 لسنة 8 القضائية

موظف "تأديب". "الجرائم التأديبية". تعليمات إدارية.
مخالفة الموظف للتعليمات الإدارية - تشكل مخالفة مسلكية ينبغي مساءلته عنها تأديبياً - لا سبيل إلى هذه المسئولية بذريعة أنه لم يكن على بينة من هذه التعليمات متى كان بوسعه العلم بها - اطراد العمل على مخالفتها - لا يشفع في حد ذاته في هذه المخالفة.

----------------
أن مخالفة الموظف للتعليمات الإدارية تشكل مخالفة مسلكية ينبغي مساءلته عنها، ولا سبيل إلى دفع مسئوليته بذريعة أنه لم يكن على بينة منها متى كان بوسعه العلم بها، إذ الأصل أنه يجب على الموظف أن يقوم بالعمل المنوط به بدقة وأمانة وهو الأصل الذي رددته المادتان 73 من قانون نظام موظفي الدولة و53 من قانون العاملين، ومن مقتضيات هذه الدقة وجوب مراعاة التعليمات التي تصدرها الجهات الرئاسية لتنظيم العمل، وعلى الموظف أن يسعى من جانبه إلى الإحاطة بهذه التعليمات قبل البدء في العمل فإنه تراخ في ذلك فخرج عليها عن غير قصد فقد حقت مساءلته. ذلك أن أطراد العمل على مخالفة التعليمات الإدارية في الفترة السابقة على اضطلاع الموقف بأعباء وظيفته لا يشفع في حد ذاته في مخالفة هذه التعليمات، إذ الخطأ لا يبرر الخطأ.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن وقائع هذا الطعن - على ما يبين من أوراقه – تخلص في أن النيابة الإدارية أودعت سكرتيرية المحكمة التأديبية لوزارات الصحة والمرافق والإسكان والأوقاف أوراق الدعوى التأديبية التي قيدت بسجلها تحت رقم 115 لسنة 2 القضائية ضد الدكتور سيزوستريس سعد جبراوي الطبيب بمستشفى سنورس المركزي والموظف من الدرجة الخامسة بالكادر الفني العالي "لأنه في خلال عام 1956 أمر هو وطبيبان آخران بمستشفى سنورس بصرف المعونة المقدمة من مؤسسة كير الخيرية الأمريكية بطريقة خاطئة مما أدى إلى التلاعب فيها - إذ اتضح أنها صرفت للأهالي جزافاً ودون ما قاعدة وكذلك صرفت للممرضات وموظفي وتومرجية وشغالة المستشفى وكذا موظفي بنك التسليف وبعض الأهالي الأثرياء، كل ذلك دون أن يكون لهم صلة قرابة بالمصدورين وهم المختصون بالرعاية في التوزيع - الأمر الذي يشكل مخالفة لأحكام المواد 73 و82 مكرراً و83 من القانون رقم 210 لسنة 1951" وطلبت النيابة الإدارية محاكمته طبقاً للمواد السالفة الذكر والمادة 31 من القانون رقم 117 لسنة 1958. وأوضحت النيابة الإدارية في مذكرتها المرافقة لتقرير الاتهام أن الطريقة الخاطئة التي انتهجها الطاعن في توزيع المعونة على أساس بطاقات التموين أو تذاكر العيادة الطبية قد فتحت الباب للتلاعب في عملية الصرف، وأنه أمر بصرف معونة لموظفي بنك التسليف الزراعي بسنورس وعددهم أحد عشر شخصاً، كما أمر بصرف 25 نصيباً لشخص واحد يدعى عوض هنيه، وأسند عملية القيد في الدفاتر إلى مساعد المعمل ومعاون المستشفى.
وبجلسة 30 من يناير سنة 1962 قضت المحكمة التأديبية بمجازاة الطاعن وزميليه. بالإنذار - وأقامت قضاءها على أن التعليمات الخاصة بنظام توزيع المعونة فصلت الأحكام الخاصة بصرفها، فورد نظام الصرف في البند الثالث منها متضمناً النص على صرف أنواع المعونة للمستحقين في العيادات الخارجية وكذلك الذين يتناولون أغذية في المستشفيات وفي الوحدات التي بها عدد من المستحقين أكثر من المقرر للوحدة يراعى في اختيار المستحقين إعطاء الأسبقية للفئات الحساسة من حوامل ومراضع وأطفال وللمصابين بأمراض سوء التغذية كالضعف العام والأنيميا والبلاجرا والكساح. وجاء بهذا البند أيضاً أن يعطي كل مستحق سواء في المستشفيات الداخلية أو العيادات الخارجية رقماً مسلسلاً ثابتاً وقبل البدء في التوزيع في العيادات الخارجية تحرر البطاقة الخاصة بكل مستحق ويثبت فيها رقمه المسلسل واسمه وتختم بخاتم الوحدة ويحتفظ المستحق بالبطاقة لاستعمالها عند الصرف وتوقيعها من المسئول عن الصرف في المكان المخصص لكل مرة. وعند التوزيع يحرر كشف التوزيع من أصل وصورتين ويكون شاملاً لأسماء المستحقين وأرقامهم المسلسلة ثم بعد تسليم الكميات لأربابها والتوقيع من كل بالاستلام يوقع المسئول عن الصرف على الكشف ثم يعتمد من رئيس الوحدة. ويختم بخاتم الوحدة ويرسل الأصل وصورة منه إلى اللجنة العامة بمقرها وتحتفظ الوحدة بالصورة الأخرى. ويخلص الحكم إلى أن المحكمة تأخذ على المتهم أنه لم ينفذ التعليمات المذكورة في الشق الخاص بنظام الصرف، ذلك أن التعليمات قضت بأن يتم الصرف على أساس البطاقات التي تصرف لهم، في حين أن الصرف قد تم فعلاً على أساس تذاكر العيادة الخارجية أو بطاقات التموين. ومن ثم فإن المتهم يكون مسئولاً عن مخالفة التعليمات في هذا الشق فقط.
ومن حيث إنه بتاريخ 2 مايو سنة 1962 أودع المحكوم عليه سكرتيرية المحكمة تقريراً بالطعن في هذا الحكم طلب فيه "قبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والحكم ببراءته". وذكر أنه لاحظ عندما تولى العمل بالمستشفى أن الصرف يتم بطريقة غير سليمة، وأن بعض الأفراد يحملون بطاقات تصرف عدة أنصبة تبلغ 17 أو 25 نصيباً فاستحدث نظاماً جديداً مؤداه أن يبرز كل مستحق بطاقة التموين الخاصة به للتأكد من شخصيته وعدد أفراد عائلته على أن يقتصر الصرف على ستة أشخاص كحد أقصى، إلا أن العاملين بالمستشفى الذين كانوا يستنزفون أكثر من ثلث المعونة ثاروا على هذا القيد وأثاروا أصحاب البطاقات على الطاعن، وعمدوا إلى تهديده وحرضوا حاملي بطاقات الإعانة على الامتناع عن استلام أنصبتهم وفقاً لهذا النظام احتجاجاً على تقليل الأنصبة، فلم يكن أمامه إلا أن يصرف الأنصبة الزائدة لحمله تذاكر العيادة الخارجية إذ تقضي التعليمات بأنه إذا تغيب أحد المنتفعين الأصليين فإنه يجب على المستشفى أن تصرف نصيبه لمريض آخر توقياً لإبقاء المعونة بغير صرف. ولما لاحظ الطاعن أن مستخدمي المستشفى قعدوا عن تنفيذ تعليماته فأبلغ الشرطة والنيابة العامة والتمس في الوقت نفسه من مفتش صحة المديرية أن يعفيه من القيام بهذه المهمة فوافقه الأخير على إيقاف الصرف ريثما يتم الرجوع إلى الوزارة. وقال إنه اكتشفت وجود عربات محملة بالمعونة تبارح المستشفى، فأبلغ الشرطة التي قامت بضبط العربات، وأجرت النيابة تحقيقاً انتهت فيه إلى مجازاة كافة مستخدمي المستشفى وزميليه الطبيبين الآخرين، أما هو فلم تطلب النيابة العامة مجازاته بل أنها شكرته على مجهوده في ضبط التلاعب.
ونعى الطاعن على الحكم أنه أخطأ في استخلاص الوقائع التي أقام عليها الإدانة، لأنه الطاعن لم يأمر بالصرف على أساس بطاقات التموين وحدها. وإنما كان الأمر بالصرف لحاملي بطاقات المعونة مع الاستئناس ببطاقات التموين للتأكد من شخصية أصحابها وعدد أفراد العائلة، كذلك فإنه لم يأمر بالصرف لحاملي بطاقات العيادة الخارجية إلا في حدود تخلف حاملي بطاقات المعونة من استلامها وهذا يطابق ما أخذت به بعد ذلك التعليمات الصادرة لقسم الأمراض الصدرية. ونعى الطاعن على الحكم أيضاً أن العقوبة المقضي بها قد جاوزت النطاق الذي يقرره القانون، إذ استمر نظر القضية أمام المحكمة عامين فتأخرت لسبب أحالته إلى المحاكمة ترقيته إلى الدرجة الرابعة بغير موجب.
ومن حيث إن هيئة المفوضين قدمت تقريراً بالرأي القانوني رددت فيه ما جاء بالتعليمات الخاصة بصرف المعونة على نحو ما جاء بالحكم المطعون فيه، وانتهت إلى القول بأن الثابت من الأوراق أن صرف المعونة بمستشفى سنورس المركزي الذي يعمل به الطاعن قد تم لغير مستحقيها بسبب عدم التزام التعليمات التي تضبط عملية التوزيع، وأن الطاعن قد خالف هذه التعليمات عندما اعتمد على بطاقات التموين كأساس لصرف المعونة المذكورة وهو ما لم ينكره الطاعن وإن كان قد برره برغبته في التأكد من شخصية من تصرف إليهم، وما كان في حاجة إلى ذلك لو أنه التزم التعليمات المقررة في هذا الشأن كما أنه اعترف بصرف المعونة لموظفي بنك التسليف الزراعي من غير أن يكونوا مستحقين لها - وأنه بذلك لا تكون المحكمة التأديبية إذ انتهت من تعييب مسلك الطاعن وتأثيم ما ارتكب من مخالفة للتعليمات الواجب اتباعها قد أخطأت في استخلاص الواقعة أو في تكييفها على ضوء الفهم السليم لأحكام القانون، ويكون حكمها بإدانة الطاعن قائماً على سببه، وهو إخلال الموظف بواجبات وظيفته والخروج على مقتضاها أما ما يثيره بشأن آثار عقوبة الإنذار المحكوم بها عليه من تعطيل ترقيته فمردود بأن هذه الآثار أنما تستمد مصدرها من نصوص القانون التي تحظر ترقية الموظف المحال إلى المحاكمة التأديبية.
ومن حيث إن الطاعن عقب على مذكرة هيئة المفوضين بمذكرة أشار فيها على أن الطبيبين السابقين عليه هما اللذان وضعا قواعد التوزيع. وأنه لم يرتح لهذه القواعد وطلب موافاته بالتعليمات فلم يهده إليها أحد وأنه حاول تنظيم التوزيع وضبطه فقاومه مرؤسوه. وأنه لم يأمر بالصرف بموجب بطاقة التموين ولم يقل أحد في التحقيقات بذلك لكنه اشترط تقديمها مع بطاقات المعونة. وأنه لا يفهم كيف يعاقب موظف على مخالفة تعليمات لم تصل إلى علمه بل أن الأصول الإدارية توجب أن يوقع الموظف على المنشور الذي حوي هذه التعليمات بما يفيد إطلاعه عليها. وأن الصرف لموظفي بنك التسليف إنما تم على أساس أنهم كانوا يحملون بطاقات الإعانة في عهد سابقيه فضلاً عن أن كتبة وخفراء بنك التسليف الزراعي ليسوا من أثرياء القوم. أما الصرف على تذاكر العيادة الخارجية فقد جرى به العمل من قبل نظراً لأن بطاقات المعونة كانت قد نفذت وأنه لم ير ضيراً في ذلك، كذلك فإن العمل جرى على أن ينوب مستحق عن غيره في صرف مقرراته ما دام يحمل بطاقته وأنه يرى ألا وجه للمؤاخذة فيما يتعلق بإسناد القيد في الدفاتر إلى مساعدة المعمل أو معاون المستشفى ما دام الحاجة قد دعت إلى ذلك.
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على التحقيقات التي أجريت في هذا الشأن أن أول دفعة من المعونة الأمريكية أرسلت إلى مستشفى سنورس المركزي في 10 من يوليه سنة 1955 وأن التعليمات الخاصة بتوزيعها والمشار إلى مضمونها في الحكم المطعون فيه أبلغت إلى المستشفى في ذات التاريخ بكتاب الوزارة رقم 6601 كما أرسلت الدفاتر الخاصة بقيدها، ورغم ذلك فقد جرى العمل منذ هذا التاريخ على توزيع المعونة دون التقيد بهذه التعليمات.
ومن حيث إنه ولئن كان الطاعن قد أنكر إطلاعه على التعليمات الخاصة بتوزيع المعونة إلا أنه لم يجحد أنه جرى في صرف المعونة أولاً على سنن سلفه ودون أية قاعدة، ثم لجأ إلى صرفها بمحض اجتهاده، وهو في ذلك لم يلتزم في صرفها ببطاقات المعونة التي كانت تحت ناظريه، وإنما أمر بصرفها تارة بموجب بطاقات التموين وتارة أخرى بموجب تذاكر العيادة الخارجية، ومنحها للأصحاء غير المستحقين لها من ذلك أنه صرفها لجميع موظفي بنك التسليف الزراعي كما منح أحد الأشخاص خمسة وعشرين نصيباً. ولم يعن بتقصي صدور تعليمات في هذا الصدد وهو ما يقتضيه واجب الحرص واليقظة لمن كان في مثل موقفه. ولو قد بذل قدراً ضئيلاً من العناية لأمكنه الاهتداء إلى التعليمات التي سبق إبلاغها إلى المستشفى إن كان حقاً إنه لم يطلع عليها.
ومن حيث إن مخالفة الموظف للتعليمات الإدارية تشكل مخالفة مسلكية ينبغي مساءلته عنها، ولا سبيل إلى دفع مسئولية بذريعة أنه لم يكن على بينة منها متى كان بوسعه العلم بها، إذ الأصل أنه يجب على الموظف أن يقوم بالعمل المنوط به بدقة وأمانة وهو الأصل الذي رددته المادتان 73 من قانون نظام موظفي الدولة و53 من قانون العاملين، ومن مقتضيات هذه الدقة وجوب مراعاة التعليمات التي تصدرها الجهات الرئاسية لتنظيم العمل، وعلى الموظف أن يسعى من جانبه إلى الإحاطة بهذه التعليمات قبل البدء في العمل فإن تراخ في ذلك فخرج عليها من غير قصد فقد حقت مساءلته.
ومن حيث إن اطراد العمل على مخالفة التعليمات الإدارية في الفترة السابقة على اضطلاع الموظف بأعباء وظيفته لا يشفع في حد ذاته في مخالفة هذه التعليمات، إذ الخطأ لا يبرر الخطأ.
ومن حيث إنه متى كان ذلك وكان الواضح أنه كان بوسع الطاعن الإحاطة بما صدر منه تعليمات في شأن المعونة قبل صرفها فإن مساءلته تكون متعينة.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون الحكم المطعون فيه على الحق فيما انتهى إليه ويكون الطعن غير قائم على أساس من القانون قميناً بالرفض.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وألزمت الطاعن بالمصروفات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق