جلسة 30 من ديسمبر سنة 1982
برئاسة السيد المستشار محمود حسن رمضان نائب رئيس المحكمة وعضوية
السادة المستشارين: أحمد كمال سالم، محمد رأفت خفاجي، محمد سعيد عبد القادر وماهر
قلادة واصف.
---------------
(229)
الطعن 704 لسنة 48 ق
(1) إيجار "إيجار الأماكن" " التأجير
من الباطن ". إثبات " طرق الإثبات".
التأجير من الباطن . جواز إثباته بكافة طرق الإثبات . علة ذلك.
(2 - 4) حكم " تسبيبه". إثبات .
محكمة الموضوع . إيجار "إيجار الأماكن" .
(2) تقدير أقوال الشهود واستخلاص الواقع والقرائن منها. استقلال محكمة
الموضوع طالما لم تخرج بها عن مدلولها وكان استخلاصها سائغا.
(3) ترجيح شهادة شاهد علي آخر من إطلاقات
قاضي الموضوع. ما لم يخرج بأقوال الشاهد عما يؤدي إليه مدلولها.
(4) تقدير قصد الإقامة في العين المؤجرة من
سلطة محكمة الموضوع.
(5) إيجار "إيجار الأماكن" "التأجير
مفروش".
تأجير المستأجر العين المؤجرة له مفروشة في فترة سابقة علي وجوده
بالخارج أثره نشوء حق المؤجر في طلب الإخلاء ولو نشأ للمستأجر الحق في تأجير وحدته
في فترة لاحقة لا محل للتحدي بحكم المادة 2/62 ق 52 لسنة1969.
--------------
1 - المقرر في قضاء هذه المحكمة أن واقعة التأجير من الباطن واقعة
مادية يجوز إثباتها بكافة طرق الإثبات القانونية بما في ذلك البينة والقرائن .
2 - لقاضى الموضوع السلطة الموضوعية في تقدير
أقوال الشهود واستخلاص الواقع منها ما دام لم يخرج عن مضمونها وأن له استخلاص
القرائن من أي تحقيق إداري متى كان استنباطه سائغاً .
3 - المقرر في قضاء هذه المحكمة أن ترجيح
شهادة شاهد على شاهد آخر هى من إطلاقات قاضى الموضوع لا شأن فيه لغير ما يطمئن
إليه وجدانه ، وليس ملزماً أن يبين أسباب هذا الترجيح ما دام لم يخرج بأقوال
الشاهد عما يؤدى إليها مدلولها .
4 - المقرر في قضاء هذه المحكمة أن تقدير قصد
الإقامة في العين المؤجرة من سلطة محكمة الموضوع .
5 - متى كان الثابت من الأوراق أن مورث
المطعون ضدهم قد أقام دعواه بطلب إخلاء عين النزاع في ... وسبق ذلك تقديمه
للشكويين ... وأن الطاعن أعلن بصحيفة افتتاح الدعوى ... فإن واقعة التأجير من
الباطن تكون قد تمت في فترة سابقة على تلك الفترة التي كان الطاعن فيها بالخارج إذ
أن حق المؤجر ينشأ بمجرد وقوع هذه المخالفة ، ولو تحقق للمستأجر الأصلي - في فترة
لاحقة - الحق في تأجير مسكنه خالياً أو مفروشاً ، ومن ثم يكون تمسك الطاعن بإعمال
حكم المادة 2/26 من القانون رقم 52 لسنة 1969 بشأن إيجار الأماكن وتنظيم العلاقة
بين المؤجر وبين المستأجرين التي تجيز للمستأجر المصري في حالة إقامته بالخارج
بصفة مؤقتة أن يؤجر المكان المؤجر له مفروشاً أو غير مفروش على غير أساس .
---------------
الوقائع
وحيث إن الوقائع – على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق –
تتحصل في أن مورث المطعون ضدهم الأربعة الأول أقام الدعوى رقم 3534 سنة 1975 مدني
كلي شمال القاهرة ضد الطاعن والمطعون ضده الأخير بطلب إخلاء العين الموضحة بصحيفة
الدعوى مع التسليم، وقال في شرح دعواه أن الطاعن استأجر منه شقة النزاع بموجب عقد
إيجار مؤرخ 29/3/1962، ثم قام بتأجيرها من الباطن للمطعون ضده الأخير بغير إذن
كتابي منه بالمخالفة لأحكام الحظر الواردة في العقد والقانون وبتاريخ 30/10/1975
حكمت المحكمة بالإخلاء والتسليم. استأنف الطاعن هذا الحكم بالاستئناف رقم 3455 سنة
92ق القاهرة، وبتاريخ 23/2/1976 قضت المحكمة بقبول المطعون ضده الأخير خصما منضما
للطاعن في الاستئناف، ثم بانقطاع سير الخصومة لوفاة مورث المطعون ضدهم الأربعة
الأول في 21/2/1977، وفي 18/4/77 أحالت الدعوى إلى التحقيق، وبعد سماع الشهود قضت
بتاريخ 21/2/1978 بتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض،
وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن.
--------------
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار
المقرر، والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الطعن أقيم على خمسة أسباب، ينعي الطاعن بالأربعة الأول
وبالوجه الأخير من السبب الخامس على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون
والفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقول أن الحكم أخطأ إذ
اعتبر استضافته للمطعون ضده الأخير تأجير من الباطن، وأغفل الرد على دفاعه في هذا
الشأن، وهو دفاع جوهري يتغير به وجه الرأي في الدعوى مما يعيبه أيضا بالقصور في
التسبيب كما شابه الفساد في الاستدلال عندما استدل من المحضرين رقمي 2002، 3967
سنة 75 إداري شبرا وأقوال شاهدي المطعون ضدهم على ثبوت واقعة التأجير من الباطن في
حين أن أحدهما هو حارس العقار التابع لهم، ولم يثبت من المحضرين الإداريين وأقوال
الشهود قيام علاقة إيجارية بينه وبين المطعون ضده الأخير، كما أطرح الحكم أقوال
شاهديه وهي واضحة الدلالة على نفي واقعة التأجير من الباطن، ومع ذلك فإنه على فرض
ثبوت تلك الواقعة، فإن الحكم لم يطبق نص المادة 26/ 2 من القانون رقم 52 لسنة 1969
التي تجيز للمستأجر المصري أثناء إقامته المؤقتة بالخارج أن يؤجر المكان المؤجر له
مفروشا أو غير مفروش، على سند من القول بأن الشروط التي يتطلبها هذا النعي غير
متوافرة، في حين أنه قدم لمحكمة الاستئناف الشهادات الرسمية الدالة على سفره إلى
لندن، والسعودية، مما يعيب الحكم بالخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن النعي غير سديد، ذلك أن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن واقعة
التأجير من الباطن واقعة مادية يجوز إثباتها بكافة طرق الإثبات القانونية، بما في
ذلك البينة والقرائن، وأن لقاضي الموضوع السلطة الموضوعية في تقدير أقوال الشهود
واستخلاص الواقع منها، ما دام لم يخرج عن مضمونها، وأن له استخلاص القرائن من أي
تحقيق إداري متى كان استنباطه سائغا. لما كان ذلك، وكان الثابت أن الحكم المطعون
فيه قد أقام قضاءه في ثبوت واقعة التأجير من الباطن على دعامتين، أولاهما القرينة
المستخلصة من التحقيقات الإدارية، والثانية الدليل المستمد من أقوال شاهدي المؤجر،
فبالنسبة للدعامة الأولى فقد ثبت من حكم من محكمة الدرجة الأولى أن محضري الشكويين
رقمي 2002، 3967 سنة 1975 إداري شبرا شهد فيهما ..... حارس العقار بأن المطعون ضده
الأخير أدخل منقولاته عنوه بعين النزاع وأقام فيها، وشهد ....... و.........
المقيمان بذات العقار – بأن المطعون ضده الأخير يقيم بعين النزاع، وقد أيد الحكم
المطعون فيه الحكم الابتدائي وأضاف بأن محقق الشرطة أثبت في محضر معاينته لعين
النزاع أنه وجد المطعون ضده الأخير بها مرتديا ملابسه المنزلية، فإن القرينة
المستخلصة من التحقيق الإداري يكون لها ما يساندها من الأوراق، ويكون استنباطها
سائغا، وبالنسبة للدعامة الثانية، فالثابت من الصورة الرسمية للتحقيق الذي أجرته
محكمة الاستئناف في 17/ 12/ 1977، أن المطعون ضدهم استشهدوا بحارس العقار .....،
الذي شهد بأن المطعون ضده الأخير أدخل منقولاته بعين النزاع وأقام فيها، وأراد أن
يسدد له أجرتها، وأخبره بأنه استأجرها من الطاعن بمقابل، وأن ..... الشاهد الثاني
قرر بأنه رأى بعض الأشخاص الغرباء يقيمون بعين التداعي، ومن ثم يكون الحكم المطعون
فيه لم يخرج عن مضمون الشهادة عندما استخلص منها حصول واقعة التأجير من الباطن.
هذا ولا يعيب الحكم أن يعتد بأقوال شاهد يعمل لدى المطعون ضدهم أو أن يطرح أقوال
شاهدي الطاعن، إذ أن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن ترجيح شهادة شاهد على شاهد آخر
هي من إطلاقات قاضي الموضوع لا شأن فيه لغير ما يطمئن له وجدانه، وليس ملزما أن
يبين أسباب هذا الترجيح ما دام لم يخرج بأقوال الشاهد عما يؤدي إليه مدلولها، ومن
ثم يكون النعي على الحكم بالفساد في الاستدلال في غير محله. لما كان ما تقدم وكان
المقرر – في قضاء هذه المحكمة – أن تقدير قصد الإقامة في العين المؤجرة من سلطة
محكمة الموضوع، وكان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى ثبوت واقعة التأجير من الباطن
بأسباب سائغة، كافية لحمله، ولها أصلها الثابت بالأوراق، فإنه يكون قد أعمل صحيح
حكم القانون، ولا يعيبه بعد ذلك إغفاله الرد على دفاع الطاعن القائم على استضافته
للمطعون ضده الأخير في عين النزاع، إذ أن – المقرر في قضاء هذه المحكمة – أنه متى
أقامت محكمة الموضوع قضاءها على أسباب تسوغه، فإنها لا تكون ملزمة بأن تورد كل
الحجج التي يدلي بها الخصوم، وتفصيلات دفاعهم، وترد عليها استقلالا، لأنه في قيام
الحقيقة التي اقتنعت بها وأوردت دليلها التعليل الضمني المسقط لكل حجة تخالفها.
لما كان ذلك، وكان الثابت من الشهادات الصادرة من الهيئة المصرية العامة للطيران
أن الطاعن منح إجازة دورية خلال المدة من 9/ 10/ 1975 حتى 27/ 11/ 1975 خارج
الجمهورية بلندن، وأنه منح أيضا إجازة خاصة بدون مرتب للعمل بالمملكة العربية
السعودية خلال المدة من 10/ 8/ 1976 حتى 9/ 8/ 1978، وكان الثابت من الأوراق أن
مورث المطعون ضدهم قد أقام دعواه بطلب إخلاء عين النزاع في 31/ 5/ 1975 وسبق ذلك
تقديمه للشكويين 2002، 3967 سنة 1975 إداري شبرا، وإن الطاعن أعلن بصحيفة افتتاح
الدعوى مع شخصه في 3/ 6/ 1975، فإن واقعة التأجير من الباطن تكون قد تمت في فترة
سابقة مع تلك الفترة التي كان الطاعن فيها بالخارج إذ أن حق المؤجر في الإخلاء
ينشأ بمجرد وقوع هذه المخالفة ولو تحقق للمستأجر الأصلي – في فترة لاحقه – الحق في
تأجير مسكنه خاليا أو مفروشا ومن ثم يكون تمسك الطاعن بإعمال حكم المادة 26/ 2 من
القانون رقم 52 لسنة 1969 بشأن إيجار الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجرين
والمستأجرين – التي تجيز للمستأجر المصري في حالة إقامته بالخارج بصفة مؤقتة أن
يؤجر المكان المؤجر له مفروشا أو غير مفروش – على غير أساس، وإذ أخذ الحكم المطعون
فيه بهذا النظر فإنه لا يكون قد أخطأ في تطبيق القانون ويكون النعي برمته غير سديد.
وحيث إن حاصل النعي بالوجوه الثلاثة من السبب الخامس القصور في
التسبيب، إذ أن الحكم المطعون فيه لم يرد على دفعه ببطلان إعلانه بصحيفة افتتاح
الدعوى بشقة النزاع لثبوت إقامته بالسعودية، وأنه كان يتعين إعلانه بالطريق
الدبلوماسي عملا بالمادة 13 من قانون المرافعات. هذا إلى أن الحكم لم يرد أيضا على
دفعه ببطلان إعلان المطعون ضده الأخير بصحيفة افتتاح الدعوى في عين النزاع، في حين
أنه يقيم في مسكن آخر، كما التفت الحكم عن دفاعه بأن شقيقته ..... تعتبر مستأجرة
أصلية، وكان يتعين إدخالها في الاستئناف.
وحيث إن النعي في وجهه الأول غير مقبول، إذ لم يقدم الطاعن الدليل على
تمسكه ببطلان إعلانه بصحيفة افتتاح الدعوى، فيكون النعي عاريا عن الدليل، وبالتالي
غير مقبول، فضلا عن أنه غير صحيح، إذ الثابت من الحكم الابتدائي أن الطاعن أعلن مع
شخصه بصحيفة افتتاح الدعوى والنعي في وجهه الثاني مردود – بما جرى عليه قضاء هذه
المحكمة – بأن البطلان المترتب على مخالفة إجراءات الإعلان بطلان نسبي شرع لمصلحة من
وقعت المخالفة في حقه، وأنه لا يجوز لغيره من الخصوم ممن صح إعلانهم التمسك بهذا
البطلان، ولو كان موضوع الدعوى لا يقبل التجزئة، إذ لا تكون إفادتهم من هذا
البطلان إلا بعد أن يثبت بالطريق القانوني بأن يتمسك به من شرع لمصلحته وتحكم به
المحكمة. والنعي بالوجه الثالث غير مقبول ولا يجوز في الاستئناف إدخال من لم يكن
خصما في الدعوى الصادر فيها الحكم المستأنف عملا بالمادة 236 من قانون المرافعات،
ولما كان مورث المطعون ضدهم لم يختصم شقيقة الطاعن أمام محكمة الدرجة الأولى، ولم
تتدخل هي في الخصومة، فمن ثم فلا يجوز إدخالها في الاستئناف، ولا يعيب الحكم
التفاته عن الرد على دفاع الطاعن المنوه عنه في الوجهين الثاني والثالث، طالما أنه
لا يستند إلى أساس قانوني سليم.
ولما تقدم يتعين رفض الطعن.