جلسة 13 من مايو سنة 1958
برئاسة السيد حسن داود
المستشار, وبحضور السادة: محمود إبراهيم إسماعيل, ومصطفى كامل, والسيد أحمد عفيفي,
وإبراهيم عثمان يوسف المستشارين.
---------------
(135)
طعن رقم 1519 سنة 27 ق
(أ) جناية التخابر مع
دولة أجنبية.
المادة 78 مكرراً أ من ق 40 لسنة 40. نية الإضرار ليست شرطاً.
)ب, جـ, د, هـ, و, ز, ح).
جريمة تسليم سر من أسرار الدفاع عن البلاد إلى دولة أجنبية أو الحصول على السر
بهذا القصد.
المادة 80 من ق 40 لسنة 1940. شرطاً تطبيقها. كون الدولة الأجنبية في
حالة حرب مع مصر. غير لازم. شمول النص السر المادي والمعنوي. عدم تفريقه بين من
حصل على السر ومن توسط في توصيله إلى الدولة الأجنبية. انطباق النص ولو لم يفش من
السر إلا بعضه لو كان السر أفشى على وجه خاطئ أو ناقص. سكوت السلطات عن المتهمين
مدة زمنية. ترمى أسرار الدفاع إلى طائفة من الناس. أثر ذلك.
)ط) قانون دولي. حرب.
معناها في القانون الدولي. أمر واقع. أثره في الحالة القائمة بين مصر وإسرائيل.
)ي) قانون جنائي.
طبيعته.
ذاتية أحكامه. أثر ذلك.
)ك) حرب.
حق محكمة الموضوع
في تحديد معناها على ضوء ما قصد المشرع الجنائي.
)ل) حرب. حكم
تسبيب كاف.
مثال.
)م) قانون دولي.
هدنة.
توقف القتال ولا تنهيه. أثر ذلك.
)ن) حكم. تسبيب كاف.
مثال
في جريمة اشتراك في جناية تخابر مع دولة أجنبية.
)س) حكم. تسبيب كاف.
مثال
في رشوة.
)ع) حكم. نقض. طعن.
المصلحة في الطعن. انتفاؤها. مثال.
---------------
1 - إن نية الإضرار
بالمصالح القومية ليست شرطاً في جريمة التخابر مع دولة أجنبية المنصوص عنها في
المادة 78 مكرراً أ من قانون رقم 40 لسنة 1940.
2 - يشترط لتطبيق المادة
80 من القانون رقم 40 لسنة 1940 المتعلقة بجناية تسليم سر من أسرارا الدفاع عن
البلاد إلى دولة أجنبية أو الحصول على السر بهذا القصد توافر شرطين أساسيين أولهما
أن يكون الشيء ذا طبيعة سرية وثانيهما أن يكون متعلقاً بالدفاع عن البلاد وتقدير
ذلك موكول إلى محكمة الموضوع في كلا الأمرين ولها في سبيل ذلك أن تستعين بمن ترى
الاستعانة به كما أن لها أن تأخذ برأيه أو لا تأخذ به دون معقب عليها ما دامت
المحكمة أبانت في حكمها الأسانيد التي استندت إليها في استخلاص النتيجة التي انتهت
إليها في طبيعة السر وفي علاقته بالدفاع عن البلاد وكان استخلاصها لهذه النتيجة
استخلاصاً سائغاً يؤدي إليها.
3 - يعاقب القانون على
مجرد الحصول على أسرار الدفاع بقصد تسليمها وعلى تسليمها لدولة أجنبية أو لا لأحد
ممن يعملون لمصلحتها ولو لم تكن تلك الدولة الأجنبية في حالة حرب مع مصر وكل ما
اشترطه النص أن تكون مصر نفسها في حالة حرب تباشرها قواتها النظامية.
4 - إن مفهوم نص المادة
80 أن السر قد يكون مادياً وقد يكون معنوياً وأن مسئولية ناقل السر قائمة إذا ما
حصل على سر معنوي وأبلغه إلى دولة أجنبية أو لمن يعمل لمصلحتها كما تكون قائمة إذ
كان قد حصل على سر مادي وسلمه.
5 - إن المادة 80 لم تفرق
في استحقاقا العقاب بين من حصل على السر ومن توسط في توصيله إلى الدولة الأجنبية
أو من يعمل لمصلحتها وجاء نصها عاما حين ذكرت تسليم سر من أسرار الدفاع عن البلاد
بأية صورة وعلى أي وجه وبأية وسيلة لدولة أجنبية أو لأحد مأموريها أو لشخص آخر
يعمل لمصلحتها.
6 - إن المادة 80 قصدت
إلى التعميم والاطلاق يدل على ذلك ما جاء بالمذكرة الإيضاحية للقانون إذ جاء بها
"أن المهم في أمر هذه الجريمة هو الغرض الذي يرمي إليه الجاني فغير ذي بال
الصورة التي يجري بها تحقيق هذا الغرض أو الوسائل التي تستعمل في ذلك. كما أنه ليس
من المهم أن يكون السر قد علم بأكمله فإن عبارة "بأي وجه من الوجوه"
يراد بها أن تطبق العقوبة ولو لم يفش من السر إلا بعضه وكذلك لو كان السر أفشى على
وجعه خاطئ أو ناقص".
7 - إن سكوت السلطات عن
المتهمين فترة معينة لا يعني في شيء أن الأسرار التي أفشوها لا تتعلق بالدفاع عن
البلاد.
8 - إن ترامي أسرار
الدفاع إلى طائفة من الناس لا يرفع عنها صفة السرية ولا يهدر ما يجب لها من الحفظ
والكتمان.
9 - إنه وإن كان الأصل في
فقه القانون الدولي أن الحرب بمعناها العام هي الصراع المسلح بين دولتين إلا أن
للأمر الواقع أثره على تحديد هذا المعنى في الحالة القائمة بين مصر وإسرائيل وهي
حالة لها كل مظاهر الحرب ومقوماتها.
10 - القانون الجنائي
قانون جزائي له نظام قانوني مستقل عن غيره من النظم القانونية الأخرى وله أهدافه
الذاتية إذ يرمي من وراء العقاب إلى الدفاع عن أمن الدولة وحماية المصالح الجوهرية
فيها على المحكمة عند تطبيقه على جريمة منصوص عليها فيه وتوافرت أركانها وشروطها
أن تتقيد بإرادة الشارع في هذا القانون الداخلي ومراعاة أحكامه التي خاطب بها
المشرع القاضي الجنائي فهي الأولى في الاعتبار بغض النظر عما يفرضه القانون الدولي
من قواعد أو مبادئ يخاطب بها الدول الأعضاء في الجماعة الدولية.
11 - للمحكمة الجنائية في
تحديد حالة الحرب وزمن الحرب أن تهتدي بقصد المشرع الجنائي تحقيقاً للهدف الذي هدف
إليه وهو حماية المصالح الجوهرية للجماعة متى كان ذلك مستنداً إلى أساس من الواقع
الذي رأته في الدعوى وأقامت الدليل عليه.
12 - إذا حصل الحكم أن
الحرب بين مصر وإسرائيل قائمة فعلاً واستند في ذلك إلى اتساع العمليات الحربية بين
مصر والدول العربية من ناحية وإسرائيل من ناحية أخرى ومن امتداد زمن هذه العمليات
ومن تدخل الأمم المتحدة وعقد الهدنة التي لا تكون إلا بين متحاربين وإصدار مصر
التشريعات المؤسسة على قيام حالة الحرب كإنشاء مجلس الغنائم ومن اعتراف بعض الدول
بإسرائيل كدولة فإن الحكم يكون قد استند في القول بقيام حالة حرب بين مصر وإسرائيل
إلى الواقع الذي رآه وللأسانيد والاعتبارات الصحيحة التي ذكرها.
13 - الهدنة لا تجئ إلا
في أثناء حرب قائمة فعلاً وهي اتفاق بين متحاربين على وقف القتال مع تقدير استمرار
حالة الحرب بينهم مهما طالت فترة الحرب ولا تتأثر بالهدنة حقوق وواجبات الفريقين
المتحاربين فيما بينهما ولا بين المتحاربين وبين المحايدين أما الحرب فلا تنتهي
إلا بانتهاء النزاع بين الفريقين المتصارعين أو بإبرام صلح بينهما يحسم أسباب هذا
النزاع نهائياً وإذن فلا يمس ما استدل الحكم به على قيام حالة الحرب بين مصر
وإسرائيل ما اعترض به المتهمان من عقد اتفاقية الهدنة التي توقف بها القتال أو أن
دولة "بريطانيا" التي سلمت الأسرار إلى عملائها لم تكن تحارب مصر حين
كان المتهمان يباشران نشاطهما.
14 - إذا قرر الحكم
بالنسبة للمتهم الرابع أنه كان يعلم بأن المتهمين الأول والثاني إنما يتسلمان منه
في زمن حرب أسرار الدفاع عن البلاد لحساب دولة "بريطانيا" وأن هذا العمل
في ذاته يكشف عن قصد ذينك المتهمين الأخيرين من الإضرار بمركز مصر الحربي وأن
المستندات التي تعامل بها المتهم الرابع مع المتهمين الأول والثاني ناطقة في إثبات
قيام المخابرة بينهما وبين دولتهما بما اشتملت عليه من تعليق على المعلومات
المسلمة لتلك الدولة أو توجيه نحو استيفاء بعض جوانبها. كما قرر الحكم بالنسبة
للمتهم السابع أنه كان يعلم بتخابر المتهم الأول وهو من مأموري الدولة الأجنبية
التي يعمل لمصلحتها بما يدل عليه من تلقيه التعليمات والاستيضاحات في شأن ما يقدمه
من معلومات وأن تبليغ هذه الأسرار ينطوي بطبيعته على الإضرار بمركز مصر الحربي فإن
هذا التقرير يكفي في توافر القصد الجنائي لدى كل من المتهمين الرابع والسابع في
جريمة الاشتراك في جناية التخابر المنصوص عليها في المادة 78 مكرراً(أ) التي
دانتهما بها المحكمة.
15 - إذا قرر الحكم أنه
متى ثبت في حق المتهم عبثه بالأوراق المنوط به حفظها بسبب وظيفته بأن انتزعها من
مكانها فإن ذلك يثبت عليه إخلاله بواجبات هذه الوظيفة ومتى كان مأجورا لفعل ذلك من
المخابرات البريطانية بما يقبله ويحصل عليه من مرتب شهري فرصته له يكون مرتشياً
فإن الحكم يكون صحيحاً في القانون خالياً من عيب القصور في التدليل على الجريمة
التي دان المتهم بها.
16 - إذا أثبت الحكم على
المتهمين أنهما كان يضطلعان بنقل معلومات وبيانات هي بطبيعتها وفي الظروف التي
أبلغت فيها من أسرار الدفاع الحقيقة لا الحكمية فإن الاستناد إلى قرار مجلس
الوزراء الصادر في 12 من يوليه سنة 1951 الذي بين طائفة من الأسرار الحكمية المشار
إليها في المادة 85 من قانون العقوبات لا يكون له محل.
الوقائع
اتهمت نيابة أمن الدولة
كلاً من: 1- جيمس كاثبر سوينبرن و2- الكسندر رينولدز و3- جيمس البرت زارب و4-
السيد أمين محمود و5- مريد يوسف بدير الشهير بلبيب و6- أحمد لطفي السيد أمين و7-
صالح حسن بدير و8- يوسف مجلي حنا و9- صمويل إبراهيم عطية و10- أنطون يعقوب عبد
الملك و11- محمد محمد عبيد و12- جورج توماس سويت و13- جون ريدماك جلاش و14- جورج
أرثررو و15- تشارلس بيتاك و16- نصيف مرقص ميخائيل و17- جون نورنتون ستانلي و18-
ميلوفان جريجور يفتش و19- أحمد السيد رمش و20- حسين علي الكاشف بأنهم في خلال عام
1951 ما يلي ذلك حتى يوم 27 أغسطس سنة 1956 بدائرة محافظتي القاهرة والإسكندرية
أولاً - المتهمون الأول والثاني والثالث والرابع والخامس والسادس والسابع والثامن
والتاسع والعاشر والحادي عشر - حصلوا في زمن حرب علي بيانات ومعلومات ووثائق تتعلق
بالقوات المسلحة وتحركاتها وعتادها وعملياتها الحربية وتعتبر من أسرار الدفاع عم
البلاد التي يجب لمصلحة هذا الدفاع ألا يعلم بها غير من نيط بهم حفظها, وكان ذلك
بقصد تسليمها لدولة أجنبية (بريطانيا) وقد سلموها فعلا لمأموري تلك الدولة وآخرين
يعملون لمصلحتها. ثانياً- المتهمون الأول والثاني والثالث والثاني عشر والثالث عشر
والرابع عشر والخامس عشر والسابع عشر تخابروا في زمن الحرب مع مأموري دولة أجنبية
(بريطانيا) بقصد الإضرار بمركز مصر الحربي والسياسي ذلك بأن اتصلوا بهؤلاء
المأمورين وقدموا إليهم تحقيقاً للغرض المذكور معلومات وبيانات تتعلق بأسرار
الدفاع عن البلاد وبسياستها الداخلية والخارجية. ثالثا - المتهمون الرابع والخامس
والسادس والسابع والثامن والتاسع والعاشر والحادي عشر والسادس عشر والثامن عشر
والتاسع عشر والعشرين اشتركوا بطريقي الاتفاق والمساعدة مع المتهمين الأول والثاني
والثالث والثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر والسابع عشر في ارتكاب
الجريمة المبنية بالتهمة السابقة وذلك بأن اتفقوا معهم على الإضرار بمركز مصر
الحربي والسياسي وأمدوهم تحقيقاً لهذا الغرض بمعلومات وبيانات تتعلق بأسرار الدفاع
عن البلاد وبسياستها الداخلية والخارجية. رابعاً - المتهمون جميعا اشتركوا في
اتفاق جنائي الغرض منه ارتكاب الجنايات المبينة بالتهم السابقة وهي الحصول في زمن
الحرب على أسرار خاصة بالدفاع عن البلاد بقصد تسليمها للدولة الأجنبية المشار
إليها وتسليمها إليها فعلاً, والتخابر في زمن الحرب مع مأموري دولة أجنبية وكان
المتهمون الأول والثاني والثالث والرابع والخامس والسابع عشر المحرضين على هذا
الاتفاق وقد تدخلوا هم والمتهمون الثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر
في إدارة حركته بقصد تنفيذ الأغراض المقصود منه. خامساً- المتهمون السادس والسابع
والثامن والسادس عشر بصفتهم موظفين ومستخدمين عموميين (الأول ضابط بالقوات البحرية
والثاني كاتب سجلات سلاح الصيانة والثالث مستخدم فني بإدارة الصيانة بالقوات
الجوية والرابع كاتب بإدارة المباحث العامة بوزارة الداخلية) قبلوا وأخذوا عطايا
للإخلال بواجبات وظائفهم ولمكافأتهم على ما وقع منهم من ذلك بأن حصلوا من مأموري
الدولة الأجنبية المشار إليها على مبالغ من النقود في صورة مرتبات شهرية مقابل
إمدادهم ببيانات ومعلومات تتعلق بأعمال وظيفتهم ويقتضيهم واجبهم حفظها وعدم إفشاء
شيء منها. سادسا ً- المتهمون الأول والثاني الثالث والرابع والخامس توسطوا في
ارتكاب جناية الرشوة المبينة بالتهمة السابقة بأن تحصلوا من مأموري الدولة
الأجنبية المشار إليها على المبالغ التي رتبت للمتهمين السادس والسابع والثامن
والسادس عشر, وقد سلموهم هذه المبالغ فعلاً مقابل إخلالهم بواجبات وظائفهم
ولمكافأتهم على ما وقع منهم من ذلك على الوجه السالف بيانه. وطلبت النيابة من غرفة
الاتهام - بتقرير اتهام أن تحيل المتهمين المذكورين إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهم
بالمواد 80 و85 (ثانيا) من قانون العقوبات بالنسبة إلى المتهمين من الأول إلى
الحادي عشر وبالمادة 78/ 1 مكررة من نفس القانون بالنسبة للمتهمين الأول والثاني
والثالث والثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر والسابع عشر والمواد 40/
2 - 3 و41 و78/ 1 من القانون المذكور بالنسبة للمتهمين الرابع والخامس والسادس
والسابع والثامن التاسع والعاشر والحادي عشر والسادس عشر والثامن عشر والتاسع عشر
والعشرين والمادة 48/ 1 - 2 - 3 منه بالنسبة لجميع المتهمين والمواد 103 و104و 110
و111 منه أيضاً بالنسبة للمتهمين السادس والسابع والثامن والسادس عشر وبالمواد 103
و104 و107 مكرراً منه بالنسبة للمتهمين الأول والثاني والثالث والرابع والخامس
فقررت غرفة الاتهام بتاريخ 4 مارس سنة 1957 غيابياً للمتهمين الثاني والثاني عشر
والثالث عشر والرابع عشر وحضورياً للباقين بإحالتها إلى محكمة الجنايات لمحاكمة
المتهمين طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. ومحكمة جنايات القاهرة قضت
حضورياً للمتهمين الأول والثالث والرابع والخامس والسادس والسابع والثامن والتاسع
والعاشر والحادي عشر والخامس عشر والسادس عشر والسابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر
والعشرين غيابياً للباقين - عملا بالمواد 80 و85/ 2 و78/ 1 مكرراً و48/ 1 - 2 - 3
و103 و104 و107 مكرراً و32/ 2 و17 من قانون العقوبات للمتهمين (جيمس كاثبر
سوينيرن, والكسندر رينولدز) وبالمواد 80 و85/ 2 و78/ 1 مكرراً و40/ 2 - 3 و41 و48/
1 - 2 - 3 و103 و104 و107 و107 مكرراً 32/ 2 و13 عقوبات للمتهم (السيد أمين محمود)
وبالمواد 80 و85 و78/ 1 مكررا و40/ 2 - 3 و41 و48/ 1 - 2 و103 و104 و110 و111 و32/
2 و17 عقوبات للمتهم (أحمد لطفي السيد أمين محمود) وبالمواد 80 و85/ 2 و78/ 1
مكررا و40/ 2 - 3 و41 و48/ 1 - 2 و103 و104 و110 و111 و32/ 2 و17 عقوبات بالنسبة
للمتهم (صالح حسن بدير) وبالمواد 80 و85/ 2 و78/ 1 مكررا و48/ 1 - 2 - 3 و103 و104
و107 و107 مكرر و17 و32 عقوبات للمتهم (جيمس البرت زارب) وبالمواد 80 و85/ 2 و78/
1 مكرراً و40/ 2 - 3 و41 و48/ 1 - 2 - 3 و103 و104 و107 و107 مكرراً و32و17 عقوبات
للمتهم (مريد يوسف بدير الشهير بلبيب) وبالمواد 80 و85/ 2 و78/ 1 مكرراً و40/ 2 -
3 و41 و48/ 1 - 2 و103 و104 و110 و111و 32/ 2 و17 عقوبات للمتهم (يوسف مجلي حنا)
وبالمواد 78/ 1 مكرراً و40/ 2 - 3 و41 و48/ 1 - 2 و103 و104 و110 و111 و32/ 2 و17
عقوبات للمتهم (نصيف مرقص ميخائيل) وبالمواد 78/ 1 مكرراًَ و40/ 2 - 3 و41 و48/ 1
- 2 و32 عقوبات للمتهمين (صمويل إبراهيم عطية وأنطون يعقوب عبد الملك ومحمد محمد
عبيد) وبالمادة 78/ 4 عقوبات للمتهم (أحمد السيد رمش) أولاً - ببراءة المتهم الأول
(جيمس كاثير سوينبرن) عن تهمة التوسط في الرشوة وبمعاقبته بالأشغال الشاقة لمدة
خمس سنين عن باقي التهم. وثانياً - بمعاقبة المتهم الثاني (الكسندر رينولدز)
بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنين. وثالثاً - ببراءة المتهم الثالث (جيمس البرت زارب)
من جناية التوسط في الرشوة المسندة إليه بمعاقبته بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنين
عن باقي التهم. ورابعاً - بمعاقبة المتهم الرابع (السيد أمين محمود) بالإعدام
شنقاً عن الجرائم الثلاث الأولى المسندة إليه وببراءته من تهمة التوسط في الرشوة -
وخامساً - ببراءة المتهم الخامس (مريد يوسف بدير الشهير بلبيب)عن تهمة التوسط في
الرشوة المسندة إليه وبمعاقبته بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنين عن باقي التهم.
وسادساً - بمعاقبة كل من المتهمين السادس والسابع والثامن (أحمد لطفي السيد أمين
محمود وصالح حسن بدير ويوسف مجلي حنا) بالأشغال الشاقة المؤبدة وبتغريم كل منهم
ألفين من الجنيهات. وسابعاً - ببراءة كل من المتهمين التاسع (صمويل إبراهيم عطية)
والعاشر (أنطون يعقوب عبد الملك) والحادي عشر (محمد محمد عبيد) عن التهمة الأولى
المسندة إلى كل منهم, وبمعاقبة كل بالسجن لمدة خمس سنين عن التهمتين الأخريين.
وثامناً - بمعاقبة المتهم السادس عشر نصيف (مرقص ميخائيل) بالأشغال الشاقة لمدة
خمس عشر سنة وبتغريمه ألفين من الجنيهات. وتاسعاً - باعتبار ما أسند إلى المتهم
التاسع عشر (أحمد السيد رمش) منطبقاً على المادة 78 فقرة رابعة من قانون العقوبات
وبمعاقبته بالحبس مع الشغل لمدة ثلاث سنوات وبتغريمه مائتين من الجنيهات عاشراً -
ببراءة كل من المتهمين الثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر والسابع
عشر والثامن عشر والعشرين (جورج توماس سويت وجون ريدماك جلاش وجورج أرثررو وتشارلس
بيتاك وجون ثورنتون ستانلي ميلوفان جريجور بفتش وحسن علي الكاشف) مما أسند إليهم.
حادي عشر - أمرت المحكمة بمصادرة جميع المبالغ المضبوطة. فطعن الطاعنون في هذا
الحكم بطريق النقض..... الخ.
المحكمة
عن طعن الطاعنين (الثالث
والسادس):
وحيث إن الطاعنين الثالث
والسادس أقاما طعنهما على ثلاثة أوجه حاصل الأول منها أن الحكم المطعون فيه قد
خالف القانون وشاب أسبابه قصور إذ دانهما في تهمة تسليم أسرار الدفاع دون أن يفرق
بين ما عبر عنه القانون بأنه سر من أسرار الدفاع وما عبر عنه بأنه في حكم أسرار
الدفاع مع ما للتفرقة من أهمية بالغة إذ عقوبة تسليم سر من أسرار الدفاع هي
الإعدام وفقاً لنص المادة 80 من قانون العقوبات بينما عقوبة تسليم ما هو في حكم
السر السجن إذا وقعت الجريمة في زمن الحرب, أو الحبس إذا وقعت في زمن السلم, وقد
دانهما الحكم المطعون فيه على اعتبار أن ما حصل عليه من بيانات ومعلومات تتصل
بالقوات المسلحة وسلماه إلى الأول والثاني من الطاعنين سوينبيرن وزارب - هو من
أسرار الدفاع عن البلاد في حين أن الصحيح هو أن ما سلماه هو الذي قصد المشرع
إدخاله في حكم أسرار الدفاع عن البلاد في حين أن الصحيح هو أن ما سلماه هو الذي
قصد المشرع إدخاله في حكم أسرار الدفاع - ويقول الطاعنون شرحاً لذلك, إن التفرقة
بين الأسرار الحقيقية والأسرار الحكمية وردت في المادة 85 من قانون العقوبات
المعدلة بالقانون رقم 40 لسنة 1940 فنصت الفقرة الثانية من هذه المادة على الأسرار
الحقيقة, ونصت الفقرة الثالثة على الأسرار الحكمية، وقد اتسبعد الحكم المطعون فيه
الفقرة الثالثة المذكورة من نطاق بحثه واتجه اتجاهاً خاطئاً في التفرقة بين نوعي
الأسرار إذ قال إنه يعتبر من أسرار الدفاع كل المعلومات المتعلقة بالمجهود الحربي,
وقد عددها الحكم, وقال إن المحكمة ترى من صالح الدفاع عن البلاد ألا يعلم بها إلا
من نيط بهم حفظهما, ووجه الخطأ في ذلك أن المعلومات التي عددها الحكم ليست مخصصة
للحفظ بل هي مخصصة للاستعمال, ولم ير المشرع في القانون رقم 40 لسنة 1940 أن ما
خصص للاستعمال تعتبر سراً بل رأى أنه مما يعتبر في حكم السر كما يبين من مقارنة
نصوص المواد 80 و80 مكرر و80 ثالثة و85 من هذا القانون. ويقول الطاعنان إن الحكم
تردى في هذا الخطأ بسبب أنه لم يكن لدى المحكمة فكرة واضحة عن أسرار الدفاع فراحت
تتعرف عليها وتتصيدها من أقوال شهود غير مفوضين من وزارة الحربية للإدلاء بمعلومات
ومن أقوال لرجال المخابرات مرجعهم فيها مستندات غير مقطوع بصحة ما تضمنته, وكان
يتعين على المحكمة إزاء ذلك ألا تعول على شهادتهم وأقوالهم لأن مصدرها غير معول
عليه. وخلص الطاعنان من ذلك إلى أن الأخبار والمعلومات التي نسب إليهما إبلاغها
إلى مخدومهما, ليست في ذاتها من الأمور المخصصة للحفظ على ألا يعلم بها إلا
المنوطين بحفظها, ولكنها حين تجمع وتبوب ويضاف إليها غيرها قد تؤدي إلى كشف أسرار
محفوظة, فهي تدخل على هذا الاعتبار تحت نص المادة 85/ 3 من القانون دون أن يتأثر
هذا النظر بالتشريع الذي صدر في شهر مايو سنة 1957 والذي أصبحت بمقتضاه المعلومات
التي سلمها الطاعنان إلى مخدومهما من أسرار الدفاع إذ لا أثر للتشريع اللاحق على
الوقائع التي سبقت صدوره.
وحيث إنه يبين من الحكم
المطعون فيه أن وقائع الدعوى التي حصلها بالنسبة لهذين الطاعنين هي أن أولهما
السيد أمين محمود (الطاعن الثالث) عميل قديم من عملاء قلم المخابرات البريطاني سبق
أن استخدمه خارج الأراضي المصرية. وفي سنة 1951 كلف قلم المخابرات المذكور جيمس كاسبر
سوينبرن (الطاعن الأول) بتكوين شبكة للجاسوسية في مصر للتجسس وجمع الأخبار
والأسرار العسكرية المتصلة بالقوات المسلحة وأسرار السياسة المصرية على أن يرجع في
تلقي التعليمات والتوجيهات إلى موظفين معينين بالسفارة البريطانية وأن يبلغهم ما
يصل إليه من معلومات فاتصل سوينبرن بالسيد أمين محمود عميل المخابرات البريطانية
القديم لتكوين تلك الشبكة ثم اتصل هذا الأخير بولده الضابط البحري أحمد لطفي السيد
أمين محمود (الطاعن الخامس) واتصل كذلك بابن أخته صالح حسن بدير (الطاعن السادس)
وهو موظف بسلاح الصيانة وتم الاتفاق بينه وبينهما على أن يعملا معه في التجسس, كل
منهما في دائرة عمله, فيقدمان له المعلومات التي يحصلان عليها ينقلها هو إلى
الجانب البريطاني في مقابل أجر شهري يتقاضاه السيد أمين لحسابهما من قلم المخابرات
البريطاني ثم ظهر في الميدان جيمس ألبرت زارب (الطاعن الثاني) بسبب ظروف اقتضت
تغيب سوينبرن كما ظهر السكندر رينولدز (المحكوم عليه غيابياً) من الجانب البريطاني
وانضم إلى حلقة التجسس باقي الطاعنين وغيرهم فكان يوسف مجلي حنا (الطاعن السابع)
وهو كهربائي بسلاح الطيران يمد صهره مريد يوسف الشهير بفيلبيب (الطاعن الرابع)
بالمعلومات وهذا الأخير ينقلها إلى السيد أمين محمود فينقلها بدوره إلى من
استخدموه من الجانب البريطاني. وفي مساء سوم 27 من أغسطس سنة 1956 ضبط سوينبرن
والسيد أمين محمود ويوسف مجلي وتشارلز بناك المحكوم ببراءته مجتمعين بمنزل أولهم
كما ضبطت نقود وأوراق تحوي بيانات عن المرتبات التي يتقاضها بعض أعضاء الشبكة على
ما يقومون به من أعمال التجسس, وقد تحدث الحكم عن الجريمة المنصوص عليها في المادة
80 من القانون رقم 40 لسنة 1940 فقال إن عبارة أسرار الدفاع الواردة بهذه المادة
فسرتها المادة 85/ 2 من القانون فقالت أنه يقصد بها الأشياء والوثائق والبيانات
والمعلومات التي يجب في مصلحة الدفاع عن البلاد ألا يعلم بها غير من نيط بهم حفظها
وأن السر - على ما جاء بالمذكرة التفسيرية للقانون - قد يكون واضحاً وضوحاً لا شك
فيه بينما قد تقع حالات لا يبين فهيا معنى السرية بطريقة جلية وإذ ذاك يرجع الأمر
إلى تقدير المحكمة ويحسن في مثل هذه الأحوال أن تستعين المحكمة برأي السلطات ذات
الشأن إذ هي أقدر من غيرها على الحكم على أهمية الوثيقة أو المعلومات التي تجري
بشأنها المحاكمة وعلى سريتها. ثم انتهى الحكم من ذلك إلى قوله إن المحكمة ترى
تطبيقاً لذلك "أن المقصود بأسرار الدفاع عن البلاد كل المعلومات المتصلة
بالمجهود الحربي كطريقة صناعة السلاح ومواقع المصانع الحربية ومقدرتها على الإنتاج
بيان أنواع الأسلحة المزودة بها وحدات الجيش المختلفة بما في ذلك الذخائر والآلات
الميكانيكية وأدواتها وقطع غيارها والبيانات المتصلة بتنقلات الجنود ومواقع
المطارات والطائرات والسفن الحربية ومبلغ إعداد الطائرات الحربية والمطارات والسفن
الحربية بالأدوات والآلات المختلفة كالمدافع والرادار وغيرها... كل هذا وأشباهه
ترى المحكمة أن مصلحة الدفاع عن البلاد ألا يعلم بها غير من نيط بهم حفظها...".
وحيث إن هذا الذي رأته
المحكمة فضلاً عن استناده إلى القواعد السابق بيانها وإلى أحكام المحاكم في فرنسا
فإن له كما يؤيده من واقع الأوراق ففي جلسة 12 مايو سنة 1957 استمعت المحكمة إلى
أقوال الشاهد البكباشي مختار صالح محمد الضابط بإدارة المخابرات وشهد بما هو سر محظور
إذاعته... ثم قدم منشوراً برقم 7 أمن الوثائق وهو صادر عن رئاسة هيئة أركان حرب
الجيش إدارة المخبرات وفي هذا المنشور تحديد لقيمة الوثائق ومبلغ سريتها بالاطلاع
عليه يبين أنه عدد ما هو (سري للغاية) ومن بينه أي تفاصيل متعلقة ببيان أصناف
الذخائر والأسلحة والمعدات الخاصة والتفاصيل المتعلقة بالإنتاج الحربي المحلي كما
عدد المنشور ما هو (سري جدا) ومن بينه تفاصيل التعليمات الجارية وتحرك العمليات
والمعلومات المتعلقة بالدفاع ذات الأهمية البالغة والمعلومات التي توضح حجم
وشخصيات وتشكيل القوات في مناطق العمليات والأسرار الفنية كما أشار المنشور إلى ما
هو (سري) ومن بينه التقارير الدورية للعمليات والإحصائيات العامة. وحيث أن هذا
الذي ورد في المنشور المذكور يؤيد ما ذهب إلى المحكمة عند ما أبدت رأيها فيما
يعتبر من أسرار الدفاع. وقد أحصي الحكم البيانات والمعلومات التي قام الطعانان
بنقلها وانتهى إلى أنها من أسرار الدفاع كما عرفتها المادة 85/ 2 في قوله
"لما تدل عليه طبيعتها من أنها تكشف عن إمكانيات الأسطول الحربي المصري منن
حيث وحداته وأجهزته ومعداته وكفاية رجاله كما تكشف عن إمكانيات الدفاع الساحلي عن
مدينة الإسكندرية وتفصح عن الاستعدادات والخطط التي أعدت لمواجهة العدوان البحري
الذي كان منتظراً وقوعه والذي وقع بعد ذلك فعلاً مستهدفاً غزو الأراضي المصرية
بحراً. كذلك بينت المستندات معلومات عن تشكيلات الجيش المصري توزيع قواته في
المناطق والجهات وأفصحت عن عتاد الجيش ومهماته وإمكانيات الأجهزة المعدة لصيانتها
وتوزيعها ثم عينت مواقع المصانع الحربية وبعض المطارات والمنشآت العسكرية
المستحدثة بناحيتي "بير الحما" و "جبل لبنى" موضحة ما تضطلع
به تلك المصانع في إنتاج الأسلحة والمهمات المتصلة بالمجهود الحربي". وقال
الحكم إن الطاعن الثالث السيد أمين محمود قد اعترف بأنه كان يتجسس لحساب بريطانيا
منذ زمان بعيد وأنه كان يستعين بابنه أحمد لطفي السيد وابن أخته صالح حسن بدير -
الطاعن السادس وكان هو حلقة الاتصال بينهما وبين سوينبرن فكان أولهما يمده بأنباء
القوات البحرية ويزوده الثاني بالمعلومات المتصلة بالجيش وكان ينقل ما يتلقاه
منهما إلى سوينبرن فيذهب إلى منزل هذا الأخير أسبوعياً حاملا سلالا بها بيض أو طير
ليسدل على زياراته المتكررة مظهراً بريئا يباعد بينهما وبين الشكوك في شأنها وأنه
كان يتقاضى لحساب ابنه مرتباً شهرياً مقداره عشرة جنيهات رفع إلى خمسة عشر جنيهاً
ولحساب ابن أخته مبلغاً تدرج حتى وصل إلى أربعين جنيهاً شهرياً. وعندما عرض الحكم
إلى ما هو منسوب إلى المتهم السابع (الطاعن السادس) أشار إلى ما سبق أن أورده من
اعترافه بأن ما حصل عليه من الأسرار كان يقصد تسليمه لدولة بريطانيا أشار إلى
المستندات التي تضمن الحكم فحواها وهي أرقام 8 و19 و36 و42 و49 و63 و109 و137 و150
و209 و249 و250 و278 و291 و293 و313 التي أبلغ فيها عن تشكيلات فوق الجيش وتحركات
قواته وتوزيعها بين المناطق والجهات المختلفة وعن عتاد ومهمات هذه القوات وعن
إمكانيات الأجهزة القائمة على صيانة ذلك العتاد وتلك المهمات وعن المصانع الحربية
ونوعية إنتاج كل منهما ومواقعها ومواقع المطارات والمنشآت العسكرية وانتهى الحكم
في منطق سليم إلى القول بأن تلك المعلومات مما تدخل في دائرة أسرار الدفاع عن
البلاد التي يجب مراعاة لمصلحته ألا يعلم بها غير نيط بهم حفظها، ثم رد الحكم على
دفاع المتهمين السادس والسابع (الطاعنين) بشأن ما ذهبا إليه في دفاعهما من أن ما
نقلاه كان كاذباً ومضللا بأن ذلك مدفوع بما تضمنته مستندات الدعوى من تكرار الثناء
عليهما والإشادة بقيمتها من مأموري دولة بريطانيا المحتلين لجهاز مخابراتها
واستبقاء هذين المتهمين في خدمته سنوات عديدة ورفع أجرهما مما يتنافى مع مظنة
كذبهما في نشطاهما الإجرامي. وعرض الحكم لما شهد به الضابطان مختار صالح وشوقي عبد
المنعم وأثره على تحديد ما هو سر من أسرار الدفاع فقال "إن المحكمة سبق أن
استظهرت عند بيان حكما القانون أنه يكفي في شأن طبيعة المعلومات وسريتها أن يشهد
بعض ذوي الشأن في ذلك ما دامت المحكمة قد اطمأنت إلى شهادتهم فضلاًَ عما استظهرته
المحكمة من أن المنشور رقم 7 أ من الوثائق قد وردت فيه أمثلة عديدة على ما يعتبر
سراً وما لا يعتبر وأن المنشور وحده كاف لتحديد السر وطبيعته في شأن ما تحدث عنه
معلومات وبيانات, وأن المحكمة اتخذت من هذا المنشور من شهادة ذوي الشأن أساساً لما
انتهت إليه فيما سبق من بيان ما تراه من أسرارا الدفاع وما يخرج عن دائرة هذه
الأسرار".
وحيث إن هذا الذي قاله
الحكم سديد وصحيح في القانون ذلك أنه يشترط لتطبيق المادة 80 من القانون رقم 40
لسنة 1940 وتوافر شرطين أساسيين. أولهما - أن يكون الشيء ذا طبيعة سرية. وثانيهما
- أن يكون متعلقا بالدفاع عن البلاد وتقدير ذلك موكول إلى محكمة الموضوع في كلا
الأمرين وحسبها في ذلك أن تبين في حكمها الأسانيد التي استندت إليها فيما انتهى
إليه رأيها في طبيعة السر وفي علاقته بالدفاع عن البلاد والحال في خصوصية هذه
الدعوى أن الحكم المطعون فيه لم يغب عنه أهمية التفرقة بين ما هو سر وما هو في حكم
السر - وحيث أرادت المحكمة أن تتعرف على طبيعة البيانات والمعلومات التي حصل عليها
الطاعنان وعلاقتها بالدفاع رجعت إلى المصادر التي رأت فيها عوناً لها فاستخلص من
أقوال الشهود ومن المستندات التي قدمت, إليها والتي كانت ملحقه بملف القضية،
النتيجة التي انتهت فيها وكان استخلاصها لها استخلاصاً سائغاً يؤدي إليها وهي إذ
فعلت ذلك لا تكون قد خالفت القانون في شيء ولا محل بعد ذلك الذي استظهره الحكم
وأفاض في بيانه التدليل عليه من الاستناد إلى قرار مجلس الوزراء الصادر في 12
يوليه سنة 1951 الذي بين طائفة من الأسرار الحكمية المشار إليها في المادة 85 لأن
الحكم أثبت على الطاعنين أنهما كان يضطلعان بنقل معلومات وبيانات هي طبيعتها وفي
الظروف التي أبلغت فيها من أسرار الدفاع الحقيقة لا الحكمية. ومن ثم فالنعي على
الحكم بما جاء في هذا الوجه يكون في غير محله ويتعين رفضه.
ومن حيث إن حاصل السبب
الثاني هو أن الحكم أخطأ في تطبيق القانون إذ لم يأخذ بدفاع الطاعنين وقضى
بالعقوبة المغلظة المنصوص عليها في المادة 80 على اعتبار أن الظرف المشدد للعقوبة
هو قيام حالة الحرب متوافر في الدعوى لأن مصر في حرب مع إسرائيل وهذا الذي قاله
الحكم غير صحيح لأن الحرب في معنى القانون الدولي هو صراع مسلح بين دولتين بنية
إنهاء العلاقات السلمية وبنية اتخاذ القتال وسيلة لفض النزاع وإسرائيل ليست دولة
ولم تعترف مصر لها بهذه الصفة في وقت من الأوقات بل هي عصابات صهيونية كما أن
الجيوش المصرية لم تدخل فلسطين بنية الحرب بل دخلتها بنية تأديب تلك العصابات
ومساعدة عرب فلسطين على استرداد أراضيهم وحقوقهم الشرعية، وقد حرصت مصر دائما على
إبراز هذا المعنى فأكدته في مذكرتها المرسلة إلى الدول في 15 من مايو سنة 1948 كما
أكدته في اتفاقية الهدنة المعقودة في رودس بتاريخ 24 من فبراير سنة 1949 تحت
توصيات مجلس الأمن وانتهى الطاعنان من ذلك إلى القول إن القانون رقم 40 لسنة 1940
لا يمكن أن يعرف الحرب إلا بمعناها القانوني الدقيق وبأركانها المقررة في القانون
الدولي, والتزام هذه القاعدة يباعد بين الواقعة والظرف المشدد المبرر لتطبيق
العقوبة المغلظة.
وحيث إنه يبين من الحكم
المطعون فيه أن قول الطاعنين المستند إلى عدم توافر الظرف المسدد كان موضع عنايته
فتناوله بالبحث ورد عليه بقوله "وحيث إنه وإن كان المبدأ أن الحرب لا تقوم
إلا بين الدول إلا أنه من المسلم به كما قرر علماء القانون الدولي أن تقوم الحرب
بين دولة وبين بعض الثوار القائمين في وجهها بل بين هيئتين في دولة واحدة تريد كل
منهما أن تستولى على سلطة الحكم على أن الشرط الوحيد لاعتبار مثل هذا الصراع حرباً
أن يتم الاعتراف للفريقين المتحاربين بصفة المتحاربين، وغنى عن البيان أن الصراع
الذي بدأ بين مصر وبين العصابات الصهيونية في 15 من مايو سنة 1948 واستمر حتى عقد
الهدنة كانت مصر تعترف فيه لقوات الأعداء بحقوق المتحاربين وتعاملهم وفق أحكام
القانون الدولي". وما قاله الحكم في هذا الصدد لا يتأثر بما ينعاه الطاعنان
عليه. ذلك أنه وإن كان الأصل في فقه القانون الدولي أن الحرب بمعناها العام هي
الصراع المسلح بين دولتين إلا أن للأمر الواقع أثره على تحديد هذا المعنى في مثل الحالة
القائمة بين مصر وإسرائيل وهي حالة لها كل مظاهر الحرب ومقوماتها, هذا إلى أن
القانون الجنائي هو قانون جزائي له نظام قانوني مستقل عن غيره من النظم القانونية
الأخرى وله أهداف الذاتية إذ يرمي من وراء العقاب إلى الدفاع عن أمن الدولة ومهمته
الأساسية حماية المصالح الجوهرية فيها فهو ليس مجرد نظام قانوني تقتصر وظيفته على
خدمة الأهداف التي تعني بها تلك النظم وعلى المحكمة عند تطبيقه على جريمة منصوص
عليها فيه وتوافرت أركانها وشروطها أن تتقيد بإرادة الشارع في هذا القانون الداخلي
ومراعاة أحكامه التي خاطب بها المشرع القاضي الجنائي فهي الأولى في الاعتبار بغض
النظر عما يفرضه القانون الدولي من قواعد أو مبادئ يخاطب بها الدول الأعضاء في
الجماعة الدولية وعلى ذلك فإن المحكمة الجنائية في تحديد معنى حالة الحرب وزمن
الحرب لها أن تهتدي بقصد المشرع الجنائي تحقيقاً للهدف الذي هدف إليه وهو حماية
المصالح الجوهرية للجماعة متى كان ذلك مستنداً إلى أساس من الواقع الذي رأته في
الدعوى وأقامت الدليل عليه, والحال في خصوصية هذه الدعوى أن الحكم المطعون فيه قد
حصل أن الحرب بين مصر وإسرائيل قائمة فعلاً واستند في ذلك إلى اتساع العمليات
الحربية بين مصر والدول العربية من ناحية وإسرائيل من ناحية أخرى ومن امتداد زمن
هذه العمليات ومن تدخل الأمم المتحدة وعقد الهدنة التي لا تكون إلا بين متحاربين
وإصدار مصر التشريعات المؤسسة على قيام حالة الحرب كإنشاء مجلس الغنائم ومن اعتراف
بعض الدول بإسرائيل كدولة. ويبين من هذا الذي انتهى إليه الحكم أنه استند في القول
بقيام حالة الحرب بين مصر وإسرائيل إلى الواقع الذي رآه وللأسانيد وللاعتبارات
الصحيحة التي ذكرها ولا يمس من استدل الحكم به على قيام حالة الحرب ما اعترض به
الطاعنان من عقد اتفاقية الهدنة التي توقف بها القتال, أو أن دولة بريطانيا التي
سلمت الأسرار إلى عملائها لم تكن تحارب مصر حين كان الطاعنان يباشران نشاطهما، لا
يمس ذلك ما استدل به الحكم الذي فسر حالة الحرب المنصوص عليها في المادة 80 من
القانون رقم 40 لسنة 1940 والمنطبقة على واقعة الدعوى إذ بت الحكم في توافر ظرف
الحرب التي دخلتها مصر ضد قوات إسرائيل التي كانت تحمل السلاح علناً وعاملت تلك
القوات المحاربة وفق أحكام القانون الدولي بما يطابق الواقع وأسهب في ذلك ولم
ينقله عن معناه الذي أراده الشارع. لما كان ذلك, وكانت الهدنة لا تجئ إلا في أثناء
حرب قائمة فعلاً وهي اتفاق بين متحاربين على وقف القتال مع تقدير استمرار حالة
الحرب بينهم مهما طالت فترة الحرب ولا تتأثر بالهدنة حقوق وواجبات الفريقين
المتحاربين فيما بينهما, ولا بين المحاربين وبين المحايدين, أما الحرب فلا تنتهي
إلا بانتهاء النزاع بين الفريقين المتصارعين أو بإبرام صلح بينهما يحسم أسباب هذا
النزاع نهائياً، ولما كان القانون يعاقب على مجرد الحصول على أسرار الدفاع بقصد
تسليمها وعلى تسليما لدولة أجنبية أو لأحد ممن يعملون لمصلحتها, ولو لم تكن تلك
الدولة الأجنبية في حالة حرب مع مصر, وكل ما اشترطه النص أن تكون مصر نفسها في
حالة حرب تباشرها قواتها النظامية فعلاً وهو ما أثبته الحكم على ما تقدم بيانه.
لما كان ذلك, فإن هذا الوجه لا يكون سديد الأمر الذي يتعين معه رفضه.
وحيث إن حاصل الوجه
الثالث أن الحكم أخطأ في تطبيق القانون إذ لم يبين أن نية الإضرار بالمصالح
القومية متوافرة عند الطاعنين وفقاً لما تقضي به الفقرة الرابعة من المادة 78 من
القانون رقم 40 لسنة 1940 والواقع أن هذه النية كانت بعيدة عنهما إذ كانت نيتهما
منصرفة إلى تقاضي الأجر الذي يتقاضيانه من مخدومها البريطاني فحسب.
وحيث إن هذا النعي مردود
بأن الحكم المطعون فيه دان الطاعنين بالمادة 78 مكرراً(أ) ونية الإضرار بالمصالح
القومية ليست شرطاً في هذه المادة وقد اعتبر الحكم الطاعنين الثالث والسادس شريكين
للمتهمين الأول والثاني جيمس كاسبر سوينبرن وجيمس ألبرت زارب بالاتفاق والمساعدة
بالمواد 40/ 2 - 3 و41 و78 مكرر (أ) من قانون العقوبات وتحدث عن توافر القصد
الجنائي لدى الطاعن الثالث بأنه يعلم أن المتهمين الأول والثاني إنما يتسلمان منه
في زمن حرب أسرار الدفاع عن البلاد وذلك لحساب دولة بريطانيا وإذ بينت المحكمة أن
هذا العمل في ذاته يكشف عن قصد ذنيك المتهمين الأخيرين من الإضرار بمركز مصر
الحربي ومتى كانت المستندات التي تعامل بها المتهم الرابع مع المتهمين الأول
والثاني ناطقة في إثبات قيام المخابرة بينهما وبين دولتهما وذلك بما اشتملت عليه
من تعليق على المعلومات المسلمة لتلك الدولة أو توجيه نحو استيفاء بغض جوانبها.
متى تقرر ذلك كله فإنه يدل دلالة قاطعة على علم المتهم الرابع (الطاعن الثالث)
بجريمة التخابر التي يرتكبها المتهمان الأول والثاني والمعاقب عنها بنص المادة 78
مكررا (أ) وكذلك تحدث الحكم عن توافر قصد المتهم السابع (الطاعن السادس) من علمه
بتخابر المتهم الأول وهو من مأموري الدولة الأجنبية التي يعمل لمصلحتها بما يدل
عليه من تلقيه التعليمات والاستيضاحات في شأن ما يقدمه من معلومات وأن تبليغ هذه
الأسرار ينطوي بطبيعته على الإضرار بمركز مصر الحربي. وما قاله الحكم ذلك يكفي في
توافر القصد الجنائي لدى كل من الطاعنين الثالث والسادس في جريمة الاشتراك في
جناية التخابر المنصوص عليها في المادة 78 مكرراً (أ) والتي دانتهما بها المحكمة,
ومن ثم يكون النعي على الحكم بهذا الوجه نعيا في غير محله متعيناً رفضه.
عن طعن الطاعن الرابع
مريد يوسف الشهير بلبيب:
وحيث إن مريد يوسف بدير
الطاعن الرابع أقام طعنه على خمسة أوجه حاصل الأول منها أن الحكم أخطأ في تطبيق
القانون إذ لم يأخذ بما طلبه الدفاع عنه من المحكمة أن تستعمل حقها في إعفائه من
العقاب وفقاً لما تنص عليه المادتان 84/ 3 مكرر و48 من قانون العقوبات مع أن حقه
في هذا الإعفاء قائم, ذلك أنه قد أثبت أنه أخفى عن جيمس ألبرت زارب - الطاعن
الثاني - تقريراً خاصا بمراقبة البوليس لسو ينبرن وكان مفروضاً أن يطلعه على هذا
التقرير ليتخذ الحيطة لنفسه ولشركائه, وهذا التصرف من جانب الطاعن هو بمثابة
التبليغ عن الجريمة كما أنه قد اعترف اعترافاً مكن السلطات من القبض على كثيرين من
المتهمين فضلا عما قدمه من أوراق كانت دليلاً مثبتاً للتهمة قبلهم.
وحيث أن هذا النعي مردود
بما أقام الحكم قضاءه عليه في صدده حيث قال "وحيث إن الحاضر عن المتهم طلب
إعفاءه من العقاب عن تهمتي الحصول على السر والاشتراك في التخابر تأسيساً على نص
القرة الأخيرة من المادة 84 مكرراً من قانون العقوبات, وأن المحكمة لا ترى محلاً
لإجابة هذا الطلب إذ أنه فضلاً عن أن هذه الرخصة المنصوص عليها في الفقرة الأخيرة
من هذه المادة متروك لتقدير المحكمة المطلق فإن موقف المتهم في الدعوى لا يستحق
النظر في هذا الطلب, فما كان يجدر بالمتهم كمصري مهما كانت الظروف والمبررات أن
يخون وطنه ويتحسس عليه لصالح دولة أجنبية وكذلك فإنه لم يجنب الدولة أي خطر كما
كان موقفه في التحقيق ملتوياً فقد كان يحاول في بادئ الأمر التضليل وإخفاء الحقيقة
ولا أدل على ذلك من كونه لم يبادر فور سؤاله بالإفصاح عن أمر التقرير الخاص
بمراقبة نشاط المتهم الأول وهو التقرير الذي يعول عليه الدفاع عنه في طلب هذا
الإعفاء فهو لم يشر إليه إلا بعد أن قطع التحقيق شوطاً بعيداً وبعد استجوابه أكثر
من مرة, ولذا فإن المحكمة تطرح هذا الطلب ولا تلتفت إليه". وقد قالت المحكمة
في صدد الإعفاء من العقوبة المنصوص عليها في المادة 48 ع "إن هذا الإعفاء
مشروط بأن يكون الجاني قد أخبر الحكومة بالاتفاق الجنائي وبمن اشتركوا فيه قبل
وقوع أية جناية أو جنحة وقبل بحث وتفتيش الحكومة عن أولئك الجناة" وما قاله
الحكم من ذلك رداً على دفاع الطاعن هو قول سليم ولا غبار عليه من ناحية القانون.
وحيث إن حاصل الوجه
الثاني أن الحكم أخطأ في تطبيق القانون, ذلك أن السر في معنى المادة 80 من قانون
العقوبات, هو ما كان ذا كيان مادي يصلح بطبيعته لأن يكون محلاً للحيازة المادية
والطاعن لم يحصل على أو يسلم سراً من هذا النوع ولكن المحكمة لم تأخذ بدفاع الطاعن
وذهبت في تفسيرها إلى أن جريمة الحصول على السر تسليمه تنطبق على الأسرار التي ليس
لها كيان مادي, هذا على أن موقف الطاعن لم يكن موقف من أتى فعل الحصول على السر
وتسليمه بل كان وسيطاً بين متهمين آخرين هم الفاعلون الأصليون في جريمة الحصول على
السر لتسليمه ولا يمكن أن يترتب على ذلك اعتبار الطاعن شريكاً لهؤلاء إذ لم توجه
إليه النيابة تهمة الاشتراك كما أنه لا يجوز القول إن مجرد مرور السر عليه
باعتباره وسيطاً في نقله وعلمه به يؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها الحكم لأن
مجرد العلم بماهية السر لا يستفاد منه أن العالم به قد حصل عليه.
وحيث إن هذا النعي مردود
بأنه يبين من الاطلاع على نص المادة 80 التي يستند إليها الطاعن أن عبارته التي
صيغ بها لا يفهم منها أن المشرع قصد بها الحصول على الأسرار المادية دون غيرها بل
مفهوم النص أن السر قد يكون مادياً وقد يكون معنوياً وأن مسئولية ناقل السر قائمة
إذا ما حصل على سر معنوي أبلغه إلى دولة أجنبية أو لمن يعمل لمصلحتها كما تكون
قائمة إذا كان قد حصل على سر مادي وسلمه كذلك. هذا ولا محل لما يقول به الطاعن من
أنه لم يحصل على السر بنفسه وأنه كان مجرد وسيط في توصيله إذ أن المادة 80 سالفة
الذكر لم تفرق في استحقاقا العقاب بين من حصل على السر ومن توسط في توصيله إلى
الدولة الأجنبية أو من يعمل لمصلحتها وجاء نصها عاماً حين ذكرت تسلم سر من أسرار
الدفاع عن البلاد بأية صورة وعلى أي وجه وبأية وسيلة لدولة أجنبية أو لأحد
مأموريها أو لشخص آخر يعمل لمصلحتها ومن هذا يبين أن النعي على الحكم بهذا الوجه
في غير محله ويتعين رفضه.
وحيث إن مبنى الوجهين
الثالث والرابع أن الحكم أخطأ في تطبيق القانون وشاب أسبابه قصور فقال الطاعن في
الوجه الثالث إن الحكم أغفل عن تقدير شرط الاتصال المباشر في جريمة التخابر وهو
الفارق المميز بين جريمة تسليم السر وجريمة التخابر وكذلك لم يبين القصد الجنائي
في جريمة التخابر وهو الإضرار بمركز مصر الحربي والسياسي وقال في الوجه الرابع أن
الحكم أثبت فيما يختص بجريمة الاتفاق الجنائي أن هذه الجريمة لا تقوم إلا إذا
اتحدت إرادات المتفقين ولكنه لم يبين كيف اتحدت إرادة الطاعن مع غيره، كذلك نسب
الحكم إليه تداخله في إدارة حركة الاتفاق الجنائي وأخذه بالظرف المشدد المنصوص
عليه في المادة 48 من قانون العقوبات. ووجه الخطأ في ذلك, أن إدارة الاتفاق
الجنائي تكون عادة في يد من دعا إليه في بدايته وهو هنا المستر زارب (المتهم
الثاني) الذي كان متصلاً اتصالاً مباشراً بالدولة الأجنبية التي تنتهى إليها
الأسرار أو فحوى التخابر.
وحيث إن هذا النعي مردود
في وجهيه بأنه نعي لا يفيد منه الطاعن ولا مصلحة له فيه ما دامت المحكمة قد قضت
عليه بعقوبة واحدة تطبيقاً للمادتين 32/ 2 و17 من قانون العقوبات هي المقررة
للجريمة المنصوص عليها في المادة 80 من قانون العقوبات التي دانه الحكم بها
باعتبارها الجريمة الأشد من بين الجرائم التي أسندت إليه ومن ثم يتعين رفض هذين
الوجهين.
وحيث إن حاصل الوجه
الخامس أن الحكم أخطأ في تطبيق القانون إذ اعتبر مصر في حالة حرب مع إسرائيل فأخذت
الطاعن بالظرف المشدد في تطبيق المادة 80 من قانون العقوبات, وقد سبق الرد على ذلك
فيما تقدم من أسباب هذا الحكم خاصا بطعن الطاعنين الثالث والسادس.
عن طعن الطاعن الخامس
(أحمد لطفي السيد أمين محمود):
وحيث إن الطاعن الخامس
أحمد لطفي السيد أمين محمود أقام طعنه على أربعة أوجه, حاصل الوجه الأول منها أن
الحكم المطعون فيه أخل بحقه في الدفاع وأخطأ في تطبيق القانون. وقال في ذلك أن
مناط العقاب في جريمة نقل السر, هو أن يكون ما نقله سراً وقد قام دفاعه على أن ما
نقله لم يكن سراً إذ قرر في اعترافه أن بعض ما نقله كان تضليلاً والبعض الآخر كان
شائعاً متداولاً مما يخرجه عن دائرة السرية, فلم يرد الحكم على هذا الدفاع واقتصر
على القول إن هذه الأمور عرضت على المختصين فجاءت الإجابة بأن ما نقل كان بعضه
صحيحاً والبعض الآخر غير صحيح وبعضه ينطوي على سر والبعض لا ينطوي عليه ولم يقطع
الحكم برأي بل توسع في معيار السرية وهو ما لا يتفق وحكم القانون.
وحيث إن هذا الذي ذهب
إليه الطاعن غير صحيح ذلك لأن المادة 80 من قانون العقوبات المعدلة بالقانون رقم
40 لسنة 1940 إذ نصت على عقاب "كل من سلم لدولة أجنبية أو لأحد مأموريها أو
لشخص آخر يعمل لمصلحتها بأية صورة وعلى أي وجه وبأية وسيلة سراً من أسرار الدفاع
عن البلاد" قصدت بهذا النص إلى التعميم والإطلاق يدل على ذلك ما جاء بالمذكرة
الإيضاحية للقانون إذ جاء بها "أن المهم في أمر هذه الجريمة هو الغرض الذي
يرمي إليه الجاني فغير ذي بال الصورة التي يجري بها تحقيق هذا الغرض أو الوسائل
التي تستعمل في ذلك, كما أنه ليس من المحتم أن يكون السر قد علم بأكمله فإن عبارة
"بأي وجه من الوجوه" يراد بها أن تطبق العقوبة ولو لم يفش من السر إلى
بعضه وكذلك لو كان السر أفشى على وجه خاطئ أو ناقض" فلا تثريب على المحكمة إذ
هي ترسمت مراد الشارع الواضح من المذكرة الإيضاحية, لما كان ذلك وكان الحكم قد رد
على دفاع الطاعن بقوله "وحيث أن المتهمين السادس والسابع قد ذهبا أيضاً - في
بعض دفاعهما إلى أن ما نقلاه لعميل بريطانيا من معلومات عسكرية كان كاذباً ومضللاً
وهذا القول ينقضه ما شهد به كل من البكباشي مختار صالح محمد واليوزباشي البحري
شوقي عبد المنعم رجب في شأن مدى صدق ما عرض عليهما من تلك المعلومات, كما يدفعه ما
تضمنته مستندات الدعوى من تكرار الثناء عليها والإشادة بقيمتها من مأموري دولة
بريطانيا الممثلين لجهاز مخابراتها الذي استبقى المتهمين المذكورين في خدمته سنوات
عديدة عمل خلالها على رفع أجر كل منهما لديه مما يتنافى تماما مظنة كذبهما في
نشاطهما الإجرامي الذي اضطلعا به لحسابه. وأخيراً فقد أقر المتهم السادس في
التحقيق بصدق بعض ما تضمنه المستند رقم 311 من أسرار الدفاع عن البلاد وذلك لما
يعمله عنها بسبب وظيفته" ومن ثم فما يثيره الطاعن في هذا الوجه لا يكون له
محل.
وحيث إن مبنى الوجه
الثاني أن الحكم أخطأ في تطبيق القانون إذ قال بتوافر الظرف المشدد لقيام حالة
الحرب بين مصر وإسرائيل ولا يغير من ذلك أن الحكم نزل بعقوبة الطاعن إلى العقوبة
المقررة للجريمة إذا حصلت في حالة السلم إذ أن حقه متعلق بتطبيق المادة 17 من
قانون العقوبات إذا ما أخذ الحكم برأيه وهو عدم قيام حالة الحرب.
وحيث إن هذا لنعي مردود
في شقه الأول المتعلق بعدم قيام حالة الحرب بما سبق الرد به فيما سلف من أسباب وهو
مردود في شقه الآخر بما أثبته الحكم في حق الطاعن من أنه في زمن حرب حصل على
بيانات ومعلومات ووثائق تتصل بالقوات المسلحة وتحركاتها وعتادها وعملياتها الحربية
ومناوراتها مما يعتبر من أسرار الدفاع عن البلاد التي يجب لمصلحة هذا الدفاع ألا
يعلم بها غير من نيط بهم حفظها وكان ذلك بقصد تسليمها بالواسطة لدولة أجنبية هي
بريطانيا وقد سلمها فعلاً للمتهمين جيمس كاسبر سوينبرن والكسندر رينولدز وجيمس
البرت زارب الذين يعملون لمصلحة تلك الدولة, فكان المتهم أحمد لطفي السيد أمين
محمود مع المتهمين الثالث والخامس يسلمون ما يحصلون عليه من أسرار إلى المتهم
الأول كما أثبت الحكم في حق الطاعن باقي الجنايات التي توافرت أركانها فيما قارفه
من أعمال ثم طبق عليها المواد 80 و85/ 2 و78/ 1 و40/ 2 - 3 و41 و48/ 1 - 2 و103
و104 و110 و111 ثم وقعت المحكمة عليه عقوبة واحدة هي المقررة لأشد هذه الجرائم
عملاً بالمادة 32. ولما كانت العقوبة التي قضت بها المحكمة على الطاعن بناء على
ذلك وهي الأشغال الشاقة المؤبدة وتغريمه ألفين من الجنيهات هي تطبيق سليم لحكم
القانون بعد أن رأت أخذ المتهم بالمادة 17 من قانون العقوبات, فإن ما يثيره الطاعن
في هذا الوجه لا يكون سديداً, و من ثم يتعين رفض هذا الوجه أيضاً.
وحيث إن مبنى الوجه
الثالث أن الحكم أخطأ إذ دان الطاعن في جريمة الرشوة على الرغم من عدم قيام دليل
على أنه تقاضى رشوة وما ذهب إليه الحكم من أن ما صدر من الطاعن يعتبر إخلالاً
بواجبات وظيفته قول لا يسعفه منطق القانون, وهذا الوجه مردود بأن الطاعن لا يفيد
منه إذ أن العقوبة المقضي بها عليه وقعت تطبيقا للمادة 80 من قانون العقوبات التي
دان الحكم الطاعن بها باعتبارها العقوبة الأشد من بين عقوبات الجرائم التي ارتكبها
وذلك عملاً بالمادة 32/ 2 من قانون العقوبات على ما سبقت الإشارة إليه.
وحيث إن مبنى الوجه
الرابع أن الحكم قد شابه فساد التسبيب إذ أخذ باعتراف الطاعن على الرغم مما أثبته
المحقق من أن أعصابه قد انهارت وأنه كان يبكي عندما أدلى باعترافه وقد رد الحكم
على ما أثاره الدفاع تعليقاً على اعتراف المتهم وأنه وهو محوط بتلك الظروف لا يمكن
أن يكون سليماً ولا يصح الأخذ به, رد الحكم على ذلك يقوله إن المحقق "لم يقصد
بانهيار الأعصاب المعنى الفني المعروف في دائرة الأمراض العصبية" وبهذا القول
افترض الحكم خطأ المحقق في التعبير دون أن يقوم دليل على هذا الخطأ.
وحيث إنه يبين من الحكم
المطعون فيه أنه تناول اعتراف الطاعن وتحدث عنه قال أنه لم يعترف إلا بعد محاورة
بينه وبين المحقق تمسك فيها بموقفه من حيث إنكار صلته بالجريمة حتى إذا ما تبين له
من النقاش أن الأمر قد افتضح بما اعترف به أبوه وما كشفت عنه المستندات التي ضبطت
أيقن أن إنكاره لم يعد يجدية نفعا فبدأ يذكر بعض الحقيقة متنبها متيقظاً إلى مواضع
الخطر من قوله فيما يراه مؤدياً إلى ثبوت تهمة الخيانة العظمى عليه يقظة دل عليها
ما ذكره من أنه تعمد أن يدلي للخبير البحري الإنجليزي بمعلومات غير صحيحة وما ذهب
إليه من إنكاره الإدلاء بأي بيانات عن المناورات والتمرينات البحرية ثم ما انتهى
إيه في اعترافه من قوله أنه كان يدلي دائماً بمعلومات مختلقة بقصد بلبلة أفكار
المستعمر وبين من هذا الذي قاله الحكم إنه إذ اخذ باعتراف الطاعن باعتباره دليلاً
من أدلة ثبوت التهمة عليه لم يأخذ به إلا بعد أن محصه واستعرض الظروف التي أحاطت
به ثم انتهى من ذلك في منطق سليم إلى أنه اعتراف سليم لا تشوبه شائبة مما يؤثر في
صحته, ولما كان الاعتراف ليس اعتراف إلا دليلا يخضع لتقدير محكمة الموضوع, قد
اطمأنت إليه المحكمة, فإن ما يدعيه الطاعن بعد ذلك محاولاً به التنصل من اعترافه لا
يكون مقبولاً.
عن الطاعن السابع (يوسف
مجلي):
وحيث إن يوسف مجلي الطاعن
السابع أقام طعنه على خمسة أوجه حاصل الأول منها أن الحكم أخطا في تطبيق القانون
إذ دانه في جريمة الحصول على أسرار الدفاع عن البلاد ووجه الخطأ في ذلك أن هذه
الجريمة لا تقوم إلا إذا كان السر الذي حصل عليه المتهم أو سلمه له كيان مادي لم
يقم الطاعن بتسليم سر له هذا الكيان المادي وقد سبق الرد على هذا النعي فيما سلف
من أسباب عند التحدث عن الوجه الثاني من أوجه الطعن المقدمة من الطاعن الرابع.
وحيث إن حاصل الوجه
الثاني, هو أن الحكم قد شابه بطلان في إجراءات المحاكمة كما أنه أخل بحق الطاعن في
الدفاع, ذلك أن دفاعه كان يقوم على أن البيانات أو المعلومات أو الوثائق محل
المحاكمة لا تعتبر أسراراً حقيقية لأنها لا تتعلق بالدفاع عن البلاد ولأن مثلها لا
يوصف بالسرية بعد أن أصبحت مذاعة معروفة بدليل تصرف السلطات حيال هذه الأسرار فقد
علمت هذه السلطات بأمر المتهمين وبأمر الأسرار منذ سنة 1953 فلم تتخذ أي إجراء نحو
المتهمين بنقلها حتى سنة 1956 وهذا التراخي يدل على أن الأسرار لا تتعلق بالدفاع
عن البلاد, وأنها كانت معلومة للناس فخرجت من نطاق الكتمان, وكان على المحكمة أن
تقدر قيمة الأسرار بما لها من سلطة التقدير ولكنها لم تستعمل هذا الحق المخول لها
بمقتضى القانون بل أمرت باستدعاء مدير المخابرات واستطلعت رأيه في البيانات
والأسرار جميعاً فقدم تقريرات عنها, وهذا الإجراء الذي اتخذته المحكمة إجراء خاطئ
إذا أن مدير المخابرات ليس مختصاً بما أبدى الرأي فيه, وكان على المحكمة أن تستعين
بذوي الاختصاص والخبرة الفنية في هذه الشئون إذا كانت ترغب في رأي تستطيع التعويل
عليه, هذا إلى أن المحكمة لم تعول على الأدلة التي قدمها الدفاع على فقدان السرية،
من هذه الأدلة أن الأنباء التي اعتبرها الحكم من أسرار الدفاع وقف عليها الناس في
خطب الزعماء، ومنها أن المطارات الحربية كانت جميعاً في حيازة الإنجليز كما أن
المصانع الحربية كانت تقوم بإنشائها شركات عالمية وأن محطات الرادار أقمتها شركات
فرنسية فضلا عن العلاقات التي كانت قائمة بين مصر وبريطانيا باعتبارهما حليفتين،
وكذلك لم يعول الحكم على ما ذكره الدفاع من أن قلم المخابرات جاب على استفسار
المحكمة بأن معظم الأوراق المضبوطة تحوي أسراراً مما يفهم منه أن البعض الآخر لا
يحوي أسراراً، ويقول الطاعن إن ما ذهب إليه الحكم من مؤاخذة الطاعن بما اعترف به
من أنه كان يطلع على الرجعات الشهرية وعلى البوسطة وهي من الأسرار إذ أن الطاعن قد
عدل على هذا الاعتراف ومن ثم ما كان يجوز التعويل عليه في إدانة الطاعن.
وحيث إن هذا الوجه مردود
في كل ما تناوله, ذلك بأن سكوت السلطات عن المتهمين منذ سنة 1953 لا يعني في شيء
أن الأسرار التي أفشوها لا تتعلق بالدفاع عن البلاد, هذا فضلاً عن أن تقدير السرية
وما إذا كان المعلومات متعلقة بالدفاع عن البلاد أو أنها ليست متعلقة به موكول إلى
المحكمة دون معقب عليها ولها في سبيل ذلك أن تستعين بمن ترى الاستعانة به, كما أن
لها أن تأخذ برأيه أولاً تأخذ به كما سلف بيان ذلك في الرد على طعن الطاعنين
الثالث والسادس, كذلك سبق الرد على ما أثاره الطاعن بشأن ما قرره قلم المخابرات عن
سرية بعض الأوراق المضبوطة دون البعض الآخر عند مناقشة طعن الطاعن الخامس أحمد
لطفي السيد محمود. أما مجادلة الطاعن في سرية بعض المعلومات بمقولة أنها كانت
مذاعة بين الناس من قبل أو أن المطارات كانت في يد دولة حليفة وأن المصانع أنشأتها
شركات عالمية ففضلاً عن أن هذه الأسرار ليست كل ما عمد الطاعن للحصول عليه ونقله
فإن ترامي أسرار الدفاع إلى طائفة من الناس لا يرفع عنها صفى السرية ولا يهدر ما يجب
لها من الحفظ والكتمان وقد رأت المحكمة بما لها من سلطة تقديرية أن ما أذاعه
الطاعن هو من أسرار الدفاع الأصلية كما هو مفصل في اعترافه.... وأما اعتراض الطاعن
على أخذه باعتراف عدل منه فهو مردود من أن عدول المتهم عن اعتراف صدر منه لا يمنع
محكمة الموضوع من الأخذ به رغم نكوله عنه متى رأت فيه اعترافاً سليماً مما يفسده
فاطمأنت إليه.
وحيث إن حاصل الوجه
الثالث هو ما قاله الطاعن من أن الفعل المادي لجريمة التخابر يجب أن يكون باتصال
مباشر من الدولة الأجنبية أو ممثليها الرسميين والثابت من الحكم أن الطاعن لم يكن
له اتصال مباشر بالدولة الأجنبية أو احد ممثليها ومع ذلك فقد دانه في هذه الجريمة
فأخطأ في تطبيق القانون إذ تحدث الحكم عن القصد الجنائي قال أن هذا القصد ثابت في
حق الطاعن بثبوت ارتكابه جريمة الحصول على السر وتسليمه وفي هذا الذي قاله الحكم
قصور يعيبه إذ القصد الجنائي في هذه الجريمة هو قصد الإضرار بمركز مصر الحربي وهو
ما لم يقم دليل على توافره. وحاصل الوجه الرابع أن الحكم المطعون فيه أخطا في
تطبيق القانون إذ أخذ بنظرية الاتهام فاعتبر مصر في حالة حرب مع دولة أخرى مع أنها
لم تكن كذلك طبقاً لقواعد القانون الدولي وهي الواجبة الاتباع. وحاصل الوجه الخامس
أن الحكم قد دانه في جريمة الرشوة على الرغم من عدم توافر أركانها لأن المعلومات
التي قدمها لم تكن أسراراً متعلقة بالدفاع ولم تكن متصلا بها بحكم وظيفته ولا هي
داخلة في اختصاصه إذ أنه يعمل بوظيفة كهربائي بورشة إصلاح الطائرات ولم يبين الحكم
كيف أن الطاعن أخل بواجبات وظيفته لقاء ما يحصل من مال.
وحيث إن هذا النعي مردود
في وجهه الرابع بما سبق الرد به على أوجه النعي المماثلة التي نعى بها على الحكم
من تقدم من الطاعنين وهو مردود في وجهيه الثالث والخامس بأن الطاعن قد عوقب على
الجرائم المسندة إليه بعقوبة واحدة هي المقررة للجناية المنصوص عليها في المادة 80
باعتبارها أشد ما ارتكبه من جرائم وذلك عملاً بالمادة 32/ 2 من قانون العقوبات,
ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذين الوجهين لا يكون له محل.
عن الطاعن التاسع أنطون
يعقوب عبد الملك:
وحيث إن الطاعن التاسع
أنطون يعقوب عبد الملك أقام طعنه على خمسة أوجه حاصل الوجهين الأول والثاني منها
أن الحكم دانه تطبيقاً للمادة 48 من قانون العقوبات لاشتراكه في جريمة الاتفاق
الجنائي المسندة إليه وقد أورد الحكم العناصر القانونية التي تتكون منها هذه
الجريمة ولكنه أخطأ في تطبيق هذه العناصر على واقعة الدعوى فقد تضمنت القواعد التي
قررها الحكم عن عنصر اتحاد إرادة الجاني مع شركائه في الاتفاق أن يكون تلاقي
الإرادات نهائياً قطعياً على مشروع ظاهر لا غموض فيه وألا تشوب الإرادة شائبة تدعو
إلى التظنن في إرادة الجاني والأدلة التي ساقها الحكم على توافر هذه العناصر لا
تؤدي إلى أن إرادة الطاعن قد اتحدت مع إرادة شركائه. ذلك أن الحكم قد استند في
الإثبات إلى أقوال الطاعن في تحقيق النيابة مع أن تلك الأقوال لا تفيد إلا أنه كان
يعلم بأن الشركاء نشاطاً غامضاً لا يرقى إلى حد التجسس كما استند الحكم إلى
مستندات تتضمن أسئلة وجهت إلى الطاعن عن شركة الطيران الهندسية بألماظة والمصانع
الحربية وما تنتجه وغير ذلك وقد أجاب على تلك الأسئلة فاعتبرت المحكمة هذه
المستندات دليلاً يدينه مع أنه يبين من الاطلاع على إجابة الطاعن أنها إجابة مضللة
ومن نسج الخيال. ومن ثم فقد كان حسن النية وبالتالي لا يمكن القول إن إرادته قد
اتفقت معه إرادة الشركاء في الاتفاق الجنائي وقد أضاف الطاعن إلى ذلك قوله أن ما
أدلى به من معلومات أو بيانات عن المصانع الحربية وإنتاجها بعيد كل البعد عن
الجريمة إذ هو يدخل في حدود السبق الصحفي مما تعني به الشركات الإذاعية وشركات
الأنباء واستخدم في سبيل الحصول عليه مندوبين لها ليمدوها بها أو يرشدونها إليها.
وحيث إنه يبين من الاطلاع
على الحكم المطعون فيه أنه قال في صدد ما ينعاه عليه الطاعن بهذين الوجهين إنه قد
ثبت من اعترافه الذي تأيد باعتراف المتهم محمد محمد عبيد وأقوال المتهمين الأول
والتاسع ومما شهد به اليوزباشي محمد شكري حافظ وحسن أحمد الصعيدي ومن المستندات
المضبوطة في الدعوى أن الطاعن ومحمد محمد عبيد هما بعض عناصر شبكة التجسس التي
يديرها المتهم الأول لحساب المخابرات السرية البريطانية وقد اتخذت إرادة كلا منهما
في هذا النشاط مع المتهم الأول فضلاً عن اتحاد إرادة الطاعن مع المتهم التاسع في
ذلك وأنه لا يساور المحكمة شك في أن الطاعن كان يعلم تماماً أن موضوع نشاط التنظيم
السري الذي انضم إليه تحت اسم مستعار هو (جو) ينطوي عن اتفاق جنائي مستهدفاً
ارتكاب جنايتي الحصول في زمن الحرب على أسرار الدفاع عن مصر بقصد تسليمها إلى
المتهم الأول الذي يعمل لمصلحة دولة بريطانيا وجناية التخابر في ذلك مع مأمور هذه
الدولة.... واستطرد الحكم بعد ذلك يعدد سائر الأدلة التي يستند إليها فقال أنه ثبت
من أقوال الطاعن في التحقيق أنه كان يعلم أن نشاطه إنما يجري لحساب المخابرات
البريطانية التي يمثلها في نظره المتهم الأول وقد اعترف كذلك بأنه دخل في دائرة
الاختبار التي طلبت منه في ذلك النشاط تقصي أسرار المصانع وقد أخذت ذلك في حق
الطاعن، مستندات طلبت المخبرات البريطانية فيها من الطاعن تقصي معلومات عن شركة
تنتج الطائرات بألماظة تحت إشراف مهندسين ألمان... ثم قال الحكم إنه فضلاً عن أن
ذلك كله قاطع في إثبات علم الطاعن بالغرض المقصود من الاتفاق الجنائي الذي اندمج
فيه فقد أقر في التحقيق بأنه درب في صيف سنة 1954 على نوع من التراسل السري مع
بيروت ليبعث بهذه الوسيلة رسائله إلى المخابرات البريطانية إذا ما طرأت ظروف تضطر
عملاءها في مصر إلى الرحيل عنها مما يدل على تثبيت الطاعن بنشاطه في ذلك الاتفاق
الجنائي برغم وضوح أغراضه له, قد عرض الحكم بعد ذلك لدفاع الطاعن فقال: "وحيث
إن الدفاع عن المتهم العاشر (الطاعن) قد ردد ما ذهب إليه هذا الأخير في التحقيق من
أنه كان معتمدا أن نشاطه الذي يؤخذ عليه في هذه الدعوى لا يعدو كونه عملاً صحفياً
يؤديه لحساب وكالة الأنباء العربية وأن إرادته لم تتحد مع أي ممن اتصل به, في هذا
العمل على جريمة ما. وحيث إن هذا الدفاع ينقضه ما ذكره المتهم الأول في التحقيق من
أن نشاط المتهم العاشر لم يكن له أية صلة بوكالة الأنباء العربية ويدفعه أن الصحفي
لا يلتحق بالمؤسسة التي يباشر فيها عمله نحت اسم مستعار..... ثم تهدمه الحقيقة
المستمدة من كون كل الصحفي منقطع الصلة تماماً ببث العيون في المصانع الحربية
وبتحركات وحدات القوات المسلحة بقصد الحصول على أسرار الدفاع عن البلاد. وحيث إن
اتحاد إرادة المتهم العاشر (الطاعن) مع إرادة كل من المتهمين الأول والتاسع على
النشاط الإجرامي الذي سلف بيان حدوده يدل على تلقيه التعليمات والتوجيهات التي
تفصح عن هذا النشاط الآثم ثم مبادرته بالرد عليها متمسكاً بصلته بشركائه في الإثم
برغم تكرار هذه التعليمات والتوجيهات بل ومتفانياً في خدمتهم بقبوله التراسل السري
معهم لوجد ما يدعو إلى ابتعادهم عن المجتمع المصري". ويبين من ذلك أن الحكم
قد أورد أركان جريمة الاتفاق الجنائي وأورد على قيامهما أدلة سائغة تؤدي إلى ما
انتهى إليه فيها ولا يسمع من الطاعن ما يجادل فيه بشأن تقدير تلك الأدلة محاولة
للتشكيك في كفايتها إذ أن ذلك مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض.
وحيث إن حاصل الوجهين
الثالث والرابع أن الحكم أخطا في تطبيق القانون وشابه قصور التسبيب إذ لم تفطن
المحكمة لما يشترط في جريمة التخابر من وجوب أن يكون الاتصال بين الجاني وبين
الدولة الأجنبية أو أحد ممثليها اتصالاً مباشراً والطاعن لم يدخل في اتصال مباشر
لا بدولة أجنبية لا بأحد ممثليها اتصالاً مباشراً والطاعن لم يدخل في اتصال مباشر
لا بدولة أجنبيه ولا بأحد ممثليها. كذلك لم يعن الحكم بإثبات ركن القصد الجنائي في
جريمة التخابر وهو قصد الإضرار بمركز مصر الحربي والسياسي.
وحيث إنه لما كانت
العقوبة المقضي بها على الطاعن هي العقوبة المقررة لجناية تسليم أسرار الدفاع عن
البلاد بوصف أنهما أشد الجرائم المسندة إليه وتطبيقاً للمادة 32/ 2 من قانون
العقوبات فإن ما ينعاه الطاعن في هذين الوجهين لا يكون له فيه جدوى.
وحيث إن حاصل الوجه
الخامس أن الحكم أخطا إذ أخذ الطاعن بالظرف المشدد باعتبار أن مصر كانت في حالة
حرب مع إسرائيل وقد سبق الرد على ذلك فيما سلف من أسباب.
عن الطاعن الحادي عشر
نصيف مرقس ميخائيل:
وحيث إن الطاعن الحادي
عشر يقيم طعنه على أربعة أوجه ينعي على الحكم المطعون فيه بالأول منها خطأ في
تطبيق القانون إذ دانه في جريمة الاتفاق الجنائي طبقاً للمادة 48 من قانون
العقوبات في حين أنه لم يكن جاداً في اتفاقه كما أن المعلومات التي أدلى بها عن
ضباط المباحث معلومات لا قيمة لها وقد كان الطاعن حسن النية عندما أدلى بها وجريمة
الاتفاق وسوء النية شرطان لا تقوم جريمة الاتفاق الجنائي إلا بتوافرهما, وكذلك
أخطأ الحكم إذ دانه تطبيقاً للمادة 78 مكرر (أ) من قانون العقوبات إذ أن البيانات
التي نسب إلى الطاعن الإدلاء بها لا تتصل بالأسرار الحربية ولا تضر بمركز مصر
الحربي أو السياسي بل هي بيانات مما ينشر في الصحف لا يمكن أن ترقى إلى درجة
الأسرار المتعلقة بالدفاع عن البلاد.
وحيث إن الحكم المطعون
فيه تحدث عن توافر أركان جريمة الاتفاق الجنائي في حق الطاعن فقال أنه قد ثبت لديه
أن إرادته قد اتحدت مع إرادة من اتفقوا معه من المتهمين وقد بين الحكم مصادر هذا
الثبوت بما حصله من إقرارات المتهمين أنفسهم وما شهد به بعض الشهود وما يدل عليه
ما ضبط مع الطاعن من أوراق ثم قال: "وحيث إنه يدل على علم المتهم السادس عشر
(الطاعن) بأغراض الاتفاق الجنائي الذي اشترك فيه ما ثبت من أقوال المتهم الخامس من
أن ذلك المتهم قد أحضر له فيما سلمه إليه من معلومات لتوصيلها للمتهم الثالث
بيانات عن أسلحة وردت لمصر من تشيكو سلوفاكيا من طائرات ودبابات مما يدل دلالة صريحة
على أن المتهم السادس عشر يعلم بأنه يدخل في نشاطه الإجرامي الحصول على أسرار
الدفاع عن البلاد وهو يعلم أيضاً أن نشاطه هذا يجري لحساب دولة بريطانيا التي يعمل
المتهم الثالث جيمس زارب لمصلحتها وآية ذلك ما تستظهره المحكمة من أن المتهم
السادس عشر قد حصل على تقرير المباحث العامة عن مراقبة المتهم الأول السكندر
رينولدز بسبب اشتغاله لحساب المخابرات البريطانية وقد سلم هذا التقرير للمتهم
الخامس (الطاعن الرابع) لتوصيله للمتهم الثالث محذراً مما يدل دلالة قاطعة على أنه
يعلم تماماً أن هذا الأخير يعمل لحساب المخابرات البريطانية بحيث يهمه أن يقف على
نشاط المباحث العامة فيما يتصل بمراقبة من هم على شاكلته من عملاء تلك
المخابرات... وحيث إنه متى كان ثابتا في حق المتهم السادس عشر تقديمه للوثائق
والمعلومات التي تطلب منه وقد ثبت أن هذه المعلومات فد تضمنت فيما تناولته بيانات
عن أسلحة وردت للقوات المسلحة المصرية من تشيكو سلوفاكيا فإن ذلك كله يدل على أن
المتهم السادس عشر قد اشترك بطريق الاتفاق والمساعدة مع المتهم الثالث جيمس ألبرت
زارب فيما وقع منه من تخابر في زمن حرب مع مأموري دولة بريطانيا بقصد الإضرار
بمركز مصر الحربي". وفي هذا البيان الذي أورده الحكم ما يكفي لإثبات أركان
جريمة الاتفاق الجنائي في حق الطاعن - لما كان ذلك, وكان الحكم قد تناول أيضاً
بيان عناصر جناية اشتراك الطاعن بطريق الاتفاق والمساعدة مع المتهم الثالث مما وقع
منه من تخابر في زمن الحرب وقال في ذلك أن المتهم السادس عشر قدم الوثائق
والمعلومات التي تطلب منه وقد ثبت أيضاً أن هذه المعلومات قد تضمنت قيما تناولته
بيانات عن أسلحة وردت للقوات المسلحة المصرية من تشيكو سلوفاكيا وأن ذلك يدل على
أن المتهم السادس عشر المذكور قد اشترك بطريق الاتفاق والمساعدة مع المتهم الثالث
فيما وقع منه من تخابر في زمن الحرب مع مأموري دولة بريطانيا بقصد الإضرار بمركز
مصر الحربي وأن جريمة المتهم الثالث وقعت نتيجة لذلك الاتفاق وتلك المساعدة وأن
علم المتهم السادس عشر بالقصد من التخابر يدل عليه طبيعة الأسرار العسكرية التي
تقدم بها والتي لن يخفي عليه أن يترتب عليها حتماً الإضرار بمركز مصر الحربي,
وفيما ذكره الحكم من ذلك ما تتوافر به الأركان القانوني لجريمة الاشتراك في
التخابر التي أثبتها في حق الطاعن وأن من شأن ما وقع منه أن يضر بمركز مصر الحربي.
وحيث إن مبنى الوجه
الثاني أن الحكم أخطأ إذ اعتمد على اعتراف المتهمين جيمس زارب ومريد يوسف فاخذ
بهذا الاعتراف باعتباره دليلا على الطاعن مع أنه اعتراف متهم على متهم لا يعتبر
دليلاً, كذلك أخذ الحكم الطاعن بما قاله من أن مريد يوسف قد زاره مع أن الزيارة في
ذاتها لا يمكن أن تعتبر دليلاً على سوء القصد.
وحيث إن ما جاء بهذا الوجه
مردود بأن محكمة الموضوع أن تأخذ بأقوال متهم على متهم ما دامت هذه الأقوال مما
يصح الاستدلال به وإقامة القضاء عليه وتقدير الدليل المستمد من هذه الأقوال يقع في
سلطة محكمة الموضوع بغير معقب.
وحيث إن حاصل الوجه
الثالث أن الحكم أخطا في تطبيق القانون إذ دان الطاعن في جريمة التخابر مع عدم
توافر أهم أركانها وهو أن يكون هذا التخابر فيما يعتبر سراً من أسرار الدفاع كذلك
شاب الحكم قصور في التدليل على ثبوت جريمة الرشوة في حق الطاعن وتوافر أركانها
واستند في ثبوت هذه التهمة إلى اعتراف المتهم الخامس مريد يوسف وأخذ بها قضية
مسلمة رغم تناقضها.
وحيث إن هذا النعي مردود
في شقه الأول بما سبق الرد به عليه فيما سلف من أسباب كما هو مردود في شقه الآخر
بما قرره الحكم في خصوص جريمة الرشوة المسندة إليه إذ قال "إن المحكمة تبينت
من أقوال المتهمين الثالث والخامس أن المتهم السادس عشر الطاعن كان يتناول أجراًَ
شهرياً في مقابل ما يقدمه من معلومات تقدمه إليه المخابرات البريطانية ويوصله له
المتهم الخامس وأن تلك المعلومات المقدمة منه كانت في أكثر الأحيان مضمنة في وثائق
رسمية لإدارة المباحث العالمة وكان آخرها الصورة الرسمية المضبوطة لدى المتهم
الخامس... وحيث إنه ثبت للمحكمة من الاطلاع على هذه الورقة الأخيرة ومن شهادة
البكباشي سيف اليزل في التحقيق أن تلك الورقة قد انتزعت من مكانها بملفات إدارة
المباحث العامة, تلك الملفات التي جرت عليها يد المتهم بحكم وظيفته إذ ندب للعمل
بقلم محفوظات إدارة المباحث العامة كأمين منوب عليها..." واستطرد الحكم بعد
ذلك إلى القول - "وحيث أنه قد ثبت في حق المتهم السادس عشر عينه بالأوراق
المنوط به حفظها بسبب وظيفته فإن ذلك يثبت عليه إخلاله بواجبات هذه الوظيفة ومتى
كان مأجوراً لفعل ذلك من المخابرات البريطانية بما يقبله ويحصل عليه من مرتب شهري
فرضته له وقام المتهم الخامس بتوصيله إليه فإن في كل هذا وذاك ما يجعل تهمة الرشوة
المسندة إليه ثابتة قبله ثبوتاً قاطعاً" وهذا الذي أثبته الحكم تتوافر به
جريمة الرشوة في حق الطاعن مستكملة أركانها القانونية. لما كان ذلك وكان يبين من الرجوع
إلى الحكم أن المحكمة حصلت أقوال المتهم الخامس مريد يوسف بدير تحصيلاً لا تناقض
فيه, وكان لمحكمة الموضوع أن تأخذ بأقوال متهم على آخر متى اطمأنت إليها, فإن ما
يقوله الطاعن في هذا الوجه لا يكون له محل.
وحيث إن حاصل الوجه
الرابع أن الحكم أخل بحق الطاعن في الدفاع إذ لم يستجب إلى طلبه ضم ملف خدمته دون
أن يبين سبباً لذلك كما لم تستجب إلى طلبه تحقيق عدد الموظفين المنوط بهم العمل مع
الطاعن إذ أنه متى ثبت وجود عدد من الموظفين معه كان في استطاعتهم الحصول على
الأوراق وبالتالي ينعدم الدليل قبله ويقول الطاعن أيضاً إن الحكم أغفل الرد على
دفاعه في نواحيه المختلفة وفي ذلك ما يشوبه بالقصور.
وحيث إن هذا النعي مردود
بأن محكمة الموضوع ليست ملزمة بالاستجابة إلى كل طلب يطلبه الدفاع إذا كان الأمر
الذي يراد إثباته لا يتجه مباشرة إلى نفي الفعل أو الأفعال المكونة للجريمة. ولا
تلزم المحكمة إذا رفضت هذا الطلب أن ترد عليه رداً صريحاً, لما كان ذلك وكانت
المحكمة ليست ملزمة يتعقب الطاعن في مناحي دفاعه والرد على كل جزئية فيه ما دام أن
قضاءها بالإدانة لأدلة الثبوت التي أوردتها يفيد أنها أطرحت ذلك الدفاع ولم تقم له
وزناً.
وحيث إنه لما تقدم تكون الطعون
المقدمة من الطاعنين الثالث والرابع والخامس والسادس والسابع والتاسع والحادي عشر
على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً.