جلسة 18 من مارس سنة 2010
برئاسة السيد المستشار / أنور جبري نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين / نير عثمان ، أحمد عبد القوي أحمد ونجاح موسى نواب رئيس المحكمة وأشرف المغلي .
--------------
(33)
الطعن 9481 لسنة 78 ق
(1) تفتيش " إذن التفتيش . تنفيذه". دفوع " الدفع
ببطلان القبض ". مأمورو الضبط القضائي "اختصاصاتهم". اختصاص "
الاختصاص المكاني" . قبض . نيابة عامة . إجراءات " إجراءات
التحقيق".
بدء وكيل النيابة
المختص في إجراءات التحقيق بدائرة اختصاصه المكاني واستيجاب ظروف التحقيق
ومقتضياته متابعة الإجراءات وامتدادها خارج تلك الدائرة . أثره : صحة هذه الإجراءات
منه أو ممن يندبه لها.
مثال
لتسبيب سائغ لاطراح دفع الطاعن ببطلان القبض عليه لتجاوز مأمور الضبط القضائي
اختصاصه المكاني .
(2) رد . حكم "تسبيبه . تسبيب غير معيب"
"حجية الحكم" " ما لا يعيبه في نطاق التدليل".
إيراد
الحكم جزء من المبالغ المالية المسلمة من المجني عليهم للطاعن بشكل إجمالي . لا
ينال من سلامته . مادام قد أورد بأسبابه أسماء المجني عليهم وذكر تلك المبالغ .
قضاء الحكم في منطوقه بمبلغ الرد جملة . لا ينال من
سلامته . مادام قد أحال في تفصيلاته وأسماء أصحابه إلى ما ورد بأسبابه في هذا
الخصوص . علة ذلك ؟
(3) إثبات " بوجه عام "
" قرائن " . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل " .
الأصل في المحاكمات الجنائية باقتناع القاضي بناء على
الأدلة المطروحة عليه . له تكوين عقديته من أي دليل أو قرينة يرتاح إليها . حد ذلك
؟
تساند الأدلة في المواد الجنائية . مؤداه ؟
(4) إثبات " بوجه عام" " قرائن " .
محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل " . حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل"
" تسبيبه . تسبيب غير معيب ". نقض" أسباب الطعن . ما لا يقبل منها".
صراحة الدليل في المواد الجنائية ودلالته مباشرة على
الواقعة المراد إثباتها . غير لازم. كفاية أن يستخلص ثبوتها منه عن طريق الاستنتاج
مما يتكشف من الظروف والقرائن وترتيب النتائج على المقدمات.
خطأ الحكم في الإسناد . لا يعيبه . مادام لم يؤثر في
عقيدة المحكمة .
الجدل الموضوعي في تقدير أدلة الدعوى وسلطة محكمة
الموضوع في استنباط معتقدها. غير جائز أمام محكمة النقض .
مثال.
(5) إجراءات "إجراءات المحاكمة". دفاع " الإخلال
بحق الدفاع . ما لا يوفره" . حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
النعي على المحكمة قعودها عن الرد على دفاع لم يتمسك به أمامها
. غير جائز.
مثال.
(6) إثبات "بوجه عام" " اعتراف".
محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل ". حكم "تسبيبه . تسبيب
غير معيب ". دفوع " الدفع ببطلان الاعتراف".
الاعتراف في المسائل الجنائية . من عناصر الاستدلال .
تقدير صحته وقيمته في الإثبات. موضوعي . أخذ محكمة الموضوع به . مفاده ؟
للمحكمة الأخذ باعتراف المتهم وإن عدل عنه بعد ذلك . متى
اطمأنت إلى صحته وهي ليست ملزمة بنص الاعتراف وظاهره . لها تجزئته واستنباط الحقيقة
منه كما كشفت عنها.
ورود الاعتراف على الواقعة بكافة
تفاصـــيلها . غير لازم . كفاية وروده على وقائع تستنتج منها المحكمة ومن باقي عناصر الدعوى اقتراف الجاني للجريمة.
مثال لتسبيب سائغ لاطراح الدفع ببطلان الاعتراف لكونه
وليد إكراه.
(7) تزوير " الادعاء بالتزوير". دفاع " الإخلال
بحق الدفاع . ما لا يوفره" . حكم " ما لا يعيبه في نطاق
التدليل" " تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن . ما لا يقبل منها".
الطعن بالتزوير في ورقة من أوراق الدعوى . من وسائل
الدفاع الموضوعي . خضوعه لتقدير المحكمة . مؤدى ذلك ؟
الجدل الموضوعي حول سلطة محكمة الموضوع في تقدير أدلة
الدعوى . غير جائز أمام محكمة النقض .
مثال.
(8) تزوير "الادعاء بالتزوير". دفاع " الإخلال
بحق الدفاع . ما لا يوفره ". نقض "أسباب الطعن . ما لا يقبل منها".
إثارة أساس جديد للدفع بالطعن
بالتزوير لأول مرة أمام محكمة النقض . غير مقبول . علة ذلك ؟
(9) إثبات " بوجه عام ". محكمة الموضوع "
سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى".
استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى . موضوعي . مادام سائغاً.
(10) إثبات " شهود". محكمة الموضوع
"سلطتها في تقدير أقوال الشهود".
وزن أقوال الشهود وتقديرها . موضوعي.
أخذ محكمة الموضوع بشهادة الشهود . مفاده ؟
(11) إثبات " شهود ". محكمة الموضوع
"سلطتها في تقدير أقوال الشهود". نقض "أسباب الطعن . ما لا يقبل
منها".
تناقض رواية الشهود
في بعض تفاصيلها . لا يعيب الحكم . مادام استخلاص الحقيقة من تلك الأقوال بما لا
تناقض فيه .
الجدل الموضوعي في واقعة الدعوى وتقدير أدلتها . غير
جائز أمام محكمة النقض .
(12) إثبات " بوجه عام"
" شهود". محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل ". حكم
"تسبيبه. تسبيب غير معيب".
لمحكمة الموضوع الإعراض عن قالة شاهد النفي
. مادامت لا تثق بما شهد به . قضاؤها بالإدانة لأدلة الثبوت التي بينتها. دلالته :
اطراحها.
(13) حكم" ما لا يعيبه في
نطاق التدليل" " تسبيبه. تسبيب غير معيب".
التناقض الذي يعيب الحكم. ماهيته ؟
مثال لما لا يعد تناقضاً في الحكم .
(14) توظيف أموال . إثبات "
بوجه عام". محكمة الموضوع " سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة
الدعوى" "سلطتها في تقدير الدليل". حكم " تسبيبه . تسبيب غير
معيب ".
نعي الطاعن بعدم تلقيه الأموال بقصد توظيفها
. منازعة في صورة الواقعة كما اقتنعت بها المحكمة . دفاع موضوعي . لا يستأهل رداً
. استفادة الرد عليه من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم. علة ذلك ؟
(15) محكمة الموضوع "سلطتها
في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى" . نقض" أسباب الطعن . ما لا يقبل منها".
الجدل الموضوعي في سلطة محكمة الموضوع في استخلاص
صورة الواقعة . غير جائز.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- لما كان الحكم قد عرض لدفاع الطاعن ببطلان القبض عليه لتجاوز مأمور الضبط
القضائي اختصاصه المكاني واطرحه بقوله " ومن حيث إنه عن الدفع ببطلان القبض
على المتهم الأول لحصوله بمعرفة مأمور ضبط قضائي
خارج نطاق اختصاصه المكاني فمردود بأنه ولئن كان الأصل أن اختصاص مأمور الضبط القضائي مقصور على الجهات التي يؤدون
فيها وظائفهم طبقاً للمادة 23 من قانون الإجراءات الجنائية إلا أنه لما كان الأمر بالضبط والإحضار
الصادر بتاريخ ... صدر من وكيل النيابة المختص بمكان ارتكاب جريمة تلقى الأموال
بالمخالفة للقانون قد روعيت فيه هـذه الاعتبارات ومن ثم فإن ما أجراه مأمور الضبط
القضائي في الدعوى من ضبط المتهم الأول خارج دائرة اختصاصه المكاني إنما كان في
صدد الدعوى ذاتها التي بدأ تحقيقها على أساس وقوع واقعتها في دائرة اختصاصه فإن
اختصاصه يمتد إلى جميع من اشتركوا فيها واتصلوا بها أينما كانوا ويجعل له الحق في
مباشرة كل ما يخوله القانون من إجراءات سـواء في حق المتهم أو في حق غيره من
المتصلين بالجريمة استناداً إلى نظرية الضـرورة الإجرائية إذ قد لا يستطاع مباشرة
الإجراء بعد ذلك على الإطلاق أو لا يستطاع مباشرته على الوجه المحقق لغرضه . لما
كان ذلك، فإن هذه المحكمة تقر ما أجراه مأمور الضبط القضائي من تنفيذ أمر الضبط
والإحضار خارج نطاق اختصاصه المكاني استناداً إلى نظرية امتداد الاختصاص الذي
تمليه نظرية الضرورة الإجرائية ومن ثم يكون ذلك الدفع في غير محله " .
لما كان ذلك ، وكان من المـقرر في صحيح القانون أنه متى بدأ وكيل النيابة
المختص في إجراءات التحقيق بدائرة اختصاصه المكاني ثم استوجبت ظروف التحقيق
ومقتضياته متابعة الإجراءات وامتدادها خارج تلك الدائرة فإن هذه الإجراءات منه أو
ممن يندبه لها تكون صحيحة لا بطلان فيها ، ولما كان الطاعن لا يماري في صحة صدور الأمر
بضبطه وإحضاره من المختص به مكانياً للضابط الذي نفذه فإن للأخير أن ينفذ هذا الأمر
على من صدر عليه أينما وجده طالما أن ظروف التحقيق ومقتضياته قد استوجبت ذلك، وكان
الحكم قد استنتج في منطق سليم وتدليل سائغ قيام حالة الضرورة التي أملت على مأمور
الضبط القضائي الصادر له الأمر بضبط وإحضار الطاعن أن يقبض عليه خارج نطاق اختصاصه
المكاني وأن هذا الإجراء منه قد جاء صحيحاً موافقاً للقانون – وهو ما لم يخطئ
الحكم في تقديره – فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن يكون غير سديد.
2-
لما كان الحكـم قد أورد بأسبابه أسماء المجني عليهم تحديداً كما ذكر المبالغ
المالية التي سلموها للطاعن فإنه لا ينال من سلامته إيراد جزء من المبلغ بشكل
إجمالي طالما أنه ذكر أسماء من دفعوا هذا المبلغ بشكل محدد كما لا ينال من سلامته
قضاؤه في منـــطوقه بمبلغ الرد جملة ما
دام قد أحال في تفصيلاته وأسماء أصحابه إلى ما ورد بأسبابه في هذا الخصوص إذ إن
حجية الشيء المحكوم فيه كما ترد على منطوق الحكم ترد كذلك على ما يكمله ويوضحه
ويدعمه من الأسباب. لما كانت الأسباب متصلة بالمنطوق اتصالاً وثيقاً لا ينقطع –
كما هو الحال في الدعوى المطروحة – ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم في هذا
الصدد يكون عـلى غير أساس.
3-
لما كان الأصل في المحاكمات الجنائية هو اقتناع القاضي بنـاء على الأدلة المطروحة
عليه فله أن يكون عقيدته من أي دليل أو قرينة يرتاح إليها إلا إذا قيده القانون
بدليل معين ينص عليه ، وكان لا يشترط أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحـــيث
ينبئ كل دليل ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى إذ الأدلة في المواد الجنائية
متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة فلا ينظر إلى دليل
بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة
مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما
انتهت إليه .
4-
من المقرر أنه لا يشترط في الدليل في المواد الجنائية أن يكون صريحاً ودالاً
مباشرة على الواقعة المراد إثباتها بل يكفي أن يكون استخلاص ثبوتها منه عن طريق الاستنتاج
مما يتكشف من الظروف والقرائن وترتيب النتائج على المقدمات ، وكان البين من أقوال
كافة المودعين – المجني عليهم – ومنهم من ذكرهم الطاعن بأسباب طعنه – حسبما أبان
الحكم – أنهم حصلوا منه على إيصالات أمانة مقابل المبالغ التي سلموها إليه فإنه
وعلى فرض صحة ما ذكره الطاعن بأسباب طعنه – من أن بعض من استشهد الحكم بأقوالهم في
الإدانة قد ذكروا بمحضر الاستدلال أن الطاعن تسلم منهم أموالهم على سبيل الأمانة فإن
ذلك لا ينفى تسلمه إياها بقصد توظيفها لهم ويكون ما أورده الحكم على ألسنتهم من
أنه تسلمها منهم لتوظيفها هو استخلاص المحكمة من ظروف الدعوى وقرائنها ومن ترتيب
النتائج على المقدمات للغرض الحقيقي من تلقى الطاعن لتلك الأموال من المجني عليهم
حتى وإن كانت بموجب إيصالات أمانة كضمان لأموالهم وهو ما لا يُعد خطأ في الإسناد إذ
ليس له أثر في عقيدة المحكمة وما انتهت إليه فإن منعى الطاعن في هذا الشأن لا يعدو
أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير أدلـــة
الدعوى وسلطة محكمة الموضوع في استنباط
معتقدها منها وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.
5-
لما كان لا يبين من محاضر جلسات المحاكمة أن الطـاعن قـد أثـار ما يدعيه في أسباب
طعنه بشأن المجني عليهما .... و.... فلا يقبل منه النعي على المحكمة بإغفال الرد
على دفاع لم يتمسك به أمامها.
6-
لما كان الحكم قد عرض لدفع الطاعن ببطلان اعترافه بالتحقيقات لكونه وليد إكراه واطرحه
بقوله " ... وكان ما أثاره دفاع المتهم الأول بشأن بطلان اعترافه في تحقيقات
النيابة العامة لوقوع إكراه عليه مردوداً بأن المتهم الأول ما أن مثل أمام النيابة
العامة للتحقيق بتاريخ... أخبره وكيل النيابة المحقق أن النيابة العامة هي التي
تقوم بالتحقيق وأحاطه علماً بالتهمة المسندة إليه وعقوبتها المقررة في القانون وأثر
ما عساه يدلى به من أقوال دفعاً لها ، وثبوت قيام وكيل النيابة بفحص جسمه عله يجد
به ثمة آثار تفيد التحقيق الذي ثبت خلوه من ثمة إصابات أو علامات ، وأدلى أمامه
باعترافات تفصيلية عن وقائع تلقيه الأموال من الجمهور لتوظيفها واستثمارها في
نشاطه في شراء وبيع كروت الشحن وبعدم قدرته على رد الأموال التي تلقاها وأقر أمامه
بتوقيعه على إيصالات الأمانة والشيكات التي حررها ووقع عليها ضماناً للأموال التي
تلقاها كما أقر حتى بتلقيه أموال دون أن يحرر بها إيصالات لتوظيفها واستثمارها في
نشاطه ولم يذكر في اعترافاته التي تمت في حضور محاميه أن هذا الاعتراف أملى عليه أو
أكره على الإدلاء به ومن ثم فإن القول ببطلان هذا الاعتراف للإكراه المادي
والمعنوي يضحى قولاً عارياً من الدليل لاسيما وأن الدفاع لم يوضح كيفية إملاء هذه
الأقوال عليه وماهية المصلحة المراد تحقيقها من ذلك ، وقد جاء اعترافه في مجمله
متفقاً مع ما شهد به شهود الإثبات بالتحقيقات بما يؤكد ويجزم بمطابقة اعترافه
للحقيقة والواقع ويدحض ما أثاره الدفاع في هذا الخصوص . لما كان ما تقدم، فإن
المحكمة ترى أن الاعتراف سليم مما يشوبه وتطمئن إلى صحته ومطابقته للحقيقة والواقع
وأن ما أثاره الدفاع بشأن بطلان هذا الاعتراف إنما هو قول مرسل عار من الدليل وليس
في الأوراق ما يظاهره أو يسانده ومن ثم فإن المحكمة تطرح هذا الدفاع وتعول على
اعترافه كدليل عليه ". لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الاعتراف في المسائل
الجنائية من عناصر الاستدلال التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها
وقيمتها في الإثبات ومتى خلصت إلى سلامة الدليل المستمد من الاعتراف – كالحال
في الدعوى المطروحة – فإن مفاد ذلك أنها اطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع
لحملها على عدم الأخذ به، وللمحكمة سلطة مطلقة في الأخذ به وإن عدل عنه المتهم بعد
ذلك متى اطمأنت إلى صحته ومطابقـته للحقيقـة والـواقع، كما أنها ليست ملزمة في أخذها
باعتراف المتهم أن تلتزم نصه وظاهره بل لها أن تجزئه وأن تستنبط منه الحقيقة كما
كشفت عنها ، ولا يلزم في الاعتراف أن يرد على الواقعة بكافة تفاصيلها بل يكفي فيه
أن يرد على وقائع تستنتج المحكمة منها ومن باقي عناصر الدعوى بكافة الممكنات
العقلية والاستنتاجية اقتراف الجاني للجريمة ، ولما كان الطاعن لا يماري في أن ما
حصله الحكم من اعترافه له أصله في الأوراق
وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى صحة ذلك الاعتراف ومطابقته للحقيقة والواقع فإن
كافة ما يثيره الطاعن حول صحة اعترافه ومضمون ما انصب عليه لا يكون له محل .
7- من المقرر أن الطعن بالتزوير في ورقة
من أوراق الدعوى هو من وسائل الدفاع التي تخضع لتقدير محكمة الموضوع التي لا تلتزم
بإجابته فيجوز لها ألا تحقق بنفسها الطعن بالتزوير وألا تحيله للنيابة العامة
لتحقيقه إذا ما قدرت أن الطعن غير جدى وأن الدلائل عليه واهية ، ومع ذلك فقد أبان
الحكم المطعون فيه أن المحكمة أجرت تحقيقاً في شأن ما أثاره الطاعن من أن التوقيع
المنسوب إليه على إيصالات الأمانة التي قدمها المودعون ليس توقيعه وذلك في قوله
"ومن حيث إن المحكمة تحقيقاً لدفاع المتهم في شأن إنكاره لتوقيعه على
إيصالات الأمانة التي قدمها المودعون الذين تلقى منهم الأموال لتوظيفها واستثمـارها
– رغم إقراره بتحقيقات النيابة العامة بتوقيعه عليها – عرضت
المحكمة عليه بعضها عشوائياً فجحد توقيعه عليها فندبت المحكمة مدير عام أبحاث
التزييف والتزوير بمصلحة الطب الشرعي لمضاهاة صلب بيانات إيصالات الأمانة
والتوقيعات الثابتة بها على استكتابه لبعض بيانات صلب الإيصالات وتوقيعاته أمام
المحكمة فباشر الخبير المأمورية وقدم تقريراً انتهى فيه إلى أن المتهم الأول
" الطاعن " ، وهو الكاتب لإيصالات الأمانة الثمانية موضوع البحث صلباً
وتوقيعاً فيما عدا الأسماء التي تسلم منها المبالغ الثابتة بها والأسماء الثابتة
بخانة ( وذلك لتوصيلهم إلى السيد .....) وهذا الذي أورده الحكم كاف وسائغ للرد
على دفاع الطاعن في هذا الشأن ولدحض ادعائه بأن المحكمة لم تجر تحقيقاً بشأن ذلك
الدفاع ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد ينحل في حقيقته إلى جـدل موضوعي
حول سلطة محكمة الموضوع في تقدير أدلة الدعوى وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة
النقض.
8-
لما كان البين من محاضر جلسات المحاكمة أن الطـاعن بجلسة .... وإن دفع بالطعن
بالتزوير على التوقيع المنسوب إليه والثابت بإيصالات الأمانة المقدمة من المجني
عليه .... إلا أنه لم يدفع بالطعن بالتزوير على الأساس الذي يتحدث عنه بوجه الطعن
– أي لكونه إكراه على التوقيع على الإيصالات – فلا يقبل منه أن يثير هذا الدفع لأول
مرة أمام محكمة النقض لكونه يستلزم تحقيقاً موضوعياً تنحسر عنه وظيفتها.
9-
من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها
على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما
دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق وهي في ذلك ليست
مطالبة بالأخذ بالأدلة المباشرة بل لها أن تستخلص صورة الدعوى كما ارتسمت في
وجدانها بطريق الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية مادام ذلك سليماً
متفقاً مع حكم العقل والمنطق – كما هي الحال في الدعوى المطروحة.
10-
من المقرر أن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل
القضاء على أقوالهم مرجعه إلى محكمة الموضوع تقدره التقدير الذي تطمئن إليه بغـير
معقب ومتى أخذت بشهادتهم فإن ذلك يفيد أنها اطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها
الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها.
11-
من المقرر أن تناقض رواية الشهود في بعض تفاصيلها لا يعيب الحكم ما دام استخلص
الحقيقة من أقوالهم استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه – كالحال في الدعوى الماثلة – فإن
كافة ما يثيره الطاعن في هذا الشأن ينحل إلى جدل موضوعي في واقعة الدعوى وتقدير أدلتها
مما تستقل به محكمة الموضوع ولا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.
12- من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تعرض عن
قالة شاهد النفي ما دامت لا تثق بما شهد به ودون أن تكون ملزمة بالإشارة إلى أقواله
أو الرد عليها رداً صريحاً، فقضاؤها بالإدانة استناداً إلى أدلة الثبوت التي
بينتها يفيد دلالة أنها لم تطمئن إلى أقواله فاطرحتها، فإن النعي على الحكم في هذا
الصدد لا يكون له محل.
13- من المقرر أن التناقض الذي يعيب الحكم
هو الذي يقع بين أسبابه بحيث ينفى بعضهـا ما أثبته البعض الآخر ولا يعرف أي
الأمرين قصدته المحكمة، وكان البين من الحكم المطعون فيه أنه وإن أورد في
مدوناته اسم .... ضمن الأشخاص الذين قرروا بمحاضر جمع الاستدلالات أن الطاعن تلقى
منهم أموالاً إلا أنه انتهى – من بعد – إلى أن المال الذي تلقاه منه لم يكن بقصد
توظيفها أو استثمارها وإنما كان مقابل بضاعة داخل إطار معاملات تجارية بينهما وهو
ما يبرر ما تناهت إليه المحكمة من استبعاد هذا المبلغ – تبعاً لذلك – من نطاق
الأفعال المؤثمة التي دانت الطاعن بها واستتبع ذلك بالضرورة عـدم
الاعتداد به فيما تضمنه الحكم من قضاء بالنسبة للأشخاص المجني عليهم
الذين ألزمت المحكمة الطاعن برد أموالهم المنصوص عليها في منطوق الحكم ، ومن ثم
تنتفى عـن الحكم قالة التناقض بشقيها التي رماه بها الطاعن .
14- لما كان ما يثيره الطـاعن من أنه لم
يتلق الأموال بقصد توظيفها لا يعدو أن يكون منازعة في صورة الواقعة كما اقتنعت بها
المحكمة وهو من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستأهل – في الأصل – رداً طالما كان
الرد عليها مستفاداً من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم إذ حسب الحكم كيما يتم
تدليله ويستقيم قضاؤه أن يورد الأدلة المنتجة التي صحت لديه على ما استخلصه من
وقوع الجريمة المسندة إلى المتهم ولا عليه أن يتعقبه في كل جزئية من جزئيات دفاعه
لأن مفاد التفاته عنها أنه اطرحها.
15-
لما كان النعي بأن الواقعة – بفرض صحتها – لا تشكل سوى جنحة خيانة أمانة أو إعطاء شيك بدون رصيد لا يعدو أن يكون من قبيل المنازعة في الصورة التي اعتنقتها
المحكمة للواقعة وجدلاً موضوعياً في سلطة محكمة الموضوع في استخلاص صورة الواقعة
كما ارتسمت في وجدانها مما تستقل بالفصل فيه بغير معقب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن وآخر بأنهما: أولاً : تلقيا أموالاً من
الجمهور بلغ قدرها اثنين مليون وخمسمائة وثمانية وثمانين ألف جنيه مصري لتوظيفها
واستثمارها في مجال شراء وبيع كروت شحن التليفون المحمول والمنزلية مقابل أرباح (9%)
من أصل المبلغ المودع بعد العمل بأحكام القانون رقم 146 لسنة 1988 بإصدار قانون
الشركات العاملة في مجال تلقي الأموال لاستثمارها على خلاف الأوضاع المقررة وحال
كونهما غير مرخص لهما بمزاولة هذا النشاط على النحو المبين بأقوال محامي الهيئة العامة
لسوق المال وعلى النحو المبين بالتحقيقات .
ثانياً: امتنعا عن رد الأموال المبينة
سلفاً بالتهمة الأولى والمستحقة للمجني عليهم والتي تلقياهـا منهم بعد
العمل بأحـكام القانون رقم 146 لسنة 1988 بشأن الشركات العامة في مجال تلقى
الأموال لاستثمارها على النحو المبين بالتحقيقات.
وأحالتهما
إلى محكمة جنايات "...." لمعاقبتهما طبقـاً للقـيد والوصف الواردين بأمر
الإحالة.
والمحكمة
المذكورة قضـت حضورياً للأول والثاني عملاً بالمواد 1/1 ، 21 /4،1، 26 من القانون
رقم 146 لسنة 1988 بشأن الشركـات العاملة في مجال تلقى الأموال لاستثمارها مع إعمال
المادة 32/2 مـن قانـون العقوبـات أولاً : بمعاقبة ..... الطاعن بالسجن لمدة سبع
سنوات وبتغريمه خمسمائة ألف جنيه وبإلزامه برد مبلغ مليون وواحد ألف جنيه مصري
للمودعين الواردة أسماؤهم بأسباب هذا الحكم وبنشر منطوق هذا الحكم بجريدة يومية
واسعة الانتشار على نفقته وبإلزامه بأن يؤدي لكل من المودعين بالحقوق المدنية
عدا.... مبلغ ألفين وواحد جنيه على سبيـل التعويض المؤقت . ثانياً: ببراءة المتهم
... مما أسند إليه ورفض الدعوى المدنية المقامة من ....
فطعن المحكوم
عليه الأول في هذا الحكم بطريق النقض .... إلخ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحكمة
حيث
إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمتي تلقى أموال لتوظيفها
على خلاف أحكام القانون والامتناع عن ردها إلى أصحابها قد شابه البطلان والقصور
والتناقض في التسبيب والفساد في الاستدلال والخطأ في الإسناد وانطوى على إخلال بحق
الدفاع ، ذلك بأنه اطرح بما لا يسوغ دفع الطاعن ببطلان القبض عليه لوقوعه خارج
دائرة الاختصاص المكاني لمأمور الضبط القضائي ، وجاءت أسبابه مجهلة بالنسبة للرد
المقضي به إذ أغفل تحديد المبالغ المطلوب ردها لكل ، وقد حصل الحكم أقوال
الشهود - المجني عليهم - في الجملة بأن الطاعن تسلم أموالهم على سبيل توظيفها
لحسابهم على الرغم من مخالفة ذلك للثابت من أقوال - بعضهم - بمحضر جمع الاستدلالات
من أنهم سلموه أموالهم على سبيل الأمانة ، وهو ما قرر به بعضهم بجلسة المحاكمة ،
وأغفل الدفع باستبعاد كل من ...و... المجني عليهما وكشاهدي إثبات لإقرارهما بمحضر
الشرطة أن ما أخذه الطـــاعن منهما من نقود كان على سبيل القرض ، واطرح بما لا
يصلح دفع الطاعن ببطلان اعترافه بالتحقيقات لأنه جاء نتيجة إكراه بعد إهـدار
النيابة لكافة تظلماته ، وعول الحكم على ذلك الاعتراف رغم أنه لم ينصب على تلقيه
أموالاً لتوظيفها وإنما تضمن أن تلقيه الأموال كان من خلال شركة بينه وبين زملائه
الذين يعملون معه لدى إحدى الشركات التي تمارس تجارة كروت الشحن ورد بما لا يصلح
على دفع الطاعن بأن توقيعاته على الإيصالات والشيكات جاءت وليدة إكراه بدلالة أقوال
شاهد النفي ولم تعن المحكمة بتحقيق هذا الدفع واعتمد الحكم في اطراحه للدفع
المذكور على نتيجـة الطعن بالتزوير على جزء من الإيصالات بشأن ما إذا كان التوقيع
مطابقاً من عدمه رغم ما ورد بتقرير أبحاث التزييف والتزوير من أنه لم يكتب بخطه
خانة الأسماء التي تسـلم منها المبالغ الثابتة بها وهو وما يؤيد أن توقيعاته على
تلك الإيصالات جاءت كرهاً عنه، وجاءت أقوال الشهود متناقضة بشأن قيمة المبالغ التي
دفعوها للطاعن بين ما قرره بمحاضر الشرطة قبل القبض عليه وبالتحقيقات بعد القبض
عليه إذ ذكروا في الحالة الأخيرة مبالغ أكبر مما ذكروه في الحالة الأولى ، وتناقض
الحكم في أسبابه حين استبعد في مستهلها اسم المودع ..... من الأسماء التي ألزم
الطاعن برد أموالهم ثم عاد في موضوع آخر منها وأظهر له الحق في استرداد مبلغ لم
يحدد قيمته ضمن مبلغ إجمالي قدره 435 ألف جنيه وتناقضت أسباب الحكم مع منطوقه
حينما قضى للمودع سالف الذكر بالحصول على مبلغ مالي من الطاعن عندما ألزم الأخير
برد مبلغ مليون وألف جنيه للمودعين المذكورين بالأسباب، وأخيراً فإن الواقعة لا
تعدو أن تكون جنح خيانة أمانة وإعطاء شيكات بدون رصيد، كل ذلك مما يعيب الحكم بما
يستوجب نقضه.
وحيث
إن الحكم المطعون فيه بيَّن واقعة الدعوى بما تتوافـر به كافة العناصـر القانونية
للجريمتين اللتين دان الطاعن بهما وأورد على ثبوتهما في حقه أدلة سائغة من شأنها
أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك ، وكان الحكم قد عرض لدفاع الطاعن
ببطلان القبض عليه لتجاوز مأمور الضبط القضائي اختصاصه المكاني واطرحه بقوله
"ومن حيث إنه عن الدفع ببطلان القبض على المتهم الأول لحصوله بمعرفة مأمور
ضبط قضائي خارج نطاق اختصاصه المكاني فمردود بأنه ولئن كان الأصل أن اختصاص مأمور
الضبط القضائي مقصور على الجهات التي يؤدون فيها وظائفهم طبقاً للمادة 23 من قانون
الإجراءات الجنائية إلا أنه لما كان الأمر بالضبط والإحضار الصادر بتاريخ .... صدر
من وكيل النيابة المختص بمكان ارتكاب جريمة تلقى الأموال بالمخالفة للقانون قد
روعيت فيه هـذه الاعتبارات ومن ثم فإن ما أجراه مأمور الضبط القضائي في الدعوى من
ضبط المتهم الأول خارج دائرة اختصاصه المكاني إنما كان في صدد الدعوى ذاتها التي
بدأ تحقيقها على أساس وقوع واقعتها في دائرة اختصاصه فإن اختصاصه يمتد إلى جميع من
اشتركوا فيها واتصلوا بها أينما كانوا ويجعل له الحق في مباشرة كل ما يخوله
القانون من إجراءات سـواء في حق المتهم أو في حق غيره من المتصلين بالجريمة استناداً إلى نظرية الضـرورة الإجرائية إذ قد لا يستطاع مباشرة الإجراء بعد ذلك على الإطلاق أو لا يستطاع مباشرته على الوجه
المحقق لغرضه . لما كان ذلك، فإن هذه المحكمة تقر ما أجراه مأمور الضبط القضائي من
تنفيذ أمر الضبط والإحضار خارج نطاق اختصاصه المكاني استناداً إلى نظرية امتداد
الاختصاص الذي تمليه نظرية الضرورة الإجرائية ومن ثم يكون ذلك الدفع في غير محله
". لما كان ذلك ، وكان من المقرر في صحيح القانون أنه متى بدأ وكيل النيابة
المختص في إجراءات التحقيق بدائرة اختصاصه المكاني ثم استوجبت ظروف التحقيق
ومقتضياته متابعة الإجراءات وامتدادها خارج تلك الدائرة فإن هذه الإجراءات منه أو
ممن يندبه لها تكون صحيحة لا بطلان فيها ، ولما كان الطاعن لا يماري في صحة صدور الأمر
بضبطه وإحضاره من المختص به مكانياً للضابط الذي نفذه فإن للأخير أن ينفذ هذا الأمر
على من صدر عليه أينما وجده طالما أن ظروف التحقيق ومقتضياته قد استوجبت ذلك ،
وكان الحكم قد استنتج في منطق سليم وتدليل سائغ قيام حالة الضرورة التي أملت على
مأمور الضبط القضائي الصادر له الأمر بضبط وإحضار الطاعن أن يقبض عليه خارج نطاق
اختصاصه المكاني وأن هذا الإجراء منه قد جاء صحيحاً موافقاً للقانون – وهو ما لم
يخطئ الحكم في تقديره – فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن يكون غير سديد . لما كان
ذلك، وكان الحكـم قد أورد بأسبابه أسماء المجني عليهم تحديداً كما ذكر المبالغ
المالية التي سلموها للطاعن فإنه لا ينال من سلامته إيراد جزء من المبلغ بشكل
إجمالي طالما أنه ذكر أسماء من دفعوا هذا المبلغ بشكل محدد كما لا ينال من سلامته
قضاؤه في منطوقه بمبلغ الرد جملة ما دام قد أحال في تفصيلاته وأسماء أصحابه إلى ما
ورد بأسبابه في هذا الخصوص إذ إن حجية الشيء المحكوم فيه كما ترد على منطوق الحكم
ترد كذلك على ما يكمله ويوضحه ويدعمه من الأسباب. لما كانت الأسباب متصلة بالمنطوق
اتصالاً وثيقاً لا ينقطع – كما هو الحال في الدعوى المطروحة – ومن ثم فإن ما ينعاه
الطاعن على الحكم في هذا الصدد يكون عـلى غير أساس.
لما كان ذلك، وكان الأصل في المحاكمات الجنائية هو اقتناع القاضي بنـاء على
الأدلة المطروحة عليه فله أن يكون عقيدته من أي دليل أو قرينة يرتاح إليها إلا إذا
قيده القانون بدليل معين ينص عليه ، وكان لا يشترط أن تكون الأدلة التي اعتمد
عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى إذ الأدلة في
المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة فلا
ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في
مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة
واطمئنانها إلى ما انتهت إليه ، كما أنه لا يشترط في الدليل في المواد الجنائية أن
يكون صريحاً ودالاً مباشرة على الواقعة المراد إثباتها بل يكفي أن يكون استخلاص
ثبوتها منه عن طريق الاستنتاج مما يتكشف من الظروف والقرائن وترتيب النتائج على
المقدمات ، وكان البين من أقوال كافة المودعين – المجني عليهم – ومنهم من ذكرهم
الطاعن بأسباب طعنه – حسبما أبان الحكم – أنهم حصلوا منه على إيصالات أمانة مقابل
المبالغ التي سلموها إليه فإنه وعلى فرض صحة ما ذكره الطاعن بأسباب طعنه – من أن
بعض من استشهد الحكم بأقوالهم في الإدانة قد ذكروا بمحضر الاستدلال أن الطاعن تسلم
منهم أموالهم على سبيل الأمانة فإن ذلك لا ينفي تسلمه إياها بقصد توظيفها لهم
ويكون ما أورده الحكم على ألسنتهم من أنه تسلمها منهم لتوظيفها هو استخلاص المحكمة
من ظروف الدعوى وقرائنها ومن ترتيب النتائج على المقدمات للغرض الحقيقي من تلقى
الطاعن لتلك الأموال من المجني عليهم حتى وإن كانت بموجب إيصالات أمانة كضمان
لأموالهم وهو ما لا يُعد خطأ في الإسناد إذ ليس له أثر في عقيدة المحكمة وما انتهت
إليه فإن منعى الطاعن في هذا الشأن لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير أدلة
الدعوى وسلطة محكمة الموضوع في استنباط معتقدها منها وهو ما لا يجوز إثارته أمام
محكمة النقض . لما كان ذلك، وكان لا يبين من محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعن قد
أثار ما يدعيه في أسباب طعنه بشأن المجني عليهما .... و.... فلا يقبل منه النعي
على المحكمة بإغفال الرد على دفاع لم يتمسك به أمامها. لما كان ذلك، وكان الحكم قد
عرض لدفع الطاعن ببطلان اعترافه بالتحقيقات لكونه وليد إكراه واطرحه بقوله "
... وكان ما أثاره دفاع المتهم الأول بشأن بطلان اعترافه في تحقيقات النيابة
العامة لوقوع إكراه عليه مردوداً بأن المتهم الأول ما أن مثل أمام النيابة العامة
للتحقيق بتاريخ ... أخبره وكيل النيابة المحقق أن النيابة العامة هي التي تقوم
بالتحقيق وأحاطه علماً بالتهمة المسندة إليه وعقوبتها المقررة في القانون وأثر ما
عساه يدلى به من أقوال دفعاً لها ، وثبوت قيام وكيل النيابة بفحص جسمه عله يجد به ثمة
آثار تفيد التحقيق الذي ثبت خلوه من ثمة إصابات أو علامات ، وأدلى أمامه باعترافات
تفصيلية عن وقائع تلقيه الأموال من الجمهور لتوظيفها واستثمارها في نشاطه في شراء
وبيع كروت الشحن وبعدم قدرته على رد الأموال التي تلقاها وأقر أمامه بتوقيعه على
إيصالات الأمانة والشيكات التي حررها ووقع عليها ضماناً للأموال التي تلقاها كما
أقر حتى بتلقيه أموال دون أن يحرر بها إيصالات لتوظيفها واستثمارها في نشاطه ولم
يذكر في اعترافاته التي تمت في حضور محاميه أن هذا الاعتراف أملى عليه أو أكره على
الإدلاء به ومن ثم فإن القول ببطلان هذا الاعتراف للإكراه المادي والمعنوي يضحى
قولاً عارياً من الدليل لاسيما وأن الدفاع لم يوضح كيفية إملاء هذه الأقوال عليه
وماهية المصلحة المراد تحقيقها من ذلك، وقد جاء اعترافه في مجمله متفقاً مع ما شهد
به شهود الإثبات بالتحقيقات بما يؤكد ويجزم بمطابقة اعترافه للحقيقة والواقع ويدحض
ما أثاره الدفاع في هذا الخصوص . لما كان ما تقدم، فإن المحكمة ترى أن الاعتراف
سليم مما يشوبه وتطمئن إلى صحته ومطابقته للحقيقة والواقع وأن ما أثاره الدفاع بشأن
بطلان هذا الاعتراف إنما هو قول مرسل عار من الدليل وليس في الأوراق ما يظاهره أو
يسانده ومن ثم فإن المحكمة تطرح هذا الدفاع وتعول على اعترافه كدليل عليه ".
لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الاعتراف في المسائل الجنائية من عناصر الاستدلال التي
تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات ومتى خلصت إلى
سلامة الدليل المستمد من الاعتراف – كالحال في الدعوى المطروحة – فإن مفاد ذلك
أنها اطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ به، وللمحكمة
سلطة مطلقة في الأخذ به وإن عدل عنه المتهم بعد ذلك متى اطمأنت إلى صحته ومطابقـته
للحقيقة والواقع، كما أنها ليست ملزمة في أخذها باعتراف المتهم أن تلتزم نصه
وظاهره بل لها أن تجزئه وأن تستنبط منه الحقيقة كما كشفت عنها ، ولا يلزم في
الاعتراف أن يرد على الواقعة بكافة تفاصيلها بل يكفي فيه أن يرد على وقائع تستنتج
المحكمة منها ومن باقي عناصر الدعوى بكافة الممكنات العقلية والاستنتاجية اقتراف
الجاني للجريمة ، ولما كان الطاعن لا يمارى في أن ما حصله الحكم من اعترافه له
أصله في الأوراق ، وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى صحة ذلك الاعتراف ومطابقته للحقيقة
والواقع فإن كافة ما يثيره الطاعن حول صحة اعترافه ومضمون ما انصب عليه لا يكون له
محل . لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الطعن بالتزوير في ورقة من أوراق الدعوى هو
من وسائل الدفاع التي تخضع لتقدير محكمة الموضوع التي لا تلتزم بإجابته فيجوز لها
ألا تحقق بنفسها الطعن بالتزوير وألا تـحيله
للنيابة العامة لتحقيقه إذا ما قدرت أن الطعن غير جدى وأن الدلائل
عليه واهية ، ومع ذلك فقد أبان الحكم المطعون فيه أن المحكمة أجرت تحقيقاً في شأن
ما أثاره الطاعن من أن التوقيع المنسوب إليه على إيصالات الأمانة التي قدمها
المودعون ليس توقيعه وذلك في قوله " ومن حيث إن المحكمة تحقيقاً لدفاع المتهم
في شأن إنكاره لتوقيعه على إيصالات الأمانة التي قدمها المودعون الذين تلقى منهم
الأموال لتوظيفها واستثمارها – رغم إقراره بتحقيقات النيابة العامة بتوقيعه عليها
– عرضت المحكمة عليه بعضها عشوائياً فجحد توقيعه عليها فندبت المحكمة مدير عام
أبحاث التزييف والتزوير بمصلحة الطب الشرعي لمضاهاة صلب بيانات إيصالات الأمانة
والتوقيعات الثابتة بها على استكتابه لبعض بيانات صلب الإيصالات وتوقيعاته أمام
المحكمة فباشر الخبير المأمورية وقدم تقريراً انتهى فيه إلى أن المتهم الأول "الطاعن" ، وهو الكاتب لإيصالات
الأمانة الثمانية موضوع البحث صلباً وتوقيعاً فيما عدا الأسماء التي تسلم منها
المبالغ الثابتة بها والأسماء الثابتة بخانة ( وذلك لتوصيلهم إلى السيد... ) وهذا الذي
أورده الحكم كاف وسائغ للرد على دفاع الطاعن في هذا الشأن ولدحض ادعائه بأن
المحكمة لم تجر تحقيقاً بشأن ذلك الدفاع ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد
ينحل في حقيقته إلى جـدل موضوعي حول سلطة محكمة الموضوع في تقدير أدلة الدعوى وهو
ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض ، هذا فضلاً عن أن البين من محاضر جلسات
المحاكمة أن الطـاعن بجلسة .... وإن دفع بالطعن بالتزوير على التوقيع المنسوب إليه
والثابت بإيصالات الأمانة المقدمة من المجني عليه .... إلا أنه لم يدفع بالطعن
بالتزوير على الأساس الذي يتحدث عنه بوجه الطعن – أي لكونه أكره على التوقيع على
الإيصالات – فلا يقبل منه أن يثير هذا الدفع لأول مرة أمام محكمة النقض لكونه
يستلزم تحقيقاً موضوعياً تنحسر عنه وظيفتها. لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن
لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط
البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام
استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقــل والمنطق وهي في ذلك
ليست مطالبة بالأخذ بالأدلة المباشرة بل لها أن تستخلص صورة الدعوى كما ارتسمت في وجدانها بطريق الاستنتاج
والاستقراء وكافة الممكنات العقلية ما دام ذلك سليماً متفقاً مع حكم العقل والمنطق
– كما هي الحال في الدعوى المطروحة – وكان وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي
يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مرجعه إلى محكمة الموضوع تقدره
التقدير الذي تطمئن إليه بغـير معقب ومتى أخذت بشهادتهم فإن ذلك يفيـــد أنها اطرحت
جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها ، وكان تناقض رواية
الشهود في بعض تفاصيلها لا يعيب الحكم ما دام استخلص الحقيقة من أقوالهم استخلاصاً
سائغاً لا تناقض فيه – كالحال في الدعوى الماثلة – فإن كافة ما يثيره الطاعن في
هذا الشأن ينحل إلى جدل موضوعي في واقعة الدعوى وتقدير أدلتها مما تستقل به محكمة
الموضوع ولا يجوز إثارته أمام محكمة النقض . لما كان ذلك، وكان من المقرر أن
لمحكمة الموضوع أن تعرض عن قالة شاهد النفي ما دامت لا تثق بما شهد به ودون أن
تكون ملزمة بالإشارة إلى أقواله أو الرد عليها رداً صريحاً، فقضاؤها بالإدانة استناداً
إلى أدلة الثبوت التي بينتها يفيد دلالة أنها لم تطمئن إلى أقواله فاطرحتها، فإن
النعي على الحكم في هذا الصدد لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن
التناقض الذي يعيب الحكم هو الذي يقع بين أسبابه بحيث ينفى بعضهـا ما أثبته البعض الآخر
ولا يعرف أي الأمرين قصدته المحكمة، وكان البين من الحكم المطعون فيه أنه وإن أورد
في مدوناته اسم .... ضمن الأشخاص الذين قرروا بمحاضر جمع الاستدلالات أن الطاعن
تلقى منهم أموالاً إلا أنه انتهى – من بعد – إلى أن المال الذي تلقاه منه لم يكن
بقصد توظيفها أو استثمارها وإنما كان مقابل بضاعة داخل إطار معاملات تجارية بينهما
وهو ما يبرر ما تناهت إليه المحكمة من استبعاد
هذا المبلغ – تبعاً لذلك – من نطاق الأفعال المؤثمة التي دانت الطاعن بها واستتبع
ذلك بالضرورة عدم الاعتداد به فيما تضمنه الحكم من قضاء بالنسبة للأشخاص المجني
عليهم الذين ألزمت المحكمة الطاعن برد أموالهم المنصوص عليها في منطوق الحكم ومن ثم
تنتفى عـن الحكـم قالة التناقض بشقيها التي رماه بها الطاعن . لما كان ذلك، وكان
ما يثيره الطـاعن من أنه لم يتلق الأموال بقصد توظيفها لا يعدو أن يكون منازعة في
صورة الواقعة كما اقتنعت بها المحكمة وهو من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستأهل
– في الأصل – رداً طالما كان الرد عليها مستفاداً من أدلة الثبوت التي أوردها
الحكم إذ حسب الحكم كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه أن يورد الأدلة المنتجة التي صحت
لديه على ما استخلصه من وقوع الجريمة المسندة إلى المتهم ولا عليه أن
يتعقبه في كل جزئية من جزئيات دفاعه لأن مفاد التفاته عنها أنه اطرحها. لما كان
ذلك، وكان النعي بأن الواقعة – بفرض صحتها – لا تشكل سوى جنحة خيانة أمانة أو
إعطاء شيك بدون رصيد لا يعدو أن يكون أيضاً من قبيل المنازعة في الصورة التي
اعتنقتها المحكمة للواقعة وجدلاً موضوعياً في سلطة محكمة الموضوع في استخلاص صورة
الواقعة كما ارتسمت في وجدانها مما تستقل بالفصل فيه بغير معقب. لما كان ما تقدم، فإن
الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ