جلسة 22 من فبراير سنة 1951
(69)
القضية رقم 58 سنة 19 القضائية
1 - ( أ ) رسوم جمركية.
البضائع الموجودة فيما وراء حدود دائرة المراقبة الجمركية. الأصل فيها أنها تعتبر خالصة الرسوم الجمركية. عبء إثبات خلاف هذا الأصل. يقع على عاتق مدعيه.
(ب) إثبات.
دعوى بتصرف هيئة أو فرد من المتمتعين بالإعفاءات الجمركية في البضائع المعفاة إلى غير من يشمله هذا الإعفاء بدون دفع الرسوم الجمركية المقررة عليها عند حصول هذا التصرف. إثباتها. يقع على عاتق مدعيها.
(ج) إثبات. قرائن.
القول بأن الآلات المطالب برسومها هي غير خالصة الرسوم الجمركية استناداً إلى أن من ضبطت معه قد اشتراها من جنود بريطانيين. يعتبر قرينة موضوعية وليست قرينة قانونية. تقديرها. مسألة موضوعية.
مثال. (المادة 2 من اللائحة الجمركية).
(2) إقرار.
سلطة محكمة الموضوع في تفسيره. عدم خروجها عن ظاهر عبارته لا مسخ. مثال.
الوقائع
في يوم 28 من إبريل سنة 1949 طعن بطريق النقض في حكم محكمة استئناف القاهرة الصادر في 3 من مارس سنة 1949 في الاستئناف رقم 100 تجاري سنة 65 ق، وذلك بتقرير طلب فيه الطاعنان الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه والحكم أصلياً برفض المعارضة المقدمة من المطعون عليه وتأييد قرار اللجنة الجمركية موضوع المعارضة، واحتياطياً إحالة القضية على محكمة الاستئناف للفصل فيها مجدداً من دائرة أخرى. وفي 2 من مايو سنة 1949 أعلن المطعون عليه بتقرير الطعن. وفي 17 منه أودع الطاعنان أصل ورقة إعلان المطعون عليه بالطعن وصورتين مطابقتين للأصل من الحكم المطعون فيه ومذكرة بشرح أسباب الطعن وحافظة بمستنداتهما. وفي 29 منه أودع المطعون عليه مذكرة بدفاعه طلب فيها رفض الطعن وإلزام الطاعنين بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وفي 31 من ديسمبر سنة 1950 وضعت النيابة العامة مذكرتها وقالت فيها بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام الطاعنين بالمصروفات. وفي 8 من فبراير سنة 1951 سمعت الدعوى على ما هو مبين بمحضر الجلسة... إلخ.
المحكمة
ومن حيث إنه "الطعن" بني على أربعة أسباب حاصل أولها: أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون، ذلك أن المحكمة قررت أن ادعاء الطاعنة (مصلحة الجمارك) بأن آلات التصوير المطالب برسومها والتي اشتراها المطعون عليه من جنود بريطانيين غير خالصة الرسوم الجمركية هو ادعاء يعوزه الدليل، وأن إثباته يقع على عاتق الطاعنة، ولا يكفي فيه أن يكون البائع للآلات المذكورة من الجنود البريطانيين - مع أن المعاهدة المبرمة مع الحكومة البريطانية قد نصت على إعفاء جميع حاجات الجيش البريطاني من الرسوم الجمركية، ولذلك كانت ترد إليه أثناء الحرب الماضية كافة البضائع وتباع إلى جنوده دون أن تدفع عنها الرسوم الجمركية، وأن هذا الإعفاء مشروط بأن يكون استعمال البضائع المعفاة خاصاً برجال الجيش وحدهم، بحيث إذا ما حصل التصرف فيها إلى أفراد الجمهور كان واجباً تحصيل الرسوم المقررة عليها، وإلا اعتبرت بضاعة مهربة، وأنه يترتب على ذلك أن يكون عبء إثبات دفع الرسوم الجمركية في هذه الحالة واقعاً على عاتق من يدعي حصول هذا الدفع، لا على عاتق الطاعنة. وعلى ذلك تكون المحكمة قد كلفت الطاعنة بإثبات واقعة دليلها قائم، كما نقلت عبء هذا الإثبات من عاتق المطعون عليه المكلف به نتيجة لشرائه الآلات من الجنود البريطانيين إلى عاتق الطاعنة غير المكلفة به قانوناً.
ومن حيث إنه لما كان يبين من الحكم المطعون فيه أنه جاء فيه "أن الحكم الابتدائي الذي أيد قرار اللجنة الجمركية بني على أن ماكينات التصوير المضبوطة غير خالصة الرسوم الجمركية لمجرد أن المستأنف (المطعون عليه) اشتراها من جنود بريطانيين، وهذه القرينة لا تكفي وحدها لإثبات ذلك......" كما جاء فيه في موضوع آخر "وعلى أية حال فإن الادعاء من جانب الجمارك بأن الماكينات المضبوطة غير خالصة الرسوم الجمركية يعوزه الدليل، وهذا الدليل يقع على أعباء مصلحة الجمارك دون غيرها ولا يكفي للإثبات مجرد أن البائع من الجنود البريطانيين.." وكانت المادة الثانية من اللائحة الجمركية تنص على أنه يجوز فيما وراء حدود دائرة المراقبة الجمركية نقل البضائع بحرية وذلك فيما عدا الاستثناءات الواردة بها، وكان مقتضى هذا النص أن يكون الأصل في البضائع الموجودة فيما وراء حدود هذه الدائرة أنها تعتبر خالصة الرسوم الجمركية وأن يكون مدعي خلاف هذا الأصل هو المكلف قانوناً بإثباته، وكانت الدعوى بتصرف هيئة أو فرد من المتمتعين بالإعفاءات الجمركية في البضائع المعفاة إلى غير من يشمله هذا الإعفاء بدون دفع الرسوم الجمركية المقررة عليها والواجب تحصيلها عند حصول هذا التصرف هي دعوى يقع على مدعيها عبء إثباتها، وكان شراء المطعون عليه الآلات المشار إليها من جنود بريطانيين لا يعدو أن يكون قرينة موضوعية، وليست قرينة قانونية، استندت إليها الطاعنة في إثبات ما ادعته من أن هذه الآلات من ضمن حاجات الجيش البريطاني المعفاة من الرسوم الجمركية وأنها وصلت إلى المطعون عليه دون دفع الرسوم المستحقة عليها - لما كان ذلك كذلك - لا تكون المحكمة قد أخطأت في القانون، إذ هي لم تأخذ بالقرينة المشار إليها والتي يدخل تقديرها في نطاق سلطتها الموضوعية، ويكون صحيحاً في القانون ما قررته من جعل عبء الإثبات في حالة الدعوى على عاتق الطاعنة، وبذلك يكون هذا السبب على غير أساس.
ومن حيث إن حاصل السبب الثاني هو أن الحكم المطعون فيه مشوب بالبطلان لخطئه في فهم واقع الدعوى وانبنائه على عموميات تاركاً خصوصيات النزاع المطلوب الفصل فيه، ذلك أن المحكمة إذا قالت: إن شراء المطعون عليه آلات التصوير المضبوطة من جنود بريطانيين لا يخرج عن كونه قرينة لا تكفي وحدها لإثبات أنها مهربة من الرسوم الجمركية المستحقة عليها، اعتمدت على أن هذه الآلات وغيرها كانت تعرض في السوق المصرية عن طريق الاستيراد من الخارج أو الشراء محلياً من أشخاص مدنيين سبق أن دفعوا رسومها الجمركية، وأن أثمان هذه الآلات قد ارتفعت أثناء الحرب لدرجة أن الكثيرين من المدنيين سارعوا ببيع ما كان لديهم منها انتهازاً لفرصة الارتفاع الكبير في الأسعار، وأن السوق المحلية كان بها كثير من البضائع التي استوردت قبل الحرب بالطريق الجمركي وحرص أصحابها على الاحتفاظ بها وعدم بيعها إلا بأسعار مغرية - وبذلك تكون المحكمة قد افترضت أن الآلات المشار إليها قد وصلت إلى الجنود البريطانيين الذين باعوها إلى المطعون عليه من أشخاص مدنيين سبق أن دفعوا رسومها الجمركية، مع أن هذا الافتراض فضلاً عن أنه لا ينطبق على النزاع الذي كان مطروحاً على المحكمة، فإنه لم يقم عليه دليل، بل قام الدليل على عكسه، إذ يلزم لصحته أن تكون الفواتير الصادرة إلى المطعون عليه من الجنود البريطانيين البائعين إليه مقترنة بفواتير أخرى سابقة عليها تكون قد صدرت إليهم من أشخاص مدنيين، وذلك حتى يثبت سبق وجود الآلات المذكورة بمصر قبل الحرب واحتفاظ أصحابها المدنيين بها حتى قيامهم ببيعها إلى الجنود المذكورين أثناء الحرب، لا سيما أن الحكم مسلم بانقطاع ورود هذه الآلات طوال مدة الحرب.
ومن حيث إنه لما كان يبين من الحكم أن المحكمة، إذ قررت أن قرينة شراء المطعون عليه الآلات المضبوطة من جنود بريطانيين لا تكفي وحدها لإثبات أنها غير خالصة الرسوم، قالت تبريراً لهذا التقرير "إن هذه الماكينات وغيرها كانت تعرض في الأسواق المصرية عن طريق الاستيراد من الخارج أو الشراء محلياً من أشخاص مدنيين سبق أن سددوا الرسوم الجمركية عنها وقد ارتفعت أثمان تلك الأدوات أثناء فترة الحرب لدرجة أن الكثيرين سارعوا ببيع ما لديهم منها انتهازاً لفرصة الارتفاع الكبير في الأسعار فضلاً عن أن السوق المصرية كان بها كثير من السلع التي استوردت قبل الحرب بالطريق الجمركي والتي كان يحرص أصحابها على حيازتها وعدم بيعها إلا بالأسعار المغرية" - وكان يتضح من هذا الذي قالته المحكمة أنها لم تقصد به أن تقرر على سبيل الجزم أن الجنود البريطانيين حصلوا على الآلات التي باعوها إلى المطعون عليه من أشخاص مدنيين سبق أن دفعوا رسومها الجمركية، وإنما لتستدل به على أن القرينة المشار إليها والتي استندت إليها الطاعنة ليست قاطعة في إثبات أن الآلات التي اشتراها المطعون عليه من الجنود البريطانيين هي من حاجات الجيش البريطاني المعفاة من الرسوم الجمركية وأنها عندما بيعت إلى المطعون عليه لم تكن قد دفعت عنها رسومها الجمركية، وكانت الاعتبارات التي ساقتها المحكمة في معرض هذا الاستدلال من شأنها أن تؤدي إلى النتيجة التي استخلصتها منها، وكان ما أوردته الطاعنة نعياً على هذا الاستدلال لا يخرج عن أنه مجادلة في أمر موضوعي تستقل المحكمة بتقديره - لما كان ذلك كذلك - يكون هذا السبب في غير محله.
ومن حيث إن حاصل السبب الثالث هو أن الحكم المطعون فيه، إذ قال - إنه لا يكفي الاحتجاج بما أظهره المطعون عليه من حسن نية لدفع الرسوم المطالب بها معتقداً أن حكم القانون يلزمه بها، ويكون مشوباً بالبطلان لمسخه المعنى الظاهر من تعهد المطعون عليه بدفع الرسوم المستحقة على الآلات التي ضبطت بمحله وإهداره حجية هذا التعهد - ذلك أنه يبين من الطلب الذي قدمه المطعون عليه إلى مدير جمرك القاهرة في 30 من أكتوبر سنة 1946 أنه سلم فيه بأن الآلات التي اشتراها من الجنود البريطانيين مهربة والتمس إنهاء النزاع صلحاً وفقاً لما تجيزه الإجراءات الجمركية في مثل هذه الحالة على أساس تعهده بدفع رسوم الآلات الست التي ضبطت بمحله وصرف النظر عن رسوم باقي الآلات، وهو تعهد صحيح قانوناً ومنتج لكافة آثاره ولا يبطله إلا أحد العيوب المفسدة للرضا مثل الإكراه أو الغلط، ولا يمكن أن يقال إنه صدر منه عن غلط، متى كان الرسم الجمركي مستحقاً على كل بضاعة لم يثبت سبق دفعه عنها، وكان المطعون عليه عاجزاً عن إثبات دفع الرسوم المستحقة على الآلات التي اشتراها، بل ومسلماً بعدم حصول هذا الدفع كما قرر صراحة في طلبه المشار إليه.
ومن حيث إنه لما كان يبين من الطلب الذي قدمه المطعون عليه إلى مدير جمرك القاهرة في 30 من أكتوبر سنة 1946، أنه وإن كان قد أظهر فيه استعداده لدفع الرسوم المستحقة على الآلات المضبوطة بمحله، إلا أنه ذكر فيه أن الجنود البريطانيين كانوا أثناء وجودهم في مصر كثيراً ما يشترون آلات التصوير ثم يبيعونها أو يستبدلونها عند سفرهم منها، وأنه كانت توجد في مصر محلات بها كميات كبيرة من هذه الآلات مختزنة من قبل الحرب ومدفوعة رسومها الجمركية، وأنه لذلك كان مطمئناً لشراء ما كان يعرض عليه منها من الجنود البريطانيين، فضلاً عن أنه حرص على مطالبتهم بالفواتير المثبتة لهذا الشراء، وأنه إظهاراً لحسن نيته، ونظراً لأنه من رعايا الحكومة المصرية ولا يحيد عن طاعتها وتلبية أوامرها، ولأنه لا يستطيع لسفر الجنود البريطانيين الذين باعوا إليه الآلات المذكورة إثبات أنها آلات مستعملة اشتروها من محلات قائمة في مصر ودفعت عنها رسومها الجمركية، ولأن موظفي الجمارك الذين حضروا إلى محله أفهموه بأن هذه الآلات واردة من الخارج مع الجنود البريطانيين البائعين إليه دون أن تدفع رسومها الجمركية، فإنه يطلب استعمال الرأفة معه في تقدير قيمة الآلات المضبوطة وقبول الرسوم المستحقة عليها. ولما كان يتضح من هذه العبارات التي ذكرها المطعون عليه في الطلب المشار إليه أنه ليس فيها ما يؤيد ما تنسبه إليه الطاعنة من التسليم بصحة واقعة التهريب وعدم سبق دفع الرسوم الجمركية عن الآلات التي اشتراها من الجنود البريطانيين، وكان يبين منها كذلك أن ما أظهره المطعون عليه من استعداد لدفع رسوم الآلات المضبوطة بمحله كان الباعث عليه ما فهمه من موظفي مصلحة الجمارك من أن هذه الآلات لم يسبق دفع رسومها الجمركية وأنه ملزم بدفع هذه الرسوم - لما كان ذلك كذلك - يكون صحيحاً ما قرره الحكم من أنه "لا يكفي الاحتجاج بما أظهره المستأنف (المطعون عليه) من حسن نية لدفع الرسوم المطالب بها معتقداً أن حكم القانون يلزمه بذلك" ويكون النعي عليه أنه مسخ المعنى الظاهر من تعهد المطعون عليه وأنه أهدر حجيته غير صحيح.
ومن حيث إن حاصل السبب الرابع هو أن الحكم المطعون فيه، إذ ألغى الحكم الابتدائي وخالفه فيما استدل به على مسئولية المطعون عليه عن الرسوم المطالب بها بالتعهد السالف الذكر دون أن يأتي بأسباب توضح دواعي هذه المخالفة وتبرر إهدار حجية هذا التعهد، يكون قد شابه القصور.
ومن حيث إن هذا السبب مردود بأن ما اعتمد عليه الحكم تبريراً لعدم الأخذ بما ورد في الطلب المقدم من المطعون عليه من استعداد لدفع رسوم الآلات المضبوطة بمحله على ما سبق بيانه في الرد على السبب الثالث فيه ما يكفي لحمله.
ومن حيث إنه لجميع ما تقدم يكون الطعن على غير أساس ومن ثم يتعين رفضه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق