جلسة 27 من فبراير سنة 1993
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد محمود الدكروري - نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة/ محمد مجدي محمد خليل وعويس عبد الوهاب عويس وحسني سيد محمد أبو جبل وعلي عوض صالح - المستشارين.
------------------
(73)
الطعن رقم 277 لسنة 33 القضائية
تراخيص - ترخيص مزاولة مهنة الطب البيطري في غير أوقات العمل الرسمي.
المادة 77 من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978.
حظر القانون على العامل أداء أعمال للغير بأجر أو مكافأة ولو في غير أوقات العمل الرسمية إلا بإذن من السلطة المختصة - مؤدى ذلك: أن التصريح أو الإذن بالعمل في غير أوقات العمل الرسمية أو استمراره أو تجديده هو من الملاءمات التي تترخص فيها الجهة الإدارية حسب مقتضيات وظروف العمل ومتطلبات المصلحة العامة بلا معقب عليها في هذا الشأن طالما خلا قرارها من إساءة استعمال السلطة - للجهة الإدارية سلطة إلغاء الترخيص بمزاولة مهنة الطب البيطري في غير أوقات العمل الرسمية - شرط ذلك: قيام قرار إلغاء الترخيص على أسباب تبرره - تطبيق.
إجراءات الطعن
في يوم الأحد الموافق 21/ 12/ 1986 أودعت هيئة قضايا الدولة بصفتها نائبة عن الطاعنين قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها العام تحت رقم 277 لسنة 33 ق عليا في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بالمنصورة بجلسة 23/ 10/ 1986 في الدعوى رقم 1827 لسنة 6 ق والذي قضى بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه وبإلزام جهة الإدارة المدعى عليها بأن تؤدي للمدعي مبلغاً مقداره (2000) جنيه ألفان من الجنيهات وألزمت جهة الإدارة المصاريف.
وطلب الطاعنون في ختام تقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وبإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض دعوى المطعون ضده مع إلزامه بالمصروفات عن درجتي التقاضي.
وأعلن تقرير الطعن للمطعون ضده، وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً مسبباً بالرأي القانوني اقترحت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع برفضه وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وعين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بالمحكمة جلسة 6/ 1/ 1992 وبعد تداوله قررت الدائرة بجلسة 25/ 5/ 1992 إحالته إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الثانية) التي نظرته بجلسة 27/ 6/ 1992 والجلسات التالية أو بجلسة 3/ 10/ 1993 قدم الحاضر عن الطاعنين مذكرة بالدفاع اختتمها بالطلبات المبينة بتقرير الطعن وبعد أن استمعت المحكمة إلى ما رأت لزوم سماعه قررت بجلسة 23/ 1/ 1993 إصدار الحكم بجلسة اليوم وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه لدى النطق به.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات والمداولة قانوناً.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية المقررة قانوناً فمن ثم يكون مقبولاً شكلاً.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تخلص - حسبما يبين من الأوراق - في أنه بتاريخ 16/ 5/ 1984 أقام المطعون ضده دعواه ابتداءً أمام محكمة القضاء الإداري بالقاهرة التي قررت إحالتها إلى محكمة القضاء الإداري بالمنصورة للاختصاص وطلب المدعي في ختام عريضة دعواه الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء القرار رقم 12 بتاريخ 6/ 3/ 1984 فيما تضمنه من إلغاء التصريح السابق منحه له بمزاولة مهنة الطب البيطري في غير أوقات العمل الرسمية وإلزام المدعى عليهم بتعويضه بمبلغ خمسين ألف جنيه عن الأضرار المادية والأدبية التي حاقت به من جراء هذا القرار.
وقال المدعي شرحاً لدعواه أنه حصل على ترخيص بمزاولة مهنة الطب البيطري في غير أوقات العمل الرسمية وقام بتجهيز عيادة كلفته الكثير من الجهد والمال واستقرت أوضاعه على هذا الأساس ثم فوجئ بصدور قرار مديرية الزراعة ببور سعيد المطعون فيه بإلغاء التصريح السابق منحه له لمزاولة المهنة. ونعى المدعي على هذا القرار صدوره مشوباً بإساءة استعمال السلطة لأنه لم ينسب إليه تقصير في عمله فضلاً عن مخالفته القانون وردت جهة الإدارة على الدعوى بإيداع مذكرة دفاع خلصت بها إلى طلب رفض الدعوى على أساس أن المصلحة العامة اقتضت إلغاء التصريح السابق منحه للمدعي لمزاولة مهنة الطب البيطري وبجلسة 23/ 10/ 1986 قضت محكمة القضاء الإداري بالحكم المطعون فيه وشيدت قضاءها على أن القرار المطعون فيه لم يقم على سبب صحيح يبرره وأن ما ذكرته جهة الإدارة تبريراً لقرارها لا يعدو أن يكون قولاً مرسلاً لا يؤيده دليل وبالتالي يكون القرار المطعون فيه قد صدر على سبب غير صحيح متعين الإلغاء "وعن طلب التعويض ذهبت المحكمة إلى أن ركن الخطأ يتوافر في جانب الجهة الإدارية بعد أن ثبت عدم مشروعية القرار المطعون فيه وكذلك ركن الضرر إذ أن القرار المطعون فيه قد حرم المدعي من ممارسة العمل في عيادته في غير أوقات العمل الرسمية مدة تزيد على العامين بعد أن جهز العيادة وهو ما ترتب عليه حرمانه من مصدر من مصادر دخله طيلة هذه المدة فضلاً عما صاحب غلق عيادته من ضرر معنوي وإذ تحققت رابطة السببية بين الخطأ والضرر لذلك يتعين إجابة المدعي إلى طلب التعويض وقررت المحكمة له تعويضاً مقداره ألفان من الجنيهات".
ومن حيث إن مبنى الطعن الماثل أن الحكم المطعون فيه خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله ذلك أن القرار محل الطعن صدر على أسباب صحيحة إذ اقتضته المصلحة العامة لمرفق الطب البيطري الذي يقوم على تنمية ورعاية الثروة الحيوانية وأن إعطاء الإدارة للعاملين بها تراخيص بمزاولة مهنتهم في غير أوقات العمل الرسمية من الأمور التي تدخل في السلطة التقديرية ومن الملاءمات المتروكة لها كما أن إعطاء مثل هذه التراخيص لا يكسب المرخص له حقاً مؤيداً في مزاولة المهنة في غير أوقات العمل الرسمية وإنما يجوز لجهة الإدارة في أي وقت أن تُلغي هذا الترخيص أو تسحبه طالما استوجبت ذلك متطلبات العمل ما دام أن تصرفها قد خلا من شائبة سوء استعمال السلطة وأضاف الطاعنون أن مزاولة بعض الأطباء البيطريين للمهنة في غير أوقات العمل الرسمية قد هدد تنمية الثروة الحيوانية بمدينة بورسعيد فنتيجة عدم تفرغ الأطباء البيطريين بالمحافظة وهو ما أكدته الجهات المختصة في ردها على الدعوى ولم يوضحه المدعي وبخاصة أنه لم يثبت أن مصدر القرار كان دافعه التحامل على المدعي مما يبرأ القرار من عيب إساءة استعمال السلطة ومن ذلك ينتفي ركن الخطأ ويكون الحكم بتعويض المطعون ضده قد جانبه الصواب وبالنسبة للضرر فإن التصريح للمدعي بمزاولة المهنة ليس حقاً مكتسباً له فضلاً عن أنه يتقاضى حوافز بدلاً من غلق عيادته مما يجعل التعويض من قبيل الإثراء بلا سبب الأمر الذي يأباه القانون وانتهى الطاعنون إلى طلب الحكم بطلباتهم السابق بيانها.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تخلص في أن المطعون ضده يشغل وظيفة طبيب بيطري بمديرية الزراعة بمحافظة بورسعيد وبتاريخ 29/ 11/ 1981. أصدر مدير عام الزراعة بتفويض من المحافظ - القرار رقم 40 بالتصريح للمطعون ضده بمزاولة مهنة الطب البيطري في غير أوقات العمل الرسمية وقد زاول المهنة بعد هذا التاريخ إلى أن أصدر مدير عام الزراعة القرار المطعون فيه رقم 13 بتاريخ 6/ 3/ 1984 متضمناً إلغاء التصريح السابق منحه للمطعون ضده بمزاولة مهنة الطب البيطري في غير أوقات العمل الرسمية وقد أفصحت جهة الإدارة في مقام دفاعها وفي عريضة الطعن عن أن السبب في إصدار القرار المطعون فيه يتمثل في أن مزاولة بعض الأطباء البيطريين لمهنة الطب البيطري في غير أوقات العمل الرسمية قد هدد تنمية الثروة الحيوانية بمدينة بورسعيد نتيجة عدم تفرغ الأطباء البيطريين بالمحافظة.
ومن حيث إن المادة (77) من قانون العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 تنص على "يحظر على العامل: 1 - ...... 2 - أن يؤدي أعمالاً للغير بأجر أو مكافأة ولو في غير أوقات العمل الرسمية إلا بإذن من السلطة المختصة".
ومن حيث إنه مقتضى هذا النص أن التصريح للعامل أو الإذن له بالعمل في غير أوقات العمل الرسمية أو استمراره أو تجديده هو من الملاءمات التي تترخص فيها الجهة المختصة حسب مقتضيات ظروف العمل وأوضاع المصلحة العامة بلا معقب عليها في هذا الشأن طالما خلا قرارها من إساءة استعمال السلطة إلا أن هذا القرار شأنه شأن سائر القرارات الإدارية يجب أن يقوم على أسباب تبرره صدقاً وحقاً في الواقع وفي القانون كركن من أركان انعقاده باعتباره تصرفا قانونياً ولا يقوم أي تصرف قانوني بغير سبب والسبب في القرار الإداري هو حالة واقعية أو قانونية تحمل الإدارة على التدخل بقصد إحداث أثر قانوني محل القرار ابتغاء وجه الصالح العام الذي هو غاية القرار وإذا ما ذكرت الإدارة لقرارها أسباباً فإنها تكون خاضعة لرقابة القضاء الإداري للتحقق من مدى مطابقتها للقانون أو عدم مطابقتها له، وأثر ذلك في النتيجة التي انتهى إليها القرار وهذه الرقابة تجد حدها الطبيعي في التحقيق مما إذا كانت هذه النتيجة مستخلصة استخلاصاً سائغاً من أصول تنتجها مادياً وقانونياً فإذا كانت منتزعة من غير أصول موجودة أو كانت مستخلصة من أصول لا تنتجها كان القرار فاقداً لركن من أركانه وهو ركن السبب ووقع مخالفاً للقانون فإذا ترتب عليه ضرر وقامت علاقة السببية بين الخطأ والضرر تحققت مسئولية الإدارة من تعويض المتضرر عن الضرر الذي أصابه.
ومن حيث إن الواضح أن الأسباب التي أسند إليها قرار الإدارة بإلغاء التصريح السابق منحه للمدعي بالعمل في غير أوقات العمل الرسمية جاءت أقوالاً مرسلة لا دليل عليها ولا تستند إلى أصول ثابتة في الأوراق أخذاً في الاعتبار أنه لا يوجد بملف خدمة المدعي أو بالتقارير السنوية التي أعدت عنه خاصة خلال فترة التصريح له بمزاولة المهنة ما يثبت إخلاله لواجباته الوظيفية أو إهماله في أداء عمله أو يثنيه أو يمس سمعته فضلاً عن أن الإدارة لما قدمت بياناً بحالته الوظيفية يثبت فيه أن تقريره عن السنوات 81/ 82/ 1983 بدرجة ممتاز وأنه لم توقع عليه جزاءات خلال هذه الفترة الأمر الذي يستشف منه سلامة مسلك المدعي في أدائه عمله الرسمي وأن عمله في غير أوقات العمل الرسمية لم يؤثر على عمله الرسمي بل قد ورد بأحد هذه التقارير ما نصه "أنه من الأطباء المشهود لهم بالكفاءة في العمل وقد تعاون مع المديرية وكان نشاطه واضحاً خاصة أثناء مشروع مكافحة الدرن البقري بالمحافظة ومكافحة وحماية المحافظة من مرض الطاعون البقري وكل ما كلف به ويكلف به من أعمال أخرى "وذلك مما لا يتفق مع ما أبدته جهة الإدارة من أسباب قرارها المطعون فيه حيث لم يتأكد وجود أي تعارض بين عمل المدعي الرسمي وعمله في غير أوقات العمل الرسمية وهو ما يؤدي إلى عدم صحة الأسباب التي استندت إليها الإدارة ومن ثم يكون قرارها محل الطعن الصادر بإلغاء التصريح السابق منحه للمدعي لممارسته مهنته في غير الأوقات الرسمية قد انتزع من غير أصول موجودة ويقع بذلك مخالفاً للقانون حرياً بالإلغاء، وإذ لحقت بالمدعي أضراراً من جراء صدور هذا القرار لأنه إلى ما قبل صدوره استمر مزاولاً مهنته في عيادته الخاصة التي جهزها بما له وقد حرمه القرار من عائد تشغيلها الأمر الذي أضر به ضرراً يستحق معه تعويضاً عنه ويكون الحكم المطعون فيه قد أصاب الحق فيما قضى به من إلغاء القرار المطعون فيه وإجابة المدعي إلى تعويضه بالمبلغ الذي قدرته له على النحو المبين بالحكم المطعون فيه وهو تقدير تشاركه هذه المحكمة فيه باعتباره مناسباً لمدى الضرر وملائماً مع عناصره ومن ثم فإنه يتعين والحالة هذه القضاء برفض الطعن وإلزام الجهة الإدارية المصروفات عملاً بحكم المادة 184 مرافعات.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، ورفضه موضوعاً، وألزمت الجهة الإدارية المصروفات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق