جلسة 7 من فبراير سنة 1959
برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة إبراهيم الديواني والإمام الإمام الخريبي وعلي إبراهيم بغدادي ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.
----------------
(61)
القضية رقم 831 لسنة 3 القضائية
فصل غير تأديبي
- فقد أوراق التحقيق بعد صدور قرار لجنة التطهير وإحالة المدعي إلى المعاش بالتطبيق للمرسوم بقانون رقم 171 لسنة 1952 - لا يفيد عدم قيام الأسباب المبررة للفصل - يكفي لقيام المبرر للفصل صدور قرار لجنة التطهير متضمناً خلاصة التحقيق الذي أجرته وما انتهت إليه من دلائل أدت إلى صدور قرار الفصل.
إجراءات الطعن
في 20 من يونيه سنة 1957 أودع السيد رئيس هيئة المفوضين طعناً في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارة الأوقاف بجلسة 21 من أبريل سنة 1957 في الدعوى رقم 368 لسنة 2 ق المقامة من السيد/ عبد الوهاب عباس جمجوم ضد وزارة الأوقاف, القاضي "بإلزام الوزارة المدعى عليها بأن تؤدي للمدعي مبلغ ألف جنيه مصري والمصروفات ومائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة, ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليها في عريضة الطعن - "الحكم بقبول الطعن شكلاً, وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه, ورفض الدعوى, مع إلزام المدعي بالمصروفات". وأعلنت الجهة الإدارية في 13 من يوليه سنة 1957, وأعلن به الخصم في 4 منه, ثم عين لنظر الطعن جلسة 18 من يناير سنة 1958, وأرجى إصدار الحكم لجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يستفاد من أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون عليه أقام دعواه بعريضة أودعها سكرتيرية محكمة القضاء الإداري في 24 من مارس سنة 1953 طالباً الحكم بإلزام وزارة الأوقاف بأن تدفع إليه على سبيل التعويض مبلغ 800 م و5153 ج على التفصيل الوارد بالعريضة, وأحيلت الدعوى إلى المحكمة الإدارية لوزارة الأوقاف عملاً بأحكام القانون رقم 165 لسنة 1955 بشأن تنظيم مجلس الدولة. وقد أبان المدعي في صحيفة دعواه أنه تخرج في مدرسة الفنون والصناعات عام 1920, ثم التحق بخدمة وزارة الأوقاف في يناير سنة 1922 في وظيفة مهندس من الدرجة السابعة بقسم الهندسة بالديوان العام, وظل ينتقل في كثير من فروعه حتى أصبح مهندساً للإنشائيات, وأشرف على إنشاء كثير من العمائر الهامة التي بنتها الوزارة, وكان طوال مدة خدمته محل ثقة رؤسائه وموضع تقديرهم, ولكن شاء حظه في سنة 1951 أن يعمل مع مفتش بقسم الهندسة لم يطق العمل معه, دون أي سبب يبرر هذا النفور الذي دفعه إلى طلب نقله من دائرة عمله. ولما لم يكن هناك ما يبرر هذا الطلب فقد رفض المدير العام إجابته إليه, مما أحفظ المفتش، فأسرها في نفسه للمدعي وجعل يترقب الفرص للتخلص منه, إلى أن صدر المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 الخاص بفصل الموظفين بغير الطريق التأديبي, حيث سارع إلى تقديم تقرير للجنة التطهير يزعم فيه أنه لا يمر على مهندسي الوزارة في الإسكندرية المعهود إليهم مباشرة عمليتي مسجد أبي قير وسوق الخضر, واستعان على تلفيق هذا الاتهام بمهندس سوق الخضر الذي بينه وبين المدعي ضغينة ترجع إلى سبق إبداء المدعي ملاحظات على رداءة عمل المهندس. ورغم أن هذا الإدعاء غير صحيح إطلاقاً فإن لجنة التطهير أخذت بهذا الاتهام وطلبت فصل المدعي من الخدمة. ووافقت الوزارة على ذلك, واستصدرت من مجلس الوزراء في 21 من ديسمبر سنة 1952 قراراً بفصله من الخدمة استناداً إلى هذا الإدعاء الذي نطقت جميع الأدلة بأنه ملفق وأنه وليد الضغينة والحقد والخصومة, فحرم بذلك من البقاء في الخدمة حتى مارس سنة 1958, تاريخ بلوغه الستين من عمره. وردت الوزارة على الدعوى بأن المدعي كان يشغل وظيفة مساعد مدير أعمال بقسم الهندسة بالوزارة في الدرجة الخامسة عندما وافق مجلس الوزراء في 21 من ديسمبر سنة 1952 على فصله من الخدمة بناء على توصية لجنة فصل الموظفين بغير الطريق التأديبي, لما ثبت لديها من التحقيقات التي أجرتها في شأنه؛ إذ ثبت لها من شهادة الشهود الذين سمعتهم, وهم الأستاذ علي صبحي المفتش بقسم الهندسة ومدير الأعمال محمد حسني حسين والمهندس إسماعيل محمود إسماعيل مهندس عملية سوق الخضار والمهندس محمد أبو طالب مهندس عملية مسجد أبي قير, أن المدعي لا يمر على العمليات إلا نادراً, ويكتفي باعتماد تقارير المهندسين دون المعاينة على الطبيعة, كما قرر الشاهد الأول منهم أن تصرفات المدعي في عمله تؤيد الشكوى المقدمة في حقه من أنه يستغل نفوذه على المقاولين ويتصل بهم اتصالاً مريباً, من ذلك أنه كان يعارض في صرف مبلغ ثمانين جنيهاً لأحد المقاولين, ثم لم يلبث أن صرح له بعد تسعة عشر يوماً بصرف مبلغ 3500 جنيهاً في الظروف ذاتها التي امتنع فيها عن الصرف, كما ثبت للجنة أن المدعي ومقره الأصلي مدينة القاهرة كان يقرر السفر إلى الإسكندرية ويقدم برنامجاً للأعمال التي سوف يقوم بها, فيصرح القسم له بالسفر على هذا الأساس, وعند عودته يقدم كشفاً بأعماله حتى يتمكن من صرف بدل السفر عن الليالي التي قضاها بالإسكندرية، وأن اللجنة اطلعت على برامج المدعي في الأشهر الأربعة الأخيرة، فثبت أنه كان يثبت على خلاف الحقيقة بيانات غير صحيحة؛ وبذلك يستولي على بدل السفر بدون وجه حق. وبناء على هذه الأسباب قررت اللجنة في 25 من نوفمبر سنة 1952 فصله من الخدمة. وفي 21 من أبريل سنة 1957 أصدرت المحكمة الإدارية لوزارة الأوقاف حكمها "بإلزام الوزارة المدعي عليها بأن تؤدي للمدعي مبلغ ألف جنيه مصري والمصروفات..".
وأقامت قضاءها على أن الوزارة قدمت المدعي إلى لجنة فصل الموظفين بغير الطريق التأديبي؛ لأنه غير منتج وحوله شوائب وشبهات قوية تمس الكرامة والشرف والنزاهة. وقد قررت اللجنة الموافقة على فصله استناداً إلى أنه: (أولاً) غير منتج، (ثانياً) قد علقت به شوائب وشبهات قوية تمس النزاهة والشرف وكرامة الوظيفة وحسن السمعة. وأسست قرارها على ما جاء بالشكوى رقم 69 التي وردت إليها متضمنة أن المدعي يستغل نفوذه على المقاولين ويتصل بهم اتصالاً مريباً, وعلى ما أسفرت عنه التحقيقات التي قامت بها وسمعت فيها أقوال المفتش علي صبحي ومدير الأعمال محمد حسني حسين والمهندسين إسماعيل محمود إسماعيل ومحمد أبو طالب, ثم قالت إنه تبين عندما طلبت من الوزارة إيداع الشكوى والتحقيقات المشار إليها للاطلاع عليها أن الأوراق الخاصة بهذا الموضوع قد فقدت؛ وبذلك تكون الوزارة - في رأي المحكمة - قد أقامت حائلاً بينها وبين رقابتها القانونية على قرار اللجنة التي استند إلى هذه الأوراق, بل جعلت هذا القرار وكأنه منتزع من غير أصول موجودة, وبالتالي فإنه لا يبقى أمامها - حسبما ذهبت - كدليل تتعرف به على صلاحية المدعي إلا ملف خدمته, وهو ناطق في الدلالة على أنه موظف كفء مجتهد, أخلاقه طيبة وسيرته حميدة ونزيه؛ ومن ثم لا يتصور أن يكون محلاً لتطبيق القانون رقم 181 لسنة 1952, مما يتعين معه إجابته إلى طلبه تعويضه عن الأضرار التي حاقت به نتيجة إعمال هذا القانون في شأنه بالقدر الذي حكمت له به. وقد طعن السيد رئيس هيئة المفوضين في هذا الحكم بمقولة إن المحكمة حصرت بحثها في التحقق من قيام أو عدم قيام السبب المسوغ لفصل المدعي داخل نطاق ملف خدمته, فاتخذت من الملف دون غيره مصدراً وحيداً في استنباط سبب الفصل, ولم تواجه موضوع الدعوى مواجهة شاملة؛ وآية ذلك أن المنازعة تدور حول مسئولية الوزارة عن القرار الصادر بفصل المدعي بغير الطريق التأديبي طبقاً للقانون رقم 181 لسنة 1952, مما كان يتعين معه بحث مشروعية هذا القرار في ظل أحكام هذا القانون, الذي جعل من الشبهات بل من الشوائب إذا أحاطت بالموظف دليلاً كافياً في ثبوت عدم صلاحيته للوظيفة العامة. فما كان يجوز للمحكمة أن تطرح غير ذلك من العناصر المتعلقة بالأسباب المرتكز عليها القرار, وهي تلك التي تضمنها تقرير لجنة التطهير بوزارة الأوقاف. وقد استعرضت اللجنة في تقريرها جميع التهم المسندة إلى المدعي وانتهت إلى فصله, فإذا عجزت الإدارة بعد ذلك عن تقديم التحقيقات التي قامت بها اللجنة, فإن ذلك لا يسوغ القول بانعدام الأصول التي بعثت قرار الفصل, وبالتالي يكون القرار الصادر من مجلس الوزراء بالاستناد إلى هذا التقرير مستمداً من أصل موجود يبرر النتيجة التي انتهى إليها في تقرير فصل المدعي لعدم الصلاحية, مما لا محل معه لمساءلة الإدارة.
ومن حيث إن القرار الصادر بفصل الموظف استناداً إلى المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 يجب - كأي قرار آخر - أن يقوم على سببه المبرر له قانوناً, وهو قيام حالة واقعية أو قانونية تسوغ صدور هذا القرار على الوجه الذي حدده المرسوم بالقانون المشار إليه للغاية التي هدف إليها, فإذا انعدم هذا السبب أو كان غير صحيح أو منتزعاً من غير أصول موجودة, أو كان غير مستخلص استخلاصاً سائغاً من أصول موجودة لا تفضي إلى النتيجة التي يتطلبها القانون, أو كان تكييف الوقائع على فرض وجودها مادياً لا يؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها القرار, كان القرار فاقداً لركن من أركانه هو ركن السبب, ووقع معيباً مخالفاً للقانون, وحق التعويض عنه إذا توافرت باقي الشروط اللازمة لاستحقاق التعويض, أما إذا كانت النتيجة مستخلصة استخلاصاً سائغاً من أصول موجودة تنتجها مادياً وقانوناً, فإن القرار يكون قد قام على سببه وبرئ من العيب وجاء مطابقاً للقانون؛ ومن ثم فلا يكون هناك محل للتعويض.
ومن حيث إن المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 حدد في مادته الأولى السبب المسوغ لفصل الموظف؛ إذ نصت على أن "يكون فضل الموظفين العامين غير الصالحين للعمل, أو الذين تعلق بهم شوائب أو شبهات قوية تمس كرامة الوظيفة أو النزاهة أو الشرف أو حسن السمعة على الوجه المبين في المواد الآتية...". وقد تكلفت هذه المواد بتقرير الضمانات التي رأى الشارع أن يوفرها لإمكان تطبيق حكم المادة الأولى في حق الموظف, وذلك من حيث الأداة التي يتم بها الفصل أو الهيئة التي تتولى فحص حالة الموظف قبل الموافقة على فصله, أو الآثار التي تترتب على هذا الفصل فيما يتعلق بمعاشه أو مكافأته, أو المدة التي تضم إلى مدة خدمته وما يتبع ذلك من فروق مالية. وقد كشفت المذكرة الإيضاحية لهذا المرسوم بقانون عن الأهداف التي صدر هذا التشريع لتحقيقها, بعد إذ لمس القائمون بالأمر مبلغ الفساد الذي تفشى في البلاد حتى امتد أثره إلى الأداة الحكومية, وأدركوا ضرورة معالجة هذه الحالة علاجاً حاسماً سريعاً, وذلك بفصل الموظفين غير الصالحين, سواء منهم غير القادر على أداء الوظيفة أو القادر غير المنتج أو القادر المنتج الذي لا يلائمه العهد الجديد, وكذلك كل من تعلق بهم شوائب أو شبهات قوية تمس كرامة الوظيفة أو النزاهة أو الشرف أو حسن السمعة. وقد اكتفى المشرع - وهو بسبيل تطهير الأداة الحكومية من أدران الفساد وإعادة تنظيمها لإقامة الحكم على أسس قوية سليمة - بالشوائب أو الشبهات القوية كسب للفصل خلافاً للأصل العام في التأثيم؛ فأجاز فصل الموظف بمقتضى المرسوم بقانون المشار إليه متى علقت به شوائب أو شبهات, ولم يقيد ذلك إلا بأن تكون هذه الشوائب أو الشبهات قوية أي جدية, دون أن يتطلب أن تكون الوقائع المنسوبة إلى الموظف ثابتة في حقه على وجه يقيني قاطع؛ يؤكد ذلك أن المادة الأولى من المرسوم بقانون المتقدم الذكر قد فرقت بين طائفتين من الموظفين: طائفة الموظفين غير الصالحين للعمل, وهم غير القادرين على أداء الوظيفة أو القادرين غير المنتجين أو القادرين المنتجون الذين لا يلائمهم العهد الجديد, وطائفة الموظفين الذين تعلق بهم شوائب أو شبهات قوية تمس كرامة الوظيفة أو النزاهة أو الشرف أو حسن السمعة. وقد ذهب المشرع في الحرص على كرامة الوظيفة وطهارة السمعة ونظافة الحكم ونزاهته إلى إقصاء الموظف الذي تعلق به شوائب أو شبهات قوية من شأنها المساس بذلك, حتى ولو لم ترق هذه الشوائب وتلك الشبهات إلى حد الدليل القاطع. وعلى هذا الأساس يكون وزن القرار الإداري والتعقيب عليه إذا صدر بالفصل بالتطبيق لأحكام لمرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952.
ومن حيث إن رقابة القضاء الإداري لقرار الفصل الصادر بالتطبيق لأحكام المرسوم بقانون المشار إليه - من ناحية استظهار قيام السبب المسوغ لفصل الموظف، وهو تعلق الشوائب أو الشبهات به وفقاً لما تقدم أو قيام عدم الصلاحية للعمل، وهي رقابة قانونية تقف عند حد التحقق من مدى مطابقة القرار أو عدم مطابقته في هذا الخصوص للقانون - لا تعني أن يحل القضاء الإداري نفسه محل الجهة الإدارية المختصة فيما هو متروك لتقديرها ووزنها واقتناعها، فيستأنف النظر بالموازنة والترجيح فيما قام لدى الإدارة من دلائل وبيانات وقرائن أحوال إثباتاً أو نفياً في خصوص قيام أو عدم قيام الحالة الواقعية التي تكون ركن السبب، أو يتدخل في تقرير خطورة هذا السبب وما يمكن ترتيبه عليه من آثار، بل إن الإدارة حرة في تقدير تلك الدلائل والبيانات وقرائن الأحوال، تأخذها دليلاً إن اقتنعت بها وتطرحها إذا تطرق الشك إلى وجدانها، كما أنها حرة في تقدير خطورة السبب وتقدير مدى ما ترتبه عليه من أثر، ولا هيمنة للقضاء الإداري على ما تكون منه الإدارة عقيدتها واقتناعها في شيء من هذا، وإنما الرقابة التي للقضاء المذكور تجد حدها الطبعي - كرقابة قانونية - في التحقق مما إذا كانت النتيجة التي انتهى إليها القرار مستمدة من أصول موجودة أو غير موجودة، وما إذا كانت هذه النتيجة مستخلصة استخلاصاً سائغاً من أصول تنتجها مادياً أو قانوناً أم لا؛ إذ يتوقف على وجود هذه الأصول أو عدم وجودها وعلى سلامة استخلاص النتيجة التي انتهى إليها القرار من هذه الأصول أو فسادها وعلى صحة التكييف القانوني للوقائع بفرض وجودها مادياً أو عدم صحة هذه التكييف - يتوقف على هذا كله قيام أو عدم قيام ركن السبب في القرار الإداري ومطابقته أو عدم مطابقته للقانون.
ومن حيث إن المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 سالف الذكر - بعد أن بين في المادة الأولى منه أسباب فصل الموظفين بغير الطريق التأديبي، وأوضح في المادة الثانية كيفية فصلهم سواء بأداة المرسوم أو بقرار من مجلس الوزراء بعد موافقة لجنة تؤلف في كل مصلحة على الوجه المفصل في المادة المذكورة - قضى في مادته الخامسة بأن "يكون للجان في سبيل أداء مهمتها سماع أقوال الموظفين والاطلاع على الملفات والأوراق وطلب البيانات التي ترى لزومها، ولها أن تعهد إلى أحد أعضاءها في القيام بعمل معين من أعمال البحث أو التحقيق".
ومن حيث إنه قد بان للمحكمة من الأوراق وبوجه خاص من تقرير لجنة التطهير أن اللجنة كونت عقيدتها من نتيجة من شهادة الشهود الذين سمعتهم ومن سائر الدلائل والأمارات وقرائن الأحوال، وهذا كله من واقع ما قامت به بنفسها من تحقيق في هذا الشأن بمقتضى السلطة المخولة لها بالمرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952، وهذه العقيدة التي كونتها لنفسها واقتنعت بها على أساس ما تقدم هي من الأمور المتروكة لاطمئنانها واقتناعها، فليس للقضاء الإداري أن يصادرها على هذا الاقتناع؛ باستئناف النظر والترجيح، أما ما ذهبت إليه المحكمة الإدارية وأقامت عليه قضاءها في الحكم المطعون فيه من أنها "قد طلبت من الوزارة إيداع الشكوى رقم 69 والتحقيقات التي قامت بها اللجنة في ملف الدعوى مراراً، كما طلب مفوض الدولة ذلك من قبل، ولكن الوزارة ما طلت في تنفيذ هذا القرار، ثم قررت بأن هذه الأوراق قد فقدت، وقدمت الوزارة بجلسة 17 من مارس سنة 1957 مذكرة من النيابة الإدارية في الشكوى رقم 258 لسنة 1956 في شأن هذه الأوراق، وقد أثبتت في هذه المذكرة أن هذه الأوراق قد فقدت. وبهذا تكون الوزارة - وقد أضاعت هذه الأوراق - قد أقامت حائلاً بين المحكمة وبين رقابتها القانونية على قرار اللجنة الذي استند إلى هذه الأوراق، بل جعلت هذا القرار منتزعاً من غير أصول موجودة..." - إن ما ذهبت إليه المحكمة الإدارية مردود بأن فقد أوراق التحقيق بعد صدور تقرير لجنة التطهير وصدور قرار إحالة المدعي إلى المعاش بالتطبيق للمرسوم بقانون المشار إليه - إن هذا الفقد الطارئ ليس معناه أن النتيجة التي انتهت إليها اللجنة لم تقم على الأسباب المؤدية إليها، ولا أن قرار إحالة المدعي إلى المعاش لم يقم على السبب المسوغ له بالتطبيق للرسوم بقانون سالف الذكر؛ لأن هذا الفقد طارئ كما سلف القول، وإنما أقامت لجنة التطهير النتيجة التي انتهت إليها على الدلائل التي سجلتها في أسباب قرارها تفصيلاً، علماً بأن هذه اللجنة هي التي قامت بنفسها بالتحقيق المقول بفقد أوراقه فيما بعد ولكنها سجلت في أسباب قرارها مجمل الأدلة التي انتهت إليها من هذا التحقيق وبنت عليها عقيدتها وكونت منها اقتناعها، ثم صدر القرار المطعون فيه بناء على ما ارتأته تلك اللجنة. وليس من شك في أن القرار المذكور هو وثيقة رسمية يحمل في أعطافه وما فصله في أسبابه الدلائل والأصول التي استخلص منها قيام سبب الفصل بالنسبة للمدعي بالتطبيق للمرسوم بقانون المشار إليه، ومن هنا يبين تخاذل أسباب الحكم المطعون فيه؛ لأنه بينما يذكر أن الأوراق قد ضاعت بطريق الفقد، كما انتهت إلى ذلك النيابة الإدارية، ينسب إلى الوزارة أنها هي التي أقامت بنفسها الحائل بين المحكمة وبين تحري الحقيقة، كما لو كانت هي التي أضاعت الأوراق عمداً، كما أن الحكم يفترض عدم قيام السبب المبرر للفصل من مجرد ضياع أوراق التحقيق بسبب طارئ وعارض بعد أن صدر القرار، فهذا الفهم الذي انتهت إليه المحكمة ظاهر الخطأ، فما كان الضياع الطارئ لأوراق التحقيق، بل ضياع سند الحق بمضيع للحقيقة ذاتها في شتى مجالاتها، مدنياً أو جنائياً أو إدارياً، ما دام من المقدور الوصول إلى هذه الحقيقة بطرق الإثبات الأخرى. وهذا الدليل قائم في خصوصية هذه المنازعة على ما سجلته لجنة التطهير - التي قامت بهذا التحقيق - في قرارها من خلاصة، وما انتهت إليه من دلائل اقتنعت بها فيما انتهت إليه من نتيجة.
ومن حيث إنه يبين من كل ما تقدم أن قرار مجلس الوزراء بفصل المطعون عليه من الخدمة بالتطبيق للمرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 هو قرار سليم مطابق للقانون، ويكون الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه، فيتعين لذلك إلغاؤه، ورفض الدعوى.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق