جلسة 11 من فبراير سنة 1967
برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة الدكتور أحمد موسى وعادل عزيز زخاري ويوسف إبراهيم الشناوي وعباس فهمي محمد بدر المستشارين.
-----------------
(63)
القضية رقم 699 لسنة 11 القضائية
(أ) جريمة. جريمة التهريب من غير المسافرين. قرار إداري "سببه".
تعليق رفع الدعوى العمومية عنها أو اتخاذ أي إجراء فيها عن إذن وزير المالية والاقتصاد أو من ينيبه - يكون له في حالة عدم الإذن أن يأمر بمصادرة الأشياء موضوع المخالفة إدارياً - قراره في هذه الحالة هو قرار إداري وليس قضائياً - يتعين أن يقوم هذا القرار على سببه.
(ب) جريمة. جريمة التهريب الجمركي من غير المسافرين. أركانها -
ضرورة توافر القصد الجنائي الخاص بأن تنصرف نية الحائز إلى تهريب الأشياء موضوع الجريمة.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - على ما يبين من أوراق الطعن - في أن المطعون ضده أقام الدعوى رقم 490 لسنة 17 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري "دائرة منازعات الأفراد والهيئات" بصحيفة أودعها سكرتيرية هذه المحكمة في 12 من يناير سنة 1963 ضد السيد وزير الاقتصاد والسيد وزير الخزانة طالباً "الحكم بإلغاء القرار الصادر من مراقبة النقد فيما تضمنه من مصادرة مبلغ 805 جنيهاً استناداً إلى أن هذه المصادرة وقعت على خلاف القانون مع إلزام المدعى عليهما بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة" وقال - في شرح دعواه - إن مصلحة الجمارك، قسم منه فيه، كانت قد أعلنت في 23 من أغسطس سنة 1962 بعدد الوقائع المصرية رقم 66 عن بيع بعض البضائع بالمزاد العلني وحددت لهذا البيع يوم 15 من سبتمبر سنة 1962، وكان هو من بين المزايدين الذين سجلوا أسماءهم لهذا الغرض. وفي اليوم المحدد لإجراء المزاد دخل بإذن المسئولين إلى مخزن المهمل الواقع بالدائرة الجمركية ثم علم بأن البيع أجل بأمر من السيد الوزير إلى حين صدور تعليمات أخرى، وعندما أراد الخروج اعترضه أحد رجال الحرس الجمركي وسأله عما في جيبه فقرر له على الفور أن معه نقوده التي سيقوم بالدفع منها عند رسو المزاد فطلب منه إخراجها وقام بضبطه واقتاده إلى قسم أول الحرس حيث حرر له محضر أثبت فيه أنه تاجر ومن المزايدين المحترفين لدى رجال الجمارك، فتقدم بشكوى إلى السيد وزير الخزانة فتلقى رداً من إدارة قضايا الجمارك قسم التهريب متضمناً أن نيابة الشئون المالية قررت بكتابها رقم 5966 المؤرخ 16 من نوفمبر سنة 1962 حفظ القضية إدارياً مع الاكتفاء بمصادرة النقود التي ضبطت معه وقدرها 805 جنيهاً، ومضى المدعي إلى القول بأن الواقعة على هذا النحو لم تكيف بأنها عملية تهريب بدليل أن مراقبة النقد لم تأذن للنيابة العامة برفع الدعوى العمومية ضد الطالب توطئة لمحاكمته.
دفعت الجهة الإدارية الدعوى بعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعوى تأسيساً على أن القرار المطعون فيه صادر من نيابة الشئون المالية في حدود اختصاصهيا القضائي، ومن ثم فهو عمل قضائي يخرج من اختصاص القضاء الإداري. وفيما يتعلق بالموضوع طلبت احتياطياً رفض الدعوى مع إلزام المدعي بمصروفاتها استناداً إلى أن المدعي سيء النية إذ ضبط وهو يحاول الخروج مسرعاً من باب الجمرك ولا يقبل منه الادعاء بجهله بالتعليمات والإجراءات إذ لا يقبل من أحد العذر بجهل القانون، كما أن مخزن منه فيه الذي كان مقرراً أن يجرى فيه المزاد يقع خارج أبواب الجمرك بجوار باب 14 ومن ثم فلم تكن هناك ضرورة لدخول المدعي من باب 7، 8، وقد عقب المدعي على الدفع بعدم الاختصاص بأن المادة الرابعة من القانون رقم 98 لسنة 1957 المعدل للقانون رقم 80 لسنة 1947 صريحة في أن قرار المصادرة إنما يصدر من وزير المالية والاقتصاد في حالة عدم الإذن برفع الدعوى العمومية وأنه على فرض أن النيابة العامة قد ذكرت في قرارها عبارة "مصادرة المبلغ المضبوط" فإن ذلك لا يعود أن يكون مجرد تزيد لقرار الوزير القاضي بالمصادرة، وقرار الوزير يعتبر قراراً إدارياً تختص بنظره محكمة القضاء الإداري.
وبجلسة 20 من إبريل سنة 1965 أصدرت محكمة القضاء الإداري حكمها السابق الإشارة إليه، وأقامت قضاءها برفض الدفع بعدم الاختصاص على أنه يبين من المادة الرابعة من القانون رقم 98 لسنة 1957 ببعض الأحكام الخاصة بالتهريب أن المشرع قد منع النيابة العامة من رفع الدعوى العمومية أو اتخاذ أي إجراء بالنسبة إلى جرائم التهريب المعينة بالنص المتقدم إلا بعد الحصول على إذن من وزير المالية والاقتصاد فإذا لم يصدر هذا الإذن امتنع على النيابة العامة اتخاذ أي إجراء بالنسبة إلى هذه الجرائم أو رفع الدعوى العمومية عنها وقد أجاز المشرع في هذه الحالة لوزير المالية والاقتصاد أو لمن ينيبه أن يصدر قراراً إدارياً بالمصادرة وهذا القرار الإداري يصدره الوزير استناداً إلى سلطته العامة وليس للنيابة العامة أو للمحكمة الجنائية أية ولاية بالنسبة إلى هذا القرار، ومن ثم يكون قرار السيد المدير العام للإدارة العامة للنقد بوصفه نائباً عن الوزير بمصادرة المبلغ موضوع الدعوى قراراً إدارياً اكتملت له كل مقومات القرار الإداري ولقد حرص المشرع على وصف المصادرة التي تتم في هذه الحالة بأنها مصادرة إدارية وليست قضائية.
وفيما يتعلق بالموضوع ذهب الحكم المطعون فيه إلى أن المستفاد من نص المادة الرابعة من القانون رقم 98 لسنة 1957 المشار إليه أنه يلزم لقيام الجريمة التي تناولها بالتأثيم أن يكون المتهم قد أخذ من غير المسافرين أشياء مما نص عليه في المادة الأولى من القانون وأن يكون قد تعمد إخفاء هذه الأشياء وأن يكون هذا الإخفاء بقصد تهريبها. وأن الثابت من الاطلاع على ملف قضية الجنحة رقم 2563 لسنة 1962 نيابة الشئون المالية بالإسكندرية أن جمرك الإسكندرية أعلن عن بيع الطرود المهملة التي لم تسحب من الجمرك بالمزاد في يوم السبت الموافق 15 من سبتمبر سنة 1962 الساعة التاسعة صباحاً والأيام التالية إذا اقتضى الحال في مخزن، منه فيه "وأن المدعي توجه في هذا اليوم إلى الجمرك يحمل المبلغ موضوع المصادرة للتقدم في هذا المراد وأنه قصد إلى مخزن الأشياء المهملة داخل الدائرة الجمركية فعلم أن الأشياء المهملة المعروضة للبيع نقلت من مخزن منه فيه خارج الدائرة الجمركية وعند خروجه ضبطه الحارس المختص وقام بتفتيشه فعثر معه على المبلغ موضوع المصادرة. وعند سؤاله في محضر ضبط الواقعة قرر أنه وصل من باب الجمرك رقم 7 و8 وأنه تقابل مع موظف الجمرك علي الغاوي وذكر له أنه متوجه إلى مخزن الأشياء المهملة لحضور المزاد وعند وصوله إلى المخزن تقابل مع المخزنجي الذي يعرفه شخصياً حيث أخبره أن البضائع المعروضة للبيع قد نقلت إلى مخزن منه فيه عند الباب رقم 14 وعند خروجه من الباب رقم 18 اعترضه القائم بالحراسة وقام بضبطه وقرر أن عملية خروجه ودخوله لم تستغرق أكثر من خمس دقائق وأضاف أنه لم يكن يعلم أن الدخول إلى مخزن الأشياء المهملة يستلزم الحصول على تصريح وذكر أنه اعتاد حضور المزادات التي يعقدها الجمرك لبيع الأشياء المتروكة وأشهد السيدين أحمد نافع رئيس المخزن وحسن وحيده رئيس جلسة المزاد على ذلك بيد أن المحقق لم يسمع أقوال الشهود الذين أشهدهم. ومضى الحكم إلى القول بأن الثابت من أقوال الحارس الذي ضبط المدعي أن المبلغ وجد في جيب بنطلونه الأيمن داخل منديل وأنه ليس ثمة شك في أن مثل هذا الوضع لا يتوافر فيه معنى الإخفاء الذي يتطلبه القانون إذ أنه هو الوضع المألوف لحمل الشخص نقوده ولم يكن المبلغ مخبأ في طيات ثيابه أو موارى على نحو يستشف منه قصد الإخفاء. وأن المدعي قد علل وجود هذا المبلغ الكبير معه بأسباب مبررة تؤيدها وقائع ثابتة وهي أنه كان يزمع التقدم للمزاد الذي حدده الجمرك لإجرائه في ذات اليوم والميعاد الذي ضبط فيه وأن الثابت من الاطلاع على الشهادة التي قدمها المدعي المؤرخة 12 من يناير سنة 1963 والصادرة من جمرك الإسكندرية أن المذكور من الأشخاص الذين يترددون على مخزن منه فيه لشراء ما يلزمه من الرسائل التي تعرض للبيع في جلسات المزاد المختلفة وأن جلسة المزاد التي كان محدداً لها يوم 15 من سبتمبر سنة 1962 قد أوقف بناء على طلب وزارة التموين وخلص الحكم إلى أن دخول المدعي إلى الدائرة الجمركية في 15 من سبتمبر سنة 1962 بغير تصريح بالدخول وهو من التجار المعروفين لرجال الجمارك والمترددين على المزادات بمخزن منه فيه كان لأسباب مبررة سواء بالنسبة لواقعة الدخول ذاتها أو إلى حمل المبلغ المضبوط لوجود مزاد في ذلك التاريخ وأنه لم تنهض أية قرينة على أنه كان يحمل هذا المبلغ بقصد تهريبه إخراجاً أو إدخالاً كما أنه لم يكن يخفي المبلغ المذكور الأمر الذي لا تتحقق معه أركان جريمة التهريب بمفهومها المعنى بالقانون ومجرد عدم حصوله على تصريح بالدخول سواء ثبت أنه كان يجهل تعليمات الجمرك فعلاً أو يعلم بها لا يعدو أن يكون مخالفة إدارية لا تصلح بذاتها دليلاً على سوء النية أو قصد التهريب أو الشروع فيه إذ أن ظروف الحال على الوجه الذي سلف بيانه لا تشفع في قيام هذا القصد ومن باب أولى في ثبوت واقعة التهريب ولا سيما أن الظاهر يؤيد دفاع المدعي وأن الجهة الإدارية لم تقم الدليل على ما ينقضه ولم يثبت اتصال المذكور بأحد من المسافرين أو من غيرهم.
ومن حيث إن مبنى الطعن أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله فعلى الرغم من أن المحكمة تسلم بأن دخول المطعون ضده بغير تصريح إلا أنها ترى أنه مع ذلك كان لأسباب مبررة وأنه مهما كانت قوة هذه الأسباب إلا أنها لا تغني عن الحصول على تصريح بدخول الدائرة الجمركية وهو أمر يخضع لتقدير السلطات الجمركية المختصة. وأنه على فرض التسليم الجدلي بأن دخول المطعون ضده الدائرة الجمركية له ما يبرره من وجود مزاد في ذلك التاريخ إلا أن ذلك قاصر على دخول المكان المخصص للمزايدة وهو مخزن منه فيه وهذا المخزن خارج أبواب الجمرك بجوار باب 14 وعليه فلم يكن هناك داع أو ضرورة لدخول المطعون ضده باب 7، 8 بما يؤكده سوء نيته وعدم صدق أقواله. وأن مجرد وجود مبلغ نقدي في غير الأحوال المرخص بها قانوناً وبدون ترخيص سابق من وزير المالية وفقاً لأحكام القانون رقم 98 لسنة 1957 بالإضافة إلى وجود هذا المبلغ مع شخص داخل الدائرة الجمركية بغير تصريح بالدخول كل ذلك يدل دلالة واضحة على نية التهريب وأن وجود المبلغ المضبوط في جيب بنطلون المطعون ضده لا ينفي الإخفاء فضلاً عن أنه خير مكان للإخفاء هو المكان الظاهر.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني انتهت فيه إلى أنه متى كان الثابت أن الإدارة اكتفت بسماع أقوال الشرطي الذي استوقف المطعون ضده أثناء خروجه واتخذت منها دليلاً على توافر نية التهريب لديه دون أن تحقق دفاعه الذي أبداه في هذا الشأن والذي إن صح لأصبح وجوده بالدائرة الجمركية ومعه النقود له ما يبرره ولأصبحت نية التهريب لديه محل شك كبير - إن الإدارة تكون قد استخلصت النتيجة التي انتهى إليه قرارها استخلاصاً غير سائغ من أصول لا تكفي لإنتاجها خصوصاً وأن الظاهر يؤيد دفاعه إذ الثابت أنه من الأشخاص الذين يترددون على مخازن الجمرك وأن المصلحة كانت قد أعلنت عن بيع بعض المنقولات بالمزاد في اليوم الذي تم ضبطه فيه ولم تقدم الإدارة دليلاً على أنه كان على اتصال بأحد المسافرين أو أن له نشاطاً في تهريب النقد ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه قد أصاب الحق فيما انتهى إليه.
ومن حيث إن المادة الرابعة من القانون رقم 98 لسنة 1957 ببعض الأحكام الخاصة بالتهريب تنص على أن "كل من خالف أحكام هذا القانون أو شرع في محاولتها أو حاول ذلك يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد عن خمس سنوات وبغرامة تعادل ضعف الأشياء التي رفعت الدعوى الجنائية بسببها على ألا تقل عن مائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين" ويعاقب بالعقوبة ذاتها كل من أخفى من غير المسافرين أشياء من المنصوص عليها في المادة الأولى بقصد تهريبها وفي حالة العودة يحكم بالحبس والغرامة معاً ويجوز رفع الحبس إلى عشر سنوات والغرامة إلى ما يعادل خمسة أمثال قيمة الأشياء موضوع الدعوى على ألا تقل على ألف جنيه. ولا يجوز الحكم بوقف التنفيذ.
ولا يجوز رفع الدعوى بالنسبة للجرائم المتقدمة ذكرها أو اتخاذ أي إجراء فيها إلا بعد الحصول على إذن من وزير المالية والاقتصاد أو من ينيبه، وفي حالة عدم الإذن يجوز لوزير المالية والاقتصاد أو من ينيبه أن يأمر بمصادرة الأشياء موضوع المخالفة إدارياً وقد كشفت المذكورة الإيضاحية للقانون رقم 98 لسنة 1957 عن الحكمة التي وضع هذا النص من أجلها وهي معالجة حالات أخرى من التهريب كتلك التي تهرب بواسطة المودعين للمسافرين وغير ذلك من صور المعاونة على التهريب مما لا يشملها نص المادة الثانية.
ولما كانت الجرائم المعاقب عليها طبقاً لأحكام القانون رقم 98 لسنة 1957 ومنها جريمة التهريب من غير المسافرين المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة الرابعة، تغلب عليها الصفة المالية فقد نص القانون على تعليق رفع الدعوى العمومية أو اتخاذ أي إجراء فيها على إذن وزير المالية والاقتصاد أو من ينيبه، وأجاز له أو لمن ينيبه في حالة عدم الإذن - بالنظر إلى الظروف والملابسات - أن يأمر بمصادرة الأشياء موضوع المخالفة إدارياً. ويترتب على عدم الإذن أن يمتنع على النيابة العامة رفع الدعوى العمومية أو اتخاذ أي إجراء فيها فلا تتصل بالدعوى ولا تمتد إليها ولايتها، ويكون القرار الذي يصدره الوزير أو من ينيبه بمصادرة الأشياء موضوع المخالفة قراراً إدارياً وليس قراراً قضائياً. ويلزم لقيام هذا القرار أن يقوم على سببه المبرر له، فلا تتدخل الإدارة بإجراء المصادرة إلا إذ قامت حالة واقعية أو قانونية تسوغ تدخلها هي ثبوت نوع المخالفة لأحكام القانون رقم 98 لسنة 1957، وللقضاء الإداري أن يراقب صحة قيام هذه الوقائع وصحة تكييفها القانوني وتتمثل المخالفة في الدعوى الراهنة في ثبوت إخفاء المطعون ضده للنقود المضبوطة بقصد تهريبها.
ومن حيث إنه يلزم لقيام جريمة التهريب من غير المسافرين المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة الرابعة من القانون رقم 98 لسنة 1957 أن يثبت إخفاء الجاني من غير المسافرين نقوداً أو أشياء مما نص عليه في المادة الأولى، وأن يكون ذلك بقصد تهريبها. ويتحقق فعل الإخفاء recel بتسلم الشيء المراد تهريبه أو حجزه أو حيازته وعدم التبليغ عنه عند الدخول إلى الدائرة الجمركية. فلا يشترط أن يكون الحائز قد خبأ الشيء كما يتبادر من ظاهر النص. ولا يكفي لقيام هذه الجريمة مجرد القصد الجنائي العام، وإنما يتطلب القانون توافر قصد جنائي خاص، بأن تنصرف نية الحائز إلى تهريب هذه الأشياء، وذلك على خلاف الحال بالنسبة إلى جريمة حمل المسافر نقوداً أو مصوغات بغير ترخيص والتي يكفي فيها القصد الجنائي العام.
ومن حيث إن محصل الوقائع أن المطعون ضده شوهد ظهر يوم 15 من سبتمبر سنة 1962 خارجاً من باب 7 و8 بالدائرة الجمركية لميناء الإسكندرية راكباً دراجته بصورة مسرعة ولم يكن يحمل تصريحاً بالدخول، فاستوقفه الحارس وفتشه فعثر بجيب بنطلونه على ثمانمائة جنيه وخمسة منها 127 ورقة من فئة الخمسة جنيهات و17 ورقة من فئة العشرة جنيهات فاستاقه إلى قسم بولس الميناء، وبسؤال المطعون ضده - وهو من تجار مخلفات الجمارك - قال إنه قدم في هذا اليوم ومعه المبلغ المضبوط لحضور مزاد بيع المخلفات الذي سبق الإعلان عنه بعدد الوقائع المصرية في 23 من أغسطس سنة 1962، كما سبق له أن عاين المخلفات بمخزن المهمل داخل الدائرة الجمركية وقال إنه حضر متأخراً بعض الوقت فقصد لتوه إلى مخزن المهمل ظناً منه أن المزاد سيجرى فيه، ولم يعترض أحد سبيله عند الدخول، إلا أن أمين المخزن أعلمه بأن المزاد بمخزن منه فيه خارج الدائرة الجمركية فأسرع للحاق به، وبينما هو يهم بالخروج من باب 7 و8 اعترضه الحارس وسأله عن وجهته فأخبره بما كان من أمره وأظهر له ما معه من نقود، فاقتاده إلى قسم بوليس الميناء، وتذرع بجهله بالقانون فيما يتعلق بوجوب الحصول على تصريح بالدخول، والإقرار بما يحمله من نقود.
وبعرض الأوراق على السيد المدير العام لإدارة النقد - الذي أنابه السيد وزير المالية والاقتصاد في اختصاصاته في هذا الشأن - أصدر في 4 من نوفمبر سنة 1962 قراره بعدم الإذن برفع الدعوى العمومية ومصادرة المضبوطات إدارياً، وذلك بناء على مذكرة أعدها كبير الخبراء ضمنها، أن طبيعة عمل المطعون ضده كمقاول نقل ومخلفات الجمارك ومزاد منه فيه تقتضي أن يكون ملماً تمام الإلمام بإجراءات وتعليمات الجمارك من حيث الدخول والخروج والإقرار عما معه، مما يناقض ما ذكره بأقواله من أنه يجهل الإجراءات هذا فضلاً عن أنه بالإطلاع على العدد 66 الصادر في 23 من أغسطس سنة 1962 من الوقائع المصرية تبين أن إعلان البيع بالمزاد المنوه عنه سيكون في مخزن منه فيه وهذا المخزن خارج أبواب الجمارك بجوار باب 14، وعليه فلم يكن هناك داع لدخول المتهم من باب 7 و8 للجمارك مما يدل على عدم صحة أقواله، واقترح عدم الإذن مع مصادرة المضبوطات.
ومن حيث إنه يؤخذ مما تقدم أن قرار مدير إدارة النقد بمصادرة المضبوطات إدارياً بني على ثبوت نية التهريب لدى المطعون ضده، وأنه استخلص هذه النية من دخوله إلى الدائرة الجمركية دون تصريح وبغير موجب إذ كان مقرراً إجراء المزاد خارجها، ومن محاولته الخروج من الدائرة الجمركية ومعه المبلغ المضبوط دون أن يقدم نفسه إلى حرس الجمارك، ولأنه من غير المقبول أن يتذرع بجهلة بالقانون، سواء فيما يتعلق بالحصول على تصريح بالدخول أو يتعلق بالإقرار بالمبلغ الذي كان يحمله، وهو من تجار بيع المخلفات ومن المترددين على الجمارك من وقت لآخر.
ومن حيث إن هذه القرائن لا تنتهي لثبوت نية التهريب لدى المطعون ضده، فالثابت أنه دخل إلى الدائرة الجمركية دون أن يعترض أحد سبيله مما كان يستتبع بطبيعة الحال أن يخرج دون أن يقدم نفسه للحارس وهو يعد من المعروفين لرجال الجمارك بحكم تردده الدائم عليهم، وخروجه من الدائرة الجمركية معتلياً دراجته ظاهراً أمره للعيان لا يدل على أنه مريب، فليس ذلك شأن من يريد أن يخفي أو يجانب ما يدل عليه، لكنه شأن الواثق المطمئن إلى شيء من التسامح من جانب القائمين بالحراسة لاعتياده التردد على هذا المكان، كذلك فإن خروجه من الدائرة الجمركية راكباً غير راجل ينم في حد ذاته على قدر كبير من التسامح، وما كان لمثله أن يجرؤ على الخروج على هذا النحو إلا وثوقاً منه بتسامح الواقفين عند الباب وأن تنكب به الحظ العاثر في هذا المرة التي ضبط فيها ربما لأن الحارس لم يكن يعرفه أو لسبب آخر لم تكشف عنه الاستدلالات.
ومن حيث إن وجود المتهم بالجمارك يوم ضبطه ومعه المبلغ المضبوط يبرره ما ثبت من كونه من تجار مخلفات الجمارك ومن تقدمه في هذا اليوم لمزاد بيع المخلفات الذي سبق أن أعلنت عنه الجمارك، ولا عليه أن غم الأمر فلم يتثبت من مكان إجراء المزاد فظن أنه سيجرى بمخزن المهمل داخل الدائرة الجمركية في حين كان من المقرر إجراؤه بمخزن منه فيه خارج هذه الدائرة لما بين المخزنين من ارتباط مرجعه أن الأشياء المطروحة في المزاد تنتقل إلى المخزن الثاني من المخزن الأول قبيل إجراء المزاد مما قد يدعو إلى الخلط بينهما.
ومن حيث إنه مما يزيد الدليل وهنا على وهن أن المبلغ الذي ضبط من المطعون ضده لم يكن مخبأ ولا مستوراً على نحو يستشف منه الإخفاء بقصد التهريب، فقد كان جله أوراقاً نقدية من فئة الخمسة جنيهات، وكان مودعاً كله على ضخامة حجمه في جيب بنطلونه بطريقة لا يمكن معها أن يخفي أمره للوهلة الأولى على مثل رجال حرس الجمارك.
ومن حيث إنه إذا أضيف إلى ما تقدم أنه لم يقم دليل على أن المطعون ضده اتصل بأحد المسافرين، ولم تدل تحريات مسبقة على شيء من ذلك أو على كونه من المشتغلين بالتهريب دل ذلك في مجموعة على عدم إمكان نسبة التهريب إليه وعلى أن الأمر لا يبدو أن يكون واقعة دخول إلى الدائرة الجمركية بغير تصريح، وليس فيما تذرع به المطعون ضده من جهلة بالأحكام المتعلقة بوجوب الحصول على تصريح بالدخول إلى الدائرة الجمركية أو الإقرار بما يحمله من نقود مع كونه من تجار مخلفات الجمارك المترددين عليها ما يزيد نسبة التهريب إليه، إذ لا يعدو كل ذلك أن يكون سوء دفاع عن نفسه أو محاولة منه لدفع أية تهمة أخرى يمكن توجيهها إليه.
ومن حيث إنه لما تقدم، فإن القرار الإداري الصادر من السيد مدير عام إدارة النقد في 4 من نوفمبر سنة 1962 بمصادرة النقود التي ضبطت مع المطعون ضده يكون مفتقداً ركن السبب المبرر له حقيقاً بالإلغاء ويكون الحكم المطعون فيه قد أصاب وجه الحق فيما انتهى إليه مما يتعين معه رفض الطعن.
"فلهذه الأسباب"
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وألزمت الحكومة بالمصروفات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق