الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 18 يوليو 2023

الطعن 622 لسنة 12 ق جلسة 23 / 11 / 1968 إدارية عليا مكتب فني 14 ج 1 ق 9 ص 69

جلسة 23 من نوفمبر سنة 1968

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة الدكتور أحمد موسى ومحمد طاهر عبد الحميد ويوسف إبراهيم الشناوي، ومحمد صلاح الدين السعيد المستشارين.

-----------------

(9)

القضية رقم 622 لسنة 12 القضائية

موظف - "تقدير كفايته" "قرار إداري - سببه" "عبء الإثبات".
إذا اتضح من الأوراق وجود اعتبارات تزحزح قرينة الصحة المفترضة في قيام القرار الصادر بنقله سكرتير ثان بوزارة الخارجية إلى وظيفة بالدرجة الرابعة الإدارية بوزارة الخزانة - انتقال عبء الإثبات على جانب الحكومة.

-----------------------
إنه وقد انكشف للمحكمة أن كفاية المدعي وفقاً لصحيفته قد أهلاه خلال عمله في وزارة الخارجية للترشيح لعضوية العديد من المؤتمرات الدولية السياسية والاقتصادية والعلمية ولم تتوقف الاستعانة به في مثل هذه المؤتمرات بعد نقله إلى وزارة الخزانة ولم يقتصر الأمر على ذلك بل تقرر ندبه للعمل بمكتب السيد رئيس الجمهورية للشئون العلمية بالإضافة إلى عمله وهو ما لا يتم دون تحريات واسعة ودقيقة عن ماضي الموظف وحاضره والتأكد بصورة قاطعة من أنه ليس ثمة ما يثلم صلاحيته لهذه الأعمال التي تتطلب قدراً ملحوظاً من الكفاية والثقة الكاملة في شخص من يقوم بها نظراً لصلتها الوثيقة بأمور لها حساسيتها وخطرها وهي في هذا لا تقل شأناً عما يتطلبه العمل في وزارة الخارجية من اعتبارات خاصة. وبالإضافة إلى ذلك فقد أشار المدعي إلى أنه قد ترامى إليه أن انتدابه للسفر من نيويورك إلى جنيف في الفترة من 18 - 21 من ديسمبر سنة 1961 لحضور اجتماعات اللجنة العلمية إنما جاء تحت ضغط وإصرار من جانب وزارة البحث العلمي مما لم يلق ترحيباً من جانب وزارة الخارجية وأثار حفيظتها فجعلها تقدم على التخلص منه وحررت مذكرتها في هذا الشأن في 22 من مارس سنة 1962 وصدر بناء عليها القرار المطعون فيه دون بيان الأسباب. فإن من شأن هذه الاعتبارات أن تزحزح قرينة الصحة المفترضة في قيام القرار المطعون فيه على أسبابه وتنقل عبء الإثبات على جانب الحكومة.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات والمداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل حسبما يبين من أوراقها في أن المدعي ( المطعون ضده) أقام الدعوى رقم 492 لسنة 17 القضائية بعريضة أودعها قلم كتاب محكمة القضاء الإداري في 12 من يناير سنة 1963 طالباً فيها الحكم بإلغاء قرار رئيس الجمهورية رقم 1769 الصادر بتاريخ 29 من مايو سنة 1962 بنقله من وظيفة سكرتير ثان بالبعثة الدائمة للجمهورية العربية المتحدة لدى الأمم المتحدة إلى وظيفة من الدرجة الرابعة الإدارية بوزارة الخزانة واعتبار هذا القرار كأن لم يكن مع إلزام الحكومة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وقال المدعي بياناً لدعواه إنه عين بإدارة الأبحاث بوزارة الخارجية ونقل في 6 من أغسطس سنة 1959 إلى البعثة الدائمة للجمهورية العربية المتحدة لدى الأمم المتحدة بنيويورك وبعد ثلاث سنوات من الخدمة بنيويورك تقدم إلى الوزارة يطلب منحه إجازة يقضيها في القاهرة وقد وافقت الوزارة بكتابها رقم 187 بتاريخ 7 من يونيه سنة 1962 على قيامه بالإجازة المطلوبة في أول يوليو سنة 1962. وفي 11 من يونيه سنة 1962 تسلمت البعثة برقية من الوزارة متضمنة نقله إلى القاهرة مما أثار الدهشة الأمر الذي اتصل بسببه السد/ محمود رياض المندوب الدائم لوفد مصر لدى الأمم المتحدة بالسيد وكيل الوزارة تليفونياً للاستفسار وإعطائه مهلة أطول للتنفيذ وقد وافقت الوزارة ببرقيتها رقم 116 بتاريخ 19 من يوليه سنة 1962 على منحه مهلة حتى أول سبتمبر سنة 1962. وما أن وصل إلى القاهرة حتى فوجئ بإدارة التفتيش تسلمه، كتاباً مؤرخاً في 4 من سبتمبر سنة 1962 متضمناً نقله إلى وزارة الخزانة بالتطبيق للقرار الجمهوري رقم 1769 لسنة 1962 فتظلم من هذا القرار في 13 من سبتمبر سنة 1962 ولما لم يتلق أي رد أقام دعواه ونعى على القرار المطعون فيه مخالفته القانون للأسباب الآتية:
أولاً: إن نقله من وزارة الخارجية وكان يشغل وظيفة سكرتير ثان إلى وزارة الخزانة لم يكن الباعث عليه تحقيق مصلحة عامة وإنما كان وليد رغبة الوزارة في حرمانه دون مبرر مشروع من التمتع بمزايا وظيفته في السلك السياسي. فقد كان علمه وخبرته وكفايته محل تقدير وإعجاب جميع رؤسائه وزملائه الأمر الذي كلف بسببه بتمثيل الجمهورية العربية المتحدة في عدد كبير من مؤتمرات ولجان دولية على جانب كبير من الأهمية والحيوية، وموقع اختيار السيد/ صلاح الدين هدايت وزير البحث العلمي عليه لمعاونته في اجتماعات اللجنة الاستشارية العلمية لمؤتمر العلوم والتكنولوجيا لصالح الدول النامية في دورتيها اللتين عقدتا في نيويورك وجنيف، وقد شكره سيادته كتابة على تعاونه الطيب وتعقيباته التي يرسلها إلى الوزارة مما ساعد على تنظيم صلة الوزارة بالتطورات العلمية في مجال الأمم المتحدة. كما كلفته وزارة الخارجية بمتابعة الموضوعات العلمية بالأمم المتحدة بجانب عمله. واستشهد على حسن كفايته وصلاحيته لتمثيل بلاده في الخارج بما تضمنته التقارير السرية عنه وأشار إلى أن العبارة التي دونت في تقريري سنة 1960، 1961 منسوبة إلى مجلس شئون السلكين الدبلوماسي والقنصلي بأنه "رؤى أنه يصلح للخدمة في وزارة أخرى لاعتبارات خاصة" كتبت في كل من التقريرين بخط واحد وصيغة واحدة وبلا تاريخ مما يثير التساؤل خاصة وأن السيد السفير عمر لطفي الذي ظل يعمل تحت رئاسته زهاء ثلاث سنوات أثبت في تقرير سنة 1961 أنه يصلح لتمثيل الجمهورية العربية المتحدة في الخارج خاصة فيما يتعلق بالمسائل الاقتصادية وأن أحداً من أعضاء مجلس شئون السلكين قد عمل معه أو رآه على الإطلاق.
وأضاف المدعي إنه أشيع أن الباعث على صدور هذا القرار صلة قرابة وثيقة تربطه بأحد رجال العهد السابق وأن السيدة زوجته طبق عليها قانون الإصلاح الزراعي إلا أن كلا السببين لا ينالان منه خاصة وأن كثيرين من رجال السلك السياسي والقنصلي لهم صلة أكثر برجال العهد السابق وطبق عليهم وعلى زوجاتهم قانون الإصلاح الزراعي. كما ترددت شائعات بأن اختياره لمعاونة السيد وزير البحث العلمي جاءت تحت ضغط وإصرار هذه الوزارة مما لم يلق ترحيباً من جانب وزارة الخارجية وأثار حفيظتها فجعلها تقدم على التخلص منه ويستشف ذلك من أن نقله كان في أعقاب هذه المهمة. وأشار المدعي إلى أن هذه الأسباب لا تبرر نقله.
ثانياً: إن قرار النقل ينطوي على جزاء تأديبي مقنع لا يجوز توقيعه دون تحقيق وإلا كان مخالفاً للقانون.
ثالثاً: إن هذا النقل لا يعدو نقلاً مكانياً لأنه أفقده مزايا مادية وأدبية كان يفيد منها فيما لو بقي في وظيفته بوزارة الخارجية ومن ثم فقد حادت الوزارة عن أحكام القانون رقم 166 لسنة 1954 الخاص بنظام السلكين الدبلوماسي والقنصلي إذ نقلته إلى وظيفة أخرى لا تماثل وظيفته بها.
وقد دفعت إدارة قضايا الحكومة أصلياً بعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعوى تأسيساً على أن نقل المدعي مجرد نقل مكاني لا يختص القضاء الإداري بالفصل في المنازعات التي تثور بشأنه كما طلبت احتياطياً رفض الدعوى موضوعاً استناداً إلى أن نقل المدعي كان أساسه الصالح العام وفقاً لسلطة جهة الإدارة التقديرية ولم يثبت المدعي أن القرار شابه الانحراف.
وبجلسة 12 من يناير سنة 1966 قضت محكمة القضاء الإداري برفض الدفع بعدم اختصاصها بنظر الدعوى وباختصاصها وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه وألزمت الجهة الإدارية المصروفات وأقامت المحكمة قضاءها بالنسبة إلى الدفع بعدم الاختصاص على أن الوظيفة التي نقل إليها المدعي تغاير تلك التي نقل منها من ناحية شرائط التبعية والاختصاصات كما أن الكادر الذي نقل منه كادر خاص بموظفي السلكين الدبلوماسي والقنصلي بينما الكادر الذي نقل إليه هو كادر الموظفين العام ويختلف كلاهما عن الآخر وبهذه المثابة يعتبر نقل المدعي بمثابة تعيين في الوظيفة المنقول إليها مما يدخل في اختصاص المحكمة بالتطبيق للمادة 8 من القانون رقم 55 لسنة 1959 في شأن تنظيم مجلس الدولة ويكون بذلك الدفع بعدم الاختصاص غير قائم على أساس سليم. أما بالنسبة إلى موضوع الدعوى فقد أقامت المحكمة قضاءها على أن القانون 166 لسنة 1954، والقوانين المعدلة له ناط بلجنة شئون أعضاء السلكين الدبلوماسي والقنصلي ولاية النظر في تعيين وترقية ونقل أعضاء السلكين لغاية وظيفة مستشار من الدرجة الأولى، ولما كان المدعي قبل نقله إلى وزارة الخزانة يشغل وظيفة سكرتير ثان فكان يتعين عرض أمره على اللجنة المذكورة لإبداء اقتراحاتها في شأن نقله وإذ أغفلت جهة الإدارة هذا الإجراء الذي ينطوي على ضمانة جوهرية فإن قرار النقل والحالة هذه يكون مخالفاً للقانون ويتعين الحكم بإلغائه.
ومن حيث إن أسباب الطعن في هذا الحكم تقوم على مقتضى تكييف المحكمة للقرار المطعون فيه بأنه نقل بمثابة تعيين، إن القرار بفصل المطعون ضده بغير الطريق التأديبي وهو ما لا يختص القضاء الإداري بنظره باعتباره من أعمال السيادة طبقاً للمادة 12 من القانون رقم 55 لسنة 1959 سالف الذكر، كما وأنه بهذه المثابة لا يخضع في شكله لما أوجبه القانون رقم 166 لسنة 1954 من العرض على لجنة شئون العاملين باعتباره من أعمال السيادة ويقوم الطعن أيضاً على أنه طالما أنه ليس هناك ما يمنع قانوناً من نقل موظف السلك الدبلوماسي إلى وظيفة أخرى معادلة بالكادر العام ولم يشب القرار عيب الانحراف فإن القرار المطعون فيه يكون سليماً قانوناً ولا مطعن عليه ويكون الحكم بذلك قد خالف القانون جديراً بالإلغاء مع الحكم بعدم اختصاص القضاء الإداري بنظر الدعوى.
ومن حيث إن هيئة مفوضي الدولة قدمت تقريراً في الطعن انتهت فيه إلى أن الحكم المطعون فيه قد أصاب الحق في قضائه للأسباب التي بني عليها، وارتأت قبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً.
ومن حيث إن المطعون ضده قدم مذكرتين بدفاعه وحافظه مستندات أضاف فيهما أنه كان دائماً محل ثقة وتقدير من الدولة ولم تكف الدولة عن تكليفه بتمثيلها في مختلف المؤتمرات والمحافل الدولية في الخارج قبل نقله وبعده حسبما يبين من القرارات التي تقدم بها والتي أصدرها السيد رئيس الوزراء في هذا الشأن كما أنه فضلاً عن ذلك فقد وقع عليه الاختيار للعمل بمكتب السيد رئيس الجمهورية للشئون العلمية الأمر الذي يقطع بأنه لا صحة لما قيل من أن النقل إنما ترتب لمصلحة الدولة العليا على ما يشير الدفاع. وقدمت إدارة قضايا الحكومة مذكرة فصلت فيها وجه طعنها ولم تدل بأسباب القرار المطعون التي طالبتها بها هذه المحكمة واكتفت بتقديم كتاب السيد مدير الإدارة القضائية بوزارة الخارجية المؤرخ في 13 من ديسمبر سنة 1965 بأن أسباب النقل اقتضتها مصلحة الدولة العليا.
ومن حيث إنه عن الدفع بعدم اختصاص القضاء الإداري بنظر الدعوى تأسيساً على أن القرار المطعون فيه انطوى على نقل المدعي نقلاً مكانياً من وزارة الخارجية إلى وزارة الخزانة، وأنه مردود للأسباب التي استند إليها الحكم المطعون فيه والتي يؤكدها أن القرار صدر بالتطبيق للقانون رقم 166 لسنة 1954 بإصدار قانون نظام السلكين الدبلوماسي والقنصلي الذي يجيز في الفقرة "ب" من المادة السابعة منه المعدلة بالقانونين رقمي 548 لسنة 1954، 283 لسنة 1956 تعيين أعضاء السلكين الدبلوماسي والقنصلي رأساً في وظائف الكادرين الفني العالي والإداري وبعض الوظائف الأخرى حسبما يقتضيه صالح العمل بناء على اقتراح وزير الخارجية وموافقة رئيس الجمهورية، وقد التزم القرار الجمهوري المطعون فيه حكم هذه المادة فنص على تعيين المدعي في وظيفة من الدرجة الرابعة الإدارية بوزارة الخزانة وهو لذلك بمثابة قرار صادر بالتعيين في إحدى الوظائف العامة وليس مجرد قرار نقل مكاني ويختص القضاء الإداري بالنظر في طلب إلغائه بالتطبيق لنص الفقرة الثالثة من المادة الثامنة من قانون مجلس الدولة مما يتعين معه رفض هذا الدفع.
ومن حيث إن الدفع الآخر الذي تثيره إدارة قضايا الحكومة بعدم اختصاص القضاء الإداري بنظر الدعوى استناداً إلى أن القرار الجمهوري المطعون فيه تضمن فصل المدعي من العمل بوزارة الخارجية ومن ثم يعتبر من أعمال السيادة بالتطبيق لنص المادة 12 من قانون مجلس الدولة فإنه لا يقوم على سند سليم من القانون، ذلك أن القرارات الجمهورية الصادرة بإحالة الموظفين العموميين إلى المعاش أو الاستيداع أو فصلهم من غير الطريق التأديبي والتي تعتبر من قبيل أعمال السيادة وفقاً لحكم المادة المذكورة معدلة بالقانون رقم 31 لسنة 1963 هي تلك التي تنطوي على تنحية الموظف عن مجال الخدمة العامة وإسقاط ولاية الوظيفة عنه دون تلك التي تنطوي على مجرد تعيين أحد الموظفين العاملين في إحدى الوزارات نقلاً من وزارة أخرى كما هو الحال في المنازعة المماثلة، ومن ثم فإنه لا يلحق القرار المطعون فيه حصانة تحظر على القضاء النظر في مشروعيته ويكون الدفع والحالة هذه منهار الأساس متعين الرفض.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة جرى على أن المادة 12 من القانون رقم 166 لسنة 1954 آنف الذكر وإن كانت قد أنشأت مجلساً دائماً ناطت به النظر في تعيين وترقية ونقل أعضاء السلكين الدبلوماسي والقنصلي عدا من كان منهم في درجة سفير أو وزير مفوض، إلا أن هذا الاختصاص مقصور الأثر على المسائل التي تدخل أصلاً في اختصاص وزير الخارجية ويملك أن يصدر قراراً نهائياً في شأنها، وتنحصر في التعيين في وظائف السلكين المذكورين وفي الترقية إلى هذه الوظائف وفي التنقلات الداخلية، أما عدا ذلك من المسائل التي تخرج عن اختصاص الوزير وتدخل في اختصاص سلطة أعلى كمجلس الوزراء (رئيس الجمهورية حالياً) ومنها تلك التي تتعلق بتعيين موظفي السلكين المذكورين في الوظائف العامة المنصوص عليها في الفقرة "ب" من المادة السابقة المشار إليها فإنها تخرج عن اختصاص المجلس الدائم لأعضاء السلكين ومن ثم لا يجوز عرضها عليه، وأية ذلك أن المادة 12 المذكورة نصت على أن يرفع المجلس قراراته إلى وزير الخارجية لاعتمادها فإذا لم يعترض عليها خلال شهر من تاريخ رفعها إليه اعتبرت هذه القرارات معتمدة ونافذة، أما إذا اعترض عليها فيعاد عرضها على المجلس ليعيد النظر في قراره ثم يصدر الوزير بعد ذلك القرار النهائي، وهذا التنظيم يفترض بطبيعته أن يكون الوزير هو المختص بإصدار القرار النهائي في المسألة التي يبدي المجلس المذكور اقتراحه بشأنها وليس الأمر كذلك بالنسبة لتعيين أحد موظفي السكلين في الوظائف المشار إليها إذ المختص بإصدار قرار التعيين في هذه الحالة هو رئيس الجمهورية وليس وزير الخارجية.
ومن حيث إن قرار رئيس الجمهورية رقم 1769 لسنة 1962 وقد صدر بتعيين المطعون ضده السكرتير الثاني بوزارة الخارجية في وظيفة من الدرجة الرابعة الإدارية بوزارة الخزانة بالتطبيق لنص الفقرة "ب" من المادة السابعة من القانون رقم 166 لسنة 1954، فإنه لا يكون هناك ثمة ما يوجب عرضه على مجلس شئون السلكين الدبلوماسي والقنصلي ويكون الحكم المطعون فيه إذ قضى بإلغاء القرار المطعون فيه تأسيساً على عدم عرضه على هذا المجلس قد خالف حكم القانون.
ومن حيث إنه يبين من استقراء أحكام القانون رقم 548 لسنة 1954 بتعديل بعض أحكام قانون السلكين الدبلوماسي والقنصلي الصادر بالقانون رقم 166 لسنة 1954 ومذكرته الإيضاحية أنه استهدف في المقام الأول الارتفاع بمستوى من يمثلون البلاد والنهوض بكفاياتهم لمواجهة متطلبات العمل المنتج المنظم بما يحقق خير الوطن، وعمد القانون في سبيل ذلك إلى النص في المادة السابعة منه على إجازة تعيين أعضاء السلكين الدبلوماسي والقنصلي رأساً في الوظائف المقابلة لوظائفهم بالكادرين الفني العالي والإداري وبعض الوظائف الأخرى حسبما يقتضيه صالح العمل وبناء على اقتراح وزير الخارجية وموافقة رئيس الجمهورية. وغاية هذا النص إبعاد أعضاء السلكين الذين يتنافى بقاؤهم في وظيفة السلك الدبلوماسي مع مقتضيات صالح العمل، لقيام سبب من أسباب عدم الصلاحية بهم لا يؤهلهم للقيام بأعبائها ويجعلهم غير جديرين بشرف تمثيل بلادهم وذلك بتعيينهم في وظائف أخرى.
ومن حيث إن جهة الإدارة وإن كانت غير ملزمة بتسبيب قراراتها إلا حيث يقضي القانون بذلك، إلا أن القرار الإداري سواء أوجب القانون تسبيبه كإجراء شكلي أو لم يوجبه يجب أن يقوم في الواقع والقانون على سبب يبرره وإلا كان باطلاً لافتقاره إلى أحد أركانه وهو ركن السبب، فإذا لم تفصح الإدارة عن أسباب قرارها حين لا يلزمها القانون بذلك الإجراء الشكلي - كان القرار محمولاً على الصحة وافتراض قيامه على سبب لوجوده ومبرر لإصداره ما لم يقم الدليل على نقيض ذلك.
ومن حيث إن الثابت من تقصي حياة المدعي الوظيفية على هدى الثابت من ملف خدمته وأوراق الدعوى أنه حصل على إجازة الليسانس في القوانين سنة 1950 ودرجة الدكتوراة من جامعة ريدنج سنة 1956 والتحق بخدمة الحكومة في سنة 1951. وفي 3 من سبتمبر سنة 1958 صدر قرار جمهوري بتعيينه سكرتيراً ثالثاً بوزارة الخارجية ألحق بالبعثة الدائمة لدى الأمم المتحدة بنيويورك وظل كذلك إلى أن أخطر في 4 من سبتمبر سنة 1962 بنقله إلى وزارة الخزانة تنفيذاً للقرار الجمهوري رقم 1769 لسنة 1962 المطعون فيه الصادر في 29 من مايو سنة 1962 بتعيينه في هذه الوزارة بناء على مذكرة مقدمة من السيد نائب وزير الخارجية في 22 من مارس سنة 1962 لم تفصح عن أسباب اتخاذ هذا القرار المفاجئ وكان المدعي خلال هذه الفترة على قصرها موضع رضاء رؤساء البعثة الدائمة لدى الأمم المتحدة وتقديرهم له فقد أثبتوا في التقارير السنوية الخاصة به في السنوات 1959، 1960، 1961 ما يفيد صلاحيته الإدارية والفنية والاجتماعية لتمثيل بلاده في الخارج ونوهوا بكفايته وإيمانه ببلاده وحسن مظهره، وقد كان ذلك سبباً ولا شك في اختياره عضواً بوفد الجمهورية العربية المتحدة لحضور الدورات الرابعة عشر والخامسة عشر والسادسة عشر للجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك في السنوات 1959، 1960، 1961 واختياره عضواً في وفد الجمهورية العربية المتحدة لحضور اجتماعات اللجنة الاقتصادية لأفريقيا التابعة للأمم المتحدة في سنة 1961 والاجتماعات الأخرى التي تسبقها وقد صدر بترشيح المدعي لعضوية هذه المؤتمرات والاجتماعات قرارات جمهورية كما ندبه السيد نائب وزير الخارجية في 24 من ديسمبر سنة 1961 لحضور اللجنة الاستشارية العلمية لدى المقر الأوربي للأمم المتحدة في جنيف، وأشاد السيد وزير البحث العلمي بكتابيه المؤرخين في 19 من مايو سنة 1962 الموجهين إلى السيد رئيس وفد الجمهورية لدى الأمم المتحدة بنيويورك وإلى المدعي بالتعاون الطيب بين الوفد ووزارة البحث العلمي وخص المدعي بالثناء المستطاب والتقدير البالغ وقد تسلم المدعي عمله في وزارة الخزانة اعتباراً من 5 من سبتمبر سنة 1962 تنفيذاً للقرار المطعون فيه ولكنه منذ أن باشر عمله بهذه الوزارة ثم بوزارة التخطيط فيما بعد وهو يحظى من رؤسائه بتقدير كفايته بمرتبة الامتياز مع التنويه بعمله وخلقه وكفايته وكان ذلك دافعاً إلى الاستعانة به في العديد من المؤتمرات الدولية ذات الطابع الاقتصادي التي كان يمارس نشاطه فيها خلال عهده بالعمل بوزارة الخارجية حتى أصدر السيد رئيس المجلس التنفيذي القرار رقم 402 لسنة 1964 باختياره عضواً في وفد الجمهورية العربية المتحدة لحضور اجتماع اللجنة الاقتصادية الإفريقية التابعة للأمم المتحدة في دورتها السادسة بأديس أبابا وتوالت بعد ذلك قرارات السادة رؤساء الوزارات باختياره عضواً في مؤتمرات دولية بعضها يتبع الأمم المتحدة والبعض الآخر يتبع جامعة الدول العربية وما إلى ذلك وقدم المدعى عليه عشرة قرارات من هذا القبيل كان آخرها في 5 من فبراير سنة 1967 وأخيراً وفي 2 من نوفمبر سنة 1967 تقرر ندبه للعمل بمكتب السيد رئيس الجمهورية للشئون العلمية في غير أوقات العمل الرسمية.
ومن حيث إنه قد انكشف للمحكمة أن كفاية المدعي ونقاء صحيفته قد أهلاه خلال عمله في وزارة الخارجية للترشيح لعضوية العديد من المؤتمرات الدولية السياسية والاقتصادية والعلمية ولم تتوقف الاستعانة به في مثل هذه المؤتمرات بعد نقله إلى وزارة الخزانة ولم يقتصر الأمر على ذلك بل تقرر ندبه للعمل بمكتب السيد رئيس الجمهورية للشئون العلمية بالإضافة إلى عمله وهو ما لا يتم دون تحريات واسعة ودقيقة عن ماضي الموظف وحاضره والتأكد بصورة قاطعة من أنه ليس ثمة ما يثلم صلاحيته لهذه الأعمال التي تتطلب قدراً ملحوظاً من الكفاية والثقة الكاملة في شخص من يقوم بها نظراً لصلتها الوثيقة بأمور لها حساسيتها وخطرها وهي في هذا لا تقل شأناً عما يتطلبه العمل في وزارة الخارجية من اعتبارات خاصة. وبالإضافة إلى ذلك فقد أشار المدعي إلى أنه قد ترامى إليه أن انتدابه للسفر من نيويورك إلى جنيف في الفترة من 18 - 21 من ديسمبر سنة 1961 لحضور اجتماعات اللجنة العلمية وإنما جاء تحت ضغط وإصرار من جانب وزارة البحث العلمية مما لم يلق ترحيباً من جانب وزارة الخارجية وآثار حفيظها فجعلها تقدم على التخلص منه وحررت مذكرتها في هذا الشأن في 22 من مارس سنة 1962 وصدر بناء عليها القرار المطعون فيه دون بيان الأسباب. فإن من شأن هذه الاعتبارات أن تزحزح قرينة الصحة المفترضة في قيام القرار المطعون فيه على أسبابه وتنقل عبء الإثبات على جانب الحكومة فقد طلبت المحكمة من الدفاع عن الحكومة الإفصاح عن الأسباب المبررة لقرارها وأفسحت المجال أمامها وأجلت الدعوى أكثر من مرة لكن الوزارة لم تستجيب لطلبها واكتفت بتقديم كتاب قديم العهد مؤرخ في 13 من ديسمبر سنة 1965 من مدير الإدارة القضائية بوزارة الخارجية بأن الأسباب اقتضتها مصلحة الدولة العليا. ولا يستقيم التحدي بهذه العبارة المرسلة على أنها سبب القرار لأنها تدل على مجرد الغاية التي استهدفها القرار دون سببه وكلاهما ركنان يتعين توافرهما في القرار الإداري لقيامه قانوناً، ومع ذلك فإن من شأن تصرف الإدارة حيال المدعي بعد تاريخ اقتراح نقله في 22 من مارس سنة 1962 وبعد تاريخ صدور القرار المطعون فيه في 29 من مايو سنة 1962 واستيفائه في ذات الأعمال التي كان يباشرها إلى 4 من سبتمبر سنة 1962 ثم الاستعانة به بعد ذلك على نطاق واسع في أعمال مماثلة وانتدابه للعمل بمكتب السيد رئيس الجمهورية للشئون العلمية، من شأن هذه التصرفات انتفاء القول بأن مصلحة الدولة العليا اقتضت إبعاده عن عمله بوزارة الخارجية ولهذه الأسباب أيضاً لا يجدى التحدي بأن لجنة شئون السلكين ارتأت صلاحية المدعي لوظيفة أخرى وأثبتت ذلك في تقريره عن سنتي 1960، 1961 خاصة وأن ما أثبتته في إبعاده عن الوزارة كافية للرد على الظنون التي ذهب إليها المدعي لما قد يكون سبباً للقرار وهي أنه وثيق الصلة بأحد رجال العهد السابق وأن زوجته طبق في شأنها قانون الإصلاح الزراعي، بل وتقطع في أن صلته بأسرته وزوجته لم ينعكس لها أثر يمس واجباته الوظيفية وما يجب أن يتحلي به الفرد تجاه وطنه في عهده الجديد ولم تزعزع الثقة فيه وفي إخلاصه ومن ثم فإن مقتضيات صالح العمل لم تكن تسوغ إبعاده عن وظيفته بوزارة الخارجية لعدم قيام سببها المبرر.
ومن حيث إن القرار المطعون فيه قد قام على غير سبب يبرره فإنه يكون حقيقاً بالإلغاء، وغني عن البيان أن إلغاء القرار المذكور حسبما انتهى إليه حكم المحكمة يفرض على الحكومة أن تحقق لصالح المدعي كافة الآثار القانونية التي تترتب على هذا الإلغاء وإذ قضى الحكم المطعون فيه بإلغائه فإنه يكون قد أصاب الحق في قضائه في النتيجة التي انتهى إليها، ومن ثم يتعين رفض الطعن مع إلزام الطاعنة بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وألزمت الحكومة بالمصروفات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق