جلسة 17 من فبراير سنة 1966
برياسة السيد المستشار/ محمود توفيق إسماعيل نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: حافظ محمد بدوي، وإبراهيم الجافي، وعباس حلمي عبد الجواد، وإبراهيم حسن علام.
----------------
(47)
الطعن رقم 352 لسنة 31 القضائية
تعويض. "الضرر المادي". "الموت الفوري". إرث. مسئولية "مسئولية تقصيرية".
وفاة المجني عليه عقب الإصابة مباشرة. لورثته حق مطالبة المسئول بجبر الضرر المادي الذي سببه لمورثهم لا من الجروح التي أحدثها فحسب بل من الموت الذي أدت إليه هذه الجروح.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة، وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون ضدهم أقاموا على الطاعنة "وزارة الداخلية" الدعوى رقم 2241 لسنة 1958 كلي القاهرة وطلبوا فيها الحكم بإلزامها بأن تدفع لهم مبلغ عشرة آلاف من الجنيهات على سبيل التعويض - وقالوا بياناً لدعواهم أنه بينما كان مورثهم المرحوم الملازم أول "إبراهيم الخولي" يؤدي عمله بمعسكرات فرق الأمن بمدينة الإسكندرية في يوم 15 من يونيه سنة 1957 إذا بالشرطي أحمد عبد الغني أبو الليل، يقتحم عليه حجرة مكتبه وهو يحمل بندقية حكومية وأطلق عليه منها مقذوفاً نارياً فأرداه قتيلاً، وقد قيدت الواقعة جناية برقم 2390 سنة 1957 عطارين ضد الشرطي المذكور وقدم للمحاكمة أمام مجلس عسكري بتهمة القتل العمد مع سبق الإصرار فقضي بإدانته ومعاقبته بالإعدام شنقاً ونفذ هذا الحكم فعلاً بتاريخ 21 من سبتمبر سنة 1957 واسترسلوا قائلين إن مورثهم قد أصابه من هذا الحادث ضرر مادي يتمثل في موته وفقدانه حياته كما أصابهم هم كذلك ضرر مادي إذ كان هو العائل الوحيد لوالدته (المطعون ضدها الأولى) هذا علاوة على الضرر الأدبي الذي لحق بهم جميعاً من جراء هذا الحادث - وقد قدروا التعويض المادي بشقيه بمبلغ 6000 ج أما باقي المبلغ المطالب به وقدره 4000 ج فهو يمثل التعويض الأدبي - وبتاريخ 19 من أكتوبر سنة 1960 قضت محكمة القاهرة الابتدائية بإلزام الوزارة الطاعنة بأن تدفع للمطعون ضدهم مبلغ 3400 ج والمصروفات والأتعاب من ذلك مبلغ 2100 ج تعويضاً لهم عن الضرر المادي الذي أصاب مورثهم بسبب موته وحرمانه من الحياة - يتقاسموه حسب الفريضة الشرعية - ومبلغ 500 ج للأم تعويضاً لها عن الضرر المادي الذي لحقها شخصياً من وفاة مورثها - والباقي تعويضاً عن الضرر الأدبي الذي لحق بالورثة شخصياً للأم منه 500 ج ولكل من الأخوة الثلاثة 100 ج استأنفت الوزارة الطاعنة هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة وقيد استئنافها برقم 1648 سنة 77 ق طالبة إلغاء الحكم المستأنف والقضاء برفض الدعوى وتمسكت بدفاعها الذي كانت قد أبدته أمام محكمة الدرجة الأولى والذي يتحصل في أنها غير مسئولة عن خطأ تابعها وأن المطعون ضدهم - عدا الأم - لا يستحقون تعويضاً لأن المجني عليه لم يكن يعولهم وأضافت الطاعنة إلى هذا الدفاع أن الحكم المستأنف لم يخصم من جملة التعويض الذي قضى به للأم - المكافأة الاستثنائية التي صرفت لها بمقتضى قرار جمهوري خاص وقدرها 750 ج مع أنه لا يجوز الجمع بين مبلغي المكافأة والتعويض - وكذلك رفع المطعون ضدهم استئنافاً مقابلاً قيد برقم 555 سنة 78 قضائية القاهرة - وطلبوا فيه تعديل الحكم المستأنف وزيادة التعويض المقضي لهم به إلى ما كانوا قد طلبوه أمام المحكمة الابتدائية وقررت محكمة الاستئناف ضم الاستئنافين إلى بعضهما وقضت فيهما بتاريخ 30 من مايو سنة 1961 بقبولهما شكلاً وفي الموضوع برفضهما وتأييد الحكم المستأنف. طعنت وزارة الداخلية في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة مبدية فيها الرأي بنقض الحكم وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون فقررت بتاريخ 19 من يناير سنة 1965 إحالته إلى هذه الدائرة وبالجلسة المحددة لنظره تمسكت النيابة برأيها السابق.
وحيث إن الطعن بني على سببين تنعى الطاعنة بالسبب الأول منهما على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وفي بيان ذلك تقول إن هذا الحكم قضى بإلزامها بأن تدفع للمطعون ضدهم مبلغ 2100 ج على اعتبار أنه يمثل التعويض عن الضرر المادي الذي أصاب مورثهم بسبب موته وحرمانه من الحياة وذلك استناداً منه إلى ما ورد في الحكم الابتدائي من أسباب تبناها الحكم المطعون فيه وجعلها أسباباً لقضائه. ومؤداها أن مورث المطعون ضدهم قد ترتب له حق في اقتضاء التعويض عن موته وأن هذا الحق قد انتقل إلى ورثته المذكورين من بعده ليتقاسموه فيما بينهم حسب الفريضة الشرعية - وترى الطاعنة أن ذلك غير صحيح في القانون لما هو ثابت في صدر الحكم الابتدائي الذي أيده الحكم المطعون فيه من أن المورث خر صريعاً فور إطلاق النار عليه مما يستحيل معه القول بأنه قد استحق تعويضاً عن موته وأن هذا الحق قد انتقل إلى ورثته من بعده ذلك أنه في اللحظة التي تولد فيها الحق في التعويض عن الوفاة كان المورث قد فارق الحياة وامتنع بذلك أن تكون له ذمة مالية تتلقى هذا الحق وبالتالي فلا يمكن أن يتصور ثبوت حق للمورث في التعويض عن الموت حتى ينتقل إلى ورثته ويصح لهم المطالبة به بوصفه تركة إذ لا يتصور أن يقوم حق لشخص ميت - أما قبل الموت ولو بلحظات فلا يمكن أن يكون هناك حق للمورث - إن جاز القول بوجود حق له في التعويض - إلا عن إصابته وهو ما لم يطلبه المطعون ضدهم - ولما كان الحكم المطعون فيه قد ذهب إلى خلاف ذلك بأن قرر قيام حق للمورث في التعويض عن الوفاة انتقل إلى ورثته فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه.
وحيث إن هذا النعي مردود ذلك أنه إذا تسبب وفاة المجني عليه عن فعل ضار من الغير فإن هذا الفعل لا بد أن يسبق الموت ولو بلحظة مهما قصرت كما يسبق كل سبب نتيجته - وفي هذه اللحظة يكون المجني عليه ما زال أهلاً لكسب الحقوق ومن بينها حقه في التعويض عن الضرر الذي لحقه وحسبما يتطور إليه هذا الضرر ويتفاقم، ومتى ثبت له هذا الحق قبل وفاته فإن ورثته يتلقونه عنه في تركته ويحق لهم بالتالي مطالبة المسئول بجبر الضرر المادي الذي سببه لمورثهم لا من الجروح التي أحدثها به فحسب وإنما أيضاً من الموت الذي أدت إليه هذه الجروح باعتباره من مضاعفاتها. ولئن كان الموت حقاً على كل إنسان إلا أن التعجيل به إذا حصل بفعل فاعل يلحق بالمجني عليه ضرراً مادياً محققاً إذ يترتب عليه فوق الآلام الجسيمة التي تصاحبه حرمان المجني عليه من الحياة - وهي أغلى ما يمتلكه الإنسان باعتبارها مصدر طاقاته وتفكيره - والقضاء على جميع آماله في الفترة التي كان يمكن أن يعيشها لو لم يعجل الجاني بوفاته - والقول بامتناع الحق في التعويض على المجني عليه الذي يموت عقب الإصابة مباشرة وتجويز هذا الحق لمن يبقي حياً مدة بعد الإصابة يؤدي إلى نتيجة يأباها العقل والقانون هي جعل الجاني الذي يقسو في اعتدائه حتى يجهز على ضحيته فوراً في مركز يفضل مركز الجاني الذي يقل عنه قسوة وإجراماً فيصيب المجني عليه بأذى دون الموت وفي ذلك تحريض للجناة على أن يجهزوا عليه حتى يكونوا بمنجاة من مطالبته لهم بالتعويض - وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضي للورثة بالتعويض عن الضرر المادي الذي لحق مورثهم بسبب وفاته فإنه لا يكون مخالفاً للقانون.
وحيث إن الطاعنة تنعى بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه مخالفة الثابت في الأوراق والقصور في التسبيب والخطأ في القانون وفي بيان ذلك تقول إنها تمسكت أمام محكمة أول درجة بأن المطعون ضدها الأولى قد صرفت لها مكافأة استثنائية هي وأرملة الضابط المجني عليه قدرها 1500 ج مناصفة بينهما وأنه لا يجوز الجمع بين مبلغي التعويض والمكافأة الاستثنائية وقد ردا الحكم الابتدائي على ذلك بأن الثابت بصدر مذكرة الطاعنة أن المبلغ المذكور قد صرف للزوجة وحدها بمقتضى قرار جمهوري ولما استأنفت الطاعنة عادت وتمسكت بدفاعها السابق إلا أن الحكم المطعون فيه قضى برفض الاستئناف وتأييد الحكم الابتدائي لأسبابه وتقول الطاعنة إنه إذ كانت المذكرة التي أشار إليها الحكم كما يبين من صورتها الرسمية المقدمة بملف الطعن خلواً مما عزاه إليها وكان الحكم قد أغفل الرد على دفاع الطاعنة في هذا الخصوص فإنه يكون مخالفاً للثابت في الأوراق ومشوباً بالقصور في التسبيب وقد جره هذا وذاك إلى الخطأ في القانون بقضائه للمطعون ضدها الأولى بتعويض على الرغم من أن الطاعنة قد صرفت لها مكافأة استثنائية قدرها 750 ج وهو ما لا يجوز لأن هذه المكافأة هي نوع من التعويض الجابر للضرر فيتعين عدم الجمع بينها وبين التعويض القضائي.
وحيث إن هذا النعي مردود ذلك أن الحكم المطعون فيه قد أحال في هذا الخصوص إلى ما ورد بشأنه بالحكم الابتدائي الذي رد على ذلك بقوله "وبما أنه وإن قيل في موضع من مذكرة الحكومة أن مبلغ الألف وخمسمائة جنيه صرف تعويضاً للورثة إلا أن الثابت بصدر ذات المذكرة أنه صرف للزوجة وحدها بمقتضى قرار جمهوري وصف المبلغ فضلاً عن ذلك بأنه مكافأة" وهذا الذي قرره الحكم يتضمن الرد الكافي على دفاع الطاعنة في هذا الخصوص ولا مخالفة فيه للثابت في الأوراق إذ يبين من مطالعة مذكرة الطاعنة المودعة صورتها الرسمية بملف الطعن - أن الطاعنة بعد أن قررت أن مبلغ المكافأة صرف لزوجة المجني عليه بمقتضى قرار جمهوري عادت فقررت أن الأم شاركتها في هذا المبلغ ثم عادت ثانية فقررت أن الإجراءات اتخذت لتوزيع هذا المبلغ على الورثة طبقاً لقانون المعاشات وإذ كانت الطاعنة لم تقدم إلى محكمة النقض ما يدل على أنها قدمت لمحكمة الموضوع الدليل على أن الأم المطعون ضدها الأولى قد خصها فعلاً نصيب في المكافأة الاستثنائية فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى لها بالتعويض الجابر لجميع الضرر الذي لحق بها بسبب وفاة مورثها لا يكون مخالفاً للقانون.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق