جلسة أول فبراير سنة 1966
برياسة السيد المستشار الدكتور/ عبد السلام بلبع نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: محمد عبد اللطيف، واميل جبران، وأمين فتح الله، والسيد عبد المنعم الصراف.
---------------
(29)
الطعن رقم 307 لسنة 31 القضائية
(أ) عقد. "أثار العقد". خلف. "خلف خاص". إثبات. "ثبوت التاريخ في الورقة العرفية".
انصراف أثر العقد إلى الخلف الخاص. شرطه أن يكون انتقال ملكية الشيء إليه لاحقاً لإبرام العقد وأن يكون الخلف الخاص عالماً بالعقد وقت انتقال الملكية إليه. هذا العلم يقوم مقام ثبوت التاريخ.
(ب) إثبات "القرائن القانونية". "قوة الأمر المقضي". حكم "حجية الأحكام".
حجية الشيء المقضى فيه. مناطها اتحاد الخصوم والموضوع والسبب. طلب إنقاص الأجرة لعدم تركيب مصعد في العين المؤجرة في دعوى وطلب تنفيذ التزام المؤجر بتركيب المصعد في دعوى أخرى اختلاف الدعويين موضوعاً وسبباً.
(جـ) التزام. "التنفيذ العيني". إجارة. "التزامات المؤجر". حكم. "قصور" "ما يعد كذلك".
الأصل تنفيذ الالتزام عيناً. يستثنى من ذلك أن يكون التنفيذ مرهقاً للمدين. جواز الاقتصار على دفع تعويض نقدي ما لم يلحق ذلك بالدائن ضرراً جسيماً. المادة 203/ 2 مدني. انتفاء الإرهاق. قصور الحكم في بحثه. مثال في التزام المؤجر تركيب مصعد بالعين المؤجرة.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون عليه أقام الدعوى رقم 57 لسنة 1959 مدني كلي بور سعيد ضد الطاعنة بطلب الحكم بالتصريح له بتركيب مصعد بالعقار الذي يستأجره منها بمصاريف يرجع بها عليها. وقال شرحاً لدعواه إنه بمقتضى عقد مؤرخ 5/ 4/ 1956 تعهد طه عبد العزيز الصغير مورث الطاعنة بأن يقيم مبنى من ستة أدوار وحديقة وسطح على أرض فضاء يملكها بشارع الجيش وحمدي ببور سعيد، وبأن يؤجر هذا المبنى إلى المطعون عليه لاستعماله فندقاً بإيجار قدره 100 ج شهرياً، ونص في البند الخامس من العقد على أن المؤجر يتعهد بتركيب مصعد بالمبنى. وفي 5/ 9/ 1956 سلم المؤجر المبنى إلى المطعون عليه بدون مصعد، وذكر في محضر التسليم أن أجرة المصعد وقدرها عشرة جنيهات لا تسري إلا بعد تركيبه واستعماله وأن المؤجر يتعهد بتركيب المصعد في أقرب وقت ممكن، وأنه إذ رفضت الطاعنة ومن قبلها مورثها القيام بتركيب المصعد رغم إنذارهما وكان في عدم تنفيذ التزامهما هذا ما عرض المطعون عليه للخسائر المتلاحقة نتيجة عدم استغلال الثلاث أدوار العلوية والمطعم فقد انتهى المطعون عليه إلى طلبه سالف البيان. دفعت الطاعنة بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها في الدعوى رقم 24 سنة 1958 كلي بور سعيد. وفي 1/ 12/ 1959 حكمت المحكمة برفض الدفع وبجواز نظر الدعوى وبالترخيص للمطعون عليه بتركيب المصعد بمصاريف يرجع بها على الطاعنة استأنفت الطاعنة هذا الحكم بالاستئناف رقم 74 سنة 1 مأمورية بورسعيد ودفعت ببطلانه لعدم تلاوة تقرير التلخيص وطلبت إلغاءه وتمسكت بالدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها. ومحكمة الاستئناف قضت في 4/ 5/ 1961 ببطلان الحكم المستأنف لعدم تلاوة تقرير التلخيص ومضت في الفصل في الدعوى بأن قضت برفض الدفع بعدم جواز نظرها لسابقة الفصل فيها، وفي موضوعها بالترخيص للمطعون عليه بتركيب مصعد في المكان المخصص له طبقاً للرسم الهندسي الموقع عليه من مورث الطاعنة في المبنى المؤجر للمطعون عليه المبين بصحيفة الدعوى والعقد المؤرخ 5/ 4/ 1956 بمصاريف يرجع بها على الطاعنة. طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض في 6/ 6/ 1961 وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون بجلسة 23/ 1/ 1965 وفيها صممت النيابة على ما جاء بمذكرتها التي طلبت فيها رفض الطعن وقررت دائرة الفحص إحالة الطعن إلى هذه الدائرة وبالجلسة المحددة لنظره أصرت النيابة على رأيها السابق.
وحيث إن الطعن بني على أسباب أربعة تنعى الطاعنة في أولها الخطأ في تطبيق القانون ذلك أن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه بالتصريح للمطعون عليه بتركيب المصعد بمصروفات يرجع بها عليها باعتبارها مشترية للعقار فهي خلف خاص للمؤجر تلزم بتركيب المصعد تطبيقاً للمادة 146 من القانون المدني، في حين أن هذه المادة تشترط لانتقال الالتزامات الشخصية الواردة بالعقد إلى الخلف الخاص أن يكون هذا العقد ثابت التاريخ وسابقاً على كسب هذا الخلف للملكية وأن تكون الحقوق والالتزامات مما تعتبر من مستلزمات هذا الشيء وأن يكون الخلف الخاص قد علم بما ينتقل إليه من حقوق أو التزامات؛ وهذه الشروط غير متوافرة بالنسبة لها ذلك أن عقد الاتفاق المؤرخ 5/ 4/ 1956 ومحضر تسليم المبنى إلى المطعون عليه غير ثابتي التاريخ، وليس المصعد من مستلزمات المبنى ولم تكن الطاعنة على علم بهذا الالتزام، هذا وقد شاب الحكم القصور إذ لم يحدد الظروف التي استدل بها على قيام العلم لديها بالالتزام الخاص بتركيب المصعد.
وحيث إن هذا النعي مردود ذلك أن المادة 146 من القانون المدني قد نصت على أنه "إذا أنشأ العقد التزامات وحقوقاً شخصية تتصل بشيء انتقل بعد ذلك إلى خلف خاص فإن هذه الالتزامات والحقوق تنتقل إلى هذا الخلف في الوقت الذي ينتقل فيه الشيء إذا كانت من مستلزماته وكان الخلف الخاص يعلم بها وقت انتقال الشيء إليه" ومفاد هذه المادة أنها إذ تقرر القاعدة العامة بشأن انصراف أثر العقد إلى الخلف الخاص اشترطت أن يكون انتقال ملكية الشيء إليه قد جاء بعد إبرام العقد الذي ينصرف أثره إلى هذا الخلف، وأن يكون الخلف الخاص عالماً بالعقد وقت انتقال الملكية إليه. وإذ لم تتطلب هذه المادة أن يكون العقد ثابت التاريخ فذلك لأن العلم من جانب الخلف الخاص يقوم مقام ثبوت التاريخ، ويعد طريقاً من طرق إثبات تاريخ الورقة العرفية ضده فتصبح الورقة حجة عليه من وقت علمه بها بوصفه خلفاً خاصاً - لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد قرر في هذا الخصوص أنه "لا محل لما تقوله المستأنفة الطاعنة - باعتبارها خلفاً خاصاً بحكم أيلولة العقار إليها من المورث بعقد البيع المسجل في 25/ 10/ 1956 - من أنها لا تلتزم بما التزم به - في عقد الإيجار ومحضر التسليم - بمقولة إن تعهد المالك السابق بتركيب المصعد تعهد شخصي بحت ولا يسري عليها - لا محل لهذا القول لأنه طبقاً للمادة 146 مدني إذا أنشأ العقد التزامات وحقوقاً شخصية تتصل بشيء انتقل بعد ذلك إلى خلف خاص فإن هذه الالتزامات والحقوق تنتقل إلى هذا الخلف في الوقت الذي ينتقل فيه الشيء إذا كانت من مستلزماته وكان الخلف الخاص يعلم بها وقت انتقال الشيء إليه - وحيث إنه لما كان الثابت من عقد الاتفاق والإيجار السابق على البيع أنه يشتمل على التزامات صريحة من المورث البائع بتركيب المصعد وأن هذا المصعد متصل بالفندق المتعاقد عليه ومن مستلزماته فضلاً عما ورد في محضر التسليم السابق أيضاً على البيع من التزام المورث المذكور بتركيب المصعد وإعداده للاستعمال في أسرع وقت وكان الثابت أيضاً من ظروف الدعوى وملابساتها ومن الأوراق المقدمة من المستأنفة (محضر التسليم المؤرخ 5/ 9/ 1956 في القضية المضمومة رقم 24 لسنة 1958 كلي بور سعيد) أن المستأنفة - الطاعنة - على علم تام بالتزام مورثها بتركيب المصعد في العقار المبيع إليها وتعهده بإقامته بأسرع ما يمكن - لما كان ذلك، فإنه لا يحق للمستأنفة وقد أصبحت خلفاً خاصاً للمورث المذكور أن تتنصل من ذلك الالتزام..." وإذ التزم الحكم صحيح القانون بتحصيله للشروط الواجب توافرها لتطبيق المادة 146 من القانون المدني، وأنزل حكم هذه الشروط على الواقع في الدعوى في استخلاص موضوعي سائغ يكفي لحمل قضائه فيما انتهى إليه فإن النعي عليه بمخالفة القانون وبالقصور في التسبيب يكون على غير أساس.
وحيث إن حاصل السبب الثاني الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب، وفي بيان ذلك تقول الطاعنة إنها دفعت بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها في الدعوى رقم 24 لسنة 1958 مدني كلي بور سعيد التي كان قد رفعها المطعون عليه مطالباً بتعويض عن عدم تركيب المصعد متخلياً عن طلب التنفيذ العيني، إلا أن الحكم المطعون فيه رفض هذا الدفع تأسيساً على أن محل النزاع وسببه في الدعوى الأولى والدعوى الحالية مختلفان في حين أنهما متحدان.
وحيث إن هذا النعي مردود ذلك أنه يشترط لكي يجوز الحكم حجية الشيء المقضى فيه اتحاد الخصوم والموضوع والسبب في الدعويين. ولما كان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه برفض الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها على ما قرره من "أن محل النزاع في الدعوى المضمومة برقم 24 لسنة 1958 مدني كلي بور سعيد هو طلب تخفيض الأجرة لعدم الانتفاع جزئياً بالعقار المؤجر لخلوه من المصعد بينما يقوم النزاع في الدعوى الحالية على طلب إلزام المستأنفة بتنفيذ ما تعهد به مورثها من تركيب المصعد في المبنى المؤجر وواضح من ذلك أن محل النزاع وسببه مختلفان في الدعويين". وكان يبين من الحكم في الدعوى رقم 24 لسنة 1958 مدني كلي بور سعيد أن المطعون عليه طلب في هذه الدعوى تخفيض الأجرة منذ استلامه العقار المؤجر استناداً إلى أن الطاعنة ومن قبلها مورثها والبائع لها لم يقوما بتركيب المصعد مما ترتب عليه ضرر قدره بالمبلغ الذي طلب إنقاصه من قيمة الأجرة. وقد قضت المحكمة برفض الدعوى تأسيساً على أنه قد حدد في العقد أجر المصعد مستقل عن أجر البناء وأن الأجرة التي يدفعها المطعون عليه لا يدخل فيها إيجار المصعد فلا يحق له طلب التخفيض، أما الدعوى الصادر فيها الحكم المطعون فيه فهي خاصة بتنفيذ ما التزمت به الطاعنة ومن قبلها البائع لها بتركيب مصعد بالمبنى طبقاً لما ورد بالعقد المؤرخ 5/ 4/ 1956 - لما كان ذلك، فإن ما أورده الحكم من أن موضوع وسبب الدعوى الصادر فيها الحكم المطعون فيه يغاير موضوع وسبب الدعوى الصادر فيها الحكم السابق صدوره في الدعوى رقم 24 لسنة 1958 يكون استخلاصاً سائغاً مارسته محكمة الموضوع في حدود سلطتها التقديرية، ومن ثم فإن النعي بهذا السبب يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعنة تنعى على الحكم المطعون فيه بالسببين الثالث والرابع مخالفة القانون والقصور في التسبيب، وفي بيان ذلك تقول إنها دفعت أمام محكمة الموضوع بأن العقد المتضمن التعهد بتركيب مصعد لم يبين نوعه ولا يجوز ترك الأمر للمطعون عليه حتى لا يؤدي ذلك إلى إرهاقها بتركيب مصعد باهظ الثمن ولا يتناسب مع قيمة المبنى، إلا أن الحكم اكتفى في الرد على ذلك بأن المصعد محدد له مكان خاص بالمبنى تاركاً الأمر مجهلاً بالنسبة لنوع المصعد وثمنه وما يستتبع ذلك من نفقات تركيبه. وما أورده الحكم من أن إضافة المصعد إلى ملك الطاعنة سيعود عليها بالمنفعة - هذا القول فضلاً عن مخالفته للمادة 203 من القانون المدني، إذ أن التنفيذ العيني فيه إرهاق لها ومن شأنه أن يلحق بها خسارة جسيمة - فإنه لا يصلح رداً على ما أثير أمام محكمة الموضوع في هذا الخصوص.
وحيث إنه وإن كان الأصل أن للدائن المطالبة بتنفيذ التزام مدينه عيناً، إلا أن هذا الأصل يرد عليه استثناء تقضي به المادة 203 من القانون المدني أساسه ألا يكون هذا التنفيذ مرهقاً بالمدين، إذ يجوز في هذه الحالة أن يقتصر على دفع تعويض نقدي إذا كان ذلك لا يلحق بالدائن ضرراً جسيماً. ولما كان يبين من الحكم المطعون فيه أنه أقام قضاءه في الرد على دفاع الطاعنة في هذا الخصوص على ما قرره من أن تنفيذ التزامها بتركيب المصعد ليس من شأنه أن يرهقها لأنه سوف يعود عليها بالفائدة بإضافته إلى ملكها والانتفاع بأجرته الشهرية المتفق عليها وقدرها عشرة جنيهات. وكان هذا القول من الحكم لا يؤدي إلى انتفاء الإرهاق عن الطاعنة إذ يشترط لذلك ألا يكون من شأن تنفيذ هذا الالتزام على حساب الطاعنة بذل نفقات باهظة لا تتناسب مع ما ينجم من ضرر للمطعون عليه من جراء التخلف عن تنفيذه. وإذ لم يحدد الحكم نوع المصعد المناسب للمبنى والثمن الذي سيتكلفه وما يستتبع ذلك من تحديد نفقات تركيبه، وما إذا كان هذا الثمن يتناسب مع قيمة المبنى، واكتفى في هذا الخصوص بما قرره من أن المصعد محدد له مكان خاص بالمبنى، فقد حجب نفسه عن بحث مدى الإرهاق الذي يصيب الطاعنة بتركيب المصعد لمقارنته بالضرر الذي يلحق بالمطعون عليه من عدم تركيبه وفقاً لما تقضي به المادة 203/ 2 من القانون المدني، مما يعيبه بمخالفة القانون والقصور في التسبيب ويستوجب نقضه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق