جلسة 12 من نوفمبر سنة 1964
برياسة السيد المستشار/ محمود توفيق إسماعيل، وبحضور السادة المستشارين: لطفي علي، ومحمد صادق الرشيدي، والسيد عبد المنعم الصراف، وعباس حلمي عبد الجواد.
----------------
(153)
الطعنان رقما 523 و524 لسنة 29 القضائية
(أ) التزام. "آثار الالتزام". "التنفيذ بطريق التعويض". "الإعذار. عقد. تعويض.
الأصل في الإعذار أن يكون بإنذار المدين على يد محضر بالوفاء بالتزامه. يقوم مقام الإنذار كل ورقة رسمية يدعو فيها الدائن المدين إلى الوفاء بالتزامه ويسجل عليه التأخير في تنفيذه. لا يلزم فوق ذلك تهديده بالفسخ - الفسخ والتعويض كلاهما جزاء يرتبه القانون على تخلف المدين عن الوفاء بالتزامه في العقود الملزمة للجانبين وليس بلازم أن ينبه المدين إليهما قبل رفع الدعوى بطلب أيهما. البروتستو يعتبر إعذاراً.
(ب) بيع. "آثار عقد البيع". "التزام المشتري بدفع الثمن". التزام. "انقضاء الالتزام بما يعادل الوفاء". "التجديد".
عقد اتفاق بين المشتري والبائع بشأن تجديد التزامه بالوفاء بباقي الثمن واستبدال التزام جديد به يكون مصدره عقد قرض. تعليق هذا الاتفاق على شرط واقف هو قيام الأول برهن بعض أطيانه لصالح البائع ضماناً لوفائه بدين القرض. تخلف هذا الشرط بقيام المشتري برهن هذه الأطيان إلى أحد البنوك. زوال الالتزام الجديد وبقاء الالتزام القديم وهو التزام المشتري بدفع الثمن على أصله دون أن ينقضي. اعتبار التجديد كأن لم يكن.
(ج) حكم. "عيوب التدليل". "قصور". "ما لا يعد كذلك".
قصور الحكم في أسبابه القانونية غير مبطل له ولمحكمة النقض أن تستوفي ما قصر الحكم فيه من هذه الأسباب.
(د) تأمينات عينية. الرهن الرسمي. "إنشاء الرهن". محكمة الموضوع. حكم. "تسبيب الأحكام". "كفاية التسبيب".
بقاء الرهن الصادر من المالك في حالة إبطال أو فسخ سند ملكيته قائماً لمصلحة الدائن المرتهن. شرطه، حسن نية الدائن. انتفاء حسن النية متى كان الدائن يعلم وقت إبرام الرهن أو كان في مقدوره أن يعلم بأن ملكية الراهن للعين المرهونة مهددة بالزوال لأي سبب - استخلاص سوء النية مسألة موضوعية، لا تخضع لرقابة محكمة النقض إلا من جهة مطابقة ذلك للتعريف القانوني لسوء النية. تضمين عقد البيع المسجل سند ملكية الراهن وجود متأخر من الثمن. استخلاص الحكم من ذلك أن المرتهن كان في مكنته أن يعلم بأن العقد مهدد بالزوال عن طريق الفسخ واعتباره المرتهن سيء النية. سلامته.
(هـ) التزام. "أسباب انقضاء الالتزام". "الوفاء". "أوراق تجارية". شيك.
مجرد سحب الشيك لا يعتبر وفاء مبرئاً لذمة صاحبه. عدم انقضاء التزامه إلا بقيام المسحوب عليه بصرف قيمة الشيك للمستفيد.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقريرين الذين تلاهما السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعنين استوفيا أوضاعهما الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أنه بمقتضى عقد بيع رسمي محرر بمكتب توثيق القاهرة في 17/ 5/ 1953 باع المطعون ضدهم الأربعة الأولون وآخر إلى محمد صبحي التاجي (رافع الطعن رقم 524) ومحمد أحمد عبد الله الغير مختصم في الطعنين مناصفة بين المشتريين 349 فداناً و21 قيراطاً و8 أسهم كائنة بناحية الجعفرية مركز أبي حماد منها 281 فداناً و9 قراريط و8 أسهم مباعة من المطعون ضدهم بثمن قدره 8441 جنيهاً و670 مليماً وذكر في العقد أن البائعين تسلموا الثمن نقداً عداً مبلغ أربعة آلاف جنيه من نصيب محمد صبحي التاجي حرر به الأخير في تاريخ العقد شيكاً على بنك القاهرة لأمر المطعون ضده الرابع وفي ذات تاريخ تحرير هذا العقد عقد اتفاق بين المطعون ضدهم الأربعة المذكورين وبين محمد صبحي التاجي تضمن قبول هؤلاء المطعون ضدهم أن يقرضوه مبلغ 4583 جنيهاً و200 مليم منه 4000 ج قيمة الباقي عليه من ثمن الأطيان التي اشتراها منهم بموجب عقد بيع آنف الذكر والمحرر به الشيك ونص في البند الثاني من ورقة هذا الاتفاق على أن الطرف الثاني محمد صبحي التاجي تعهد بالتوقيع على عقد القرض في ظرف خمسة عشر يوماً من تاريخ تحرير عقد البيع سالف الذكر - أي من 17 مايو سنة 1953 - وأنه ضماناً لسداد قيمة القرض وفوائده يرهن الطاعن المذكور لصالح المطعون ضدهم رهناً تأمينياً في المرتبة الأولى 174 فداناً و22 قيراطاً و16 سهماً التي اشتراها بموجب عقد البيع المتقدم الذكر وفي حالة امتناعه عن التوقيع على عقد الرهن في الأجل السالف بيانه يكون للمطعون ضدهم الحق في قبض قيمة الشيك المسحوب منه على بنك القاهرة بتاريخ 17/ 5/ 1953 وأنه بمجرد توقيعه على عقد الرهن يتعهد المطعون ضده الرابع المسحوب لأمره الشيك برده إليه واتبع ذلك بعبارة نصها "ومن المتفق عليه بين الطرفين أن يبقى الشيك المذكور تحت يد الخواجة جان فرحيان (المطعون ضده الرابع) حتى إتمام عقد الرهن بالشروط المبينة بهذا العقد". وحدث بعد ذلك أن تقدم المطعون ضدهم البائعون إلى مأمورية الشهر العقاري ببلبيس بطلب إعطائهم كشف تحديد عن العقارات المراد رهنها تمهيداً لإتمام عقد الرهن وشهره وقيد طلبهم هذا برقم 1030 سنة 1953 وقبل أن يحصلوا على هذا الكشف علموا بأن الطاعن محمد صبحي التاجي رهن ذات الأطيان التي تعهد برهنها لهم إلى البنك المصري العربي (رافع الطعن رقم 523) وذلك بموجب عقد رهن تأميني حرر بمكتب توثيق القاهرة في 22/ 12/ 1953 وأشهرت قائمته في 28 من الشهر المذكور برقم 7523 شرقية وأبرم هذا الرهن ضماناً لمبلغ 13260 جنيهاً اقترضه الراهن من البنك المرتهن وعلى أثر علم المطعون ضدهم بحصول هذا الرهن بادر رابعهم بتقديم الشيك إلى بنك القاهرة لصرف قيمته ولكن البنك أعاده إليه في 18/ 2/ 1954 طالباً الرجوع على الساحب فوجه حامل الشيك بتاريخ 24 من الشهر المذكور بروتستو عدم الدفع إلى ساحب الشيك والبنك المسحوب عليه ولما أجاب البنك بعدم وجود رصيد لديه للساحب أبلغ المطعون ضده الرابع النيابة ضد الطاعن لإعطائه شيكاً بدون رصيد، ثم رفع المطعون ضدهم الأربعة الأول الدعوى رقم 4790 سنة 1954 كلي أمام محكمة القاهرة الابتدائية واختصموا فيها السيد إبراهيم هاشم بصفته السنديك المعين في تفليسه محمد صبحي التاجي ومدير البنك المصري العربي والأمين العام للشهر العقاري وانتهوا في هذه الدعوى إلى طلب الحكم لهم - أولاً: بفسخ عقد البيع الرسمي المحرر بمكتب توثيق القاهرة في 17/ 5/ 1953 والمشهر في 2/ 11/ 1953 والمتضمن بيعهم إلى الطاعن محمد صبحي التاجي 140 ف و16 ط و16 س شيوعاً في 349 ف و21 ط و8 س المبينة بهذا العقد وإلزام هذا الطاعن بتسليم تلك الأطيان لهم. ثانياً - ببطلان عقد الرهن التأميني المحرر بمكتب توثيق القاهرة في 22/ 12/ 1953 والمشهرة قائمته في 28/ 12/ 1953 برقم 7523 وذلك بالنسبة إلى 140 ف و16 ط و16 س من الأطيان المرهونة بمقتضى هذا العقد والتأشير بشطب قيد الرهن على هذا القدر. وأسس المدعون فسخ عقد البيع على تخلف المشتري عن تنفيذه التزامه بدفع الثمن كما أسسوا طلب إبطال الرهن على أن البنك المرتهن كان سيء النية عند إبرام الرهن وبتاريخ 31 من ديسمبر سنة 1957 حكمت محكمة القاهرة الابتدائية بفسخ عقد البيع وبرفض طلب إبطال الرهن فاستأنف المطعون ضدهم الأربعة الأولون هذا الحكم إلى محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف رقم 455 سنة 76 ق طالبين إلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به من رفض طلبهم الخاص بإبطال الرهن والحكم لهم بهذا الطلب وأثناء سير هذا الاستئناف رفع محمد صبحي التاجي استئنافاً فرعياً قيد برقم 565 سنة 76 ق طالباً القضاء ببطلان الحكم المستأنف وبعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة تأسيساً على أن السنديك الذي صدر الحكم الابتدائي ضده بوصفه ممثلاً له قد زالت صفته في تمثيله قبل صدور ذلك الحكم حيث قضى استئنافياً بتاريخ 6/ 11/ 1956 بإلغاء الحكم الصادر بشهر إفلاسه كما طلب احتياطياً رفض الدعوى استناداً إلى القول بعدم إعذاره قبل طلب الفسخ وإلى أنه قد حصل استبدال لمبلغ الـ 4000 ج الباقي عليه من الثمن بتغيير مصدر هذا الدين - وبتاريخ 28 من نوفمبر سنة 1959 حكمت محكمة الاستئناف: أولاً - بقبول الاستئنافين شكلاً. ثانياً - ببطلان الحكم المستأنف واعتباره كأن لم يكن. ثالثاً - بفسخ عقد البيع الصادر من المستأنفين (المطعون عليهم) لصالح محمد صبحي التاجي والمحرر بمكتب توثيق القاهرة في 17/ 5/ 1953 برقم 5773. رابعاً - ببطلان عقد الرهن الصادر من محمد صبحي التاجي لصالح البنك المصري العربي بتاريخ 22/ 12/ 1953 والمشهرة قائمته في 28/ 12/ 1953 والتأشير بذلك وبفسخ البيع على هامش العقد المقضي بفسخه وبتاريخ 27/ 12/ 1959 طعن البنك المصري العربي في هذا الحكم بطريق النقض طالباً نقضه والحكم برفض الدعوى واحتياطياً بإحالة القضية إلى محكمة الاستئناف للحكم فيها من جديد وقيد هذا الطعن بجدول هذه المحكمة برقم 523 سنة 29 ق كما طعن محمد صبحي التاجي بدوره وفي ذات التاريخ في الحكم طالباً نفس الطلبات وقيد طعنه برقم 524 سنة 29 ق، وقدمت النيابة العامة مذكرة في كل طعن انتهت فيها إلى أنها ترى رفضه وبتاريخ 7/ 4/ 1963 قررت دائرة الفحص إحالة الطعنين إلى هذه الدائرة وبجلسة 29/ 10/ 1964 المحددة لنظرهما قررت هذه المحكمة ضم الطعنين إلى بعضهما وتمسكت النيابة برأيها السابق.
وحيث إن مبنى السبب الأول من سببي الطعن رقم 524 المرفوع من صبحي التاجي أن الحكم المطعون فيه خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وذلك أن الطاعن تمسك أمام محكمة الموضوع بأن المادة 157 من القانون المدني تتطلب إعذار المدين قبل طلب فسخ العقد بسبب عدم وفائه بالتزامه وأنه إذ كان المطعون ضدهم طالبو الفسخ لم يقوموا بهذا الإجراء فإن طلبهم فسخ عقد البيع يكون غير مقبول، وقد رفض الحكم المطعون فيه هذا الدفاع ورد عليه بأن طالبي الفسخ قد قاموا بتوجيه بروتستو عدم الدفع إلى الطاعن وأن هذا البروتستو يعد إعذاراً بطلب سداد الباقي من الثمن، ويرى الطاعن أن هذا الذي قرره الحكم خطأ في القانون ذلك أن الإعذار الذي تتطلبه المادة 157 سالفة الذكر يجب أن يشتمل على طلب الدين من المدين وإعذاره باستعمال حق الفسخ إذا ما تخلف عن السداد وهو الأمر الذي لا يتضمنه بروتستو عدم الدفع.
وحيث إن هذا النعي مردود بأن الإعذار هو وضع المدين وضع المتأخر في تنفيذ التزامه، وقد بينت المادة 219 من القانون المدني الإجراءات التي يتم بها الإعذار فنصت على أن "يكون إعذار المدين بإنذاره أو بما يقوم مقام الإنذار، ويجوز أن يتم الإعذار عن طريق البريد على الوجه المبين في قانون المرافعات" فالأصل في الإعذار أن يكون بإنذار المدين على يد محضر بالوفاء بالتزامه الذي تخلف عن تنفيذه ويقوم مقام الإنذار كل ورقة رسمية يدعو فيها الدائن المدين إلى الوفاء بالتزامه ويسجل عليه التأخير في تنفيذه، ولا يتطلب القانون - خلافاً كما يقول الطاعن أن تتضمن الورقة فوق ذلك تهديد المدين بطلب فسخ العقد في حالة عدم وفائه بالتزامه، ذلك لأن الفسخ والتعويض كليهما جزاء يرتبه القانون على تخلف المدين عن الوفاء بالتزامه في العقود الملزمة للجانبين وليس بلازم أن ينبه المدين إليهما قبل رفع الدعوى بطلب أيهما - لما كان ذلك، وكان بروتستو عدم الدفع ورقة رسمية يقوم بإعلانها المحضر إلى المدين في السند لإثبات امتناعه عن الدفع وقد نصت المادة 174 من قانون التجارة على أن يعمل هذا البروتستو على حسب الأصول المقررة فيما يتعلق بأوراق المحضرين كما تتطلب المادة 175 من هذا القانون أن تشتمل ورقة البروتستو على التنبيه الرسمي على المدين بدفع قيمة السند، فإن البروتستو يعتبر إعذاراً للمدين بالمعنى الذي يتطلبه القانون في الإعذار. وإذ كان الحكم المطعون فيه قد سجل في تقريراته أن المطعون عليه الرابع وهو أحد البائعين قد وجه إلى الطاعن (المشتري) قبل رفع الدعوى بروتستو عدم الدفع لإثبات امتناعه عن الوفاء بباقي الثمن الذي كان محرراً به الشيك فإن الحكم المطعون فيه إذ اعتبر هذا البروتستو إعذاراً للمدين بالوفاء بهذا المبلغ لا يكون مخالفاً للقانون.
وحيث إن مبنى السبب الثاني في الطعن رقم 524 والسبب الثالث في الطعن رقم 523 أن الحكم المطعون فيه شابه قصور في التسبيب، ذلك أن الطاعنين تمسكا في دفاعهما أمام محكمة الاستئناف بأن الاتفاق الذي أبرم في يوم تحرير عقد البيع بين الطاعن صبحي التاجي والمطعون ضدهم البائعين له يتضمن تجديداً لدين الثمن الذي كان متبقياً في ذمة هذا الطاعن إذ يقضي هذا الاتفاق بأن يبقى هذا الدين في ذمته على سبيل القرض، وبذلك تغير مصدر التزامه بالباقي من الثمن وأصبح مصدره عقد قرض بعد أن كان عقد بيع وإذ تم التجديد على هذا النحو فإنه قد ترتب عليه طبقاً للمادة 356 من القانون المدني انقضاء الدين القديم بتوابعه ونشوء دين القرض مكانه، وبالتالي فلا يكون للمطعون ضدهم أن يطالبوا بفسخ عقد البيع استناداً إلى تخلف المشتري عن الوفاء بالتزامه بالثمن لأن هذا الالتزام قد انقضى بالتجديد، ويقول الطاعنان إنه على الرغم من أن الحكم المطعون فيه قد سلم في أسبابه بأنه كان ملحوظاً عند التعاقد أن الشيك لم يكن له رصيد مقابل وأن نية المتعاقدين قد انصرفت إلى عدم قبض قيمته وأن اتفاقاً جديداً تم على أن يقوم المطعون عليهم البائعون بإقراض المشتري الطاعن مبلغ الشيك إلا أن الحكم عاد ورفض دفاع الطاعنين بتجديد دين الثمن استناداً إلى ما قاله من أن تحرير الشيك لا يعد تجديداً للدين الأصلي وهو دين الثمن أو وفاء به وأن ما يطرأ من تعديلات على الالتزام من حيث قيمته أو أجله أو طريقة الدفع أو التأمينات لا يكفي لإحداث التجديد ويرى الطاعنان أن هذا الذي قرره الحكم لا يواجه الدفاع الذي أثاراه ولا يصلح رداً عليه ذلك أن الحكم قد توهم أن التجديد المدعى به منهما هو استبدال شيك بالثمن الأمر الذي لم يقل به أحد منهما إذ حقيقة ما تمسكا به إنما هو استبدال قرض مضمون برهن تأميني بدين الثمن المضمون بحق امتياز البائع - ويضيف الطاعنان أنه وإن كان استخلاص نية التجديد مما تستقل به محكمة الموضوع إلا أن ذلك مشروطاً بأن يكون استخلاصها سائغاً أما إذا كان غير متفق مع دلالات التعاقد والأوراق وكانت المحكمة لم تواجه دفاع الطاعنين ولم تتعرض لأثر عقد القرض العرفي المؤرخ 17/ 5/ 1953 على التزام ثانيهما (المشتري) بأداء الثمن فإن حكمها يكون قاصراً بما يبطله.
وحيث إنه يبين من الحكم المطعون فيه أن الطاعنين تمسكا لدى محكمة الموضوع بأن التزام ثانيهما (صبحي التاجي) بأداء الباقي من الثمن والناشئ عن عقد البيع قد تجدد بالاتفاق بين هذا الطاعن والمطعون ضدهم البائعين له على بقاء هذا الدين في ذمته على سبيل القرض وأن هذا يقتضي انقضاء الالتزام الأصل وقد رد الحكم على هذا الدفاع بقوله "وحيث إنه من استقراء كل من عقدي البيع والاتفاق يبين في وضوح جزءاً كبيراً من الثمن لم يدفع إذ أن إصدار الشيك لا يفيد أن الثمن قد تسدد فعلاً وأن ذمة المشتري قد برئت منه، كما أن تحرير عقد الاتفاق لا يعتبر تجديداً للمدين ذلك أنه وإن كان مقرراً في القانون أن الشيك أداة وفاء وأنه يجرى مجرى النقود إلا أن هذا الرأي هو في خصوص تداول الشيك وأنه يستحق الدفع بمجرد الاطلاع تطبيقاً لأحكام القانون التجاري - أما في المعنى الصحيح للعرض والوفاء طبقاً لأحكام القانون المدني وقانون المرافعات فإنه لا يجوز اعتبار الشيك أداة وفاء إذ أن الوفاء لا يتم إلا بأداء الشيء المستحق أصلاً فإذا كان المستحق مبلغاً من المال فلا يجوز التمسك بالسداد بإعطاء شيك إلا إذا تم الصرف فعلاً وتسلم الدائن النقود المحرر بها الشيك وبهذا فقط يتم الوفاء المبرئ للذمة. فقبول الدائن التعامل بالشيك واستلامه من المدين لا يعد تجديداً للدين الأصلي أو وفاء به ولا يؤثر في طبيعة الدين الذي يبقى قائماً إلى حين الوفاء الفعلي، كما أن التعديلات التي تطرأ على الالتزام من حيث قيمته أو أجلة أو طريقة الدفع أو التأمينات لا تكفي لإحداث الاستبدال". وهذا الرد من الحكم وإن كان لا يواجه صميم دفاع الطاعنين آنف الذكر إلا أنه لما كان بفرض أن نية الطاعن والمطعون ضدهم البائعين له قد اتجهت إلى تجديد التزامه بالوفاء بالباقي من الثمن واستبدال التزام جديد به يكون مصدره عقد قرض فإنه يبين من الوقائع التي سجلها الحكم المطعون فيه أن هذا الالتزام الجديد لم ينشأ إذ أن اتفاق 17/ 5/ 1953 الذي عقد بين الطاعن المشتري وبين المطعون ضدهم البائعين له بشأن إنشاء هذا الالتزام كان معلقاً على شرط واقف هو قيام الأول برهن 174 فداناً و22 قيراطاً و16 سهماً من أطيانه رهناً تأمينياً في المرتبة الأولى لصالح هؤلاء البائعين ضماناً لوفائه بدين القرض، وإذ كان هذا الشرط قد تخلف بقيام هذا المشتري برهن هذه الأطيان ذاتها إلى البنك المصري العربي (رافع الطعن رقم 523) مما أصبح معه مؤكداً أن الأمر الذي علق الالتزام الجديد على وقوعه لن يقع فإنه يترتب على تخلف هذا الشرط الواقف زوال هذا الالتزام وبقاء الالتزام القديم - وهو التزام المشتري بدفع باقي الثمن على أصله دون أن ينقضي واعتبار التجديد كأن لم يكن لما كان ذلك، وكان قصور الحكم في أسبابه القانونية غير مبطل له ولمحكمة النقض أن تستوفي ما قصر الحكم فيه من هذه الأسباب فإن النعي على الحكم المطعون فيه بالقصور في هذا الخصوص يكون غير منتج.
وحيث إن حاصل السببين الأول والثاني في الطعن رقم 523 المرفوع من البنك المصري العربي أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون وتأويله كما شابه قصور في التسبيب ذلك أن المادة 1034 من القانون المدني تقضى بأن يبقى قائماً لمصلحة الدائن المرتهن الرهن الصادر من المالك الذي تقرر إبطال سند ملكيته أو فسخه متى كان حسن النية - وقد أقام الحكم المطعون فيه قضاءه بإبطال الرهن على أن البنك الطاعن كان سيء النية وقت إبرام الرهن ودلل على ذلك بقوله أن المطلع على عقد البيع يستطيع في سهولة أن يتبين أن جزءاً كبيراً من الثمن وهو أربعة آلاف جنيه لم يسدد بعد وأنه لذلك فقد كان في مكنة البنك الطاعن أن يعلم بعدم سداد كامل الثمن وبأن عقد الرهن مهدد لهذا السبب بالفسخ ومن ثم يكون البنك مقصراً تقصيراً جسيماً وبالتالي سيء النية في حكم المادة 1034 سالفة الذكر - ويرى الطاعن أن استخلاص الحكم لسوء نيته على هذا النحو لا يمكن أن تؤدي إليه عقلاً الأوراق التي كانت مطروحة على محكمة الموضوع ذلك أنه قد نص صراحة في عقد البيع المسجل على أن المشتريين قد دفعا ثمن الأطيان المبيعة وعلى أن يعتبر توقيع البائعين على هذا العقد مخالصة نهائية بالثمن جميعه ولم يحتفظ البائعون في العقد بامتياز البائع، وإذ كان قد نص في هذا العقد على أن هناك مبلغ أربعة آلاف جنيه حرر به صبحي التاجي شيكاً على بنك القاهرة لأمر أحد البائعين فإن صياغة هذا النص تدل على أن البائعين قبلوا الدفع بهذه الطريقة وأنهم وثقوا في ذمة ساحب الشيك واعتبروا هذا الشيك بمثابة النقد تماماً ولذلك ذكروا في العقد ما يفيد أن هذا الشيك مبرئ لذمة صبحي التاجي من باقي الثمن ثم إن البنك قبل أن يبرم عقد القرض المؤمن بالرهن تقدم إلى الشهر العقاري بطلب كشف تحديد عن الأطيان المراد رهنها فجاء له الكشف خالياً من ثبوت أي حق عيني لأحد عليها ولو كان البائعون المطعون ضدهم قد احتفظوا لأنفسهم بامتياز البائع المقرر لهم قانوناً وشهروه أو رفعوا دعوى الفسخ في الوقت المناسب وسجلوا صحيفتها لظهر ذلك في الكشف المذكور، أما الاتفاق الذي عقده صبحي التاجي والمطعون ضدهم فيما بينهم في ذات تاريخ عقد البيع والذي تضمن أن مبلغ الأربعة آلاف جنيه الباقي من الثمن يبقى في ذمة المشتري على سبيل القرض فإن البنك الطاعن لم يكن طرفاً في هذا الاتفاق ولم يعلم به ولم يكن في مقدوره أن يعلم به وقت إبرام الرهن لأن هذا الاتفاق لم يشهر ولم يعلن عنه بأية طريقة من طرق الإعلان ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه إذ استخلص أن البنك الطاعن كان يستطيع أن يعلم بالعيب الذي يشوب سند ملكية الراهن ورتب على ذلك أن الطاعن كان سيء النية وقت إبرام الرهن فإن استخلاصه هذا يكون غير سائغ وغير مقبول عقلاً ويضيف الطاعن أنه من المقرر فقهاً أن الدائن المرتهن يستحق الحماية التي أسبغها عليه القانون ولو كان اعتقاده الخاطئ باستقرار الملكية للراهن مبيناً على خطأ منه متى كان هذا الخطأ مغتفراً وأن مجرد علم الدائن المرتهن بعدم سداد الراهن كامل ثمن العين المرهونة لا يكفي بذاته لاعتبار هذا الدائن سيء النية في حكم المادة 1034 مدني لأن وجود باق من الثمن على العين المبيعة لا يعتبر عيباً يشوب عقد ملكية الراهن لأن القانون قد نظم حق البائع في اقتضاء الثمن وجعل له امتيازاً على العين المبيعة فإن فرط البائع في هذا الحق ولم يحتفظ به من العقد فيكون هو المقصر ولا يلومن إلا نفسه ولا يمكن نسبة أي تقصير في هذه الحالة إلى الدائن المرتهن.
وحيث إن الحكم المطعون فيه أورد ضمن أسبابه التي أقام عليها قضاءه بإبطال الرهن ما يأتي: "أن الثابت من الاطلاع على البند الثاني من عقد البيع الصادر من المستأنفين (المطعون ضدهم) للمستأنف عليه الأول (رافع الطعن رقم 524) أنه الثمن الإجمالي هو 8441 ج و670 م دفع منه 1500 ج عند التوقيع على العقد الابتدائي المؤرخ 4/ 7/ 1951 ودفع منه في مجلس العقد 2941 ج و670 م نقداً ومبلغ 4000 ج بموجب شيك رقم 13951 من حساب المستأنف عليه الأول في تاريخ التوقيع في العقد (17/ 5/ 1953) وفي نهاية هذا البند نص على أن البائعين يقرون بأنهم استلموا الثمن بأكمله نقداً عداً مبلغ 4000 ج بموجب شيك وهي من نصيب محمد صبحي التاجي أي أن المشتري الثاني محمد أحمد عبد الله قد دفع جميع نصيبه من الثمن نقداً بالكامل. وحيث إن هذا النص صريح في الدلالة على أن المستأنف عليه الأول صبحي التاجي قد بقى في ذمته مبلغ أربعة آلاف من الجنيهات حرر بها شيكاً في نفس يوم العقد وحيث إن المطلع على هذا العقد يستخلص فور الاطلاع أن الثمن لم يسدد جميعه وأنه تبقى منه مبلغ أربعة آلاف من الجنيهات في ذمة المستأنف عليه الأول لم يسدد بعد وإن كان حرر به شيكاً يستحق في نفس يوم تحرير العقد، وأن المتعاقدين عندما فصلوا طريقة دفع الثمن إنما كان تفصيلهم هو بيان لطريقة الوفاء فقط ولا يدل هذا التفصيل على أن الوفاء تم على النحو الذي يتطلبه القانون ويستتبع براءة ذمة المشتري طبقاً لما سلف بيانه" ثم أورد الحكم نص المادة 1034 من القانون المدني وقال "وحيث إن النزاع بين المستأنفين (الطاعنين) وبين المستأنف ضده الثاني (البنك) بشأن الرهن المعقود لمصلحة هذا الأخير يدور حول تفسير حسن نية الدائن المرتهن وقت إبرام عقد الرهن. وحيث إن فقهاء القانون قد أجمعوا على القول بأن المرتهن يعد سيء النية إذا كان في مقدوره أن يعلم بالعيب الذي يشوب سند الراهن ولو لم يعلم به بالفعل كما إذا كان الراهن مشترياً وذكر في عقد شرائه المسجل أنه لم يدفع كل الثمن إذ يقظة الرجل المعتاد تحتم على المرتهن الاطلاع على سند ملكية الراهن لمعرفة العيوب التي تشوبه فإن لم يفعل كان مقصراً تقصيراً جسيماً هو صنو لسوء النية. وحيث إنه متى تقرر هذا وتقرر أيضاً أن المطلع على عقد البيع محل هذه الدعوى يستطيع في سهولة أن يتبين أن جزءاً كبيراً من الثمن هو أربعة آلاف جنيه لم يسدد بعد، متى تقرر كل هذا فإنه كان في مكنة المستأنف عليه الثاني (البنك) أن يعلم بعدم سداد كامل الثمن ومن ثم وجب اعتباره مقصراً تقصيراً جسيماً ويكون بالتالي سيء النية في حكم المادة 1034 مدني ولا يتمتع بالحماية التي فرضها القانون في ظل هذه المادة ولما كان حسن النية الذي تقتضيه الحماية التي أضفاها المشرع في المادة 1034 من القانون المدني على الدائن المرتهن في حالة إبطال أو فسخ سند ملكية الراهن ينتفي متى كان هذا الدائن يعلم وقت إبرام الرهن أو كان في مقدوره أن يعلم بأن ملكية الراهن للعين المرهونة مهددة بالزوال لأي سبب من الأسباب فإن الحكم المطعون فيه يكون قد أصاب في تعريفه لسوء النية في حكم تلك المادة وإذ كان استخلاص قاضي الموضوع لسوء النية لا يخضع لرقابة محكمة النقض إلا من جهة مطابقته للتعريف القانوني لسوء النية وكان الحكم المطعون فيه إذ استخلص من تضمين عقد البيع المسجل سند ملكية الراهن - وجود باقي من الثمن قدره أربعة آلاف من الجنيهات لم يدفع أن البنك المرتهن كان في مكنته أن يعلم بأن هذا العقد مهدد بالزوال عن طريق الفسخ إذا ما تخلف المشتري (الراهن) عن الوفاء بهذا المبلغ وأنه لذلك يعتبر البنك سيء النية غير جدير بالحماية المقررة في المادة 1034 من القانون المدني، فإن الحكم يكون قد أقام استخلاصه لسوء نية البنك المرتهن على أسباب من شأنها أن تؤدي عقلاً إلى ما انتهى إليه في هذا الخصوص. ولا يقدح في ذلك أن يكون قد نص في عقد البيع على أن المشتري الراهن قد سحب شيكاً لأمر البائعين له بالمبلغ الباقي من الثمن ذلك أن مجرد سحب الشيك لا يعتبر وفاء مبرئاً لذمة ساحبه إذ أن الالتزام المرتب في ذمته لا ينقضي إلا بقيام المسحوب عليه بصرف قيمة الشيك للمستفيد - لما كان ما تقدم، وكان لا أثر لتقصير المطعون ضدهم البائعين للراهن في شهر امتياز البائع المقرر لهم قانوناً ولا لتراخيهم في رفع دعوى الفسخ، لا أثر لهذا أو ذاك على توفر سوء نية الدائن المرتهن فإن ما يثيره البنك الطاعن في هذا السبب لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً مما لا تقبل إثارته أمام محكمة النقض.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعنين.
(1) راجع نقض 1/ 5/ 1952 الطعن 138 س 20 ق مجموعة 25 سنة ص 259.
(2) راجع نقض 13/ 6/ 1957 الطعنين 246 و247 س 23 ق السنة الثامنة ص 576.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق