جلسة 30 من يونيه سنة 1965
برياسة السيد الدكتور/ عبد السلام بلبع نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: حافظ محمد بدوي، ومحمد صادق الرشيدي، والسيد عبد المنعم الصراف، وعباس حلمي عبد الجواد.
-----------------
(136)
الطعن رقم 226 لسنة 30 القضائية
(أ) استئناف. "الخصوم في الاستئناف". "التدخل الانضمامي". دعوى.
طلب التدخل أمام محكمة الاستئناف بالانضمام للمستأنف في طلب رفض الدعوى دون أن يطلب المتدخل لنفسه حقاً ذاتياً يدعيه في مواجهة طرفي الخصومة، تدخل انضمامي لا تدخل هجومي. جواز طلبه ولو لأول مرة أمام محكمة الاستئناف.
(ب) محكمة الموضوع. "سلطتها في تفسير العقود" نقض "سلطة محكمة النقض". عقد. "تفسير العقود".
سلطة محكمة الموضوع في تفسير صيغ العقود والشروط المختلف عليها. لا سلطان عليها في ذلك لمحكمة النقض ما دامت تلك الصيغ والشروط تحمل المعنى الذي حصلته.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن الطاعن أقام على المطعون عليه الأول الدعوى رقم 42 سنة 1957 كلي مصر طالباً الحكم بإلزامه بأن يدفع له مبلغ 3073 ج و575 م والمصاريف. وقال تبياناً لدعواه إنه بمقتضى عقد محرر في 5 مارس سنة 1955 اتفق مع المطعون عليه المذكور على أن يصنع له بمصنعه "المعروف بمصنع النسر" وبأمكنة أخرى المسحوق الأبيض الذي يقوم المطعون عليه بتوريده له بأن يجعل من هذا المسحوق حجارة لمسح الأحذية بواقع خمسة جنيهات للألف قطعة ثم خفض السعر إلى أربعة جنيهات ونصف، وقد قام الطاعن بتنفيذ التعاقد من جانبه وسلم المطعون ضده الأول 884239 حجراً بموجب إيصالات، وقبض جزءاً من الثمن وتبقى له منه المبلغ المرفوع به هذه الدعوى. وبتاريخ 27 من يناير سنة 1959 حكمت المحكمة الابتدائية للطاعن بطلباته - استأنف المطعون عليه هذا الحكم بالاستئناف رقم 128 سنة 76 ق استئناف القاهرة طالباً إلغاء الحكم المستأنف ورفض الدعوى - وأثناء نظر الاستئناف طلب المطعون عليه الثاني "محمد محمود حماد" دخوله خصماً في الدعوى منضماً إلى المستأنف "المطعون عليه الأول" في طلباته وبتاريخ 22/ 3/ 1960 قضت محكمة الاستئناف بقبول تدخله وبإلغاء الحكم المستأنف ورفض الدعوى - طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون وفيها صممت النيابة على مذكرتها المتضمنة طلب رفض الطعن - وأصدرت دائرة الفحص قرارها 7/ 12/ 1963 بإحالة الطعن إلى الدائرة المدنية وبعد استيفاء الإجراءات التالية للإحالة نظر الطعن أمام هذه المحكمة بجلسة 28/ 1/ 1965 وفيها صممت النيابة على رأيها السابق.
وحيث إن الطعن بني على أربعة أسباب ينعى الطاعن في أولها على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون فيما قضى به من قبول تدخل المطعون عليه الثاني. وفي بيان ذلك يقول الطاعن إنه دفع بعدم جواز هذا التدخل لأول مرة في الاستئناف ولكن الحكم المطعون فيه رفض هذا الدفع واستند إلى المادة 412 من قانون المرافعات التي تجيز التدخل في الاستئناف لمن يطلب الانضمام إلى أحد الخصوم أو ممن يجوز له الاعتراض على الحكم عملاً بالمادة 450 وما بعدها، كما استند إلى أن للمحكمة طبقاً لنص المادة 259 مرافعات أن تأذن - أثناء سير الدعوى - في إدخال الغير لتقديم أوراق تحت يده يستند إليها أحد الخصوم - ويرى الطاعن أن هذا الذي قرره الحكم خطأ في القانون ذلك أن تدخل المطعون عليه الثاني لم يكن في حقيقته تدخلاً انضمامياً - بل هو تدخل هجومي، إذ أنه وإن طلب رفض الدعوى إلا أنه أقام طلبه هذا على أساس أحقيته للحق المرفوعة به هذه الدعوى بأن زعم أنه هو دون الطاعن الذي تعاقد في 15/ 11/ 1955 مع المطعون عليه الأول على تصنيع كمية الأحجار التي يطالب الطاعن بباقي ثمنها. هذا إلى أن ما قرره الحكم من أن المطعون ضده الثاني يملك الاعتراض على الحكم المستأنف عملاً بنص المادة 450 مرافعات ليس صحيحاً ذلك لأن المطعون عليه الثاني لا يندرج تحت أية طائفة من الطوائف التي عددتها تلك المادة، ولا يمكن اعتباره شريكاً سابقاً للطاعن في تنفيذ التعاقد كما ذهب إلى ذلك الحكم المطعون فيه، إذ أن الطاعن لم يرفع الدعوى بصفته ممثلاً لشركة تضم المطعون عليه الثاني وإنما رفعها باسمه الشخصي ولحسابه. ولا يبرر تدخل المطعون عليه الثاني استناد الحكم إلى المادة 259 من قانون المرافعات لأنه لم يكن معروضاً على المحكمة أمر تقديم أوراق تحت يده يستند إليها أحد الخصوم.
وحيث إن هذا النعي مردود بأنه لما كان المطعون عليه الثاني قد طلب قبول تدخله - أمام محكمة الاستئناف خصماً منضماً للمستأنف "المطعون عليه الأول" في طلب رفض الدعوى واقتصر على إبداء وجه دفاع لتأييد هذا الطلب - ولم يطلب الحكم لنفسه بحق ذاتي يدعيه في مواجهة طرفي الخصومة - فإن تدخله على هذا النحو - أياً كانت مصلحته فيه لا يكون تدخلاً هجومياً وإنما هو تدخل انضمامي يجوز طلبه ولو لأول مرة أمام محكمة الاستئناف طبقاً لنص المادة 412 مرافعات، ولما كان الحكم المطعون فيه قد قضى بقبول التدخل على هذا الأساس فإنه لا يكون مخالفاً للقانون - وفي هذا وحده ما يكفي لإقامة الحكم، ومن ثم يكون ما أورده بعد ذلك لتأييد قبول التدخل من قبيل التزيد، فأياً كان خطأ الحكم فيه فإن النعي به يكون غير منتج.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسببين الثاني والثالث على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون وفي بيان ذلك يقول إنه تمسك في مذكرته المقدمة لجلسة 29/ 2/ 1960 بصورية الاتفاق الذي زعم المطعون عليهما تحريره بينهما في 15/ 11/ 1955 وأنكر صدور الخطاب الذي نسب إليه أنه أملاه في 4/ 1/ 1956 للمدعو زكي محمد حسنين متضمناً اعتذاره للمطعون عليه الأول عن تقصير صدر منه في تنفيذ اتفاق 5 من مارس سنة 1955 ويطلب منه الاستمرار في العمل معه - إلا أن الحكم المطعون فيه خالف ما انتهى إليه قضاء محكمة أول درجة واعتد بالأوراق العرفية المشار إليها واتخذها حجة عليه رغم إنكاره لها وعدم ثبوت تاريخها فجاء قضاؤه بذلك مخالفاً للقانون.
وحيث إنه يبين من مطالعة الحكم المطعون فيه أنه استند في تقريره بالاعتداد بالعقد المؤرخ في 15 من نوفمبر سنة 1955 المبرم بين المطعون عليهما واعتباره حجة على الطاعن إلى ما حصله من ورود مضمونه في الاتفاق المحرر بينه وبين المطعون عليه الثاني بأن يقوم هذا الأخير بتنفيذ الالتزام موضوع النزاع بدلاً من الطاعن وبأن يشرك المطعون عليه الثاني الطاعن في تنفيذ هذا الالتزام. كما استند الحكم إلى ما تضمنته المخالصة المؤرخة في 29/ 3/ 1956 والموقع عليها من الطاعن من أن هذا الأخير قد تخالص مع المطعون عليه الثاني عن العملية موضوع اتفاق 13/ 1/ 1956 السالف الإشارة إليه - وهذا الذي قرره الحكم وأقام عليه قضاءه صحيح في القانون ذلك أنه لما كان الطاعن لم ينكر توقيعه على عقد 13/ 1/ 1956 ولم يجحد التخالص المؤرخ 29/ 3/ 1956 ولا التاريخ الثابت على الورقتين المذكورتين وكانت المخالصة السابق ذكرها قد أشارت إلى اتفاق 13/ 1/ 1956 الذي ورد به مضمون عقد 15/ 11/ 1955 فإن هذا العقد الأخير يكون ثابت التاريخ عملاً بالمادة 395 فقرة ب من التقنين المدني - ولما كان الطاعن لم يطعن على ذلك العقد بالصورية إلا لمجرد أنه غير ثابت التاريخ وقد نفى الحكم المطعون فيه ذلك فإن النعي على الحكم بمخالفة القانون إذ اعتد بهذا العقد يكون نعياً غير سديد - ولما كان الحكم قد استخلص في حدود سلطته الموضوعية - من عقد 15/ 11/ 1955 الذي اعتبره حجة على الطاعن على النحو السالف بيانه - عدم قيام علاقة بين هذا الأخير وبين المطعون عليه الأول وكان هذا كافياً بذاته لحمل قضائه فإنه لم يكن بحاجة بعد ذلك إلى بحث القرينة المستمدة من خطاب 4/ 1/ 1956 ويكون بحثه لها تزيداً يستقيم الحكم بدونه، ولا يعيبه ما قد يشوبه من خطأ بصدد هذا البحث ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الخصوص يكون غير منتج.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الرابع على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب ومسخ الواقع في الدعوى وذلك من وجهين: (الأول) أن الحكم المطعون فيه نفى وجود أية رابطة قانونية مباشرة بين الطاعن والمطعون عليه الأول لاحقة على 14/ 9/ 1955 في خصوص تصنيع المسحوق معتمداً في ذلك على الخطاب الذي نسب إلى الطاعن توجيهه إلى المطعون عليه الأول في 4 من يناير سنة 1956 كما اعتمد أيضاً على الاتفاق المحرر بين المطعون عليهما في 15/ 11/ 1955 مع أن المطعون عليه الأول أقر في مذكراته المقدمة إلى محكمة الدرجة الأولى وبعض المستندات المقدمة إلى محكمة الاستئناف باستمرار التعامل بينه وبين الطاعن إلى ما بعد المخالصة المحررة في 29/ 3/ 1955 - ويضيف الطاعن أن الحكم قد نسب إليه أنه أقر في المشاركة التي تمت بينه وبين المطعون عليه الثاني في 13/ 1/ 1956 بأن عملية تصنيع المسحوق موضوع هذه المشاركة قد تم التعاقد بشأنها بين المطعون عليهما دون أن يكون للطاعن صلة بها مع أن المستند المذكور يفيد أن العملية موضوع المشاركة تمت بين الطاعن والمطعون عليه الأول ولم تتم - خلافاً لما ذهب إليه الحكم المذكور بين المطعون عليهما (الوجه الثاني) استدل الحكم المطعون فيه على نفي وجود رابطة قانونية مباشرة بين الطاعن والمطعون عليه الأول لاحقة على 14/ 9/ 1955 في خصوص تصنيع المسحوق بأدلة لا تؤدي إليها فالمشاركة من الباطن بين الطاعن والمطعون عليه الثاني وتخالص الطاعن مع المطعون عليه الثاني وتوقيع بعض أذونات التوريد الصادرة من المطعون عليه الأول وعلى مطبوعاته من الطاعن والمطعون عليه الثاني - كل ذلك لا يؤدي إلى نفي العلاقة المباشرة بين الطاعن والمطعون عليه الأول. هذا فضلاً عن أن نفي هذه العلاقة يناقض ما أثبته الحكم الابتدائي من أن المطعون عليه الأول لم ينكر استلامه الحجارة المذكورة ببعض الإيصالات المحررة بعد تاريخ التخالص. وكذلك ناقض الحكم المطعون فيه الدليل المستفاد من شهادة شهود الطاعن والتي لم يستطع المطعون عليه الأول نفيها.
وحيث إن ما ينعاه الطاعن في هذا السبب من أن الحكم المطعون فيه قد مسخ عبارات عقد المشاركة الذي أبرم بينه وبين المطعون عليه الثاني في 13/ 1/ 1956 حين فسره بأن عملية تصنيع المسحوق موضوع هذه المشاركة قد تم التعاقد بشأنها بين المطعون عليهما مع أن عباراته لا تحقق هذا المعنى - هذا النعي مردود بما أورده الحكم المطعون فيه بقوله "... إن هذه المحكمة تخلص مما تقدم أن عقداً أبرم بين المستأنف والمتدخل لتصنيع بودرة المستأنف وجعلها حجارة وأن هذا العقد لاحق على المحاسبة التي تمت في 14/ 9/ 1955 بين المستأنف والمستأنف عليه وأن الأخير كان ملماً بمضمون هذا العقد المؤرخ 15/ 11/ 1955 واشترك مع المتدخل في تنفيذه كما يبين ذلك من الإقرار الصادر منه في 13/ 1/ 1956 والذي اعترف فيه بأنه تحاسب مع المتدخل بخصوص مشاركته في تنفيذ تصنيع بودرة المستأنف وهذا الإقرار يهدم زعمه بأن عقد 5/ 3/ 1955 قد تجدد وبأنه قام هو استقلالاً باستلام البودرة وتصنيعها فإذا أضيف إلى ما تقدم أن بعض الإيصالات التي ارتكن عليها الحكم المستأنف مذيلة بتوقيع المتدخل والمستأنف عليه معاً وأن تلك الإيصالات تقطع بوجود مشاركة بينهما في تنفيذ العملية التي تعاقد عنها المتدخل بمفرده أي أن المستأنف عليه قام بالتنفيذ مع الأخير من الباطن وإذا أضيف أيضاً أن المستأنف عليه لم يجحد أي من المستندات المقدمة في الدعوى والمذيلة بتوقيعه يكون قد عجز عن إثبات دعواه قبل المستأنف لعدم وجود رابطة قانونية مباشرة بينهما". ولما كان لمحكمة الموضوع السلطة المطلقة في تفسير صيغ العقود والشروط المختلف عليها بما تراه هي أوفى بمقصود المتعاقدين, وفي استخلاص ما يمكن استخلاصه منها، ولا سلطان لمحكمة النقض عليها في ذلك ما دامت تلك الصيغ والشروط تحتمل المعنى الذي حصلته محكمة الموضوع - وكان ما استخلصه الحكم المطعون فيه من انتفاء قيام علاقة مباشرة بين الطاعن والمطعون عليه الأول لاحقة على 14/ 9/ 1955 هو مما تحتمله عبارات إقرار 13/ 11/ 1956 فإن النعي على الحكم بمسخ هذا الإقرار ومخالفة الثابت فيه يكون على غير أساس - ومتى كان الحكم المطعون فيه قد استخلص في نطاق سلطته الموضوعية انتفاء الرابطة القانونية بين الطاعن والمطعون عليه على النحو السابق بيانه ودلل على ذلك بأسباب سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما انتهى إليه فإن باقي ما يثيره الطاعن بهذا السبب لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق