الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 28 مارس 2023

الطعن 142 لسنة 36 ق جلسة 9 / 6 / 1970 مكتب فني 21 ج 2 ق 163 ص 1022

جلسة 9 من يونيه سنة 1970

برياسة السيد المستشار/ عبد السلام بلبع نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: أحمد حسن هيكل، وعباس حلمي عبد الجواد، وإبراهيم علام، ومحمد أسعد محمود.

----------------

(163)
الطعن رقم 142 لسنة 36 القضائية

(أ) عقد. "عيوب الرضا". بطلان. "بطلان التصرفات".
الإكراه المبطل للرضا يتحقق بتهديد المتعاقد بخطر جسيم محدق بنفسه أو بماله. النفوذ الأدبي المقترن بوسائل إكراه للتوصل إلى غرض غير مشروع. كفايته لإبطال العقد.
(ب) محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الإكراه". عقد. "عيوب الرضا".
تقدير وسائل الإكراه ومبلغ جسامتها وتأثيرها في نفس المتعاقد. أمور موضوعية يستقل بها قاضي الموضوع.

--------------
1 - الإكراه المبطل للرضا يتحقق - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - بتهديد المتعاقد المكره بخطر جسيم محدق بنفسه أو بماله أو باستعمال وسائل ضغط أخرى لا قبل له باحتمالها أو التخلص منها، ويكون من نتيجة ذلك حصول رهبة تحمله على الإقرار بقبول ما لم يكن ليقبله اختياراً، والنفوذ الأدبي إذا اقترن بوسائل إكراه غير مشروعة بقصد الوصول إلى غرض غير مشروع، يعتبر كافياً لإبطال العقد.
2 - تقدير وسائل الإكراه ومبلغ جسامتها وتأثيرها في نفس المتعاقد هو من الأمور الموضوعية التي يستقل بالفصل فيها قاضي الموضوع، مراعياً في ذلك جنس من وقعت عليه، وسنه وحالته الاجتماعية والصحية، وكل ظرف آخر من شأنه أن يؤثر في جسامة الإكراه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن الطاعن أقام الدعوى رقم 127 سنة 1962 الزقازيق الابتدائية ضد المطعون عليهما الأولى والثانية والمرحومة زينب محمد سعد مورثة المطعون عليهم من الثالث إلى السابعة وضد المطعون عليهما الثامن والتاسعة والمرحوم محمود حسن المغربي مورث المطعون عليهما العاشرة والحادية عشرة، يطلب الحكم بصحة ونفاذ العقد المؤرخ 1/ 2/ 1961 الصادر من المطعون عليهما الأولى والثانية والمرحومة زينب محمد سعد والمرحومة عائشة محمد سعد مورثة المطعون عليهما الثامن والتاسعة والمرحوم محمود حسن المغربي، والمتضمن بيعهن له أطياناً زراعية مساحتها 7 أفدنة و8 قراريط مبينة الحدود والمعالم بالصحيفة وبالعقد. وقال شرحاً لدعواه إنه بموجب العقد سالف البيان باعت له المطعون عليها الأولى 2 فدان وكل من المطعون عليها الثانية والمرحومة زينب محمد سعد والمرحومة عائشة محمد سعد 1 فدان و18 قيراطاً و16 سهماً من الأطيان الزراعية المشار إليها ومجموعها 7 أفدنة و8 قراريط مقابل ثمن قدره 3300 جنيه أقرت البائعات في العقد بقبضه، وإذ رفضن التوقيع على العقد النهائي فقد أقام دعواه للحكم له بطلباته. دفع المدعى عليهم ببطلان هذا العقد تأسيساً على أن البائعات وقعن عليه تحت تأثير إكراه من الطاعن دون أن يقبضن ثمناً. وبتاريخ 28/ 3/ 1964 حكمت محكمة أول درجة بإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت المدعى عليهم وجود إكراه لابس تحرير هذا العقد كان ذا أثر في توقيع البائعات عليه دون قبض ثمن. وبعد أن سمعت المحكمة شاهدي المدعى عليهم، حكمت بتاريخ 11/ 1/ 1965 بطلبات الطاعن. استأنف المدعى عليهم هذا الحكم لدى محكمة استئناف المنصورة (دائرة الزقازيق) وقيد الاستئناف برقم 49 سنة 8 ق مدني. وبتاريخ 8/ 1/ 1966 حكمت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف ورفض دعوى الطاعن. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، وبالجلسة المحددة لنظره التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على سبب واحد ينعى به الطاعن على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك يقول إن الحكم قضى بإبطال عقد البيع موضوع الدعوى تأسيساً على أنه صدر نتيجة إكراه من الطاعن أثر في رضاء البائعات، واستند الحكم في توافر الإكراه إلى أنهن أرغمن على التوقيع على العقد وهن سيدات قرويات غير مثقفات، وأن الطاعن وهو صاحب شوكة ونفوذ بوصفه شيخ بلد أخذ ينازعهن كورثة، ويعطل سير دعوى إثبات الوراثة ووضع يده على أعيان التركة، وأن أعيرة نارية أطلقت أثناء قياس الأرض بقصد فرض الصلح، هذا في حين أن المطعون عليهم قرروا في دفاعهم أمام محكمة الموضوع أن البيع تم نتيجة صلح وقرر شاهداهم اللذان أخذت المحكمة بأقوالهما أن الأولاد الذكور للبائعات هم الذين كانوا يباشرون إجراءات الصلح نيابة عنهن مع اثنين من المحامين كوكيلين عنهن، وأنهم حملوا إليهن عقد البيع فوقعن عليه، وهو ما ينتفي معه وجود رهبة حملت البائعات على إبرام العقد. كما ثبت أن البائعات لجأن إلى القضاء ورفعن دعوى إثبات الوراثة ودعوى أخرى بفرض الحراسة القضائية على أعيان التركة، فلا يكون الخطر الذي هددهن جسيماً ومحدقاً ما ينتفي معه القول بحصول إكراه. هذا إلى أن مجرد الشوكة والنفوذ الأدبي لا يكفي لقيام الإكراه الدافع إلى التعاقد بل يجب أن يكون مقترناً بوسائل إكراه غير مشروعة، وهو ما لم يتوافر في الدعوى لأن منازعة الطاعن في الدعاوى التي اختصم فيها وكذلك وضع يده على أعيان التركة بوصفه أحد الورثة يعتبر عملاً مشروعاً يقره القانون. أما بالنسبة للأعيرة النارية فلا صلة للطاعن بها ولا يسأل عنها، ذلك أن شاهدي المطعون عليهم قررا أن الغير هو الذي أطلقها. وإذ قرر الحكم المطعون فيه رغم ذلك كله أن البيع صدر من البائعات تحت تأثير إكراه من الطاعن، فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه لما كان الإكراه المبطل للرضا يتحقق - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - بتهديد المتعاقد المكره بخطر جسيم محدق بنفسه أو بماله أو باستعمال وسائل ضغط أخرى لا قبل له باحتمالها أو التخلص منها، ويكون من نتيجة ذلك حصول رهبة تحمله على الإقرار بقبول ما لم يكن ليقبله اختياراً، وكان النفوذ الأدبي إذا اقترن بوسائل إكراه غير مشروعة بقصد الوصول إلى غرض غير مشروع يعتبر كافياً لإبطال العقد، وكان تقدير وسائل الإكراه ومبلغ جسامتها وتأثيرها في نفس المتعاقد هو من الأمور الموضوعية التي يستقل بالفصل فيها قاضي الموضوع مراعياً في ذلك جنس من وقع عليه وسنه وحالته الاجتماعية والصحية وكل ظرف آخر من شأنه أن يؤثر في جسامة الإكراه. لما كان ذلك وكان يبين من الحكم المطعون فيه أنه بعد أن أورد أقوال شاهدي المطعون عليهم اللذين سمعتهما محكمة أول درجة، قرر في شأن توافر الإكراه في حق الطاعن ما يلي "إن هذه المحكمة تستبين من أقوال الشاهدين على الوجه المتقدم ذكره حصول إكراه أثر في رضاء البائعات ويبين ذلك من كون المستأنف ضده - الطاعن - له من الشوكة والنفوذ الأدبي بوصفه شيخ بلد وقتئذ وله سلطة في البلدة بالإضافة إلى ما قام به من الإكراه والتهديد الذي يتمثل في تهديدهن بحرمانهن من حقهن في الميراث بل وفي وضع يده على أعيان التركة جميعها، ولقد تأيد ذلك من محضر حصر التركة وعدم تمكينهن من وضع يدهن ومحاولة البائعات دون جدوى الوصول إلى حقوقهن، إذ قام بتعطيل صدور الإعلام الشركة بوراثتهن بل وفي المنازعة في صفاتهن كورثة وتعطيله سير دعوى الوراثة بأن كان يحرض البعض على الوقوف في وجوههن كي يشهدوا بأنهن لسن وارثات للمورث لكي لا يتمكن من الوصول إلى إثبات صفاتهن، بل وفي إطلاق الأعيرة النارية أثناء قياس الأرض للصلح، وإن كان الأمر قد أبلغ للنقطة التي أنهت الموضوع ودياً، وترى المحكمة في ذلك كله ومع مراعاة أن هذا الإكراه قد وقع على البائعات وهن سيدات قرويات غير مثقفات ضعيفات ومعوزات ومع ظروف إقامتهن بالريف وإلى جوار المستأنف ضده وهو شيخ بلد ذو شوكة ونفوذ أدبي، ترى من هذه الظروف والملابسات أن ما حصل من إكراه كاف ومؤثر في جسامة هذا الإكراه.... الأمر الذي يبطل هذا العقد"، وكان الواضح من هذا الذي أورده الحكم أنه في سبيل إثبات توافر الإكراه قد بين أن الطاعن إلى جانب نفوذه الأدبي كشيخ بلد استعمل وسائل إكراه غير مشروعة لإكراه البائعات على التوقيع على عقد البيع موضوع الدعوى دون أن يدفع فيه ثمناً بقصد الحصول على نصيب في تركة المورث يزيد عما يستحقه شرعاً، وإذ تتمثل وسائل الإكراه غير المشروعة التي حصلها الحكم في تهديد الطاعن للبائعات بالحرمان من الحصول على نصيبهن في الميراث وتسخير الشهود كي يشهدوا بأنهن لسن وارثات خلافاً للحقيقة، وفي وضع يده على جميع أعيان التركة رغم أنه ابن أخ المورث ولا يستحق شرعاً سوى نصيب ضئيل فيها، وفي إطلاق أعيرة نارية أثناء قياس الأرض قبل التوقيع على العقد، وكانت وسائل الإكراه التي استعملها الطاعن والغرض الذي أراد الوصول إليه كلاهما - وعلى النحو السالف بيانه - غير مشروع، وكان يبين من أقوال شاهدي المطعون عليهم التي أوردها الحكم المطعون فيه أن الشاهد الأول قرر أن الأعيرة النارية أطلقها أشخاص تابعون للطاعن كانوا موجودين في زراعته، وقد أخذ الحكم في حدود سلطته التقديرية بأقوال هذا الشاهد ورأى أن الطاعن استعان بهذه الوسيلة الغير مشروعة لتهديد البائعات حتى يوقعن على عقد البيع دون أن يدفع لهن ثمناً، وكان الحكم قد قدر في حدود سلطته الموضوعية مدى جسامة وسائل الإكراه التي استعملها الطاعن مع البائعات ومدى تأثيرها عليهن، وخلص إلى أنها أوقعت في نفوسهن رهبة هي التي حملتهن على التوقيع له على عقد البيع دون أن يقبضن ثمناً، وإذ راعى الحكم في ذلك حالة البائعات الاجتماعية وعلاقتهن بالطاعن والظروف التي أحاطت بهن من حيث إقامتهن في الريف إلى جوار الطاعن وهو شيخ بلد له نفوذه الأدبي، وكان هذا الذي قرره الحكم وانتهى إليه يكفي لتحقيق الإكراه، ويحمل الرد على ما يتحدى به الطاعن في نفيه الإكراه من أن البيع تم نتيجة صلح، وأن آخرين اشتركوا نيابة عنهن في إجراءات هذا الصلح أو أن الخطر الذي هددهن ليس جسيماً ومحدقاً لأنهن رفعن دعاوى أمام القضاء، فإن النعي على الحكم بالخطأ في تطبيق القانون يكون على غير أساس.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق