الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 26 مارس 2023

الطعن 325 لسنة 30 ق جلسة 10 / 6 / 1965 مكتب فني 16 ج 2 ق 117 ص 736

جلسة 10 من يونيه سنة 1965

برياسة السيد المستشار/ محمود توفيق إسماعيل، وبحضور السادة المستشارين: حافظ محمد بدوي، ومحمد صادق الرشيدي، والسيد عبد المنعم الصراف، وعباس حلمي عبد الجواد.

-----------------

(117)
الطعن رقم 325 لسنة 30 القضائية

(أ) تعويض. "التعويض عن الضرر المستقبل". ضرر.
ضرر مستقبل. التعويض عنه متى كان محقق الوقوع.
(ب) تعويض. "تقدير التعويض".
الضرر الناجم عن هدم المنزل لعيب فيه. التعويض عنه. شموله ما دفع إلى المقاول من أجر المقاولة ومصاريف الهدم وما يفوت من كسب يتمثل في الحرمان من الانتفاع بالمبنى في المدة اللازمة للهدم وإعادة البناء. إنقاصه بقدر قيمة إنقاص المبنى.
(ج) مقاولة. "التزامات المقاول". مسئولية. "المسئولية العقدية". "مسئولية المقاول".
تسلم رب العمل البناء. العيوب الخفية التي لا يستطيع صاحب البناء كشفها عند التسلم. ضمان المقاول والمهندس عنها. عدم سقوطه بالتسليم.
(د، هـ) مقاولة. "التزامات المقاول". مسئولية. "المسئولية العقدية". "مسئولية المقاول". حكم. "عيوب التدليل". "القصور". "ما لا يعد كذلك".
(د) مسئولية المقاول. م 651 مدني. قيامها بحصول تهدم بالمبنى خلال مدة الضمان ولو كان ناشئاً عن عيب في الأرض ذاتها. 

(هـ) التزام المقاول التزام بنتيجة هي بقاء البناء سليماً متيناً لمدة عشر سنوات. لا حاجة لإثبات خطأ في جانب المقاول.

------------------
1 - التعويض كما يكون عن ضرر حال فإنه يكون أيضاً عن ضرر مستقبل متى كان محقق الوقوع فإذا كانت محكمة الموضوع قد انتهت - في حدود سلطتها التقديرية - إلى أن هدم المبنى أمر محتم ولا محيص من وقوعه، فإنها إذ قدرت التعويض المستحق للمطعون ضدها على أساس وقوع هذا الهدم، لا تكون قد قدرته عن ضرر احتمالي وإنما عن ضرر مستقبل محقق الوقوع.
2 - لا وجه لتضرر الطاعن من تقدير التعويض على أساس هدم المنزل ما دامت محكمة الموضوع قد انتهت في حدود سلطتها التقديرية إلى أن إصلاح العيب الموجود في أساس المبنى - وهو ما كان يقتضيه الحكم بالتنفيذ العيني - يتكلف أضعاف ما انتهت المحكمة إلى القضاء به من تعويض.
3 - تسلم رب العمل البناء تسلماً نهائياً غير مقيد بتحفظ ما من شأنه أن يغطي ما بالمبنى من عيوب كانت ظاهرة وقت حصول هذا التسلم أو معروفة لرب العمل، أما ما عدا ذلك من العيوب مما كان خفياً لم يستطع صاحب البناء كشفه عند تسلمه البناء فإن التسليم لا يغطيه ولا يسقط ضمان المقاول والمهندس عنه. فإذا كان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى أن العيب الموجب لضمان المقاول ناشئ عن خطئه في إرساء الأساسات على أرض طفلية غير صالحة للتأسيس عليها وعدم النزول بهذه الأساسات إلى الطبقة الصلبة الصالحة لذلك وأن التسليم لا ينفي ضمان المقاول لهذا العيب فإنه لا يكون قد خالف القانون لأن هذا العيب يعتبر من غير شك من العيوب الخفية التي لا يغطيها التسليم.
4 - يكفي لقيام الضمان المقرر في المادة 651 سالفة الذكر حصول تهدم بالمبنى ولو كان ناشئاً عن عيب في الأرض ذاتها وبحسب الحكم إقامة قضائه بمسئولية المقاول طبقاً لهذه المادة على حدوث هذا التهدم خلال مدة الضمان.
5 - التزام المقاول والمهندس الوارد في المادة 651 من القانون المدني هو التزام بنتيجة هي بقاء البناء الذي يشيدانه سليماً ومتيناً لمدة عشر سنوات بعد تسليمه ومن ثم يثبت الإخلال بهذا الالتزام بمجرد إثبات عدم تحقق تلك النتيجة دون حاجة لإثبات خطأ ما.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون ضدها أقامت على الطاعن الدعوى رقم 1961 سنة 1955 كلي القاهرة طالبة الحكم (أولاً) بإلزامه بأن يدفع لها مبلغ 4884 ج و500 م (ثانياً) ببراءة ذمتها من مبلغ 340 جنيهاً الباقي من أجر المقاولة والمحرر به سندات بيد المدعى عليه تاريخها 25/ 4/ 1953 وتستحق الأداء كل شهر ابتداء من 5/ 9/ 1954 (ثالثاً) بأحقيتها في إزالة المبنى المشار إليه بالصحيفة - وقالت المطعون ضدها في بيان دعواها إنه بموجب عقد تاريخه 29 من يوليه سنة 1952 اتفقت مع الطاعن على أن يقوم بتشييد عمارة لها من دور واحد على قطعة أرض مملوكة لها بحي المعادي ونص في البند "ثالثاً" من العقد على أن الطاعن "يتعهد بأن يسلم المبنى كاملاً مما جميعه تسليم مفتاح مطابقاً للمواصفات في بحر خمسة شهور من تاريخ توقيع العقد وأن يعمل الأساس على اعتبار أنه يتحمل أربعة أدوار وأنه هو المسئول عن هذا حيث إنه المصمم والمنفذ" وأنه حدث بعد تسلمها المبنى أن ظهرت فيه عيوب فأخطرت الطاعن بها وقد حاول إصلاحها دون جدوى واستفحلت تلك العيوب حتى أصبح المبنى في حالة خطيرة وغير صالح إطلاقاً وإزاء ذلك أقامت الدعوى المستعجلة رقم 619 سنة 1955 مستعجل القاهرة بطلب إثبات حالة المبنى وندب فيها خبير لهذا الغرض وقدم تقريراً أبان فيه ما في المبنى من عيوب جوهرية ومخالفات عديدة للمواصفات المتفق عليها وانتهى في هذا التقرير إلى أن المبنى بحالته يستحيل عليه تحمل إقامة أي أدوار فوقه - ومضت المطعون ضدها قائلة إنه لما كانت المقاولة نظير مبلغ 3200 جنيه تسلم منه الطاعن 2870 جنيهاً والباقي وقدره 330 جنيهاً حررت به سندات لصالحه وكان المبنى غير صالح ويتحتم هدمه وإعادة بنائه فقد طلبت إلزام الطاعن برد ما قبضه وقدره 2870 جنيهاً مضافاً إليه مبلغ 500 جنيه مقابل تكاليف هدم البناء ومبلغ 1500 جنيه تعويضاً لها عن حرمانها من الانتفاع بالمبنى في المدة اللازمة للهدم وإعادة البناء وغير ذلك من الأضرار التي أصابتها ومبلغ 14 ج و500 م مصاريف دعوى إثبات الحالة كما طلبت الحكم ببراءة ذمتها من المبلغ الباقي عليها من أجر المقاولة والمحرر به سندات لصالح الطاعن وبأحقيتها في إزالة المبنى. دفع الطاعن الدعوى بأن مسئوليته عن المبنى قد انتهت بتسليمه للمطعون ضدها بموجب محضر تسليم نهائي حرر في 25 من أبريل سنة 1953. وقال عن العيوب التي ظهرت بأنها مجرد شروخ عادية يمكن إصلاحها بسهولة وبتكاليف زهيدة وطعن في تقرير خبير إثبات الحالة فأصدرت المحكمة الابتدائية في 18 من فبراير سنة 1956 حكماً بندب الخبير الهندسي عبد الحليم حلمي لمعاينة المبنى وبيان ما به من عيوب لا تستطيع مثل المدعية اكتشافها وقت حصول التسليم وبيان مدى خطورة هذه العيوب وتقدير التعويض المستحق للمدعية في حالة عدم إمكان إصلاحها ووجوب هدم المبنى ولما قدم هذا الخبير تقريره مؤيداً فيه رأي خبير دعوى إثبات الحالة اعترض الطاعن على هذا التقرير وطلب من المحكمة ندب خبير فني في أمور الخرسانة المسلحة فأجابته المحكمة إلى هذا الطلب وندبت الدكتور العروسي أستاذ مادة الخرسانة بكلية الهندسة بجامعة عين شمس وقدم هذا الخبير تقريراً أثبت فيه العيوب الموجودة في المبنى وما وقع من الطاعن من مخالفات للمواصفات المبينة بالعقد وانتهى الخبير إلى أنه وإن كان يتفق مع الخبيرين السابقين فيما انتهيا إليه من أن المبنى بحالته لا يمكن أن يتحمل أي أدوار عليه إلا أنه يختلف معهما في تعليل ذلك إذ هو يرى أن السبب الرئيسي لما وجد في المبنى من عيوب ولعدم قدرته على تحمل أدوار عليه لا يرجع إلى نقص في التسليح أو عيوب في الخرسانة كما قرر الخبيران السابقان وإنما مرده إلى أن الأساسات وضعت على تربة طفلية غير صالحة للتأسيس عليها وأنه كان من الواجب النزول بالأساسات إلى الطبقة الصلبة الصالحة - ولم يرض الطاعن أيضاً بهذا التقرير وقدم رداً عليه تقريرين من خبيرين استشاريين وبتاريخ 20 ديسمبر سنة 1958 حكمت محكمة القاهرة الابتدائية بإلزام الطاعن بأن يدفع للمطعون ضدها مبلغ 2520 جنيهاً ومصاريف هذه الدعوى ودعوى إثبات الحالة وأسست حكمها بهذا المبلغ على ما بان لها من أن العقار يتحتم هدمه وإعادة بنائه وأن التعويض المقضي به يشمل مبلغ 2870 جنيهاً قيمة ما قبضه الطاعن لأن هذا المبلغ يعتبر خسارة على المطعون ضدها قد تحققت ومبلغ 150 جنيهاً مقابل مصاريف الهدم و150 جنيهاً مقابل حرمان الأخيرة من الانتفاع بالمبنى في المدة اللازمة للهدم وإعادة البناء فيكون المجموع 3170 جنيهاً خصمت منه المحكمة مبلغ 650 جنيهاً قيمة ما قدره الخبير ثمناً للأنقاض وخزان الصرف وحكمت بالباقي وقد استأنف الطاعن هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة وقيد استئنافه برقم 383 سنة 76 ق وبتاريخ 21 مايو سنة 1960 حكمت تلك المحكمة بتأييد الحكم المستأنف فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة مذكرة رأت فيها رفض الطعن ولما عرض الطعن على دائرة فحص الطعون قررت في 31 ديسمبر سنة 1963 إحالته إلى هذه الدائرة وبالجلسة المحددة لنظره تمسكت النيابة برأيها السابق.
وحيث إن الطعن بني على سببين ينعى الطاعن في أولهما على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه من ثلاث أوجه ويقول في بيان الوجه الأول إن المطعون ضدها عندما رفعت دعواها ضده طلبت في صحيفتها الحكم بأحقيتها في إزالة المبنى وبإلزام الطاعن برد ما قبضه مع التضمينات عن حرمانها من الانتفاع بالمبنى مدة الهدم وإعادة البناء وقد اختار الحكم الابتدائي القضاء لها بالتضمينات ولم يقض بالتنفيذ العيني واستند في احتسابه لعناصر هذه التضمينات إلى ما جاء بتقرير الخبير الدكتور العروسي في هذا الشأن وهذا الخبير قدر التعويض على افتراض هدم المبنى لإعادة بنائه وعلى هذا الأساس قدر قيمة المبنى بمبلغ 550 جنيهاً باعتبار أنه مستحق الهدم بينما أجر المقاولة المتفق عليه هو مبلغ 3200 جنيه وقد اعتنقت محكمة الاستئناف مذهب الحكم الابتدائي في تقدير التعويض، وإذ كان الضرر الذي أصاب المطعون ضدها مقصوراً في الفرق بين قيمة المبنى سليماً أي قادراً على تحمل الأدوار الثلاثة وقيمته معيباً غير قادر على ذلك وكان الحكم المطعون فيه لم يقض بهدم المبنى فإنه إذ قدر التعويض على افتراض حصول هذا الهدم يكون قد خالف قواعد تقدير التعويض الواردة في المادة 221 من القانون المدني والتي توجب تقدير التعويض في هذه الحالة على أساس بقاء المبنى لا على أساس هدمه كما خالف الحكم القانون بإلزامه الطاعن بمصاريف الهدم مع أنه أمر غير محقق ما دام الحكم لم يقض به والضرر الذي يعوض هو الضرر الحقيقي أو المحقق الوجود لا الضرر الاحتمالي كذلك فإن الحكم عندما قضى بإلزام الطاعن برد جميع ما قبضه قد فاته أن يخصم من هذا المبلغ ما قبضته المطعون ضدها من غلة المنزل في مدة السبع سنوات التي استغلته فيها بحالته كما فات الحكم أيضاً أن الطاعن يداينها بباقي أجر المقاولة وأنها تأخرت في الوفاء به رغم المطالبة الرسمية مما يجعلها مسئولة عن دفع الفوائد القانونية ويتحصل الوجه الثاني في أن الحكم المطعون فيه أسقط الدلالة القانونية لمحضر التسليم النهائي الذي وقعه الطرفان في 25 من أبريل سنة 1953 والتي مقتضاها إبراء ذمة المقاول (الطاعن) وعدم مساءلته عن أي عيب كان موجوداً بالمبنى وقت التسليم لرضاء صاحب المبنى بحالته الظاهرة التي كان عليها في هذا الوقت ويتحصل الوجه الثالث في أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق المادة 651 من القانون المدني على واقعة النزاع وفي بيان ذلك يقول الطاعن إنه تمسك أما محكمة الموضوع بعدم انطباق هذه المادة لأن ما وجد في المبنى من شروخ وشقوق أثبتها الخبير الدكتور العروسي لا يعتبر تهدماً كلياً أو جزئياً ولا خللاً خطيراً يهدد سلامة البناء أو متانته تهديداً حالاً وإنما يعتبر - لو أخذ برأي هذا الخبير - عيباً في قدرة البناء على تحمل أدوار عليا بسبب إقامته على طبقة طفلية غير صالحة وعدم الهبوط بالأساسات إلى الطبقة الصالحة وهذا يعتبر نقصاً في التنفيذ يصلح مبرراً للتعويض في حدود هذه المخالفة ولكنه لا يسوغ تطبيق المادة 651 وقد رد الحكم على هذا الدفاع بأن الواضح من تقرير الخبير المذكور حدوث تهدم جزئي في مبنى النزاع وأن به من العيوب ما يهدد متانته التي اتفق المتعاقدان على وجوب توافرها له وهذا القول من الحكم ينطوي في شقه الأول على خطأ في الإسناد إذ لم يرد في تقرير الخبير أو محاضر أعماله أي ذكر لوجود تهدم جزئي في البناء بل إن ما قاله الخبير هو وجود مخالفة للمواصفات وللأصول الفنية وينطوي شقه الثاني على مخالفة للقانون لأن المشرع في المادة 651/ 1 لم يقصد المتانة التي يتفق عليها العاقدان وإنما المتانة التي تتوافر في البناء القائم بالفعل ومن الخطأ القول بجواز تطبيق هذه المادة على المباني المستقبلة ولا يمنع من توافر المتانة في المبنى محل النزاع عجزه عن تحمل أدوار أخرى بسبب إرساء الأساسات على الطبقة الطفلية غير الصالحة للتأسيس عليها لأن هذا ليس بعيب في البناء ذاته وإنما هو عيب في الأرض التي أرسيت عليها الأساسات وليس من شأنه تهديد سلامة المبنى القائم أو متانته في الحال لأن التهديد - بحسب رأي الخبير الذي أخذ به الحكم المطعون فيه - إنما يكون إذا بنيت أدوار أخرى أي أنه تهديد باعتبار ما سيكون.
وحيث إن هذا النعي مردود في وجهه الأول بأن الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه وإن لم يقض في منطوقه بهدم المبنى إلا أنه والحكم المطعون فيه قد انتهيا في أسبابهما إلى أن العيوب الموجودة في المبنى يتحتم معها هدمه وأضاف الحكم المطعون فيه قوله "إنه لا فائدة من إصلاح العيوب الموجودة ما دام الأساس غير صالح لإقامة أدوار عليه وأن الأساسات الحالية لا يمكن إصلاحها بتكاليف معقولة لأن إصلاحها يتكلف أضعاف التكلفة فيما لو أزيل المبنى وأقيم غيره بالطريقة الصحيحة" ومتى كانت محكمة الموضوع قد انتهت في حدود سلطتها التقديرية إلى أن الهدم أمر محتم ولا محيص من وقوعه فإنها إذ قدرت التعويض المستحق للمطعون ضدها على أساس وقوع هذا الهدم لا تكون قد قدرته عن ضرر احتمالي وإنما عن ضرر مستقبل محقق الوقوع وهذا جائز لأن التعويض كما يكون عن ضرر حال فإنه يكون أيضاً عن ضرر مستقبل متى كان محقق الوقوع هذا إلى أنه لا وجه لتضرر الطاعن من تقدير التعويض على أساس هدم المنزل ما دامت محكمة الموضوع قد انتهت في حدود سلطتها التقديرية إلى أن إصلاح العيب الموجود في أساس المبنى - وهو ما كان يقتضيه الحكم بالتنفيذ العيني - هذا الإصلاح يتكلف أضعاف ما انتهت المحكمة إلى القضاء به من تعويض، كذلك فإنه ما دام الحكم المطعون فيه قد خلص إلى أن الهدم أمر محقق الوقوع فإنه إذ جعل التعويض شاملاً لما سيلحق المطعون ضدها حتماً في حالة هدم المبنى من خسارة تتمثل في المبلغ الذي دفعته للطاعن من أجر المقاولة ومصاريف الهدم وما سيفوتها من كسب يتمثل في حرمانها من الانتفاع بالمبنى في المدة اللازمة للهدم وإعادة البناء وخصم من مجموع ذلك كل ما ستفيده المطعون ضدها من أنقاض المبنى بعد هدمه إذ قدر الحكم المطعون فيه التعويض على هذا الأساس فإنه لا يكون قد خالف القاعدة المنصوص عليها في المادة 221 من القانون المدني لأن هذه المادة تقضي بأن يشمل التعويض ما لحق الدائن من خسارة وما فاته من كسب. أما ما يعيبه الطاعن على الحكم من أنه لم يخصم من المبلغ الذي ألزمه به مقابل استغلال المطعون ضدها للمبنى بحالته منذ أن تسلمته في 25 من أبريل سنة 1953 فإن الحكم المطعون فيه قد علل عدم خصم هذا المقابل بقوله "إن ما أصابته المستأنف ضدها (المطعون ضدها) من استغلال المبنى في هذه المدة يمثل ريع الأرض التي تملكها وفائدة المبالغ التي أنفقتها في إقامة البناء منذ دفعتها حيث تستوفي بعضها بطريق التعويض" ومفاد ذلك أن الحكم لم يغفل عند تقديره للتعويض ما أفادته المطعون ضدها من استغلال المبنى بحالته وإنما هو قد اعتبر هذه الفائدة مقابل ما تستحقه المطعون ضدها في ذمة الطاعن من ريع أرضها المقام عليها المبنى وفوائد المبالغ التي دفعتها له من أجر المقاولة - أما ما ينعاه الطاعن على الحكم من إغفاله احتساب الفوائد القانونية المستحقة له عن المبلغ المتبقي له في ذمة المطعون ضدها من أجر المقاولة فإنه لما كان الطاعن لم يقدم لمحكمة النقض ما يدل على أنه طلب من محكمة الموضوع القضاء له بهذه الفوائد أن استنزالها مما هو مستحق عليه من تعويض فإن نعيه على الحكم إغفال هذا الطلب يكون على غير سند. والنعي مردود في وجهه الثاني بأنه وإن كان ما قرره الحكم المطعون فيه من أن التسليم لا ينفي قيام الضمان المنصوص عليه في المادة 651 غير صحيح على إطلاقه لأن القانون وإن كان قد مد ضمان المقاول والمهندس إلى ما بعد تسلم المباني على خلاف ما يقتضيه عقد المقاولة من انقضاء الالتزام بالضمان بتسلم البناء مقبولاً بحالته الظاهرة التي هو عليها إلا أنه لا يترتب على ذلك أن التسليم يغطي جميع العيوب ما كان منها ظاهراً أو خفياً بل إن الذي جرى به قضاء هذه المحكمة هو أن تسلم رب العمل البناء تسلماً نهائياً غير مقيد بتحفظ ما من شأنه أن يغطي ما بالمبنى من عيوب كانت ظاهرة وقت حصول هذا التسلم أو معروفة لرب العمل أما ما عدا ذلك من العيوب مما كان خفياً لم يستطع صاحب البناء كشفه عند تسلمه البناء فإن التسليم لا يغطيه ولا يسقط ضمان المقاول والمهندس عنه - وإن كان ما قرره الحكم في هذا الخصوص غير دقيق لأنه غير صحيح على إطلاقه كما تقدم الذكر إلا أنه لما كان هذا الحكم قد انتهى على ما يبين من أسبابه إلى أن العيب الموجب لضمان الطاعن ناشئ عن خطئه في إرساء الأساسات على أرض طفلية غير صالحة للتأسيس عليها وعدم النزول بهذه الأساسات إلى الطبقة الصلبة الصالحة لذلك وكان هذا العيب يعتبر من غير شك من العيوب الخفية التي لا يغطيها التسليم فإن الحكم المطعون فيه إذ انتهى إلى اعتبار أن التسليم لا ينفي ضمان الطاعن لهذا العيب فإنه يكون قد انتهى إلى نتيجة موافقة للقانون ويكون النعي عليه لما ورد في تقريراته القانونية في هذا الخصوص من خطأ غير منتج. والنعي مردود في وجهه الثالث بأن الحكم المطعون فيه رد على ما أثاره الطاعن لدى محكمة الموضوع من عدم انطباق المادة 651 من القانون المدني لعدم حصول تهدم كلي أو جزئي في البناء - رد على ذلك بقوله "وحيث إن الواضح من تقرير الخبير العروسي أن مبنى النزاع قد حدث به تهدم جزئي وأن به من العيوب ما يهدد متانته التي اتفق المتعاقدان على وجوب توافرها له وقد أوضح الخبير في محضر أعماله ما بالمبنى من تهدم ومنه أن بعض الأعمدة أسفل الميد قد انفصل جزئياً عن الميد وباقي الأعمدة من أعلى في مساحة تبلغ نحو النصف بحيث فقدت الأعمدة نحو نصف قطاعها تحت سطح الأرض ونشأ عن ذلك الانفصال بين الميد والأعمدة وأن الأرض لم تقو على حمل الدور الذي أقيم عليها فحدث هبوط غير متساو للأساسات نشأ عنه شروخ عديدة تكاد تكون موزعة في المبنى جميعه وقد كادت الشروخ تعم جميع الحوائط مابين رأسية وأفقية وقد نفذ بعضها من داخل الحائط إلى واجهتها الخارجية كما وجدت الشروخ كذلك فوق كمرات السقف وبطولها وشمل الهبوط جميع الأرضيات إلا قليلاً ومالت إحدى واجهات المبنى وهي الواجهة القبلية التي بها دورات المياه..." ولما كان يبين من مطالعة الصورة الرسمية لتقرير الخبير الدكتور العروسي ومحضر أعماله أن ما نقله الحكم عنهما لا مخالفة فيه للثابت بهما ولئن كان الخبير لم يصف ما حدث بالمبنى مما أشار إليه الحكم نقلاً عن تقريره ومحضر أعماله بأنه تهدم جزئي فإن إضفاء هذا الوصف عليه من المحكمة لا يعتبر خطأ منها في الإسناد إذ من حقها بل من واجبها أن تتحقق مما إذا كان ما حدث بالمبنى يعتبر تهدماً أو عيباً مما يضمنه المقاول بمقتضى المادة 651 من القانون المدني لأن هذا شرط من شروط انطباق تلك المادة التي استندت إليها المطعون ضدها في دعواها - لما كان ذلك، وكانت المحكمة في وصفها لما حدث بالمبنى على النحو الذي بينته في حكمها - بأنه تهدم جزئي لم تجاوز سلطتها الموضوعية أو تخالف القانون وكان يكفي لقيام الضمان المقرر في المادة 651 سالفة الذكر حصول تهدم بالمبنى ولو كان ناشئاً عن عيب في الأرض ذاتها فإنه كان بحسب الحكم المطعون فيه لإقامة قضائه بمسئولية الطاعن طبقاً لهذه المادة إثبات حدوث هذا التهدم خلال مدة الضمان وبالتالي يكون كل ما قرره بعد ذلك من وجود عيوب أخرى بالمبنى من شأنها تهديد متانة البناء التي اتفق المتعاقدان على وجوب توافرها زائداً على حاجة الدعوى لم يكن يقتضيه الفصل فيها ومن ثم يكون النعي على ما ورد في هذا التقرير - أياً كان وجه الصواب فيه - غير منتج.
وحيث إن الطاعن ينعى في السبب الثاني على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب وفي بيان ذلك يقول إن هذا الحكم أسس قضاءه على ما جاء بتقرير الخبير الدكتور العروسي من أن الطاعن أخطأ بإرساء الأساسات على الطبقة الطفلية من الأرض وإذ كان يشترط لتقرير مسئوليته عن هذا الخطأ أن يثبت أن العيب في الأرض كان مما يسهل عليه كشفه وفقاً لقواعد الفن فإن كان العيب مما يصعب عليه كشفه فإنه يكون في حكم القوة القاهرة المعفية من المسئولية وكان الحكم المطعون فيه لم يتحدث عن هذا العنصر الهام في تحديد المسئولية فإنه يكون قد قصر في الأسباب اللازمة لحمل قضائه بمساءلة الطاعن تأسيساً على المادة 651/ 2 من القانون المدني كذلك فإن الحكم قد أخذ برأي خبير الخرسانة المسلحة الدكتور العروسي في تربة الأرض وصلاحيتها لتحمل الأساسات والبناء وأسقط رأي خبير ميكانيكا التربة الدكتور صبري مع أن ظاهر الحال يشهد برجاحة رأي الأخير لتخصصه ثم لعدم وقوع أي تهدم في المبنى مع مضي أكثر من سبع سنوات على تسليمه كما أن الحكم رفض تعيين خبير مرجح أو حتى مناقشة الخبيرين معاً فيما اختلفا عليه دون أن يورد أسباباً كافية لحمل قضائه في هذا الخصوص أو يبين أسباب اقتناعه برأي الخبير الدكتور العروسي وترجيحه لهذا الرأي على رأي الخبير الأخصائي الاستشاري الدكتور صبري. ثم إن الحكم قد أخطأ في الإسناد إذ نسب إلى الخبير الدكتور العروسي أنه قرر بوجود عيب يترتب عليه تهديد سلامة المبنى في حين أن هذا الخبير إنما جعل التهديد معلقاً على بناء الأدوار الثلاثة أي أنه تهديد مستقبل.
وحيث إن هذا النعي مردود في شقه الأول بأن الطاعن لم يقدم إلى محكمة النقض ما يدل على أنه تمسك أمام محكمة الموضوع بأن العيب في الأرض الموجب للضمان المقرر في المادة 651 من القانون المدني هو عيب كان يتعذر عليه كشفه فيأخذ حكم القوة القاهرة ومن ثم فليس له أن يتحدى بهذا الدفاع لأول مرة أمام محكمة النقض لما يخالطه من واقع يجب عرضه على محكمة الموضوع وحسب الحكم المطعون فيه لإقامة قضائه بمسئولية الطاعن وفقاً للمادة 651 سالفة الذكر أنه أثبت وجود عقد مقاولة محله منشئات ثابتة وحدوث تهدم جزئي بها خلال مدة الضمان ناشئ عن عيب في الأرض التي أرسى عليها الأساس ولم يكن على الحكم بعد ذلك أن يثبت وجود خطأ في جانب الطاعن (المقاول) لأن التزام المقاول والمهندس الوارد في المادة 651 هو التزام بنتيجة هي بقاء البناء الذي يشيدانه سليماً ومتيناً لمدة عشر سنوات بعد تسليمه ومن ثم يثبت الإخلال بهذا الالتزام بمجرد إثبات عدم تحقق تلك النتيجة دون حاجة لإثبات خطأ ما. ولئن كان قيام القوة القاهرة وما في حكمها تنتفي به مسئولية الطاعن عن الضمان إلا أنه ليس على محكمة الموضوع أن تفترض وجود هذا السبب وتبحثه بل يجب أن يدعيه الطاعن وفقاً لمسئوليته حتى تلتزم المحكمة ببحثه. والنعي مردود في شقه الثاني بأن ترجيح رأي خبير على رأي خبير آخر هو من إطلاقات محكمة الموضوع إذ هي لا تقضي إلا على أساس ما تطمئن إليه كما أنه لا تثريب عليها إذا هي لم تجب طلب مناقشة الخبراء الذين لم تتفق تقاريرهم مع تقرير الخبير الذي اطمأنت إليه وأخذت به وإذا هي لم تعين خبيراً مرجحاً لأنها صاحبة السلطة في تقدير ما إذا كان هذا الإجراء أو ذاك منتجاً في الدعوى أو غير منتج ولما كان ما أورده الحكم المطعون فيه من أسباب رداً على طلب مناقشة الخبيرين وتعيين خبير مرجح يفيد أن المحكمة لم تر حاجة إلى أحد هذين الإجراءين لاقتناعها بصحة النتيجة التي انتهى إليها الخبير الدكتور العروسي ولوضوح وجه الحق في الدعوى فلا معقب عليها في ذلك لتعلقه بأمر موضوعي - أما ما يعيبه الطاعن على الحكم المطعون فيه من خطأ في الإسناد فإنه بفرض صحته غير منتج لما سلف ذكره من أن ما قرره الحكم من وجود عيب في البناء يترتب عليه تهديد متانته كان استطراداً زائداً على حاجة الدعوى إذ كان بحسب الحكم ما أثبته من حدوث تهدم جزئي في البناء ومن ثم فإن وقوع خطأ في الإسناد في هذا التقرير الزائد لا يؤثر على سلامة الحكم.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن برمته على غير أساس متعيناً رفضه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق