جلسة 16 من يونيه سنة 1970
برياسة السيد المستشار/ الدكتور عبد السلام بلبع نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: بطرس زغلول، ومحمد نور الدين عويس، وإبراهيم علام، ومحمد أسعد محمود.
----------------
(169)
الطعن رقم 117 لسنة 36 القضائية
(أ) موظفون. "المرشد بميناء الإسكندرية". عقد.
المرشد في ميناء الإسكندرية لا يعد موظفاً عمومياً. عند قيامه بإرشاد السفينة يعد تابعاً للمجهز الذي ينوب عنه الربان. قيام علاقة من علاقات القانون الخاص بين المرشد والسفينة عند مساعدته لها في حالة الخطر.
(ب) قرار إداري. "تقدير أجر المرشد". اختصاص. "اختصاص ولائي".
القرار الإداري. ماهيته. قرار مدير عام مصلحة المواني والمنائر بتقدير أجر المرشد بميناء الإسكندرية ليس قراراً إدارياً. المنازعة في شأنه مما تختص به جهة القضاء العادي.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن الطاعن أقام الدعوى رقم 1084 سنة 1959 تجاري كلي الإسكندرية ضد شركة دي كاسترو باعتبارها وكيلة عن السفينة (ستيلفيو) والتي اندمجت في الشركة المطعون عليها وطلب الحكم بإلزامها بأن تدفع له مبلغ 200000 جنيه، وقال بياناً لدعواه إنه بتاريخ 25 يوليو سنة 1959 طلب ربان السفينة (ستيلفيو) المساعدة عندما أوشكت سفينته على الغرق إثر اصطدامها بالسفينة (دوناتيلابارودي) وأن هذا الاصطدام قد ترتب عليه تسرب المياه بداخلها وتعطيل آلاتها فخف الطاعن لمساعدتها وقام بقطرها إلى داخل ميناء الإسكندرية وجنح بها إلى مكان ضحل (الرملة البيضاء) فأنقذها بهذه المساعدة هي وحمولتها. وإذ كان يستحق عن ذلك مقابلاً عادلاً يقدره بالمبلغ المطالب به فقد أقام دعواه للحكم له بطلباته. دفعت المطعون عليها بعدم اختصاص جهة القضاء العادي بنظر الدعوى تأسيساً على أن ما قام به الطاعن باعتباره مرشداً بميناء الإسكندرية هو أمر ملزم به طبقاً لنص المادة الرابعة من القانون رقم 130 سنة 1948 الخاص بتنظيم الإرشاد بميناء الإسكندرية إذ أنه يلزم بمساعدة السفينة التي تكون في حالة خطر، وأنه في هذه الحالة يكون له الحق في أجر خاص يقدره المدير العام لمصلحة المواني والمنائر، وعلى أنه قد صدر قرار من مدير عام هذه المصلحة بتقدير أجر الطاعن عن مساعدته السفينة بمبلغ 20 ج وأن هذا القرار يعتبر قراراً إدارياً لا تختص جهة القضاء العادي بنظره، الأمر الذي تهدف الدعوى الحالية إليه فلا يختص به القضاء العادي. وبتاريخ 26/ 2/ 1962 قضت المحكمة بقبول الدفع وبعدم اختصاصها بنظر الدعوى. استأنف الطاعن هذا الحكم أمام محكمة استئناف الإسكندرية وقيد الاستئناف برقم 155 سنة 18 ق، وبتاريخ 28 ديسمبر سنة 1965 قضت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف، قرر الطاعن بالطعن في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن وبالجلسة المحددة لنظره التزمت النيابة رأيها السابق.
وحيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك يقول إن الحكم قضى بعدم اختصاص جهة القضاء العادي ولائياً بنظر الدعوى استناداً إلى أن تقدير مدير عام مصلحة المواني والمنائر لأجره عن مساعدته السفينة (ستيلفيو) يعتبر قراراً إدارياً تنطوي الدعوى الحالية على طلب إلغائه أو تأويله أو تعديله فلا تختص جهة القضاء العادي بنظرها. هذا في حين أن ما تقضي به المادة الرابعة من القانون رقم 130 سنة 1948 الخاص بتنظيم الإرشاد بميناء الإسكندرية من أن على المرشد أن يقدم المساعدة للسفينة التي في خطر وباستحقاقه أجراً خاصاً في هذه الحالة إنما ينشئ علاقة من علاقات القانون الخاص بين المرشد والسفينة تختص جهة القضاء العادي بنظر المنازعات الناشئة عنها ومنها تقدير أجر المرشد، وليس من شأن ما نصت عليه المادة الرابعة سالفة البيان ما يجعل هذا التقدير قراراً إدارياً يخرج المنازعة عن اختصاص جهة القضاء العادي، إذ أن هذا التقدير لا ينشئ مركزاً قانونياً وإنما هو في حقيقته نوع من الوساطة بين المرشد والسفينة ومقرر لتيسير العمل في الميناء ولا يترتب على قيام المرشد بمساعدة السفينة التي في حالة خطر قيام علاقة من علاقات القانون العام بينه وبينها، إذ فضلاً عن أن المرشد لا يعتبر موظفاً عمومياً فليس ما يمنع في علاقات القانون الخاص أن يتدخل المشرع لتنظيم غالبية الروابط الناشئة عنها بما يؤدي إلى عدم خضوعها لمبدأ سلطان الإرادة، غير أن الحكم خالف هذا النظر واعتبر قرار مدير عام مصلحة المواني والمنائر قراراً إدارياً ورتب على ذلك قضاءه بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر النزاع وهو ما يعيبه بالخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن هذا النعي في محله، ذلك أن المادة الثالثة من القانون رقم 130 سنة 1948 بتنظيم الإرشاد في ميناء الإسكندرية المنطبق على الدعوى إذ تنص "على كل سفينة خاضعة لالتزام الإرشاد تدخل منطقة الإرشاد أو تخرج منها أن ترفع على ساريتها الإشارة الخاصة بطلب المرشد" وتنص المادة الرابعة "على المرشد أن يجيب طلب السفينة بمجرد الإشارة المذكورة وأن يقدم خدماته للسفينة التي تتقدم أولاً أو التي يكون قد عهد إليه بها بصفة خاصة. ومع ذلك عليه أن يقدم مساعدته أولاً للسفينة التي تكون في خطر ولو لم يطلب إليه ذلك متى تبين له الخطر المحدق بها، وفي هذه الحالة يكون للمرشد الحق في أجر خاص يحدده المدير العام لمصلحة المواني والمنائر". وتنص المادة الخامسة على أنه "يجب لممارسة مهنة الإرشاد الحصول على إجازة بذلك من مصلحة المواني والمنائر ولا تتحمل الحكومة أية مسئولية عما يحدث من هلاك أو ضرر بسبب استخدام أحد المرشدين الحاملين لهذه الإجازة" وتنص المادة السادسة على أن "تبقى السفينة مسئولة قبل الغير عن كل هلاك أو ضرر ولو كان ناشئاً بسبب خطأ المرشد". فقد أفادت هذه المنصوص مترابطة بأنه وإن كان المرشد يجبر على إرشاد السفن في منطقة ميناء الإسكندرية كما تجبر السفن على قبول الإرشاد منه ضماناً لسلامة الملاحة في الميناء ولحسن سير العمل فيها كما يجبر المرشد على تقديم المساعدة أولاً للسفينة التي في خطر، ولئن رتب المشرع على تخلف المرشد عن أداء عمله بالإرشاد أو بالمساعدة الحكم عليه بعقوبة جنائية طبقاً لما تقضي به المادة الثانية عشرة من القانون 130 سنة 1948 سالف البيان، إلا أن ذلك لا يغير من أن المرشد يعتبر أثناء قيامه بعمله بإرشاد السفينة - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - تابعاً للمجهز لأنه يزاول نشاطه في هذه الفترة لحساب المجهز ويكون الحال كذلك ولو كان الإرشاد إجبارياً، وليس في هذا خروج عن الأحكام المقررة في القانون المدني في شأن مسئولية المتبوع، ذلك أن الفقرة الثانية من المادة 174 منه تقضي بأن رابطة التبعية تقوم ولو لم يكن المتبوع حراً في اختيار تابعه متى كانت له سلطة فعلية في رقابته وتوجيهه، ومجهز السفينة يمارس سلطة الرقابة والتوجيه على المرشد بواسطة ربانها، كما أن المرشد في ميناء الإسكندرية، وأخذاً مما ورد بالأعمال التحضيرية للقانون رقم 130 لسنة 1948 - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - لا يعتبر موظفاً عمومياً ولا تربطه بالدولة علاقة الوظيفة العامة، وليس في تحصيل الدولة لرسوم الإرشاد المنصوص عليها في المادة التاسعة من القانون رقم 130 سنة 1948 سالف البيان ما يجعل للمرشد صفة الموظف العمومي بل إن تحصيل رسوم الإرشاد بمعرفة مصلحة المواني والمنائر هو إجراء مقرر لتيسير تحصيلها وكفالة هذا التحصيل، بدليل أنها بعد تحصيلها تدفعها لهيئة الإرشاد وهي هيئة لها شخصيتها الاعتبارية الخاصة بها، وذلك بعد خصم المصروفات التي أنفقتها هذه المصلحة طبقاً لما تقضي به المادة الحادية عشرة من القانون رقم 130 سنة 1948 سالف البيان، وإذ كان ما يتقاضاه المرشد عن مساعدته السفينة التي في خطر هو وبصريح نص المادة الرابعة أجر خاص، فإن مفاد ذلك وعلى ضوء ما سلف بيانه سواء في تكييف مركز المرشد وعدم اعتباره موظفاً عمومياً أو في صلته بالسفينة من ناحية التبعية للمجهز أو استحقاقه رسوم الإرشاد، أن مفاد ذلك كله قيام علاقة من علاقات القانون الخاص بين المرشد والسفينة التي يقوم بمساعدتها في حالة الخطر منشؤها قيام المرشد بهذه المساعدة. لما كان ذلك وكان القرار الإداري الذي لا تختص جهة القضاء العادي بإلغائه أو تأويله أو تعديله هو ذلك القرار الذي تفصح به الإدارة عن إرادتها الملزمة بما لها من سلطة بمقتضى القوانين واللوائح وذلك بقصد إحداث مركز قانوني معين متى كان ممكناً وجائزاً قانوناً وكان الباعث عليه مصلحة عامة، وكانت دعوى الطاعن إنما تدور حول علاقة من علاقات القانون الخاص بينه وبين المطعون عليها بشأن ما يستحقه من أجر مقابل المساعدة التي يقوم بتقديمها للسفينة (ستيلفيو) فإن القرار الذي أصدره مدير عام مصلحة المواني والمنائر بتقدير الأجر الذي يستحقه الطاعن عن هذه العلاقة لا يعد قراراً إدارياً يباشر به عملاً من أعمال السلطة العامة وليس من شأنه إنشاء مركز قانوني، وكل ما يهدف إليه المشرع من تخويل مدير عام مصلحة المواني والمنائر إصدار هذا القرار هو مجرد إقامته وسيطاً بين المرشد والسفينة لتيسير فض النزاع بينهما في علاقة من علاقات القانون الخاص. لما كان ذلك فإن قرار مدير عام مصلحة المنائر بتقدير أجر الطاعن عن تلك المساعدة التي يقول بها لا يعتبر قراراً إدارياً، وإذ تختص جهة القضاء العادي بنظر جميع المنازعات المتعلقة بالعلاقات التي يحكمها القانون الخاص ما لم يرد نص بانتزاع هذا الاختصاص منها، وكانت المنازعة في الدعوى الحالية هي مما يدخل في علاقة من علاقات القانون الخاص على النحو السالف بيانه، وكان الحكم قد اعتبر قرار مدير عام مصلحة المواني والمنائر بتقدير أجر الطاعن عن مساعدة السفينة (ستيلفيو) قرار إدارياً، ورتب على ذلك القضاء بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى، فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون بما يستوجب نقضه لهذا السبب دون حاجة لبحث باقي أسباب الطعن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق