جلسة 11 من يونيه سنة 1970
برياسة السيد المستشار/ إبراهيم عمر هندي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: الدكتور محمد حافظ هريدي، وسليم راشد أبو زيد، ومحمد سيد أحمد حماد، وعلي عبد الرحمن.
---------------
(166)
الطعن رقم 28 لسنة 36 القضائية
(أ) تقادم. "تقادم مسقط". أوراق تجارية. "الأوراق المستحقة الدفع عند الاطلاع". سند إذني.
الأوراق التجارية المستحقة الدفع عند الاطلاع. بدء مدة تقادم الدعوى المتعلقة بها من اليوم التالي لإنشائها. المادة 194 من قانون التجارة.
(ب) التزام. "انقضاء الالتزام". "تجديد الدين". أوراق تجارية.
السند الذي يترتب عليه تجديد الدين وتغيير نوع التقادم شرطه. استقلاله عن الورقة التجارية والاعتراف فيه بالدين وكفايته بذاته لتعيين عناصر الالتزام وأن يكون لاحقاً لميعاد استحقاق الورقة التجارية.
(ج) نقض. "أسباب الطعن". "الأسباب المتعلقة بالنظام العام". نظام عام.
التمسك أمام محكمة النقض لأول مرة بسبب من الأسباب القانونية المتعلقة بالنظام العام. شرطه. أن تكون تحت نظر محكمة الموضوع عند الحكم في الدعوى جميع العناصر التي تتمكن بها من الإلمام بهذا السبب.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن أحمد طه جبراره - الطاعن - تقدم بطلب لاستصدار أمر بإلزام محمد يوسف صديق - المطعون عليه - بأن يدفع له مبلغ 2050 ج والمصاريف والأتعاب مع صحة الحجز التحفظي المتوقع بتاريخ 18/ 4/ 1964 على مركب الصيد المسماة (خيرية)، ورفض القاضي إصدار الأمر وحدد جلسة لنظر الدعوى، حيث قيدت برقم 146 سنة 1964 تجاري كلي بور سعيد، وقد أصر فيها المدعي على طلباته السابقة فيما عدا طلب صحة الحجز، وقال في بيان دعواه إنه يداين المدعى عليه في المبلغ المطالب به بمقتضى سبعة سندات إذنية محررة في 14/ 1/ 1959 كما حرر له سنداً منفرداً اعترف فيه بالمديونية وتعهد بعدم التصرف في المركب إلا بعد سداد الدين، ودفع المدعى عليه بسقوط الحق في إقامة الدعوى بمضي خمس سنين لأنها تتعلق بسندات إذنية حررت في 14/ 1/ 1959 وتستحق وقت الطلب، ولقد اكتملت مدة التقادم بانتهاء يوم 13/ 1/ 1964 وأن المدعي أوقع الحجز على المركب بعد هذا التاريخ، وأجاب المدعي على الدفع بأن السندات تحررت في 14/ 1/ 1959 وأن ميعاد استحقاقها هو 19/ 1/ 1959 أي اليوم التالي لانقضاء خمسة أيام يدخل فيها يوم تحريرها، وانقطع التقادم الخمسي بتوقيع الحجز على المركب في 16/ 1/ 1964 كما اعترف المدعى عليه بالدين بسند منفرد وأصبحت مدة التقادم خمس عشرة سنة لا خمس سنين، وبتاريخ 8/ 3/ 1965 حكمت المحكمة برفض الدفع المبدى من المدعى عليه بسقوط حق المدعي في إقامة الدعوى بالتقادم الخمسي وبإلزام المدعى عليه بأن يدفع للمدعي مبلغ 2050 ج والمصروفات و500 ق مقابل أتعاب المحاماة وشملت الحكم بالنفاذ المعجل وبلا كفالة. استأنف المدعى عليه هذا الحكم لدى محكمة استئناف المنصورة - مأمورية بور سعيد - طالباً إلغاءه والحكم بسقوط الحق في رفع الدعوى بالتقادم الخمسي وإلزام المدعي بالمصروفات عن الدرجتين ومقابل أتعاب المحاماة وقيد استئنافه برقم 47 سنة 6 ق، وبتاريخ 6/ 12/ 1965 حكمت المحكمة بقبول الاستئناف شكلاً وبإلغاء الحكم المستأنف بشقيه وبقبول الدفع المبدى من المستأنف محمد يوسف صديق (المطعون عليه) لسقوط الحق في إقامة الدعوى بالتقادم الخمسي وبإلزام أحمد طه جبراره (الطاعن) المصروفات عن درجتي التقاضي. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض للسببين الواردين في التقرير وعرض الطعن على هذه الدائرة حيث أصر الطاعن على طلب نقض الحكم ولم يحضر المطعون عليه ولم يقدم مذكرة بدفاعه وصممت النيابة على ما جاء بمذكرتها وطلبت رفض الطعن.
وحيث إن حاصل السبب الأول أن الحكم المطعون فيه خالف القانون وأخطأ في تطبيقه من وجهين (أولهما) أنه جرى في قضائه على أن مدة تقادم الدعوى المتعلقة بالسند الإذني تبدأ من اليوم التالي لتاريخ تحريره وأنها بدأت بالنسبة لهذه الدعوى منذ يوم 15/ 1/ 1959 مع أن المادة 128 من قانون التجارة جعلت الكمبيالة المسحوبة لدفع قيمتها لدى الاطلاع واجبة الدفع بمجرد تقديمها، وأوجبت المادة 160 منه على الحامل تقديم الكمبيالة للمسحوب عليه في الميعاد المبين بها وإلا سقط حقه في الرجوع على الضمان، كما جعلت المادة 191 منه ميعاد استحقاق أوراق الحوالات الواجبة الدفع لدى الاطلاع خمسة أيام يدخل فيها تاريخ التحرير إذا كانت مسحوبة في بلد واحد وثمانية أيام بخلاف مدة المسافة إذا كانت مسحوبة في بلد آخر، وذلك إذا لم يتقدم الساحب للمطالبة بها قبل هذا الميعاد، ولقد استقر الفقه والقضاء على أن مدة التقادم تبدأ من اليوم التالي لتاريخ التقديم الحاصل في المواعيد القانونية التي حددتها المادة 191، ويعتبر يوم التقديم في هذه الحالة هو ميعاد الدفع، أما إذا لم يحصل التقديم فتبدأ مدة التقادم من اليوم التالي لانقضاء المواعيد المحددة في تلك المادة، وأنه لما كانت السندات الإذنية موضوع الدعوى محررة في 14/ 1/ 1959 فإنها تكون واجبة الدفع في اليوم التالي لانقضاء الخمسة أيام المنصوص عنها في المادة 191 داخلاً فيها يوم تحريرها، وتبدأ مدة التقادم من 19/ 1/ 1959، وإذ أوقع الطاعن على سفينة المطعون عليه حجزين في 16/ 1/ 1959، 18/ 1/ 1959 وكان الحجز الثاني قد توقع في مواجهته فقد انقطع التقادم بهذا الحجز الأخير عملاً بالمادة 383 من القانون المدني (ثانيهما) أنه ذهب إلى أن الإقرار المؤرخ 14/ 1/ 1959 لا يعتبر سنداً منفرداً يترتب عليه تعديل التقادم وتحوله إلى تقادم عادي بعد أن كان تقادماً صرفياً، مستنداً في ذلك إلى أن هذا السند قد تحرر في تاريخ تحرير السندات الإذنية وأن عبارته صريحة في أن القصد من تحريره هو التعهد بعدم التصرف في المركب بالبيع أو بالرهن أو بأي طريق آخر إلى أن يستوفي الطاعن دينه، في حين أن المقصود بالسند المنفرد الذي يترتب عليه تجديد الدين وتحول التقادم من تقادم خمسي إلى تقادم عادي - على ما أجمع عليه الرأي - هو المحرر المشتمل على الاعتراف بالدين في صك مستقل عن الورقة التجارية بحيث يكفي بذاته لتعيين عناصر الالتزام الذي تضمنه يغير الاستعانة بالورقة التجارية التي يحل محلها ويعتبر المدين ملزماً بمقتضاه وحده، وإذ كان الصك المؤرخ 14/ 1/ 1959 قد تضمن إقرار المطعون عليه بالدين وتعهده بعدم التصرف في السفينة التي يملكها إلا بعد سداد ذلك الدين، فإنه بذلك يعتبر سنداً منفرداً يترتب عليه تحول التقادم الخمسي إلى تقادم عادي ولو لم يكن تاريخه مغايراً لتاريخ السندات، خاصة وأنه يبين من عباراته أنه تحرر بعد تحرير السندات وتأكيداً للدين.
وحيث إن هذا النعي مردود في الوجه الأول، ذلك أن المادة 194 من قانون التجارة قد نصت على أن "كل دعوى متعلقة بالكمبيالات وبالسندات تحت الإذن وتعتبر عملاً تجارياً أو بالسندات التي لحاملها أو بالأوراق المتضمنة أمراً بالدفع أو بالحوالات الواجبة الدفع بمجرد الاطلاع عليها وغيرها من الأوراق المحررة لأعمال تجارية يسقط الحق في إقامتها بمضي خمس سنين اعتباراً من اليوم التالي ليوم حلول ميعاد الدفع أو من يوم عمل البروتستو أو من يوم آخر مرافعة بالمحكمة إن لم يكن صدر حكم أو لم يحصل اعتراف بالدين بسند منفرد...". والمقصود بيوم حلول الدفع المنصوص عنه في هذه المادة هو الوقت الذي يستطيع فيه الدائن المطالبة بدينه، وإذ كان الدائن في الأوراق المستحقة الدفع عند الاطلاع يستطيع المطالبة بالدين من يوم إنشائها الذي يعتبر تاريخ استحقاقها الفعلي فإن مدة تقادم الدعوى المتعلقة بتلك الأوراق تبدأ من اليوم التالي لإنشائها، إذ كان ذلك وكان الثابت أن الطاعن قد استند في المطالبة بدينه إلى سبعة سندات إذنية صدرت من المطعون عليه بتاريخ 14/ 1/ 1959 وتستحق الدفع وقت الطلب، فإن لازم ذلك أن الطاعن يستطيع مطالبة المطعون عليه بالدين موضوع تلك السندات من تاريخ إنشائها في 14/ 1/ 1959 كما تبدأ مدة تقادم الدعوى المتعلقة بها من 15/ 1/ 1959 وتكتمل في 14/ 1/ 1964، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه لا يكون قد خالف القانون أو أخطأ في تطبيقه. ومردود في الوجه الثاني بأن السند الذي يترتب عليه تجديد الدين وتغيير نوع التقادم هو ذلك الصك الكتابي المستقل عن الورقة التجارية الذي يعترف فيه المدين بالدين ويكون كاملاً وكافياً بذاته لتعيين عناصر الالتزام الذي يتضمنه بغير حاجة إلى الاستعانة بالورقة التجارية التي حل محلها، بحيث يترتب عليه تجديد الدين ويصح معه اعتبار المدين ملتزماً بمقتضاه وحده، وعلى أن يكون لاحقاً لميعاد استحقاق الورقة التجارية حتى يمكن أن يترتب عليه قطع التقادم الذي يبدأ من اليوم التالي لتاريخ الاستحقاق، إذ كان ذلك وكان الثابت من الإقرار الذي يستند إليه الطاعن أنه تحرر في 14/ 1/ 1959 وأقر فيه المطعون عليه بمديونيته للطاعن في المبلغ المبين بالسندات الإذنية السبعة وتعهد بعدم التصرف في المركب المملوكة له والمشار إليها فيه إلا بعد سداد الدين موضوع السندات للطاعن وإلا كان تصرفه باطلاً، وكان ما استخلصته محكمة الموضوع من أن ذلك الإقرار لا يصلح لأن يكون سنداً منفرداً يترتب عليه تجديد الدين وتغيير طبيعة التقادم لصدوره في ذات التاريخ الذي صدرت فيه سندات المديونية وأنه لم يقصد بتحريره تجديد الدين بل تعهد المطعون عليه بعدم التصرف في المركب المملوكة له إلى أن يتم سداد الدين موضوع تلك السندات وكان استخلاصها سائغاً، فإن النعي على الحكم بمخالفة القانون والخطأ في تطبيقه يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى في السبب الثاني على الحكم المطعون فيه الفساد في التسبيب، وفي بيان ذلك يقول إن المستفاد من نص المادتين 189، 190 من قانون التجارة أن السند للأمر لا يخضع لأحكام الكمبيالة إلا في الأحوال التي يعتبر فيها السند عملاً تجارياً بمقتضى المادة 2 من قانون التجارة وهو لا يكون كذلك إلا إذا كان محرراً بسبب عملية تجارية فإذا كان مترتباً على عمل مدني فإنه يعتبر سنداً مدنياً ولو كان من حرره تاجر ويخضع لأحكام القانون المدني، ولا يعتبر العمل تجارياً بإرادة المتعاقدين لأن التفرقة بين العمل التجاري والعمل المدني من المسائل المتعلقة بالنظام العام والعبرة فيها بتوفر الشروط المنصوص عنها قانوناً، والمعول عليه في كون الشخص تاجراً أو غير تاجر ليس بما يصف به نفسه ولا بما يصفه غيره ولا بقيد اسمه في السجل التجاري بل باعتياده على القيام بالأعمال التجارية واتخاذها حرفة له وإذ اعتبرت محكمة الاستئناف الدين تجارياً ولم تبين سندها في ذلك وكان المطعون عليه صاحب سفينة صيد من الدرجة الأولى أي منتجاً وكانت للبضائع التي يشتريها من أخشاب ووقود وأسلاك وشباك وغيرها من الأدوات اللازمة لإنتاجه هي من مستلزمات السفينة، وكانت العادة قد جرت على أن يقترض أصحاب السفن من بعض الناس الأموال اللازمة لإعدادها وكانت تلك هي عملية القرض موضوع الدعوى، فإن الدين المطالب به يكون ديناً مدنياً لا يسقط إلا بمضي المدة الطويلة.
وحيث إن هذا النعي مردود بأنه - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - يشترط لجواز التمسك أمام محكمة النقض لأول مرة بأي سبب من الأسباب القانونية المتعلقة بالنظام العام أن يكون تحت نظر محكمة الموضوع عند الحكم في الدعوى جميع العناصر التي تتمكن بها من الإلمام بهذا السبب والحكم في الدعوى على موجبه، فإذا تبين أن هذه العناصر تنقصها فلا سبيل للتحدي بهذا السبب، ولما كان الدين المطالب به مؤسساً على سندات إذنية نص فيها أن القيمة ثمن بضاعة، وكان المطعون عليه قد دفع بسقوط دعوى الطاعن بمضي خمس سنين لتعلقها بسندات إذنية تعتبر عملاً تجارياً، ونازعه الطاعن في تاريخ بدء مدة هذا التقادم، وتمسك بتجديد الدين وبتغيير جوهر التقادم من تقادم صرفي إلى تقادم عادي بالإقرار الصادر من المطعون عليه دون أن يتمسك بأن تحرير السندات كان مترتباً على عملية مدنية، وكانت الأوراق قد خلت مما يدل على مدنية الدين ولم يكن في وسع محكمة الموضوع أن تتبين السبب الذي يتمسك به الطاعن فإن هذا السبب يكون غير مقبول.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.
(1) نقض 16/ 6/ 1966 مجموعة المكتب الفني السنة 17 ص 1399.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق