جلسة 11 من نوفمبر سنة 1965
برياسة السيد المستشار/ محمود توفيق إسماعيل نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: حافظ محمد بدوي، ومحمد صادق الرشيدي، وإبراهيم حسن علام، وسليم راشد أبو زيد.
--------------
(164)
الطعن رقم 60 لسنة 31 القضائية
دعوى. "عدم سماع الدعوى". قانون. "الأثر الفوري لقوانين المرافعات". أحكام عرفية.
عدم سماع أي دعوى أو طلب يكون الغرض منه الطعن على ما أمرت به أو تولته السلطة القائمة على الأحكام العرفية أو مندوبوها أمام أية جهة قضائية سواء كان الطعن مباشراً بطلب إبطاله أو غير مباشر بطلب التعويض عما تم (م 3 من القانون 270 لسنة 1956).
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن تتحصل في أن مورث المطعون ضدهم المرحوم عبد الرحمن العيسوي أقام على الطاعنين بصفتهم الدعوى رقم 5528 سنة 1954 كلي القاهرة وطلب فيها إلزامهم متضامنين بأن يدفعوا له ستة آلاف جنيه على سبيل التعويض مع المصروفات وقال في بيان دعواه إنه ألف كتاباً سماه "أضواء على السودان" وقبل أن يقوم بطبعه عرضه على الرقابة فأجازت طبعه ونشره غير أنه بعد أن انتهى طبع الكتاب في إحدى دور الطباعة فوجئ بصدور أمر عسكري في 12/ 5/ 1953 بمصادرة الكتاب وهو بعد في دار الطباعة لم يخرج إلى السوق - ولما كان هذا الأمر قد صدر مجافياً للحق والقانون وقد ألحق به ضرراً مادياًً وأدبياً جسيماً فقد رفع دعواه مطالباً بتعويض هذا الضرر. دفع الطاعنون من بين ما دفعوا به الدعوى أمام محكمة أول درجة بعدم جواز سماع الدعوى طبقاً للمادتين 1 و9 من الأمر العسكري رقم 1 لسنة 1952 وبجلسة 25/ 4/ 1955 قضت محكمة القاهرة الابتدائية برفض هذا الدفع وقبل الفصل في الموضوع بندب خبير في الدعوى لحصر ما كان قد تم طبعه من كتاب "أضواء على السودان" عند مصادرته وتحقيق ما لحق المدعي من خسائر مادية وأدبية بسبب المصادرة وتقدير التعويض المناسب - وبعد أن قدم الخبير تقريره قضت تلك المحكمة في 29/ 4/ 1957 بإلزام المدعى عليهم (الطاعنين) متضامنين وبصفتهم بأن يدفعوا للمدعي (مورث المطعون ضدهم) مبلغ 868 جنيهاً و50 مليماً على سبيل التعويض. استأنف الطاعنون هذا الحكم بالاستئناف رقم 577 سنة 74 ق وتمسكوا أمام محكمة الاستئناف بالدفع بعدم جواز سماع الدعوى واستندوا في ذلك في مذكرتهم المقدمة لتلك المحكمة إلى أحكام القانون رقم 270 لسنة 1956 - كما استأنفه المطعون ضدهم بالاستئناف رقم 818 سنة 74 ق طالبين زيادة التعويض المقضى لهم به ابتدائياً - وفي 31/ 12/ 1960 قضت محكمة استئناف القاهرة بقبول الاستئنافين شكلاً وبرفضهما موضوعاً وبتأييد الحكم المستأنف طعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة مذكرة طلبت فيها نقض الحكم وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون فقررت في 11/ 4/ 1964 إحالته إلى هذه الدائرة وفي الجلسة المحددة لنظره أصرت النيابة على رأيها السابق.
وحيث إن مما ينعاه الطاعنون على الحكم المطعون فيه مخالفته للقانون ذلك أنه أيد الحكم الابتدائي الذي قضى بتعويض لمورث المطعون ضدهم عما أصابه من ضرر نتيجة أمر الحاكم العسكري الصادر في 12/ 4/ 1953 بمصادرة كتابه "أضواء على السودان" في حين أن أمر المصادرة السالف الإشارة إليه قد صدر استناداً إلى المادة الثالثة من الأمر العسكري رقم 1 لسنة 1952 والتي تجيز للرقيب العام ومن يندبهم من الموظفين التابعين له في سبيل الدفاع الوطني والأمن العام مصادرة أي كتاب إذا كان من شأنه الإضرار بسلامة الدولة - وقد صدر القانون رقم 270 لسنة 1956 في 20/ 6/ 1956 بإلغاء الأحكام العرفية أثناء نظر الدعوى أمام المحكمة الابتدائية ونص بالمادة الثالثة منه على عدم سماع أي دعوى عن إجراء أو أمر اتخذته السلطة القائمة على الأحكام العرفية سواء أكان بطريق مباشر أو غير مباشر عن طريق المطالبة بتعويض ومن ثم فقد كان من المتعين على محكمة الموضوع إعمال هذا القانون وأن تقضي من تلقاء نفسها بعدم جواز سماع الدعوى عملاً بالقانون المشار إليه لأنه من النظام العام أما وقد أغفل الحكم المطعون فيه ذلك وقضى في موضوع الدعوى بالتعويض لمورث المطعون ضدهم فإنه يكون مخالفاً للقانون.
وحيث إن هذا النعي صحيح ذلك أن المادة الثالثة من القانون رقم 270 لسنة 1956 الصادر في 20 من يونيه سنة 1956 - قبل الفصل في الدعوى - بشأن رفع الأحكام العرفية قد نصت على أنه "لا تسمع أمام أية جهة قضائية أية دعوى أو طلب أو دفع يكون الغرض منه الطعن في أي إعلان أو تصرف أو أمر أو تدبير أو قرار وبوجه عام أي عمل أمرت به أو تولته السلطة القائمة على إجراء الأحكام العرفية أو مندوبوها أو وزير المالية والاقتصاد أو أحد الحراس العامين أو مندوبيهم عملاً بالسلطة المخولة لهم بمقتضى نظام الأحكام العرفية وذلك سواء أكان هذا الطعن مباشراً عن طريق المطالبة بإبطال شيء مما ذكر أو بسحبه أو بتعديله أم كان الطعن غير مباشر عن طريق المطالبة بتعويض..." وقد جاء بالمذكرة الإيضاحية أن الشارع رأى أن الصالح العام واستقرار الأوضاع يقضي حماية ما تم من إجراءات وقعت تنفيذاً للقرارات والأوامر الصادرة في ظل قانون الأحكام العرفية فنص في تلك المادة على منع جميع الجهات القضائية من سماع أي دعوى أو طلب أو دفع يكون الغرض منه الطعن على أي عمل أمرت به أو تولته السلطة القائمة على الأحكام العرفية أو مندوبوها سواء كان هذا الطعن مباشراً عن طريق المطالبة بإبطاله على أي صورة أو غير مباشر عن طريق المطالبة بتعويض عما تم - لما كان ذلك، وكان أمر الحاكم العسكري بمصادرة الكتاب موضوع النزاع قد صدر عملاً بالسلطة المخولة له بالمرسوم الصادر بتاريخ 26/ 1/ 1952 بإعلان الأحكام العرفية في جميع أنحاء البلاد واستناداً إلى المادتين الأولى والثالثة من الأمر العسكري رقم 1 لسنة 1952 وتنص أولاهما على أنه "تفرض من الآن وإلى حين صدور أوامر أخرى من أجل سلامة الوطن رقابة عامة على جميع أنحاء البلاد ومياهها الإقليمية على الكتابات والمطبوعات والصور والطرود التي ترد إلى مصر أو ترسل منها إلى الخارج أو تتداول داخل البلاد" وجاء بالمادة الثالثة أنه "يتولى الرقيب العام ومن يندبهم من الموظفين التابعين له في سبيل الدفاع الوطني والأمن العام فحص ومراقبة جميع المواد والرسائل والأخبار التي تسري عليها أحكام الرقابة مما تقدم ذكره وله أن يؤخر تسليمها أو يوقفه أو يمحو فيها أو يصادرها أو يتصرف فيها على أي وجه إذا كان من شأنها الإضرار بسلامة الدولة..." لما كان ما تقدم، فإن أمر المصادرة السالف الإشارة إليه يكون بمنجاة من أي طعن مباشر أو غير مباشر وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى في موضوع الدعوى فإنه يكون مخالفاً للقانون بما يستوجب نقضه.
وحيث إن الموضوع صالح للحكم فيه ولما سلف بيانه يتعين إلغاء الحكم المستأنف والقضاء بعدم جواز سماع الدعوى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق