جلسة 2 من يونيه سنة 1970
برياسة السيد المستشار/ الدكتور عبد السلام بلبع نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: بطرس زغلول، محمد نور الدين عويس، وعباس حلمي عبد الجواد، وإبراهيم علام.
-------------------
(152)
الطعن رقم 516 لسنة 35 القضائية
(أ) نقض "سلطة محكمة النقض". عقد "تكييف العقد". محكمة الموضوع "سلطتها في تكييف العقد".
استخلاص قصد المتعاقدين متروك لمحكمة الموضوع. التكييف القانوني لهذا القصد مسألة قانونية تخضع لرقابة محكمة النقض.
(ب) ارتفاق. "إنشاء حق الارتفاق". ملكية "القيود التي ترد على الملكية".
حق الارتفاق بتخصيص المالك الأصلي. ظهوره في الوجود بعد صيرورة العقارين مملوكين لمالكين مختلفين. بقاء هذا الحق لصالح العقار المرتفق ما لم يتضمن السند الذي فصل ملكية العقارين شرطاً صريحاً مخالفاً.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن الطاعنة رفعت الدعوى رقم 3400 سنة 1950 القاهرة الابتدائية ضد المطعون عليها بطلب الحكم بصحة ونفاذ العقد المبين بصحيفة الدعوى، وقالت بياناً لدعواها إنه بمقتضى عقد عرفي غير مؤرخ، تعهدت لها المطعون عليها وهي شقيقة والدها المتوفى بهدم البناء المقام في الممر الكائن بين ملكيهما ومسطحه 127 متراً مربعاً وذلك عند انتهاء العمل بقانون المساكن، كما أقرت بأحقية الطاعنة في فتح مطلات على هذا الممر، وإذ طالبتها بالتوقيع على العقد النهائي وامتنعت فقد أقامت دعواها بطلباتها سالفة الذكر. دفعت المطعون عليها بعدم قبول الدعوى لرفعها قبل الأوان لأن قانون المساكن ما زال قائماً، وطلبت رفض الدعوى لأن إقرارها منشئ لحق ارتفاق بغير مقابل ويعتبر هبة باطلة لتخلف شرط الرسمية فيها، وقد قصرت الطاعنة طلباتها على شق الاتفاق الخاص بفتح المطلات واحتفظت بحقها بالنسبة لهدم البناء المقام على الممر. وبتاريخ 19/ 4/ 1951 حكمت المحكمة برفض الدفع بعدم قبول الدعوى وبصحة ونفاذ الإقرار العرفي فيما يختص بالسماح للمدعية - الطاعنة - بفتح مطلات على الممر المبين بعريضة الدعوى، واستندت في ذلك إلى أن حق الارتفاق مقرر من المالك الأصلي لمصلحة العقار الذي قسم بين الطرفين. استأنفت المطعون عليها هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف رقم 515 سنة 68 ق، وبتاريخ 11/ 1/ 1953 ندبت المحكمة خبيراً لمعاينة وتحديد موقع الأرض الفضاء المشار إليها في عقد القسمة الحاصل في سنة 1931، والمحدد مساحتها بمائة وستة وعشرين متراً ونصف وبيان موقعها بالنسبة للعقار الذي آل بطريق القسمة الحاصلة في سنة 1941 إلى السيدة ابتهاج الترجمان - الطاعنة - لمعرفة ما إذا كانت المطلات المخول لها فتحها بمقتضى الورقة المطلوب الحكم بصحتها ونفاذها تطل على هذه الأرض الفضاء، وهل الأرض المذكورة بمثابة ممر بين العقارات المملوكة أصلاً لرب الأسرة وأن الغرض من ترك هذا الممر هو خدمة هذه العقارات ليكون لها حق ارتفاق عليه من مطل ومرور. وبعد أن قدم الخبير تقريره وبتاريخ 15/ 11/ 1955 حكمت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف وبرفض الدعوى. طعنت الطاعنة في ذلك الحكم بطريق النقض بالطعن رقم 192 سنة 25 ق وبتاريخ 16/ 1/ 1964 نقضت المحكمة ذلك الحكم لعدم تلاوة تقرير التلخيص وعجلت الطاعنة الاستئناف، وبتاريخ 31 مايو سنة 1965 حكمت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف وبرفض الدعوى. طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن وأصرت بالجلسة على رأيها.
وحيث إن مما تنعاه الطاعنة على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال، وفي بيان ذلك تقول إن الحكم أقام قضاءه على ما انتهى إليه من تكييف خاطئ للواقعة، إذ اعتبر الالتزام الوارد بالورقة المطلوب الحكم بصحتها منشئاً لحق ارتفاق بغير عوض، وقضي برفض الدعوى لأن هبة الحقوق العينية لا تتم إلا بورقة رسمية أو تحت ستار عقد آخر، في حين أن الثابت من هذه الورقة أن الالتزام الوارد فيها مقرر لحق ارتفاق بالمطل مرتب من عهد رب الأسرة، وليس فيها ما يشير إلى أنه هبة وقد انصبت عباراتها على تعهد المطعون عليها بإزالة المباني من الممر وعلى إقرار من جانبها بحق الطاعنة في فتح مطلات على هذا الممر، هذا إلى أن الحكم استند إلى أن أرض النزاع تقع ضمن ما اختصت به المطعون عليها بموجب عقدي القسمة المحررين بينها وبين الطاعنة وآخرين من الورثة، وإلى أنه لم يرد بهذين العقدين ما يدل على وجود هذا الحق، مع أن ذلك لا ينفي أن تكون هذه الأرض محملة بحق ارتفاق بالمطل بتخصيص رب الأسرة لمصلحة العقار الذي آل إلى الطاعنة، وهو ما يعيب الحكم بمخالفة القانون والفساد في الاستدلال.
وحيث إن هذا النعي صحيح، ذلك أنه وإن كان التعرف على ما عناه الطرفان من المحرر موضوع الدعوى هو مما يدخل في سلطة محكمة الموضوع، إلا أنه متى استخلصت المحكمة ذلك، فإن التكييف القانوني الصحيح لما قصده المتعاقدان وإنزال حكم القانون على العقد هو مسألة قانونية تخضع لرقابة محكمة النقض. ولما كانت عبارة المحرر موضوع الدعوى يجرى نصها "أنا الموقعة أدناه الست زينب عبد المجيد الترجمان أتعهد لابنة أخي الست بهجة محمد عبد المجيد الترجمان بإزالة الجمالون المقام في الممر الفضاء خلف العمارة ملكي/ 6 شارع الجلاء عند زوال القوانين العسكرية ولها الحق في فتح شبابيك على ذلك الممر في حالة قيامها ببناء عمارة على الأرض ملكها"، وكان يبين من الحكم المطعون فيه أنه أقام قضاءه على قوله "إنه يبين من مطالعة الأوراق أن أرض النزاع تقع ضمن العقار رقم 6 شارع الجلاء وأنها تدخل ضن ما اختصت به المستأنفة - المطعون عليها - في عقد القسمة الأول ولا علاقة لها بما اختصت به المستأنف عليها - الطاعنة - في عقد القسمة الثاني وتقع في الحد القبلي لما اختصت به المستأنف عليها وأنها ليست بمثابة ممر بين العقارات المملوكة أصلاً لرب الأسرة ولم يكن الغرض منها خدمة العقارات، بدليل أن عقدي القسمة لم يذكر فيهما ما يدل على أنها ممر وعلى أن لأي من المتعاقدين حقاً عليها وإنما هي أرض فضاء ضمن الـ 842.437 متراً التي اختصت بها المستأنفة" كما قرر "أما ما تتمسك به المستأنف ضدها من أن عبارة الممر قد وردت في الورقة سالفة الذكر فإنه هذه القسمة لا تضفي على أرض النزاع صفة ليست ثابتة لها في الأصل"... ثم خلص إلى "أن الورقة المطلوب الحكم بصحة ونفاذ الالتزام الوارد بها لا تعتبر مقررة لحق ارتفاق ثابت من عهد رب الأسرة وإنما تعتبر منشئة لهذا الحق" ورتب الحكم على ذلك أن "الورقة وقد خلت من مقابل للالتزام، فيعتبر حق الارتفاق بغير عوض أو على سبيل التبرع أو الهبة، وهبة الحقوق العينية العقارية لا تصح طبقاً للمادة 488 من القانون المدني إلا إذا تمت بورقة رسمية ما لم تتم تحت شعار عقد آخر" وكان مفاد هذا الذي أثبته الحكم أنه استند في نفي حق الارتفاق بالمطل لمصلحة الطاعنة إلى أن أرض النزاع تقع ضمن ما اختصت به المطعون عليها طبقاً لعقدي القسمة، وإلى أنه لم يرد بهذين العقدين ما يدل على وجود حق الارتفاق. لما كان ذلك وكان حق الارتفاق بتخصيص المالك الأصلي إنما ينشأ بموجب اتفاق ضمني بين المالكين المختلفين للعقارين منذ أن أصبح العقاران مملوكين لمالكين مختلفين، فيخرج حق الارتفاق إلى الوجود بعد انقضاء ملكية المالك الأصلي ويبقى ثابتاً لمصلحة العقار المرتفق، ولا ينفيه إلا أن يتضمن السند الذي ترتب عليه انفصال ملكية العقارين شرطاً صريحاً مخالفاً لبقاء الارتفاق، وإذ اتخذ الحكم - وعلى ما سلف البيان - من واقعتي ملكية المطعون عليها لأرض النزاع بموجب القسمة وخلو عقد القسمة مما يدل على وجود حق الارتفاق دعامتين أساسيتين لقضائه، مع أن ملكية المطعون عليها لأرض النزاع لا تصلح أساساً لنفي حق الارتفاق بالمطل بتخصيص المالك الأصلي الذي تتمسك به الطاعنة، مع أن الأصل هو وجود هذا الحق ما دامت هناك علامات ظاهرة تكشف عنه ولم يوجد شرط صريح يخالف بقاءه، وكان ما قرره الحكم من أن كلمة "ممر" الواردة بالمحرر المطلوب الحكم بصحته ونفاذه لا تضفي على أرض النزاع صفة ليست لها، هو من الحكم قول لا تؤدي إليه عبارة هذا المحرر ولا يصح أساساً للتكييف الذي انتهى إليه من اعتبارها منشئة لحق ارتفاق بالمطل بغير عوض، وكان الحكم قد حجب نفسه بذلك عن تحقيق دفاع الطاعنة من أن أرض النزاع كانت مخصصة بمعرفة المالك الأصلي لخدمة عقاراته التي اختصت هي بإحداها واختصت عمتها المطعون عليها بباقيها، فإنه يكون قد خالف القانون وشابه الفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب بما يستوجب نقضه بغير حاجة لبحث باقي أسباب الطعن.
لما كان ما تقدم وكان الطعن للمرة الثانية فإنه يتعين مع نقض الحكم تحديد جلسة لنظر الموضوع.
(1) نقض 7 فبراير سنة 1967 مجموعة المكتب الفني السنة 18 ص 312.
نقض 30 ديسمبر سنة 1965 مجموعة المكتب الفني السنة 16 ص 1393.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق