جلسة 26 من أكتوبر سنة 1965
برياسة السيد المستشار/ الدكتور عبد السلام بلبع نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: محمد عبد اللطيف، وأمين فتح الله، والسيد عبد المنعم الصراف، وعثمان زكريا.
---------------
(143)
الطعن رقم 375 لسنة 30 القضائية
(أ) رسوم جمركية. "الإعفاء منها". سفن أعالي البحار.
إعفاء السفن المصرية لأعالي البحار من الرسوم الجمركية. ارتفاع هذا الوصف وبالتالي ذلك الإعفاء إذا غيرت طريقة استخدام هذه السفن أو بقيت راسية في ميناء مصري بدون عمل أكثر من سنة أياً كان السبب الذي من أجله تجاوزت السفينة المدة المقررة للبقاء سواء كان ذلك راجعاً لعدم صلاحيتها للعمل أم لا.
(ب) قانون. "إلغاء القانون". أثره. "تنازع القوانين من حيث الزمان".
إلغاء القانون لا يبرر الخروج عن أحكامه بالنسبة للوقائع السابقة على هذا الإلغاء.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - في أن الشركة المطعون عليها أقامت ضد مصلحة الجمارك - الطاعنة - الدعوى رقم 1869 لسنة 1955 مدني كلي القاهرة طالبة الحكم بإلزامها بأن تدفع لها مبلغ 5100 ج والفوائد - وقالت بياناً لدعواها إنه في أواخر سنة 1949 أصيبت الباخرة الروضة التابعة لها بعطب في آلاتها اضطرت بسببه إلى البقاء في ميناء الإسكندرية حتى يتم إصلاحها - ولما كانت القطع التالفة مما لا يمكن صناعتها محلياً فقد قامت الشركة باستصناعها في الخارج - وبعد أن وردت القطع الجديدة وتم تركيبها وإصلاح الماكينات في شهر أغسطس سنة 1951 طلبت الشركة من مصلحة الجمارك الإذن للباخرة بالسفر - ولكنها رفضت ما لم تدفع لها مبلغ 5100 ج قالت المصلحة عنه إنه يمثل مقدار الرسوم الجمركية المستحقة على الباخرة لبقائها في الميناء أكثر من سنة واستندت المصلحة إلى الفقرة الثانية من التذييل الوارد على المادة 806 من قانون التعريفة الجمركية - فعارضت الشركة في ذلك ولكنها اضطرت - منعاً من تعطيل الباخرة - إلى دفع المبلغ وأقامت الدعوى الحالية مطالبة برده - وبتاريخ 23/ 6/ 1959 قضت محكمة أول درجة للمطعون عليها بطلباتها - استأنفت الطاعنة هذا الحكم أمام محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف رقم 1034 سنة 76 ق ومحكمة الاستئناف قضت في 23/ 6/ 1960 بتأييد الحكم المستأنف - طعنت المصلحة الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض - وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون بجلسة 4/ 1/ 1964 وفيها صممت النيابة على رأيها الذي أبدته في مذكرتها بطلب رفض الطعن وقررت دائرة الفصح إحالة الطعن إلى هذه الدائرة - وقد قام قلم الكتاب بإعلان الطعن إلى الشركة العربية المتحدة للملاحة التي اندمجت فيها شركة البوستة الخديوية - الشركة المطعون عليها - بالقانون رقم 109 سنة 1961 - كما قام بإعلان الطعن إلى المؤسسة العامة لشئون النقل البحري - وقدمت المؤسسة مذكرة دفعت فيها ببطلان إعلان تقرير الطعن الموجه إليها لعدم تسليمه إلى إدارة قضايا الحكومة - كما دفعت بعدم قبول الطعن لرفعه على غير ذي صفة لأن رئيس مجلس إدارة المؤسسة لا يمثل الشركة المطعون عليها وإنما الذي يمثلها هو رئيس مجلس إدارة الشركة لاحتفاظها بشخصيتها الاعتبارية - وبالجلسة المحددة لنظر الطعن أمام هذه الدائرة قرر الحاضر عن المصلحة الطاعنة أن الشركة المطعون عليها هي وحدها الخصم الحقيقي في الطعن وأنه إذا كان الإعلان قد وجه إلى المؤسسة أيضاً فإنه يتنازل عنها.
وحيث إنه بعد هذا الذي قررته الطاعنة بشأن إعلان المؤسسة يكون الدفعان المقدمان منها لا محل لهما.
وحيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن المصلحة الطاعنة تنعى على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه - ذلك أنه أقام قضاءه على ما قرره من أن المناط في استحقاق الرسوم الجمركية التي فرضتها المادة 806 من تعريفة الرسوم على الواردات من سفن أعالي البحار المصرية إذا بقيت راسية في ميناء مصري بدون عمل أكثر من سنة - هو ثبوت صلاحية السفينة للملاحة خلال فترة رسوها - باعتبار هذا الأساس الذي اتخذه دعامة لقضائه متفقاً مع حكمة التشريع وقواعد القانون الخاص - كما يتفق مع حكم المرسوم بقانون الصادر في 29/ 1/ 1953 الذي أعفى سفن أعالي البحار المصرية من الرسوم الجمركية مهما طالت مدة بقائها بالمواني المصرية أسوة بالسفن الأجنبية - وتقول الطاعنة إن هذا الذي قرره الحكم مخالف للقانون من أربعة أوجه يتحصل أولها في أن المشرع أورد بخصوص سفن أعالي البحار المصرية حكم الإعفاء من الرسوم الجمركية مقيداً بشرطين هما: عدم تغيير السفينة طريقة استخدامها - وعدم بقائها راسية في ميناء مصري بلا عمل أكثر من سنة - وبذلك يستحق الرسم إذا طالت مدة البقاء عن سنة مهما كان السبب في ذلك - وهذه هي علة الاستحقاق ومناط حكمه ولكن الحكم المطعون فيه ربط الاستحقاق بحكمة النص - وهي تشجيع سفن أعالي البحار على القيام بالأسفار واستلزم لاستحقاق الرسم أن تكون السفينة صالحة للملاحة - ويتحصل الوجه الثاني في أن الحكم المطعون فيه استند في التعريف بالسفينة إلى بعض المعاني المصطلح عليها في فقه القانون البحري - فجعل وصف السفينة ملازماً لصلاحيتها للملاحة مع أنه لا يحال للرجوع إلى هذا القانون بصدد تطبيق أحكام التعريفة الجمركية التي تفرض الرسوم على السفينة باعتبارها سلعة مستوردة لا باعتبارها منشأة بحرية - ويتحصل الوجه الثالث في أن الحكم المطعون فيه اعتبر العطب الذي أصاب السفينة بمثابة قوة قاهرة يعفيها من أداء الرسوم، فطبق بذلك أحكام القانون الخاص في مجال يدخل في نطاق القانون العام حيث لا يتأتى الإعفاء من الرسوم إلا بنص صريح يحصر نطاقه ويبين حدوده - وحاصل الوجه الرابع أن الحكم المطعون فيه استند في تفسير نص المادة 806 إلى المرسوم الصادر في 29 يناير سنة 1953 بإعفاء سفن أعالي البحار المصرية مهما طالت مدة بقائها راسية في الموانئ المصرية مع أن هذا المرسوم لا يتضمن نصاً على الرجعية - ولا هو من قبيل التفسير التشريعي - ولا هو يسوي بين هذه السفن والسفن الأجنبية تسوية مطلقة إذ قرر الإعفاء بقيد واحد بدل قيدين - فهو لا يطبق إلا من تاريخ صدوره.
وحيث إن هذا النعي في محله - ذلك أن تعريفة الرسوم الجمركية الصادر بها مرسوم 14/ 2/ 1930 قد تضمنت بالجدول حرف "أ" أحكام الرسوم على السفن البحرية والنهرية وقطع هذه السفن وحالات الإعفاء منها بأن قررت مبدأ تحصيل الرسم في ذاته وحددت معيار هذا التحصيل بالبند 806 الذي جاء به "أن السفن البحرية وقطعها وهياكلها تحصل عنها الرسوم على أساس حمولتها بالأطنان" وقد ألحق بهذا النص تذييل يتعلق بسفن أعالي البحار - فقررت الفقرة الأولى منه مبدأ الإعفاء بالنسبة لسفن أعالي البحار الأجنبية وجعلته مطلقاً من كل قيد بأن نصت - "تعفى من الرسوم الجمركية سفن أعالي البحار التي تقوم بأسفار بين الموانئ المصرية والأجنبية بصرف النظر عن حمولتها أو أي اعتبار آخر" - وحددت الفقرة الثانية نطاق الإعفاء الذي تتمتع به السفن المصرية لأعالي البحار ونصها - "السفن الحاملة لشهادة من مصلحة الموانئ والمنائر دالة على أنها من سفن أعالي البحار تبقى معتبرة كذلك ما دام لم يحصل أي تغيير في طريقة استخدامها - فإذا بقيت راسية في ميناء مصري بدون عمل فإنها تظل معتبرة من سفن أعالي البحار ما لم يمض على رسوها أكثر من سنة، فإذا انقضت هذه المدة استحقت عليها الرسوم الجمركية" - ويبين من هذه الفقرة الأخيرة أن السفن المصرية التي تعد من سفن أعالي البحار يرتفع عنها وصفها الذي أسبغه عليها الشارع بموجب هذا القانون - إذا غيرت طريقة استخدامها، أو إذا بقيت راسية في ميناء مصري بدون عمل أكثر من سنة" - وظاهر العبارة الواردة عن الحالة الثانية أن بقاء السفينة في الميناء بدون عمل أكثر من سنة هو بذاته - وبصرف النظر عن أسبابه - قاعدة الحكم في هذه الحالة تكمن وراءها العلة من تقريرها - فقد رأى الشارع أن بقاء السفينة في ميناء مصري بدون عمل لأكثر من سنة - مجرداً من جميع الأسباب على اختلافها ما يفيد قطعاً تغيير عملها ويجعلها هي وجميع أجزائها سلعاً مستوردة يستحق الرسم عليها، بما يوجب سريان القاعدة على عمومها، أياً كان السبب الذي من أجله تجاوزت السفينة المدة المقررة للبقاء، سواء أكان لعدم صلاحيتها للعمل أو لأي سبب آخر، إذ لا يجوز النظر في سبب بعينه لإخراجه من القاعدة - وإذا كان المشرع يهدف من تقرير هذه القاعدة تشجيع السفن المصرية على الإبحار فإن ذلك لا ينهض مبرراً يدعو لتخصيص القاعدة وإقامة التلازم بين استحقاق الرسوم على السفينة التي تتجاوز مدة بقائها بالموانئ المصرية أكثر من سنة وبين صلاحيتها للعمل فعلاً، ذلك أنه متى كانت عبارة الشارع واضحة جلية في بيان القاعدة التي نحن بصددها، فلا محل للبحث وراء حكمة التشريع بشأنها - وإذ رأي الشارع إلغاء القاعدة بالمرسوم الصادر في 19/ 1/ 1953 فإن ذلك لا يبرر الخروج عنها بالنسبة للوقائع السابقة على هذا الإلغاء - بل هو تأكيد بالتزام العمل بها في النطاق المنصوص عليه بالتشريع السابق - كما لا يصح التمسك بانقضاء الالتزام من الرسم لأي سبب من الأسباب طالما أنه لم يرد به نص في المرسوم المقرر له، ولا تتسع له حالة الإعفاء بحدودها الواردة في هذا المرسوم بالمعنى السالف الذكر - لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد اشترط لاستحقاق الرسم على السفينة التي تبقى بغير عمل لأكثر من سنة في إحدى الموانئ المصرية أن تكون سفينة صالحة للملاحة خلافاً لنص الشارع فإنه يكون قد خالف القانون بما يستوجب نقضه.
وحيث إن الموضوع صالح للفصل فيه - ولما تقدم يتعين رفض الدعوى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق