الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 17 مارس 2023

الطعن 334 لسنة 28 ق جلسة 11 / 6 / 1964 مكتب فني 15 ج 2 ق 126 ص 794

جلسة 11 من يونيه سنة 1964

برياسة السيد المستشار/ الدكتور عبد السلام بلبع، وبحضور السادة المستشارين: محمود توفيق إسماعيل، وحافظ محمد بدوي، وإبراهيم الجافي، وصبري فرحات.

---------------

(126)
الطعن رقم 334 لسنة 28 القضائية

إجارة. "آثار الإيجار". "التزامات المؤجر". "الالتزام بتسليم العين المؤجرة" نظام عام.
حكم المادة 564 مدني ليس من الأحكام الآمرة المتصلة بالنظام العام، وإنما من قبيل الأحكام المفسرة لإرادة المتعاقدين. جواز الاتفاق على مخالفته بالتشديد أو التخفيف في مدى التزام المؤجر بشأن أعمال الإصلاح اللازمة لإعداد العين للغرض الذي أجرت من أجله. مثال.

----------------
حكم المادة 564 من القانون المدني ليس من الأحكام الآمرة المتصلة بالنظام العام وإنما هو من الأحكام المفسرة لإرادة المتعاقدين فيجوز لهما الاتفاق على ما يخالفه بالتشديد أو التخفيف في مدى التزام المؤجر بشأن أعمال الإصلاح اللازمة لإعداد العين للغرض الذي أجرت من أجله، ويجوز أن يصل التخفيف إلى حد أن يقبل المستأجر استلام العين بالحالة التي كانت عليها وقت العقد أو التي ستكون عليها وقت بدء الانتفاع على أن يقوم هو من جانبه باستكمال الأعمال الناقصة على نفقته - ومثل هذا الاتفاق متى كان قاطعاً في الدلالة على اتجاه نية العاقدين إلى تعديل أحكام التزام المؤجر الواردة في المادة 564 من القانون المدني فإنه يكون واجب الإعمال دون نص المادة المذكورة. ولا يجوز إهدار الشرط المتضمن هذا الاتفاق بحجة مخالفته للواقع من أن العين المؤجرة كان ينقصها في الموعد المحدد لبدء سريان عقد الإيجار بعض أعمال الإصلاح اللازمة لجعلها تفي بما أعدت له من المنفعة إذا تبين أن العاقدين قصدا بهذا الشرط عدم الاعتداد بهذا الواقع وإعفاء المؤجر من القيام بتلك الأعمال.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أنه بموجب اتفاقين كتابيين حررا على التوالي في 31 يناير، 15 مايو سنة 1951 قبل الطاعن أن يؤجر للمطعون ضده في عمارته التي كان قد بدأ في إنشائها بشارع قصر النيل رقم 33 الدكانين رقمي 10، 11 وأربعة مكاتب بالدور الأول وذلك لمدة خمس سنوات وبالأجرة المبينة بهذين الاتفاقين ودفع المطعون ضده ضماناً لجدية عرضه تأميناً يوازي أجرة ستة أشهر ونص في العقدين على أن "تبدأ الإيجارة خلال الستة شهور الأولى من سنة 1952 عند انتهاء وإتمام المباني لتكون صالحة للاستعمال وبعد دعوة المستأجر بخطاب مسجل لاستلام العين" كما نص فيهما على أن "المؤجر لا يتحمل بياض الحوائط الجانبية للدكانين ولا وضع بلاط أو خلافه بالأرضية بل يكون ذلك على حساب المستأجر" وبتاريخ 16 من فبراير سنة 1952 أرسل الطاعن (المؤجر) إلى المطعون عليه خطاباً مسجلاً يخطره فيه بأن الأماكن المؤجرة أصبحت تحت تصرفه وأنه يمكنه البدء من جانبه في إعداد التركيبات التي يرى وضعها وأنه سوف لا تحتسب عليه الأجرة إلا ابتداء من أول إبريل سنة 1952 حتى ينتهي من إعداد تلك التركيبات. وقبل حلول هذا الأجل قبل الطاعن كتابة أن يؤجل بدء سريان الإيجارة إلى موعد يحدد فيما بعد ويخطر به المستأجر - وبتاريخ 12 من أغسطس سنة 1952 وجه الطاعن إلى المطعون ضده خطاباً ضمنه أنه يؤيد ما تم الاتفاق عليه بينهما شفوياً في اليوم السابق من أن يكون بدء سريات العقد واستحقاق الأجرة من أول أكتوبر سنة 1952 وأنه في استطاعة المطعون ضده البدء في إعداد تركيباته بالأماكن المؤجرة حيث أصبحت تحت تصرفه - وبإيصال تاريخه 13 من أغسطس سنة 1952 تسلم المطعون ضده المفاتيح - ومنذ تاريخ إرسال الخطاب الأول كانت المفاوضات تدور بين الطرفين بشأن موافقة الطاعن على التركيبات وأعمال البناء والزخرفة التي اعتزم المطعون ضده إجراءها على نفقته بقصد إعداد الأماكن المؤجرة على النحو الذي اختاره لها. وكان من بين ما تشمله هذه الأعمال إنشاء دور مسروق بما يستلزمه من بناء أعمدة وكمرات بالخرسانة المسلحة بالبدروم والدور الأرضي وإنشاء تركيبات للإضاءة الداخلية وتكييف الهواء وعمل سلم خرساني داخلي يصل ما بين الدكانين والمكاتب بما يستلزمه ذلك من هدم جزء من سلم الخدم رقم 3 وإحداث فتحة بسقف الدكانين - وقد وافق الطاعن في 9 أغسطس سنة 1952 على المشروع الخاص بجزء من هذه الإنشاءات ووافق على المشروع الخاص بباقيها في 8 نوفمبر سنة 1952 - وبتاريخ 10 من الشهر المذكور حرر بين الطرفين عقد الإيجار النهائي وقد بينت فيه الأماكن المؤجرة وذكر فيه أن الغرض من الإيجار هو استعمالها لتجارة الأقمشة ومكتب أعمال تجارية وبيع أقمشة وملابس السيدات وأن الأجرة الشهرية بعد التخفيض المنصوص عليه في القانون 199 لسنة 1952 هي 306 ج و850 م شهرياً اتفق على سداد أجرة الثلاثة الشهور الأولى وهي يناير وفبراير ومارس دفعة واحدة مقدماً وأن تدفع الأجرة بعد ذلك مقدماً في أول كل شهر - وقد أدى المطعون ضده للطاعن وقت التوقيع على هذا العقد أجرة الثلاثة شهور المذكورة كما دفع له مبلغ 1083 ج وصف في العقد بأنه تأمين يبقى تحت يد المؤجر ولا يرد إلى المستأجر إلا عند انتهاء العقد وبعد تسليمه الأمكنة المؤجرة بحالة جيدة". كما نص في البند الثالث من هذا العقد على أن المستأجر "عاين الأمكنة المؤجرة له وأنه يعرفها معرفة تامة وأنها على أحسن حال ومستوفية كل لوازمها وأنها تفي بالغرض الذي سيخصصها له ويتعهد بألا يحتج بوجود أي عيب فيها ظاهراً أو خفياً" "وتضمن البند 27 أنه لا يجوز للمستأجر التمسك بأي اتفاق شفوي لعدم تنفيذ أي شرط من شروط هذا العقد تنفيذاً دقيقاً - وبتاريخ 16 من يناير سنة 1953 وجه المطعون ضده بواسطة محاميه إلى الطاعن خطاباً مسجلاً ضمنه أن قبوله في العقد سريان الإيجار ابتداء من أول يناير سنة 1953 كان على أساس ما اتفق عليه بينهما عند تحرير هذا العقد من أن ينتهي العمل في العمارة وتصبح صالحة للسكن قبل هذا التاريخ وأنه إذ كان العمل في العمارة لم يتم حتى تاريخ إرسال هذا الخطاب وأن السلالم والطرقات والمصاعد وجميع المرافق العامة بالعمارة لما ينته العمل فيها كما أن وجود العمال بداخل العمارة يمنع بذاته الانتفاع بالمكاتب والمحال المؤجرة - فإنه - أي المستأجر - يسجل على الطاعن هذا التأخير ويطلب منه إخطاره عندما تصبح الأماكن المؤجرة صالحة للانتفاع بها وأن الأجرة لا تستحق عليه إلا من تاريخ استلامه هذه الأماكن صالحة لهذا الغرض، وقد رد الطاعن على هذا الخطاب بخطاب مسجل تاريخه 20 من يناير سنة 1953 أرسله إلى المطعون ضده وتمسك فيه بأن الأعيان المؤجرة سبق تسليمها إليه مستكملة وفقاً لعقد الإيجار للانتفاع بها وذلك من قبل تاريخ العقد النهائي المحرر في 10 نوفمبر سنة 1952 وأنه - أي المؤجر - لا يتحمل نتيجة تباطؤ المستأجر في ترتيب وزخرفة الأماكن المؤجرة، وبتاريخ 26 يناير سنة 1953 أقام المطعون ضده على الطاعن دعوى إثبات الحالة رقم 722 سنة 1953 مستعجل مصر طلب فيها ندب خبير لإثبات حالة الأماكن المؤجرة وبيان مدى صلاحيتها للغرض الذي أجرت من أجله. وقد ندبت المحكمة خبيراً في هذه الدعوى وقدم تقريراً سجل فيه أوجه النقض التي وجدها في الأماكن المؤجرة وانتهى إلى أنه حتى يوم معاينته في 12 فبراير سنة 1953 لم تكن هذه الأماكن معدة كما يجب في أي قسم من أقسامها وأنه يقدر لاستكمال الأعمال اللازمة مدة لا تقل عن شهرين - وأقام الطاعن بدوره في 11 من إبريل سنة 1953 الدعوى رقم 2533 سنة 1953 ضد المطعون عليه أمام قاضي الأمور المستعجلة بمحكمة القاهرة طالباً الحكم بصفة مستعجلة بإخلاء الأعيان المؤجرة وتسليمها إليه استناداً إلى تأخير المستأجر (المطعون ضده) في دفع الأجرة المستحقة عليه ابتداء من أول إبريل سنة 1953 مما يتحقق به الشرط الفاسخ الصريح الوارد في عقد الإيجار. وبعد أن انتقل القاضي إلى محل النزاع قضى في 30 من إبريل سنة 1953 بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى تأسيساً على ما تبين له من المعاينة التي أجراها في 28 من الشهر المذكور من وجود بعض أوجه النقض في الأماكن المؤجرة الأمر الذي استشف منه ظاهرياً جدية منازعة المستأجر في عدم صلاحية العين المؤجرة للمنفعة التي أعدت لها وبالتالي جدية منازعته في استحقاق الأجرة - وقد استأنف الطاعن هذا الحكم بالاستئناف رقم 772 سنة 1953 مستعجل مصر، وبتاريخ 24 من يونيه سنة 1953 حكمت محكمة القاهرة الابتدائية بهيئة استئنافية بإلغاء الحكم المستأنف وباختصاص القضاء المستعجل بنظر الدعوى وبإلزام المستأنف ضد (المطعون ضده) بإخلاء الأعيان المؤجرة إليه وتسليمها للمستأنف (الطاعن)، وطعن المطعون ضده في هذا الحكم بطريق النقض، وبتاريخ 14 من مارس سنة 1956 حكمت محكمة النقض برفض الطعن - هذا - وكان المطعون ضده بعد أن قدم الخبير تقريره في دعوى إثبات الحالة قد أقام في 5 من إبريل سنة 1953 أمام محكمة القاهرة الابتدائية الدعوى رقم 2971 سنة 1953 ضد الطاعن طلب فيها إلزامه بأن يرد إليه قيمة الأجرة التي قبضها وقدرها 920 ج و550 م ومبلغ 1350 ج قال المطعون ضده عنه أنه دفعه للطاعن اضطراراً كدخول رجل خلافاً للقانون - وأثناء سير هذه الدعوى قام الطاعن في 22 يوليه سنة 1953 بتنفيذ حكم الإخلاء الصادر لصالحه من المحكمة الاستئنافية واستلم الأعيان المؤجرة وأجرها للغير، وعلى أثر ذلك عدل المطعون ضده طلباته في دعواه سالفة الذكر وانتهى فيها إلى طلب إلزام الطاعن بأن يدفع له: أولاً - مبلغ 7155 ج و550 م من ذلك مبلغ 920 ج و550 م الأجرة المعجلة عن أشهر يناير وفبراير ومارس سنة 1952 ومبلغ 1082 ج قيمة التأمين المدفوع ومبلغ 1350 ج قيمة ما قبضه الطاعن كدخول رجل، 3802 ج قيمة ما دفعه المطعون ضده للمقاولين وبعض الشركات مقابل زخرفة وإعداد المحال المؤجرة للغرض الذي أعدت من أجله مع فوائد هذه المبالغ من تاريخ المطالبة الرسمية. ثانياً - مبلغ 222500 تعويضاً له عن الأضرار المادية التي لحقته من ذلك مبلغ 35000 نظير ما تكبده من خسارة لإعداد المتجر من الناحية التجارية ومبلغ 187500 ج نظير ما ضاع عليه من كسب بسبب انتزاع العين المؤجرة منه غصباً وبدون وجه حق. ثالثاً - مبلغ قرش واحد كتعويض رمزي عما أصابه من ضرر أدبي بسبب طرده من هذه العين - وبتاريخ 24 من إبريل سنة 1956 حكمت محكمة القاهرة الابتدائية برفض الدعوى فاستأنف المطعون ضده هذا الحكم أمام محكمة استئناف القاهرة طالباً إلغاءه والقضاء له بطلباته الختامية أمام المحكمة الابتدائية - وقيد هذا الاستئناف برقم 863 سنة 73 ق وبتاريخ 28 من أكتوبر سنة 1958 حكمت محكمة الاستئناف بإلغاء الحكم المستأنف وإلزام المستأنف عليه (الطاعن) بأن يدفع للمستأنف (المطعون ضده) مبلغ 15805 ج و550 م والفوائد بواقع 4% سنوياً بالنسبة لمبلغ 5805 ج و550 م من تاريخ المطالبة القضائية الحاصلة في 5 إبريل سنة 1953 حتى الوفاء... ويشمل المبلغ المحكوم به 920 ج و550 م قيمة الأجرة المعجلة عن ثلاثة شهور، 1083 ج قيمة التأمين، 3802 ج قيمة النفقات المنصرفة في إعداد العين ومبلغ عشرة آلاف جنيه على سبيل التعويض - طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض بالطعن المطروح وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون وأمامها أصرت النيابة على المذكرة المقدمة منها والتي انتهت فيها إلى طلب نقض الحكم وقررت دائرة الفحص بجلسة 29 من أكتوبر سنة 1961 إحالة الطعن إلى هذه الدائرة وبالجلسة المحددة لنظره تمسكت النيابة برأيها السابق.
وحيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه مخالفته القانون وفي بيان ذلك يقول إن الحكم أقام قضاءه على أنه - أي الطاعن - بوصفه مؤجراً أخل بالتزامه الذي تفرضه عليه المادة 564 من القانون المدني - من تسليم العين المؤجرة في حالة تصلح معها لأن تفي بالغرض الذي أعدت له واستدل الحكم على هذا الإخلال بما ورد في تقرير خبير دعوى إثبات الحالة وفي محضر معاينة قاضي الأمور المستعجلة من أن الأماكن المؤجرة للمطعون ضده لم تكن صالحة للغرض الذي استؤجرت من أجله لا يوم رآها الخبير ولا يوم عاينها القاضي - والحكم إذ أقام قضاءه على ذلك قد أهدر دلالة النص الذي ورد في عقد الإيجار النهائي صريحاً في أن المستأجر (المطعون ضده) عاين الأعيان التي استأجرها وتسلمها صالحة للغرض الذي سيخصصها له، أما ما تذرع به الحكم في هذا الإهدار من أن الواقع يخالف ما ورد في هذا النص وأن العين المؤجرة يوم كتب العقد المذكور في 10 من نوفمبر سنة 1952 لم تكن صالحة للانتفاع بها فهو ذريعة ساقطة لأن هذا النص إنما وضع ليسقط هذه الذريعة إذا ما سوغ المستأجر لنفسه أن يتذرع بها، هذا ثم إن الصلاحية المقصودة هنا هي الصلاحية التي يتفق عليها الطرفان والتي تبرأ بها ذمة المؤجر. وقد برأت ذمة الطاعن منذ جرى التسليم في أغسطس سنة 1952 وتسلم المطعون ضده مفاتيح الأماكن المؤجرة وقد حال دون انتفاعه الفعلي بها ما اعتزم أن يقوم به على نفقته من أعمال في سبيل إعداد تلك الأماكن على النحو الذي أراده لها وهذه الأعمال من الجسامة بحيث تتناول إنشاء أعمدة وكمرات من الخرسانة المسلحة وتعديل سقف البدروم وإنشاء دور مسروق وعمل سلم داخلي مع ما يتطلبه ذلك من هدم ما هو قائم من مبان وإقامة مبان جديدة وعلى الرغم من أن الاتفاق على قيام المطعون ضده بهذه الأعمال الجسيمة على نفقته كان من عناصر التعاقد على التأجير فإن الحكم المطعون فيه أهدر أيضاً ذلك الاتفاق فلم يدخله في حسابه عند تحديد المسئولية عن الأعمال الناقصة ولم يورد في حكمه كلمة واحدة عنه، وأضاف الطاعن في مذكرته الشارحة أن نص المادة 564 من القانون المدني الذي استند إليه الحكم غير متعلق بالنظام العام فيجوز للطرفين الاتفاق على ما يخالفه بالزيادة أو النقص في التزام المؤجر وأنه لا يسوغ إهدار نص البند الثالث من العقد السالف الإشارة إليه - والذي كان مع سائر بنود العقد محل مراجعة ومناقشة من المستأجر بدليل ما أدخله على بعض هذه البنود من إلغاء وتعديل لم يتناول أيهما نص البند المذكور - لا يسوغ إهدار نص هذا البند بما قاله الحكم من أن الواقع الذي أثبته الخبير وقاضي الأمور المستعجلة يخالفه ويدل على أن العين لم تكن مستكملة الإعداد للغرض الذي خصصت له ذلك أنه ليس ثمة ما يمنع من اتفاق الطرفين على خلاف ذلك الواقع ولا ما يمنع من الاتفاق على أن المستأجر قد قبل استئجار العين بحالتها وأنه هو الذي سيستكمل إعدادها للغرض الذي خصصت له.
وحيث إن هذا النعي صحيح ذلك أنه يبين من تقريرات الحكم المطعون فيه أن الطاعن تمسك أمام محكمة الموضوع في نفي مسئوليته بنص البند الثالث من عقد الإيجار النهائي والذي يقر فيه المستأجر (المطعون ضده) "أنه عاين الأمكنة المؤجرة له وأنه يعرفها معرفة تامة وأنها على أحسن حال ومستوفية كل لوازمها من أبواب ونوافذ وكوالين ومفاتيح وحديد وزجاج ومواسير وأدوات صحية وكهربائية وأنها تفي بالغرض الذي سيخصصها له ويتعهد بصيانتها طول مدة الإيجار كما يتعهد بألا يحتج بوجود أي عيب فيها ظاهراً أو خفياً... وأنه يقبل الإيجار تحت مسئوليته" وقد رد المطعون ضده على دفاع الطاعن في شأن تمسكه بهذا الشرط بأنه من الشروط المطبوعة التي لا يجوز الاعتداد بها ما دام قد ثبت بصفة قاطعة من تقرير خبير إثبات الحالة ومعاينة قاضي الأمور المستعجلة في دعوى الإخلاء أن العين المؤجرة لم تكن في الموعد المحدد في العقد لبدء الإيجارة وهو أول يناير سنة 1953 - صالحة للغرض الذي استؤجرت من أجله - وقد اعتمد الحكم الابتدائي بصفة أساسية في قضائه برفض دعوى المطعون ضده على ما ورد في البند السابق ورد على دفاع المطعون ضده بشأنه بأن "القول بأن صيغة البند المذكور جاءت مطبوعة قول غير سليم لا يجب الالتفات إليه إذ تبين أن المدعي (المطعون ضده) كان قد طالب بإجراء تعديل في العقد في صورة إلحاق له ولم يتناول التعديل هذا البند" أما الحكم المطعون فيه فإنه حين ألغى الحكم الابتدائي رد على دفاع الطاعن بشأن تمسكه في نفي مسئوليته بما ورد في البند المذكور بقوله "إن المادة 564 من القانون المدني نصت على أن يلتزم المؤجر أن يسلم المستأجر العين المؤجرة وملحقاتها في حالة تصلح معها لأن تفي بما أعدت له من المنفعة وفقاً لما تم عليه الاتفاق أو لطبيعة العين" وأن المحكمة ترى مما سردته من وقائع ومن الخطابات المتبادلة بين الطرفين في مدى الفترة بين تحرير الاتفاقين الابتدائيين الحاصلين في شهري يناير ومايو سنة 1951 وتاريخ عقد الإيجار النهائي المحرر في 10 نوفمبر سنة 1952 أن الأماكن المؤجرة لم تكن قد تمت ولم تكن صالحة ووافية لما أعدت له من المنفعة. وأن وعدي الإيجار المذكورين آنفاً قد ألغاهما عقد الإيجار النهائي الأخير، وقد أقر المستأنف عليه (الطاعن) بهذا الإلغاء فيما أشر به كتابة على أحدهما وهو المؤرخ 31 يناير سنة 1951 بما يفيد هذا الإلغاء فلا عبرة إذن بما جاء بهما. وأن شريعة المتعاقدين هو عقد الإيجار النهائي وأن ما اتفق عليه الطرفان في هذا العقد من أن مدة الإيجارة تبدأ من أول يناير سنة 1953 يدل كذلك على أن الأعيان المؤجرة لم تكن أيضاً صالحة للانتفاع وقت هذا التأجير، فلا عبرة إذن ولا جدوى بما نص عليه في البند الثالث من العقد بأن المستأجر قد عاينها وأنها مستوفية وعلى أحسن حال لتعارض هذا النص مع بدء تاريخ مدة الإيجارة ولمنافاته مع الواقع وطبيعة العين المؤجرة" ولما كان حكم المادة 564 من القانون المدني سالف الذكر ليس من الأحكام الآمرة المتصلة بالنظام العام وإنما هو من الأحكام المفسرة لإرادة المتعاقدين فيجوز لهما الاتفاق على ما يخالفه بالتشديد أو التخفيف في مدى التزام المؤجر بشأن أعمال الإصلاح اللازمة لإعداد العين للغرض الذي أجرت من أجله ويجوز أن يصل التخفيف إلى حد أن يقبل المستأجر استلام العين بالحالة التي كانت عليها وقت العقد أو التي ستكون عليها وقت بدء الانتفاع على أن يقوم هو من جانبه باستكمال الأعمال الناقصة على نفقته - ومثل هذا الاتفاق متى كان قاطعاً في الدلالة على اتجاه نية العاقدين إلى تعديل أحكام التزام المؤجر الواردة في المادة 564 من القانون المدني فإنه يكون واجب الإعمال دون نص المادة المذكورة ولا يجوز إهدار الشرط المتضمن هذا الاتفاق بحجة مخالفته للواقع الذي ثبت للمحكمة من أن العين المؤجرة كان ينقصها في الموعد المحدد لبدء سريان عقد الإيجار بعض أعمال الإصلاح اللازمة لجعلها تفي بما أعدت له من المنفعة إذا تبين أن العاقدين قصدا بهذا الشرط عدم الاعتداد بهذا الواقع وإعفاء المؤجر من القيام بتلك الأعمال، لما كان ما تقدم، فإن الحكم المطعون فيه إذ استند في إهدار نص البند الثالث من عقد الإيجار - الذي اعتبره وحده شريعة المتعاقدين دون ما سبقه من اتفاقات - إلى مجرد القول بأن ما ورد في هذا البند يخالف الواقع الذي ثبت للمحكمة من أن الأماكن المؤجرة لم تكن في الموعد المحدد لبدء انتفاع المطعون ضده بها قد استكملت ولم تكن صالحة لما أعدت له من المنفعة - مما اعتبره الحكم إخلالاً من جانب الطاعن بالتزام المؤجر الوارد في المادة 564 من القانون المدني - وذلك على الرغم من وجود شرط في العقد يفيد أن المطعون ضده قبل - بعد معاينة العين المؤجرة - استئجارها بالحالة التي كانت عليها عند إبرام العقد - إذ استند الحكم في إهدار هذا الشرط إلى هذا الذي قاله فإنه يكون مخالفاً للقانون بما يستوجب نقضه، وكان على محكمة الاستئناف أن تعمل سلطتها في تفسير هذا الشرط وتبين مدى أثره على تعديل التزام المؤجر الوارد في المادة 564 وعلى ضوء ما تتبينه من ذلك يكون قضاؤها. وإذا كانت لما تعمل سلطتها الموضوعية في هذا الشأن فإنه يتعين إعادة القضية لها.
وحيث إنه لا وجه لما دفع به المطعون ضده أمام هذه المحكمة من عدم جواز تمسك الطاعن أمام محكمة النقض بما يثيره في مذكرته الشارحة مما سلف إيراده في سبب النعي وذلك لعدم ذكره في تقرير الطعن ولعدم التمسك به أمام محكمة الموضوع - لا وجه لهذا القول لأن هذا الذي أثاره الطاعن في مذكرته الشارحة هو مما يندرج في عموم النعي الوارد تحت (رابعاً) في الوجه الثاني من السبب الأول من أسباب الطعن التي تضمنها التقرير ولا يعدو أن يكون شرحاً لهذا النعي. كما أن الطاعن - على ما تقدم ذكره في وقائع هذا الطعن - قد تمسك أمام محكمة الموضوع بدرجتيها في نفي مسئوليته عن الإصلاحات التي لم تستكمل في العين المؤجرة بنص البند الثالث من العقد وفي هذا ما يفيد تمسكه بكل ما لهذا النص من دلالة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق