(90)
جلسة 23 من فبراير سنة 2005م
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد منير السيد أحمد جويفل نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ سامي أحمد محمد الصباغ, وعبد الله عامر إبراهيم, ومحمد البهنساوي محمد, وحسن عبد الحميد البرعي نواب رئيس مجلس الدولة
وبحضور السيد الأستاذ المستشار م./ سعيد عبد الستار محمد مفوض الدولة
وسكرتارية السيد/ عصام سعد ياسين سكرتير المحكمة
---------------
الطعن رقم 2754 لسنة 43 قضائية. عليا:
آثار - جميع الآثار من الأموال العامة عدا ما كان وقفًا - أثر ذلك: إزالة أية تعديات عليها بالطريق الإداري.
طبقًا لأحكام القانون رقم 117 لسنة 1983 في شأن حماية الآثار، فإن جميع الآثار من الأموال العامة عدا ما كان وقفًا - أثر ذلك: أنه لا يسوغ حيازتها أو تملكها أو التصرف فيها إلا في الحدود وبالشروط التي نظمها القانون، وحظر المشرع اعتبارًا من تاريخ العمل بهذا القانون في 12/ 8/ 1983 حيازة أي أثر، ومنح الهيئة الحق في إخلاء المواقع الأثرية أو أي أرض أو بناء ذي قيمة تاريخية من شاغليها سواء كانوا من الأفراد أو الهيئات، كلما كانت هناك ضرورة لذلك ومقابل تعويض عادل، وخول رئيس مجلس إدارة الهيئة - التي حل محلها المجلس الأعلى للآثار وصار وزير الثقافة رئيسًا لمجلس إدارة المجلس الأعلى للآثار - ودون حاجة إلى الالتجاء إلى القضاء سلطة إزالة أي تعد على موقع أثري أو عقار أثري بالطريق الإداري - تطبيق.
الإجراءات
في يوم الأربعاء الموافق 26/ 3/ 1997 أودعت الأستاذة/ أمال فؤاد البياض - المحامية المقبولة للمرافعة أمام المحكمة الإدارية العليا بصفتها نائبة عن السيد/ وزير الثقافة - بصفته رئيس المجلس الأعلى للآثار - قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها بالرقم عاليه في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بالقاهرة "الدائرة ح" في الدعويين رقمي 1990 لسنة 49 ق، و4760 لسنة 50 ق. بجلسة 28/ 1/ 1997، والذي قضى بقبول الدعويين شكلاً، وبوقف تنفيذ القرار المطعون فيه مع ما يترتب على ذلك من آثار، وألزمت الجهة الإدارية المصروفات.
وطلب الطاعن - بصفته في ختام تقرير الطعن وللأسباب الواردة به - تحديد أقرب جلسة أمام دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا لتأمر بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وإحالته إلى دائرة الموضوع بالمحكمة الإدارية العليا لتقضي أولاً: بصفة أصلية بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه وإلزام المطعون ضده المصروفات.
ثانيًا: واحتياطيًا وقبل الفصل في موضوع الطعن بإحالته إلى مكتب خبراء وزارة العدل ليندب بدوره أحد خبرائه المختصين لمعاينة موقع التعدي ووقوعه على الأرض الخاصة بمسجد السويدي الأثري المسجل أثر برقم 318 أثر، وأن العقار محل التعدي مغاير تمامًا لوقف سيدي الجلالي، مع حفظ كافة حقوق المجلس الأعلى للآثار، وجرى إعلان تقرير الطعن إلى المطعون ضده على النحو الثابت بالأوراق.
وأعدت هيئة مفوضي الدولة تقريرًا بالرأي القانوني في الطعن ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعًا وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وتحدد جلسة 6/ 12/ 1999 لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا التي قررت إحالته إلى دائرة الموضوع لنظره بجلسة 9/ 4/ 2000، ثم تداولت نظره حتى أصدرت بجلسة 4/ 7/ 2001 حكمًا تمهيديًا قضى بندب مكتب خبراء وزارة العدل "جنوب القاهرة" ليندب بدوره أحد خبرائه المتخصصين، تكون مهمته الاطلاع على أوراق الطعن والانتقال إلى موقع النزاع لمعاينته وتحديد موقعه وتاريخ بنائه، وما إذا كان على أرض أثرية أو مجاورًا لها مع إخطار المطعون ضده، وبهذه الجلسة قدم الحاضر عن المطعون ضده مذكرة بدفاعه صمم فيها - ولما ورد بها من أسباب - على الحكم برفض الطعن وإلزام الجهة الإدارية المصروفات، وبالجلسة ذاتها قررت المحكمة حجز الطعن للحكم لجلسة 23/ 5/ 2005، وصرحت بالاطلاع والرد على المذكرة المقدمة وذلك خلال أربعة أسابيع، وخلال هذا الأجل.
وبتاريخ 9/ 12/ 2004 قدم المجلس الأعلى للآثار مذكرة بدفاعه وحافظة مستندات.
وبجلسة اليوم صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
حيث إن الطاعن بصفته يطلب الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه وإلزام المطعون ضده المصروفات.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى سائر أوضاعه الشكلية فمن ثم يكون مقبولاً شكلاً.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تخلص - حسبما يبين من سائر أوراق الطعن - في أن المطعون ضده كان قد أقام الدعوى رقم 1990 لسنة 49 ق. أمام محكمة القضاء الإداري "الدائرة ح"، طلب في ختام عريضتها الحكم بقبولها شكلاً وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه الصادر من هيئة الآثار فيما تضمنه من إزالة التعدي الواقع منه على الحديقة الملحقة بمسجد السويدي، وفي الموضوع بإلغاء هذا القرار مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وقال المدعي - شرحًا لدعواه - إنه بتاريخ 16/ 11/ 1994 فوجئ بإحدى موظفات هيئة الآثار المصرية بصحبة بعض رجال الشرطة يشرعون في تنفيذ قرار صادر عن هيئة الآثار بإخلاء عقار ملك المدعي وآخرين وإزالته باعتباره يمثل تعديًا واقعًا على أرض يدعي أنها أثر بحسبان أن المبنى تم بناؤه على الحديقة الملحقة بمسجد السويدي المقيد أثرًا، على حين أن هذا المبنى من العقارات ملك ورثة المرحوم/...... المدعي طبقًا لحجة الوقف رقم 502 لسنة 1171هـ، الأمر الذي يشكل معه هذا القرار انتهاكًا صريحًا للقانون وإجحافًا بحقوق المدعي وغيره من ورثة الواقف مشوبًا بعيب مخالفة القانون وإساءة استعمال السلطة، الأمر الذي حدا به إلى إقامة هذه الدعوى ناعيًا على القرار المطعون فيه عدم إعلانه بالقرار الطعين ورفض جهة الإدارة إطلاعه عليه، فضلاً عن أنه جاء معدومًا مجهلاً لعدم تعيين أو تحديد العقار محل التنفيذ، إذ أن العقار رقم 8 شارع السويدي ومعه عقارات أخرى تدخل جميعها ضمن وقف الأخير ..... الموقوف على السيدة/ ...... وذريتها من بعدها ومنهم المدعي وآخرون وذلك بموجب إشهاد الوقف رقم 502 لسنة 1171هـ وبذلك أصبحوا ملاكًا لأعيان هذا الوقف على النحو المنصوص عليه في القانون رقم 180 لسنة 1952، وأن الحديقة المقصودة بالقرار المطعون فيه تابعة للعقار رقم 8 شارع السويدي وهي تعد مدخلاً للعقار كما تعد المنفذ الوحيد للوصول إلى ضريح ...... الوارد في حجة الوقف وبالتالي فهي ليست تابعة أو ملحقة بالمسجد الأثري، إذ إن موقع الوقف كما بينته الحجة يقع ما بين مسجد السويدي الأثري وريع علي كتخدا، وأنه يقع بين المسجد المذكور والعقار محل القرار المطعون فيه عقاران آخران مما لا يعقل معه أن يكون جزءًا تابعًا للمسجد، فضلاً عن أن العقار الذي يتعلق به القرار المطعون فيه وهو رقم 8 شارع السويدي تمت إزالته وإقامة هذا العقار على أرضه وذلك منذ ما يزيد على أربعين عامًا ويقوم المدعي بسداد الضرائب العقارية عنه وهو مكون من أربعة أدوار ولو كانت الحديقة المزعوم أنها أثر لما تمكن من البناء عليها بالمخالفة للمادة (20) من القانون رقم 117 لسنة 1983 الخاص بحماية الآثار، كما أنه لو كان عقار المنازعة أثرًا حسب زعم الجهة الإدارية - لاتخذت ضده الإجراءات القانونية المنصوص عليها قانونًا. أضف لما تقدم فقد قامت وزارة الأوقاف بالتنازل عن النظارة على أعيان الوقف سالف الذكر إلى المرحوم/ ..... باعتباره أحد ورثة الواقف المستحقين في هذا الوقف بمقتضى الحكم الصادر بالدعوى رقم 645 لسنة 1954 الأمر الذي يقطع بامتلاكه هو وآخرون لعقار النزاع ملكية خاصة لا يجوز الادعاء بما يخالفها.
كما سبق أن فرضت الحراسة القضائية على أعيان هذا الوقف بسبب الخلاف بين ورثة الواقف، وتم تعيين مورثة المرحوم/...... حارسًا قضائيًا عليهما بمقتضى الحكم الصادر في الدعوى رقم 7359 لسنة 1974 مستعجل القاهرة، الأمر الذي يقطع بأن هذه العقارات ومنها عقار النزاع من أعيان الوقف سالف الذكر، ولا يمكن اعتبارًا هذا العقار أموالاً عامة آثار لعدم اتخاذ الإجراءات القانونية التي نصت عليها المادة (6) من القانون رقم 117 لسنة 1983 بشأن حماية الآثار لإصباغ صفة المال العام عليه، وبناءً على ما تقدم خلص المدعي إلى طلباته المرفوعة بها دعواه سالفة الذكر.
وبتاريخ 26/ 1/ 1995، أقام المدعي (المطعون ضده) الدعوى رقم 633/ 1995 مستعجل القاهرة بصحيفة أودعها قلم كتاب محكمة القاهرة للأمور المستعجلة طالبًا في ختامها الحكم بوقف تنفيذ إجراءات الهدم التي تقوم بها هيئة الآثار للعقار رقم 8 شارع السويدي من شارع القبوة مصر القديمة، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الجهة الإدارية بالمصروفات.
وحيث تدوول نظرها أمام هذه المحكمة، وبجلستها المنعقدة بتاريخ 18/ 1/ 1996 قضت بعدم اختصاصها ولائيًا بنظر الدعوى وأمرت بإحالتها بحالتها إلى محكمة القضاء الإداري للاختصاص لنظرها بجلسة 29/ 6/ 1996 مع إبقاء الفصل في المصروفات.
ونفاذًا لهذا الحكم أحيلت الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري بالقاهرة لتقيد بجدولها بالرقم 4760/ 50 ق. وتدوول نظرها أمام المحكمة بجلسات المرافعة على النحو الثابت بالمحاضر.
وبجلسة 21/ 1/ 1997 قررت المحكمة ضم الدعوى رقم 4760/ 50 ق. إلى الدعوى رقم 1990/ 49 ق. وبجلسة 28/ 1/ 1997، أصدرت المحكمة حكمها المطعون فيه بقبول الدعويين شكلاً، وبوقف تنفيذ القرار المطعون فيه مع إلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وشيدت المحكمة حكمها الطعين على أساس توافر ركن الجدية والاستعجال المتطلبين للقضاء بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه. وعن ركن الجدية استعرضت المحكمة المواد (4)، (5)، (6)، (8)، (15)، (17)، (29) من القانون رقم 117 لسنة 1983 في شأن حماية الآثار، وكذا قرار رئيس الجمهورية رقم 82 لسنة 1994 بإنشاء المجلس الأعلى للآثار، لتخلص إلى أن المستفاد من هذه النصوص، أن المشرع في مجال الاهتمام بالآثار المصرية والعمل على حمايتها اعتبر جميع المباني المسجلة بمقتضى قرارات أوامر سابقة كأثر من المباني الأثرية. وأوجب على كل من يشغل بناءً تاريخيًا أو موقعًا أثريًا أن يحافظ عليه من التلف، وناط بهيئة الآثار المصرية "المجلس الأعلى للآثار حاليًا" وحدها دون سواها الإشراف على جميع ما يتعلق بشئون الآثار في متاحفها ومخازنها وفي المواقع والمناطق الأثرية والتاريخية ولو عثر عليها بطريق المصادفة واعتبر المشرع جميع الآثار من الأموال العامة عدا ما كان وقفًا، بما لا يسوغ بعد حيازتها أو تملكها أو التصرف فيها إلا في الحدود وبالشروط التي نظمها القانون. وحظر المشرع اعتبارًا من تاريخ العمل بهذا القانون في 12/ 8/ 1983 حيازة أي أثر، ومنح الهيئة الحق في إخلاء المواقع الأثرية أو أي أرض أو بناء ذي قيمة تاريخية من شاغليها سواء كانوا من الأفراد أو الهيئات كلما كانت هناك ضرورة لذلك ومقابل تعويض عادل.
وخوَّل رئيس مجلس إدارة الهيئة بناءً على قرار من اللجنة الدائمة للآثار ودون حاجة إلى الالتجاء إلى القضاء سلطة إزالة أي تعدٍ على موقع أثري أو عقار أثري بالطريق الإداري، على أن تتولى هيئة الآثار الحفاظ على الآثار والمتاحف والمخازن والمواقع الأثرية والمباني التاريخية وحراستها عن طريق شرطة الآثار والحراس الخصوصيين المعتمدين فيها، وأنه بصدور قرار رئيس الجمهورية رقم 82 لسنة 1994 المشار إليه ألغيت هيئة الآثار المصرية وحل محلها المجلس الأعلى للآثار باعتباره هيئة عامة قومية وصار وزير الثقافة رئيسًا لمجلس إدارة المجلس الأعلى للآثار بمقتضى المادة الرابعة من ذات القرار وله كافة سلطاته وصلاحياته الواردة بالقانون رقم 171 لسنة 1983 المشار إليها فإن كان البادي من الأوراق أن القرار الطعين صادر من الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار بعد موافقة اللجنة الدائمة للآثار الإسلامية والقبطية بجلسته المنعقدة في 22/ 6/ 1994 بإزالة ما يعتقد أنه تعد واقع من المدعي على حدود مسجد حسن السويدي الأثري الكائن بشارع السويدي قسم شرطة مصر القديمة، وذلك بأنه مبنى مكون من ثلاثة طوابق كان يستعمل مدرسة ابتدائية والآن مغلق.
وذلك دون تفويض من وزير الثقافة الذي أصبح رئيسًا لمجلس إدارة المجلس الأعلى للآثار بمقتضى قرار رئيس الجمهورية رقم 82 لسنة 1994 سالف الإشارة وله اختصاصات رئيس مجلس إدارة الهيئة المنصوص عليها بالقانون رقم 117 لسنة 1983 في شأن حماية الآثار.
هذا فضلاً عن أن المبنى محل النزاع لم يرد ضمن القرار الوزاري رقم 10357 لسنة 1951 بشأن تسجيل مسجد السويدي ضمن الآثار الإسلامية تحت رقم 318 الذي ارتكنت إليه الهيئة في إصدار قرارها الطعين، ولم يتقرر اعتباره أثرًا بأي إدارة قانونية في تاريخ لاحق، ولم يتقرر كذلك ترتيب حق ارتفاق عليه كما لم يتقرر للمدعي أي تعويض مع أنه يضع يده على هذا العقار موقع النزاع باعتباره مالكًا له بمقتضى حجة الوقف رقم 502 لسنة 1171هـ وباعتباره أحد ورثة مستحقي الوقف حسبما يتضح من حكم الحراسة رقم 7359 لسنة 1974 مستعجل القاهرة الصادر لصالح مورث المدعي والذي لم تقدم فيه الجهة الإدارية، فمن ثم يغدو القرار الطعين بحسب الظاهر بالأوراق صادرًا عن سلطة غير مختصة منطويًا على مساس بالملكية الخاصة في غير الأحوال التي رسمها القانون مما يصمه بمخالفة القانون ويجعله مرجح الإلغاء عند نظر الموضوع، الأمر الذي يتوافر معه ركن الجدية في طلب وقف تنفيذه.
فإن كان قد توافر لهذا الطلب ركن الاستعجال لما في تنفيذه من طرد للمدعي من مسكنه في ظل أزمة إسكان طاحنة وتشريده هو وأسرته وغيرهم بالعراء سيما أن في ذلك مساسًا بملكيته الخاصة التي كفلها الدستور وهو ما يترتب عليه أضرار متعذرة التدارك، فمن ثم - والحال هذه - وقد توافر لطلب وقف تنفيذه هذا القرار ركناه، فيتعين القضاء به وبناءً عليه خلصت المحكمة إلى قضائها سالف الذكر، ولما كان هذا القضاء لم يلقَ قبولاً لدى الطاعن، فقد أقام طعنه الماثل تأسيسًا على مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون وذلك على التفصيل الآتي:
أولاً: القرار المطعون فيه صادر من الجهة المختصة بإصداره، وهو السيد أمين عام المجلس الأعلى للآثار وذلك بموجب التفويض الممنوح له بالقرار الوزاري رقم 76/ 1994 وقرار وزير الثقافة الرئيس للمجلس الأعلى للآثار رقم 88/ 1994 الذي نص على تفويض أمين عام المجلس الأعلى للآثار في تمثيل رئيس مجلس إدارة المجلس أمام القضاء وفي صلاته بالغير بناءً على "م / 8/ 5" من القرار الجمهوري رقم 82/ 1994 الذي نص على منصب أمين عام المجلس والذي يتولى مباشرة الاختصاصات التي يعهد بها إليه المجلس أو رئيسه ومن ثم يكون القرار الطعين صادرًا عن مختص.
ثانيًا: المبنى محل المنازعة يمثل تعديًا قائمًا على حديقة مسجد السويدي الأثري المسجل ضمن الآثار الإسلامية بمدينة القاهرة تحت رقم 318 أثرًا بموجب قرار وزير المعارف العمومية رقم 10357/ 1951 والحرم المخصص لهذا المسجد الأثري بحيث تعتبر هذه الحديقة جزءًا لا يتجزأ من هذا المسجد الأثري وتعتبر من ملحقاته، ومن ثم تعد الحديقة أرضًا أثرية من ملحقات ومكملات المسجد تخضع لحكم المادة (17) من القانون رقم 215 لسنة 1951 في شأن حماية الآثار الذي صدر في ظله قرار تسجيل هذا الأثر.
حيث قررت مادته الأولى على أن يترتب على تسجيل الأثر العقاري عدم جواز هدمه أو نقله أو تجديده أو ترميمه أو تغييره بغير ترخيص من وزير المعارف، وللمصلحة المختصة مباشرة ما تراه لازمًا من أعمال الصيانة في أي وقت على نفقتها.
ولا يجوز ترتيب أي حقوق ارتفاق تعاقدية على هذا العقار، كما لا يجوز اكتساب أي حق عليه بالتقادم فضلاً عن عدم جواز نزع ملكية الأراضي أو العقارات التي بها أثر للمنفعة العامة إلا بعد موافقة وزير المعارف العمومية وهي ذات الأحكام التي رتبها القانون على حال تسجيل الأثر العقاري وإعلان المالك بذلك بحيث إنه إن أجرى صاحب الشأن أي عمل من الأعمال بغير ترخيص، كان للهيئة إعادة الحال إلى ما كانت عليه وذلك على نفقة المخالف مع عدم الإخلال بالحق في التعويض وعدم الإخلال بالعقوبات المقررة قانونًا.
فإن كان المطعون ضده قام بالبناء على حديقة مسجد السويدي الأثري المسجل برقم 318 أثرًا بدون موافقة وزير المعارف "الثقافة" وبدون موافقة اللجنة المنصوص عليها قانونًا وتحت إشراف مصلحة الآثار وهيئة الآثار، فمن ثم يعد متعديًا مما يستوجب إزالة المبنى، هذا علاوة على تجاوزه الحرم المخصص لهذا الأثر وهو بمساحة 2.5م2 من جميع النواحي، والبين من واقع الخريطة المساحية أن هذه الحديقة محل التداعي تقع خلف العقارين 6، 8 المشار إليهما في الملف، حيث قام المطعون ضده بإغلاق فتحة الباب المؤدي لهذه الحديقة ولضريح سيدي محمد الجلالي الذي يقع هو الآخر داخل حدود حرم المسجد الأثري، بحيث يكون المطعون ضده بهذا الخصوص هو المتحكم الآن في الباب الذي يربط المسجد بحديقته المقام عليها التعدي، وهذا الباب يعد المدخل الوحيد الذي يصل المسجد بالواجهة الجنوبية الغربية من الخارج وبغلقه يصبح من المتعذر بل من المستحيل الوصول لهذه الواجهة للقيام بأعمال الترميم الخاصة بالمسجد أو حتى المرور.
والحق أن أسرة المطعون ضده لها تاريخ طويل في التعدي على سبيل وكتاب مسجد السويدي الأثري؛ حيث سبق لهيئة الآثار إصدار القرار رقم 1003 في 3/ 9/ 1989 بإزالة التعدي الواقع منهم على السبيل المذكور.
وهذا التعدي ثابت بواقع الكشف المستخرج من سجلات مصلحة الضرائب العقارية الذي يبين منه أن الملك رقم 6 شارع السويدي مكلف باسم وقف...... نظارة..... وهو عبارة عن منزل واجهة مشرفة حده القبلي الملك رقم 4 وحده البحري الملك رقم 8 مكون من ثلاثة أدوار ومنزل متخرب وأرض فضاء، وبجرد 1965 استجد بالأرض الفضاء منزل بواجهة شرقية عبارة عن دور أرضي فقط وحوش سماوي به وخاصة واستجد بالملك غرف بالدور الأرضي واستجد دوران ثان وثالث، بكل وحدة غرفتان وكلها مستغلة مدرسة ابتدائية، فإذا كان المطعون ضده قد أقام البناء على حديقة مسجد السويدي الأثري دون موافقة الجهات المختصة طبقًا لأحكام القانون رقم 215 لسنة 1951 الذي يعتبر التعدي واجب الإزالة وهو المقرر بحق القانون رقم 117 لسنة 1983 الذي وفق مقتضاه ناط بالمجلس الأعلى للآثار سلطة الإشراف على جميع ما يتعلق بشئون الآثار في متاحفها ومخازنها والمواقع والمناطق الأثرية والتاريخية فإن كان التعدي واقعًا على حديقة مسجد السويدي الأثري وهو ضمن الأوقاف الخيرية المعتبرة أموالاً عامًا، فمن ثم يعتبر إزالة التعدي حقًا مشروعًا قانونًا للمجلس الأعلى للآثار حسبما تقضي به المواد (21)، (22) من قانون الآثار رقم 117 لسنة 1983م.
ثالثًا: المبنى محل الحكم الطعين ليس هو العقار رقم 6 أو العقار رقم 8 بشارع السويدي وإنما هو تعد مقام على الحديقة الخاصة بمسجد السويدي الأثري، وحيث إن ما قام على باطل فهو باطل، فإن المطعون ضده لا يستحق تعويضًا عن الإزالة لتعديه وهو أمر مكفول للمجلس الأعلى للآثار.
وإن كان الثابت من واقع الأوراق أن محل إقامة المطعون ضده هو العقار رقم 6 شارع السويدي فإن هذا يدحض ما ورد بالحكم من قيام حال الاستعجال لأنه لن يترتب على تنفيذ القرار أي نتائج يتعذر التدارك من تلك التي عددها الحكم وهي تشريد المطعون ضده وأسرته.
ومن كل هذا يتأكد مشروعية القرار الطعين وقيامه مؤسسًا على أسبابه الصحيحة.
وبناءً عليه خلص الطاعن إلى طلباته سالفة الذكر الواردة بتقرير الطعن.
ومن حيث إن قانون حماية الآثار الصادر بالقانون رقم 117 لسنة 1983 ينص على أن "يعتبر أثرًا كل عقار أو منقول أنتجته الحضارات المختلفة أو أحدثته الفنون والعلوم والآداب والأديان من عصر ما قبل التاريخ والعصور التاريخية حتى ما قبل مائة عام متى كانت له قيمة أو أهمية أثرية أو تاريخية باعتباره مظهرًا من مظاهر الحضارات المختلفة التي قامت على أرض مصر أو كانت لها صلة تاريخية بها وكذلك رفات السلالات البشرية والكائنة المعاصرة لها".
وتنص المادة (3) من القانون سالف الذكر على أنه "يجوز بقرار من رئيس الوزراء بناءً على عرض الوزير المختص بشئون الثقافة أن يعتبر أي عقار أو منقول ذا قيمة تاريخية أو علمية أو دينية أو فنية أو أدبية أثرًا متى كانت للدولة مصلحة قومية في حفظه وصيانته وذلك دون التقيد بالحد الزمني الوارد بالمادة السابقة، ويتم تسجيله وفقًا لأحكام هذا القانون".
وتنص المادة (4) من ذات القانون على أن "تعتبر مباني أثرية المباني التي اعتبرت كذلك وسجلت بمقتضى قرارات أو أوامر سابقة .....".
وتنص المادة (6) من القانون سالف الذكر على أن "تعتبر جميع الآثار من الأموال العامة - عدا ما كان وقفًا - ولا يجوز تملكها أو حيازتها أو التصرف فيها إلا في الأحوال وبالشروط المنصوص عليها في هذا القانون والقرارات المنفذة له".
وتنص المادة (12) من القانون المشار إليه على أن "يتم تسجيل الأثر بقرار من الوزير المختص بشئون الثقافة بناءً على اقتراح مجلس إدارة الهيئة ويعلن القرار الصادر بتسجيل الأثر العقاري إلى مالكه أو المكلف باسمه بالطريق الإداري، وينشر في الوقائع المصرية ويؤشر بذلك على هامش تسجيل العقار في الشهر العقاري".
وتنص المادة (17) من القانون ذاته على أنه "مع عدم الإخلال بالعقوبات المنصوص عليها في هذا القانون أو غيره من القوانين يجوز لرئيس مجلس إدارة الهيئة بناءً على قرار من اللجنة الدائمة للآثار ودون حاجة إلى الالتجاء إلى القضاء أن يقرر إزالة أي تعد على موقع أثري أو عقار أثري بالطريق الإداري، وتتولى شرطة الآثار المختصة تنفيذ قرار الإزالة، ويلزم المخالف بإعادة الوضع إلى ما كان عليه وإلا جاز للهيئة أن تقوم بتنفيذ ذلك على نفقته".
وتنص المادة (20) من ذات القانون على أن "لا يجوز منح رخص للبناء في الموقع أو الأراضي الأثرية ويحظر على الغير إقامة منشآت أو مدافن أو سق قنوات أو إعداد طرق أو الزراعة فيها أو في المنافع العامة للآثار أو الأراضي الداخلة ضمن خطوط التجميل المعتمدة".
كما لا يجوز غرس أشجار بها أو قطعها أو رفع أنقاض منها أو أخذ أتربة أو أسمدة أو رمال أو إجراء غير ذلك من الأعمال التي يترتب عليها تغيير في معالم هذه المواقع والأراضي إلا بترخيص من الهيئة وتحت إشرافها، ويسري حكم الفقرة السابقة على الأراضي المتاخمة التي تقع خارج نطاق المواقع المشار إليها في الفقرة السابقة التي تمتد حتى مسافة ثلاثة كيلو مترات في المناطق المأهولة أو لمسافة تحددها الهيئة بما يحقق حماية بيئة الأثر في غيرها من المناطق.
وتنص المادة (22) من القانون ذاته على أنه "للجهة المختصة - بعد أخذ موافقة الهيئة - الترخيص بالبناء في الأماكن المتاخمة للمواقع الأثرية داخل المناطق المأهولة.
وعلى الجهة المختصة أن تضمن الترخيص الشروط التي ترى الهيئة أنها تكفل إقامة المبنى على وجه ملائم لا يطغى على الأثر أو يفسد مظهره ويضمن له حرمًا مناسبًا مع مراعاة المحيط الأثري والتاريخي والمواصفات التي تضمن حمايته، وعلى الهيئة أن تبدي رأيها في طلب الترخيص خلال ستين يومًا من تاريخ تقديمه إليها وإلا اعتبر فوات هذه المدة قرارًا بالرفض".
ومن حيث إنه يستفاد من النصوص المتقدمة أن المشرع حدد المنقولات والعقارات التي تعتبر أثرًا واعتبر منها المباني التي اعتبرت كذلك وسجلت بمقتضى قرارات أو أوامر سابقة على العمل بالقانون رقم 117 لسنة 1983، واعتبر المشرع أن هيئة الآثار المصرية ومن بعدها المجلس الأعلى للآثار بموجب قرار رئيس الجمهورية رقم 82 لسنة 1994 هي المختصة بالإشراف على ما يتعلق بشئون الآثار في متاحفها ومخازنها وفي المواقع والمناطق الأثرية والتاريخية واعتبر المشرع جميع الآثار من الأموال العامة - عدا ما كان منها وقفًا - وبسط المشرع على تلك الأموال حمايته باعتبارها من الآثار وذلك بأن حظر تملكها أو حيازتها أو التصرف فيها إلا في الأحوال وبالشروط المنصوص عليها في القانون رقم 215 لسنة 1951 لحماية الآثار الملغي ومن بعده رقم 117 لسنة 1983 بقانون حماية الآثار والقرارات المنفذة لهما، وقضى المشرع بأن يتم تسجيل الأثر بقرار من الوزير المختص بشئون الثقافة بناءً على اقتراح مجلس إدارة الهيئة المصرية للآثار. ومن أوجه حماية المشرع للآثار، فقد حظر على الجهات الإدارية المختصة منح رخص للبناء في المواقع أو الأراضي الأثرية، كما حظر إقامة أية منشآت في تلك المواقع والأراضي أو في المنافع العامة للآثار والمواقع والأراضي التي اعتبرت حرمًا لها وكذا الأراضي الداخلة ضمن خطوط التجميل المعتمدة لتلك المواقع والأراضي الأثرية، وعلاوة على ما تقدم فقد حظر المشرع البناء في الأماكن المتاخمة للمواقع الأثرية داخل المناطق المأهولة بالسكان إلا بعد الحصول على ترخيص بذلك بعد موافقة الهيئة العامة للآثار المصرية، على أن تُضمن الجهة المختصة بشئون التنظيم ذلك الترخيص الشروط التي تراها الهيئة سالفة الذكر أنها تكفل إقامة المباني على وجه ملائم بحيث لا يطغى على الأثر أو يفسد مظهره ويترك له حرمًا مناسبًا، وإلزام المشرع الهيئة العامة للآثار المصرية أن تبدي رأيها في طلب الترخيص للبناء في الأماكن المتاخمة للمواقع الأثرية داخل المناطق المأهولة بالسكان خلال ستين يومًا من تاريخ تقديمه إليها، وفي حالة فوات هذا الميعاد دون موافقة من الهيئة يعد بمثابة قرار برفض هذا الطلب.
وينبغي على ذلك أنه إذا ما قام صاحب الشأن بالبناء في الأماكن المتاخمة للمواقع الأثرية داخل المناطق المأهولة بالسكان دون الحصول على موافقة الهيئة المذكورة أو دون الحصول على ترخيص بالبناء في تلك المناطق متضمنًا موافقة تلك الهيئة أو بالمخالفة للشروط التي وضعتها للبناء في هذه المناطق فإن هذا البناء يكون مقامًا بالتعدي على حرم الأثر؛ وبالتالي يحق لوزير الثقافة بصفته رئيس مجلس إدارة هيئة الآثار المصرية، ومن بعده وزير الثقافة بصفته رئيس المجلس الأعلى للآثار المصرية المنشأ بموجب قرار رئيس الجمهورية رقم 82 لسنة 1994 المعمول به اعتبارًا من 11/ 3/ 1994، ودون حاجة إلى الالتجاء إلى القضاء، أن يصدر قرارًا بإزالة هذا التعدي بالطريق الإداري.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن مسجد السويدي والحديقة الملحقة به الكائن بشارع السويدي قسم شرطة مصر القديمة محافظة القاهرة مسجل أثرًا ضمن الآثار الإسلامية 318 بموجب قرار وزير المعارف العمومية رقم 10357 لسنة 1951 المنشور في الوقائع المصرية بالعدد 115 بتاريخ 17/ 12/ 1951 وأن لهذا المسجد حرمًا قدره 2.5 متر؛ وبذلك فإن هذا المسجد والحديقة الملحقة به والحرم الخاص به تعتبر عقارات أثرية عملاً بحكم المواد (4)، (2)، (1) ويبين من تقرير الخبير المودع في الطعن والذي انتدبته المحكمة والذي تتخذه المحكمة سندًا لحكمها أن المطعون ضده يملك قطعة الأرض رقم 6 المتاخمة لهذا الأثر، وأنه قام بإنشاء مبنى مكون من ثلاثة أدوار متعديًا على حرم المسجد الأثري سالف الذكر، وبذلك يكون هذا المبنى بحالته الراهنة يشكل مخالفة لحكم المادتين (20)، (22) من قانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983 التي تحظر على ملاك العقارات المتاخمة للمواقع الأثرية في المناطق المأهولة بالسكان القيام بأي عمل من أعمال البناء إلا بعد الحصول على ترخيص بذلك من الجهة المختصة بعد موافقة هيئة الآثار المصرية ومن بعدها المجلس الأعلى للآثار، وبناءً على ذلك أصدر الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار القرار رقم 2764 لسنة 1994 متضمنًا إزالة هذا التعدي "القرار المطعون فيه" استنادًا إلى موافقة اللجنة الدائمة للآثار الإسلامية بجلستها المنعقدة بتاريخ 23/ 6/ 1994 واستنادًا إلى التفويض الصادر إليه من وزير الثقافة باعتباره رئيس المجلس الأعلى للآثار بالقرارين رقمي "76 لسنة 1994، و88 لسنة 1994"، الأمر الذي يكون معه القرار المطعون فيه قد صدر - بحسب الظاهر من الأوراق - مطابقًا للقانون غير مرجح الإلغاء عند الفصل في طلب إلغائه الأمر الذي ينفي معه ركن الجدية في طلب وقف تنفيذه مما يتعين معه الحكم برفض طلب وقف تنفيذ القرار سالف الذكر وذلك دون حاجة لاستظهار ركن الاستعجال لعدم جدواه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قضى بغير ذلك فإنه يكون قد صدر مخالفًا للقانون خليقًا بالإلغاء وبرفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه.
ومن حيث إن المطعون ضده يكون بذلك قد خسر الطعن، فمن ثم حق إلزامه مصروفاته عملاً بحكم المادة (184) من قانون المرافعات.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة
بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه، وألزمت المطعون ضده المصروفات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق