جلسة 30 من ديسمبر سنة 1964
برياسة السيد المستشار/ أحمد زكي محمد. وبحضور السادة المستشارين: محمد ممتاز نصار، وصبري أحمد فرحات، وأحمد حسن هيكل، وأمين أحمد فتح الله.
-----------------
(178)
الطعن رقم 176 لسنة 30 القضائية
(أ) إثبات. "إجراءات الإثبات".
إحالة الدعوى إلى التحقيق أمر جوازي متروك لتقدير المحكمة.
(ب) إثبات. "تقدير الدليل". محكمة الموضوع.
الاطمئنان إلى أقوال الشهود أو عدم الاطمئنان إليها. أمر موضوعي.
(جـ) عمل. "انتهاء عقد العمل". "مكافأة نهاية الخدمة". "مسئولية الخلف". خلف.
بيع رب العمل مؤسسته إلى رب عمل آخر. النص في عقد البيع على قيام البائع بتعويض مستخدميه واعتبارهم مفصولين من خدمته وملحقين كمستخدمين جدد للمشتري ابتداء من تاريخ البيع. تخالص العامل عن حقوقه قبل رب العمل الأول. تقرير الحكم أن تجزئة عقد العامل فضلاً عن مخالفته للقانون فإنه يترتب عليه إنقاص حقوقه في مكافأة نهاية الخدمة. عدم اعتداده بالمخالصة. اعتباره المشتري مسئولاً بطريق التضامن عن الوفاء بالالتزامات الناشئة من عقد العمل ومنها مكافأة نهاية الخدمة. تقريرات سائغة من شأنها أن تؤدي إلى اعتبار مدة العامل متصلة. صحة ما انتهى إليه الحكم من أن المشتري وقد حل محل البائع يكون مسئولاً بطريق التضامن عن الوفاء بالالتزامات الناشئة عن عقد العمل ومنها مكافأة نهاية الخدمة.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه القانونية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن أحمد حسن سعد تقدم إلى مكتب عمل المنصورة بطلب يقول فيه إنه كان يعمل لدى الشركة المدعى عليها وبتاريخ 17/ 5/ 1951 أصدر مدير الشركة قراراً بفصله، وطلب إعادته إلى العمل أو إحالة النزاع إلى المحكمة، ولم يتمكن مكتب العمل من تسوية النزاع وأحاله إلى قاضي الأمور المستعجلة بالمنصورة، وبتاريخ 14/ 10/ 1959 قضت المحكمة بصفة مستعجلة بوقف قرار فصل المدعي من خدمة المدعى عليه، وكلفت المدعي إعلان المدعى عليه بطلباته الموضوعية أمام محكمة البندر - وبجلسة 21/ 10/ 1959 وجه المدعي طلباته إلى المدعى عليه وهي إلزامه بصفته بأن يدفع له مبلغ 4974 ج و119 م وقضت المحكمة بعدم اختصاصها بنظر الدعوى وإحالتها إلى محكمة المنصورة الابتدائية وقيدت بجدولها برقم 936 لسنة 1959 كلي المنصورة، وبتاريخ 14/ 12/ 1959 حكمت المحكمة بإلزام المدعى عليه بصفته مديراً لشركة الأزياء الحديثة (بنزايون) بأن يدفع للمدعي مبلغ 60 ج و414 م قيمة ما يستحقه بصندوق الادخار وفائدته الاتفاقية وألزمته المصروفات المناسبة و200 قرش أتعاب المحاماة وشملت الحكم بالنفاذ المعجل بلا كفالة. واستأنف المطعون عليه هذا الحكم لدى محكمة استئناف المنصورة طالباً تعديله والحكم له بطلباته وقيد هذا الاستئناف برقم 8 سنة 12 ق. وبتاريخ 5 مارس سنة 1960 حكمت المحكمة بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع: أولاً - بإلغاء الحكم المستأنف بالنسبة لما انتهى إليه من أن فصل المستأنف من عمله كان وفقاً للقانون واعتبار أن هذا الفصل كان خاطئاً وحصل مخالفاً للقانون. ثانياً - وقبل الفصل في باقي الطلبات أحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت المستأنف بكافة طرق الإثبات بما فيها البينة والقرائن مدى أحقيته لهذه المبالغ ومدى الضرر الذي ناله بسبب فصله ولينفي المستأنف عليه بصفته ذلك بنفس الطرق. وطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض للأسباب الواردة في التقرير وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون وقررت إحالته إلى هذه الدائرة حيث أصر الطاعن على طلب نقض الحكم ولم يحضر المطعون عليه ولم يبد دفاعاً وقدمت النيابة العامة مذكرة أحالت فيها إلى مذكرتها الأولى وطلبت رفض الطعن.
وحيث إن حاصل السبب الثالث أن الحكم المطعون فيه مشوب بالقصور والفساد في الاستدلال، إذ لم يعول على التحقيق الذي أجرته الشركة مع المطعون عليه ورتبت عليه فصله استناداً إلى أن هذا التحقيق ضعيف الحجة في قيمته التدليلية وغير قاطع في إثبات الاتهام ولا ترتاح إليه المحكمة وإلى ما استخلصه منه من أن ما وقع من المطعون عليه لا يعدو أن يكون إهمالاً يستوجب المؤاخذة التأديبية التي لا تصل إلى حد الفصل وهو استخلاص غير سائغ ولا يمكن عقلاً التسليم به، وبفرض عدم ارتياح المحكمة إلى هذا التحقيق فقد كان يسعها أن تطلب من الشركة أن تقيم الدليل على سبب الفصل وبتحقيق تجريه هي ولها بعد ذلك أن تحكم في الدعوى بما تراه، يضاف إلى هذا أن الحكم الابتدائي عدد التزامات المطعون عليه الجوهرية ومنها الحرص على سمعة المحل وتنفيذ أوامر الشركة ولوائحها الخاصة بتنظيم العمل ومراقبة العمال وانتهى إلى أن المطعون عليه أخل بها وما كان للحكم المطعون فيه إزاء ذلك أن يكتفي بالقول بأن المحكمة لا ترتاح إلى التحقيق الذي أجرته الشركة إذ كان واجباً عليها أن توضح أسباب عدم ارتياحها وأقوال الشهود التي جعلتها تتشكك في نتيجة التحقيق.
وحيث إن هذا النعي مردود (أولاً) بأنه بالرجوع إلى الحكم المطعون فيه يبين أنه أقام قضاءه في الدعوى على "أن التحقيق الذي هو السند الذي ارتكنت عليه المؤسسة في استخلاص أن المستأنف لم يقم بالتزاماته الجوهرية ورتبت على ذلك فصله من عمله ضعيف الحجة في قيمته التدليلية لأن التهمة الأساسية وهي الإقراض بالربا الفاحش والتلاعب باستمارات الموظفين لم توجه إلى المستأنف بل وجهت إلى شخص آخر ونسب إلى المستأنف أنه كان يعلم بما كان يرتكبه الشخص المذكور وهو باعتباره وكيلاً للمحل كان يجب عليه أن يضع حداً لذلك وهذا الذي هو منسوب إلى المستأنف لا يرقى إلى درجة الإخلال بالالتزامات الجوهرية المترتبة على عقد العمل ولا يعدو أن يكون إهمالاً يستوجب إن صح المؤاخذة التأديبية التي لا تصل إلى حد الفصل" وأنه "لذلك لا ترتاح المحكمة إلى التحقيق الذي أجرى مع المستأنف ولا إلى النتيجة التي استنبطتها محكمة أول درجة منه والتي رتبت عليها واقعة إخلال المستأنف بالتزاماته الجوهرية وترى أن فصل المستأنف لم يكن له ما يبرره" وهو استخلاص موضوعي لم تبين الطاعنة وجه الخطأ والفساد فيه إذ لم تقدم صورة التحقيق الإداري الذي تتحدى به ومن ثم فإن النعي على الحكم لهذا السبب يكون عارياً عن الدليل، ومردود (ثانياً) بأن إحالة الدعوى إلى التحقيق أمر جوازي للمحكمة متروك لتقديرها، ومردود (ثالثاً) بأن الاطمئنان إلى أقوال الشهود الذين سمعوا في التحقيق الذي أجرته الشركة أو عدم الاطمئنان إليها مرده إلى وجدان القاضي وهو غير ملزم بإبداء الأسباب التي تبرره ولا معقب عليه في ذلك.
وحيث إن حاصل السببين الأول والثاني أن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه في الدعوى على أنه طالما أن الشركة الطاعنة أجرت تحقيقاً إدارياً مع المطعون عليه قبل فصله فإن فصلها له لا يكون استعمالاً لحقها المخول في القانون وإنما يعتبر فصلاً تأديبياً يجب أن تراعى فيه قواعد القرار الوزاري الخاص بتأديب العمال، وإذ اختارت لنفسها الطريق التأديبي في الفصل فإن عليها أن تخضع لما ينظم قواعده من إجراءات نص عليها القانون وأنها خالفت أحكام القرار الوزاري الصادر في 4/ 4/ 1953 ببيان قواعد وإجراءات التأديب ومقتضاها عدم جواز توقيع عقوبة تأديبية ضد العامل إلا بعد إبلاغه كتابة ما نسب إليه والتحقيق معه وهو خطأ ومخالفة للقانون من وجهين (أولهما) أنه خلط بين حق رب العمل في فسخ العقد بدون إعلان وبغير مكافأة ولا تعويض وحقه في تأديب العامل، إذ ما من شك في أن الفسخ من حق صاحب العمل متى كان له ما يبرره وهو متروك لتقديره سواء سبقه تحقيق إداري أو لم يسبقه ويكفيه أن يتأكد من ثبوت المخالفة المنسوبة إلى العامل، والثابت من الأوراق أن الشركة إنما فصلت المطعون عليه لإخلاله بالتزاماته الجوهرية واستعمالاً لحقها المخول في الفقرة السادسة من المادة 76 من القانون رقم 91 لسنة 1959 (وثانيهما) أنه لم يتفهم أحكام القرار الوزاري الصادر في 4 إبريل سنة 1953 إذ أن فصل العامل مع حرمانه من المكافأة لا يعتبر عقوبة تأديبية ولا يدخل ضمن الجزاءات التي قصدها القرار وهي ذات الجزاءات التي يوقعها رب العمل على العامل طبقاً للائحة التي يضعها لمؤسسته وحددتها وزارة الشئون الاجتماعية وليس بينها الفصل مع الحرمان من المكافأة أو التعويض الذي يعتبره القانون إنهاء أو فسخاً للعلاقة القائمة بين العامل ورب العمل وخول هذا الأخيرة الحق في استعماله في الحالات المشروعة.
وحيث إن هذا النعي في غير محله ذلك أنه بالرجوع إلى الحكم المطعون فيه يبين أنه وإن أشار في أسبابه إلى أن فصل المطعون عليه كان فصلاً تأديبياً لم تلتزم فيه الطاعنة أحكام القرار الوزاري الصادر في 4 إبريل سنة 1953 إلا أنه أقام قضاءه في الدعوى على أن المطعون عليه لم يخل بالتزاماته الجوهري وأن ما وقع منه لا يعدو أن يكون إهمالاً لا يستوجب الفصل وذلك على ما سبق بيانه في سياق الرد على السبب الثالث، وإذ كان ذلك، وكانت الطاعنة لم تقدم التحقيق الذي أجرته مع المطعون عليه فإن النعي على الحكم في هذا الخصوص يكون على غير أساس.
وحيث إن حاصل السبب الرابع أن الحكم المطعون فيه خالف القانون وأخطأ في تطبيقه إذ اعتبر أن مدة عمل المطعون عليه لدى الشركة الطاعنة بدأت منذ 3 سبتمبر سنة 1936 واستمرت إلى تاريخ فصله في 17/ 5/ 1959 مستنداً في ذلك إلى المادة 85 من القانون رقم 91 لسنة 1959 التي تجعل الخلف مسئولاً بالتضامن مع أصحاب العمل السابقين وإلى أن ما حصل في النزاع هو تجزئة عقد عمل المطعون عليه وهذه التجزئة مخالفة للقانون لما يترتب عليها من إنقاص حقوق العامل في مكافأة نهاية الخدمة وأنه لا يحتج بالمخالصة الصادرة من المطعون عليه لأن نصوص عقد العمل آمرة ولا يصح الاتفاق على مخالفتها، في حين أن الثابت من الأوراق أن المطعون عليه لم يعمل لدى الشركة الطاعنة إلا من تاريخ أول يناير سنة 1951 وكان قبل هذا التاريخ موظفاً بشركة أخرى هي شركة ب - أ - ليفى التي اشترت الطاعنة محلاتها التجارية اعتباراً من أول يناير سنة 1951 وبعد أن صرفت هذه الأخيرة مكافأة نهاية الخدمة لجميع عمالها وموظفيها طبقاً للتشريع الذي كان قائماً في ذلك الوقت وطبقاً للوائحه وقد تعاقدت الطاعنة مع من وقع اختيارها عليه من هؤلاء الموظفين بعقود جديدة بدأت في أول يناير سنة 1951، وفي حين أن مجال تطبيق المادة 85 هو أن يكون عقد العمل مستمراً وليس هذا هو واقع الحال في الدعوى.
وحيث إن هذا النعي في غير محله ذلك أنه بالرجوع إلى الحكم المطعون فيه يبين أنه أقام قضاءه باعتبار مدة عمل المطعون عليه متصلة إلى أنه "ثابت من الصورة الشمسية للمستند رقم 1 المؤرخ 4/ 5/ 1951 من حافظة المستأنف عليها رقم 7 ملف أمام محكمة أول درجة أن الشركة بنزايون أخذت على المستأنف إقراراً جاء به أن شركة بنزايون وابراموليفي قد باعت كافة محلاتها إلى الشركة المستأنف عليها ابتداء من أول يناير سنة 1951 وجاء في عقد البيع أن الشركة الأولى أي البائعة تقوم بتعويض مستخدميها لغاية 31 ديسمبر سنة 1950 بحيث يعتبر جميع المستخدمين الموجودين بخدمة المحلات مفصولين بتاريخ 31 ديسمبر سنة 1950 وملحقين كمستخدمين جدد بالشركة الثانية ابتداء من أول يناير سنة 1951 وقد أقر المستأنف أنه قبض 142 ج و602 م صافي ما يستحقه من تعويض ومقابل مهلة الإنذار وفوائد المكافأة التي كانت مودعة بالبنك وأنه قد أصبح خالصاً من كل الوجوه وليس له الحق في مطالبة محلات بنزايون بأي شيء في المستقبل" "وأنه بصرف النظر عن حصول الإكراه المدعى به من الشركة فإن المادة 85 من القانون رقم 91 لسنة 1959 والمادة 48 من المرسوم بقانون رقم 317 سنة 1952 والمادة 25 من القانون رقم 41 لسنة 1944 وهما التشريعان السابقان على قانون العمل الموحد الحالي - تنص هذه المواد على أنه لا يمنع الوفاء بجميع الالتزامات حل المنشأة أو تصفيتها أو إغلاقها أو إفلاسها أو إدماجها في غيرها أو انتقالها بالإرث أو الوصية أو الهبة أو البيع أو النزول أو غير ذلك من التصرفات وفيما عدا حالات التصفية والإفلاس والإغلاق النهائي المرخص به يبقى عقد استخدام عمال المنشأة قائماً ويكون الخلف مسئولاً بالتضامن مع أصحاب الأعمال السابقين عن تنفيذ جميع الالتزامات المذكورة" وأنه "لا شك أن تجزئة عقد عمل المستأنف فضلاً عن مخالفته للقانون فإنه يترتب عليه إنقاص حقوقه في مكافأة نهاية الخدمة" وأنه "لا يحتج بالمخالصة الصادرة منه لأن نصوص عقد العمل هي نصوص آمرة لا يصح الاتفاق على مخالفتها ومن ثم تكون الشركة المستأنف عليها وقد حلت محل الشركة السابقة بطريق الشراء مسئولة بطريق التضامن عن الوفاء بالالتزامات الناشئة عن عقد العمل أي مسئولة عن مكافأة نهاية الخدمة"، وهي تقريرات موضوعية سائغة من شأنها أن تؤدى إلى اعتبار مدة عمل المطعون عليه متصلة وبالتالي فإنه يكون صحيحاً ما انتهى إليه الحكم من أن الشركة الطاعنة وقد حلت محل الشركة السابقة بطريق الشراء تكون مسئولة بطريق التضامن عن الوفاء بالالتزامات الناشئة عن عقد العمل ومنها مكافأة نهاية الخدمة.
(1) راجع نقض 2/ 11/ 1963 الطعن 487 س 29 ق السنة 14 ص 1062، نفس هذه المبادئ تضمنها حكم الطعن 177 ص 30 ق الصادر بذات الجلسة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق