(99)
جلسة 1 من مارس سنة 2005م
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ كمال زكي عبد الرحمن اللمعي نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ يحيي خضري نوبي محمد, ومنير صدقي يوسف خليل, وعبد المجيد أحمد حسن المقنن, وعمر ضاحي عمر ضاحي نواب رئيس مجلس الدولة
وبحضور السيد الأستاذ المستشار/ حسين محمد صابر مفوض الدولة
وسكرتارية السيد/ محمد عويس عوض الله سكرتير المحكمة
--------------
الطعن رقم 12748 لسنة 48 قضائية. عليا:
عقد إداري - صور من العقود الإدارية - التعهد بخدمة مرفق عام - الشرطة - الالتزام برد النفقات عند الإخلال بهذا التعهد.
طبقًا للمادة (33) من قانون أكاديمية الشرطة رقم 91 لسنة 1975, التعهد بخدمة مرفق عام لمدة محددة مع التزام المتعهد برد ما أنفقه المرفق على تدريبه علميًا وعمليًا في حالة إخلاله بالتزامه هو عقد إداري تتوافر فيه خصائص ومميزات هذا العقد, وأن الأصل في تفسير العقود - إدارية أو مدنية - هو التعرف على النية المشتركة للمتعاقدين حسبما تفصح عنها عبارات العقد فإن كانت واضحة تكشف بذاتها عن هذه النية فلا وجه للحيد عنها أو مخالفتها أو الاجتهاد في تفسيرها بما ينأى عن صراحتها وعن وضوح عباراتها ومقتضى دلالتها ومتى ثبت أن هذه النية واضحة في الالتزام بخدمة مرفق عام مدة محددة سلفًا مع التزام المتعهد في حالة إخلاله بهذا الالتزام برد ما أنفق على تدريبه علميًا وعمليًا - مفاد ذلك: - قيام التزام أصلي يقع على عاتق المتعاقد مع المرفق محله أداء الخدمة للمدة المتفق عليها والتزام بديل محله دفع ما أنفق عليه في تدريبه علميًا وعمليًا, ويحل الالتزام البديل فور الإخلال بالالتزام الأصيل ويتحقق الإخلال بالالتزام الأصلي بعدم أداء الخدمة كامل المدة المتفق عليها, ولا تبرأ ذمة المتعاقد من التزامه إلا بأداء كامل الالتزام البديل وهو كامل النفقات التي أنفقت عليه – تطبيق.
الإجراءات
في يوم الأحد الموافق 18/ 8/ 2002 أودع الأستاذ/ صلاح الدين أنور، المستشار بهيئة قضايا الدولة نائبًا عن الطاعن بصفته قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريرًا بالطعن قيد بجدولها العمومي تحت رقم 12748 لسنة 48 ق. عليا في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري - الدائرة السادسة - في الدعوى رقم 9874 لسنة 55 ق بجلسة 10/ 7/ 2002، والقاضي منطوقه "بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلزام المدعى عليه بصفته بأن يؤدي إلى المدعي بصفته بأن يؤدي إلى المدعى مبلغ 46602.40 (ستة وأربعون ألفًا وستمائة واثني جنيه وأربعون قرشًا) والمصروفات".
وطلب الطاعن بصفته - للأسباب الواردة بتقرير الطعن - الحكم بقبول الطعن شكلاً وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، وفي الموضوع بإلغائه والقضاء مجددًا برفض الدعوى مع إلزام المطعون ضده المصروفات عن درجتي التقاضي.
وقد جرى إعلان تقرير الطعن إلى المطعون ضده على النحو الثابت بالأوراق.
وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرًا مسببًا بالرأي القانوني في الطعن ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعًا وإلزام الإدارة المصروفات ونظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بالدائرة الثالثة عليا بجلستها المنعقدة في 7/ 12/ 2003 وما تلاها من جلسات على النحو المبين بمحاضرها وبجلسة 3/ 3/ 2004 قررت تلك الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا الدائرة "الثالثة - موضوع" وحددت لنظره أمامها جلسة 29/ 6/ 2004 وقد تدوول نظر الطعن أمام هذه الدائرة بالجلسة المذكورة والجلسات التالية لها على النحو الثابت بمحاضرها حيث أودع محامي الدولة مذكرة بدفاع الجهة الإدارية الطاعنة صممت في ختامها على الطلبات الواردة بتقرير الطعن، كما أودع الحاضر عن المطعون ضده مذكرة بالدفاع التمس في ختامها الحكم برفض الطعن مع إلزام جهة الإدارة الطاعنة المصروفات.
وبجلسة 19/ 10/ 2004 قررت المحكمة حجز الطعن للحكم فيه بجلسة 28/ 12/ 2004، وبتلك الجلسة تقرر مد أجل النطق بالحكم لجلسة 1/ 3/ 2005 لاستمرار المداولة، وبهذه الجلسة تم النطق بالحكم علنًا وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه ومنطوقه.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة قانونًا.
ومن حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية المقررة قانونًا، فمن ثم يتعين الحكم بقبوله شكلاً.
ومن حيث إن عناصر النزاع تخلص - حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - في أن المطعون ضده أقام الدعوى رقم 9874 لسنة 55 ق أمام محكمة القضاء الإداري - بموجب عريضة مودعة قلم كتابها بتاريخ 26/ 8/ 2001 طالبًا في ختامها الحكم بقبولها شكلاً وفي موضوعها بأحقيته في استرداد المبلغ الذي دفعه لوزارة الداخلية دون وجه حق. مع إلزام جهة الإدارة المصروفات على سند من القول إنه تخرج في كلية الشرطة وعين ضابطًا بهيئة الشرطة، ثم تقدم للتعيين بمجلس الدولة، وصدر قرار جمهوري تضمن تعيينه به واشترطت الوزارة لقبول استقالته من خدمتها أن يدفع مبلغ 46602 جنيه بمقولة إنه يمثل النفقات الدراسية التي تكبدتها أكاديمية الشرطة وإزاء إصرار الوزارة على هذا الموقف اضطر إلى دفع هذا المبلغ، ثم طالب برده ولكن دون جدوى وتقدم بطلب إلى لجنة التوفيق لفض المنازعات فأصدرت توصيتها بتاريخ 20/ 6/ 2001 بإعفائه من كل المصروفات واستحقاقه لاسترداد ما سبق دفعه ولم توافق الوزارة على تنفيذ التوصية مما حدا به على رفع دعواه الماثلة استنادًا إلى نص المادة (33) من القانون رقم 91 لسنة 1975 بإنشاء أكاديمية الشرطة وكتاب وزير الداخلية إلى وزير العدل رقم 121 في 22/ 9/ 1999 وكتاب مساعد وزير الداخلية رقم 7615 المؤرخ 20/ 6/ 1996 إلى هيئة قضايا الدولة بشأن إعفاء دفعات من ضباط الشرطة الذين عينوا بهيئات قضائية من سداد مبالغ مماثلة وعلى ذلك فإنه لا يجوز لجهة الإدارة التفرقة في المعاملة بين ذوي المراكز القانونية المتماثلة وأن مخالفة هذا المبدأ يشكل مساسًا بمبدأ المساواة وهو مبدأ دستوري ويجعل مسلك الإدارة مشوبًا بالانحراف وأنه ليس مقبولاً بعد أن استعمل وزير الداخلية الرخصة المخولة له في عجُز المادة (33) سالفة الذكر بإعفاء من عُيّنوا بالهيئات القضائية من النفقات الدراسية باعتبار أنهم سيخدمون الوطن في موقع آخر يتصل بتطبيق القانون واستتباب الأمن وتحقيق العدالة - أن تغاير جهة الإدارة في المعاملة بالنسبة للمدعي مختتماً عريضة دعواه بطلب الحكم بما تقدم.
وبعد أن تدوولت الدعوى أمام محكمة القضاء الإداري أصدرت الحكم المطعون فيه وشيدت قضاءها على أسباب حاصلها أنه وإن كان لا يوجد ما يحول بين الجهة الإدارية وهي بصدد مباشرتها لسلطتها التقديرية أن تحدد هي بذاتها مقدمًا ضوابط ممارستها التي تحكم ما يصدر منها من قرارات فردية استنادًا لهذه السلطة تسهيلاً لمهمتها وتجنبًا لاختلاف التعامل بين الحالات الفردية وإصدار قرارات تتنكر لمبدأ المساواة، وإذا كانت الوزارة تستند في تحصيل المبلغ المشار إليه من المدعي إلى قرار وزير الداخلية الصادر بالتصديق على ما قرره المجلس الأعلى للشرطة بجلسته المعقودة بتاريخ 28/ 10/ 1998 بإلزام ضابط الشرطة الذي ينقل إلى أية جهة حكومية بسداد النفقات الدراسية إذا لم يكن قد أمضى عشر سنوات بخدمة الوزارة من تاريخ تخرجه، فإن هذا القرار لا يصح سندًا لتحميل المدعي في الحالة المعروضة بضعف نفقات الدراسة بأكاديمية الشرطة، إذ إن قرار وزير الداخلية في هذا الشأن يستند إلى نص المادة (33) من القانون رقم 91 لسنة 1975 المشار إليه التي جعلت للوزير سلطة تقديرية في الإعفاء من كل أو بعض هذه النفقات، أي أن ذلك القرار صدر في مجال سلطة تقديرية ولا يتعلق بحالة أو حالات فردية، ومن ثم فهو من قبيل التعليمات التي لا ترقى إلى مستوى القرار اللائحي أو التنظيمي بالمعنى الدقيق له، لأنه لم يصدر بناءً على تفويض من المشرع، حيث خلا القانون سالف الذكر من نص يخول وزير الداخلية إصدار قرار تنظيمي أو لائحي في هذا المجال، ولا يجوز لجهة الإدارة أن يصل بها تنظيمها لهذه السلطة إلى حد التخلي عنها حسبما يفيد ما صدر عن المجلس الأعلى للشرطة في 28/ 10/ 1998 الذي أطلق إلزام خريج الشرطة بالنفقات حتى ولو كان عدم وفائه بالتزام الخدمة بهيئة الشرطة بسبب النقل إلى أية جهة حكومية، وفضلاً عن ذلك فإن هذه التعليمات مخالفة لنص القانون وتعطل حكمه في جواز الإعفاء من النفقات في هذه الحالات، كما خالف هذا القرار واقع التطبيق العملي، حيث ثبت من الأوراق ومذكرات دفاع الجهة الإدارية أنه تم بالفعل إعفاء خريجين من هذه النفقات رغم تركهم الخدمة بهيئة الشرطة قبل مضي عشر سنوات من التخرج والتحاقهم بالمخابرات العامة بعد صدور التعليمات المشار إليها من المجلس الأعلى للشرطة.
وخلصت محكمة القضاء الإداري إلى أنه بناءً على ما تقدم يحق للمدعي (المطعون ضده) التمسك بعدم انطباق تلك التعليمات عليه وبأن يظل مخاطبًا بكامل أحكام المادة (33) من قانون أكاديمية الشرطة ومن بينها تخويل وزير الداخلية بعد أخذ رأي المجلس الأعلى للشرطة سلطة تقديرية في الإعفاء من ضعف نفقات الدراسة بالأكاديمية وهو ما سبق إعماله في شأن المنقولين للعمل بإحدى الهيئات القضائية، حيث تم إعفاؤهم من هذه النفقات بقرار المجلس الأعلى للشرطة في 12/ 6/ 1996، وإذ خالفت جهة الإدارة هذا القرار وقامت بتحصيل النفقات المشار إليها من المدعي رغم توافر ضوابط الإعفاء في شأنه، فإن هذا التحصيل يكون على غير أساس صحيح من القانون ويتعين إلزامها بردها.
وحيث إن وزارة الداخلية لم ترتضِ ذلك الحكم فطعنت عليه بالطعن الماثل استنادًا لأسباب حاصلها أن الحكم مخالف للقانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله، إذ إن الإلزام برد النفقات الدراسية في النزاع المعروض يجد سنده في نص المادة (33) من القانون رقم 91 لسنة 1975 بإنشاء أكاديمية الشرطة وكذلك في التعهد الذي يوقع عند الالتحاق بكلية الشرطة بأن يرد الضابط ضعف هذه النفقات إذا أخل بالتزام بالخدمة بالشرطة مدة لا تقل عن عشر سنوات وهذا التعهد بمثابة عقد إداري. ولا تثريب على الجهة الإدارية إن هي استندت إليه في تحصيل هذه النفقات. كما خرج الحكم على ما استقر عليه قضاء المحكمة الإدارية العليا وعلى المجال المقرر لرقابة القضاء الإداري على السلطة التقديرية لجهة الإدارة. سيما وأن ما أشار إليه الحكم من أن إعمال وزير الداخلية لسلطته في الإعفاء من النفقات الدراسية يجب أن يكون دون تمييز بين حالتي النقل للعمل بهيئة قضائية وبين العمل في المخابرات العامة إعمالاً لمبدأ المساواة - هذا الذي أورده الحكم - جاء في غير موضعه لأن المساواة التي نص عليها الدستور بالمادة (40) منه ليست مساواة حسابية؛ إذ يملك المشرع تحقيقًا لمقتضيات الصالح العام وضع شروطًا موضوعية تتحدد بها المراكز القانونية وإذا كانت ظروف معينة دفعت الإدارة إلى إعمال سلطتها التقديرية في الإعفاء من النفقات الدراسية، فذلك لا ينهض قاعدة عامة تطبق على جميع الحالات في الحال والمآل، خاصة وأن لجهة الإدارة وضع القواعد التنظيمية لسير المرفق الذي تقوم على شئونه. ولها في أي وقت حق تعديل هذه القواعد وإلغائها. وفقًا لما تراه الأفضل لضمان حسن سير المرفق. وبالتالي فإن قرار وزير الداخلية بشأن الإعفاء من النفقات المشار إليها وفيما تضمنه من قواعد عامة مجردة هو قرار تنظيمي لائحي واجب الاتباع وصدر في نطاق السلطة المخولة له قانونًا وما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من أن هذا القرار من قبيل التعليمات لا سند له من القانون.
من حيث إنه من المقرر أن للمحكمة السلطة التامة في تحصيل فهم الواقع في النزاع المطروح عليها وتقدير ما يقدم فيه من الأدلة والبيانات، والقاضي الإداري بما له من هيمنة إيجابية على الدعوى الإدارية يملك التعرف على حقيقة الواقع فيها مما يقدمه الطرفان من دفاع ومستندات ثم يستظهر طبيعة النزاع ويسبغ عليه الوصف الحق والتكييف القانوني الصحيح ويرد ما حصله من فهم للواقع إلى حكم القانون فيبسط رقابته عليه ويعمل في شأنه حكم القانون حسمًا للنزاع القائم بشأنه.
ومن حيث إنه لما كان ذلك وكان الثابت من الأوراق أن النزاع الماثل وفقًا للتكييف القانوني الصحيح له هو منازعة تتعلق بعقد إداري وتدور حول تنفيذ أحد الحقوق والالتزامات الناشئة عنه، ذلك أن المطعون ضده - لدى التحاقه بكلية الشرطة - وقع على تعهد يلتزم فيه بعدم ترك الخدمة بوزارة الداخلية قبل عشر سنوات من تاريخ التخرج وأنه إذا ترك الخدمة قبل انقضاء هذه المدة التزم بدفع ضعف النفقات الدراسية عن المدة التي قضاها بالكلية - ومن المقرر في قضاء هذه المحكمة على ما قضت به دائرة توحيد المبادئ المنصوص عليها في المادة (54) مكرر من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 المضافة بالقانون رقم 136 لسنة 1984 في الطعن رقم 7 لسنة 1 ق بجلسة 15/ 12/ 1985 أن التعهد بخدمة مرفق عام لمدة محددة مع التزام المتعهد برد ما أنفقه المرفق على تدريبه علميًا وعمليًا في حالة إخلاله بالتزامه هو عقد إداري تتوافر فيه خصائص ومميزات هذا العقد، وأن الأصل في تفسير العقود - إدارية أو مدنية - هو التعرف على النية المشتركة للمتعاقدين حسبما تفصح عنها عبارات العقد، فإن كانت واضحة تكشف بذاتها عن هذه النية فلا وجه للحيد عنها أو مخالفتها أو الاجتهاد في تفسيرها بما ينأى عن صراحتها وعن وضوح عباراتها ومقتضى دلالتها، ومتى ثبت أن هذه النية واضحة في الالتزام بخدمة مرفق عام مدة محددة سلفًا مع التزام المتعهد في حالة إخلاله بهذا الالتزام برد ما أنفق على تدريبه علميًا وعمليًا فإن مفاد ذلك قيام التزام أصلي يقع على عاتق المتعاقد مع المرفق محله أداء الخدمة للمدة المتفق عليها والتزام بديل محله دفع ما أنفق عليه في تدريبه علميًا وعمليًا، ويحل الالتزام البديل فور الإخلال بالالتزام الأصيل ويتحقق الإخلال بالالتزام الأصلي بعدم أداء الخدمة كامل المدة المتفق عليها ولا تبرأ ذمة المتعاقد من التزامه إلا بأداء كامل الالتزام البديل وهو كامل النفقات التي أنفقت عليه.
ولما كان الثابت من الأوراق أن المطعون ضده بعد أن تخرج في كلية الشرطة وعين ضابطًا بهيئة الشرطة بوزارة الداخلية ترك الخدمة بها لسبب يرجع إليه قبل انقضاء المدة المنصوص عليها بالتعهد المشار إليه، حيث قدم استقالته وصدر قرار جمهوري برقم 300 لسنة 2000 بتعيينه في وظيفة مندوب مساعد بمجلس الدولة فإنه يكون قد أخل بالتزامه الأصلي بالخدمة في الوزارة المدة المتفق عليها وبالتالي يلتزم بأن يؤدي لها الالتزام البديل وهو ضعف النفقات الدراسية التي أنفقت عليه مدة دراسته، وإذ تبين للوزارة أن قيمة هذه النفقات هي مبلغ 46602 جنيه فألزمته بسداده قبل نقله إلى الجهة المذكورة فإن تصرفها يكون صحيحًا ويجد سند مشروعيته في العقد الإداري سالف الذكر.
ومن حيث إن المطعون ضده لا يجادل في التزامه بسداد هذه النفقات طبقًا للتعهد المذكور وإنما يدور الخلاف بينه وبين الوزارة حول مدى أحقيته في الاستفادة مما سبق أن قرره وزير الداخلية عام 1996 بإعفاء الضباط المنقولين إلى الهيئات القضائية من أي التزام مالي نظير نقلهم من هيئة الشرطة بمقولة توافر الضوابط الواردة به في شأنه وبالتالي لا يجوز للوزارة أن تلزمه بهذه النفقات على سند مما قرره وزير الداخلية عام 1998 بعد أخذ رأي المجلس الأعلى للشرطة بتاريخ 28/ 10/ 1998 بإلزام الضباط المنقولين لأية جهة حكومية (هيئات قضائية أو .........) بتسديد المبالغ المستحقة عليهم لعدم تمضيتهم عشر سنوات بالخدمة مع استنزال نسبة عشر المبلغ عن كل سنة خدمة إعمالاً لنص المادة (33) من قانون أكاديمية الشرطة 91 لسنة 1975 لأن الوزارة تكون بذلك قد خالفت القانون وعطلت حكمه وألغت السلطة التقديرية التي منحها لها المشرع بالنص سالف الذكر الذي يجيز لوزير الداخلية بعد أخذ رأي المجلس الأعلى للشرطة إعفاء الضابط المنقول إلى أي جهة حكومية من هذه النفقات أو جزء منها، فذلك القول مردود بأن ما صدر عن وزارة الداخلية سواء عام 1996 أو عام 1998 لا ينطوي على مخالفة للقانون أو خروج على أحكامه بحسبان أن الالتزام بسداد هذه النفقات هو التزام عقدي على ما سلف بيانه وما يصدر عن الوزارة في شأن تنفيذه ليس من قبيل القرارات الإدارية بمعناها المقرر فقهًا وقضاءً وإنما هو إجراء عقدي اتخذ في إطار علاقة عقدية وإن كان قد صدر طبقًا للرخصة المقررة في المادة (33) من قانون أكاديمية هيئة الشرطة المشار إليه. باعتبار أن هذا النص قد اندمج في أحكام التعاقد، وبالتالي فلا تثريب على الوزارة إن عدلت عما وضعته عام 1996 من ضوابط وشروط للإعفاء الكلي من هذا الالتزام ووضعت ضوابط أخرى عام 1998 قررت فيها الإعفاء الجزئي من هذه النفقات فهي في الحالين استخدمت حقًا مقررًا لها وهي بصدد تنفيذ العقد وليس ثمة مخالفة إذا قدرت في فترة زمنية معينة الإعفاء من هذه النفقات وفق ضوابط وشروط محددة، ثم عدلت عنها في فترة زمنية لاحقة فوضعت غيرها بعد أن قدرت تغيرًا في المعطيات والظروف التي كانت محلاً لتقديرها الأول ولا مجال حينئذ للقول بانحرافها في استعمال سلطتها أو إخلالها بمبدأ المساواة بين ذوي المراكز القانونية المتماثلة لما هو مقرر من أن الالتزامات التي تترتب على العقد الإداري هي التزامات شخصية أو ذاتية ولا تبرأ ذمة المتعاقد مع الإدارة منها إلا بالوفاء بها، كما لا تسأل الإدارة في نطاقها إلا عن خطئها العقدي حين تخل بالتزام عقدي كان يتعين عليها القيام به ولم تفعل - إذا ترتب على ذلك إلحاق ضرر بالطرف الآخر، ولا وجه للقول بأن ذلك يمثل إخلالاً بمبدأ المساواة وإلا تحول هذا المبدأ من ضابط يحقق العدالة إلى سد حائل دون مسايرة تغير الظروف والأحوال ومقتضيات حاجات المرفق.
ومن حيث إنه لما كان ما تقدم فإن تحصيل وزارة الداخلية للمبلغ المشار إليه من المطعون ضده نتيجة إخلاله بالتزامه الأصلي هو إجراء سليم يتفق مع التعهد المشار إليه، فضلاً عن موافقته للضوابط التي قررتها الوزارة عام 1988.
وإذ أخذ الحكم المطعون فيه بغير هذا النظر فإنه يكون قد أخطأ في فهم الواقع والقانون، الأمر الذي يتعين معه القضاء بإلغائه وبرفض الدعوى وإلزام المطعون ضده المصروفات عن درجتي التقاضي عملاً بحكم المادة (184) من قانون المرافعات.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة
بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى، وألزمت المطعون ضده المصروفات عن درجتي التقاضي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق