محكمة التمييز
الهيئة العامة للمواد المدنية والتجارية
والأحوال الشخصية والعمالية
جلسة 26/3/2018
برئاسة السيد المستشار/ يوسف جاسم المطاوعة وكيل المحكمة
وعضوية السادة المستشارين وكلاء المحكمة/ عبدالهادي العطار و خالد صالح عبدالعزيز المزيني و يونس محمد يونس الياسين و فؤاد خالد الزويد وعادل البحوه ومحمد عبد الله راشد الونيان و عادل عبد الله علي العيسى
والسادة المستشارون محمد أيمن سعد الدين عباس و مصطفي عبد الفتاح أحمد محمود و أسامة زهير محمد أبو العز
وحضور السيد المستشار/ عبداللطيف ثنيان الثنيان وكيل المحكمة – مدير نيابة التمييز
--------------------
(1)
(الطعن رقم 3 /2018 هيئة عامة)
1 - ملكية "نطاق حق الملكية: سلطات المالك" و "القيود التي ترد على الملكية: الشرط المانع من التصرف" و "حق الرهن". رهن. تأمينات عينية. حق "الحقوق العينية التبعية". دين "الضمان العام للدائنين". تصرفات.
- الأصل تمتع المالك بالسلطات التي تمكنه من الحصول على كافة مزايا الشيئي محل الحق من استعمال واستغلال وتصرف. حرمانه من بعضها مؤقتا كأثر لشرط صحيح بعدم التصرف. أثره. منعه من التصرف بصفة مطلقة أو تقييد حريته في التصرف دون منعه. وجوب أن يكون ذلك خلال مدة معقولة بحيث لا يمنع المالك بعد انتهاء تلك المدة من التصرف وأن يكون الباعث على المنع مشروعا. ورود المنع في التصرف الذي تلقى به المشروط عليه الملكية. شرط لصحته. المادة 18 من الدستور والمادتان 810، 815 مدني.
- ورود الشرط المانع من التصرف في عقد الرهن. مؤداه. منع الراهن من التصرف في المرهون إلى أن يتم استيفاء الدين المضمون بالرهن تفاديا لاتباع إجراءات التنفيذ ضد من تنتقل إليه الملكية وهي أكثر تعقيدا من إجراءات التنفيذ ضد الراهن نفسه. إقرار مثل هذا الشرط في عقود الرهن. تفويت لما يهدف إليه التنظيم التشريعي للرهن بين حرية المالك في التصرف في المرهون ليتمتع بأكبر قدر من مزايا الملكية وبين ضمان حصول الدائن على حقه بماله من سلطة التتبع.
2 - تأمينات عينية. حق "الحقوق العينية التبعية". رهن. دين. ملكية "ملكية العقار المرهون".
- الرهن الرسمي. ماهيته. هو عقد يكسب به الدائن على عقار حقا عينيا يكون له بموجبه أن يتقدم على الدائنين العاديين والدائنين التاليين له في المرتبة في استيفاء حقه في ذلك العقار في أي يد يكون. استيفاء الدائنون المرتهنون حقوقهم قبل الدائنين العاديين من ثمن العقار المرهون أو من المال الذي حل محله كل حسب مرتبته. المادتان 971، 1000 مدني.
-حلول أجل الدين المضمون برهن. للدائن المرتهن أن ينفذ على العقار المرهون في يد الحائز بعد إنذاره بدفع الدين. الخيار للحائز بين أن يقوم بوفاء الدين المضمون بالرهن أو أن يطهر العقار من الرهن أو أن يتخلى عن العقار.
- الحائز للعقار المرهون. هو كل من انتقلت إليه بأي سبب غير الميراث ملكية العقار المرهون أو أي حق عيني آخر قابل للرهن دون أن يكون مسئولا مسئولية شخصية عن الدين المضمون بالرهن. م 1004 مدني.
3 - تأمينات عينية. حق "الحقوق العينية التبعية – الرهن" و "حقوق الامتياز". حقوق الامتياز العامة. خزانة عامة. عقارات. دين. رهن. أموال عامة.
- حقوق الامتياز. ضامنة للخزانة العامة. استيفاء المبالغ المستحقة للخزانة العامة من ثمن الأموال المثقلة بها في أي يد استثناء من أن حقوق الامتياز العامة لا يترتب عليها حق التتبع ومنها ما يتعلق بمرتبة حقوق الامتياز العامة عندما يراد استيفاء الحق من عقارات المدين وحقوق الامتياز العقارية الضامنة لمبالغ مستحقة للخزانة العامة. أسبقية هذه الحقوق في المرتبة على أي حق امتياز عقاري آخر أو أي حق رهن رسمي مهما كان تاريخ قيده.
4 - بنك الائتمان. أسرة. رعاية سكنية. قرض. تأمينات عينية. حق "الحقوق العينيةالتبعية – الرهن". رهن. ملكية "القيود التي ترد على حق الملكية". دين.
- حفظ كيان الأسرة وتقوية أوصرها وحماية الأمومة والطفولة. مسئولية ألقاها الدستور على عاتق المشرع. تبني قضايا الأسرة فرض رعاية احتياجاتها وأهمها الرعاية السكنية.
- إنشاء بنك التسليف والادخار (الائتمان). الغرض منه تقديم القروض العقارية لمستحقي الرعاية السكنية دون فوائد لبناء المساكن أو شرائها أو زيادة الانتفاع بها أو لإصلاحها وترميمها. للبنك أن يضع من الشروط ما يضمن تحقيق هذه الغاية كاشتراط منع المقترض من تأجير العقار كليا أو جزئيا أو استعمال القرض لغير الغرض المخصص له.
- تحميل حق الملكية ببعض القيود التي تفرضها بعض الضرورات. وجوب أن لا تبلغ هذه القيود مبلغا يصيب حق الملكية في جوهره أو تفقده أهم خصائصه أو تحرم أصحابه من تقرير صور الانتفاع به. مؤدي ذلك. أن تحميل هذا الحق برهن رسمي. أثره. بقاء الراهن مالكا للعقار المرهون وله سلطة التصرف وتقرير صور الانتفاع المختلفة. وجوب التزامه بضمان سلامة العقار المرهون. تصرف الراهن في العقار. انتقال الملكية مثقلة بحق الرهن. للدائن المرتهن تتبع العقار في أي يد يكون وأن يستوفى حقه مقدما على غيره بمقتضى حقه في الضمان العام.
5 - بنك الائتمان. أموال عامة. تأمينات عينية. حق "الحقوق العينية التبعية – حق الرهن- حق الامتياز". رهن. حق الامتياز. ملكية "القيود الواردة على الملكية". دين.
- أموال بنك الائتمان مملوكة للدولة. تقرير حق امتياز لها يجعلها متقدمة على سائر الديون العادية وغير العادية. مؤداه. أسبقيتها في المرتبة على أي حق امتياز عقاري آخر أو أي رهن رسمي مهما كان تاريخ قيده. تحقق الضمانات الكافية له في استيفاء حقه دون أن يكون للشروط المقيدة والمانعة من التصرف الواردة بعقد الرهن ولم ترد في التصرف الذي تلقى به المشروط عليه الملكية أثراً على حق المالك في ذلك التصرف فيما يملك. أثره. وجوب عدم إعمال تلك الشروط. علة ذلك: تحقيق التوفيق بين حرية المالك في التصرف في المرهون وبين ضمان حصول الدائن على حقه بما له من سلطة التتبع.
-----------------------
1 - النص في المادة 18 من الدستور على أن " الملكية الخاصة مصونة فلا يمنع أحد من التصرف في ملكة إلا في حدود القانون ... " والنص في المادة 810 من القانون المدني على أنه " لمالك الشيء أن يستعمله وأن يستغله أو أن يتصرف فيه في حدود القانون " والنص في المادة 815 من القانون المدني على أنه " إذا تضمن التصرف القانوني شرطا يمنع المتصرف إليه من التصرف في المال الذي اكتسب ملكيته بمقتضى ذلك التصرف، أو يقيد حقه في التصرف فيه، فلا يصح الشرط ما لم يكن مبنيا على باعث قوي ومقصورا على مدة معقولة " يدل – وعلى ما ورد بالمذكرة الإيضاحية للقانون المدني – على أن الأصل هو تمتع المالك بالسلطات التي تمكنه من الحصول على كافة مزايا الشيء محل الحق من استعمال واستغلال وتصرف، مالم يحرم من بعضها مؤقتا كما لو حرم من سلطة التصرف كأثر لشرط صحيح بعدم التصرف، وهذا الشرط كما يكون مانعا من التصرف بصفة مطلقة خلال مدة المنع، فإنه قد يكون مقيدا لحرية التصرف دون أن تمنعه، وكلاهما يجب أن يكون خلال مدة معقولة بحيث لا يمنع المالك من التصرف فيما ملك بالعقد أو الوصية بعد انتهاء تلك المدة، وأن يكون مبنيا على باعث مشروع، إلا أن المشرع نظرا لخطورة هذا الشرط وتضييقا من نطاق استخدامه اشترط لصحته أن يرد في التصرف الذي تلقى به المشروط عليه الملكية، وضرب مثلا لذلك حالة وروده في عقد الرهن – كما الحالة المطروحة – حيث يشترط المرتهن على الراهن عدم التصرف في المرهون إلى أن يتم استيفاء الدين المضمون بالرهن، حتى يتفادى اتباع إجراءات التنفيذ ضد من تنتقل إليه الملكية وهي أكثر تعقيدا من إجراءات التنفيذ ضد الراهن نفسه، وخطورة الإقرار بصحة مثل هذا الشرط أنه لو كان صحيحا لأصبح شرطا جاريا يوضع في كل عقود الرهن، وحيث كون المرتهن في مركز من القوة يسمح له بفرض شروطه، وينتهي الأمر إلى تفويت ما يهدف إليه التنظيم التشريعي للرهن من التوفيق بين حرية المالك في التصرف في المرهون ليتمتع بأكبر قدر من مزايا الملكية وبين ضمان حصول الدائن على حقه عن طريق ماله من سلطة التتبع.
2 - مؤدى نص المادتين 971، 1000 من القانون المدني – وعلى ما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية لهذا القانون – أن الرهن الرسمي عقد به يكسب الدائن على عقار حقا عينيا يكون له بموجبه أن يتقدم الدائنين العاديين والدائنين التالين له في المرتبة في استيفاء حقه في ذلك العقار في أي يد يكون ويستوفى الدائنون المرتهنون حقوقهم قبل الدائنين العاديين من ثمن العقار المرهون أو من المال الذي حل محل هذا العقار وذلك حسب مرتبة كل منهم، وأجازت المادة 1004 من ذات القانون للدائن المرتهن إذا حل أجل دينه أن ينفذ على العقار المرهون في يد الحائز بعد انذاره بدفع الدين ويكون للحائز أن يختار إما أن يقوم بوفاء الدين المضمون بالرهن أو أن يطهر العقار من الرهن أو أن يتخلى عن هذا العقار، ويعتبر حائزا للعقار المرهون في هذا الخصوص كل من انتقلت إليه بأي سبب غير الميراث ملكية العقار المرهون أو أي حق عيني آخر قابل للرهن دون أن يكون مسئولا مسئولية شخصية عن الدين المضمون بالرهن.
3 - النص في المادة 1063 من القانون المدني على أن " ترد حقوق الامتياز العامة على جميع أموال المدين من منقول وعقار " وفي المادة 1072 على أن (1) " المبالغ المستحقة للخزانة العامة من ضرائب ورسوم وحقوق أخرى من أي نوع كان، يكون لها امتياز بالشروط المقررة في القوانين والنظم الصادرة في هذا الشأن. (2) وتستوفي هذه المبالغ من ثمن الأموال المثقلة بهذا الامتياز في أي يد كانت قبل أى حق آخر ولو كان ممتازا أو مضمونا برهن عدا المصروفات القضائية " مما مفاده – وعلى ما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية – أن ثمة حقوق امتياز هي الضامنة للخزانة العامة تستحق رعاية خاصة اقتضت أن يخصها المشرع بقواعد استثنائية منها ما نص عليه من أن تستوفي المبالغ المستحقة للخزانة العامة من ثمن الأموال المثقلة بها في أي يد استثناء من القاعدة التي تقرر أن حقوق الامتياز العامة لا يترتب عليها حق التتبع ومنها ما يتعلق بمرتبة حقوق الامتياز العامة عندما يراد استيفاء الحق من عقارات المدين وكذلك مرتبة حقوق الامتياز العقارية الضامنة لمبالغ مستحقة للخزانة العامة فتكون هذه الحقوق الممتازة أسبق في المرتبة علي أي حق امتياز عقاري آخر أو أي حق رهن رسمي مهما كان تاريخ قيده.
4 - إذ كان الدستور قد أسند إلى المشرع مسئولية حفظ كيان الأسرة وتقوية أواصرها وحماية الأمومة والطفولة بما يفرض تبنى قضايا الأسرة واحتياجاتها وأهمها الرعاية السكنية وذلك بالعمل على توفير هذه الرعاية في وقت مناسب وإزالة العقبات المادية التي تعترضها، وتحقيقا لذلك أنشأ بنك التسليف والادخار بالقانون رقم 30 لسنه 1965 والذى أصبح من أهم أغراضه تقديم القروض العقارية لمستحقي الرعاية السكنية دون فوائد لبناء المساكن أو شرائها أو زيادة الانتفاع بها بالتوسعة أو التعلية أو لإصلاحها وترميمها وذلك حفاظا على كيان الأسرة وتقوية أواصرها، وأنه وإن كانت الدولة في هذا الشأن تنفق مبالغ طائلة تحقيقا لهذه الغاية فإنه يحق لبنك التسليف والادخار (بنك الائتمان) أن يضع من الشروط ما يضمن تحقيق هذه الغاية المقصودة بهذا الإنفاق الضخم كأن يشترط منع المقترض من تأجير العقار كليا أو جزئيا أو استعمال القرض لغير الغرض المخصص له باعتبار أنه يجوز تحميل حق الملكية ببعض القيود التي تقتضيها أو تفرضها بعض الضرورات سواء من قبل الدولة أو الأفراد، إلا أنه يجب ألا تبلغ هذه القيود مبلغا يصيب حق الملكية في جوهره أو تفقده أهم خصائصه أو تحرم أصحابه من تقرير صور الانتفاع به، وعلى ذلك إذا ما تم تحميل هذا الحق برهن رسمي فإن الراهن يبقى مالكا للعقار المرهون مع ما يخوله حق الملكية من سلطة التصرف وتقرير صور الانتفاع المختلفة، مع مراعاة أحكام التزام الراهن بضمان سلامة العقار المرهون، فيجوز للراهن أن يتصرف في العقار المرهون، وأي تصرف يصدر منه لا يؤثر في حق الدائن المرتهن فتنتقل الملكية مثقلة بحق الرهن، ويكون للدائن المرتهن تتبع العقار في أي يد يكون، وأن يستوفي حقه مقدما على غيره بمقتضى حقه في الضمان العام.
5 - أموال بنك الائتمان وهي مملوكة للدولة لها حق امتياز طبقا للمادة 1063 من القانون المدني تجعلها متقدمة على سائر الديون العادية وغير العادية فتكون هذه الحقوق الممتازة أسبق في المرتبة علي أي حق امتياز عقاري آخر أو أي حق رهن رسمي مهما كان تاريخ قيده، وبالتالي تتحقق له الضمانات الكافية له في استيفاء حقه، دون أن يكون للشروط المقيدة والمانعة من التصرف والواردة بعقد الرهن ولم ترد في التصرف الذي تلقى به المشروط عليه الملكية أثراً على حق المالك في استخدام حقه في التصرف فيما يملك، مما يوجب عدم إعمال أثر تلك الشروط، الأمر الذي يتحقق به التوفيق بين حرية المالك في التصرف في المرهون ليتمتع بأكبر قدر من مزايا الملكية وبين ضمان حصول الدائن على حقه عن طريق ماله من سلطة التتبع.
---------------
الوقائع
حيث إن الوقائع – على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق – تتحصل في أن الطاعنة أقامت على المطعون ضدهما الدعوى رقم 3720 لسنة 2013 مدني كلي بطلب الحكم بندب خبير فيها تمهيداً لقسمة العقار المبين بالصحيفة وفى حالة تعذر ذلك بيعه بالمزاد العلني مع أحقيتها برد المبلغ الذي انفقته على ترميمه وصيانته، إذ أنها تمتلك على الشيوع مع المطعون ضده الأول العقار محل النزاع، ولرغبتها في إنهاء تلك الحالة بقسمته فقد أقامت الدعوى، وبعد أن أودع الخبير المندوب فيها تقريره حكمت المحكمة ببيع العقار بالمزاد العلني ورفض ما عدا ذلك من طلبات، استأنف المطعون ضده الأول هذا الحكم بالاستئناف رقم 1318 لسنة 2015 مدني وبتاريخ 12/7/2015 قضت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف وبرفض الدعوى، طعنت الطاعنة على هذا الحكم بطريق التمييز وأودعت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بتمييز الحكم المطعون فيه.
وإذ عرض الطعن على الدائرة المدنية والعمالية الأولى بهذه المحكمة في غرفة المشورة حددت جلسة لنظره، وفيها التزمت النيابة رأيها، ورأت تلك الدائرة أن هناك خلافا بين دوائر المحكمة بشأن مسألة جواز أو عدم جواز بيع العقار المرهون رهنا رسميا لصالح بنك التسليف والادخار، إذ اتجهت بعض الدوائر إلى عدم جواز بيع العقار المرهون رهنا رسميا لصالح بنك التسليف والادخار إلا بعد سداد كامل ثمنه أو موافقة مسبقة من البنك، لأحقية البنك وهو يمنح قرض بدون فوائد للرعاية السكنية لمستحقيها أن يضع من الشروط ما يضمن تحقيق الغاية المقصودة من ذلك وأن يشترط منع المقترض من تأجير العقار كليا أو جزئيا أو التصرف فيه أو في جزء منه دون موافقة مسبقة منه أو استعمال القرض لغير الغرض المخصص له، فإذا خرج المقترض عن هذه الشروط وقام بالتصرف بالعقار فلا يحاج البنك بهذا التصرف ما لم يتم سداد القرض أو الباقي منه للبنك لأنه بغير ذلك يصبح القرض مجرد قرض عادي ولكن بدون فائدة وتضيع هدرا أموال الدولة التي رصدتها في هذا السبيل، ومقتضى ذلك أنه يحظر علي الطاعن القيام بأي تصرف في العقار المرهون بغير موافقة مسبقة من البنك الدائن، وفق نص المادة العاشرة من عقد القرض المرهون لصالح بنك التسليف، بينما ذهبت دوائر أخرى إلى جواز بيع العقار المرهون رهنا رسميا لصالح بنك التسليف والادخار وينتقل العقار محملا بالرهن عملا بحق التتبع باعتبار أنه يجوز تحميل الملكية ببعض القيود التي تقتضيها أو تفرضها بعض الضرورات سواء من قبل الدولة أو الأفراد على ألا تبلغ هذه القيود مبلغا يصيب حق الملكية في جوهره أو تفقده أهم خصائصه أو تحرم صاحبه من تقرير صور الانتفاع، فإذا ما تم تحميل هذا الحق برهن رسمي فإن الراهن يبقى مالكا للعقار المرهون مع ما يخوله حق الملكية من سلطة التصرف، مع مراعاة أحكام التزام الراهن بضمان سلامة العقار المرهون فيجوز للراهن أن يتصرف في العقار المرهون وأي تصرف يصدر منه لا يؤثر في حق الدائن المرتهن فتنتقل الملكية مثقلة بحق الرهن، ويكون للدائن تتبع العقار في أي يد يكون وأن يستوفي حقه مقدما علي غيره بمقتضي حقه في الضمان العام.
---------------------
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وعرض السيد المستشار المقرر المبدأ موضوع الإحالة إلى الهيئة والاتجاهات موضوع اجتماع الهيئة والمداولة قانونا.
وحيث أنه حسما لهذا الخلاف أحالت الدائرة المدنية والعمالية الأولى الطعن إلى الهيئة العامة للمواد المدنية والتجارية والأحوال الشخصية والإدارية المشكلة وفقا للفقرة الثانية من المادة الرابعة من قانون تنظيم القضاء الصادر بالمرسوم رقم 23 لسنة 1990 والمعدل بالقانون رقم 2 لسنة 2003 للنظر في توحيد المبدأين سالفي البيان، ونفاذا لذلك صدر القرار رقم 3 لسنة 2018 بتشكيل الهيئة من وكلاء ومستشاري المحكمة الموضحة أسماؤهم وصفاتهم في صدر هذا الحكم، وبعد أن أودعت نيابة التمييز مذكرة رأت فيها العدول عن المبدأ الذي يرى بجواز تضمن عقد القرض مع ترتيب رهن رسمي لصالح بنك التسليف والادخار شرطا يمنع المدين الراهن من التصرف في عقار الرعاية السكنية لحين سداد قيمة القرض، حددت الهيئة جلسة 26/3/2018 لنظر الطعن أمام تلك الهيئة، وفيها قررت إصدار الحكم بذات الجلسة.
وحيث أن النص في المادة 18 من الدستور على أن " الملكية الخاصة مصونة فلا يمنع أحد من التصرف في ملكة إلا في حدود القانون ... " والنص في المادة 810 من القانون المدني على أنه " لمالك الشيء أن يستعمله وأن يستغله أو أن يتصرف فيه في حدود القانون " والنص في المادة 815 من القانون المدني على أنه " إذا تضمن التصرف القانوني شرطا يمنع المتصرف إليه من التصرف في المال الذي اكتسب ملكيته بمقتضى ذلك التصرف، أو يقيد حقه في التصرف فيه، فلا يصح الشرط ما لم يكن مبنيا على باعث قوي ومقصورا على مدة معقولة " يدل – وعلى ما ورد بالمذكرة الإيضاحية للقانون المدني – على أن الأصل هو تمتع المالك بالسلطات التي تمكنه من الحصول على كافة مزايا الشيء محل الحق من استعمال واستغلال وتصرف، مالم يحرم من بعضها مؤقتا كما لو حرم من سلطة التصرف كأثر لشرط صحيح بعدم التصرف، وهذا الشرط كما يكون مانعا من التصرف بصفة مطلقة خلال مدة المنع، فإنه قد يكون مقيدا لحرية التصرف دون أن تمنعه، وكلاهما يجب أن يكون خلال مدة معقولة بحيث لا يمنع المالك من التصرف فيما ملك بالعقد أو الوصية بعد انتهاء تلك المدة، وأن يكون مبنيا على باعث مشروع، إلا أن المشرع نظرا لخطورة هذا الشرط وتضييقا من نطاق استخدامه اشترط لصحته أن يرد في التصرف الذي تلقى به المشروط عليه الملكية، وضرب مثلا لذلك حالة وروده في عقد الرهن – كما الحالة المطروحة – حيث يشترط المرتهن على الراهن عدم التصرف في المرهون إلى أن يتم استيفاء الدين المضمون بالرهن، حتى يتفادى اتباع إجراءات التنفيذ ضد من تنتقل إليه الملكية وهي أكثر تعقيدا من إجراءات التنفيذ ضد الراهن نفسه، وخطورة الإقرار بصحة مثل هذا الشرط أنه لو كان صحيحا لأصبح شرطا جاريا يوضع في كل عقود الرهن، وحيث كون المرتهن في مركز من القوة يسمح له بفرض شروطه، وينتهي الأمر إلى تفويت ما يهدف إليه التنظيم التشريعي للرهن من التوفيق بين حرية المالك في التصرف في المرهون ليتمتع بأكبر قدر من مزايا الملكية وبين ضمان حصول الدائن على حقه عن طريق ماله من سلطة التتبع.
وحيث أن مؤدى نص المادتين 971، 1000 من القانون المدني – وعلى ما افصحت عنه المذكرة الإيضاحية لهذا القانون – أن الرهن الرسمي عقد به يكسب الدائن على عقار حقا عينيا يكون له بموجبه أن يتقدم الدائنين العاديين والدائنين التالين له في المرتبة في استيفاء حقه في ذلك العقار في أي يد يكون ويستوفى الدائنون المرتهنون حقوقهم قبل الدائنين العاديين من ثمن العقار المرهون أو من المال الذي حل محل هذا العقار وذلك حسب مرتبة كل منهم، وأجازت المادة 1004 من ذات القانون للدائن المرتهن إذا حل أجل دينه أن ينفذ على العقار المرهون في يد الحائز بعد انذاره بدفع الدين ويكون للحائز أن يختار إما أن يقوم بوفاء الدين المضمون بالرهن أو أن يطهر العقار من الرهن أو أن يتخلى عن هذا العقار، ويعتبر حائزا للعقار المرهون في هذا الخصوص كل من انتقلت إليه بأي سبب غير الميراث ملكية العقار المرهون أو أي حق عيني آخر قابل للرهن دون أن يكون مسئولا مسئولية شخصية عن الدين المضمون بالرهن.
وحيث إن النص في المادة 1063 من القانون المدني على أن " ترد حقوق الامتياز العامة على جميع أموال المدين من منقول وعقار " وفي المادة 1072 على أن (1) " المبالغ المستحقة للخزانة العامة من ضرائب ورسوم وحقوق أخرى من أي نوع كان، يكون لها امتياز بالشروط المقررة في القوانين والنظم الصادرة في هذا الشأن. (2) وتستوفي هذه المبالغ من ثمن الأموال المثقلة بهذا الامتياز في أي يد كانت قبل أى حق آخر ولو كان ممتازا أو مضمونا برهن عدا المصروفات القضائية " مما مفاده – وعلى ما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية– أن ثمة حقوق امتياز هي الضامنة للخزانة العامة تستحق رعاية خاصة اقتضت أن يخصها المشرع بقواعد استثنائية منها ما نص عليه من أن تستوفي المبالغ المستحقة للخزانة العامة من ثمن الأموال المثقلة بها في أي يد استثناء من القاعدة التي تقرر أن حقوق الامتياز العامة لا يترتب عليها حق التتبع ومنها ما يتعلق بمرتبة حقوق الامتياز العامة عندما يراد استيفاء الحق من عقارات المدين وكذلك مرتبة حقوق الامتياز العقارية الضامنة لمبالغ مستحقة للخزانة العامة فتكون هذه الحقوق الممتازة أسبق في المرتبة علي أي حق امتياز عقاري آخر أو أي حق رهن رسمي مهما كان تاريخ قيده.
وحيث أنه وإن كان الدستور قد أسند إلى المشرع مسئولية حفظ كيان الأسرة وتقوية أواصرها وحماية الامومة والطفولة بما يفرض تبنى قضايا الأسرة واحتياجاتها وأهمها الرعاية السكنية وذلك بالعمل على توفير هذه الرعاية في وقت مناسب وإزالة العقبات المادية التي تعترضها، وتحقيقا لذلك أنشأ بنك التسليف والادخار بالقانون رقم 30 لسنه 1965 والذى أصبح من أهم أغراضه تقديم القروض العقارية لمستحقي الرعاية السكنية دون فوائد لبناء المساكن أو شرائها أو زيادة الانتفاع بها بالتوسعة أو التعلية أو لإصلاحها وترميمها وذلك حفاظا على كيان الأسرة وتقوية أواصرها، وأنه وإن كانت الدولة في هذا الشأن تنفق مبالغ طائلة تحقيقا لهذه الغاية فإنه يحق لبنك التسليف والادخار (بنك الائتمان) أن يضع من الشروط ما يضمن تحقيق هذه الغاية المقصودة بهذا الإنفاق الضخم كأن يشترط منع المقترض من تأجير العقار كليا أو جزئيا أو استعمال القرض لغير الغرض المخصص له باعتبار أنه يجوز تحميل حق الملكية ببعض القيود التي تقتضيها أو تفرضها بعض الضرورات سواء من قبل الدولة أو الافراد، إلا أنه يجب ألا تبلغ هذه القيود مبلغا يصيب حق الملكية في جوهره أو تفقده أهم خصائصه أو تحرم أصحابه من تقرير صور الانتفاع به، وعلى ذلك إذا ما تم تحميل هذا الحق برهن رسمي فإن الراهن يبقى مالكا للعقار المرهون مع ما يخوله حق الملكية من سلطة التصرف وتقرير صور الانتفاع المختلفة، مع مراعاة أحكام التزام الراهن بضمان سلامة العقار المرهون، فيجوز للراهن أن يتصرف في العقار المرهون، وأي تصرف يصدر منه لا يؤثر في حق الدائن المرتهن فتنتقل الملكية مثقلة بحق الرهن، ويكون للدائن المرتهن تتبع العقار في أي يد يكون، وأن يستوفي حقه مقدما على غيره بمقتضى حقه في الضمان العام، فضلا عن أن أموال بنك الائتمان وهي مملوكة للدولة لها حق امتياز طبقا للمادة 1063 من القانون المدني تجعلها متقدمة على سائر الديون العادية وغير العادية فتكون هذه الحقوق الممتازة أسبق في المرتبة علي أي حق امتياز عقاري آخر أو أي حق رهن رسمي مهما كان تاريخ قيده، وبالتالي تتحقق له الضمانات الكافية له في استيفاء حقه، دون أن يكون للشروط المقيدة والمانعة من التصرف والواردة بعقد الرهن ولم ترد في التصرف الذي تلقى به المشروط عليه الملكية أثرا على حق المالك في استخدام حقه في التصرف فيما يملك، مما يوجب عدم إعمال أثر تلك الشروط، الأمر الذي يتحقق به التوفيق بين حرية المالك في التصرف في المرهون ليتمتع بأكبر قدر من مزايا الملكية وبين ضمان حصول الدائن على حقه عن طريق ماله من سلطة التتبع.
وحيث إنه لما كانت الهيئة قد انتهت إلى هذا النظر بأغلبية الآراء عملا بنص الفقرة الثانية من المادة الرابعة من قانون تنظيم القضاء الصادر بالمرسوم بالقانون رقم 23 لسنة 1990 فإنها تعدل عن المبدأ الذي قررته الأحكام التي ارتأت غير ذلك وتعيد الطعن إلى الدائرة المدنية والعمالية الأولى المختصة للفصل في موضوعه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق