الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 29 أكتوبر 2019

الطعن 5371 لسنة 47 ق جلسة 1 / 3 / 2014 مكتب فني 59 ج 1 توحيد المبادئ ق 2 ص 28

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ فريد نزيه حكيم تناغو رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ يحيى أحمد راغب دكروري, ومحمد عبد العظيم محمود سليمان, وفايز شكري حنين, ود. عبد الفتاح صبري أبو الليل, ومحمد عبد الحميد عبد اللطيف إبراهيم, ود. عبد الله إبراهيم فرج ناصف, ولبيب حليم لبيب, ومحمود محمد صبحي العطار, وحسن كمال محمد أبو زيد شلال, وأحمد عبد الحميد حسن عبود. نواب رئيس مجلس الدولة
-----------
- 1  مجلس الدولة
دائرة توحيد المبادئ - يجوز للمحكمة الإدارية العليا إذا تبين لها أن هناك تعارضا بين حكم صادر عنها وحكم صادر عن محكمة النقض، أو فتوى للجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع أن تحيل الأمر إلى دائرة توحيد المبادئ للفصل في المسألة (1).
- 2  اختصاص
ما يدخل في الاختصاص الولائي لمحاكم مجلس الدولة - المنازعات المتعلقة بالضريبة العامة على المبيعات.
- المادة رقم (174) من دستور 2012.
- المادتان رقما (17) و(35) من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991، معدلا بموجب القانون رقم 9 لسنة 2005 (الملغى لاحقا بموجب القانون رقم 67 لسنة 2016 بإصدار قانون الضريبة على القيمة المضافة).
- حكم المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 162 لسنة 31 القضائية (دستورية) بجلسة 7/4/2013.

- 3 دستور
المحكمة الدستورية العليا - آثار الأحكام الصادرة في الدعاوى الدستورية - تحوز هذه الأحكام حجية مطلقة، وتعد قولا فصلا لا يقبل تعقيبا أو تأويلا من أية جهة- لا تقتصر حجيتها على أطراف الدعوى الدستورية بل تمتد إلى الجميع، وإلى جميع سلطات الدولة بما فيها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها- الأصل أن القضاء بعدم دستورية نص تشريعي هو حكم كاشف لما لحق النص من عوار دستوري، ويؤدي إلى زوال النص منذ بدء العمل به- يستثنى من ذلك: الحكم بعدم دستورية نص ضريبي، فلا يكون له إلا أثر مباشر؛ حتى لا تضطرب موازنة الدولة - هذا الاستثناء يقدر بقدره فلا يجوز التوسع فيه أو القياس عليه - تتولى محكمة الموضوع دون غيرها إعمال آثار الأحكام الصادرة في المسائل الدستورية وتحديد نطاقها ومدى نفاذها بأثر رجعي في الحدود الواردة بنص المادة (49) من قانون المحكمة الدستورية العليا.
- 4  ضرائب
الضريبة العامة على المبيعات - وعاؤها - تخضع لهذه الضريبة أعمال مقاولات التشييد والبناء - الأثر الكاشف لحكم المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية عبارة "خدمات التشغيل للغير" الواردة بالقانون رقم 11 لسنة 2002 بتفسير بعض أحكام قانون الضريبة العامة على المبيعات - عدم الدستورية ينصب على هذه العبارة وحدها، ولا يتعداها إلى الخدمات نفسها الواردة بهذا القانون، ومنها أعمال مقاولات التشييد والبناء.
- 5  مجلس الدولة
دائرة توحيد المبادئ - ليس هناك مانع من أن تفصل دائرة توحيد المبادئ في الطعن بجميع أشطاره متى كان صالحا للفصل فيه؛ إعمالا لمبدأ الاقتصاد في إجراءات الخصومة، الذي يهدف إلى تحقيق العدالة الناجزة(1).
-------------
الوقائع
في يوم الخميس الموافق 1/3/2001 أودعت هيئة قضايا الدولة بصفتها نائبة عن الطاعنين قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريرا بالطعن، قيد بجدولها برقم 5371 لسنة 47 ق.ع في الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري بجلسة 9/1/2001، في الدعوى رقم 2123 لسنة 53 ق، الذي قضى بإلغاء القرار المطعون فيه، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام جهة الإدارة المصروفات.
وطلب الطاعنان – للأسباب الواردة بتقرير الطعن – قبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددا برفض الدعوى، وإلزام المطعون ضده المصروفات عن درجتي التقاضي.
وقد أعلن تقرير الطعن إلى المطعون ضده على النحو الثابت بالأوراق.
وأعدت هيئة مفوضي الدولة تقريرا بالرأي القانوني ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلا، ورفضه موضوعا، وإلزام الجهة الإدارية الطاعنة المصروفات.
وتدوول الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الخامسة فحص الطعون ومن بعدها دائرة الموضوع) على النحو الثابت بمحاضر جلسات كل منهما، وبجلسة 9/1/2010 أحيل الطعن إلى دائرة توحيد المبادئ للنظر في العدول عن المبدأ الذي قررته المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 5903 لسنة 47 ق.ع بجلسة 26/1/2008 والطعن رقم 8357 لسنة 47 ق. عليا بجلسة 5/7/2008.
وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرا بالرأي القانوني ارتأت فيه سريان الأثر الكاشف لحكم المحكمة الدستورية العليا الصادر بجلسة 15/4/2007 في القضية رقم 232 لسنة 26 ق. دستورية بخصوص الضريبة العامة على المبيعات المفروضة على خدمات التشغيل للغير في جميع الحالات التي لم يطبق بشأنها النص المقضي بعدم دستوريته ولم تحصل فيها الضريبة، وبعدم سريان هذا الأثر الكاشف بصدد الحالات التي تم فيها تحصيل الضريبة قبل صدور ذلك الحكم، وإعادة الطعن إلى الدائرة الخامسة (موضوع) بالمحكمة الإدارية العليا.
وبجلسة 2/7/2011 قضت المحكمة بوقف الطعن تعليقيا لحين الفصل في الطعن رقم 12042 لسنة 47 ق.ع (أمام هذه الدائرة) والموقوف بدوره تعليقيا لحين الفصل في القضية رقم 162 لسنة 31 ق. دستورية المنظورة أمام المحكمة الدستورية العليا.
وعقب زوال سبب الوقف التعليقي تدوول الطعن على النحو الثابت بمحاضر الجلسات، وبجلسة 4/1/2014 قررت المحكمة إصدار الحكم في الطعن بجلسة اليوم، وصرحت للخصوم بمذكرات خلال شهر، وفي 12/1/2014 أودعت هيئة قضايا الدولة مذكرة بالدفاع التمست في ختامها الحكم بالطلبات الواردة بتقرير الطعن، وقد صدر هذا الحكم وأودعت مسوداته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
--------------
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى إجراءاته الشكلية المقررة قانونا.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تخلص - حسبما يبين من الأوراق - في أن المطعون ضده كان قد أقام الدعوى رقم 2123 لسنة 53 ق أمام محكمة القضاء الإداري (الدائرة الرابعة) بتاريخ 28/11/1998، وطلب في ختامها إلغاء قرار لجنة التحكيم العالية الصادر في 4/10/1998 فيما تضمنه من فرض ضريبة مبيعات على نشاط المدعي في مجال المقاولات عن أشهر 9 و12 لسنة 1997، و1 و2 لسنة 1998.
وبجلسة 9/1/2001 قضت محكمة القضاء الإداري بقبول الدعوى شكلا، وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه مع ما يترتب على ذلك من آثار، وشيدت المحكمة قضاءها على أسباب تخلص في عدم خضوع نشاط المقاولات للضريبة العامة على المبيعات (المقررة بالقانون رقم 11 لسنة 1991)؛ لأن عبارة: "خدمات التشغيل للغير" المضافة إلى الجدول رقم (2) بقرار رئيس الجمهورية رقم 77 لسنة 1992 لا تشمل عقود المقاولات.
لم يلق هذا الحكم قبولا لدى جهة الإدارة، فأقامت الطعن الماثل أمام الدائرة الخامسة بالمحكمة الإدارية العليا التي قررت بجلسة 9/1/2010 إحالة الطعن إلى دائرة توحيد المبادئ بعد أن تبين لها أن الحكمين الصادرين عن المحكمة الإدارية العليا بجلسة 26/1/2008 في الطعن رقم 5903 لسنة 47 ق.ع وبجلسة 5/7/2008 في الطعن رقم 8357 لسنة 47 ق.ع لم يطبقا الأثر الكاشف لقضاء المحكمة الدستورية العليا في حكمها الصادر بجلسة 15/4/2007 في القضية رقم 232 لسنة 26 ق. دستورية، بينما انتهجت الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع ومحكمة النقض منهجا آخر مغايرا لما انتهجته المحكمة الإدارية العليا، وذلك على النحو التالي:
(أولا) اتجاه المحكمة الإدارية العليا:
1 - بجلسة 26/1/2008 في الطعن رقم 5903 لسنة 47 ق.ع، کان المطروح على محكمة القضاء الإداري دعوى بإلغاء قرار مصلحة الضرائب فيما تضمنه من إخضاع نشاط (نقل البضائع بالسيارات) للضريبة العامة على المبيعات، وقضت المحكمة بإلغاء القرار المطعون فيه تأسيسا على أن عبارة "خدمات التشغيل للغير" تنصرف للخدمات الواردة بالجدول المرافق للقانون دون غيرها، وطعنت جهة الإدارة على هذا الحكم أمام المحكمة الإدارية العليا التي قضت بإلغاء ذلك الحكم وبرفض الدعوى، وشيدت قضاءها على أسباب تخلص في أن عدم الدستورية الوارد بمنطوق الحكم الصادر عن المحكمة الدستورية العليا بجلسة 15/4/2007 في القضية رقم 232 لسنة 26 ق ينصب على العبارة فقط، ولا يتعداها إلى الخدمات الواردة بالقانون رقم 11 لسنة 2002، ولما كان نشاط نقل البضائع بالسيارات يندرج في تلك الخدمات فمن ثم يخضع للضريبة بالفئة المقررة قانونا.
2 - بجلسة 5/7/2008 في الطعن رقم 8357 لسنة 47 ق.ع كان المطروح على محكمة القضاء الإداري دعوى بإلغاء قرار مصلحة الضرائب فيما تضمنه من إخضاع نشاط المقاولات للضريبة العامة على المبيعات، وقضت المحكمة بإلغاء القرار المطعون فيه تأسيسا على أن نشاط المقاولات لم يرد بالجدول رقم (2) المرافق للقانون المذكور، كما أنه لا يندرج في مفهوم خدمات التشغيل للغير، وطعنت جهة الإدارة على هذا الحكم أمام المحكمة الإدارية العليا فقضت بإلغاء ذلك الحكم وبرفض الدعوى، وشيدت قضاءها على أسباب تخلص في أن أعمال المقاولات تندرج ضمن عبارة "خدمات التشغيل للغير" طبقا للتفسير الوارد بالقانون رقم 11 لسنة 2002.
ولم يتعرض الحكمان المشار إليهما للأثر الكاشف لحكم المحكمة الدستورية العليا المبين سالفا اكتفاء بأنه قضى بعدم دستورية الأثر الرجعي للقانون رقم 11 لسنة 2002 بتفسير بعض أحكام قانون الضريبة العامة على المبيعات، وبأن المادة (49) من قانون المحكمة الدستورية العليا بعد تعديلها بالقانون رقم 168 لسنة 1998 قصرت الأثر الرجعي بالنسبة للنصوص الضريبية على من صدر الحكم لمصلحته دون غيره.
(ثانيا) اتجاه محكمة النقض والجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع:
اتجهت محكمة النقض في أحكام عديدة (منها حكمها بجلسة 12/2/2009 في الطعن رقم 204 لسنة 70 ق، وبجلسة 26/2/2009 في الطعن رقم 1853 لسنة 67 ق، وبجلسة 23/4/2009 في الطعن رقم 1077 لسنة 68 ق) إلى إعمال الأثر الكاشف لحكم المحكمة الدستورية العليا المشار إليه، والقضاء بالأحقية في المبالغ التي تم تحصيلها على ذمة ضريبة المبيعات المفروضة على عقود المقاولات في الطعن الأول، وعلى نشاط النقل بالسيارات في الطعنين الثاني والثالث، وسارت الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع على نفس النهج بفتواها الصادرة بتاريخ 12/7/2007 بالملف رقم 37/2/650.
ومن حيث إن الطعن الماثل يثير البحث في مسألتين:
(الأولى) الاختصاص الولائي بنظر المنازعات المتعلقة بالضريبة العامة على المبيعات. و(الثانية) حدود الأثر الكاشف لحكم المحكمة الدستورية العليا بجلسة 15/4/2007 في القضية رقم 232 لسنة 26 ق. دستورية.
ومن حيث إنه عن الاختصاص الولائي بنظر المنازعات المتعلقة بالضريبة العامة على المبيعات فإن المادة 17 من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991 (معدلا بالقانون رقم 9 لسنة 2005) نصت في فقرتها الأخيرة على أن: "... وللمسجل الطعن في تقدير المصلحة أمام المحكمة الابتدائية خلال ثلاثين يوما من تاريخ صيرورته نهائيا"، ونصت الفقرة السادسة من المادة (35) من القانون المذكور على أنه: "... وفي جميع الأحوال يحق لصاحب الشأن الطعن على القرار الصادر من لجنة التظلمات أمام المحكمة الابتدائية خلال ثلاثين يوما من تاريخ إخطاره".
ومن حيث إن المحكمة الدستورية العليا قضت بجلسة 7/4/2013 في القضية رقم 162 لسنة 31 ق بعدم دستورية نصي الفقرتين المشار إليهما، تأسيسا على أن المشرع الدستوري بدءا من دستور 1971 حرص على دعم مجلس الدولة الذي أصبح – منذ استحداث نص المادة (172) منه – جهة قضائية قائمة بذاتها محصنة ضد أي عدوان عليها أو على اختصاصها المقرر دستوريا يقع عن طريق المشرع العادي، وهو ما أكده الإعلان الدستوري الصادر بتاريخ 30/3/2011 الذي أورد الحكم نفسه في المادة (48) منه والمادة (174) من الدستور الحالي الصادر بتاريخ 25/12/2012 التي تنص على أن:"مجلس الدولة جهة قضائية مستقلة، يختص دون غيره من جهات القضاء بالفصل في كافة المنازعات الإدارية...".
ولم يقف دعم المشرع الدستوري لمجلس الدولة عند هذا الحد، بل جاوزه إلى إلغاء القيود التي كانت تقف حائلا بينه وبين ممارسته لاختصاصه، فاستحدث بالمادة (68) من دستور سنة 1971 نصا يقضي بأن التقاضي حق مكفول للناس كافة، وأن لكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي، وأن تكفل الدولة تقريب جهات القضاء من المتقاضين، وسرعة الفصل في القضايا، وأنه يحظر النص على تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء.
وقد سار الدستور الحالي على هذا النهج، فردد في المادة (75) منه الأحكام نفسها، كما حظر فيها بنص صريح إنشاء المحاكم الاستثنائية، وبذلك سقطت جميع النصوص القانونية التي كانت تحظر الطعن في القرارات الإدارية، وأزيلت جميع العوائق التي كانت تحول بين المواطنين والالتجاء إلى مجلس الدولة بوصفه القاضي الطبيعي للمنازعات الإدارية، وإذا كان المشرع الدستوري بنصه على أن: "لكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي" قد دل على أن هذا الحق في أصل شرعته هو حق للناس كافة تتكافأ فيه مراكزهم القانونية في سعيهم لرد العدوان على حقوقهم، والذود عن مصالحهم الذاتية، وأن الناس جميعا لا يتمايزون فيما بينهم في مجال حقهم في النفاذ إلى قاضيهم الطبيعي، ولا في نطاق القواعد الإجرائية أو الموضوعية التي تحكم الخصومة القضائية، ولا في مجال التداعي بشأن الحقوق المدعي بها على وفق مقاييس موحدة عند توفر شروطها، إذ ينبغي دائما أن يكون للخصومة الواحدة قواعد موحدة سواء في مجال اقتضائها أو الدفاع عنها أو الطعن في الأحكام التي تصدر فيها، وكان مجلس الدولة قد غدا في ضوء الأحكام المتقدمة قاضي القانون العام، وصاحب الولاية العامة دون غيره من جهات القضاء بالفصل في جميع المنازعات الإدارية إلا ما يتعلق منها بشئون أعضاء الجهات القضائية المستقلة الأخرى التي ينعقد الاختصاص بنظرها والفصل فيها لتلك الجهات، سواء ورد النص على ذلك صراحة في الدستور أو تركه للقانون، كذلك يخرج عن نطاق الولاية العامة لمجلس الدولة الفصل في جميع المنازعات الإدارية الخاصة بالقرارات الصادرة في شأن ضباط وأفراد القوات المسلحة، فينعقد الاختصاص بها للجان القضائية الخاصة بهم طبقا لنص المادة (196) من الدستور الحالي. ومن حيث إنه من المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن الأصل في الضريبة العامة أنها فريضة مالية تقتضيها الدولة جبرا بما لها من ولاية على إقليمها لتنمية مواردها، باعتبار أن حصيلتها تعد إيرادا عاما يئول إلى الخزانة العامة ليندمج مع غيره من الموارد التي يتم تدبيرها لتشكل جميعها نهرا واحدا لإيراداتها الكلية، وأن نص القانون هو الذي ينظم رابطتها محيطا بها، مبينا بحدود العلاقة بين الملتزم بها من ناحية والدولة التي تفرضها من ناحية أخرى، سواء في مجال تحديد الأشخاص الخاضعين لها أو الأموال التي تسري عليها، وشروط سريانها، وسعر الضريبة، وكيفية تحديد وعائها، وقواعد تحصيلها، وأحوال الإعفاء منها والجزاء على مخالفة أحكامها.
ومن حيث إنه متى كان ذلك، وكان قانون الضريبة إذ يصدر على هذا النحو فإنه ينظم رابطتها تنظيما شاملا يدخل في مجال القانون العام، ويبرز ما للخزانة العامة من حقوق قبل الممول، وامتيازاتها عند مباشرتها، وبوجه خاص في مجال توكيده حق الإدارة المالية في المبادأة بتنفيذ دين الضريبة على الممول، وتأثيم محاولة التخلص منه، وإذا كان حق الخزانة العامة في جباية الضريبة يقابله حق الممول في فرضها وتحصيلها على أسس عادلة، إلا أن المحقق أن الالتزام بالضريبة ليس التزاما تعاقديا ناشئا عن التعبير المتبادل عن إرادتين متطابقتين، بل مرد هذا الالتزام إلى نص القانون وحده، فهو مصدره المباشر، وإذا كانت الدولة تتدخل لتقرير الضريبة وتحصيلها فليس باعتبارها طرفا في رابطة تعاقدية أيا كان مضمونها، ولكنها تفرض في إطار من قواعد القانون العام الأسس الكاملة لعلاقة قانونية ضريبية لا يجوز التبديل أو التعديل فيها أو الاتفاق على خلافها.
ومن حيث إن المشرع قد أقر بالطبيعة الإدارية للطعون في القرارات النهائية الصادرة عن الجهات الإدارية في منازعات الضرائب والرسوم، بدءا من القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة (الذي أسند بنص البند سابعا من المادة 8 منه لمجلس الدولة بهيئة قضاء إداري الاختصاص بالفصل في تلك المنازعات، وأوضحت المذكرة الإيضاحية لهذا القانون أن الاختصاص بنظر هذه الطعون تقرر لمجلس الدولة باعتبار أنها ذات طبيعة إدارية بحتة)، وقد جرى قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 55 لسنة 1959 في شأن تنظيم مجلس الدولة على النهج نفسه، فنص في البند سابعا من مادته رقم (8) على الحكم نفسه، وأكدت هذا الاختصاص المادة (10) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة (التي عقدت في البند السادس منها الاختصاص لمحاكم مجلس الدولة دون غيرها بالفصل في الطعون في القرارات النهائية الصادرة عن الجهات الإدارية في منازعات الضرائب والرسوم على وفق القانون الذي ينظم كيفية نظر هذه المنازعات أمام مجلس الدولة).
ومن حيث إنه متى كان ذلك، وكان المرجع في تحديد بنيان الضريبة العامة على المبيعات، وعناصرها ومقوماتها وأوضاعها وأحكامها المختلفة، بما في ذلك السلع والخدمات الخاضعة للضريبة والمكلفين بها والملتزمين بعبئها وقيمة الضريبة المستحقة ومدى الخضوع لها والإعفاء منها إلى قانون هذه الضريبة، وإلى القرار الصادر عن الجهة الإدارية المختصة تنفيذا لأحكامه؛ فإن المنازعة في هذا القرار تعد منازعة إدارية بحسب طبيعتها، وتندرج ضمن الاختصاص المحدد لمحاكم مجلس الدولة طبقا لنص المادة (174) من الدستور الحالي الصادر في 25/12/2012.
ومن حيث إنه بناء على حكم المحكمة الدستورية العليا المشار إليه فإن المنازعة الماثلة تدخل في نطاق الاختصاص الولائي لمجلس الدولة هيئة قضاء إداري، ويكون الطعن على الأحكام الصادرة فيها من اختصاص المحكمة الإدارية العليا.
- ومن حيث إنه عن الأثر الكاشف للحكم الصادر عن المحكمة الدستورية العليا بجلسة 15/4/2007 في القضية رقم 232 لسنة 26 ق، دستورية فإن المادة (49) من القانون رقم 48 لسنة 1979 بإصدار قانون المحكمة الدستورية العليا (المعدلة بالقانون رقم 168 لسنة 1998) تنص على أن: "أحكام المحكمة في الدعاوى الدستورية وقراراتها بالتفسير ملزمة لجميع سلطات الدولة وللكافة. وتنشر الأحكام والقرارات المشار إليها في الفقرة السابقة في الجريدة الرسمية وبغير مصروفات خلال خمسة عشر يوما على الأكثر من تاريخ صدورها. ويترتب على الحكم بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة عدم جواز تطبيقه من اليوم التالي لنشر الحكم ما لم يحدد الحكم لذلك تاريخا آخر، على أن الحكم بعدم دستورية نص ضريبي لا يكون له في جميع الأحوال إلا أثر مباشر، وذلك دون إخلال باستفادة المدعي من الحكم الصادر بعدم دستورية هذا النص...".
ومن حيث إن المستقر عليه أن الأحكام الصادرة في الدعاوى الدستورية تحوز حجية مطلقة، وتعد قولا فصلا لا يقبل تعقيبا أو تأويلا من أية جهة، ولا تقتصر حجيتها على أطراف الدعوى الدستورية بل تمتد إلى الجميع، وإلى جميع سلطات الدولة بفروعها وتنظيماتها المختلفة، بما فيها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها، ومن ثم فإن محكمة الموضوع هي التي تتولى دون غيرها إعمال آثار الأحكام الصادرة في المسائل الدستورية وتحديد نطاقها ومدى سريانها بأثر رجعي في الحدود الواردة بنص المادة (49) من القانون رقم 48 لسنة 1979 المشار إليه. ومن حيث إن الأصل أن القضاء بعدم دستورية نص تشريعي هو حكم كاشف لما لحق النص من عوار دستوري، ويؤدي إلى زوال النص منذ بدء العمل به، ويستثنى من ذلك:
الحكم بعدم دستورية نص ضريبي، فلا يكون له إلا أثر مباشر، وقد كشفت المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 168 لسنة 1998 (الذي أتى هذا التعديل التشريعي على نص المادة 49 من القانون رقم 48 لسنة 1979 المشار إليه) عن العلة من هذا الاستثناء، وهي أن إبطال المحكمة نصا ضريبيا بأثر رجعي يؤدي إلى رد حصيلتها إلى الذين دفعوها، في الوقت الذي تكون فيه الدولة قد أنفقت تلك الحصيلة في تغطية أعبائها، مما يعجزها عن مواصلة تنفيذ خطتها في مجال التنمية، ويعوقها عن تطوير أوضاع مجتمعها، بل إنه قد يحملها على فرض ضرائب جديدة لسد العجز في موازنتها، الأمر الذي يرتب آثارا خطيرة تنعكس سلبا على المجتمع وتؤدي إلى اضطراب موازنة الدولة فلا تستقر مواردها على حال.
ومن حيث إنه بناء على ما تقدم فإن الأثر المباشر للحكم بعدم دستورية نص ضريبي هو استثناء من الأصل المقرر، وهو رجعية الحكم بعدم دستورية نص تشريعي، وهذا الاستثناء يقدر بقدره فلا يجوز التوسع فيه أو القياس عليه. ومن حيث إن المادة (2) من قانون الضريبة العامة على المبيعات، الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991 تنص على أن: "تفرض الضريبة العامة على المبيعات على السلع المصنعة المحلية والمستوردة إلا ما استثنى بنص خاص، وتفرض الضريبة على الخدمات الواردة بالجدول رقم (2) المرافق لهذا القانون...".
ومن بين الخدمات المنصوص عليها بالجدول: "خدمات التشغيل للغير".
ومن حيث إن القانون رقم 11 لسنة 2002 بتفسير بعض أحكام قانون الضريبة العامة على المبيعات نص في مادته الأولى على أن "تفسر عبارة (خدمات التشغيل للغير) الواردة قرين المسلسل رقم (11) من الجدول رقم (2) المرافق لقانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991، بأنها: الخدمات التي تؤدى للغير باستخدام أصول أو معدات مورد الخدمة المملوكة له أو للغير، ويتم تشغيلها بمعرفة مورد الخدمة أو قوة العمل التابعة له أو تحت إشرافه، وهي جميع أعمال التصنيع، بما في ذلك تشغيل المعادن، وأعمال تغيير حجم أو شكل أو طبيعة أو مكونات المواد، وأعمال تأجير واستغلال الآلات والمعدات والأجهزة، وأعمال مقاولات التشييد والبناء، وإنشاء وإدارة شبكات البنية الأساسية وشبكات المعلومات، وخدمات نقل البضائع والمواد، وأعمال الشحن والتفريغ والتحميل والتستيف والتعتيق والوزن، وخدمات التخزين، وخدمات الحفظ بالتبريد، وخدمات الإصلاح والصيانة وضمان ما بعد البيع، وخدمات التركيب، وخدمات إنتاج وإعداد مواد الدعاية والإعلان، وخدمات استغلال الأماكن المجهزة".
ومن حيث إن القانون رقم 11 لسنة 2002 المشار إليه تضمن في صدر مادته الثانية أثرا رجعيا، وأحيلت المنازعة في شأنه إلى المحكمة الدستورية العليا التي قضت بجلسة 15/4/2007 في القضية رقم 232 لسنة 29 ق.ع بما يلي: (أولا) عدم دستورية عبارة خدمات التشغيل للغير الواردة قرين المسلسل رقم (11) من الجدول رقم (2) المرافق لقانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991 المعدل بالقانون رقم 2 لسنة 1997. (ثانيا) عدم دستورية صدر المادة (2) من القانون رقم 11 لسنة 2002 بتفسير بعض أحكام قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991 الذي ينص على أنه: "مع مراعاة الأثر الكاشف لهذا القانون".
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أنه بالنسبة لما جاء بمنطوق الحكم بعدم دستورية عبارة "خدمات التشغيل للغير" فإن عدم الدستورية ينصب على هذه العبارة وحدها، ولا يتعداها إلى الخدمات ذاتها الواردة بالقانون رقم 11 لسنة 2002، ومنها أعمال مقاولات التشييد والبناء (محل التداعي بالطعن الماثل)، ومفاد ذلك أن أعمال مقاولات التشييد والبناء تخضع للضريبة العامة على المبيعات.
ومن حيث إنه ليس ثمة مانع من أن تفصل دائرة توحيد المبادئ في الطعن بجميع أشطاره متى كان صالحا للفصل فيه، وذلك إعمالا لمبدأ الاقتصاد في إجراءات الخصومة الذي يهدف إلى تحقيق العدالة الناجزة.
(الحكم الصادر عن هذه الدائرة بجلسة 21/4/1991 في الطعن رقم 2382 لسنة 32 ق.ع)
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن المطعون ضده ينازع جهة الإدارة في ضريبة المبيعات التي تم تحصيلها منه عن نشاطه في أعمال المقاولات عن شهري 9 و12 لسنة 1997 وشهري 1 و2 لسنة 1998، لما كان ذلك، وكان حكم المحكمة الدستورية العليا بجلسة 15/4/2007 في القضية رقم 232 لسنة 26 ق المشار إليه لا يسري بأثر رجعي، ومن ثم يكون تحصيل تلك الضريبة من المطعون ضده متفقا وصحيح حكم الواقع والقانون، وتكون دعوى المطعون ضده غير قائمة على سند من القانون حرية بالرفض، وإذ ذهب الحكم المطعون فيه إلى غير ما تقدم فإنه يكون مخالفا للقانون مستوجبا الإلغاء.
ومن حيث إن من خسر الطعن يلزم مصروفاته عملا بنص المادة (270) من قانون المرافعات.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة:
(أولا) باختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر المنازعات المتعلقة بالضريبة العامة على المبيعات.
(ثانيا) بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وألزمت المطعون ضده المصروفات عن درجتي التقاضي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق