جلسة 23 من مارس سنة 1964
برياسة السيد/ محمد متولي
عتلم نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: أديب نصر، وحسين صفوت السركي،
ومحمد عبد الوهاب خليل، ومحمد عبد المنعم حمزاوي.
-------------
(41)
الطعن رقم 176 لسنة 34
القضائية
تبديد. جريمة.
جريمة التبديد. ركنها
المادي: التأخير في رد الشيء المسلم أو الامتناع عن رده. لا يكفي لتحققه. ضرورة
اقترانه بانصراف نية الجاني إلى إضافة المال إلى ملكه واختلاسه لنفسه إضراراً
بصاحبه. مثال.
---------------
التأخير في رد الشيء أو
الامتناع عن رده إلى حين، لا يتحقق به الركن المادي لجريمة التبديد ما لم يكن
مقروناً بانصراف نية الجاني إلى إضافة المال الذي تسلمه إلى ملكه واختلاسه لنفسه
إضراراً بصاحبه. ولما كان الحكم قد أثبت في مدوناته أن الطاعن يرد امتناعه عن رد
المنقولات منذ البداية بما تمسك به من حقه في حبسها إلى أن يفصل في دعوى فسخ
الخطبة - المسلم برفعها ضده - لما يتوقف على الفصل فيها من تحديد للعلاقة بين
الطرفين بصدد استرداد ما قدمه من شبكة وهدايا - فضلاً عما أنفقه من مصروفات أخرى،
وكان هذا الذي قام عليه اعتقاد الطاعن سائغاً ودالاً على انتفاء القصد الجنائي
لديه وأنه ما هدف بقعوده عن الرد فترة - قام بعدها بتسليم المنقولات - إلا حفظ حق
له ما يبرره قانوناً - فإن الحكم إذ دانه بجريمة التبديد يكون قد أخطأ صحيح
القانون مما يتعين معه نقضه وتبرئة الطاعن مما أسند إليه.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة
الطاعن بأنه في يوم 7/ 5/ 1961 بدائرة قسم عابدين "بدد المنقولات المبينة
بالمحضر لناديه أنطون رشيد وكان قد تسلمها على سبيل الأمانة فاختلسها لنفسه
إضراراً بها". وطلبت عقابه بالمادة 341 من قانون العقوبات. وقد ادعت المجني
عليها بحق مدني قدره 51 ج على سبيل التعويض المؤقت. ومحكمة عابدين الجزئية قضت
حضورياً بتاريخ 9/ 5/ 1963 عملاً بمادة الاتهام بحبس المتهم شهراً واحد مع الشغل
وكفالة عشرة جنيهات لوقف النفاذ بلا مصروفات جنائية مع إلزام المتهم بدفع مبلغ 51
ج تعويضاً مؤقتاً للمدعية بالحق المدني مع المصاريف. استأنف المتهم هذا الحكم
ومحكمة القاهرة الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً بتاريخ 13 من أكتوبر
سنة 1963 بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف وأمرت
بوقف تنفيذ العقوبة لمدة ثلاث سنوات تبدأ من اليوم على أن يكون الإيقاف شاملاً
لجميع الآثار الجنائية المترتبة على هذا الحكم وتأييده في الشق المدني فطعن الطاعن
في هذا الحكم بطريق النقض.....إلخ.
المحكمة
حيث إن مما ينعاه الطاعن
على الحكم المطعون فيه أنه أخطأ في القانون حين دان بجريمة التبديد بالرغم من عدم
توافر أركانها القانونية، ذلك بأن حاصل الواقعة هو أن الطاعن عقد خطبته على
المطعون ضدها - المدعية بالحقوق المدنية - وقدم شبكة وبعض الهدايا، وتسلم منقولات
منزلية أودعها مسكناً استأجره خصيصاً لذلك لإقامتهما فيه بعد الزفاف، ثم حدث أن
رغبت العروس ووالدها في فسخ الخطبة لغير تقصير منه وطولب برد المنقولات ولما لم
يفعل أبلغ ضده بالتبديد وأقيمت عليه دعوى فسخ الخطبة، وقد قام دفاع الطاعن في
التهمة المسندة إليه على أنه لم يقصد إضافة المنقولات إلى ملكه أو الإضرار
بمالكيها، وأنه لم يكن يحدوه إلى الامتناع عن ردها غير رغبة منه في إتمام الزفاف،
فضلاً عن حقه في حبسها إلى أن يستوفي ما أنفقه في حفظها وترد إليه الشبكة والهدايا
إذا ما قضى بفسخ الخطبة، وأنه إذ يئس من الصلح فقد قام برد المنقولات بحالتها دون
أن يصيب مالكيها أي ضرر، بيد أن الحكم رغم تحصيله لهذا الدفاع لم يعمل مؤداه مما
يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من مراجعة
الحكم الابتدائي - المؤيد لأسبابه والمكمل بالحكم المطعون فيه - أنه حصل واقعة
الدعوى بما مفاده أن المطعون ضدها خطبت للطاعن بمقتضى عقد التزام فيه والدها
بتجهيزها بما قيمته ثمانمائة جنيه على أن يتحمل الطاعن بالباقي، فقام الوالد
بتجهيز ابنته بما يربو على هذا المبلغ وسلم أعيان الجهاز للطاعن بمقتضى إقرار موقع
منه، ثم أقام دعوى بفسخ الخطبة لإخلال الطاعن بالتزاماته، وأبلغ ضده طالباً تكليفه
برد المنقولات، ولما لم يفعل، رفعت عليه الدعوى الجنائية بالتبديد وادعى والد
الخطيبة مدنياً طالباً الحكم له بالتعويض. وحصل الحكم دفاع الطاعن بما مؤداه أن
صهره عمل على التسويف في إتمام الزواج لغير ما سبب فأنذره بتنفيذ التزاماته غير
أنه رد على ذلك برفع دعوى فسخ الخطبة، وطلب الطاعن وقف الدعوى الجنائية إلى أن
يفصل في دعوى الأحوال الشخصية، وأضاف بالنسبة لموضوع الاتهام - أن من حقه حبس ما
تسلمه من منقولات حتى إذا ما ثبت أن فسخ الخطبة كان بفعل الخطيبة التزمت برد
الشبكة والهدايا التي قدمها، وأنه لذلك يتمسك بعدم توافر أركان جريمة التبديد وخلص
الحكم، بعد إذ عرض لهذا الدفاع - إلى رفض طلب وقف الدعوى وإدانة الطاعن تأسيساً
على أنه أقر باستلام المنقولات على سبيل الوديعة حتى تتم إجراءات عقد الزواج وأنه
احتجزها لنفسه رافضاً ردها بالرغم من الإبلاغ ضده الأمر الذي تتوافر به أركان
جريمة التبديد - هذا ويبين من مراجعة الحكم المطعون فيه أنه أثبت تقديم الطاعن
إقراراً موقعاً من المطعون ضدها ووالدها يتضمن استلامها المنقولات، واستند في
تأييد الحكم الابتدائي بصدد الدعوى المدنية على القول بأن المطعون ضدها قد نالها
ضرر من احتباس منقولاتها بخطأ الطاعن. ولما كان ما عول عليه الحكم في قضائه بإدانة
الطاعن هو امتناعه في رد المنقولات وهو ما لا تتوافر به أركان جريمة التبديد كما
هي معرفة به في القانون، ذلك بأن التأخير في رد الشيء أو الامتناع عن رده إلى حين،
لا يتحقق به الركن المادي لتلك الجريمة ما لم يكن مقروناً بانصراف نية الجاني، إلى
إضافة المال الذي تسلمه، إلى ملكه واختلاسه لنفسه إضراراً بصاحبه، وكان الحكم قد
أثبت في مدوناته أن الطاعن يرد امتناعه عن رد المنقولات منذ البداية بما تمسك به
من حقه في حبسها إلى أن يفصل في دعوى فسخ الخطبة - المسلم برفعها ضده - لما يتوقف
على الفصل فيها من تحديد للعلاقة بين الطرفين بصدد استرداد ما قدمه من شبكة
وهدايا، فضلاً عما أنفقه من مصروفات أخرى، وكان هذا الذي قام عليه اعتقاد الطاعن
سائغاً ودالاً في خصوصية هذه الدعوى، على انتفاء القصد الجنائي لديه وأنه ما هدف
بقعوده عن الرد فترة - قام بعدها بتسليم المنقولات على ما أورده الحكم - إلا حفظ
حق له ما يبرره قانوناً - فإن الحكم إذ دانه بجريمة التبديد يكون قد أخطأ صحيح
القانون مما يتعين معه نقضه وتبرئة الطاعن مما أسند إليه - لما كان ذلك، وكان قضاء
الحكم في الدعوى المدنية قام على أن المطعون ضدها لحقها ضرر مبناه احتباس الطاعن
للمنقولات، وكانت براءة الطاعن قد تقررت على ما سلف إيراده - لعدم توافر أركان
الجريمة - وكانت عناصر التعويض غير مستكملة لما يتطلبه الأمر من بحث شروط عقد
الخطبة ومدى قيام كل من الطرفين بتنفيذ تعهداته المدونة به - لما كان ما تقدم،
فإنه لا يكون للمحكمة الجنائية اختصاص بنظر التعويض وهو ما يتعين الحكم به مع
إلزام المطعون ضدها المصروفات المدنية .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق