باسم
الشعب
المحكمة
الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثلاثين من يوليو سنة 2017م، الموافق السابع من ذى القعدة سنة 1438 هـ.
برئاسة السيد المستشار / عبد الوهاب عبد الرازق رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: سعيد مرعى عمرو وبولس فهمى إسكندر ومحمود محمــد غنيـم وحاتم حمــد بجاتــو والدكتور محمد عماد النجار والدكتور عبد العزيز محمد سالمان نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور / طارق عبد الجواد شبل رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع أمين السر
أصدرت
الحكم الآتى
فى القضية المقيدة
بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 180 لسنة 27 قضائية " دستورية ".
المقامة
من
محمد سعيد محمود غازى
ضد
1- رئيس مجلس الشعب ( النواب حاليًا )
2- وزير الزراعـة
3- رئيس الهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية
4- رئيس الاتحاد التعاوني للثروة المائيـة
5- رئيس المنطقة الغربية للثروة السمكية بالإسكندرية
2- وزير الزراعـة
3- رئيس الهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية
4- رئيس الاتحاد التعاوني للثروة المائيـة
5- رئيس المنطقة الغربية للثروة السمكية بالإسكندرية
الإجراءات
بتاريخ السادس من سبتمبر سنة 2005، أودع المدعى صحيفة هذه
الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طلبًا للحكم بعدم دستورية المادة (25)
من قانون تعاونيات الثروة المائية الصادر بالقانون رقم 123 لسنة 1983 بعد تعديلها
بالقانون رقم 158 لسنة 2002 فيما تضمنته من النص على أن " ويكون التأمين لدى
الصندوق إجباريًّا بالنسبة لمراكب الصيد الآلية والعاملين عليها.... وتعتبر وثيقة
التأمين من المستندات اللازمـة للترخيص لمراكب الصيد الآلية أو تجديد
الترخيص".
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم: أولاً : بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى فيما يتعلق بمخالفة النص المطعون فيه للقانون. ثانيًا: برفض الدعوى .
وقدمت الهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم، مع التصريح بالاطلاع وتقديم مذكرات خلال عشرة أيام، ولم يقدم أى من الخصوم مذكرات في الأجل المشار إليه.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم: أولاً : بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى فيما يتعلق بمخالفة النص المطعون فيه للقانون. ثانيًا: برفض الدعوى .
وقدمت الهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم، مع التصريح بالاطلاع وتقديم مذكرات خلال عشرة أيام، ولم يقدم أى من الخصوم مذكرات في الأجل المشار إليه.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - فى أن المدعى كان قد أقام الدعوى رقم 8216 لسنة 57 قضائية. أمام محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية، ضد المدعى عليهم، بطلب الحكم بوقف تنفيذ، ثم إلغاء القرار الصادر من الهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية برفض استخراج وتجديد رخصة الصيد الخاصة به، وإحالة الطعن بعدم دستورية القانون رقم 158 لسنة 2002 بتعديل أحكام قانون تعاونيات الثروة المائية الصادر بالقانون رقم 123 لسنة 1983 - الذى استند إليه القـرار المطعون عليه - إلى المحكمة الدستورية العليا. على سند من القول بأنه شريك فى مركب صيد آلى مسجل لدى الإدارة المركزية للتفتيش البحري طبقًا للقانون، وعضو بالجمعية التعاونية لصائدي الأسماك التي تتبع إشرافيًّا الاتحاد التعاوني للثروة المائية، والهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية. وقد تقدم بطلب لاستخراج رخصة صيد من مكتب مصايد المعدية، إلا أنه فوجئ برفض المكتب تسليمه الرخصة إلا بعد سداد قسط التأمين التعاوني على مركب الصيد الآلي الخاص به إلى صندوق التأمين التعاوني على مراكب الصيد للجمعيات التعاونية للثروة المائية وأعضائها، إعمالاً لحكم المادة (25) من القانون رقــم 123 لسنة 1983 بعد تعديلهــا بالقانون رقـم 158 لسنة 2002، والذى جعل التأمين لدى الصندوق إجباريًّا، واعتبر وثيقة التأمين من المستندات اللازمة للترخيص، وذلك بالمخالفة لنص المادة (34) من الدستور الصادر سنة 1971، والمبادئ العامـة فى التأمين، فضلاً عن مخالفته للقانون، مما حدا به إلى إقامة دعواه المشار إليها، بالطلبات سالفة البيان. وأثناء نظر الدعوى وبجلسة 16/6/2005 دفع الحاضــر عن المدعى بعدم دستورية القانون رقم 158 لسنة 2002 المشار إليه، وإذ قدرت المحكمة جدية الدفع، وصرحت للمدعى برفع الدعوى الدستورية، أقام دعواه المعروضة.
وحيث إن المادة (25) من قانون تعاونيات الثروة المائية الصادر بالقانون رقم 123 لسنة 1983 بعد تعديلهـا بالقانون رقم 158 لسنة 2002 تنص على أن "ينشأ بقرار من رئيس الجمهورية صندوق تأمين تعاونى تكون مهمته التأمين على مراكب الجمعيات وأعضائها وغير ذلك من أنواع التأمين التى تتفق وأوجه نشاط الجمعية، ويخضع هذا الصندوق لإشراف الهيئة العامة للرقابة على التأمين.
ويكون التأمين لدى الصندوق إجباريًّا بالنسبة لمراكب الصيد الآلية والعاملين عليها، وذلك فى الحدود التى تبينها اللائحة الداخلية للصندوق، ومع عدم الإخلال بأى مزايا تقررها قوانين التأمين الاجتماعى، وتعتبر وثيقة التأمين من المستندات اللازمة للترخيص لمراكب الصيد الآلية أو تجديد الترخيص.
وتبين اللائحة الداخلية للصندوق طريقة تمويله، وأغراضه وشروط صرف وسداد قيمة التأمين، ويصدر الوزير المختص بقرار منه اللائحة الداخلية للصندوق فى خلال ثلاثة أشهر من تاريخ العمل بهذا القانون".
وحيث إنه عن الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى فيما يتعلق بما ينعاه المدعى على النص المطعون فيه من مخالفته لنصوص القانون المدنى، والقانون رقم 84 لسنة 1949 بشأن تسجيل السفن التجارية، وقانون صناديق التأمين الخاصة الصادر بالقانون رقم 54 لسنة 1975، وقانون فى شأن صيد الأسماء والأحياء المائية وتنظيم المزارع السمكية الصادر بالقانون رقم 124 لسنة 1983، والقانون رقم 232 لسنة 1989 بشأن سلامة السفن، وقانون التجارة البحرية الصادر بالقانون رقم 8 لسنة 1990. فهو دفع سديد، إذ إن قضــاء هذه المحكمة قد جرى على أن مناط اختصاصهــا بالفصل فى دستورية القوانين واللوائح هو مخالفـة النص التشريعى المطعــون فيه لنص فى الدستور، ولا تمتد رقابتها بالتالى إلى حالات التعارض بين القوانين واللوائح، ولا بين التشريعات ذات المرتبة الواحدة، إذ إنها لا تشكل مخالفة لأحكام الدستور مما تختص المحكمة الدستورية العليا بنظرها.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة - وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها أن يتحقق ارتباط بينها وبين المصلحة التى تقوم عليها الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم الصادر فى المسائل الدستورية لازمًا للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع. متى كان ذلك، وكان المدعى عضوًا بالجمعية التعاونية لصائدى الأسماك، وأقام النزاع الموضوعى بطلب القضاء بوقف تنفيذ ثم إلغاء القرار الصادر من الهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية برفض استخراج وتجديــد رخصة الصيد الخاصـة بمركب الصيد الآلى التى يشارك فى ملكيتها، إلا بعد سداد قسط التأمين الإجبارى لدى صندوق التأمين التعاونى، وكان النص المطعون فيه - فيما نص عليه من جعل التأمين لدى الصندوق إجباريًّا بالنسبة لمراكب الصيد الآلى، واعتبار وثيقة التأمين من المستندات اللازمة لترخيص مركب الصيد الآلى أو تجديد الترخيص- يحول دون تحقيق مبتغى المدعى، فإن المصلحة الشخصية المباشرة فى الدعوى تكون متحققة فى الطعن على هذا النص، ويتحدد نطاقهــا فيما أوردته الفقــرة الثانية من هذه المادة من أنه "ويكون التأمين لدى الصندوق إجباريًّا بالنسبة لمراكب الصيد الآلية والعاملين عليها ..... وتعتبر وثيقة التأمين من المستندات اللازمة للترخيص لمراكب الصيد الآلية أو تجديد الترخيص...." وذلك فى مجال انطباقها على مراكب الصيد الآلية المملوكة لأعضاء الجمعيات التعاونية للثروة المائية والعاملين عليها، دون سائر ما أوردته هذه المادة من أحكام.
وحيث إن المدعى ينعى على النص المطعون فيه - وفقًا للنطاق المحدد سلفًا - مخالفة أحكام المواد (13، 17، 23، 28، 31، 34، 40) من دستور 1971 والتى تقابل أحكام المواد (12، 17، 27، 35، 37، 53) من الدستور الحالى الصادر سنة 2014، على سند من أن هذا النص قد ربط بين التأمين جبرًا وسداد أقساطه وبين العمل بمراكب الصيد الآلية، بما يشكل جبرًا على عدم العمل، كما أنه يشكل مخالفة لروح التعاون والتطوير الذى يقوم عليه البنيان التعاونى، ومخالفة لالتزام الدولة بكفالة خدمة التأمين الاجتماعى تجاه أصحاب المراكب الآلية، كما أنه خالف الحماية الدستورية المقـررة لحق الملكية الخاصة، وحجب عن هذه الملكية مكنتى الاستعمال والاستغلال دون مقتض، فضلاً عن انتهاك مبدأ المساواة بأن فرض هذا التأمين الإجبارى وسداد أقساطه بالنسبة لمراكب الصيد الآلية دون غيرها من مراكب النزهة والركاب.
وحيث إن الرقابة على دستورية القوانين من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التى نظمها الدستور، إنما تخضـع لأحكام الدستور القائم دون غيره، إذ إن هذه الرقابة إنما تستهدف أصلاً - على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - صون الدستور القائــم، وحمايته من الخروج على أحكامــه، ذلك أن نصوص هذا الدستور تمثل دائمًا القواعد والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التى يتعين التزامها ومراعاتهـا وإهدار ما يخالفها من التشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة. ومن ثم فإن هذه المحكمة تباشر رقابتهـا على النص المطعــون عليه - الذى مازال قائمًا ومعمولاً بأحكامـه - من خلال أحكام الدستور الحالى الصادر سنة 2014 باعتباره الوثيقة الدستورية السارية.
وحيث إن الدساتير المصريـة على تعاقبها قد حرصـت على النص على التضامن الاجتماعــى باعتباره ركيزة أساسية لبناء المجتمع، وواحدًا من الضمانات الجوهريــة التى ينبغى أن ينعــم بها أفراده، وهو ما أكدت عليه المادة (8) من الدستور القائم، التى ألزمت الدولة بتوفير سبل التضامن والتكافل الاجتماعى، بما يضمن الحياة الكريمة لجميع المواطنين، على النحو الذى ينظمه القانون. وفى سبيل تحقيق ذلك، ألزمت المادة (17) من الدستور الدولة بكفالة توفير خدمـات التأمين الاجتماعـى، وحق كل مواطن فى الضمان الاجتماعى، إذا لم يكن متمتعًا بنظام التأمين الاجتماعى، بما يضمن له ولأسرته الحياة الكريمة، وتأمينه ضد مخاطر حالات العجـز عن العمل والشيخوخة والبطالة، باعتبار أن مظلة التأمين الاجتماعى التى يحدد المشرع نطاقها - وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - هى التى تكفل بمداها واقعًا أفضل يؤمن المواطن فى غده وينهض بموجبــات التضامن الاجتماعى التى يقوم عليها المجتمع، بما مؤداه أن المزايا التأمينية هى - فى حقيقتها - ضرورة اجتماعية بقدر ما هى ضرورة اقتصادية، وأن غايتها أن تؤمن المشمولين بها فى مستقبل أيامهـم عند تقاعدهم أو عجزهم أو مرضهـم، وأن تكفل الحقوق المتفرعة عنها لأسرهم بعد وفاتهم، وهى معان استلهمها الدستور القائم بربطه الرفاهية والنمو الاقتصادى بالعدالة الاجتماعية حين أكد فى المادة (27) منه أن النظام الاقتصادى يهدف إلى تحقيق الرخاء فى البلاد من خلال التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية، بما يكفل رفع معدل النمو الحقيقى للاقتصاد القومى، ورفع مستوى المعيشة وزيادة فرص العمل وتقليل معدلات البطالة، والقضاء على الفقر.
وحيث إن الدستور وإن جعل بمقتضى نص المادة (17) منه توفير خدمات التأمين والضمان الاجتماعى التزامًا دستوريًّا على عاتق الدولة، ليكون الوفاء به بحسب الأصل من خلالها، بيد أن التزامها فى هذا الشأن بأن تكفل لمواطنيها ظروفًا أفضل فى مجال التأمين والضمان الاجتماعى، لا يعنى أن تنفرد وحدها بصون متطلباتها، ولا أن تتحمل دون غيرها بأعبائها، وإلا كان ذلك تقويضًا لركائز التضامن الاجتماعى التى يقوم عليها المجتمع.
وحيث إن من المقـرر فى قضاء المحكمة الدستورية العليا أن الدستور وإن قرن العدل بكثير من النصوص التى تضمنها، فنصت عليه المواد (4، 8، 27، 38، 177) منه، وخلا فى الوقت ذاته من كل تحديد لمعناه، إلا أن مفهوم العدل - سواء بمبناه أو أبعاده - يتعين أن يكون محددًا من منظور اجتماعى باعتبار أن العـدل يتغيا التعبير عن تلك القيــم الاجتماعية التى لا تنفصل عن الجماعة فى حركتها، والتى تتبلور مقاييسهـا فى شأن ما يعتبر حقًّا لديها، فلا يكون العدل مفهومًا مطلقًا باطراد بل مرنًا متغيرًا وفقًا لمعايير الضمير الاجتماعى ومستوياتها، وهو بذلك لا يعـدو أن يكون نهجًا متواصلاً منبسطًا على أشكال من الحياة تتعدد ألوانها وازنًا بالقسط تلك الأعباء التى يفرضها المشرع على المواطنين، فلا تكون وطأتها على بعضهم عدوانًا، بل تطبيقها بينهم إنصافًا، وإلا كان القانون منهيًا للتوافق فى مجال تنفيذه وغدا إلغاؤه لازمًا.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن الدستور حرص على صون الملكية الخاصة، وكفل عدم المساس بها إلا على سبيل الاستثناء، وفى الحدود وبالقيود التى أوردها باعتبارها مترتبة - فى الأصل - على الجهد الخاص الذى بذله الفرد بكده وعرقه، وبوصفها حافزًا إلى الانطلاق والتقدم، إذ يختص دون غيره بالأموال التى يرد عليها حق الملكية، والتى تعد كذلك من مصادر الثروة التى لا يجوز التفريط فيها، أو استخدامها على وجه يعوق التنمية، أو يعطل مصالح الجماعة، وكانت الملكية فى إطار النظم الوضعية
التى تزاوج بين الفردية وتدخل الدولة، لم تعد حقًّا مطلقًا ولا هى عصية على التنظيم التشريعى، وإنما يجوز تحميلها بالقيود التى تقتضيها وظيفتها الاجتماعية، وهى وظيفة يتحدد نطاقها ومرماها على ضوء طبيعة الأموال محل الملكية أو الأغراض التى ينبغى توجيهها إليها، وبمراعاة الموازنة التى يجريها المشرع من خلال ما يراه من المصالح أولى بالرعاية وأجدر بالحماية على ضوء أحكام الدستور، وفى ضوء ما تقدم يتعين أن ينظم القانون أداء هذه الوظيفة مهتديًا - بوجه خاص - بالقيم التى تنحاز إليها الجماعة فى مرحلة معينة من مراحل تطورها، وبمراعاة أن القيود التى تفرضها الوظيفة الاجتماعية على حق الملكية للحد من إطلاقها لا تعتبر مقصودة لذاتها، بل غايتها ضمير الفرد والجماعة.
وحيث إن من المقرر فى قضاء المحكمة الدستورية العليا كذلك أن الإخلال بالمساواة أمام القانون التى حرص الدستور الحالى على توكيدها فى المادتين (4، 53) منه، يتحقق بأى عمل يهدر الحماية القانونية المتكافئة تتخذه الدولة سواء من خلال سلطتها التشريعية أو عن طريق سلطتها التنفيذية، بما مؤداه أن أيًّا من هاتين السلطتين لا يجوز أن تفرض تغايرًا فى المعاملة ما لم يكن مبررًا بفروق منطقية يمكن ربطها عقلاً بالأغراض التى يتوخاها العمل التشريعى الصادر عنها، وليس بصحيح أن كل تقسيم تشريعى يعتبر تصنيفًا منافيًا لمبدأ المساواة، بل يتعين دومًا أن ينظر إلى النصوص القانونية باعتبارها وسائل حددها المشرع لتحقيق أغراض يبتغيها، فلا يستقيم إعمال مبدأ المساواة أمام القانون إلا على ضوء مشروعيتها، واتصال هذه الوسائل منطقيًّا بها، ولا يتصور بالتالى أن يكون تقييم التقسيم التشريعى منفصلاً عن الأغراض التى تغياها المشرع، وبوجود حد أدنى من التوافق بينها وبين طرائق تحقيقها، ويستحيل بالتالى أن يكون التقدير الموضوعى لمعقولية التقسيم التشريعى منفصلاً كليًّا عن الأغراض النهائية للتشريع.
وحيث إن الدساتير المصرية المتعاقبة قد حرصت على كفالة الملكية التعاونية باعتبارها إحدى صور الملكية الثلاث التى نصت عليها، وقد عرفتها المادة (13) من دستور سنة 1964 بأنها ملكية كل المشتركين فى الجمعية التعاونية، وحددت المادة (31) من دستور سنة 1971 مدلولها بأنها ملكية الجمعيات التعاونية، لتبقى الملكية التعاونية فى ظل الدستور الحالى، الذى سكت عن تعريفها، محددة فى ملكية التعاونيات بمختلف أشكالها، وهى بهذا المفهوم تتمايز عن كلا نوعى الملكية الأخـرى، وهما الملكية العامــة والملكية الخاصة، من حيث طبيعة عناصر كل منها، سواء شخص المالك، أو أهدافه المبتغاة، أو وسائل تسيير نشاطه، هذا وقد أوجب الدستور فى المادتين (33، 37) منه على الدولة حماية الملكية التعاونية وصونها، وتقديم الرعاية والدعم والحماية للتعاونيات وضمان استقلالها، ويشمل ذلك بحكم اللزوم الأعضاء المنتمين إليها بصفتهم هذه، كما ألزمت المواد (17، 30، 32، 45) من الدستور الدولة بحماية الثروة السمكية باعتبارها أحد الموارد الطبيعية المملوكة للشعب، وتنظيم استغلالها بما يكفل الحفاظ عليها، ويحقق الرخاء للبلاد، وكذا حماية ودعم الصيادين وتمكينهم من مزاولة أعمالهم، وتوفير معاش مناسب لهم عند تقاعدهم، وأضحى ضمان كل ذلك التزامًا دستوريًّا على عاتق الدولة لا تستطيع منه فكاكًا.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان المشرع بقانون تعاونيات الثروة المائية الصادر بالقانون رقم 123 لسنة 1983 - بعد تعديله بالقانون رقم 158 لسنة 2002 قد ضمن المواد (1، 3، 15) منه تنظيمًا للجمعيات التعاونية للثروة المائية فجعلها وحدات اقتصادية اجتماعية تهدف إلى تطوير وتنمية الثروة المائية فى مجالاتها المختلفة وتقديم الخدمات المختلفة لأعضائها، وتسهم فى التنمية الاجتماعية فى نطاق عملها، وذلك بهدف رفع مستوى أعضائها وغيرهم اقتصاديًّا واجتماعيًّا فى إطار الخطة العامة للدولة، كما قرر المشرع فى الباب السابع من القانون المشار إليه للجمعيات التعاونية الخاضعة لأحكامه العديد من الإعفاءات الضريبية والمزايا الأخرى التى أوردتها أحكام المادتين (57، 58) منه، وبذلك أحاط المشرع هذا الكيان التعاونى بكثير من الحماية بالنسبة لأمواله وخصه بالكثير من المزايا والإعفاءات الضريبية، سواء بالنسبة للجمعيات ذاتها أو أعضائها، وهذه المزايا والإعفاءات المقررة خدمة لأغراض الجمعيات ولصالح أعضائها الذين ينتمون إليها، والذين يحصلون على معداتهم ومهماتهم عن طريقها، وذلك كله لخدمة الإنتاج والعمل على زيادته، حتى يمكن تقليل الدعم الذى تتحمله الدولة نتيجة لفروق الأسعار، كما ورد بالأعمال التحضيرية لقانون تعاونيات الثروة المائية الصادر بالقانون رقم 123 لسنة 1983.
وحيث إن المشرع بعد أن نظم الجمعيات التعاونية للثروة المائية، وجعلها كيانًا مستقلاًّ، حرص تحقيقًا لمقتضيات التضامن الاجتماعى، على النص فى المادة (25) من قانون تعاونيات الثروة المائية المشار إليه قبل تعديله بالقانون رقم 158 لسنة 2002 على إنشـاء صندوق تأمين تعاونــى على مراكب الجمعيات وأعضائها، مبتغيًا - على نحو ما أبانت عنه الأعمـال التحضيرية لمشروع القانون - الحفاظ على أسطول الصيد ومعداته باعتبارهما يمثلان ثروة قومية، وباعتبار وجود هذا الصندوق ضرورة ملحة لتغطية كافة وحدات أسطول الصيد ومعداته. وإذ تعدل نص المادة (25) سالفة الذكر بموجب النص المطعون فيه ليجعل التأمين لدى هذا الصندوق إجباريًّا بالنسبة لمراكب الصيد الآلية والعاملين عليها، وذلك فى الحدود التى تبينها اللائحة الداخلية للصندوق، ومع عدم الإخلال بأية مزايا تقررها قوانين التأمين الاجتماعى، واعتبر وثيقة التأمين من المستندات اللازمة للترخيص لمراكب الصيد الآلية أو تجديد الترخيص، وكان رائده فى هذا التعديل - على نحو ما جاء بالأعمال التحضيرية للقانون-
أنه فى ظل التأمين الاختيارى أحجم أصحاب مراكب الصيد عن التأمين عليها لدى الصندوق إلا قليلاً، رغم تكرار حوادث غرق مراكب الصيد الآلية، وكان أسطول الصيد ومعداته يمثلان ثروة قومية لابد من الحفاظ عليها، وقد طالب كل من الاتحاد العام للتعاونيات، والهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية، أن يكون التأمين على مراكب الصيد الآلية لدى الصندوق إجباريًّا، فى الحدود التى يصدر بها قرار من وزير الزراعة، وأن تعتبر وثيقة التأمين لدى الصندوق إحدى المستندات اللازمة للترخيص لمراكب الصيد الآلية أو تجديد الترخيص، وذلك نظرًا لتكرار الحوادث التى تتعرض لها مراكب الصيد والتى يترتب عليها فقد المراكب، وإلحاق خسائر كبيرة بأصحابها، فى ظل ارتفاع تكلفة بناء هذه السفن فى السنوات الأخيرة.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان اختيار المشرع بالنص المطعون فيه للتأمين الإجبارى على مراكب الصيد الآلية المملوكة لأعضاء الجمعيات التعاونية للثروة المائية والعاملين عليها، يندرج ضمن خدمات التأمين الاجتماعى التى أوجبت المادة (17) من الدستور على الدولة كفالتها، كما يعد من بين وسائل الدولة للوفاء بالتزامها الدستورى المقرر بالمواد (27، 33، 35، 37) من الدستور فى كفالة الملكية الخاصة، وصيانتها، وتحقيق الحماية لها ضد المخاطر التى قد تتعرض لها، بما يمكنها من أداء دورها فى خدمة المجتمع والاقتصاد الوطنى، وبما يكفل أداءها لوظيفتها الاجتماعية فى هذا الشأن، وكذا رعاية التعاونيات بمختلف أشكالها وحمايتها ودعمها، والأعضاء المنتمين لها، كما يمثل هذا التنظيم أحد أوجه تحسين ظروف عمل الصيادين، التى سعى المشرع من خلالها إلى تقديم الدعم والحماية لهم، وتأمينهم ضد مخاطر العمل على مراكب الصيد الآلية، بما يحقق صالحهم ويمكنهم من مزاولة أعمالهم آمنين وأسرهم على حاضرهم ومستقبلهم، فوق كونه يعد أحد الوسائل التى اختارها المشرع وقدر مناسبتها للحفاظ على أسطول الصيد والعاملين عليه، والتى ترتبط بالهدف من تقريرها برابطة منطقية وعقلية، يكون معها ما تضمنه النص المطعون فيه من أحكام مستندًا لأسس موضوعية تبرره، ومن ثم فإن قالة مخالفته لمبدأى العدل والمساواة التى حرص الدستور على توكيدهما بالمواد (4، 8، 27، 53) منه فى غير محله، وغير قائم على أساس سليم، خاصة مع الوضع فى الاعتبار أن مراكـب النزهة ومراكب الركاب لا تخضع - بحسب الأصل - لأحكام قانون تعاونيات الثروة المائية المشار إليه، ولا تسرى عليها الأحكام المتعلقة بصندوق التأمين التعاونى على مراكب الصيد للجمعيات التعاونية للثروة المائية، ولا تسعى لتحقيق أهدافه التى أُنشئ من أجلها، ولا علاقة لهذا النوع من المراكب بالثروة السمكية،
كما لا يتصادم التنظيم الذى أتى به هذا النص مع نصوص المواد (12، 17، 33، 35، 37) من الدستور، ولا يخالف أحكامه من أى وجه آخر، الأمر الذى يتعين معه القضاء برفض الدعوى
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - فى أن المدعى كان قد أقام الدعوى رقم 8216 لسنة 57 قضائية. أمام محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية، ضد المدعى عليهم، بطلب الحكم بوقف تنفيذ، ثم إلغاء القرار الصادر من الهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية برفض استخراج وتجديد رخصة الصيد الخاصة به، وإحالة الطعن بعدم دستورية القانون رقم 158 لسنة 2002 بتعديل أحكام قانون تعاونيات الثروة المائية الصادر بالقانون رقم 123 لسنة 1983 - الذى استند إليه القـرار المطعون عليه - إلى المحكمة الدستورية العليا. على سند من القول بأنه شريك فى مركب صيد آلى مسجل لدى الإدارة المركزية للتفتيش البحري طبقًا للقانون، وعضو بالجمعية التعاونية لصائدي الأسماك التي تتبع إشرافيًّا الاتحاد التعاوني للثروة المائية، والهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية. وقد تقدم بطلب لاستخراج رخصة صيد من مكتب مصايد المعدية، إلا أنه فوجئ برفض المكتب تسليمه الرخصة إلا بعد سداد قسط التأمين التعاوني على مركب الصيد الآلي الخاص به إلى صندوق التأمين التعاوني على مراكب الصيد للجمعيات التعاونية للثروة المائية وأعضائها، إعمالاً لحكم المادة (25) من القانون رقــم 123 لسنة 1983 بعد تعديلهــا بالقانون رقـم 158 لسنة 2002، والذى جعل التأمين لدى الصندوق إجباريًّا، واعتبر وثيقة التأمين من المستندات اللازمة للترخيص، وذلك بالمخالفة لنص المادة (34) من الدستور الصادر سنة 1971، والمبادئ العامـة فى التأمين، فضلاً عن مخالفته للقانون، مما حدا به إلى إقامة دعواه المشار إليها، بالطلبات سالفة البيان. وأثناء نظر الدعوى وبجلسة 16/6/2005 دفع الحاضــر عن المدعى بعدم دستورية القانون رقم 158 لسنة 2002 المشار إليه، وإذ قدرت المحكمة جدية الدفع، وصرحت للمدعى برفع الدعوى الدستورية، أقام دعواه المعروضة.
وحيث إن المادة (25) من قانون تعاونيات الثروة المائية الصادر بالقانون رقم 123 لسنة 1983 بعد تعديلهـا بالقانون رقم 158 لسنة 2002 تنص على أن "ينشأ بقرار من رئيس الجمهورية صندوق تأمين تعاونى تكون مهمته التأمين على مراكب الجمعيات وأعضائها وغير ذلك من أنواع التأمين التى تتفق وأوجه نشاط الجمعية، ويخضع هذا الصندوق لإشراف الهيئة العامة للرقابة على التأمين.
ويكون التأمين لدى الصندوق إجباريًّا بالنسبة لمراكب الصيد الآلية والعاملين عليها، وذلك فى الحدود التى تبينها اللائحة الداخلية للصندوق، ومع عدم الإخلال بأى مزايا تقررها قوانين التأمين الاجتماعى، وتعتبر وثيقة التأمين من المستندات اللازمة للترخيص لمراكب الصيد الآلية أو تجديد الترخيص.
وتبين اللائحة الداخلية للصندوق طريقة تمويله، وأغراضه وشروط صرف وسداد قيمة التأمين، ويصدر الوزير المختص بقرار منه اللائحة الداخلية للصندوق فى خلال ثلاثة أشهر من تاريخ العمل بهذا القانون".
وحيث إنه عن الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى فيما يتعلق بما ينعاه المدعى على النص المطعون فيه من مخالفته لنصوص القانون المدنى، والقانون رقم 84 لسنة 1949 بشأن تسجيل السفن التجارية، وقانون صناديق التأمين الخاصة الصادر بالقانون رقم 54 لسنة 1975، وقانون فى شأن صيد الأسماء والأحياء المائية وتنظيم المزارع السمكية الصادر بالقانون رقم 124 لسنة 1983، والقانون رقم 232 لسنة 1989 بشأن سلامة السفن، وقانون التجارة البحرية الصادر بالقانون رقم 8 لسنة 1990. فهو دفع سديد، إذ إن قضــاء هذه المحكمة قد جرى على أن مناط اختصاصهــا بالفصل فى دستورية القوانين واللوائح هو مخالفـة النص التشريعى المطعــون فيه لنص فى الدستور، ولا تمتد رقابتها بالتالى إلى حالات التعارض بين القوانين واللوائح، ولا بين التشريعات ذات المرتبة الواحدة، إذ إنها لا تشكل مخالفة لأحكام الدستور مما تختص المحكمة الدستورية العليا بنظرها.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة - وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها أن يتحقق ارتباط بينها وبين المصلحة التى تقوم عليها الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم الصادر فى المسائل الدستورية لازمًا للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع. متى كان ذلك، وكان المدعى عضوًا بالجمعية التعاونية لصائدى الأسماك، وأقام النزاع الموضوعى بطلب القضاء بوقف تنفيذ ثم إلغاء القرار الصادر من الهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية برفض استخراج وتجديــد رخصة الصيد الخاصـة بمركب الصيد الآلى التى يشارك فى ملكيتها، إلا بعد سداد قسط التأمين الإجبارى لدى صندوق التأمين التعاونى، وكان النص المطعون فيه - فيما نص عليه من جعل التأمين لدى الصندوق إجباريًّا بالنسبة لمراكب الصيد الآلى، واعتبار وثيقة التأمين من المستندات اللازمة لترخيص مركب الصيد الآلى أو تجديد الترخيص- يحول دون تحقيق مبتغى المدعى، فإن المصلحة الشخصية المباشرة فى الدعوى تكون متحققة فى الطعن على هذا النص، ويتحدد نطاقهــا فيما أوردته الفقــرة الثانية من هذه المادة من أنه "ويكون التأمين لدى الصندوق إجباريًّا بالنسبة لمراكب الصيد الآلية والعاملين عليها ..... وتعتبر وثيقة التأمين من المستندات اللازمة للترخيص لمراكب الصيد الآلية أو تجديد الترخيص...." وذلك فى مجال انطباقها على مراكب الصيد الآلية المملوكة لأعضاء الجمعيات التعاونية للثروة المائية والعاملين عليها، دون سائر ما أوردته هذه المادة من أحكام.
وحيث إن المدعى ينعى على النص المطعون فيه - وفقًا للنطاق المحدد سلفًا - مخالفة أحكام المواد (13، 17، 23، 28، 31، 34، 40) من دستور 1971 والتى تقابل أحكام المواد (12، 17، 27، 35، 37، 53) من الدستور الحالى الصادر سنة 2014، على سند من أن هذا النص قد ربط بين التأمين جبرًا وسداد أقساطه وبين العمل بمراكب الصيد الآلية، بما يشكل جبرًا على عدم العمل، كما أنه يشكل مخالفة لروح التعاون والتطوير الذى يقوم عليه البنيان التعاونى، ومخالفة لالتزام الدولة بكفالة خدمة التأمين الاجتماعى تجاه أصحاب المراكب الآلية، كما أنه خالف الحماية الدستورية المقـررة لحق الملكية الخاصة، وحجب عن هذه الملكية مكنتى الاستعمال والاستغلال دون مقتض، فضلاً عن انتهاك مبدأ المساواة بأن فرض هذا التأمين الإجبارى وسداد أقساطه بالنسبة لمراكب الصيد الآلية دون غيرها من مراكب النزهة والركاب.
وحيث إن الرقابة على دستورية القوانين من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التى نظمها الدستور، إنما تخضـع لأحكام الدستور القائم دون غيره، إذ إن هذه الرقابة إنما تستهدف أصلاً - على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - صون الدستور القائــم، وحمايته من الخروج على أحكامــه، ذلك أن نصوص هذا الدستور تمثل دائمًا القواعد والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التى يتعين التزامها ومراعاتهـا وإهدار ما يخالفها من التشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة. ومن ثم فإن هذه المحكمة تباشر رقابتهـا على النص المطعــون عليه - الذى مازال قائمًا ومعمولاً بأحكامـه - من خلال أحكام الدستور الحالى الصادر سنة 2014 باعتباره الوثيقة الدستورية السارية.
وحيث إن الدساتير المصريـة على تعاقبها قد حرصـت على النص على التضامن الاجتماعــى باعتباره ركيزة أساسية لبناء المجتمع، وواحدًا من الضمانات الجوهريــة التى ينبغى أن ينعــم بها أفراده، وهو ما أكدت عليه المادة (8) من الدستور القائم، التى ألزمت الدولة بتوفير سبل التضامن والتكافل الاجتماعى، بما يضمن الحياة الكريمة لجميع المواطنين، على النحو الذى ينظمه القانون. وفى سبيل تحقيق ذلك، ألزمت المادة (17) من الدستور الدولة بكفالة توفير خدمـات التأمين الاجتماعـى، وحق كل مواطن فى الضمان الاجتماعى، إذا لم يكن متمتعًا بنظام التأمين الاجتماعى، بما يضمن له ولأسرته الحياة الكريمة، وتأمينه ضد مخاطر حالات العجـز عن العمل والشيخوخة والبطالة، باعتبار أن مظلة التأمين الاجتماعى التى يحدد المشرع نطاقها - وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - هى التى تكفل بمداها واقعًا أفضل يؤمن المواطن فى غده وينهض بموجبــات التضامن الاجتماعى التى يقوم عليها المجتمع، بما مؤداه أن المزايا التأمينية هى - فى حقيقتها - ضرورة اجتماعية بقدر ما هى ضرورة اقتصادية، وأن غايتها أن تؤمن المشمولين بها فى مستقبل أيامهـم عند تقاعدهم أو عجزهم أو مرضهـم، وأن تكفل الحقوق المتفرعة عنها لأسرهم بعد وفاتهم، وهى معان استلهمها الدستور القائم بربطه الرفاهية والنمو الاقتصادى بالعدالة الاجتماعية حين أكد فى المادة (27) منه أن النظام الاقتصادى يهدف إلى تحقيق الرخاء فى البلاد من خلال التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية، بما يكفل رفع معدل النمو الحقيقى للاقتصاد القومى، ورفع مستوى المعيشة وزيادة فرص العمل وتقليل معدلات البطالة، والقضاء على الفقر.
وحيث إن الدستور وإن جعل بمقتضى نص المادة (17) منه توفير خدمات التأمين والضمان الاجتماعى التزامًا دستوريًّا على عاتق الدولة، ليكون الوفاء به بحسب الأصل من خلالها، بيد أن التزامها فى هذا الشأن بأن تكفل لمواطنيها ظروفًا أفضل فى مجال التأمين والضمان الاجتماعى، لا يعنى أن تنفرد وحدها بصون متطلباتها، ولا أن تتحمل دون غيرها بأعبائها، وإلا كان ذلك تقويضًا لركائز التضامن الاجتماعى التى يقوم عليها المجتمع.
وحيث إن من المقـرر فى قضاء المحكمة الدستورية العليا أن الدستور وإن قرن العدل بكثير من النصوص التى تضمنها، فنصت عليه المواد (4، 8، 27، 38، 177) منه، وخلا فى الوقت ذاته من كل تحديد لمعناه، إلا أن مفهوم العدل - سواء بمبناه أو أبعاده - يتعين أن يكون محددًا من منظور اجتماعى باعتبار أن العـدل يتغيا التعبير عن تلك القيــم الاجتماعية التى لا تنفصل عن الجماعة فى حركتها، والتى تتبلور مقاييسهـا فى شأن ما يعتبر حقًّا لديها، فلا يكون العدل مفهومًا مطلقًا باطراد بل مرنًا متغيرًا وفقًا لمعايير الضمير الاجتماعى ومستوياتها، وهو بذلك لا يعـدو أن يكون نهجًا متواصلاً منبسطًا على أشكال من الحياة تتعدد ألوانها وازنًا بالقسط تلك الأعباء التى يفرضها المشرع على المواطنين، فلا تكون وطأتها على بعضهم عدوانًا، بل تطبيقها بينهم إنصافًا، وإلا كان القانون منهيًا للتوافق فى مجال تنفيذه وغدا إلغاؤه لازمًا.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن الدستور حرص على صون الملكية الخاصة، وكفل عدم المساس بها إلا على سبيل الاستثناء، وفى الحدود وبالقيود التى أوردها باعتبارها مترتبة - فى الأصل - على الجهد الخاص الذى بذله الفرد بكده وعرقه، وبوصفها حافزًا إلى الانطلاق والتقدم، إذ يختص دون غيره بالأموال التى يرد عليها حق الملكية، والتى تعد كذلك من مصادر الثروة التى لا يجوز التفريط فيها، أو استخدامها على وجه يعوق التنمية، أو يعطل مصالح الجماعة، وكانت الملكية فى إطار النظم الوضعية
التى تزاوج بين الفردية وتدخل الدولة، لم تعد حقًّا مطلقًا ولا هى عصية على التنظيم التشريعى، وإنما يجوز تحميلها بالقيود التى تقتضيها وظيفتها الاجتماعية، وهى وظيفة يتحدد نطاقها ومرماها على ضوء طبيعة الأموال محل الملكية أو الأغراض التى ينبغى توجيهها إليها، وبمراعاة الموازنة التى يجريها المشرع من خلال ما يراه من المصالح أولى بالرعاية وأجدر بالحماية على ضوء أحكام الدستور، وفى ضوء ما تقدم يتعين أن ينظم القانون أداء هذه الوظيفة مهتديًا - بوجه خاص - بالقيم التى تنحاز إليها الجماعة فى مرحلة معينة من مراحل تطورها، وبمراعاة أن القيود التى تفرضها الوظيفة الاجتماعية على حق الملكية للحد من إطلاقها لا تعتبر مقصودة لذاتها، بل غايتها ضمير الفرد والجماعة.
وحيث إن من المقرر فى قضاء المحكمة الدستورية العليا كذلك أن الإخلال بالمساواة أمام القانون التى حرص الدستور الحالى على توكيدها فى المادتين (4، 53) منه، يتحقق بأى عمل يهدر الحماية القانونية المتكافئة تتخذه الدولة سواء من خلال سلطتها التشريعية أو عن طريق سلطتها التنفيذية، بما مؤداه أن أيًّا من هاتين السلطتين لا يجوز أن تفرض تغايرًا فى المعاملة ما لم يكن مبررًا بفروق منطقية يمكن ربطها عقلاً بالأغراض التى يتوخاها العمل التشريعى الصادر عنها، وليس بصحيح أن كل تقسيم تشريعى يعتبر تصنيفًا منافيًا لمبدأ المساواة، بل يتعين دومًا أن ينظر إلى النصوص القانونية باعتبارها وسائل حددها المشرع لتحقيق أغراض يبتغيها، فلا يستقيم إعمال مبدأ المساواة أمام القانون إلا على ضوء مشروعيتها، واتصال هذه الوسائل منطقيًّا بها، ولا يتصور بالتالى أن يكون تقييم التقسيم التشريعى منفصلاً عن الأغراض التى تغياها المشرع، وبوجود حد أدنى من التوافق بينها وبين طرائق تحقيقها، ويستحيل بالتالى أن يكون التقدير الموضوعى لمعقولية التقسيم التشريعى منفصلاً كليًّا عن الأغراض النهائية للتشريع.
وحيث إن الدساتير المصرية المتعاقبة قد حرصت على كفالة الملكية التعاونية باعتبارها إحدى صور الملكية الثلاث التى نصت عليها، وقد عرفتها المادة (13) من دستور سنة 1964 بأنها ملكية كل المشتركين فى الجمعية التعاونية، وحددت المادة (31) من دستور سنة 1971 مدلولها بأنها ملكية الجمعيات التعاونية، لتبقى الملكية التعاونية فى ظل الدستور الحالى، الذى سكت عن تعريفها، محددة فى ملكية التعاونيات بمختلف أشكالها، وهى بهذا المفهوم تتمايز عن كلا نوعى الملكية الأخـرى، وهما الملكية العامــة والملكية الخاصة، من حيث طبيعة عناصر كل منها، سواء شخص المالك، أو أهدافه المبتغاة، أو وسائل تسيير نشاطه، هذا وقد أوجب الدستور فى المادتين (33، 37) منه على الدولة حماية الملكية التعاونية وصونها، وتقديم الرعاية والدعم والحماية للتعاونيات وضمان استقلالها، ويشمل ذلك بحكم اللزوم الأعضاء المنتمين إليها بصفتهم هذه، كما ألزمت المواد (17، 30، 32، 45) من الدستور الدولة بحماية الثروة السمكية باعتبارها أحد الموارد الطبيعية المملوكة للشعب، وتنظيم استغلالها بما يكفل الحفاظ عليها، ويحقق الرخاء للبلاد، وكذا حماية ودعم الصيادين وتمكينهم من مزاولة أعمالهم، وتوفير معاش مناسب لهم عند تقاعدهم، وأضحى ضمان كل ذلك التزامًا دستوريًّا على عاتق الدولة لا تستطيع منه فكاكًا.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان المشرع بقانون تعاونيات الثروة المائية الصادر بالقانون رقم 123 لسنة 1983 - بعد تعديله بالقانون رقم 158 لسنة 2002 قد ضمن المواد (1، 3، 15) منه تنظيمًا للجمعيات التعاونية للثروة المائية فجعلها وحدات اقتصادية اجتماعية تهدف إلى تطوير وتنمية الثروة المائية فى مجالاتها المختلفة وتقديم الخدمات المختلفة لأعضائها، وتسهم فى التنمية الاجتماعية فى نطاق عملها، وذلك بهدف رفع مستوى أعضائها وغيرهم اقتصاديًّا واجتماعيًّا فى إطار الخطة العامة للدولة، كما قرر المشرع فى الباب السابع من القانون المشار إليه للجمعيات التعاونية الخاضعة لأحكامه العديد من الإعفاءات الضريبية والمزايا الأخرى التى أوردتها أحكام المادتين (57، 58) منه، وبذلك أحاط المشرع هذا الكيان التعاونى بكثير من الحماية بالنسبة لأمواله وخصه بالكثير من المزايا والإعفاءات الضريبية، سواء بالنسبة للجمعيات ذاتها أو أعضائها، وهذه المزايا والإعفاءات المقررة خدمة لأغراض الجمعيات ولصالح أعضائها الذين ينتمون إليها، والذين يحصلون على معداتهم ومهماتهم عن طريقها، وذلك كله لخدمة الإنتاج والعمل على زيادته، حتى يمكن تقليل الدعم الذى تتحمله الدولة نتيجة لفروق الأسعار، كما ورد بالأعمال التحضيرية لقانون تعاونيات الثروة المائية الصادر بالقانون رقم 123 لسنة 1983.
وحيث إن المشرع بعد أن نظم الجمعيات التعاونية للثروة المائية، وجعلها كيانًا مستقلاًّ، حرص تحقيقًا لمقتضيات التضامن الاجتماعى، على النص فى المادة (25) من قانون تعاونيات الثروة المائية المشار إليه قبل تعديله بالقانون رقم 158 لسنة 2002 على إنشـاء صندوق تأمين تعاونــى على مراكب الجمعيات وأعضائها، مبتغيًا - على نحو ما أبانت عنه الأعمـال التحضيرية لمشروع القانون - الحفاظ على أسطول الصيد ومعداته باعتبارهما يمثلان ثروة قومية، وباعتبار وجود هذا الصندوق ضرورة ملحة لتغطية كافة وحدات أسطول الصيد ومعداته. وإذ تعدل نص المادة (25) سالفة الذكر بموجب النص المطعون فيه ليجعل التأمين لدى هذا الصندوق إجباريًّا بالنسبة لمراكب الصيد الآلية والعاملين عليها، وذلك فى الحدود التى تبينها اللائحة الداخلية للصندوق، ومع عدم الإخلال بأية مزايا تقررها قوانين التأمين الاجتماعى، واعتبر وثيقة التأمين من المستندات اللازمة للترخيص لمراكب الصيد الآلية أو تجديد الترخيص، وكان رائده فى هذا التعديل - على نحو ما جاء بالأعمال التحضيرية للقانون-
أنه فى ظل التأمين الاختيارى أحجم أصحاب مراكب الصيد عن التأمين عليها لدى الصندوق إلا قليلاً، رغم تكرار حوادث غرق مراكب الصيد الآلية، وكان أسطول الصيد ومعداته يمثلان ثروة قومية لابد من الحفاظ عليها، وقد طالب كل من الاتحاد العام للتعاونيات، والهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية، أن يكون التأمين على مراكب الصيد الآلية لدى الصندوق إجباريًّا، فى الحدود التى يصدر بها قرار من وزير الزراعة، وأن تعتبر وثيقة التأمين لدى الصندوق إحدى المستندات اللازمة للترخيص لمراكب الصيد الآلية أو تجديد الترخيص، وذلك نظرًا لتكرار الحوادث التى تتعرض لها مراكب الصيد والتى يترتب عليها فقد المراكب، وإلحاق خسائر كبيرة بأصحابها، فى ظل ارتفاع تكلفة بناء هذه السفن فى السنوات الأخيرة.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان اختيار المشرع بالنص المطعون فيه للتأمين الإجبارى على مراكب الصيد الآلية المملوكة لأعضاء الجمعيات التعاونية للثروة المائية والعاملين عليها، يندرج ضمن خدمات التأمين الاجتماعى التى أوجبت المادة (17) من الدستور على الدولة كفالتها، كما يعد من بين وسائل الدولة للوفاء بالتزامها الدستورى المقرر بالمواد (27، 33، 35، 37) من الدستور فى كفالة الملكية الخاصة، وصيانتها، وتحقيق الحماية لها ضد المخاطر التى قد تتعرض لها، بما يمكنها من أداء دورها فى خدمة المجتمع والاقتصاد الوطنى، وبما يكفل أداءها لوظيفتها الاجتماعية فى هذا الشأن، وكذا رعاية التعاونيات بمختلف أشكالها وحمايتها ودعمها، والأعضاء المنتمين لها، كما يمثل هذا التنظيم أحد أوجه تحسين ظروف عمل الصيادين، التى سعى المشرع من خلالها إلى تقديم الدعم والحماية لهم، وتأمينهم ضد مخاطر العمل على مراكب الصيد الآلية، بما يحقق صالحهم ويمكنهم من مزاولة أعمالهم آمنين وأسرهم على حاضرهم ومستقبلهم، فوق كونه يعد أحد الوسائل التى اختارها المشرع وقدر مناسبتها للحفاظ على أسطول الصيد والعاملين عليه، والتى ترتبط بالهدف من تقريرها برابطة منطقية وعقلية، يكون معها ما تضمنه النص المطعون فيه من أحكام مستندًا لأسس موضوعية تبرره، ومن ثم فإن قالة مخالفته لمبدأى العدل والمساواة التى حرص الدستور على توكيدهما بالمواد (4، 8، 27، 53) منه فى غير محله، وغير قائم على أساس سليم، خاصة مع الوضع فى الاعتبار أن مراكـب النزهة ومراكب الركاب لا تخضع - بحسب الأصل - لأحكام قانون تعاونيات الثروة المائية المشار إليه، ولا تسرى عليها الأحكام المتعلقة بصندوق التأمين التعاونى على مراكب الصيد للجمعيات التعاونية للثروة المائية، ولا تسعى لتحقيق أهدافه التى أُنشئ من أجلها، ولا علاقة لهذا النوع من المراكب بالثروة السمكية،
كما لا يتصادم التنظيم الذى أتى به هذا النص مع نصوص المواد (12، 17، 33، 35، 37) من الدستور، ولا يخالف أحكامه من أى وجه آخر، الأمر الذى يتعين معه القضاء برفض الدعوى
فلهذه
الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى، ومصادرة الكفالة، وألزمت المدعى المصروفات، ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق