الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 1 أغسطس 2017

عدم دستورية ضريبة الأيلولة (رسم أيلولة على التركات)

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت 5 ديسمبر سنة 1998 الموافق 16 شعبان سنة 1419 هـ .
برئاسة السيد المستشار / محمد ولى الدين جلال                          رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين : فاروق عبد الرحيم غنيم وحمدى محمد على وعبد الرحمن نصير والدكتور عبد المجيد فياض وماهر البحيرى ومحمد عبد القادر عبد الله
وحضور السيد المستشار/ عبد الوهاب عبد الرازق                    رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / حمدى أنور صابر                                  أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 28 لسنة 15 قضائية "دستورية " بعد أن أحالت محكمة جنوب القاهرة الابتدائية - الدائرة 22 ضرائب - ملف الدعوى رقم 4345 لسنة 66 ضرائب كلى جنوب القاهرة
المقامة من
السيد / وزير المالية
ضد
السيد / يوسف طرخان
" الإجراءات "
بتاريخ 4 أغسطس سنة 1993، ورد إلى قلم كتاب المحكمة ملف الطعن رقم 4345 لسنة 66 ضرائب كلى جنوب القاهرة ، بعد أن قضت محكمة جنوب القاهرة الإبتدائية "الدائرة 22 ضرائب" بجلسة 30 يونيه 1993 بوقف الطعن لحين الفصل فى دستورية الفقرة الثانية من المادة (17) من القانون رقم 228 لسنة 1989.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى .
وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
      " المحكمة "
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة .
حيث أن الوقائع - على ما يبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق - تتحصل فى أن السيدة / رونق هانم أركو على التركية الجنسية ، كانت قد توفيت دون وارث لها، عدا ابنها بالتبنى السيد/ يوسف طرخان، وذلك وفقاً لقضاء المحكمة الأهلية للحقوق بحكمها رقم 1801 لسنة 45 المصادق عليه من القنصلية المصرية فى اسطنبول فى 15من فبراير سنة 1962. وقد اشتملت تركتها على أطيان زراعية مساحتها فدانان وأربعة قراريط وسبعة عشر سهماً كائنة بمصر، وإذ قدرت مأمورية الضرائب المختصة صافى تركتها بمبلغ 482ر1852 جنيهاً. فقد طعن ابنها بالتبنى على هذا القرار، إلا أن لجنة الطعن قررت فى 27 من فبراير سنة 1966 اعتماد التقدير الخاص بأصول التركة ، واعتبار الطاعن ابناً بالتبنى لمورثته. ولم يرتض وزير المالية ذلك، فطعن على قرار لجنة الطعن من خلال دعواه رقم 4345 لسنة 1966 ضرائب كلى جنوب القاهرة ، ناعياً على قرارها اعتباره الابن بالتبنى فرعاً للمتوفاة ، حال أن بنوته لها غير حقيقية ، وكان يتعين بالتالى أن يأتى متأخراً بعد الفروع والأصول والأزواج، وأن يزاد الرسم على ما يؤول إليه من تركتها إلى أربعة أمثال باعتباره مشمولاً بعبارة "ومن عداهم من الورثة " المنصوص عليها فى الفقرة الأخيرة من المادة الأولى من القانون رقم 142 لسنة 1944 بفرض رسم أيلولة على التركات.
وإذ صدر قبل الفصل فى النزاع الموضوعى قانون جديد هو قانون ضريبة الأيلولة الصادر بالقانون رقم 228 لسنة 1989، متوخياً إعادة تنظيم أوضاعها، وكانت الفقرة الثانية من المادة الثالثة من مواد إصداره، تقضى بأنه فيما عدا الحالات التى تم فيها ربط رسم الأيلولة المفروض بالقانون رقم 142 لسنة 1944 بصفة نهائية ، تحدد قيمة عناصر التركة والضريبة المستحقة على كل وارث أو مستحق فيها وفقاً لأحكام هذا القانون؛ وكان ما نصت عليه الفقرة الثانية من مادته السابعة عشرة من أن الابن بالتبنى يعتبر فرعاً للمورث، إذا كان قانون الأحوال الشخصية للمورث الأجنبى يجيز التبنى ، قد دل على أن الشرائح الضريبية الخاصة بالفروع، هى ذاتها التى تنطبق بالنسبة إليه، ومن ثم فقد أحالت محكمة الموضوع أوراق الدعوى الموضوعية المطروحة عليها إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى دستورية تلك الفقرة عملاً بالبند (أ) من المادة (29) من قانونها، وذلك بعد أن تراءى لها أن تلك الفقرة تناهض قوله تعالى "وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدى السبيل. ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم فى الدين ومواليكم"، وأن الابن بالتبنى لا يجوز أن يلحق بالإبن نسباً، ولا أن يعامل وفقاً للشرائح الضريبية التى اختص بها المشرع الفروع والأصول والأزواج والمنصوص عليها بالفقرة الأولى من المادة (17) من قانون هذه الضريبة .
وحيث إنه ولئن كان القانون رقم 227 لسنة 1996 بإلغاء ضريبة الأيلولة ، قد صدر أثناء نظر الدعوى الدستورية الراهنة ، ونص فى مادته الثانية على أن يتجاوز فى جميع الأحوال عما لم يسدد من رسم الأيلولة الذى كان مفروضاً بالقانون رقم 142 لسنة 1944 ومن ضريبة الأيلولة المفروضة بالقانون رقم 228 لسنة 1989، وكان من المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن إلغاء المشرع لقاعدة قانونية بذاتها، لا يحول دون الطعن عليها من قبل من طبقت عليه خلال فترة نفاذها، وترتبت بمقتضاها آثار قانونية بالنسبة إليه تتحقق بإبطالها مصلحته الشخصية المباشرة ، ذلك أن الأصل فى تطبيق القاعدة القانونية ، هو سريانها على الوقائع التى تتم خلال الفترة من تاريخ العمل بها وحتى إلغائها، فإذا استعيض عنها بقاعدة قانونية جديدة ، سرت القاعدة الجديدة من الوقت المحدد لنفاذها، ويقف سريان القاعدة القديمة من تاريخ إلغائها، وبذلك يتحدد النطاق الزمنى لسريان كل من القاعدتين، فما نشأ من المراكز القانونية فى ظل القاعدة القانونية القديمة ، وجرت آثارها خلال فترة نفاذها، يظل محكوماً بها وحدها. إذ كان ذلك وكان القانون رقم 227 لسنة 1996 المشار إليه، قد نص على التجاوز عما لم يسدد من ضريبة الأيلولة المفروضة بالقانون رقم 228 لسنة 1989 على ما سلف بيانه، وكان مؤدى هذا التجاوز هو النزول عن اقتضاء الضريبة ، وهو ما يعنى قيام الحق فيها ابتداء؛ فإن بحث دستورية الفقرة الثانية من المادة (17) من القانون رقم 228 لسنة 1989 -رغم إلغائه- يكون لازماً.
وحيث أن الفصل فيما إذا كان الأبناء بالتبنى يعتبرون شرعاً فروعاً لمورثهم - فى تطبيق قانون تلك الضريبة - وخاضعين بالتالى للقواعد ذاتها التى يجوز إعمالها ضريبياً فى شأن هؤلاء الفروع، يفترض ابتداءً -وعقلاً - أن يكون سريان قانون الضريبة المطعون عليها فى شأن المخاطبين بها -والمتبنين من بينهم- جائزاً دستورياً، فإذا كان بنيان هذه الضريبة لا يقيمها على سند من الدستور، بل يزيل أصل الحق فيها، فإن ما تفرع عنها أو اتصل بها من القواعد القانونية ، يسقط تبعاً لإنهدام وجودها.
وحيث أن المادة الأولى من قانون ضريبة الأيلولة الصادر بالقانون رقم 228 لسنة 1989، تنص على أن تفرض ضريبة على صافى ما يؤول من أموال إلى كل وارث أو مستحق فى تركة من يتوفى اعتباراً من تاريخ العمل بهذا القانون، وتستحق هذه الضريبة من تاريخ الوفاة .
وعملاً بمادته الثانية ، تشمل الضريبة :
أولاً:- جميع الأموال العقارية والمنقولة الموجودة فى مصر وخارجها إذا كان المورث مصرياً سواء أكان مقيماً بمصر أم بالخارج.
ثانياً: جميع الأموال العقارية الموجودة فى مصر إذا كان المورث أجنبياً أياً كان محل توطنه.
ثالثاً:- جميع الأموال المنقولة الموجودة فى مصر إذا كان المورث أجنبياً متوطناً فيها.
وحيث أن المشرع قد دل بذلك على أن محل الضريبة أو وعاءها، ينصب على الأموال العقارية والمنقولة أياً كان موقعها، إذا كان من تركها مصرياً ولو كان مقيماً فى الخارج. فإن كان أجنبياً، دخلت أمواله العقارية الموجودة فى مصر فى وعاء الضريبة أياً كان المكان الذى يقيم فيه عادة . ولا تشمل الضريبة أمواله المنقولة الموجودة فى مصر إلا إذا كان متوطناً فيها.
وحيث أن التطور التاريخى لكل من ضريبة التركات وضريبة الأيلولة ، يدل على أن أولاًهما فرضها المشرع بالمرسوم بقانون رقم 159 لسنة 1952 على التركة فى مجموع عناصرها، وقبل تجزئتها وتوزيعها على الورثة . ومن ثم كان وعاؤها منصرفاً إلى صافى قيمتها كوحدة متكاملة ، وذلك على خلاف ثانيتهما التى قرر المشرع سريانها فى شأن صافى نصيب كل وارث أو مستحق فى الأموال التى خلفها المتوفى بعد قسمتها؛ وقد كان فرضهما منتقداً سيّما وأن ضرائب التركات لم تكن من بين النظم المالية والضريبية التى طبقها العرب فى مصر بعد الفتح الإسلامى . بل أن مجلس الشورى فى مناقشاته لهذا الموضوع إبان دور انعقاده العادى التاسع - وعلى ما هو ثابت بمضابط الجلسات خلال الفترة من 3 إلى 5/12/1988 - ذهب أغلب المتحدثين فيه إلى مهاجمة مبدأ فرض كل من هاتين الضريبتين لتأثيرهما السلبى على التنمية ، إذ ليس من مقاصد الضريبة أن تكون طاردة للاستثمار، بل يتعين أن تكون جاذبة لقواه، فضلاً عما يصاحب فرضهما من عيوب عملية تدفع بالممولين فى نزاع متصل مع جهة الإدارة يمتد سنين عددا، ولا تفرج خلالها عن تركتهم، بل تمسكها إضراراً بهم، فلا يتعففون، بل يتكففون، وليس التذرع بالمصالح المرسلة أو بالتكافل الاجتماعى للدفاع عنها، إلا باطل ألبس ثوب الحق. فالله سبحانه أعلم أين تكون المصلحة ، والمواريث من حدوده التى لايجوز لمؤمن أن يقربها "تلك حدود الله فلا تقربوها". بل أن أمن كل مواطن، يقتضى ألا يؤول جهده وما له إلى من لم يُرده أو من يحدده الشرع، والقول بأن الدولة يجب أن تبسط يدها إلى هؤلاء الذين أفلتوا بثرواتهم من قبضتها، لا يستقيم، ولا يتصور أن يفرض المشرع ضريبة جديدة كجزاء على تهرب البعض من ضرائب سبق فرضها.
وحيث أن أحكام الشريعة الإسلامية هى التى تعين الورثة وتحدد أنصباءهم، وتبين قواعد انتقال ملكيتها إليهم، وكانت هذه الأحكام جميعها قطعية الثبوت والدلالة ، فلا يجوز تحويرها أو الاتفاق على خلافها، بل يعتبر مضمونها سارياً فى شأن المصريين جميعاً، ولو كانوا غير مسلمين، بل ولو اتفقوا جميعاً على تطبيق قانون ملتهم. وكان ما تقدم مؤداه: أن الشريعة الإسلامية تعتبر مرجعاً نهائياً فى كل ما يتصل بقواعد التوريث، ومن بينها ما إذا كان الشخص يعتبر وارثاً أم غير وارث، ونطاق الحقوق المالية التى يجوز توزيعها بين الورثة ، ونصيب كل منهم فيها، إذ يقوم الورثة مقام مورثهم فى هذه الحقوق، ويحلون محله فى مجموعها، وبمراعاة أن توزيعها شرعاً لا يجعلها لواحد من بينهم يستأثر بها دون سواه، ولا يخول مورثهم سلطة عليها فيما يجاوز ثلثها ليوفر بثلثيها حماية للأقربين، وليكون مال الأسرة بين آحادها بما يوثق العلائق بينهم و لا يوهنها. وتلك حدود الله تعالى التى حتم التقيد بها، فلا يتعداها أحد بمجاوزتها. وفى ذلك يقول تعالى حملاً على إعمال قواعد المواريث وفقاً لمضمونها "يبين الله لكم أن تضلوا، والله بكل شئ عليم".
وحيث أن قضاء المحكمة الدستورية العليا مطرد على أن ما نص عليه الدستور فى مادته الثانية -بعد تعديلها فى سنة 1980- من أن مبادئ الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع، إنما يتمحض عن قيد يجب على كل من السلطتين التشريعية والتنفيذية أن تتحراه وتنزل عليه فى تشريعاتها الصادرة بعد هذا التعديل - ومن بينها قانون ضريبة الأيلولة الصادر بالقانون رقم 228 لسنة 1989 المطعون على بعض أحكامها - فلا يجوز لنص تشريعى ، أن يناقض الأحكام الشرعية القطعية فى ثبوتها ودلالتها، باعتبار أن هذه الأحكام وحدها هى التى يكون الاجتهاد فيها ممتنعاً، لأنها تمثل من الشريعة الإسلامية مبادؤها الكلية ، وأصولها الثابتة التى لا تحتمل تأويلاً أو تبديلاً. ومن غير المتصور بالتالى أن يتغير مفهومها تبعاً لتغير الزمان والمكان، إذ هى عصية على التعديل، ولا يجوز الخروج عليها، أو الالتواء بها عن معناها. وتنصب ولاية المحكمة الدستورية العليا فى شأنها، على مراقبة التقيد بها، وتغليبها على كل قاعدة قانونية تعارضها. ذلك أن المادة الثانية من الدستور، تقدم على هذه القواعد، أحكام الشريعة الإسلامية فى أصولها ومبادئها الكلية ، إذ هى إطارها العام، وركائزها الأصيلة التى تفرض متطلباتها دوماً بما يحول دون إقرار أية قاعدة قانونية على خلافها؛ وإلا اعتبر ذلك تشهياً وإنكاراً لما علم من الدين بالضرورة . ولا كذلك الأحكام الظنية غير المقطوع بثبوتها أو بدلالتها أو بهما معاً، ذلك أن دائرة الاجتهاد تنحصر فيها، ولا تمتد لسواها، وهى بطبيعتها متطورة تتغير بتغير الزمان والمكان، لضمان مرونتها وحيويتها، ولمواجهة النوازل على اختلافها، تنظيماً لشئون العباد بما يكفل مصالحهم المعتبرة شرعاً، ولا يعطل بالتالى حركتهم فى الحياة ، على أن يكون الاجتهاد دوماً واقعاً فى إطار الأصول الكلية للشريعة بما لا يجاوزها؛ ملتزماً ضوابطها الثابتة ، متحرياً مناهج الاستدلال على الأحكام العملية ، والقواعد الضابطة لفروعها، كافلاً صون المقاصد العامة للشريعة بما تقوم عليه من حفاظ على الدين والنفس والعقل والعرض والمال.
وحيث أن البين من النصوص التى نظم بها المشرع ضريبة الأيلولة ، أنها تربط بين استحقاقها وواقعة الوفاة ذاتها، وما يتصل بها من اغتناء ينجم عن تلك الحقوق المالية التى تركها المتوفى ، لتؤول لورثته وفقاً لقواعد آمرة بينها الله تعالى محدداً لكل منهم نصيباً مفروضاً يصلهم بالمتوفى باعتبارهم أحق من غيرهم بالأموال التى خلفها، وبما لاظلم فيه لأحد من بينهم، تقديراً بأن أنصبتهم هذه - التى فصلها القرآن الكريم - هى التى اقتضاها عدل الله ورحمته بين عباده. ليظل مقدارها ثابتاً باعتبارها من حدوده التى لا يجوز لأحد أن يقربها، وإلا كان باغياً، فلا تتغير ضوابطها بتغير الزمان والمكان، ولا بما يطرأ على الناس من أوضاع جديدة تمليها عاداتهم أو أعرافهم، بل يكون أمرها عصيا على التعديل.
وحيث أن تقرير قواعد جامدة تتحدد على ضوئها حقوق الورثة الشرعية دون زيادة فيها أو نقصان، يعنى أن تخلص لذويها فلا ينازعهم غيرهم فيها أو يزاحمهم أحد فى طلبها، وإلا كان وارثاً إضافياً على غير مقتضى الشرع، فيما عدا ما يخرج من التركة -سابقاً على توزيعها- من حقوق شرعية تتمثل فيما يكون لازماً لتجهيز وتكفين ونقل ودفن المورث أو سداد ما عليه من ديون أو تنفيذاً لوصاياه فى الحدود التى تجوز فيها الوصية .
وحيث أن الله عز وجل ما شرع حكماً إلا لتحقيق مصالح العباد، وما أهمل مصلحة اقتضتها أحوالهم دون أن يورد فى شأنها حكماً يكفلها؛ وكان ما عداها من المصالح التى تناقضها، ليس إلا مصلحة متوهمة لا اعتبار لها، أدخل إلى أن تكون تشهيا أو إنحرافاً، فلا يجوز تحكيمها؛ وكان أمراً مقضياً، أن ما يعتبر مفروضاً شرعاً، يكون مأموراً به وجوباً، ومطلوبا بالتالى طلباً لازماً لا ترخص فيه.
وحيث أن وعاء ضريبة الأيلولة محل النزاع الماثل، لا يتعلق أصلاً إلا بما يؤول لكل وارث من صافى الحقوق المالية التى خلفها مورثهم بعد توزيعها عليهم وفقاً لأنصبتهم الشرعية ؛ وكان مؤدى ذلك اقتطاع جزء من تلك الأنصبة عن طريق هذه الضريبة ومقاسمة الدولة للورثة فى حقوق قصرها الشرع عليهم لتهدر بذلك نص المادة الثانية من الدستور التى ترد التشريعات جميعها إلى القواعد الكلية فى الشريعة الإسلامية المقطوع بثبوتها ودلالتها.
وحيث أن قضاء هذه المحكمة مطرد كذلك، على أن الضريبة التى يكون أداؤها واجباً وفقاً للقانون- وعلى ما تنص عليه المادتان (61، 119) من الدستور - هى التى تتوافر لها قوالبها الشكلية ، ويقوم تنظيمها على أسس موضوعية تقتضيها، وتبرر بمضمونها فرضها على المخاطبين بها، وبشرط أن تكون العدالة الاجتماعية إطاراً لها وفقاً لنص المادة (38) من الدستور.
وحيث أن العدالة الاجتماعية وإن تعددت صورها، وكان مضمونها قد يتبدل بتغير الزمان والمكان، على ضوء القيم التى ارتضتها الجماعة لمفهوم الحق والعدل فى بيئة بذاتها، وخلال زمن معين، إلا أن تطبيقاتها فى نطاق الضريبة تشى ببعض ملامحها الأصيلة ، وبوجه خاص من خلال زاويتين، أولاًهما: أن يكون ممكناً عقلاً ربط عبئها بالأغراض الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المقصودة منها. ثانيتهما: ألا يكون فرضها قد تم إخلا لاً بحقوق ينبغى أن تخلص لأصحابها.
وحيث أن البين من مضابط جلسات مجلس الشورى السابق الإشارة إليها، أن وطأة ضريبة الأيلولة على المخاطبين بها لا تقابلها مصلحة مبررة ، بل تظهر جوانبها السلبية فيما قام الدليل عليه من أنها لا توفر للتنمية أسبابها؛ ولا للاستثمار أو الادخار روافدهما من الثقة والاطمئنان؛ ولا لقيمة العمل مناخها الملائم. كذلك فإن فرضها طريق إلى مزالق لها خطرها، من بينها أن الأموال محلها يتم تسريبها توقياً لها، فإذا تعذر تجنبها، فإن مايبقى بعد الضريبة من هذه الأموال يظل ثروة خامدة خوفاً من تعقبها ظلماً وبهتاناً بعد انتقالها بالميراث إلى آخرين. بل أن ما كانت الدولة تتوقعه من تلك الضريبة ، سواء باعتبارها مصدراً لتمويل احتياجاتها أو بوصفها أداة تيسر توزيعها للثروة ، غدا وهما وسرابا بالنظر إلى ضآلة حصيلتها ولأن واقعتها المنشئة - وهى الوفاة -لا يترتب عليها تركيز الثروة ، بل تفتيتها.
وحيث أن الدستور - إعلاء من جهته لدور الملكية الخاصة كفل حمايتها لكل فرد - وطنياً كان أم أجنبياً - ولم يجز المساس بها إلا على سبيل الاستثناء، وفى الحدود التى يقتضيها تنظيمها، ليختص صاحبها دون غيره بثمارها ومنتجاتها وملحقاتها، فلا يرده عنها معتد، ولا يناجز سلطته فى شأنها من ليس بيده سند ناقل لها، ليعتصم بها من دون الآخرين، وليلتمس من الدستور وسائل حمايتها التى تُعينها على أداء دورها، وتقيها تعرض الأغيار لها سواء كان ذلك بنقضها أو بانتقاصها من أطرافها؛ ولم يعد جائزاً بالتالى أن ينال المشرع من عناصرها، ولا أن يغير من طبيعتها أو يجردها من لوازمها، ولا أن يفصلها عن أجزائها أو يدمر أصلها، أو يقيد من مباشرة الحقوق التى تتفرع عنها فى غير ضرورة تقتضيها وظيفتها الاجتماعية . ودون ذلك تفقد الملكية ضماناتها الجوهرية ، ويكون العدوان عليها غصبا، وافتئاتاً على كيانها أدخل إلى مصادرتها.
وحيث أن الدستور يعتبر مآباً لكل سلطة وضابطاً لحركتها. والأصل فى النصوص التى يتضمنها أنها تؤخذ باعتبارها مترابطة فيما بينها، وبما يرد عنها التنافر والتعارض، ويكفل اتساقها فى إطار وحدة عضوية تضمها، ولا تفرق بين أجزائها، بل تجعل تناغم توجهاتها لازماً، وكان الدستور إذ نص فى المادة (34) على أن الملكية الخاصة يجب صونها، وأن حمايتها تمتد إلى حق الإرث ليكون مكفولاً بها، فقد دل بذلك على أن ما يؤول للعباد ميراثاً فى حدود أنصبتهم الشرعية ، يعتبر من عناصر ملكيتهم التى لا يجوز لأحد أن ينال منها.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان فرض ضريبة الأيلولة بالمادة الأولى من القانون سالف الذكر مصادماً لأحكام المواد (2، 34، 38، 61، 119) من الدستور، فقد غدا متعيناً الحكم بعدم دستوريتها، وإذ كانت باقى نصوص هذا القانون ترتبط ارتباطا لا يقبل التجزئة بنص مادته الأولى فإنها تسقط تبعاً لذلك.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية المادة الأولى من قانون ضريبة الأيلولة الصادر بالقانون رقم 228 لسنة 1989وبسقوط باقى مواده.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق