باسم الشعب
المحكمة الدستورية
العليا
بالجلسة
العلنية المنعقدة يوم الأحد 14 ديسمبر سنة 2003 الموافق 20 من شوال سنة 1424
هـ .
برئاسة
السيد المستشار / ممدوح مرعى رئيس
المحكمة
وعضوية
السادة المستشارين : حمدى محمد على ومحمد على سيف الدين وأنور رشاد العاصى ود .
حنفى على جبالى ومحمد عبد العزيز الشناوى وماهر سامى يوسف .
وحضور
السيد المستشار / رجب عبد الحكيم سليم رئيس
هيئة المفوضين
وحضور
السيد / ناصر إمام محمد حسن أمين
السر
أصدرت الحكم الآتى
فى
القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 150 لسنة 22 قضائية "
دستورية "
المقامة من
السيد
/ أنطوان إيف قسطنطين حموى
ضد
1
السيد رئيس الجمهورية
2
السيد رئيس مجلس الوزراء
3
السيد وزير الثقافة
4
السيد محافظ الإسكندرية ( الإدارة الهندسية )
5
السيد مدير الإسكان والمرافق بمحافظة الإسكندرية
"
" الإجراءات
"
بتاريخ
الثامن والعشرين من شهر أغسطس سنة 2000، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب
المحكمة ، طالباً الحكم بعدم دستورية المادة الثانية من القانون رقم 67 لسنة 1979
بالترخيص بإنشاء دور عرض سينمائى فى المبانى الجديدة .
وقدمت
هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى .
وبعد
تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها .
ونُظرت
الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة
اليوم .
" المحكمة "
بعد
الاطلاع على الأوراق، والمداولة .
حيث
إن الوقائع -على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق- تتحصل فى أن الإدارة
الهندسية بمحافظة الإسكندرية أصدرت -بناء على طلب المدعى - القرار رقم 82 لسنة
1998 بهدم العقار المملوك له المكون من دور أرضى وجزء بالدور الأول العلوى يشتمل
على دار عرض سينمائى ومسرحى ، واشترطت إقامة دار عرض جديدة بدلاً منها، تطبيقاً
لأحكام القانون رقم 67 لسنة 1979 بالترخيص بإنشاء دور عرض سينمائى فى المبانى
الجديدة . فأقام الدعوى رقم 2987 لسنة 52 قضائية أمام محكمة القضاء الإدارى ،
طالباً الحكم بإلغاء القرار المذكور فيما تضمنه من اشتراط إقامة دار عرض سينمائى
بديلة عن المصرح بهدمها، وأثناء نظر دعواه، دفع بعدم دستورية نص المادة الثانية من
القانون رقم 67 لسنة 1979 آنف البيان، وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية الدفع، وصرحت
له بإقامة دعواه الدستورية ، فقد أقام الدعوى الماثلة .
وحيث
إن المادة الثانية من القانون رقم 67 لسنة 1979 بالترخيص بإنشاء دور عرض سينمائى
فى المبانى الجديدة تنص على أنه "مع عدم الإخلال بأحكام الباب الثانى من
القانون رقم 49 لسنة 1977 فى شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر
والمستأجر، يصرح لملاك دور العرض السينمائى بإحلال مبان جديدة بدلاً من الدور
الحالية ، بشرط إعادة إنشاء دور العرض التى كانت عليها من قبل".
وحيث
إن مناط المصلحة الشخصية المباشرة -وهى شرط قبول الدعوى الدستورية - أن يكون ثمة
ارتباط بينها وبين المصلحة فى الدعوى الموضوعية ، وذلك بأن يكون الفصل فى المسألة
الدستورية لازماً للفصل فى الطلبات المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع. وإذ
كان المدعى يتوخى بدعواه الموضوعية التحلل من شرط الالتزام بإقامة دار عرض سينمائى
بديلة عن تلك التى صدر الترخيص بهدمها، المنصوص عليه بالمادة الثانية من القانون
رقم 67 لسنة 1979 المذكور سلفاً، وبالتالى فإن الفصل فى دستورية هذا النص يكون
لازماً للبت فى الطلب الموضوعى المرتبط به، ومن ثم تتوافر له مصلحة شخصية مباشرة
فى الطعن على النص المذكور .
وحيث
إن المدعى ينعى على النص الطعين -فى النطاق المحدد سلفاً- فرضه قيوداً على الملكية
الخاصة تبدت فى تقييد سلطته فى مباشرة حق الاستغلال وحق التصرف فيما يملكه،
وإهداره مبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنين وتساويهم أمام القانون بالمخالفة للمواد
(8، 32، 40) من الدستور
وحيث
إن المستقر عليه فى قضاء هذه المحكمة أن الدستور كفل حماية الملكية الخاصة لكل فرد
-وطنياً كان أم أجنبياً- فلم يجز المساس بها إلا استثناءاً، باعتبارها فى الأغلب
الأعم من الحالات ثمرة جهد صاحبها، بذل فى سبيلها الوقت والعرق والمال، وحرص على
إنمائها وصونها، آملاً أن يتفيأ ثمارها، متطلعاً أن تكون ردءاً له وذويه فى يومه
وغده، ولذا كان خليقاً به أن يفئ إلى الدستور يلتمس موئلاً من نقضها أو انتقاصها .
وحيث
إنه -من المقرر فى قضاء هذه المحكمة - أن صون الدستور للملكية الخاصة ، مؤداه: ألا
ينتقص المشرع من أصلها، أو يحد من مباشرة الحقوق المتفرعة عنها، فى غير حاجة
تقتضيها وظيفتها الاجتماعية ، على أن يبقى ما يفرضه المشرع من قيود فى هذه الحالة
، بمن أى عن تقويض بنيان الملكية أو تعطيل الانتفاع بها، فلا يُقبل أن تطغى
الوظيفة الاجتماعية للملكية على كونها حقاً ذاتياً يستأثر به صاحبه ويتفرد بالتصرف
فيه. لما كان ما تقدم، وكان تدخل المشرع بتنظيم أوضاع أموال معينة على نحو يودى
ببعض أجزائها أو ينتقص من قيمتها الاقتصادية ، حتى مع استمرارها بأيدى أصحابها،
إنما يعد هدراً لها، أياً كانت المصالح التى يحتج بحمايتها، ذلك أن مشروعية المصلحة
حدها قواعد الدستور، فلا يتصور قيام مصلحة على خلافها .
وحيث
إن الفنون على تعدد ألوانها -كانت دوماً- محل تقدير الأمم، تعبد أمامها السبل
دعماً لذيوعها، وكان الفن السينمائى من أوسع الفنون فى الوقت الراهن انتشاراً
وتأثيراً، بين الأفراد كافة على اختلاف توجهاتهم الفكرية ، يؤدى رسالات متنوعة
سواء كانت ثقافية أو اجتماعية أو ترفيهية ، بحسبه رافداً من روافد التعبير
والإبداع الفنى الذى كفل الدستور حمايته بنص مادته التاسعة والأربعين. هذا فضلاً
عن الدور الاقتصادى الفعال لصناعة السينما الوطنية باعتبارها أحد مصادر الدخل
القومى . لما كان ذلك، وكانت دور العرض هى سبيل تقديم الفن السينمائى وانتشاره،
فقد كان لدى المشرع خيارات عدة يتلمس بها الحفاظ على تلك الدور حماية لهذا الفن،
ويصون فى الوقت ذاته للملكية الخاصة حرمتها ويحفظ حقوقها، بيد أنه اكتفى بأن فرض
بالنص المطعون فيه قيداً على الملكية الخاصة لأصحاب المبانى التى تقع بها دور عرض
سينمائى ، وحصلوا على تصريح بإزالتها وإقامة مبان جديدة بدلاً من الحالية ، فعطل
-دون تعويض- حقوقهم فى استعمال ملكيتهم على النحو الذى يرونه أكثر ملاءمة لهم،
وغلّ يدهم -بلا مقابل- عن التصرف فيما يملكونه وتوجيهه الوجهة التى يقدّرون أنها
فى صالحهم، مقوضاً بذلك دعائم تلك الملكية ومنتقصاً من ركائزها، وبذلك انطوى النص
الطعين على مخالفة صريحة للمادتين (32، 34) من الدستور .
وحيث
إنه من المستقر عليه فى قضاء هذه المحكمة أن الدساتير المصرية المتعاقبة ، كفلت
للمواطنين تساويهم أمام القانون، وبوجه خاص فيما يتعلق بأعبائهم وتكاليفهم العامة
، ضماناً لصيانة حقوقهم وحرياتهم فى مواجهة شتى صور التمييز. لما كان ما تقدم،
وكان النص المطعون فيه قد انطوى على تقييد لبعض ملاك العقارات فى مباشرة حق التصرف
فى ملكيتهم الخاصة أو استغلالها بالأسلوب الذى يرومونه، فألزمهم بإقامة دور عرض
سينمائية فى مبانيهم الجديدة ، بديلة عن تلك التى كانت قائمة وصرح بهدمها، أو فرض
عليهم بيع أراضيهم الفضاء مثقلة بهذا الالتزام، وفى الحالين مايز بينهم وبين سواهم
من ملاك العقارات الذين يمارسون سلطاتهم مطلقة فى ملكياتهم، يباشرون عليها حقوق
التصرف والاستعمال والاستغلال، دون قيد أو شرط، وبذلك يكون النص المطعون فيه أقام
تمييزاً تحكمياً بين المواطنين، وناقض مبدأ المساواة المقرر بالمادة (40) من
الدستور .
وحيث
إنه لما تقدم، يكون النص المطعون فيه قد خالف أحكام المواد (32، 34، 40) من
الدستور .
فلهذه الأسباب
حكمت
المحكمة بعدم دستورية نص المادة الثانية من القانون رقم 67 لسنة 1979 بالترخيص
بإنشاء دور عرض سينمائى فى المبانى الجديدة ، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ
مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق