الطعن 49 لسنة 28 ق " دستورية " المحكمة الدستورية العليا
جلسة 1 / 4 /2017
منشور في الجريدة الرسمية العدد 14 مكرر أ في 10/ 4/ 2017 ص 12
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الأول من أبريل سنة 2017م،
الموافق الرابع من رجب سنة 1438هـ.
برئاسة السيد المستشار/ عبد الوهاب عبد الرازق رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: الدكتور حنفي علي جبالي ومحمد خيري طه
النجار والدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمي إسكندر ومحمود محمد غنيم والدكتور محمد
عماد النجار نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ طارق عبد الجواد شبل رئيس هيئة
المفوضين
وحضور السيد/ محمد ناجي عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 49 لسنة 28
قضائية "دستورية".
------------
الوقائع
وحيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق
- في أنه بتاريخ 2003/10/30 صدر حكم في الدعوى رقم 30 لسنة 2003 إفلاس كلي جنوب
القاهرة بإشهار إفلاس شركة "......." ....... و...... - المدعيان في
الدعوى الدستورية المعروضة -، وبجلسة 2004/9/22 تأيد هذا القضاء بالحكم الصادر من
محكمة استئناف القاهرة في الاستئناف رقم 3612 لسنة 120 ق استئناف القاهرة، وإذ
تقدم المدعى عليه السابع بطلب إلى قاضي التفليسة للتحفظ على شخص المدعيين، فقرر
عرض الأمر على محكمة أول درجة في غرفة مشورة، التي أصدرت بجلسة 2005/7/28 حكما
بالتحفظ على شخص المدعيين لمدة ثلاثة أشهر وذلك بوضعهما تحت مراقبة الشرطة، مع
تنفيذ ذلك الحكم بمسودته الأصلية، تظلم المدعيان من الحكم طالبين إلغاءه، وأثناء
نظر التظلم بجلسة 2006/2/6 دفعا بعدم دستورية نص المادة (586) من قانون التجارة
الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1999، وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية الدفع، وصرحت
للمدعيين بإقامة الدعوى الدستورية، فقد أقاما الدعوى المعروضة.
بتاريخ الأول من أبريل سنة 2006، أقام المدعيان هذه الدعوى، بإيداع
صحيفتها قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا؛ طلبا للحكم بعدم دستورية نص المادة
(586) من قانون التجارة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1999.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرا برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار
الحكم فيها بجلسة اليوم.
--------------
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
وحيث إن المادة (586) من قانون التجارة المشار إليه تنص على أن
"1- يجوز للمحكمة بناء على طلب قاضي التفليسة أو النيابة العامة أو أمين
التفليسة أو المراقب أن تأمر عند الاقتضاء بالتحفظ على شخص المفلس أو بمنعه من
مغادرة البلاد لمدة محددة قابلة للتجديد. وللمفلس أن يتظلم من هذا الأمر دون أن
يترتب على التظلم وقف تنفيذه.
2- وللمحكمة أن تقرر في كل وقت إلغاء أمر التحفظ على شخص المفلس أو أمر
المنع من مغادرة البلاد".
وحيث إن المدعيين ينعيان على النص المطعون فيه مخالفته لنصوص المواد (41،
64، 65) من دستور سنة 1971 في شأن الحرية الشخصية وسيادة القانون واستقلال القضاء،
وكذا المادة (9) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمادة (11) من العهد الدولي
الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، تأسيسا على ما تضمنه هذا النص من عدوان صارخ على
حرية المدين المفلس، وذلك بمنح المحكمة سلطة التحفظ على شخصه لمجرد إعساره في سداد
ديونه وتوقفه عن الدفع.
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن المصلحة الشخصية المباشرة -
وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة
القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية مؤثرا في
الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع. متى كان ذلك، وكان
البين من الأوراق تظلم المدعيين من الحكم الصادر بالتحفظ على شخصيهما بوضعهما تحت
مراقبة الشرطة لمدة ثلاثة أشهر، والذي تساند إلى البند (1) من المادة (586) من
قانون التجارة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1999، فيما نص عليه من أن "يجوز
للمحكمة بناء على طلب قاضي التفليسة أو النيابة العامة أو أمين التفليسة أو
المراقب أن تأمر عند الاقتضاء بالتحفظ على شخص المفلس". ومن ثم فإن الفصل في
دستورية هذا النص - محددا نطاقا على النحو سالف البيان - يكون ذا أثر وانعكاس على
الطلبات في الدعوى الموضوعية، وقضاء محكمة الموضوع فيها، لتتوافر بذلك المصلحة
الشخصية المباشرة للمدعيين في الطعن عليه.
وحيث إن المقرر كذلك في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن الرقابة
القضائية التي تباشرها هذه المحكمة في شأن دستورية النصوص القانونية المطعون فيها،
لا تحول بينها ومد نطاق الدعوى إلى النصوص التي أنبتتها كلما آل إبطالها إلى زوال
ما تفرع عنها، أو اتصل بها اتصال قرار. أو مد هذا النطاق إلى النصوص القانونية
التي ترتبط ارتباطا عضويا بحكم اللزوم العقلي بالنص التشريعي المطعون فيه. إذ كان
ذلك، وكان صدر نص البند (2) من المادة (561) من قانون التجارة المشار إليه يجرى
على أنه "وللمحكمة - عند الضرورة - أن تأمر باتخاذ الإجراءات اللازمة للتحفظ
على شخص المدين ...."، وكان هذا النص يرتبط عضويا بالنص المطعون فيه، لكونه
أجاز ابتداء أن يتضمن حكم شهر الإفلاس اتخاذ الإجراءات اللازمة للتحفظ على شخص
المدين. وقد استصحب النص المطعون فيه الحكم ذاته، ومد آجال تطبيقه إلى ما بعد صدور
حكم شهر الإفلاس، لتتصل حلقات التحفظ على شخص المفلس اعتبارا من تاريخ الحكم بشهر
إفلاسه حتى إنهاء التفليسة. ومن ثم فإن ارتباط حكم هاتين المادتين عضويا يغدو
متحققا، وبالتالي لا يجوز قصر نطاق الدعوى المعروضة على النص المطعون فيه وحده، بل
يكون نطاقها مشتملا بالضرورة على أصل القاعدة التي تفرع عنها النصان، ممثلا في
التحفظ على شخص المدين المحكوم بشهر إفلاسه، الأمر الذي يمتد معه نطاق الدعوى
المعروضة ليتضمن – أيضا - صدر البند (2) من المادة (561) من قانون التجارة المشار
إليه.
وحيث إن المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن الطبيعة الآمرة
لقواعد الدستور، وعلوها على ما دونها من القواعد القانونية جميعها، مؤداها خضوع
هذه القواعد وأيا كان تاريخ العمل بها، لأحكام الدستور القائم؛ لضمان اتساقها
والمفاهيم التي أتى بها، فلا تتفرق هذه القواعد في مضامينها بين نظم مختلفة يناقض
بعضها البعض بما يحول دون جريانها وفق المقاييس الموضوعية ذاتها التي تطلبها
الدستور القائم كشرط لمشروعيتها الدستورية.
وحيث إن المناعي التي عاب بها المدعيان النص المطعون فيه – والتي
تنسحب أيضا على الحكم الموضوعي الوارد في النص الذي امتد إليه نطاق هذه الدعوى -
تندرج تحت المطاعن الموضوعية التي تقوم في مبناها على مخالفة نص تشريعي معين
لقاعدة في الدستور من حيث محتواها الموضوعي، ومن ثم فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها
القضائية على هذين النصين في ضوء أحكام الدستور القائم الصادر سنة 2014، باعتباره
الوثيقة الدستورية السارية.
وحيث إن مفاد صدر نص البند (2) من المادة (561)، والبند (1) من المادة
(586) من قانون التجارة المشار إليه، جواز التحفظ على شخص المفلس، في حال الضرورة
أو عند الاقتضاء، لمدة لم يعينها النصان، وتستقل محكمة الإفلاس بتحديدها، وتجديدها
بغير ضابط من النصين، سواء أمرت محكمة الموضوع بهذا الإجراء، أو كان ذلك بناء على
طلب قاضي التفليسة أو النيابة العامة أو أمين التفليسة أو المراقب، في تاريخ صدور
حكم الإفلاس، أو بعد صدوره، "وذلك إذا رأت في مسلكه استخلصت من تصرفاته عدم
تعاونه مع أمين التفليسة، وعدم تنفيذ قرارات قاضيها، وإتيانه تصرفات من شأنها
الإضرار بجماعة الدائنين"، على نحو ما أوردته المذكرة الإيضاحية للقانون، بما
يتأدى في النصين إلى التحفظ على شخص من حكم بإشهار إفلاسه بأي صورة من صور التحفظ،
والتي تتماهى – أثرا - مع بدائل الحبس الاحتياطي المشرعة ضمن إجراءات التحقيق
الجنائي، والتي يمكن أن تستطيل إلى تخوم التدابير الاحترازية التي يكون مناط
إقرارها توقي خطورة إجرامية تهدد أمن المجتمع وسكينته.
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة حرص الدستور - في سبيل حماية
الحريات العامة - على كفالة الحرية الشخصية لاتصالها بكيان الفرد منذ وجوده،
وإحاطتها بضمانات عديدة لحمايتها، وما يتفرع عنها من حريات وحرمات، ورفعها إلى
مرتبة القواعد الدستورية، فلا يجوز للمشرع العادي أن يخالف تلك القواعد، وما
تضمنته من كفالة لصون تلك الحريات، وإلا جاء عمله مخالفا للشرعية الدستورية.
وحيث إن نص المادة (54) من الدستور القائم قد احتفى بالحرية الشخصية،
رافعا إياها إلى مصاف الحقوق اللصيقة بشخص المواطن، والتي لا تقبل بصريح نص الفقرة
الأولى من المادة (92) من ذلك الدستور تعطيلا ولا انتقاصا، كما لا تنفصم البتة عن
شخص الإنسان، ولا يؤذن بمفارقتها إياه، منتهجا في ذلك قيم المجتمعات الديمقراطية،
التي تلتزم بأطر وضوابط الدولة القانونية، جاعلا من الحرية الشخصية رافدا أساسيا
لغيرها من الحقوق والحريات، يشاركها السبب والعلة، ويقاسمها الهدف والغاية، متشددا
في حمايتها، آمرا بصونها، مانعا - بمقتضى نص المادة (99) من الدستور - تقادم جرم
العدوان عليها، ناهيا عن المساس بها، إلا لجريمة جنائية متلبس بها، أو لمقتضى أمر
قضائي مسبب يستلزمه تحقيق تجريه الجهة القضائية المختصة في غير أحوال التلبس بها،
بما يوجب أن يتضمن النص الجنائي المقرر للإجراءات المقيدة للحرية تعيينا لهذه
الإجراءات، وأحوال تطبيقها وأسبابها، ونطاقها وأطرها وضوابطها الحاكمة لها، مع
كفالة الحقوق الدستورية لمن تتخذ قبله أي من هذه الإجراءات، وأخصها إبلاغه بأسباب
ذلك، مع إحاطته كتابة بحقوقه، وكفالة حقيه في التقاضي والدفاع بأطرهما التي عينها
الدستور، وحرص على تضمينها نص المادة (54) منه، شاملة الحق في التظلم أمام القضاء
من هذه الإجراءات، والفصل فيه خلال أسبوع من تاريخ اتخاذ الإجراء، وهي ضمانات أوجب
الدستور على القانون التزامها، وأن يكون النص المقيد للحرية محققا لها، وإلا وقع
في حومة مخالفة الدستور.
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن مبدأ خضوع الدولة للقانون -
وفقا لنص الفقرة الثانية من المادة (94) من الدستور القائم - يحدد على ضوء مفهوم
ديمقراطي مؤداه ألا تخل تشريعاتها بالحقوق التي يعتبر التسليم بها في الدول
الديمقراطية، مفترضا أوليا لقيام الدولة القانونية، وضمانة أساسية لصون حقوق
الإنسان وكرامته وشخصيته المتكاملة، ويندرج تحتها طائفة الحقوق الوثيقة الصلة
بالحرية الشخصية بالنظر إلى مكوناتها وخصائصها.
وحيث إن المقرر قانونا أن تطبيق التدابير التحفظية، بحكم أو أمر
قضائي، لا يكون إلا على من تتوافر فيه مظاهر خطورة إجرامية تهدد المجتمع، فلا يحق
التدخل بتدابير الدفاع الاجتماعي لمواجهة أفراد لم يرتكبوا جريمة، أو لم تبد عليهم
مظاهر خطورة إجرامية، مما مؤداه أنه ولئن كان السماح بإنزال التدبير التحفظي ينطوي
على افتئات على حرية الشخص، إلا أنه يتعين خضوع هذه التدابير، في أحوال توقيعها
لمبدأ الشرعية الدستورية.
وحيث إن النصين التشريعيين محل الرقابة الدستورية في الدعوى المعروضة،
إذ يجيزان التحفظ على شخص المحكوم عليه بشهر إفلاسه، ولو بحكم غير نهائي، ودون أن
يكون متهما بإفلاس بالتدليس أو بالتقصير، فإنهما ينطويان على تقييد الحرية الشخصية
لمن حكم بإشهار إفلاسه بغير انتهاج الوسائل القانونية التي كفلها الدستور، ودون الالتزام
بالقيود والضوابط الدستورية التي تحكم تقرير أي من الإجراءات المقيدة للحرية
وأحوالها وفقا لنص المادتين (54، 92) من الدستور، بحسبان إطلاق رخصة الحكم بالتحفظ
على شخص المدين المفلس يعد في حقيقته تقييدا لحريته، دون جرم قارفه، بما يؤكد قسوة
ذلك التحفظ، على نحو يعطل حق المشمولين به في النفاذ إلى ألوان الحياة وأشكالها في
مجتمعهم، ويعوق اندماجهم في القيم التي يؤمنون بها. متى كان ذلك، وكانت وسائل منع
المحكوم بإشهار إفلاسه من الإضرار بحقوق دائنيه تجد مشروعيتها الدستورية في كل
إجراء يكفل حماية هذه الحقوق، دون أن يستطيل ذلك إلى المساس بالحرية الشخصية
للمحكوم بشهر إفلاسه في أصلها وجوهرها، كما هو الحال في التحفظ على شخصه المقرر
بالنصين المار ذكرهما، طالما لم ينسب إليه ارتكاب فعل أو امتناع تؤثمه نصوص جرائم
التفالس بالتدليس أو بالتقصير.
وحيث إنه متى كان ذلك، فإن النصين المطعون فيهما في حدود نطاقهما
المتقدم، يكونان مخالفين لأحكام المواد (54) و(92) و(94) من الدستور، بما يوجب
الحكم بعدم دستوريتهما.
وحيث إن عجز البند (2) من المادة (561) من قانون التجارة فيما ينص
عليه من أنه "ولا يجوز للمحكمة أن تأمر بهذا الإجراء في حكم شهر الإفلاس إذا
طلب المدين شهر إفلاسه خلال الميعاد المشار إليه في الفقرة الأولى من المادة (553)
من هذا القانون"، يرتبط ارتباطا لا يقبل التجزئة بصدر النص ذاته الذي أبطله
الحكم في الدعوى المعروضة. كما هو الشأن بالنسبة للبند (2) من المادة (586) من
القانون ذاته فيما تضمنه من أنه "وللمحكمة أن تقرر في كل وقت إلغاء أمر
التحفظ على شخص المفلس" والذي يرتبط إعماله بتطبيق نص البند (1) من هذه
المادة، المقضي بعدم دستوريته في الدعوى المعروضة في حدود نطاقه المبين آنفا، ومن
ثم يغدو متعينا سقوط أحكام البندين المذكورين، في مجال تطبيق النصين المقضي بعدم
دستوريتهما في هذه الدعوى.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة:
أولا: بعدم دستورية صدر البند (2) من المادة (561) من قانون التجارة
الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1999 فيما نص عليه من أنه "وللمحكمة، عند
الضرورة، أن تأمر باتخاذ الإجراءات اللازمة للتحفظ على شخص المدين"، وعبارة
"بالتحفظ على شخص المفلس"، الواردة بنص البند (1) من المادة (586) من
القانون ذاته.
ثانيا: بسقوط عجز نص البند (2) من المادة (561)، وعبارة "أمر
التحفظ على شخص المفلس" المنصوص عليها في البند (2) من المادة (586) من قانون
التجارة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1999.
ثالثا: بإلزام الحكومة المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب
المحاماة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق