جلسة 20 من أكتوبر سنة 2010
برئاسة السيد المستشار/ علي الصادق نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ عبد الفتاح حبـيب ، هاني مصطفى ،
محمود عبد الحفيظ ونبيل مسعود نواب رئيس المحكمة .
-----------
(70)
الطعن 4953 لسنة 80 ق
(1) حكم
" بيانات التسبيب " " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
عدم رسم القانون شكلاً خاصاً
لصياغة الحكم . كفاية أن يكون ما أورده كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها .
مثال
.
(2) استيلاء على أموال أميرية . جريمة "
أركانها ". موظفون عموميون . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب
" .
جناية الاستيلاء على مال للدولة بغير حق المنصوص
عليها بالمادة 113 عقوبات . مناط تحققها ؟
مثال لتسبيب سائغ لحكم صادر بالإدانة
في جناية استيلاء على مال عام المنصوص عليها بالمادة 113 عقوبات .
(3) إثبات " شهود " . محكمة الموضوع
" سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى " " سلطتها في
تقدير أقوال الشهود " .
استخلاص الصورة الصحيحة
لواقعة الدعوى . موضوعي . ما دام سائغاً .
وزن أقوال الشهود وتقديرها .
موضوعي .
أخذ محكمة الموضوع بشهادة
الشهود . مفاده ؟
(4) إثبات "بوجه عام" "أوراق
رسمية". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل ". دفاع "
الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " . محضر الجلسة . حكم " تسبيبه .
تسبيب غير معيب ".
النعي على
المحكمة التفاتها عن مستندات زعم الطاعن تقديمها رغم خلو محضر الجلسة
والحكم المطعون فيه من إثبات تقديمه لها . غير صحيح .
للمحكمة الالتفات عن دليل النفي
ولو حملته أوراق رسمية . مادام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي
اطمأنت إليها من سائر الأدلة في الدعوى .
(5) إجراءات " إجراءات المحاكمة " .
دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " . حكم "
تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
عدم التزام المحكمة برسم
الطريق الذي يسلكه المتهم في دفاعه .
مثال .
(6) تلبس . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير
حالة التلبس " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " . إثبات
" بوجه عام " .
تقدير توافر حالة التلبس أو
عدم توافرها . موضوعي . ما دام سائغاً .
الجدل الموضوعي . غير جائز أمام
محكمة النقض .
(7) عقوبة " تطبيقها " . شروع . استيلاء
على أموال أميرية . موظفون عموميون . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
انتهاء
المحكمة لتوافر جريمة الشروع في الاستيلاء على مال عام المعاقب عليها
بالمادة 113 عقوبات ومعاقبته بعقوبة تدخل في نطاق المقررة لها . النعي عليها في
هذا الشأن . غير صحيح .
(8) عقوبة " العقوبة التكميلية " "
تطبيقها " . نقض " حالات الطعن . الخطأ في تطبيق القانون " . غرامة
. شروع . استيلاء على أموال أميرية . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
شرعية العقاب . مقتضاها : لا عقوبة بغير نص .
قضاء الحكم المطعون فيه بالغرامة
النسبية عن جريمة الشروع في الاستيلاء على مال عام. مخالفة للقانون . علة وأساس وأثر
ذلك ؟
(9) عقوبة " تطبيقها " . رد . استيلاء
على أموال أميرية . شروع . نقض " حالات الطعن . الخطأ في تطبيق القانون
" . محكمة النقض " سلطتها " . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب
" .
جــزاء
الرد . يدور موجبه مع بقاء المال المختلس في ذمة المتهم حتى الحكم عليه . أساس
ذلك ؟
قضاء
الحكم المطعون فيه بالرد رغم ضبط الأشياء محل جريمة الشروع في الاستيلاء. يعيبه
. أثر ذلك ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1-
لما كان الحكم المطعون فيه بيَّن واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر
القانونية لجريمة الشروع في الاستيلاء على المال العام التي دان الطاعن بها ،
وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها
مستمدة من أقوال الشهود ومما ثبت من تقرير لجنة فحص المضبوطات المشكلة من قبل
النيابة العامة والتي بين الحكم مضمونه - على خلاف ما يزعم الطاعن - بياناً
كافياً ، وجاء استعراض المحكمة لأدلة الدعوى على نحو يدل على أنها محصتها التمحيص
الكافي وألمت بها إلماماً شاملاً يفيد أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث
لمعرفة الحقيقة ، وكان من المقرر أن القانون لم يرسم شكلاً أو نمطاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها ،
ومتى كان مجموع ما أورده الحكم كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما
استخلصتها المحكمة كما هو الحال في الدعوى الراهنة ، فإن ذلك يكون محققاً لحكم
القانون ، ومن ثم فإن منعى الطاعن في هذا الشأن يكون لا محل له .
2-
من المقرر أن جناية الاستيلاء على مال للدولة بغير حق المنصوص عليها في المادة 113
من قانون العقوبات تتحقق متى استولى الموظف العام أو من في حكمه على مال
للدولة أو لإحدى الهيئات أو المؤسسات
العامة أو الشركات أو المنشآت ، إذا كانت الدولة أو إحدى الهيئات العامة تساهم في
مالها بنصيب ما بانتزاعه منها خلسة أو حيلة أو عنوة بنية تملكه وتضييع المال على
ربه ، وإذ كان ما أثبته الحكم المطعون فيه أن الطاعن وهو موظف عام يعمل رئيس قسم
الإنارة بشركة توزيع الكهرباء فرع ..... شرع في الاستيلاء بغير حق وبنية التملك
على الموصلات الكهربائية المملوكة للشركة المصرية لنقل الكهرباء وهي شركة
حكومية تابعة لوزارة الكهرباء وتستخدم هذه الموصلات التي لا
تتداول في الأسواق وذلك بعد أن وردت معلومات لضابط الواقعة
معاون المباحث عن قيام مجموعة من الأشخاص بنقل كمية من الموصلات المذكورة التي
لا تتداول بالأسواق ليلاً من سيارة نقل إلى سيارة نقل أخرى ، وإذ بادر بالانتقال
إلى المكان المحدد بسيارة الشرطة ، وما إن شاهده الطاعن وابنه الذي كان يقوم
بمعاونته ومعهما آخران وسائقا السيارتين بادروا بالهرب
، إلا أنه تمكن من ضبطهم وأقروا له
بالواقعة ، وكان الطاعن لم يجحد صفته التي أثبتها الحكم من كونه موظفاً عاماً ،
وقد أثبت الحكم أن الموصلات محل الاستيلاء مملوكة لشركة تتبع وزارة الكهرباء ، ومن
ثم فإن ما وقع منه من أفعال تتوافر به بهذه المثابة الأركان القانونية لجناية
الاستيلاء المنصوص عليها في المادة 113 سالفة الذكر ، وكان الحكم قد أثبت مع
ذلك في تدليل سائغ توافر كافة العناصر القانونية للجريمة سالفة الذكر في حق الطاعن
ورد على دفاعه بعدم توافر صفة العمومية في الموصلات الكهربائية المضبوطة واطرحه في
تدليل سائغ ، ومن ثم فإن النعي على الحكم في هذا الصدد لا يكون سديداً .
3-
لما كان الأصل أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر
المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه
اقتناعها ، وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى
أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق ، وكان وزن أقوال الشهود
وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء عليها مهما وجه إليها من
مطاعن وحام حولها من الشبهات ، كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي
تراها ، وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه دون رقابة لمحكمة النقض ، وهي متى أخذت
بشهادتهم فإن ذلك يفيد أنها اطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على
عدم الأخذ بها ، وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال شهود الإثبات وصحة
تصويرهم للواقعة ، فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الصدد يكون غير مقبول .
4-
لما كان البين من الرجوع إلى محضر جلسة المحاكمة والحكم المطعون فيه أنها خلت من إثبات
ما يزعمه الطاعن تقديمه حافظة مستندات تأييداً لدفاعه فليس له من بعد أن ينعى على
المحكمة قعودها عن تمحيص تلك المستندات وإبداء رأيها في دلالتها على صحة دفاعه ، فضلاً
عـن أنه من المقرر أن للمحكمة أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية مادام
يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها من سائر الأدلة
القائمة في الدعوى والتي تكفي لحمل قضائها - كما هو الحال في الدعوى المطروحة
- فإن منعى الطاعن في هذا الخصوص يكون في غير محله .
5- لما
كان ما يثيره بصدد عدم تمكين المحكمة له من إبداء دفاعه بعد سماع شاهد الإثبات فإن
ذلك مردود بأن المحكمة غير ملزمة بأن ترسم للمتهم الطريق الذي يسلكه في دفاعه ، هذا فضلاً عن أن الثابت من محضر جلسة
المحاكمة أن المدافع عن الطاعن ترافع وأبدى دفاعه كاملاً وبعد سؤال المحكمة الشاهد
/ ..... عاد وعقب على أقواله مــستكملاً دفاعه ، فإن ما يثيره في هذا
المنحى يكون غير صحيح .
6- من
المقرر أن القول بتوافر حالة التلبس أو عدم توافرها هو من المسائل الموضوعية التي
تستقل محكمة الموضوع بتقديرها بغير معقب عليها ما دامت قد أقامت قضاءها على أسباب
سائغة ، وكان ما أورده الحكم في مدوناته تدليلاً على توافر حالة التلبس ورداً على ما
دفع به الطاعن من بطلان القبض عليه كافياً وسائغاً ويتفق وصحيح القانون ، فإن ما
يثيره الطاعن في هذا الصدد ينحل إلى جدل موضوعي لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض .
7-
لما كان مفاد ما أورده الحكم أن المحكمة قد خلصت إلى توافر جريمة الشروع في
الاستيلاء بغير حق وبنية التملك على الموصلات الكهربائية المملوكة لـ...... في
حق الطاعن بصفته موظفاً عاماً وقد أوقف أثر الجريمة بسبب لا دخل له فيه وهو ضبطه
والجريمة متلبس بها الأمر المعاقب عليه بنص المادة 113 من قانون العقوبات ، وأوقعت
عليه عقوبة السجن لمدة ثلاث سنوات وهي تدخل في نطاق العقوبة المقررة للشروع في
الجريمة ، فإن النعي في هذا المقام لا يكون سديداً .
8- من
المقرر أن شرعية العقاب تقضي بأن لا عقوبة بغير نص ، ولم تنص المادة 46 من قانون
العقوبات التي طبقتها المحكمة على عقوبة الغرامة النسبية التي يحكم بها في حالة
الجريمة التامة في جرائم الاختلاس والاستيلاء ، والحكمة من ذلك ظاهرة وهي أن تلك
الغرامة يمكن تحديدها في الجريمة التامة على أساس ما اختلسه الجاني أو استولى عليه
من مال أو منفعة أو ربح وفقاً لنص المادة 118 من قانون العقوبات ، أما في حالة الشروع فإن
تحديد تلك الغرامة غير ممكن لذاتية الجريمة ، فإن الحكم المطعون فيه وقد قضى
بالغرامة النسبية عن جريمة الشروع في الاستيلاء بغير حق على مال عام يكون قد
خالف القانون مما يتعين معه تصحيحه بإلغاء الغرامة النسبية المقضي بها وقدرها
ثلاثمائة وخمسة وتسعون ألف جنيه.
9- من المقرر بنص المادة 118 من قانون العقوبات أنه
" فضلاً عن العقوبات المقررة للجرائم المذكورة في المواد 11 ، 113 فقرة أولى
وثانية ورابعة ، 113 مكرراً فقرة أولى ، 114
، 115 ، 116 ، 116 مكرراً ، 117 فقرة أولى بعزل الجاني من وظيفته أو تزول صفته ، كما يحكم عليه في الجرائم المذكورة في
المواد 112 ، 113 فقرة أولى وثانية ورابعة
113 مكرراً فقرة أولى ، 114 ، 115 بالرد وبغرامة مساوية لقيمة ما اختلسه أو
استولى عليه أو حـصله أو طلبه من مال أو منفعة على ألا تقل عن خمسمائة جنيه ،
وكان جزاء الرد يدور مع موجبه من بقاء المال المختص في ذمة المتهم باختلاسه حتى
الحكم عليه ، وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه نفسه أن الأشياء محل جريمة
الشروع في الاستيلاء قد ضبطت ، فإن الحكم إذ قضى بالرد يكون معيباً بما يوجب نقضه
جزئياً وتصحيحه بإلغاء ما قضى به من رد .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوقائع
اتهمت النيابة العامة كلاً من / ..... بأنهم : 1- المتهم الأول : بصفته موظفاً عاماً فنياً بإدارة متابعة التشغيل
بشركة القناة لتوزيع الكهرباء شرع في الاستيلاء بغير حق وبنية التملك على
الموصلات الكهربائية المملوكة للشركة المصرية لنقل الكهرباء ، إلا أن الجريمة قد
أوقف أثرها لسبب لا دخل لإرادته فيه ألا وهو ضبطه والجريمة متلبس بها .
2- المتهمين الثاني والثالث والرابع : شرعوا في سرقة
المهمات موصلات كهربائية ذات جهد عالٍ محل الاتهام المستعملة والمعدة للاستعمال في
توصيل التيار الكهربائي التي أنشأتها الشركة المصرية لنقل الكهرباء والمخصص في
إنشائها لمنفعة عامة " خدمة توصيل الكهرباء ".
وأحالتهم
إلى محكمة جنايات ..... لمعاقبتهم طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالـة.
والمحكمة
المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 45 ، 46 /4 ، 113 ، 118 ، 119 من قانون
العقوبات: أولاً : بمعاقبة الأول بالسجن لمدة ثلاث سنوات وبعزله من الوظيفة
وتغريمه مبلغ 395000 جنيه "ثلاثمائة وخمسة وتسعين ألف جنيه" أو رد مبلغ
مساو لمبلغ الغرامة المقضي به عما أسند إليه . ثانياً : ببراءة كل من الثاني
والثالث والرابع مما أسند إليهم.
فطعن
المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض ..... إلخ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحكمة
حيث إن الطاعن
ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة الشروع في الاســتيلاء على
مال عام ، قد شابه القصور والتناقض في التسبيب ، والفساد في الاستدلال ، والخطأ في
تطبيق القانون وأخل بحقه في الدفاع ، ذلك بأنه لم يدلل تدليلاً كافياً على توافر
الصفة العامة للمال محل الجريمة ، ولم يستظهر أركان الجريمة وبخاصة القصد الجنائي
لها ، ولم يبين الأفعال الـتي قارفها الطاعن وعوَّل في قضائه بالإدانة من بين ما
عول عليه على أقوال الشاهد/ ..... في خصوص توافر القصد لدى الطاعن رغم مجافاتها
للحقيقة وخرج بها عن مدلولها ورغم أن الطاعن قدم فاتورة تفيد شرائه للمضبوطات
ومستندات عن تداولها بالأسواق ، إلا أن الحكم التفت عنها ولم يعرض لها ، كما لم
يبين مضمون تقرير اللجنة الفنية بياناً كافياً، ولم تمكنه المحكمة من إبداء دفاعه
بعد سماعها شاهد الإثبات/ .... ، كما أن الحكم اطرح الدفع ببطلان القبض وما تلاه
مـن إجراءات لانتفاء حالة التلبس برد قاصر وغير سائغ ، كما أن الحكم أورد
في أسبابه أنه دان الطاعن بجريمة الشروع في الاستيلاء على المال العام ثم عاد
وأوقع عليه عقوبة الجريمة التامة مما يدل على عدم إلمام المحكمة بالواقعة ، وقضى
رغم ذلك بالغرامة النسبية عملاً بالمادة 118 من قانون العقوبات، كما ألزمه بالرد
رغم ضبط الأشياء المستولى عليها بالمخالفة لمفهوم نص المادتين 46 ، 118 من القانون
المذكور، وكل ما تقدم يعيب الحكم ويستوجب نقضه .
وحيث إن الحكم المطعون فيه بيَّن واقعة
الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة الشروع في الاستيلاء على المال
العام التي دان الطاعن بها ، وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي
إلى ما رتبه الحكم عليها مستمدة من أقوال الشهود ومما ثبت من تقرير لجنة فحص
المضبوطات المشكلة من قبل النيابة العامة والتي بين الحكم مضمونه - على خلاف
ما يزعم الطاعن - بياناً كافياً ، وجاء استعراض المحكمة لأدلة الدعوى على نحو
يدل على أنها محصتها التمحيص الكافي ، وألمت بها إلماماً شاملاً يفيد أنها قامت
بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لمعرفة الحقيقة ، وكان من المقرر أن القانون لم
يرسم شكلاً أو نمطاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة
والــظروف التي وقعت فيها ومتى كان
مجموع ما أورده الحكم كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها
المحكمة - كما هو الحال في الدعوى الراهنة - ، فإن ذلك يـكون محققاً لحكم القانون
، ومن ثم فإن منعى الطاعن في هذا الشأن يكون لا محل له . لما كان ذلك ، وكان
من المقرر أن جناية الاستيلاء على مال للدولة بغير حق المنصوص عليها في المادة 113
من قانون العقوبات تتحقق متى استولى الموظف العام
أو من في حكمه على مال للدولة ، أو لإحدى الهيئات ، أو المؤسسات العامة ، أو
الشركات ، أو المنشآت إذا كانت الدولة أو إحدى الهيئات العامة تساهم في مالها
بنصيب ما بانتزاعه منها خلسة أو حيلة أو عنوة بنية تملكه وتضييع المال على ربه ، وإذ
كان ما أثبته الحكم المطعون فيه أن الطاعن وهو موظف عام يعمل رئيس قسم الإنارة
بشركة توزيع الكهرباء فرع ..... شرع في الاستيلاء بغير حق وبنية التملك على
الموصلات الكهربائية المملوكة للشركة .... ، وهي شركة حكومية تابعة
لوزارة الكهرباء ، وتستخدم هذه الموصلات التي لا تتداول في الأسواق ، وذلك بعد
أن وردت معلومات لضابط الواقعة معاون المباحث عن قيام مجموعة من الأشخاص بنقل كمية
من الموصلات المذكورة التي لا تتداول بالأسواق ليلاً من سيارة نقل إلى سيارة نقل أخرى
، وإذ بادر بالانتقال إلى المكان المحدد بسيارة الشرطة وما إن شاهده الطاعن وابنه
الذي كان يقوم بمعاونته ومعهما آخران وسائقا السيارتين بادروا بالهرب إلا أنه تمكن
من ضبطهم وأقروا له بالواقعة ، وكان الطاعن لم يجحد صفته التي
أثبتها الحكم من كونه موظفاً عاماً وقد أثبت الحكم أن الموصلات محل الاستيلاء
مملوكة لشركة تتبع وزارة الكهرباء، ومن ثم فإن ما وقع منه من أفعال تتوافر به
بهذه المثابة الأركان القانونية لجناية الاستيلاء المنصوص عليها في المادة 113
سالفة الذكر ، وكان الحكم قد أثبت مع ذلك في تدليل سائغ توافر كافة العناصر
القانونية للجريمة سالفة الذكر في حق الطاعن ، ورد على دفاعه بعدم توافر صفة العمومية
في الموصلات الكهربائية المضبوطة واطرحه في تدليل سائغ ، ومن ثم فإن النعي على
الحكم في هذا الصدد لا يكون سديداً . لما كان ذلك ، وكان الأصل أن من حق محكمة
الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث
الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها ، وأن تطرح ما يخالفها من
صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها
أصلها في الأوراق وكان وزن أقوال الشهود
وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء عليها مهما وجه إليها من
مطاعن وحام حولها من الشبهات ، كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله
المنزلة التي تراها ، وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه دون رقابة
لمحكمة النقض ، وهي متى أخذت بــشهادتهم فإن ذلك يـفيد أنها اطرحت جميع الاعتبارات
التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها ، وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال
شهود الإثبات وصحة تصويرهم للواقعة، فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الصدد يكون غير
مقبول . لما كان ذلك ، وكان البين من الرجوع
إلى محضر جلسة المحاكمة والحكم المطعون فيه أنها خلت من إثبات ما يزعمه الطاعن تقديمه حافظة مستندات تأييداً لدفاعه فليس له
من بعد أن ينعى على المحكمة قعودها عن تمحيص تلك المستندات وإبداء رأيها في
دلالتها على صحة دفاعه ، فضلاً عن أنه من المقرر أن للمحكمة أن تلتفت عن دليل
النفي ولو حملته أوراق رسمية ما دام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة
التي اطمأنت إليها من سائر الأدلة القائمة في الدعوى والتي تكفي لحمل قضائها -
كما هو الحال في الدعوى المطروحة - فإن منعى الطاعن في هذا الخصوص يكون في
غير محله . لما كان ذلك ، وكان ما يثيره بصدد عدم تمكين المحكمة له
من إبداء دفاعه بعد سماع شاهد الإثبات ، فإن ذلك مردود بأن المحكمة غير ملزمة بأن
ترسم للمتهم الطريق الذي يسلكه في دفاعه ، هذا فضلاً عن أن الثابت من محضر جلسة
المحاكمة أن المدافع عن الطاعن ترافع وأبدى دفاعه كاملاً وبعد سؤال المحكمة
الشاهد/ .... عاد وعقب على أقواله مستكملاً دفاعه ، فإن ما يثيره في هذا
المنحى يكون غير صحيح . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن القول بتوافر حالة التلبس
أو عدم توافرها هو من المسائل الموضوعية التي تستقل محكمة الموضوع بتقديرها
بغير معقب عليها ما دامت قد أقامت قضاءها على أسباب سائغة ، وكان ما أورده
الحكم في مدوناته تدليلاً على توافر حالة التلبس ورداً على ما دفع به الطاعن من
بطلان القبض عليه كافياً وسائغاً ويتفق وصحيح القانون ، فإن ما يثيره الطاعن في
هذا الصدد ينحل إلى جدل موضوعي لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض . لما كان ذلك ،
وكان مفاد ما أورده الحكم أن المحكمة قد خلصت إلى توافر جريمة الشروع في الاستيلاء
بغير حق وبنية التملك على الموصلات الكهربائية المملوكة لـ.... في حق الطاعن
بصفته موظفاً عاماً ، وقد أوقف أثر الجريمة بسبب لا دخل له فيه وهو ضبطه
والجريمة متلبس بها الأمر المعاقب عليه بنص المادة 113 من قانون
العقوبات وأوقعت عليه عقوبة السجن لمدة ثلاث سنوات وهي تدخل في نطاق
العقوبة المقررة للشروع في الجريمة ، فإن النعي في هذا المقام لا يكون سديداً .
لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن شرعية العقاب تقضي بأن لا عقوبة بغير نص ولم تنص
المادة 46 من قانون العقوبات التي طبقتها المحكمة على عقوبة الغرامة النسبية التي
يحكم بها في حالة الجريمة التامة في جــرائم الاختلاس والاستيلاء ، والحكمة من ذلك
ظاهرة وهي أن تلك الغرامة يمكن تحديدها
في الجريمة التامة على أساس ما اختلسه الجاني أو استولى عليه من مال أو منفعة أو
ربح وفقاً لنص المادة 118 من قانون العقوبات ، أما في حالة الشروع فإن تحديد تلك الغرامة غير ممكن لذاتية الجريمة . لما كان
ذلك ، فإن الحكم المطعون فيه وقد قضى بالغرامة
النسبية عن جريمة الشروع في الاستيلاء بغير حق على مال عام يكون قد خالف القانون
مما يتعين معه تصحيحه بإلغاء الغرامة النسبية المقضي بها وقدرها ثلاثمائة وخمسة
وتسعون ألف جنيه . لما كان ذلك، وكانت المادة 118 من قانون العقوبات على أنه
" فضلاً عن العقوبات المقررة للجرائم المذكورة في المواد 11 ، 113 فقرة أولى
وثانية ورابعة ، 113 مكرراً فقرة أولى 114
، 115 ، 116 ، 116 مكرراً ، 117 فقرة أولى بعزل الجاني من وظيفة أو تزول صفته كما يحكم عليه في الجرائم المذكورة في المواد
112 ، 113 فقرة أولى وثـانية ورابعة ، 113 مكرراً فقرة أولى ، 114 ، 115
بالرد وبغرامة مساوية لقيمة ما اختلسه أو استولى عليه أو حصله أو طلبه من مال أو منفعة على ألا تقل عن خمسمائة جنيه " . لما كان ذلك ، وكان
جزاء الرد يدور مع موجبه من بقاء المال المختلس في ذمة المتهم باختلاسه حتى الحكم
عليه ، وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه نفسه أن الأشياء محل جريمة الشروع
في الاستيلاء قد ضبطت فإن الحكم إذ قضى
بالرد يكون معيباً بما يوجب نقضه جزئياً وتصحيحه بإلغاء ما قضى به من رد ورفض الطعن فيما عدا ما تقدم .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق