جلسة 20 من مايو سنة 2010
برئاسة السيد المستشار/ أنور جبري نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين / نير عثمان ، أحمد عبد القوي أحمد ، نجاح موسى ومصطفى الصادق نواب رئيس المحكمة .
----------
(53)
الطعن 11052 لسنة 79 ق
(1) حكم " بيانات التسبيب" " تسبيبه . تسبيب غير
معيب " " ما لا يعيبه في نطاق التدليل". نقض " أسباب الطعن .
ما لا يقبل منها".
عدم رسم القانون شكلاً خاصاً لصياغة الحكم .
خطأ الحكم في بعض مواضع منه في بيان ترتيب المتهمين .
خطأ مادي . لا ينال من سلامته . مادام البين من مدوناته تفطن المحكمة لحقيقة وقائع
الدعوى وتسلسل أحداثها وتاريخ وقوعها ودور كل متهم فيها رغم تعديل ترتيبهم أمام
محكمة الإعادة .
مثال .
(2) إجراءات " إجراءات
التحقيق " " إجراءات المحاكمة " . دفاع " الإخلال بحق الدفاع
. ما لا يوفره ". نقض " أسباب
الطعن . تحديدها " " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها ".
وجوب تفصيل أسباب الطعن ابتداء . علة ذلك ؟
تعييب التحقيق الذي جرى في المرحلة السابقة على المحاكمة
. لا يصلح سبباً للطعن على الحكم . علة ذلك ؟
النعي على المحكمة قعودها عن إجراء لم يطلب منها ولم تر هي
لزوماً لإجرائه . غير جائز.
(3) إثبات " بوجه عام" "شهود".
محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل ". نقض "أسباب الطعن . ما لا يقبل
منها".
العبرة في المحاكمات الجنائية
باقتناع القاضي بناء على الأدلة المطروحة عليه . له الأخذ بأي دليل . حد ذلك ؟
وزن أقوال الشهود وتقديرها .
موضوعي .
للمحكمة الأخذ بأقوال الشاهد في أي
مرحلة من مراحل التحقيق أو المحاكمة . متى اطمأنت إليه . ولها الالتفات عما عداه
دون بيان العلة أو موضع الدليل في أوراق الدعوى . مادام له أصل ثابت في الأوراق.
الجدل الموضوعي في تقدير الأدلة .
غير جائز أمام محكمة النقض.
(4) إثبات "بوجه
عام". دفوع " الدفع بنفي التهمة". دفاع " الإخلال بحق الدفاع
. ما لا يوفره". محكمة الموضوع "سلطتها
في تقدير الدليل". حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب".
عدم التزام المحكمة بالتحدث في حكمها
إلا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها.
الدفع بنفي التهمة . دفاع موضوعي .
لا يستأهل رداً . استفادة الرد عليه من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم .
مثال.
(5) دفاع " الإخلال بحق
الدفاع . ما لا يوفره". حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب" " ما لا يعيبه في نطاق التدليل".
الطلب الذي تلتزم المحكمة بإجابته
والرد عليه . ماهيته ؟
مثال لما لا يعد طلباً جازماً .
(6) إثبات " بوجه عام "
" قرائن ". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". نقض "أسباب الطعن . ما لا يقبل منها".
حرية
القاضي الجنائي في المسائل الجنائية في تقصي ثبوت الجرائم أو عدم ثبوتها وحقيقة علاقة
المتهمين ومدى اتصالهم بها ووزن قوة الإثبات بعناصرها والأخذ بما يطمئن إليه
واطراح ما عداه دون التقيد بأدلة أو
قرائن معينة حسب كل دعوى وظروفها . علة وأساس ذلك ؟
الجدل الموضوعي في حق محكمة
الموضوع في تقدير أدلة الدعوى وتكوين معتقدها . غير جائز أمام محكمة النقض .
(7) حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب".
الحكم بإدانة الطاعن ومعاملته من بعد بالرأفة . لا تناقض
فيه .
(8) نقض " المصلحة في الطعن " " أسباب
الطعن . ما لا يقبل منها".
المصلحة . شرط لازم في كل طعن . انتفاؤها . أثره : عدم
قبول الطعن .
مثال.
(9) رشوة . نيابة عامة . وصف التهمة . حكم " تسبيبه
. تسبيب غير معيب".
عدم ذكر النيابة العامة في وصفها للتهم المسندة للطاعن
طلبه للرشوة بنفسه وإنما بواسطة غيره . نعيه بشأن ذلك . غير صحيح .
(10) حكم "بيانات التسبيب" "تسبيبه .
تسبيب غير معيب".
إثبات تاريخ إصدار الحكم في مكان معين منه . غير لازم .
(11) نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها ".
نعي الطاعن بخوض محكمة النقض في موضوع الدعوى حين قضت
بنقض الحكم القاضي ببراءته . غير مقبول . علة ذلك ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- لما كان الحكم المطعون فيه
بين واقعة الدعوى بما مفاده أن علاقة حميمة مشبوهة نشأت بين المحكوم عليهما .....
- الطاعن - .... إذ وجد كل منهما في الآخر ضالته المنشودة لتحقيق مآربه غير
المشروعة بعرض الطاعن وظيفته للبيع لمن يرغب في استغلالها سواء كان ذلك بالحكم
لصالحه في القضايا التي تنظرها الدائرة التي يترأسها أو بالتوسط لدى بعض من زملائه
لذات الغرض أو باستخدام نفوذه لدى أجهزة الإدارة لتحقيق أغراض الراغبين منها وذلك
كله من خلال المحكوم عليه الآخر الذي كان يزعم العمل كمستشار بجامعة الدول العربية
وقد تولى تسويق بضاعة الطاعن بالسعر لدى طالبيها والتفاوض معهم في شأنها وقبض
قيمتها نظير حصة منها يختص بها وأنه في غضون ...... تعرف الأخير على المحكوم عليه "...."
رئيس مجلس إدارة شركة "..." وعلم منه أن له قضايا متداولة أمام محاكم
"..." فأخبره أنه على صلة وثيقة برئيس محكمة جنح مستأنف
"...." ـ الطاعن ـ الذي يترأس دائرة يوم ... بها وأنه يمكنه التوسط
لديه لإنهاء تلك القضايا لصالحه ودعاه إلى منزله في غضون شهر ...... سنة ....
وأجرى التعارف بين الطاعن وبينه وعلى أثر ذلك طلب الأخير من ذلك الوسيط - .... -
أن يتوسط لدى الطاعن ليستعمل نفوذه لدى زميله رئيس دائرة ..... بذات المحكمة
ليستأجله في نظر قضيتين متداولتين أمام دائرته مما هو متهم فيه من قضايا فقبل ذلك
ثم أبلغه أن الطاعن يطلب مقابل ذلك عشرة آلاف جنيه فأبدى له موافقته وإذ تحقق له
مأربه بادر بتسليم الوسيط ثمانية آلاف جنيه ليعطيها للمرتشي - الطاعن - ثم أحاط
ذات الوسيط علماً بأنه مدين لشركة "...." الألمانية بمبلغ ستمائة وستة
وثلاثون ألف دولار بشيكات صادرة منه وأنه كان قد اتفق مع رئيس مجلس إدارتها على
تحرير شيكات أخرى بتواريخ جديدة بدلاً عنها وقد استولى المذكور على الشيكات جميعاً
وغادر البلاد فحرر بلاغاً ضده في غضون أبريل ..... بقسم شرطة "..."
ففوجئ بحفظه في يناير .... فاستشار الوسيط هاتفياً الطاعن في هذا الأمر ثم أملى
على محاميه ـ "...." ـ صيغة لبلاغ جديد حسبما أشار عليه الطاعن والذي
طلب أن يتوجه المحامي بالبلاغ إلى رئيس نيابة "..." على أن يخبره أنه من
أقاربه وإذ تأشر من رئيس النيابة على البلاغ بالإحالة للقسم قيد برقم .... لسنة .. جنح قسم ... وإذ أبلغ الوسيط بذلك طلب الأخير
منه بناء على أمر الطاعن ضرورة تغيير رقم القيد إلى آخر فردي ليكون من اختصاص
دائرة جزئية معينة بالمحكمة على علاقة وثيقة برئيسها ومن ثم يكون نظرها استئنافياً
من اختصاصه هو وفي يوم "...." التقى الشاهد "..." مع الوسيط
المذكور والطاعن من بعد وتوجهوا إلى قسم شرطة ... وتقدم الطاعن لأحد الضباط هناك
ويدعى... وعرفه بنفسه وطلب منه تغيير رقم البلاغ سالف الذكر إلى آخر فردى فأجابه
الضابط لطلبه وأعيد قيده برقم ... لسنة... وعقب ذلك طلب الوسيط من الراشي ـ .... ـ
نسبة قدرها 16% من إجمالي مديونيته للشركة الألمانية يحصل عليها الطاعن مقابل
قيامه بتقديم المحضر الذي أعيد قيده لجلسة عاجله وصدور حكم فيه لصالحه على أن يتم
تحرير عقد صوري بين الراشي وشقيق الوسيط ـ "..." ـ ضماناً لسداد مبلغ
الرشوة يتضمن حصول الأخير على هذا المبلغ وإلا تؤول ملكية مقر شركة الراشي بمدينة
"..." إلى الطرف الآخر وقد عرض على الراشي المذكور مسودة لذلك العقد
محررة بخط يد الطاعن وطلب الوسيط من الراشي سداد دفعة مقدمة من مبلغ الرشوة قدرها
مائة ألف جنيه وإذ اتفق الأخير مع محاميه سالف الذكر على مجاراة المذكورين لحين
القضاء في الجنحة المقامة ضده من شركة ... الهندسية المحدد لنظرها جلسة
"..." أمام دائرة .... بمحكمة جنح ... ، وقد قام ذات الوسيط بإبلاغ
ذلك الراشي بأن الطاعن يطلب مبلغ عشرة آلاف جنيه من مبلغ الرشوة المتفق عليه فأرسل
أحد تابعيه وهو الشاهد "..." بمبلغ ألف دولار والتقى به وسلمه المبلغ في
حضور الطاعن وفي مساء ذات اليوم ذهب بنفسه إلى منزل الوسيط وسلمه أربعة آلاف
وخمسمائة جنيه وعقب ذلك أخذ الأخير في تهديده بصدور أحكام ضده في الجنح المستأنفة
المتهم فيها المنظورة بمحكمة ... إن لم يبادر بتنفيذ اتفاق الرشوة وبالفعل أبلغه
محاميه بأن ذلك الوسيط قد اتصل به يوم ... وأخبره بتأييد أحد الأحكام الصادرة ضده
استئنافياً وكان ذلك قبل ساعات من النطق به فبادر بالإبلاغ عما وقع . وإذ التقى
الوسيط والطاعن بمكتب المحامي ... يوم ... طلبا منه رشوة قدرها أربعمائة ألف جنيه
يدفعها موكله المحكوم عليه .... مقابل إصدار حكم لصالحه في الدعوى الخاصة بتسليم
دار سينما .... إليه بالإضافة إلى ثلاثين ألف جنيه مقابل أتعاب المحامين. كما سعى
كذلك ذات الوسيط للقاء .... وإذ تحقق ذلك عرض عليه استخدام الطاعن نفوذه لدى
المحكوم عليه ... رئيس الدائرة ... مدني كلي ... للحصول على حكم بتسليمه دار
السينما المار ذكرها مقابل أربعمائة ألف جنيه على سبيل الرشوة بالإضافة إلى أتعاب
المحامين فوافق على دفع مائتين ألف جنيه بعد صدور ذلك الحكم واستلامه للسينما وفي
مساء اليوم التالي التقى مرة أخرى بذلك الوسيط وسلمه توكلاً منه للمحامي .....
بناء على طلبه وصور ضوئية من الأحكام الصادرة بشأن النزاع ومبلغ عشرين ألف جنيه
وذلك في حضور الطاعن وإذ التقى الأخير ووسيطه بالمحامي ... طلبا منه إقامة دعوى
بطلب تسليم تلك السينما لمن أصدر له التوكيل مع شمول الحكم بالنفاذ المعجل وقام
الطاعن بشرح تفاصيل الدعوى له وقدم له صوراً ضوئية من مستنداتها فأعد صحيفتها
وتوجه في اليوم التالي إلى محكمة ... وقد حضر للقائه فيها كل من الطاعن ووسيطة
وتقدما إلى رئيس القلم المدني بعد أن عرفه الطاعن بنفسه وطلب منه قيد الدعوى أمام
الدائرة .. مدني كلى ... وإذ أجابه بعدم إمكانية ذلك لمخالفته للنظام المتبع في
القيد انتظر أمامه فترة حتى تم قيدها برقم ... لسنة ... مدني كلي ... أمام تلك
الدائرة وتحدد لها جلسة ... وعقب ذلك تقابلا مع المحكوم عليه ...ـ رئيس الدائرة
المار ذكرها ـ وأبلغاه بمضمون الاتفاق الذي تم بينهما وبين ...وأنهم ثلاثتهم
سيقتسمون مبلغ الرشوة فيما بينهم فوافق وأخبرهما أنه سيقوم بتأجيل تلك الدعوى
لجلسة .... لإعادة الإعلان ثم يحجزها للحكم وطلب بدوره من الطاعن أن يقضى ببراءة
زوجته .... حال نظره الاستئناف المقام منها عن الحكم الصادر غيابياً بإدانتها في
جريمة ممارسة الدعارة بعد أن تنازلت عن الطعن فيه بالمعارضة. كما توسط المحكوم
عليه ......لدى الطاعن عن طريق وسيطه سالف الذكر وذلك لإصدار حكم لصالح ....المتهم
في القضية رقم ....جنح مستأنف .... وصحبه إلى مسكن ذلك الوسيط ـ ..... ـ والتقى
المتهم هناك بالطاعن وعرض عليه دعواه فأبدى رأيه فيها بضرورة إحالتها إلى قسم
أبحاث التزييف والتزوير وذلك بعد أن أحاطه وسيطه علماً بأن هذه الدعوى متداولة أمام
دائرته ثم طلب ذلك الوسيط منه في حضور الطاعن أن يدفع مبلغاً قدره مائة وخمسون ألف
جنيه على سبيل الرشوة على أن يدفع نصفه قبل الجلسة المحددة لنظر الدعوى والنصف الآخر
بعد صدور حكم البراءة فقام بالإبلاغ عن الواقعة . وأورد الحكم على ثبوت الواقعة في
حق الطاعن أدلة استمدها من أقوال الشهود .... و.... والمقدم .... والنقيب ......
و.... ومن إقرار واعتراف المتهمين ...... و... و... بتحقيقات النيابة العامة وأمام
المحكمة واعتراف المتهم .... بتحقيقات النيابة العامة وما ثبت من تقرير قسم
أبحاث التزييف والتزوير من أن الطاعن هو الكاتب بخط يده بيانات المحررين موضوع
الفحص - عقد الاتفاق الذي قُصد به أن يكون غطاء وضماناً للرشوة المطلوبة من ....
والورقة التي تحوي بيانات بشأن دعوى تسليم دار السينما - وهي أدلة سائغة تؤدي إلى
ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك ، وكان ما أثبته الحكم كافياً لتفهم واقعة
الدعوى وظروفها حسبما تبينتها المحكمة وتتوافر به كافة الأركان القانونية للجرائم
المسندة إلى الطاعن فإن ذلك يحقق حكم القانون إذ لم يرسم شكلاً خاصاً يصوغ فيه
الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة وكان الثابت من الحكم أنه أورد مؤدى الأدلة التي
استخلص منها الإدانة في بيان واف يتفق مـــع ما أورده في بيانه لواقعة الدعوى فإنه
ينحسر عن الحكم قالة القصور في التسبيب ولا ينال من سلامة الحكم أنه حين أورد بيان
وقائع الدعوى قد أخطأ في بعض مواضع منه في بيان ترتيب المتهمين ـ على نحو ما ورد بأسباب
الطعن ـ فهي نافلة مردها خطأ مادي بحت جرى به حكم المحكمة فحسب إذ الواضح من
مدونات الحكم أن المحكمة قد فطنت تماماً إلى حقيقة وقائع الدعوى وتسلسل أحداثها
وتاريخ وقوع كل منها ودور كل متهم فيها تحديداً بما له أصله الصحيح من الأوراق
خاصة وأنه قد تعدل ترتيب المتهمين أمام محكمة الإعادة عنه في المحاكمة الأولى بعد
أن اقتصرت المحاكمة في الإعادة على من تجري محاكمتهم حضورياً.
2- من المقرر أن
تفصيل أسباب الطعن ابتداء مطلوب على وجه الوجوب تحديداً للطعن وتعريفاً بوجهه وكان
الطاعن لم يفصح بأسباب طعنه عن أوجه القصور وعدم الحيدة التي رمى بها تحقيقات
النيابة العامة فضلاً عن أن ما يثيره في هذا الصدد لا يعدو أن يكون تعييباً للتحقيق الذي جرى في المرحلة السابقة على المحاكمة
لا يصح أن يكون سبباً للطـعن على الحكم إذ إنه من المقرر أن تعييب التحقيق الذي
تجريه النيابة العامة لا تأثير له على سلامة الحكم والأصل أن العبرة عند المحاكمة
هي بالتحقيق الذي تجريه المحكمة بنفسها وطالما لم يطلب الدفاع منها استكمال ما قد
يكون بالتحقيقات الابتدائية من نقص أو عيب فليس له أن يتخذ من ذلك سبباً لمنعاه .
وليس له من بعد النعي على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلب منها ولم تر هي
من جانبها لزوماً لإجرائه.
3- من المقرر أن
العبرة في المحاكمة الجنائية هي باقتناع القاضي بناء على الأدلة المطروحة عليه ولا
يصح مطالبته بالأخذ بدليل بعينه فيما عدا الأحوال التي قيده القانون فيها بذلك.
لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها
شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مها وجه إليها من مطاعن
وحام حولها من الشبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع
تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه، وأن للمحكمة أن
تأخذ بقول الشاهد في أية مرحلة من مراحل التحقيق أو المحاكمـة متى اطمأنت إليه وأن
تلتفت عما عداه دون أن تبين العلة أو موضع الدليل في أوراق الدعوى ومادام له أصل
ثابت فيها ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً
في تقدير الأدلة مما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها فيه ولا مصادرة عقيدتها
بشأنه أمام محكمة النقض.
4- لما كان الثابت من محاضر جلسات المحاكمة أن
الطاعن لم يطلب من المحكمة أن تفض حرز التسجيلات الصوتية فليس له من بعد أن ينعى
على الحكم عدم اطلاع المحكمة عليها ، فضلاً عن أن مفاد عدم تعرض الحكم لتلك
التسجيلات أنه اطرحها ولم يعول عليها لما هو مقرر في أصول الاستدلال من أن المحكمة
لا تلتزم بالتحدث في حكمها إلا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها فلا تورد من
الأدلة إلا ما تطمئن إليه وتقيم عليه قضاءها. لما كان ذلك، وكان من المقرر كذلك أن
نفي التهمة من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستأهل رداً طالما كان الرد عليه
مستفاداً من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم. فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الصدد
يكون غير سديد.
5- لما كان البين
من مطالعة محضر جلسة المحاكمة الأخير أن المدافع عن الطاعن اختتم مرافعته طالباً
الحكم ببراءته مما أسند إليه دون أن يتمسك بسماع أقوال المتهم .... فإن المحكمة لا
تكون مخطئة إذا لم تسمع هذا المتهم أو ترد على طلب سماعه لما هو مقرر من أن
المحكمة لا تلتزم بالرد إلا على الطلب الجازم الذي يصر عليه مقدمه ولا ينفك عن
التمسك به والإصرار عليه في طلباته الختامية فإن منعي الطاعن في هذا الشأن
يكون غير سديد.
6- لما كان القانون
قد أمد القاضي في المسائل الجنائية بسلطة واسعة وحرية كاملة في سبيل تقصي ثبوت
الجرائم أو عدم ثبوتها والوقوف على حقيقة علاقة المتهمين ومدى اتصالهم بها ففتح له
باب الإثبات على مصراعيه يختار من كل طرقه ما يراه موصلاً إلى الكشف عن الحقيقة
ويزن قوة الإثبات المستمدة من كل عنصر بمحض وجدانه فيأخذ بما تطمئن إليه عقيدته
ويطرح ما لا ترتاح إليه غير ملزم بأن يسترشد في قضائه بقرائن وأدلة معينة بل له
مطلق الحرية في تقدير ما يعرض عليه منها ووزن قوته التدليلية في كل حالة حسبما
يستفاد من وقائع كل دعوى وظروفها بغية الحقيقة ينشدها إن وجدها ومن أي سبيل يجده
مؤدياً إليها ولا رقيب عليه في ذلك غير ضميره وحده ، هذا هو الأصل العام الذي أقام
عليه القانون الجنائي قواعـد الإثبات لتكون موائمة لما تستلزمه طبيعة الأفعال
الجنائيـة وتقتضيه مصلحة الجماعة من وجوب معاقبة كل جان وتبرئة كل بريء ، فإن ما
ينعاه الطاعن في هذا الصدد ينحل إلى جدل موضوعي في حق محكمة الموضوع في تقدير أدلة
الدعوى وتكوين معتقدها وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.
7- لما كان ما
انتهى إليه الحكم من إدانة الطاعن ومعاملته من بعد بالرأفة لا تناقض فيه فإن النعي
على الحكم في هذا الصدد يكون غير سديد.
8- من المقرر أن
المصلحة شرط لازم في كل طعن فإذا انتفت لا يكون الطعن مقبولاً ، وكان لا مصلحة
للطاعن فيما يثيره بشأن إعمال الحكم المادة 32 من قانون العقوبات في حقه ومن ثم فإن
نعيه في هذا الصدد يكون غير مقبول.
9- لما كان البين من النيابة العامة في وصفها
للتهم التي أسندتها إلى الطاعن أنها لم تذكر في أي منها طلبه للرشوة بنفسه وإنما
كان ذلك بواسطة غيره ومن ثم يكون منعي الطاعن في هذا الخصوص لا أساس له.
10- لما كان البين
من مطالعة الحكم المطعون فيه أنه يحمل تاريخ إصداره خلافاً لما يقوله الطاعن، وكان
لا يعيب الحكم ورود تاريخ إصداره في صفحته الأولى وفي أي موضع منها. ذلك أن
القانون لم يشترط إثبات هذا البيان في مكان معين فإن منعي الطاعن في هذا الشأن
يكون غير سديد.
11- لما كان ما ينعاه الطاعن من أن محكمة النقض
حين قضت بنقض الحكم القاضي ببراءته خاضت في
موضوع الدعوى فإن ذلك غير موجه إلى قضاء الحكم المطعون فيه ولا يتصل به
إنما هو موجه لقضاء محكمة النقض المار ذكره فإن ما يثيره الطاعن بهذا النعي لا
يكون مقبولاً.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوقائع
اتهمت النيابـة العامة كلاً من : 1- ...
"طاعن" 2- .... 3- .... 4- .... 5- .... 6- .... بأنهم : أولاً : المتهم
الأول : 1) بصفته موظفاً عمومياً رئيس محكمة جنح مستأنف .... طلب لنفسه وأخذ عطية
لاستعمال نفوذه للحصول على مزية من سلطة عامة وللإخلال بواجبات وظيفته بأن طلب من
المتهم الثالث بوساطة المتهم الخامس مبلغ خمسمائة ألف جنيه وأخذ منه عشرة آلاف
جنيه على سبيل الرشوة مقابل استعمال نفوذه لدى القائمين على قيد المحاضر بقسم شرطة
... لتغيير رقم محضر الجنحة المحررة بشأن بلاغ المتهم الثالث إلى رقم فردي ليصير
من اختصاصه الفصل فيه وللإخلال بواجبات وظيفته بالقضاء في تلك الجنحة لصالح المتهم
الثالث حال نظرها استئنافياً أمام الدائرة رئاسته وذلك على النحو المبين تفصيلاً
بالتحقيقات . 2) بصفته سالفة البيان طلب لنفسه وأخذ عطية لاستعمال نفوذه للحصول
على قرار من سلطة عامة بأن طلب من المتهم الثالث بوساطة المتهم الخامس مبلغ عشرة آلاف
جنيه أخذ منه ستة آلاف جنيه على سبيل الرشوة مقابل استعمال نفوذه لدى رئيس محكمة
جنح مستأنف "..." دائرة ... كي يصدر قراراً بتأجيل القضية رقم .... لسنة
.... جنح مستأنف .. الخاصة بالمتهم الثالث لأجل طويل للسداد على النحو المبين
تفصيلاً بالتحقيقات. 3) بصفته سالفة البيان طلب لنفسه عطية لاستعمال نفوذه للحصول
على مزية من سلطة عامة بأن طلب من المتهم الرابع بوساطة المتهم الخامس مبلغ مائتين
وثلاثين ألف جنيه أخذ منه عشرين ألف جنيه على سبيل الرشوة مقابل استعمال نفوذه لدى
رئيس القلم المدني بمحكمة .... الابتدائية لقيد صحيفة الدعوى المرفوعة من المتهم
الرابع أمام الدائرة ... مدني كلي رئاسة المتهم الثاني ليصدر فيها حكماً لصالحه
بتسليمه دار سينما ".." على النحو المبين تفصيلاً بالتحقيقات. 4) بصفته
سالفة البيان طلب عطية للإخلال بواجبات وظيفته بأن طلب من ... بوساطة المتهمين
الخامس والسادس مبلغ مائة وخمسين ألف جنيه على سبيل الرشوة مقابل إصداره حكماً
لصالحه في القضية رقم ... لسنة .... جنح مستأنف .... والمتهم فيها بإعطاء شيك لا
يقابله رصيد قائم على النحو المبين تفصيلاً بالتحقيقات.
ثانياً: المتهم الثاني: بصفته موظفاً عمومياً رئيس الدائرة ...مدني كلي ...
قبل وعداً بعطية للإخلال بواجبات وظيفته بأن قبل من المتهم الرابع بوساطة المتهمين
الأول والخامس وعداً بمبلغ مائتي ألف جنيه على سبيل الرشوة مقابل إصداره حكماً
لصالحه في الدعوى رقم ... لسنة ... مدني كلي... بتسليمه دار سينما "..."
محل النزاع فيها على النحو المبين تفصيلاً بالتحقيقات.
ثالثاً: المتهم الثالث: 1) قدم عطية لموظف عمومي لاستعمال نفوذه للحصول على
مزية من سلطة عامة بأن قدم للمتهم الأول بوساطة المتهم الخامس مبلغ عشرة آلاف جنيه
مقابل استعمال نفوذه لدى القائمين على قيد المحاضر بقسم شرطة ... لتغيير رقم
المحضر المحرر بشأن بلاغه إلى رقم فردي ليصير من اختصاصه الفصل فيه وللإخلال
بواجبات وظيفته بالقضاء فيه لصالحه حال نظره استئنافياً أمام الدائرة رئاسته. 2)
قدم عطية لموظف عمومي لاستعمال نفوذه للحصول على قرار من سلطة عامة بأن قدم للمتهم
الأول بوساطة المتهم الخامس مبلـــغ ستة آلاف جنيه على سبيل الرشوة مقابل استعمال
نفوذه لدى رئيس محكمة جنح مستأنف .... دائرة ... لتأجيل نظر القضية رقم .... لسنة
.... جنح مستأنف ...المتهم فيها.
رابعاً: المتهم الرابع: 1) قدم رشوة لموظف عمومي لاستعمال نفوذه للحصول على
مزية من سلطة عامة بأن قدم للمتهم الأول بوساطة المتهم الخامس مبلغ عشرين ألف جنيه
على سبيل الرشوة مقابل استعمال نفوذه لدى رئيس القلم المدني بمحكمة ... الابتدائية
لقيد صحيفة الدعوى المرفوعة منه أمام الدائرة ... مدني كلي رئاسة المتهم الثاني
ليصدر حكماً لصالحه بتسليمه العقار موضوع النزاع في تلك الدعوى. 2) قدم رشوة لموظف
عمومي للإخلال بواجبات وظيفته بأن قدم للمتهم الثاني رئيس الدائرة ...مدني كلي ...
بوساطة المتهمين الأول والخامس وعداً بإعطائه مبلغ مائتي ألف جنيه على سبيل الرشوة
مقابل إصداره حكماً لصالحه في الدعوى رقم ... لسنة ... مدني كلي ...بتسليمه دار
سينما ...على النحو المبين تفصيلاً بالتحقيقات.
خامساً:
المتهم الخامس: 1) توسط في جرائم رشوة المتهم الأول " موضوع بنود التهمة أولاً
" على النحو المبين بالتحقيقات. 2) توسط في جريمة الرشوة محل اتهام المتهم
الثاني " موضوع التهمة ثانياً " على النحو المبين بالتحقيقات.
سادساً:
المتهم السادس: توسط في جريمة الرشوة محل اتهام المتهم الأول " موضوع البند
الرابع من التهمة أولاً " .
سابعاً: المتهم الأول: توسط في جريمة الرشوة محل اتهام المتهم الثـاني "موضوع
التهـمة ثانياً" على النحو المبين تفصيلاً بالتحقيقات.
وأحالتهم إلى محكمة
جنايات... لمعاقبتهم طبقـاً للقـيد والوصف
الواردين بأمر الإحالة.
والمحكمة المذكورة
عدلت وصف التهمة بالنسبة للمتهم الخامس ... وشهرته "..." بجعله :ـ 1)
توصل إلى الاستيلاء على مبلغ ثمانية آلاف جنيه المملوكة لـ..... وكان ذلك
بالاحتيال لسلب بعض ثروته باستعمال طرق احتيالية من شأنها الإيهام بوجود واقعة
مزورة في صورة واقعة صحيحة بأن أوهمه بتوصيل هذا المبلغ للقاضي .... مقابل وساطته في
تأجيل القضية رقم "..." لسنة "..." جنح قسم ... المنظورة
بجلسة ..... إلى جلسة ... لدى زميله رئيس
دائرة الجنح المستأنفة المنظورة أمامها القضية بينما اتجهت نيته منذ البداية إلى
الاسئثار بالمبلغ لنفسه. 2) توصل إلى الاستيلاء على مبلغ ألف دولار وأربعة آلاف
وخمسمائة جنيه والمملوكة لـ.... وكان ذلك باستعمال طرق احتيالية من شأنها إيهام المجني
عليه بوجود واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة بأن أوهمه بالوساطة لدى القاضي .... في
استصدار حكم نهائي لصالحه من الدائرة التي يرأسها يتم بموجب إيقاف قضايا الشيكات
المقامة ضده من شركة .... الألمانية وأن هذا المبلغ لإيداعه في الفيزا كارد الخاصة
بالقاضي المذكور كجزء من مقدم الرشوة فانخدع المجني عليه وسلمه المبلغ سالف الذكر
بينما اتجهت نيته منذ البداية إلى الاستئثار بالمبلغ لنفسه. 3) توصل للاستيلاء على مبلغ عشرين ألف جنيه من المجني
عليه .... وكان ذلك باستعمال طرق احتيالية من شأنها الإيهام بوجود واقعة مزورة في
صورة واقعة صحيحة والاتصاف بصفة كاذبة بأن استدعى المجني عليه إلى مسكنه وأوهمه
أنه رئيس محكمة جنايات وقريب للمنتجين ..... وأنه سيحصل له على حكم من الدائرة ...
مدني كلي ... بتسليمه دار سينما ... مقابل مبلغ مالي تم الاتفاق عليه وأشار على
المتهم الأول الذي كان جالساً على منضده الطعام مؤكداً أنه رئيس الدائرة ... مدني
سالفة الذكر الذي سيتولى إصدار الحكم فانخدع المجني عليه بهذه الطرق الاحتيالية
واستولى منه على المبلغ سالف الذكر كأتعاب للمحامين الذين سيتولون قيد الدعوى
ومباشرتها بينما اتجهت نيته من البداية إلى الاستئثار بالمبلغ لنفسه. 4) شرع في
الاستيلاء على مبالغ نقدية مملوكة لـ... وكان ذلك باستعمال طرق احتيالية من شأنها
الإيهام بوجود واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة بأن أوهمه بالوساطة لدى رئيس
الدائرة ...جنح مستأنف ... المنظورة أمامها القضية الخاصة به الرقيمة ... لسنة ...
جنح قسم ... للحصول على حكم منه بالبراءة مقابل مائة وخمسين ألف جنيه يدفع
نصفها قبل صدور الحكم والباقي بعد صدوره وخاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادة المتهم فيه هو قيام المجني عليه
بالإبلاغ عن الواقعة . كما عدلت وصف التهمة بالنسبة للمتهم السادس ... بجعله بصفته
موظفاً عمومياً أمين سر جلسة الإيجارات بمحكمة ..... عرض الوساطة في رشوة موظف عام
.... رئيس الدائرة ... جنح مستأنف ... وذلك بأن عرض على ....... الوساطة في رشوة
الموظف العام السابق ذكره بمبلغ مائة وخمسين ألف جنيه أن يدفع نصفها للمذكور قبل
صدور الحكم في القضية رقم ... لسنة... جنح قسم ... والنصف الآخر بعد صدوره ولم
يتعد عمله العرض.
والمحكمة
المذكورة قضت حضورياً للأول والثاني والرابع والخامس والسادس وغيابياً للثالث عملاً
بالمادة 304 /1 ، 2 من قانون الإجراءات الجنائية والمواد 45، 47، 103، 104، 109
مكرراً ثانياً /1، 2، 336 من قانون العقوبات مع إعمال المادة 32 من القانون ذاته في
حق المتهم الخامس ... وإعمال المادة 17 من القانون ذاته في حق المتهم السادس .... أولاً:ـ
بمعاقبة ... وشهرته .... بالحبس مع الشغل لمدة ثلاث سنوات عن التهمتين الأولى
والثانية والحبس مع الشغل لمدة ثلاث سنوات عن التهمة الثالثة وبالحبس مع الشغل
لمدة سنة عن التهمة الرابعة. ثانياً:ـ بمعاقبة السادس.... بالسجن المشدد لمدة ثلاث
سنوات وبتغريمه ألف جنيه عما أسند إليه. ثالثاً:ـ ببراءة كل من.... و... و....و...
مما أسند إليه. رابعاً:ـ وفي الدعوى المدنية باعتبار المدعي بالحقوق المدنية
تاركاً لدعواه المدنية.
فطعن المحكوم عليهما ..... وشهرته .... و.....، والنيابة العامة في هذا الحكم
بطريق النقض وقيد برقم 43717 لسنة 77 القضائية .
ومحكمة النقض قضت حضورياً : أولاً :ـ بعدم
جواز الطعن المقدم من النيابة العامة بالنسبة للمطعون ضده .... . ثانياً :ـ بقبول
الطعن المقدم من النيابة العامة بالنسبة لباقي المطعون ضدهم ومن الطاعنين .....
وشهرته .... و... شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه والإعادة إلى محكمة
جنايات ... لتحكم فيها من جديد دائرة أخرى بالنسبة لجميع المتهمين عدا المتهم
..... ومحكمة الإعادة " بهيئة مغايرة أخرى " قضت أولاً :ـ حضورياً
للمتهم الأول ....وغيابياً للمتهم الثاني ... و... وشهرته ... بالسجن لمدة خمس سنوات
لكل منهم وبتغريمه مبلغ ألفي جنيه عما نسب إليه . ثانياً :ـ حضورياً بمعاقبة
المتهم .....و... بالسجن لمدة ثلاث سنوات لكل منهم وتغريم كل منهم ألفي جنيه عما
نسب إليه مع إعفائهم في تنفيذ العقوبة المقضي بها .
فطعن المحكوم عليه الأول..... في هذا الحكم
بطريق النقض....إلخ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحكمة
حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه
أنه إذ دانه بجرائم الرشوة والاتجار بالنفوذ قد شابه البطلان والقصود
والتناقض في التسبيب والفساد في الاستدلال ومخالفة الثابت بالأوراق والإخلال بحق
الدفاع والخطأ في تطبيق القانون ، ذلك أنه جاء في عبارات عامة مجهلة لا يبين منها
واقعة الدعوى بياناً كافياً تتحقق به أركان الجرائم التي دانه بها ولم يورد في
بيان واف مؤدى الأدلة التي ركن إليها مما ينبئ عن أن المحكمة لم تطالع أوراق
الدعوى وما جرى فيها من تحقيقات، هذا إلى أن الحكم عول على تحقيقات النيابة العامة
رغم قصورها وعدم كفايتها وأخذ بأقوال الشهود فيها رغم عدولهم عنها بالتحقيقات التي
أجرتها المحكمة في المحاكمة الأولى ولم تجر محكمة الإعادة تحقيقاً للواقعة،
والتفتت عن التسجيلات الصوتية التي يظهر منها انتفاء صلته بالواقعة ، ولم تجب طلبه
سماع الشاهد ..... وقضت بإدانته مع عدم ترجحها بطريق الجزم واليقين وعاملته
بالرأفة مما يصم أسبابها بالتناقض، وأعملت في حقه المادة 32 من قانون العقوبات رغم
أن الجرائم المسندة إليه لا تربطها رابطة، وأن النيابة العامة في وصفها للتهمة
نسبت إليه طلب الرشوة بنفسه ثم عادت في سردها لتفصيل كل تهمة وأسندت هذا الفعل إلى
المتهم الخامس، وخلا الحكم من تاريخ إصداره، وخالف الحكم القاضي بنقض الحكم وبراءته
ما استقر عليه قضاء محكمة النقض من عدم جواز خوضها في موضوع الدعوى. كل ذلك مما
يعيب الحكم بما يستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما مفاده أن علاقة
حميمة مشبوهة نشأت بين المحكوم عليهما ..... - الطاعن - .... إذ وجد كل منهما في الآخر
ضالته المنشودة لتحقيق مآربه غير المشروعة بعرض الطاعن وظيفته للبيع لمن يرغب في
استغلالها سواء كان ذلك بالحكم لصالحه في القضايا التي تنظرها الدائرة التي
يترأسها أو بالتوسط لدى بعض من زملائه لذات الغرض أو باستخدام نفوذه لدى أجهزة
الإدارة لتحقيق أغراض الراغبين منها وذلك كله من خلال المحكوم عليه الآخر الذي كان
يزعم العمل كمستشار بجامعة الدول العربية وقد تولى تسويق بضاعة الطاعن بالسعر لدى
طالبيها والتفاوض معهم في شأنها وقبض قيمتها نظير حصة منها يختص بها وأنه في غضون ...... تعرف الأخير على المحكوم عليه "...."
رئيس مجلس إدارة شركة ".........." وعلم منه أن له قضايا متداولة أمـــام
محاكم "..." فأخبره أنه على صلة وثيقة برئيس محكمة جنح مستأنف
"...." ـ الطاعن ـ الذي يترأس دائرة يوم ... بها وأنه يمكنه التوسط لديه
لإنهاء تلك القضايا لصالحه ودعاه إلى منزله في غضون شهر...... سنة .... وأجرى
التعارف بين الطاعن وبينه وعلى أثر ذلك طلب الأخير من ذلك الوسيط - .... - أن
يتوسط لدى الطاعن ليستعمل نفوذه لدى زميله رئيس دائرة ..... بذات المحكمة ليستأجله
في نظر قضيتين متداولتين أمام دائرته مما هو متهم فيه من قضايا فقبل ذلك ثم أبلغه
أن الطاعن يطلب مقابل ذلك عشرة آلاف جنيه فأبدى له موافقته وإذ تحقق له مأربه بادر
بتسليم الوسيط ثمانية آلاف جنيه ليعطيها للمرتشي - الطاعن - ثم أحاط ذات الوسيط
علماً بأنه مدين لشركة "...." الألمانية بمبلغ ستمائة وستة وثلاثون ألف
دولار بشيكات صادرة منه وأنه كان قد اتفق مع رئيس مجلس إدارتها على تحرير شيكات أخرى
بتواريخ جديدة بدلاً عنها وقد استولى المذكور على الشيكات جميعاً وغادر البلاد
فحرر بلاغاً ضده في غضون أبريل .... بقسم شرطة "..." ففوجئ بحفظه في
يناير .... فاستشار الوسيط هاتفياً الطاعن في هذا الأمر ثم أملى على محاميه ـ
"...." ـ صيغة لبلاغ جديد حسبما أشار عليه الطاعن والذي طلب أن يتوجه
المحامي بالبلاغ إلى رئيس نيابة "..." على أن يخبره أنه من أقاربه وإذ
تأشر من رئيس النيابة على البلاغ بالإحالة للقسم قيد برقم .... لسنة .. جنح قسم ... وإذ أبلغ الوسيط بذلك طلب الأخير
منه بناء على أمر الطاعن ضرورة تغيير رقم القيد إلى آخر فردي ليكون من اختصاص
دائرة جزئية معينة بالمحكمة على علاقة وثيقة برئيسها ومن ثم يكون نظرها استئنافياً
من اختصاصه هو وفي يوم "...."التقى الشاهد "..." مع الوسيط
المذكور والطاعن من بعد وتوجهوا إلى قسم شرطة ... وتقدم الطاعن لأحد الضباط هناك
ويدعى... وعرفه بنفسه وطلب منه تغيير رقم البلاغ سالف الذكر إلى آخر فردي فأجابه
الضابط لطلبه وأعيد قيده برقم ... لسنة... وعقب ذلك طلب الوسيط من الراشي ـ .... ـ
نسبة قدرها 16% من إجمالي مديونيته للشركة الألمانية يحصل عليها الطاعن مقابل
قيامه بتقديم المحضر الذي أعيد قيده لجلسة عاجله وصدور حكم فيه لصالحه على أن يتم
تحرير عقد صوري بين الراشي وشقيق الوسيط ـ"..." ضماناً لسداد مبلغ الرشوة يتضمن حصول الأخير
على هذا المبلغ وإلا تؤول ملكية مقر شركة الراشي بمدينة "..." إلى الطرف
الآخر وقد عرض على الراشي المذكور مسودة لذلك العقد محررة بخط يد الطاعن وطلب
الوسيط من الراشي سداد دفعة مقدمة من مبلغ الرشوة قدرها مائة ألف جنيه وإذ اتفق الأخير
مع محاميه سالف الذكر على مجاراة المذكورين لحــين
القضاء في الجنحة المقامة ضده من شركة ... الهندسية المحدد لنظرها جلسة "..." أمام دائرة
.... بمحكمة جنح ... ، وقد قام ذات الوسيط بإبلاغ ذلك الراشي بأن الطاعن يطلب مبلغ
عشرة آلاف جنيه من مبلغ الرشوة المتفق عليه فأرسل أحد تابعيه وهو الشاهد
"..." بمبلغ ألف دولار والتقى به وسلمه المبلغ في حضور الطاعن وفي مساء
ذات اليوم ذهب بنفسه إلى منزل الوسيط وسلمه أربعة آلاف وخمسمائة جنيه وعقب ذلك أخذ
الأخير في تهديده بصدور أحكام ضده في الجنح المستأنفة المتهم فيها المنظورة بمحكمة
... إن لم يبادر بتنفيذ اتفاق الرشوة وبالفعل أبلغه محاميه بأن ذلك الوسيط قد اتصل
به يوم ... وأخبره بتأييد أحد الأحكام الصادرة ضده استئنافياً وكان ذلك قبل ساعات
من النطق به فبادر بالإبلاغ عما وقع . وإذ التقى الوسيط والطاعن بمكتب المحامي ...
يوم ... طلبا منه رشوة قدرها أربعمائة ألف جنيه يدفعها موكله المحكوم عليه ....
مقابل إصدار حكم لصالحه في الدعوى الخاصة بتسليم دار سينما .... إليه بالإضافة إلى
ثلاثين ألف جنيه مقابل أتعاب المحامين . كما سعى كذلك ذات الوسيط للقاء .... وإذ
تحقق ذلك عرض عليه استخدام الطاعن نفوذه لدى المحكوم عليه ... رئيس الدائرة ...
مدني كلي ... للحصول على حكم بتسليمه دار السينما المار ذكرها مقابل أربعمائة ألف
جنيه على سبيل الرشوة بالإضافة إلى أتعاب المحامين فوافق على دفع مائتين ألف جنيه
بعد صدور ذلك الحكم واستلامه للسينما وفي مساء اليوم التالي التقى مرة أخرى بذلك
الوسيط وسلمه توكيلاً منه للمحامي ..... بناء على طلبه وصور ضوئية من الأحكام
الصادرة بشأن النزاع ومبلغ عشرين ألف جنيه وذلك في حضور الطاعن وإذ التقى الأخير
ووسيطه بالمحامي ... طلبا منه إقامة دعوى بطلب تسليم تلك السينما لمن أصدر له
التوكيل مع شمول الحكم بالنفاذ المعجل وقام الطاعن بشرح تفاصيل الدعوى له وقدم له
صوراً ضوئية من مستنداتها فأعد صحيفتها وتوجه في اليوم التالي إلى محكمة ... وقد
حضر للقائه فيها كل من الطاعن ووسيطة وتقدما إلى رئيس القلم المدني بعد أن عرفه
الطاعن بنفسه وطلب منه قيد الدعوى أمام الدائرة .. مدني كلي ... وإذ أجابه بعدم إمكانية
ذلك لمخالفته للنظام المتبع في القيد انتظر أمامه فترة حتى تم قيدها برقم ... لسنة
... مدني كلي ... أمام تلك الدائرة وتحدد لها جلسة ... وعقب ذلك تقابلا مع المحكوم
عليه ...ـ رئيس الدائرة المار ذكرها ـ وأبلغاه بمضمون الاتفاق الذي تم بينهما وبين
...وأنهم ثلاثتهم سيقتسمون مبلغ الرشوة فيما بينهم فوافق وأخبرهما أنه سيقوم
بتأجيل تلك الدعوى لجلسة .... لإعادة الإعلان ثم يحجزها للحكم وطلب بدوره من
الطاعن أن يقضي ببراءة زوجته .... حال نظره الاستئناف المقام منها عن الحكم الصادر
غيابياً بإدانتها في جريمة ممارسة الدعارة بعد أن تنازلت عن الطعن فيه
بالمعارضة. كما توسط المحكوم عليه ......لدى الطاعن عن طريق وسيطه سالف الذكر وذلك
لإصدار حكم لصالح ....المتهم في القضية رقم ....جنح مستأنف .... وصحبه إلى مسكن
ذلك الوسيط ـ ...... ـ والتقى المتهم هناك بالطاعن وعرض عليه دعواه فأبدى رأيه
فيها بضرورة إحالتها إلى قسم أبحاث التزييف والتزوير وذلك بعد أن أحاطه وسيطه
علماً بأن هذه الدعوى متداولة أمام دائرته ثم طلب ذلك الوسيط منه في حضور الطاعن
أن يدفع مبلغاً قدره مائة وخمسون ألف جنيه على سبيل الرشوة على أن يدفع نصفه قبل
الجلسة المحددة لنظر الدعوى والنصف الآخر بعد صدور حكم البراءة فقام بالإبلاغ عن
الواقعة . وأورد الحكم على ثبوت الواقعة في حق الطاعن أدلة استمدها من أقوال
الشهود .... و.... والمقدم .... والنقيب ...... و.... ومن إقرار واعتراف المتهمين
...... و... و... بتحقيقات النيابة العامة وأمام المحكمة واعتراف المتهم ....
بتحقيقات النيابة العامة وما ثبت من تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير من أن
الطاعن هو الكاتب بخط يده بيانات المحررين موضوع الفحص - عقد الاتفاق الذي قُصد به
أن يكون غطاء وضماناً للرشوة المطلوبة من .... والورقة التي تحوي بيانات بشأن دعوى
تسليم دار السينما - وهي أدلة سائغة تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك ،
وكان ما أثبته الحكم كافياً لتفهم واقعة الدعوى وظروفها حسبما تبينتها المحكمة
وتتوافر به كافة الأركان القانونية للجرائم المسندة إلى الطاعن فإن ذلك يحقق حكم
القانون إذ لم يرسم شكلاً خاصاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة
وكان الثابت من الحكم أنه أورد مؤدى الأدلة التي استخلص منها الإدانة في بيان واف
يتفق مع ما أورده في بيانه لواقعة الدعوى فإنه ينحسر عن الحكم قالة القصور في
التسبيب ولا ينال من سلامة الحكم أنه حين أورد بيان وقائع الدعوى قد أخطأ في بعض
مواضع منه في بيان ترتيب المتهمين - على نحو ما ورد بأسباب الطعن - فهي نافلة
مردها خطأ مادي بحت جرى به حكم المحكمة فحسب إذ الواضح من مدونات الحكم أن المحكمة
قد فطنت تماماً إلى حقيقة وقائع الدعوى وتسلسل أحداثها وتاريخ وقوع كل منها ودور
كل متهم فيها تحديداً بما له أصله الصحيح من الأوراق خاصة وأنه قد تعدل ترتيب
المتهمين أمام محكمة الإعادة عنه في المحاكمة الأولى بعد أن اقتصرت المحاكمة في الإعادة
على من تجري محاكمتهم حضورياً . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن تفصـيل
أسباب الطعن ابتداء مطلوب على وجه الوجوب تحديداً للطعن وتعريفاً بوجهه وكان
الطاعن لم يفصح بأسباب طعنه عن أوجه القصور وعدم الحيدة التي رمى بها تحقيقات النيابة العامة فضلاً عن أن ما يثيره في هذا
الصدد لا يعدو أن يكون تعييباً للتحقيق الذي جرى في المرحلة السابقة على
المحاكمة لا يصح أن يكون سبباً للطعن على الحكم إذ إنه من المقرر أن تعييب التحقيق
الذي تجريه النيابة العامة لا تأثير له على سلامة الحكم والأصل أن العبرة عند
المحاكمة هي بالتحقيق الذي تجريه المحكمة بنفسها وطالما لم يطلب الدفاع منها
استكمال ما قد يكون بالتحقيقات الابتدائية من نقص أو عيب فليس له أن يتخذ من ذلك
سبباً لمنعاه . وليس له من بعد النعي على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلب
منها ولم تر هي من جانبها لزوماً لإجرائه. لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن العبرة
في المحاكمة الجنائية هي باقتناع القاضي بناء على الأدلة المطروحة عليه ولا يصح
مطالبته بالأخذ بدليل بعينه فيما عدا الأحوال التي قيده القانون فيها بذلك ، وكان
من المقرر أن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل
القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات كل ذلك مرجعه
إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه ، وأن
للمحكمة أن تأخذ بقول الشاهد في أية مرحلة من مراحل التحقيق أو المحاكمة متى
اطمأنت إليه وأن تلتفت عما عداه دون أن تبين العلة أو موضع الدليل في أوراق الدعوى
ومادام له أصل ثابت فيها ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يعدو أن يكون
جدلاً موضوعياً في تقدير الأدلة مما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها فيه
ولا مصادرة عقيدتها بشأنه أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان الثابت من محاضر
جلسات المحاكمة أن الطاعن لم يطلب من المحكمة أن تفض حرز التسجيلات الصوتية فليس له
من بعد أن ينعى على الحكم عدم اطلاع المحكمة عليها ، فضلاً عن أن مفاد عدم تعرض
الحكم لتلك التسجيلات أنه اطرحها ولم يعول عليها لما هو مقرر في أصول الاستدلال من
أن المحكمة لا تلتزم بالتحدث في حكمها إلا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها
فلا تورد من الأدلة إلا ما تطمئن إليه وتقيم عليه قضاءها كما أنه من المقرر كذلك
أن نفي التهمة من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستأهل رداً طالما كان الرد عليه
مستفاداً من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم . فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الصدد
يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان يبين من مطالعة محضر جلسة المحاكمة الأخير أن
المدافع عن الطاعن اختتم مرافعته طالباً الحكم ببراءته مما أسند إليه دون أن يتمسك
بسماع أقوال المتهم .... فإن المحكمة لا تكون مخطئه إذا لم تسمع هذا المتهم أو ترد
على طلب سماعه لما هو مقرر من أن المحكمة لا تلتزم بالرد إلا على الطلب الجازم
الذي يصر عليه مقدمه ولا ينفك عن التمسك به والإصرار عليه في طلباته الختامية فإن منعى الطاعن في هذا الشأن يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان القانون قد
أمد القاضي في المسائل الجنائية بسلطة واسعة وحرية كاملة في سبيل تقصي ثبوت
الجرائم أو عدم ثبوتها والوقوف على حقيقة علاقة المتهمين ومدى اتصالهم بها ففتح له
باب الإثبات على مصراعيه يختار من كل طرقه ما يراه موصلاً إلى الكشف عن الحقيقة
ويزن قوة الإثبات المستمدة من كل عنصر بمحض وجدانه فيأخذ بما تطمئن إليه عقيدته
ويطرح ما لا ترتاح إليه غير ملزم بأن يسترشد في قضائه بقرائن وأدلة معينة بل له
مطلق الحرية في تقدير ما يعرض عليه منها ووزن قوته التدليلية في كل حالة حسبما
يستفاد من وقائع كل دعوى وظروفها بغية الحقيقة ينشدها إن وجدها ومن أي سبيل يجده
مؤدياً إليها ولا رقيب عليه في ذلك غير ضميره وحده ، هذا هو الأصل العام الذي أقام
عليه القانون الجنائي قواعد الإثبات لتكون موائمة لما تستلزمه طبيعة الأفعال
الجنائية وتقتضيه مصلحة الجماعة من وجوب معاقبة كل جان وتبرئة كل برئ ، فإن ما
ينعاه الطاعن في هذا الصدد ينحل إلى جدل موضوعي في حق محكمة الموضوع في تقدير أدلة
الدعوى وتكوين معتقدها وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان
ما انتهى إليه الحكم من إدانة الطاعن ومعاملته من بعد بالرأفة لا تناقض فيه فإن
النعي على الحكم في هذا الصدد يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن
المصلحة شرط لازم في كل طعن فإذا انتفت لا يكون الطعن مقبولاً ، وكان لا مصلحة
للطاعن فيما يثيره بشأن إعمال الحكم المادة 32 من قانون العقوبات في حقه ومن ثم فإن
نعيه في هذا الصدد يكون غير مقبول . لما كان ذلك ، وكان البين من النيابة العامة
في وصفها للتهم التي أسندتها إلى الطاعن أنها لم تذكر في أي منها طلبه للرشوة
بنفسه وإنما كان ذلك بواسطة غيره ومن ثم يكون منعى الطاعن في هذا الخصوص لا أساس
له . لما كان ذلك ، وكان يبين من مطالعة الحكم المطعون فيه أنه يحمل تاريخ إصداره خلافاً
لما يقوله الطاعن ، وكان لا يعيب الحكم ورود تاريخ إصداره في صفحته الأولى وفي أي
موضع منها . ذلك أن القانون لم يشترط إثبات هذا البيان في مكان معين فإن
منعي الطاعن في هذا الشأن يكون غير سديد. لما كان ذلك ، وكان ما ينعاه الطاعن من
أن محكمة النقض حين قضت بنقض الحكم القاضي
ببراءته خاضت في موضوع الدعوى فإن ذلك غير موجه إلى قضاء الحكم المطعون فيه ولا يتصل به إنما هو موجه لقضاء
محكمة النقض المار ذكره فإن ما يثيره
الطاعن بهذا النعي لا يكون مقبولاً. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على
غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق