جلسة 5 من مارس سنة 2018
برئاسة السيد القاضي / رضا القاضي نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة / عاطف خليل والنجار توفيق نائبي رئيس المحكمة ومصطفى فتحي ومحمد صلاح .
--------------------
(38)
الطعن رقم 43815 لسنة 85 القضائية
(1) نقض " التقرير بالطعن وإيداع الأسباب " .
التقرير بالطعن في الميعاد دون إيداع الأسباب . أثره : عدم قبول الطعن شكلاً . علة ذلك ؟
(2) حكم " بيانات التسبيب " " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
حكم الإدانة . بياناته ؟ المادة 310 إجراءات جنائية .
بيان الحكم واقعة الدعوى وإيراد مؤدى الأدلة بما يدل على تمحيصها والإلمام بها إلماماً شاملاً . كافٍ .
عدم رسم القانون شكلاً لصياغة الحكم . كفاية أن يكون ما أورده كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها .
مثال .
(3) قتل عمد . رابطة السببية . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
علاقة السببية في المواد الجنائية . علاقة مادية تبدأ بالفعل الذي قارفه الجاني وترتبط من الناحية المعنوية بما يجب أن يتوقعه من النتائج المألوفة لفعله إذا ما أتاه عمداً . تقديرها موضوعي . ما دام سائغاً .
مثال لتسبيب سائغ لتوافر رابطة السببية في جريمة قتل عمد .
(4) قتل عمد . قصد جنائي . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
قصد القتل . أمر خفي . إدراكه بالظروف والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه . استخلاص توافره . موضوعي .
مثال لتسبيب سائغ للتدليل على توافر نية القتل .
(5) محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير توافر سبق الإصرار " .
البحث في توافر سبق الإصرار . موضوعي . شرط ذلك ؟
مثال .
(6) نقض " المصلحة في الطعن " . سبق إصرار . عقوبة " العقوبة المبررة " . قتل عمد .
لا مصلحة للطاعن في النعي على الحكم بشأن ظرف سبق الإصرار . ما دامت العقوبة الموقعة عليه تدخل في الحدود المقررة لعقوبة القتل العمد مجردة من أي ظرف مشدد .
(7) قتل عمد . سبق إصرار . اتفاق . فاعل أصلى . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
تدليل الحكم بما يسوغ ثبوت اتفاق الطاعن مع باقي المتهمين على قتل المجني عليه مع سبق الإصرار . كفايته لاعتباره فاعلاً أصلياً سواء قل أو كثر نصيبه في الأفعال المادية المكونة للجريمة . تحديده للأفعال التي آتاها كل منهم على حدة . غير لازم . أساس ذلك ؟
(8) دفوع " الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسبق صدور أمر بألا وجه فيها " . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسبق صدور أمر بألا وجه فيها . دفع بقوة الشيء المحكوم فيه . شرطه ؟
دفع الطاعن بعدم جواز نظر الدعوى لسبق صدور أمر بألا وجه لإقامتها لعدم معرفة الفاعل . غير مقبول . ما دام لم يكن متهماً في بادئ الأمر . علة ذلك ؟
(9) محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير صحة الاعتراف " . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
تقدير صحة الاعتراف وقيمته في الإثبات في المسائل الجنائية . موضوعي .
لمحكمة الموضوع الأخذ بأقوال المتهم في حق نفسه وفي حق غيره من المتهمين في أي دور من أدوار التحقيق وإن عدل عنها بعد ذلك . ما دامت اطمأنت إلى صدقها .
مثال .
(10) محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير آراء الخبراء " . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم . موضوعي .
مثال .
(11) إثبات " اعتراف " " خبرة " .
تطابق اعترافات المتهم ومضمون الدليل الفني . غير لازم . كفاية أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصي على الملاءمة والتوفيق .
(12) محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير أقوال الشهود " .
لمحكمة الموضوع تحصيل أقوال الشاهد وتفهمها واستخلاص مراميها ما دامت لا تحرف الشهادة عن موضعها .
(13) إثبات " شهود " . إجراءات " إجراءات المحاكمة " . دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " .
للمحكمة الاستغناء عن سماع شهود الإثبات إذا قبل المتهم أو المدافع عنه ذلك صراحة أو ضمناً . لا يحول ذلك دون الاعتماد على أقوالهم بالتحقيقات . ما دامت مطروحة على بساط البحث .
مثال .
(14) دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " .
تأجيل المحكمة الدعوى لضم دفتر الأحوال كطلب الطاعن ثم تنازله عن طلبه . يفقده خصائص الطلب الجازم . قرارها في هذا الشأن . تحضيري . القضاء في الدعوى دون ضمه . لا يعيب الحكم . النعي في هذا الشأن . غير مقبول .
(15) إثبات " معاينة " . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
نعي الطاعن بشأن المعاينة التصويرية . غير مجدٍ . ما دام الحكم لم يعول في إدانته على الدليل المستمد منها .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- لما كان المحكوم عليه .... وإن قرر بالطعن في الميعاد إلا أنه لم يقدم أسباباً لطعنه ومن ثم يكون الطعن المقدم منه غير مقبول شكلاً ، لما هو مقرر من أن التقرير بالطعن بالنقض هو مناط اتصال المحكمة به وأن إيداع الأسباب التي بني عليها في الميعاد الذي حدده القانون هو شرط لقبوله وأن التقرير بالطعن وإيداع الأسباب يكونان مع وحدة إجرائية لا يقوم فيها أحدهما مقام الآخر ولا يغني عنه .
2- لما كان الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله " وحيث إن الواقعة حسبما استقرت في يقين المحكمة وارتاح لها وجدانها مستخلصة من أوراق الدعوى وما تم فيها من تحقيقات وما دار بشأنها بجلسة المحاكمة تتحصل في أن المتهمين .... ، .... ، .... والسابق الحكم بانقضاء الدعوى بوفاته .... كونوا فيما بينهم تشكيلاً عصابياً للسطو على سائقي السيارات الأجرة وسرقتها بالإكراه وبيعها واقتسام ثمنها فيما بينهم وفي صبيحة يوم .... تقابل المتهمون بشارع .... بمدينة .... وبدأوا في تنفيذ مخططهم الإجرامي ومحاولة إيقاف أي سيارة أجرة ميكروباص ولم يقف لهم العديد من السائقين وشاءت إرادة الله تعالى أن يقف لهم المجني عليه .... قائد السيارة أجره ميكروباص بيضاء اللون ماركة .... وتحمل رقم .... وطلبوا منه توصيلهم إلى مدينة .... لإحضار عروس والعودة بها نظير مبلغ .... وبالفعل استقلوا السيارة الأجرة بصحبته في طريقهم إلى مدينة .... وبأحد الأماكن الخالية من السيارات والمارة طلب أحدهم من المجني عليه الوقوف بالسيارة جانبا حتى يقضي حاجته . فاستجاب له المجني عليه ووقف بجانب الطريق وعندئذ تكالب عليه المتهمون وقام أحدهم بإخراج سلاح أبيض ( سكين ) كان بحوزته وهدد به المجنى عليه وأجبره على النزول من كرسي القيادة إلى كرسي في الخلف وقاموا بتقييده وتكبيله بحبال كانت بحوزتهم واستولوا كرهاً على هاتفه الجوال وحافظة نقوده وبها مبلغ مالي ووجدوا بطاقة تحقيق شخصية المجنى عليه ثابت بها أنه شرطي وتنازع المتهمون فيما بينهم على كيفية التخلص من هذا المأزق فلو تركوه حياً لقام بالإبلاغ عنهم والتعرف عليهم وانتهوا بعد تدبر وروية إلى أن الحل هو قتل المجني عليه وإزهاق روحه وبدأوا في الاعتداء عليه ضرباً وطعناً وخنقاً حتى انهارت قواه وفقد الوعي وقام المتهمون بإيقاف السيارة بجوار إحدى غرف الصرف الصحي والممتلئة بمياه الصرف الصحي والقوا المجني عليه بداخلها بنية الإجهاز عليه وقتله وإزهاق روحه ولم يغادروا المكان إلا بعد أن تيقنوا من إزهاق روحه وغرقه في مياه الصرف الصحي وأنه أصبح جثة هامدة ثم استقلوا السيارة المسروقة وتوجهوا بها إلى مدينة .... وقاموا ببيعها للمدعو .... وفي اليوم التالي عثر الأهالي على جثة المجني عليه وابلغوا السلطات وبالكشف الظاهري عليه من مفتش صحة .... تبين وجود إصابات وجرح قطعي بالرأس وتورم بالعين وكدمات بالوجه وجروح سطحية بالظهر وتورم بالجسم وسبب الوفاة اسفكسيا الغرق وبتاريخ .... دلت المصادر السرية للعقيد .... مفتش مباحث .... أن المتهمين .... ، .... والمحبوسان على ذمة الجناية رقم .... عن واقعة قتل السائق .... وسرقة سيارته النقل رقم .... هما مرتكبي واقعة قتل المجني عليه .... وسرقة سيارته بالاشتراك مع آخرين وبناء على إذن من النيابة العامة تم استخراجهما من محبسهما وبمناقشتهما بمعرفة مفتش المباحث أقرا له بارتكاب واقعة قتل المجني عليه .... وسرقة سيارته بالاشتراك مع المتهمين .... ، .... وعند مباشرة النيابة للتحقيقات أقر المتهمان .... ، ....، والمتهم المتوفي باشتراكهم مع المتهم .... في سرقة السيارة قيادة المجني عليه وقتله " . وساق الحكم على صحة الواقعة وإسنادها إلى الطاعنين أدلة استقاها من أقوال شهود الإثبات واعتراف المتهمين .... ، .... ، .... بالتحقيقات ومما أثبته تقرير مفتش الصحة وقرره الطبيب الشرعي أمام المحكمة . لما كان ذلك ، وكانت المادة ۳۱۰ من قانون الإجراءات الجنائية قد أوجبت في كل حكم بالإدانة أن يشتمل على بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة بياناً تتحقق به أركان الجريمة التي دان الطاعن بها والظروف التي وقعت فيها والأدلة التي استخلصت المحكمة ثبوت وقوعها منه ، وكان يبين مما سطره الحكم أنه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمتين اللتين دان الطاعنين بهما وأورد على ثبوتهما في حقهما أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها وجاء استعراض المحكمة لأدلة الدعوى على نحو يدل على أنها محصتها التمحيص الكافي وألمت بها إلماما شاملا يفيد أنها قامت بها ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة ، وكان من المقرر أن القانون لم يرسم شكلا أو نمط يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها ، ومتى كان مجموع ما أورده الحكم كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة فإن ذلك يكون محققاً لحكم القانون ، ومن ثم فإن منعى الطاعن الثالث على الحكم بالقصور لا محل له .
3- من المقرر أن علاقة السببية في المواد الجنائية علاقة مادية تبدأ بالفعل الضار الذي قارفه الجاني وترتبط من الناحية المعنوية بما يجب أن يتوقعه من النتائج المألوفة لفعله إذا ما أتاه عمداً ، وثبوت قيام هذه العلاقة من المسائل الموضوعية التي ينفرد قاضي الموضوع بتقديرها فمتى فصل في شأنها إثباتاً ونفياً فلا رقابة لمحكمة النقض عليه مادام قد أقام قضاءه في ذلك على أسباب تؤدي إلى ما انتهى إليه ، وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت أن الطاعنان - وآخرين - اعتديا على المجني عليه ضرباً وطعناً وخنقاً حتى خارت قواه وفقد الوعي ثم قاما بإلقائه بإحدى غرف الصرف الصحي الممتلئة بمياه الصرف ، ودلل على توافر رابطة السببية بين هذا الفعل وبين وفاة المجني عليه وذلك من واقع تقرير مفتش الصحة الذي انتهى إلى أن سبب الوفاة هو اسفكسيا الغرق ومن أقوال الطبيب الشرعي الذي قرر بجواز حدوث الوفاة وفقاً للتصوير الوارد على لسان المتهمين فإنه يكون قد أثبت بما فيه الكفاية العناصر التي تستقيم بها علاقة السببية بين فعلتهما والنتيجة التي حدثت ، ومن ثم فإن منعى الطاعنين على الحكم في هذا الصدد لا يكون له وجه .
4- من المقرر أن قصد القتل أمراً خفياً لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه واستخلاص هذا القصد من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية ، وكان الحكم المطعون فيه قد استظهر نية القتل في قوله : " وحيث إنه عن نية القتل فإنه لما كان الثابت بالأوراق أن المتهمين بعد أن توصلوا إلى الاستيلاء على السيارة كرها والتعرف على شخصية المجني عليه كشرطي بمديرية أمن .... تدارسوا الأمر فيما بينهم واتفقوا جميعاً على قتله وإزهاق روحه وبدأوا في الاعتداء عليه ضرباً وخنقاً وألقوه في بئر الصرف الصحي ولم يتركوه إلا بعد أن تيقنوا أنه جثة هامدة غاصت في مياه الصرف الصحي وتحقق لهم مبتغاهم من التعدي وهو القتل وإزهاق روح المجني عليه حتى لا يتمكن من الإبلاغ عنهم والتعرف على صورهم لينجوا من جرمهم وتكون نية القتل متوافرة في حق المتهمين ومتحققة بالدعوى " . لما كان ذلك ، وكان هذا الذي استخلصته المحكمة من ظروف الدعوى وملابساتها هو استخلاص سائغ وكاف في التدليل على ثبوت توافر نية القتل لدى الطاعنين ، ومن ثم فلا محل للنعي على الحكم في هذا الصدد .
5- لما كان الحكم قد دلل على توافر ظرف سبق الإصرار في حق الطاعنين في قوله : " وحيث إنه عن ظرف سبق الإصرار فإنه لما كان الثابت بالأوراق أن المتهمين بعد أن علموا بحقيقة عمل المجني عليه كشرطي بمديرية أمن .... ظلوا فترة من الوقت يتدارسون الأمر فيما بينهم وفي هدوء وروية وتدبير اتفقوا جميعاً على إزهاق روح المجني عليه ورسموا خطة القتل وتحينوا فرصة خلو الطريق من المارة وحال سيرهم بالسيارة بدأوا في الاعتداء على المجني عليه وإلقائه في بئر الصرف لقتله وإزهاق روحه ويتوافر بالتالي ظرف سبق الإصرار في الأوراق " . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن البحث في توافر ظرف سبق الإصرار من إطلاقات محكمة الموضوع تستنتجه من ظروف الدعوى وعناصرها مادام موجب تلك الظروف وهذه العناصر لا يتنافر عقلاً مع هذا الاستنتاج ، فإن الحكم بما حصله - على السياق المتقدم - يكون قد دلل على توافر ظرف سبق الإصرار بما يقيمه في حق المحكوم عليهم .
6- لما كانت العقوبة التي أوقعها الحكم وهي السجن المؤبد تدخل في العقوبة المقررة لجريمة القتل العمد المجردة عن أي ظرف مشدد فلا مصلحة للطاعن الثالث في النعي على الحكم من فساد في الاستدلال على توافر سبق الإصرار .
7- لما كان الحكم قد حدد في بيان كاف الأفعال التي قارفها الطاعن الثالث بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمتين اللتين دين بهما ، إذ أثبت وجوده مع باقي المحكوم عليهم على مسرح الجريمة وقت مقارفتها واتجاههم جميعاً وجهة واحدة في تنفيذها وصدور الجريمة عن باعث واحد وأن كلا منهم قصد قصد الآخر في إيقاعها بالإضافة إلى وحدة الحق المعتدى عليه ويصح من ثم طبقا للمادة 39 من قانون العقوبات اعتبارهم فاعلين أصليين ، وكان ليس بلازم والحال كذلك أن يحدد الحكم الأفعال التي أتاها كل منهم على حده ، ومن ثم يكون ما يثيره الطاعن الثالث في شأن التدليل على مشاركته في ارتكاب الجريمة في غير محله . هذا فضلاً عن أن الحكم وقد أثبت قيام ظرف سبق الإصرار كما هو معرف به في القانون - على ما سلف بيانه - مما يوجب مساءلة الطاعن الثالث عن الجريمة مع المحكوم عليهم الآخرين كفاعلين أصليين ولا يغير من أساس المسئولية في حكم القانون بأن يكون الجاني قد قل نصيبه في الأفعال المادية المكونة للجريمة أو قام بنصيب أوفى من هذه الأفعال .
8- من المقرر أن الدفع بعدم قبول الدعوى الجنائية أو بعدم جواز نظرها لسبق صدور أمر بألا وجه فيها من النيابة العامة هو من قبيل الدفع بقوة الشيء المحكوم فيه ولأجل أن يكون له محل فإن ذلك يقتضي وحدة الدعويين التي دفع فيها بقوة الأمر بالأوجه وتلك التي صدر فيها ذلك الأمر من حيث أشخاصهما وموضوعهما وسببيهما ، ويقتضي اشتراط وحدة الأطراف أن يكون المتهم الذي صدر لمصلحته الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى هو نفسه الذي أقيمت ضده الدعوى التي يحتج بعدم قبولها . وذلك ما لم يكن الأمر بألا وجه قد أقيم على أسباب عينية كحالة ثبوت أن الجريمة لم تقع أصلاً أو على أنها في ذاتها ليست من الأفعال التي يعاقب عليها القانون فإنه في هذه الحالة يكتسب – كأحكام البراءة - حجية بالنسبة إلى جميع المساهمين في الجريمة . وترتيباً على ذلك فإنه إذا استند الأمر بألا وجه إلى عدم معرفة الفاعل فلا يجوز لمن رفعت عليه الدعوى بعد ذلك أن يحتج بهذا الأمر ذلك بأنه لم يكن متهماً حينما صدر ذلك الأمر ، فلا يمكن أن يقال إنه صدر في شأنه . لما كان ذلك ، وكان الطاعن الثالث على ما يذهب إليه في وجه نعيه يقرر أن الأمر بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى الجنائية قد صدر لعدم معرفة الفاعل وعاودت النيابة التحقيق في الواقعة ورفعت الدعوى الجنائية بعدئذ عليه وعلى باقي المتهمين ، ففي ذلك ما يدل على أنه لم يكن في بادئ الأمر متهماً ومن ثم فلا يحق له - وعلى فرض صحة ما ذهب إليه من أن الأمر مازال قائماً - أن يتمسك بأمر بالأوجه لم يصدر في شأنه إذ إن ذلك يتنافى مع المبادئ التي تقوم عليها حجية الشيء المحكوم فيه ، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى اطراح دفعه في هذا الشأن - ملتزماً هذا المعنى - يكون قد وافق صحيح القانون ويكون نعى الطاعن الثالث عليه في هذا الشأن غير سديد .
9- من المقرر أن الاعتراف في المسائل الجنائية من العناصر التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات ، وفي الأخذ باعتراف المتهم في حق نفسه وفي حق غيره من المتهمين في أي دور من أدوار التحقيق ولو عدل عنه بعد ذلك ، ولها دون غيرها البحث في صحة ما يدعيه المتهم من أن الاعتراف المعزو إليه قد انتزع منه بطريق الإكراه ، ومتى تحققت من أن الاعتراف سليم مما يشوبه واطمأنت إلى مطابقته للحقيقة والواقع فلها أن تأخذ به بغير معقب عليها في ذلك ، وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال المتهمين في تحقيقات النيابة العامة وأنها صدرت منهم عن إرادة حرة دون إكراه ، وعولت على تلك الأقوال في قضائها بالإدانة فإن ما يثيره الطاعن الثالث في هذا الصدد لا يكون قويماً .
10- لما كان تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات مرجعه إلى محكمة الموضوع ، كما أن ندب خبير في الدعوى لا يسلبها سلطتها في تقدير وقائعها وما قام فيها من أدلة الثبوت ، وكذلك فلها وهي تقضي في الدعوى أن ترجح بين أقوال الخبراء المتعارضة - وقد سلكت المحكمة في سبيل تحقيق ما أبداه الدفاع بشأن التعارض بين تقرير مفتش الصحة وتقرير الصفة التشريحية استيضاح الطبيب الشرعي الذي أجرى الصفة التشريحية ، واستندت إلى رأيه للأسباب الفنية التي أبداها - وهو من حقها مادام أن تكييف الواقع الذي شهد به الخبير وترتیب آثاره في الدعوى هو من خصائص قاضي الموضوع الذي له أن يسلك إليه ما يراه مؤدياً إلى فهم الواقع ، ومتى تم له ذلك فلا يصح قانوناً أن يصادر في اقتناعه وعقيدته بطلب مزيد من التحقيقات في الدعوى ، فإن ما يثيره الطاعنان في هذا الصدد لا يكون له أساس .
11- من المقرر أنه ليس بلازم أن تتطابق اعترافات المتهم ومضمون الدليل الفني على الحقيقة التي وصلت إليها المحكمة بجميع تفاصيلها بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع جوهر الدليل الفني تناقض يستعصي على الملاءمة والتوفيق وكانت اعترافات الطاعن الثاني والمحكوم عليهما الآخرين كما أوردها الحكم لا تتعارض بل تتلاءم مع ما نقله عن التقرير الفني ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن الثالث في هذا الصدد يكون على غير سند .
12- لما كان الحكم قد حصل اعترافات المتهمين بما يتفق وما تضمنته أسباب الطعن منها فإن النعي عليه بدعوى الخطأ في الإسناد تكون غير مقبولة ، ولا يغير من الأمر أن الطاعن الثالث أراد لتلك الأقوال غير المعنى الذي استخلصه الحكم وما ذلك بأنه من المقرر أن من حق محكمة الموضوع أن تحصل أقوال الشاهد وأن تفهم سياقها وتستشف مراميها مادامت فيما تحصله لا تحرف الشهادة عن موضعها كما هو الحال في الدعوى المطروحة .
13- لما كان لمحكمة الموضوع أن تستغني عن سماع شهود الإثبات إذا قبل المتهم أو المدافع عنه ذلك صراحة أو ضمناً دون أن يحول عدم سماعهم أمامها من أن تعتمد في حكمها على أقوالهم التي أدلوا بها في التحقيقات مادامت أقوالهم مطروحة على بساط البحث ، وإذ كان الثابت أن الدفاع عن الطاعن الثاني قد تنازل صراحة عن سماع شهود الإثبات مكتفياً بتلاوة أقوالهم ، فليس له من بعد أن ينعى على المحكمة قعودها عن سماعهم .
14- لما كان طلب المدافع عن الطاعن الثاني في مستهل مرافعته ضم دفتر الأحوال وأجلت المحكمة الدعوى لهذا السبب إلا أنه عاد وتنازل عن الطلبات السابق إبداؤها مما يفقد هذا الطلب خصائص الطلب الجازم الذي تلتزم المحكمة بإجابته ، فإن قرار المحكمة في هذا الشأن لا يعدو قراراً تحضيرياً تصدره في صدد تجهيز الدعوى وجمع أدلتها لا تتولد عنه حقوق للخصوم توجب حتماً العمل على تنفيذه صوناً لهذه الحقوق فلا يعيب الحكم من بعد قضاءه في الدعوى دون ضم دفتر الأحوال استجابة لطلب المتهمين ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن الثاني في هذا الصدد يكون غير قويم .
15- لما كان الحكم المطعون فيه لم يعول في إدانة الطاعنين على دليل مستمد من المعاينة التصويرية ، فإنه لا جدوى من النعي على الحكم في هذا الشأن .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعنين وآخرين بأنهم : المتهمون من الأول حتى الرابع : قتلوا / .... مع سبق الإصرار بأن بيتوا النية وعقدوا العزم على قتله وأعدوا لذلك الغرض أداه ( حبل ) بأن استقلوا معه السيارة قيادته بدعوى توصيلهم مدينة .... وما أن واتتهم الفرصة حتى قاموا بإيثاق عنقه بالحبال وشدوا عليها حتى تأكدوا من وفاته ثم ألقوا بجثته بإحدى غرف الصرف الصحي بطريق .... فأحدثوا إصابته الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. وقد اقترنت تلك الجناية بأخرى تقدمتها هي أن المتهمين في ذات الزمان والمكان سرقوا السيارة المبينة وصفاً وقيمة بالتحقيقات والمملوكة إلى / .... وكان ذلك بالطريق العام وبطريق الإكراه الواقع على المجني عليه قائد السيارة حال کون المتهمون يحملون أسلحة بيضاء (سكين) بأن استقلوا معه السيارة وما أن واتتهم الفرصة حتى أخرجوا أسلحتهم البيضاء ( سكين ) وأجبروا المجني عليه على ترك عجلة القيادة وبثوا الرعب في نفسه وشلوا بذلك مقاومته وتمكنوا بتلك الوسيلة من الإكراه من إتمام السرقة. أخفوا جثة المجني عليه / .... بدون إخبار جهات الاقتضاء وقبل الكشف عليها .
المتهم الخامس : أخفي شيء متحصل من جناية وهي قتل المجني عليه المقترنة بسرقة السيارة قيادته مع علمه بانها متحصله من جريمة على النحو المبين بالأوراق .
وأحالتهم إلى محكمة جنايات .... لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة .
والمحكمة المذكورة قضت عملاً بالمواد ۳۹، ۲۳۰، ۲۳۱، 234 /2، ۲۳۹ عقوبات مع إعمال المادتين ۱۷ ، 32/ 2 من قانون العقوبات غيابياً للأخير وحضورياً للباقين. أولاً: بانقضاء الدعوى الجنائية بوفاة المتهم / .... ، ثانياً: بمعاقبة كل من 1- .... ۲- .... ۳- .... بالسجن المؤبد عما أسند إليهم وألزمتهم المصاريف الجنائية . ثالثاً : ببراءة / .... مما نسب إليه .
فطعن المحكوم عليهم في هذا الحكم بطريق النقض .... إلخ .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحكمـة
من حيث إن المحكوم عليه .... وإن قرر بالطعن في الميعاد إلا أنه لم يقدم أسباباً لطعنه ومن ثم يكون الطعن المقدم منه غير مقبول شكلاً ، لما هو مقرر من أن التقرير بالطعن بالنقض هو مناط اتصال المحكمة به وأن إيداع الأسباب التي بني عليها في الميعاد الذي حدده القانون هو شرط لقبوله وأن التقرير بالطعن وإيداع الأسباب يكونان معاً وحدة إجرائية لا يقوم فيها أحدهما مقام الآخر ولا يغني عنه.
حيث إن ما ينعاه الطاعنان الثاني والثالث على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانهما بجريمتي القتل العمد مع سبق الإصرار المقترن بجناية سرقة بإكراه في الطريق العام وإخفاء جثة قتيل قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والخطأ في تطبيق القانون والخطأ في الإسناد والإخلال بحق الدفاع ، ذلك بأنه صيغ في عبارات مجملة ومبهمة خلت من بيان واقعة الدعوى ومضمون الأدلة التي استند إليها في الإدانة ، ولم يستظهر رابطة السببية بين الفعل المسند إليهما ووفاة المجني عليه ، ولم يدلل تدليلا كافياً وسائغاً على توافر نية القتل وظرف سبق الإصرار في حقهما ، ولم يبين دور الطاعن الثالث في ارتكاب الواقعة وأنه قصد مع الباقين اقترافها مما يجعله فاعلا أصلية فيها ، واطرح بما لا يسوغ الدفع بعدم جواز نظر الدعوى السابقة الفصل فيها ، وبطلان الاعتراف المعزو إلى الطاعن الثاني والمحكوم عليهما الآخرين بالتحقيقات لصدوره وليد إكراه مادي ومعنوي ، وعول على ما جاء بتقرير الصفة التشريحية وأقوال الطبيب الشرعي أمام المحكمة رغم تناقضه مع ما ثبت بتقرير مفتش الصحة ومع اعترافات المتهمين بشأن سبب الوفاة والوسيلة المستعملة في إحداثها ودون أن يعني برفع هذا التناقض ، وحصل اعترافات المتهمين بما يخالف الثابت في الأوراق ، وأخيراً لم تستجب المحكمة إلى طلب سماع أقوال شهود الإثبات أمامها وضم دفتر الأحوال وعرض المعاينة التصويرية ، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه .
حيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله " وحيث إن الواقعة حسبما استقرت في يقين المحكمة وارتاح لها وجدانها مستخلصة من أوراق الدعوى وما تم فيها من تحقيقات وما دار بشأنها بجلسة المحاكمة تتحصل في أن المتهمين .... ، ....، .... والسابق الحكم بانقضاء الدعوى بوفاته .... كونوا فيما بينهم تشكيلاً عصابياً للسطو على سائقي السيارات الأجرة وسرقتها بالإكراه وبيعها واقتسام ثمنها فيما بينهم وفي صبيحة يوم .... تقابل المتهمون بشارع .... بمدينة .... وبدأوا في تنفيذ مخططهم الإجرامي ومحاولة إيقاف أي سيارة أجرة ميكروباص ولم يقف لهم العديد من السائقين وشاءت إرادة الله تعالى أن يقف لهم المجني عليه .... قائد السيارة أجره ميكروباص بيضاء اللون ماركة تويوتا وتحمل رقم .... وطلبوا منه توصيلهم إلى مدينة .... لإحضار عروس والعودة بها نظير مبلغ .... وبالفعل استقلوا السيارة الأجرة بصحبته في طريقهم إلى مدينة .... وبأحد الأماكن الخالية من السيارات والمارة طلب أحدهم من المجني عليه الوقوف بالسيارة جانبا حتى يقضي حاجته . فاستجاب له المجني عليه ووقف بجانب الطريق وعندئذ تكالب عليه المتهمون وقام أحدهم بإخراج سلاح أبيض ( سكين ) كان بحوزته وهدد به المجنى عليه وأجبره على النزول من كرسي القيادة إلى كرسي في الخلف وقاموا بتقييده وتكبيله بحبال كانت بحوزتهم واستولوا كرها على هاتفه الجوال وحافظة نقوده وبها مبلغ مالي ووجدوا بطاقة تحقيق شخصية المجني عليه ثابت بها أنه شرطي وتنازع المتهمون فيما بينهم على كيفية التخلص من هذا المأزق فلو تركوه حياً لقام بالإبلاغ عنهم والتعرف عليهم وانتهوا بعد تدبر وروية إلى أن الحل هو قتل المجني عليه وإزهاق روحه وبدأوا في الاعتداء عليه ضرباً وطعناً وخنقاً حتى انهارت قواه وفقد الوعي وقام المتهمون بإيقاف السيارة بجوار إحدى غرف الصرف الصحي والممتلئة بمياه الصرف الصحي والقوا المجنى عليه بداخلها بنية الإجهاز عليه وقتله وإزهاق روحه ولم يغادروا المكان إلا بعد أن تيقنوا من إزهاق روحه وغرقه في مياه الصرف الصحي وأنه أصبح جثة هامدة ثم استقلوا السيارة المسروقة وتوجهوا بها إلى مدينة .... وقاموا ببيعها للمدعو .... وفي اليوم التالي عثر الأهالي على جثة المجني عليه وابلغوا السلطات وبالكشف الظاهري عليه من مفتش صحة .... تبين وجود إصابات وجرح قطعي بالرأس وتورم بالعين وكدمات بالوجه وجروح سطحية بالظهر وتورم بالجسم وسبب الوفاة اسفكسيا الغرق وبتاريخ .... دلت المصادر السرية للعقيد .... مفتش مباحث .... أن المتهمين .... ، .... والمحبوسان على ذمة الجناية رقم .... عن واقعة قتل السائق .... وسرقة سيارته النقل رقم .... هما مرتكبي واقعة قتل المجني عليه .... وسرقة سيارته بالاشتراك مع آخرين وبناء على إذن من النيابة العامة تم استخراجهما من محبسهما وبمناقشتهما بمعرفة مفتش المباحث أقرا له بارتكاب واقعة قتل المجني عليه .... وسرقة سيارته بالاشتراك مع المتهمين .... ، .... وعند مباشرة النيابة للتحقيقات أقر المتهمان .... ، .... ، والمتهم المتوفي باشتراكهم مع المتهم .... في سرقة السيارة قيادة المجني عليه وقتله " . وساق الحكم على صحة الواقعة وإسنادها إلى الطاعنين أدلة استقاها من أقوال شهود الإثبات واعتراف المتهمين .... ، .... ، .... بالتحقيقات ومما أثبته تقرير مفتش الصحة وقرره الطبيب الشرعي أمام المحكمة . لما كان ذلك ، وكانت المادة ۳۱۰ من قانون الإجراءات الجنائية قد أوجبت في كل حكم بالإدانة أن يشتمل على بیان الواقعة المستوجبة للعقوبة بياناً تتحقق به أركان الجريمة التي دان الطاعن بها والظروف التي وقعت فيها والأدلة التي استخلصت المحكمة ثبوت وقوعها منه ، وكان يبين مما سطره الحكم أنه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمتين اللتين دان الطاعنين بهما وأورد على ثبوتهما في حقهما أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها وجاء استعراض المحكمة لأدلة الدعوى على نحو يدل على أنها محصتها التمحيص الكافي وألمت بها إلماما شاملا يفيد أنها قامت بها ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة ، وكان من المقرر أن القانون لم يرسم شكلاً أو نمطاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها ، ومتى كان مجموع ما أورده الحكم كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة فإن ذلك يكون محققاً لحكم القانون ، ومن ثم فإن منعى الطاعن الثالث على الحكم بالقصور لا محل له . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن علاقة السببية في المواد الجنائية علاقة مادية تبدأ بالفعل الضار الذي قارفه الجاني وترتبط من الناحية المعنوية بما يجب أن يتوقعه من النتائج المألوفة لفعله إذا ما أتاه عمداً ، وثبوت قيام هذه العلاقة من المسائل الموضوعية التي ينفرد قاضي الموضوع بتقديرها فمتى فصل في شأنها إثباتاً ونفياً فلا رقابة لمحكمة النقض عليه مادام قد أقام قضاءه في ذلك على أسباب تؤدي إلى ما انتهى إليه ، وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت أن الطاعنان - وآخرين - اعتديا على المجني عليه ضرباً وطعناً وخنقاً حتى خارت قواه وفقد الوعي ثم قاما بإلقائه بإحدى غرف الصرف الصحي الممتلئة بمياه الصرف ، ودلل على توافر رابطة السببية بين هذا الفعل وبين وفاة المجني عليه وذلك من واقع تقرير مفتش الصحة الذي انتهى إلى أن سبب الوفاة هو اسفكسيا الغرق ومن أقوال الطبيب الشرعي الذي قرر بجواز حدوث الوفاة وفقاً للتصوير الوارد على لسان المتهمين فإنه يكون قد أثبت بما فيه الكفاية العناصر التي تستقيم بها علاقة السببية بين فعلتهما والنتيجة التي حدثت ، ومن ثم فإن منعى الطاعنين على الحكم في هذا الصدد لا يكون له وجه . لما كان ذلك ، وكان قصد القتل أمراً خفياً لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه واستخلاص هذا القصد من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية ، وكان الحكم المطعون فيه قد استظهر نية القتل في قوله : " وحيث إنه عن نية القتل فإنه لما كان الثابت بالأوراق أن المتهمين بعد أن توصلوا إلى الاستيلاء على السيارة كرها والتعرف على شخصية المجني عليه كشرطي بمديرية أمن .... تدارسوا الأمر فيما بينهم واتفقوا جميعاً على قتله وإزهاق روحه وبدأوا في الاعتداء عليه ضرباً وخنقاً وألقوه في بئر الصرف الصحي ولم يتركوه إلا بعد أن تيقنوا أنه جثة هامدة غاصت في مياه الصرف الصحي وتحقق لهم مبتغاهم من التعدي وهو القتل وإزهاق روح المجنى عليه حتى لا يتمكن من الإبلاغ عنهم والتعرف على صورهم لينجوا من جرمهم وتكون نية القتل متوافرة في حق المتهمين ومتحققة بالدعوى " . لما كان ذلك ، وكان هذا الذي استخلصته المحكمة من ظروف الدعوى وملابساتها هو استخلاص سائغ وكاف في التدليل على ثبوت توافر نية القتل لدى الطاعنين ، ومن ثم فلا محل للنعي على الحكم في هذا الصدد . لما كان ذلك ، وكان الحكم قد دلل على توافر ظرف سبق الإصرار في حق الطاعنين في قوله : " وحيث إنه عن ظرف سبق الإصرار فإنه لما كان الثابت بالأوراق أن المتهمين بعد أن علموا بحقيقة عمل المجني عليه كشرطي بمديرية أمن .... ظلوا فترة من الوقت يتدارسون الأمر فيما بينهم وفي هدوء وروية وتدبير اتفقوا جميعاً على إزهاق روح المجني عليه ورسموا خطة القتل وتحينوا فرصة خلو الطريق من المارة وحال سيرهم بالسيارة بدأوا في الاعتداء على المجني عليه وإلقائه في بئر الصرف لقتله وإزهاق روحه ويتوافر بالتالي ظرف سبق الإصرار في الأوراق " . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن البحث في توافر ظرف سبق الإصرار من إطلاقات محكمة الموضوع تستنتجه من ظروف الدعوى وعناصرها مادام موجب تلك الظروف وهذه العناصر لا يتنافر عقلاً مع هذا الاستنتاج ، فإن الحكم بما حصله - على السياق المتقدم - يكون قد دلل على توافر ظرف سبق الإصرار بما يقيمه في حق المحكوم عليهم . هذا فضلاً عن أن العقوبة التي أوقعها الحكم وهي السجن المؤبد تدخل في العقوبة المقررة لجريمة القتل العمد المجردة عن أي ظرف مشدد فلا مصلحة للطاعن الثالث في النعي على الحكم من فساد في الاستدلال على توافر سبق الإصرار . لما كان ذلك ، وكان الحكم قد حدد في بيان كاف الأفعال التي قارفها الطاعن الثالث بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمتين اللتين دين بهما ، إذ أثبت وجوده مع باقي المحكوم عليهم على مسرح الجريمة وقت مقارفتها واتجاههم جميعاً وجهة واحدة في تنفيذها وصدور الجريمة عن باعث واحد وأن كلا منهم قصد قصد الآخر في إيقاعها بالإضافة إلى وحدة الحق المعتدى عليه ويصح من ثم طبقا للمادة 39 من قانون العقوبات اعتبارهم فاعلين أصليين ، وكان ليس بلازم والحال كذلك أن يحدد الحكم الأفعال التي أتاها كل منهم على حده ، ومن ثم يكون ما يثيره الطاعن الثالث في شأن التدليل على مشاركته في ارتكاب الجريمة في غير محله . هذا فضلاً عن أن الحكم وقد أثبت قیام ظرف سبق الإصرار كما هو معرف به في القانون - على ما سلف بيانه - مما يوجب مساءلة الطاعن الثالث عن الجريمة مع المحكوم عليهم الآخرين كفاعلين أصليين ولا يغير من أساس المسئولية في حكم القانون بأن يكون الجاني قد قل نصيبه في الأفعال المادية المكونة للجريمة أو قام بنصيب أوفى من هذه الأفعال . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن الدفع بعدم قبول الدعوى الجنائية أو بعدم جواز نظرها لسبق صدور أمر بألا وجه فيها من النيابة العامة هو من قبيل الدفع بقوة الشيء المحكوم فيه ولأجل أن يكون له محل فإن ذلك يقتضي وحدة الدعويين التي دفع فيها بقوة الأمر بالأوجه وتلك التي صدر فيها ذلك الأمر من حيث أشخاصهما وموضوعهما وسببيهما ، ويقتضي اشتراط وحدة الأطراف أن يكون المتهم الذي صدر لمصلحته الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى هو نفسه الذي أقيمت ضده الدعوى التي يحتج بعدم قبولها . وذلك ما لم يكن الأمر بألا وجه قد أقيم على أسباب عينية كحالة ثبوت أن الجريمة لم تقع أصلاً أو على أنها في ذاتها ليست من الأفعال التي يعاقب عليها القانون فإنه في هذه الحالة يكتسب – كأحكام البراءة - حجية بالنسبة إلى جميع المساهمين في الجريمة . وترتيباً على ذلك فإنه إذا استند الأمر بألا وجه إلى عدم معرفة الفاعل فلا يجوز لمن رفعت عليه الدعوى بعد ذلك أن يحتج بهذا الأمر ذلك بأنه لم يكن متهماً حينما صدر ذلك الأمر ، فلا يمكن أن يقال إنه صدر في شأنه . لما كان ذلك ، وكان الطاعن الثالث على ما يذهب إليه في وجه نعيه يقرر أن الأمر بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى الجنائية قد صدر لعدم معرفة الفاعل وعاودت النيابة التحقيق في الواقعة ورفعت الدعوى الجنائية بعدئذ عليه وعلى باقي المتهمين ، ففي ذلك ما يدل على أنه لم يكن في بادئ الأمر متهماً ومن ثم فلا يحق له - وعلى فرض صحة ما ذهب إليه من أن الأمر مازال قائماً - أن يتمسك بأمر بالأوجه لم يصدر في شأنه إذ أن ذلك يتنافى مع المبادئ التي تقوم عليها حجية الشيء المحكوم فيه ، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى اطراح دفعه في هذا الشأن - ملتزماً هذا المعنى - يكون قد وافق صحيح القانون ويكون نعى الطاعن الثالث عليه في هذا الشأن غير سدید . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن الاعتراف في المسائل الجنائية من العناصر التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات، وفي الأخذ باعتراف المتهم في حق نفسه وفي حق غيره من المتهمين في أي دور من أدوار التحقيق ولو عدل عنه بعد ذلك ، ولها دون غيرها البحث في صحة ما يدعيه المتهم من أن الاعتراف المعزو إليه قد انتزع منه بطريق الإكراه ، ومتى تحققت من أن الاعتراف سليم مما يشوبه واطمأنت إلى مطابقته للحقيقة والواقع فلها أن تأخذ به بغير معقب عليها في ذلك ، وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال المتهمين في تحقيقات النيابة العامة وأنها صدرت منهم عن إرادة حرة دون إكراه ، وعولت على تلك الأقوال في قضائها بالإدانة فإن ما يثيره الطاعن الثالث في هذا الصدد لا يكون قويماً . لما كان ذلك ، وكان تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات مرجعه إلى محكمة الموضوع ، كما أن ندب خبير في الدعوى لا يسلبها سلطتها في تقدير وقائعها وما قام فيها من أدلة الثبوت ، وكذلك فلها وهي تقضي في الدعوى أن ترجح بين أقوال الخبراء المتعارضة - وقد سلكت المحكمة في سبيل تحقيق ما أبداه الدفاع بشأن التعارض بين تقرير مفتش الصحة وتقرير الصفة التشريحية استيضاح الطبيب الشرعي الذي أجرى الصفة التشريحية ، واستندت إلى رأيه للأسباب الفنية التي أبداها - وهو من حقها مادام أن تكييف الواقع الذي شهد به الخبير وترتیب آثاره في الدعوى هو من خصائص قاضي الموضوع الذي له أن يسلك إليه ما يراه مؤدياً إلى فهم الواقع ، ومتى تم له ذلك فلا يصح قانوناً أن يصادر في اقتناعه وعقيدته بطلب مزيد من التحقيقات في الدعوى ، فإن ما يثيره الطاعنان في هذا الصدد لا يكون له أساس . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أنه ليس بلازم أن تتطابق اعترافات المتهم ومضمون الدليل الفني على الحقيقة التي وصلت إليها المحكمة بجميع تفاصيلها بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي غیر متناقض مع جوهر الدليل الفني تناقض يستعصي على الملاءمة والتوفيق وكانت اعترافات الطاعن الثاني والمحكوم عليهما الآخرين كما أوردها الحكم لا تتعارض بل تتلاءم مع ما نقله عن التقرير الفني ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن الثالث في هذا الصدد يكون على غير سند . لما كان ذلك ، وكان الحكم قد حصل اعترافات المتهمين بما يتفق وما تضمنه أسباب الطعن منها فإن النعي عليه بدعوى الخطأ في الإسناد تكون غير مقبولة ، ولا يغير من الأمر أن الطاعن الثالث أراد لتلك الأقوال غير المعنى الذي استخلصه الحكم وما ذلك بأنه من المقرر أن من حق محكمة الموضوع أن تحصل أقوال الشاهد وأن تفهم سياقها وتستشف مراميها مادامت فيما تحصله لا تحرف الشهادة عن موضعها كما هو الحال في الدعوى المطروحة . لما كان ذلك ، وكان لمحكمة الموضوع أن تستغني عن سماع شهود الإثبات إذا قبل المتهم أو المدافع عنه ذلك صراحة أو ضمناً دون أن يحول عدم سماعهم أمامها من أن تعتمد في حكمها على أقوالهم التي أدلوا بها في التحقيقات مادامت أقوالهم مطروحة على بساط البحث ، وإذ كان الثابت أن الدفاع عن الطاعن الثاني قد تنازل صراحة عن سماع شهود الإثبات مكتفياً بتلاوة أقوالهم ، فليس له من بعد أن ينعى على المحكمة قعودها عن سماعهم . لما كان ذلك ، ولئن طلب المدافع عن الطاعن الثاني في مستهل مرافعته ضم دفتر الأحوال وأجلت المحكمة الدعوى لهذا السبب إلا أنه عاد وتنازل عن الطلبات السابق إبداؤها مما يفقد هذا الطلب خصائص الطلب الجازم الذي تلتزم المحكمة بإجابته ، فإن قرار المحكمة في هذا الشأن لا يعدو قراراً تحضيرياً تصدره في صدد تجهيز الدعوى وجمع أدلتها لا تتولد عنه حقوق للخصوم توجب حتماً العمل على تنفيذه صوناً لهذه الحقوق فلا يعيب الحكم من بعد قضاءه في الدعوى دون ضم دفتر الأحوال استجابة لطلب المتهمين ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن الثاني في هذا الصدد يكون غير قويم . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه لم يعول في إدانة الطاعنين على دليل مستمد من المعاينة التصويرية ، فإنه لا جدوى من النعي على الحكم في هذا الشأن . لما كان ما تقدم ، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس ، متعيناً رفضه موضوعاً .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ