الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 21 يوليو 2023

الطعن 354 لسنة 10 ق جلسة 1 / 2 / 1969 إدارية عليا مكتب فني 14 ج 1 ق 40 ص 306

جلسة أول فبراير سنة 1969

برئاسة السيد الأستاذ المستشار الدكتور أحمد موسى وكيل مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة عبد الستار عبد الباقي آدم ويوسف إبراهيم الشناوي ومحمد صلاح الدين السعيد وعلي لبيب حسن المستشارين.

-----------------

(40)

القضية رقم 354 لسنة 10 القضائية

(أ) - عقد إداري "عقد توريد".
ما اتفق أصلاً على توريده تتم المحاسبة عليه وفقاً للأسعار المبينة بكشف الوحدة - كشوف الوحدة هي جزء لا يتجزأ من التعاقد - تتم المحاسبة وفقاً للسعر الجبري بالنسبة للأصناف المسعرة في حالات الزيادة أو النقص دون غيرها.
(ب) - عقد إداري "عقد توريد".
يجوز لجهة الإدارة المتعاقدة أن تزود المتعهد بالخامات اللازمة - طريقة المحاسبة في هذه الحالة.
(جـ) - عقد إداري "تنفيذه".
حقوق المتعاقد والتزاماته تحدد طبقاً لنصوص العقد - لا أثر للمكاتبات والمنشورات والكتب الدورية التي تصدرها الوزارة إلى أجهزتها الإدارية في هذا الشأن.

--------------------
1 - إن المحاسبة على ما اتفق أصلاً على توريده إنما يكون على أساس الأسعار المبينة بكشف الوحدة، لأن هذه الكشوف تعتبر جزء لا يتجزأ من التعاقد ذاته، أما المحاسبة على أساس السعر الجبري بالنسبة للأصناف المسعرة، فإنه خاص بما تطلبه جهة الإدارة، زيادة عن المقررات المتفق عليها أو ما يستغنى عنه من تلك المقررات، وهو مقصور التطبيق على حالات الزيادة أو النقص دون غيرها ولا يمتد إلى الكميات المتفق عليها أصلاً.
2 - يجوز لجهة الإدارة المتعاقدة أن تزود المتعهدين بالخامات اللازمة لصناعة أي صنف من الأصناف الغذائية المقررة وفي هذه الحالة يحاسب المتعهد على أجر تصنيع يقدر على أساس الفرق بين الصنف وفق أسعار كشوف الوحدة. وثمن الخامات الداخلة في صناعته، فإذا كانت تلك الأصناف مسعرة فيكون أساس الحساب هو سعرها الرسمي.
3 - إن حقوق المتعاقد مع جهة الإدارة والتزاماته إنما تحدد طبقاً لنصوص العقد الذي يربطه بجهة الإدارة وليس على أساس مكاتبات أو منشورات أو كتب دورية تصدرها الوزارة إلى أجهزتها الإدارية المختلفة.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن وقائع المنازعة تخلص، حسبما يبين من أوراق الطعن، في أن السيد/ عبد العزيز العزب المنشاوي أقام الدعوى رقم 116 لسنة 16 القضائية ضد محافظة الإسكندرية ومنطقة الإسكندرية التعليمية بعريضة أودعها سكرتيرية محكمة القضاء الإداري بتاريخ 31 من أكتوبر سنة 1961 طالباً الحكم بإلزام المدعى عليهما بأن يدفعا له مبلغ 644 جنيهاً و831 مليماً والمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة، وقال في شرح دعواه إنه في عام 1958 تعاقد مع منطقة الإسكندرية التعليمية على توريد الأغذية اللازمة لمدارس المنطقة ومعهد أبي قير الرياضي، وكان الخبز من ضمن الأصناف المطلوب منه توريدها إلى تلك الجهات، وقد سلمته المنطقة دقيقاً فاخراً من دقيق المساعدات الأجنبية لتصنيعه خبزاً حسب الأوزان المحددة بالعقد، وهي 200 جرام، 150 جراماً 120 جراماً للرغيف، وتقضي شروط التوريد باحتساب أجر تصنيع الخبز على أساس الفرق بين ثمن الخبز وفق التسعيرة الجبرية وبين ثمن الدقيق حسب أسعار التموين، وقد ورد هذا الأساس مفصلاً في الكتاب الدوري رقم 6 الصادر بتاريخ 5، 15 من يناير سنة 1959، وعلى هذا الأساس كان يتعين أن تحاسبه المنطقة على ما صنعه من خبز طبقاً لما يلي، ثمن أقة الخبز 8.7 رغيف × 5 مليم = 43.5 مليماً، ثمن أقة الدقيق 34.28 مليماً × 5/ 4 = 42.8 مليماً، ولما كان الدقيق الداخل في تصنيع أقة الخبز حسب تعليمات التموين هي 4/ 5 للأقة فيكون ثمن الدقيق اللازم هو 42.85 مليماً × 4/ 5 = 34.28 مليماً. وعلى ذلك فإن ثمن تصنيع أقة الدقيق يمثل الفرق بين القيمتين أي 9.22 مليم فيكون للكيلو 7.376 مليم. ولما كان قد ورد 132409 كيلو خبز فإن المبلغ المستحق له عن التصنيع هو 975.854 مليمجـ غير أن المدعى عليهما لم تأخذا بهذا التفسير السليم لنصوص التعاقد، بل رأت خصم ثمن الدقيق الداخل في الرغيف من ثمن الرغيف المصنع طبقاً لما هو محدد بكشف الوحدة المرفق بالعقد، وهذا الأساس غير سليم لأنه يتعارض مع شروط التوريد ذاتها ومع ما جاء في الكتاب الدوري رقم 1 المؤرخ 15 من يناير سنة 1959 فقد نص البند الثامن من كراسة شروط التوريد على أنه بالنسبة للأصناف المحلية المسعرة يحاسب المتعهد على سعرها الرسمي، ومقتضى ذلك أن الأسعار الواردة بكشف الوحدة لا يجوز الرجوع إليها إلا بالنسبة إلى الأصناف غير المسعرة، وإذ كان الخبز من السلع المسعرة ولم يخرج عن نطاق التسعير الجبري في أي وقت من الأوقات، فمن ثم يجب استبعاد كشف الوحدة والرجوع إلى
سعر الخبز في التسعيرة الجبرية.. وهذا هو المعنى المستفاد من الكتاب الدوري رقم 6 المشار إليه.
ولما كانت جهة الإدارة قد حاسبته على أجرة تصنيع مقدارها 2.5 مليم للكيلو في حين أنه يستحق وفق التفسير السليم لنصوص العقد مبلغ 7.370 مليم عن كل كيلو، فإنه يستحق الفرق بين القيمتين ومقدارها 4.86 مليم في كيلو وتكون جملة ما يستحقه هو هذا المبلغ مضروباً في الكمية التي قام فعلاً بتوريدها، وهذا المبلغ هو الذي يطلب الحكم بإلزام المدعى عليهما بأدائه.
ردت جهة الإدارة على الدعوى بمذكرة صادرة من قسم التغذية بمنطقة الإسكندرية التعليمية قالت فيها إنها قامت بتسليم المدعي كميات من الدقيق لتصنيعها خبزاً وتوريدها إلى المدارس المنصوص عليها في التعاقد، ثم اتصلت بمراقبة تموين الإسكندرية للإفادة عن سعر الرغيف من الأوزان 200 جرام، 150 جراماً، 120 جراماً التي تقدم للتلاميذ طبقاً للتعاقد فأفادتها هذه الجهة عن سعر الرغيف مهما كان وزنه هو خمسة مليمات على ألا يقل الوزن عن 46 درهماً وهو الحد الأدنى للوزن القانوني، وعلى هذا الأساس رأت المنطقة أن الخبز الذي يقدم إلى التلاميذ خارج عن نطاق التسعير الجبري وينطبق في شأنه نص البند الثامن من كراسة شروط التوريد الذي يقضي بمحاسبة المتعهد على الأصناف غير المسعرة طبقاً للأسعار المبينة بكشف الوحدة، وتطبيقاً لذلك حوسب المدعي على أساس استخراج ثمن الرغيف بالأوزان الموضحة بكشف الوحدة أي بسعر 30.44 مليماً للكيلو جرام منقوصاً منه ثم الدقيق الداخل في وزن الرغيف، وعلى سبيل المثال بالنسبة إلى الرغيف وزن 200 جرام فهو يساوي 0.200 × 30.44 مليمجـ = 06.088 مليمجـ ثمن الدقيق الداخل في تصنيع هذا الرغيف 0.160 مليم × 34.232 مليمجـ = 5.4770 مليمجـ ويكون الفرق ومقداره 0.6108 مليم هو أجرة تصنيع الرغيف ومن ثم تكون الدعوى على غير أساس حقيقة بالرفض.
ومن حيث إنه بتاريخ أول ديسمبر سنة 1963 حكمت المحكمة بأحقية المدعي في أن يحاسب على ما صنعه من خبز على أساس الفرق بين السعر الرسمي الجبري للخبز، وبين السعر الرسمي الجبري للدقيق، الجهة التي تم فيها التوريد، وأقامت المحكمة قضاءها على أساس أن البند الثامن من كراسة العطاء إنما هو مقصور التطبيق على ما يؤخذ زيادة عن المقررات المتفق عليها، وعلى كل ما يتوافر أو يستغنى عنه من أصناف هذه المقررات، وسريان السعر الرسمي على الأصناف المسعرة إلا إذا أخرجت من كشف الأسعار الجبرية، فيحاسب المتعهد على أساس كشوف الوحدة، أما حالة التصنيع فهي حالة لم تعالجها كراسة الشروط، مما اضطر جهة الإدارة إلى إصدار الكتاب الدوري رقم 6 لسنة 1959 لمعالجتها، وقد نص صراحة على أن تقدر تكاليف التصنيع بحساب سعر الكيلو من الخبز المتعاقد على توريده وفق التسعيرة الجبرية، وعبارة "المتعاقد على توريده" جاءت عامة ومطلقة فتشمل الكمية المتفق على توريدها أصلاً، وما يطلب زيادة عن ذلك من المتعهد، ويضاف إلى ذلك أنه بسبب عدم التوسع في تفسير الحالات التي تتفق فيها جهة الإدارة على مخالفة التسعير الجبري، فما لم يوجد نص صريح بالمخالفة، يفسر الغموض في النص بما يتفق والمبدأ العام وهو احترام الأسعار الجبرية التي وضعتها جهة الإدارة ليسير مرفق التموين بما يحقق صالح الشعب جميعاً من منتج ومستهلك ووسيط وعلى هذا المقتضى يكون المدعي محقاً في طلبه ويتعين الحكم بإلزام جهة الإدارة بمحاسبته بالنسبة إلى أجرة التصنيع على أساس الفرق بين السعر المبدى للخبز والسعر الجبري للدقيق.
ومن حيث إن مبنى الطعن أن القاعدة العامة المستفادة من نص البندين 8، 22 من كراسة الشروط، أنه يجب على المتعهد القيام بتوريد كل ما يطلب منه بالزيادة عن المقررات المتفق عليها وبذات الشروط، وأنه يجب على المتعهد القيام بتوريد كل ما يطلب منه بالزيادة عن المقررات المتفق عليها وبذات شروط التوريد على أن يحاسب عنها طبقاً للأسعار المحددة بكشف الوحدة، وكذلك بالنسبة إلى ما يستغنى عنه من تلك المقررات، ومؤدى ذلك أن المحاسبة على ما اتفق أصلاً على توريده إنما يكون على أساس الأسعار المبينة بكشف الوحدة، لأن هذه الكشوف تعتبر جزءاً لا يتجزأ من التعاقد ذاته، أما بالنسبة إلى الاستثناء المنصوص عليه في البند الثامن المشار إليه، ومضمونه المحاسبة على أساس السعر الجبري بالنسبة للأصناف المسعرة، فإنه خاص بما تطلبه جهة الإدارة، زيادة عن المقررات المتفق عليها أو ما يستغنى عنه من تلك المقررات، وهو مقصور التطبيق على حالات الزيادة أو النقص دون غيرها ولا يمتد إلى الكميات المتفق عليها أصلاً، ولما كانت كميات الخبز التي صنعها المطعون ضده هي من الأصناف التي التزم أصلاً بتوريدها طبقاً للعقد، فإنه يحاسب عنها طبقاً للأسعار المحددة بكشف الوحدة وإذ ذهب الحكم مذهباً مخالفاً فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون.
ومن حيث إن البند الثالث والعشرين من كراسة شروط التوريد ينص على ما يأتي:.... وللوزارة الحق أيضاً في تزويد المتعهدين بالخامات اللازمة لصناعة أي صنف من الأصناف الغذائية المصنوعة المقررة نظير محاسبته على هذه الأصناف على أساس الفرق بين ثمن الصنف وفق أسعار كشوف الوحدة وثمن الخامات الداخلة في صناعته وفق أسعار كشف الوحدة مع مراعاة ما ورد بالبند الثامن بالنسبة للأصناف المسعرة، ويكون تسليم هذه الخامات في الأماكن التي تحددها المنطقة في الجهة الواقع فيها المدرسة أو مركز التموين. وينص البند الثامن على أن "يكون كشف الوحدة الوارد بالملحق رقم (2) نافذ المفعول مدة التعهد في محاسبة المتعهد على ثمن كل ما يؤخذ زيادة على مقادير مقررات أصناف الأغذية المبينة بالملحق رقم (1) الوارد بهذه الكراسة من هذه الأصناف وعلى قيمة ثمن كل ما يتوفر ويستغنى عنه من أصناف هذه المقررات مع مراعاة طريقة المحاسبة عن الوجبات الكاملة الواردة بالبند 20 من هذه الشروط. وكذلك في محاسبته على أثمان أصناف التدبير المنزلي الواردة فقط بكشف الوحدة المذكور وكذلك أثمان أغذية الخدم في الأقسام الداخلية ولا يجوز لأحد الطرفين المطالبة بفرق سعر مهما انخفضت أو ارتفعت أسعار الأصناف الواردة بالكشف المذكور أو لأي سبب آخر مدة التعاقد فيما عدا الأصناف المحلية المسعرة رسمياً فيحاسب المتعهد على سعرها الرسمي إلا إذا أخرجت من كشف الأسعار الجبرية فتكون المحاسبة على أساس أسعار كشف الوحدة" ومفاد هذين النصين أنه يجوز لجهة الإدارة المتعاقدة أن تزود المتعهدين بالخامات اللازمة لصناعة أي صنف من الأصناف الغذائية المقررة وفي هذه الحالة يحاسب المتعهد على أجر تصنيع يقدر على أساس الفرق بين ثمن الصنف وفق أسعار كشوف الوحدة. وثمن الخامات الداخلة في صناعته، فإذا كانت تلك الأصناف مسعرة فيكون أساس الحساب هو سعرها الرسمي.
ومن حيث إنه يتضح من ذلك أن مقطع النزاع ينحصر في معرفة هل الخبز بالأوزان المتفق على توريدها في العقد مثار النزاع تعتبر من السلع المسعرة فيحاسب المتعهد على سعر تصنيع محسوب على أساس السعر الرسمي للخبز مخصوماً منه ثمن الدقيق الداخل في الصناعة كما يذهب إلى ذلك المطعون ضده، أم أنه يعتبر سلعة غير مسعرة فيحاسب المطعون ضده على ثمن الخبز طبقاً للسعر المحدد بكشوف الوحدة كما تذهب إلى ذلك جهة الإدارة الطاعنة.
ومن حيث إن الخبز المتعاقد على توريده، حسبما جاء في عريضة الدعوى وفي رد جهة الإدارة، كان بأوزان مقدارها 200 جرام، 150 جراماً، 120 جراماً للرغيف الواحد، وقد حدد كشف الوحدة رقم 3 المرفق بالملحق رقم 2 من كراسة شروط التوريد (صفحة 100) أسعار الخبز المورد على النحو الآتي "خبز بلدي زنة الرغيف 200 جرام الكيلو 28.84 مليماً، خبز بلدي زنة الرغيف 175 جراماً، 150 جراماً، 120 جراماً، 100 جرام الكيلو 30.44 مليماً" أما الخبز الخاضع للتسعيرة الجبرية فقد وردت مواصفاته وسعره في كتاب مراقبة تموين الإسكندرية المؤرخ 12 من مارس سنة 1959 والمرسل إلى مدير عام منطقة الإسكندرية التعليمية رقم 4103، فقد جاء في هذا الكتاب أن سعر الرغيف من الخبز البلدي هو خمسة مليمات مهما كان وزنه بشرط ألا يقل عن الوزن القانوني المقرر وهو 46 درجة ساخن للرغيف الواحد. ويتضح من ذلك أن الخبز المتعاقد على توريده يخالف الرغيف المسعر في الوزن، فهو يزيد عن ذلك الرغيف في بعض الأحيان في حالة توريد خبز من وزن 200 أو 150 جراماً للرغيف ويقل عنه إذا كان التوريد من الخبز زنة 120 جراماً للرغيف، ويضاف إلى ذلك أن التسعيرة الجبرية قد اتخذت الرغيف الواحد أساساً للتسعيرة، فحددت سعر الرغيف بخمسة مليمات، أما كشوف الوحدة فقد اتخذت سعر الكيلو أساساً للمحاسبة وحددت أسعاراً مختلفة للخبز كلما اختلف وزن الأرغفة المطلوب توريدها.
ومن حيث إنه لما كان كشف الوحدة هو من مرفقات العقد الإداري الذي تم التوريد على أساسه ويعتبر جزءاً لا يتجزأ من العقد ذاته، فإن هذا يدل دلالة واضحة على أن نية طرفي التعاقد قد انصرفت عند إبرام العقد إلى اعتبار الخبز الذي سيتم توريده تنفيذاً للعقد وبالأوزان المحددة فيه سلعة أخرى غير الخبز المسعر شأنها في ذلك شأن جميع الأصناف الأخرى المصنوعة من الدقيق ولا تنطبق عليها التسعيرة الجبرية للخبز كالفطائر وما إليها، ويؤيد ذلك ويؤكده أن العقد المشار إليه أبرم في تاريخ كانت فيه التسعيرة الجبرية للخبز سارية وبالرغم من ذلك فقد حدد العقد للخبز مواصفات وأسعاراً مخالفة لما ورد في التسعيرة الجبرية.
ومن حيث إنه يترتب على ذلك أنه إذا استعجلت جهة الإدارة حقها المقرر في البند 23 من كراسة شروط التوريد، وسلمت المتعهد دقيقاً لتصنيعه خبزاً بالأوزان المتفق عليها في العقد فإن المتعهد يستحق أجرة تصنيع تحسب على أساس الفرق بين ثمن الخبز وفق الأسعار المحددة بكشوف الوحدة المرفقة بالعقد، وبين ثمن الدقيق الداخل في صناعته، وليس على أساس سعر الخبز كما تحدده التسعيرة الجبرية.
ومن حيث إنه لا اعتداد في هذا الشأن بطريقة المحاسبة المنصوص عليها في الكتاب الدوري رقم 6 المؤرخ 5 من يناير سنة 1959 الذي استند إليها المطعون ضده في المطالبة بمحاسبته على أساس السعر الجبري للخبز، ذلك أن حقوق المتعاقد مع جهة الإدارة والتزاماته إنما تحدد طبقاً لنصوص العقد الذي يربطه بجهة الإدارة وليس على أساس مكاتبات أو منشورات أو كتب دورية تصدرها الوزارة إلى أجهزتها الإدارية المختلفة، ويضاف إلى ذلك أن مناط تطبيق الكتاب الدوري المشار إليه، حسبما يستفاد من عباراته أن يكون محل التعاقد والتوريد، خبزاً بالأوزان المحددة بالتسعيرة الجبرية للخبز، فتسري عليه أحكام التسعيرة الجبرية بحكم اللزوم وهو الأمر الذي لا ينطبق على واقعة الدعوى، لأن محل التوريد فيها خبز لا تنطبق عليه التسعيرة الجبرية على النحو السالف بيانه.
ومن حيث إنه لما كان الثابت من أوراق الطعن أن جهة الإدارة المتعاقدة حاسبت المطعون ضده على أجرة تصنيع الخبز الذي ورده، على أساس سعر الخبز المحدد في كشوف الوحدة وصرفت له مستحقاته على هذا الأساس ولا ينازع المطعون ضده في ذلك وكانت المحاسبة على هذا النحو تعتبر تنفيذاً صحيحاً لنصوص العقد على النحو السالف بيانه، فمن ثم فإن ما يطلبه المطعون ضده من محاسبته على أساس سعر الخبز المحدد بالتسعيرة الجبرية على غير أساس سليم من القانون حقيق بالرفض، وإذ ذهب الحكم المطعون فيه مذهباً مخالفاً فإنه يكون قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه متعيناً الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى مع إلزام المدعي بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وإلزام المدعي بالمصروفات.

الطعن 219 لسنة 33 ق جلسة 29 / 2 / 1968 مكتب فني 19 ج 1 ق 63 ص 428

جلسة 29 من فبراير سنة 1968

برياسة السيد المستشار محمود توفيق إسماعيل نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: الدكتور محمد حافظ هريدي، والسيد عبد المنعم الصراف، ومحمد صدقي البشبيشي، ومحمد سيد أحمد حماد.

------------------

(63)
الطعن رقم 219 لسنة 33 القضائية

(أ) ارتفاق. "قيود البناء الاتفاقية". التزام. "سبب الالتزام".
قيود البناء الاتفاقية حقوق ارتفاق متبادلة مقررة لفائدة جميع العقارات التي فرضت لمصلحتها تلك القيود. مخالفة أغلب مالكي العقارات المرتفقة تلك القيود. انتفاء التزام صاحب العقار المرتفق به لانتفاء السبب.
(ب) ارتفاق. "قيود البناء الاتفاقية".
مخالفة قيود البناء الاتفاقية. لمالك العقار المرتفق به المطالبة بتنفيذها عيناً بطلب الإصلاح العيني للمخالفة. جواز الاكتفاء بالتعويض - كبديل عن التنفيذ العيني - إذا كان في طلب الإزالة إرهاق لصاحب العقار المرتفق به. محل ذلك أن يطلب في الدعوى الإصلاح العيني.
عدم جواز الحكم لمالك العقار المرتفق به بتمكينه من إقامة بناء مخالف لتلك القيود المفروضة عليه أو تكملته مقابل تعويض يدفعه لأصحاب العقارات المرتفقة.

----------------
1 - قيود البناء الاتفاقية تعتبر - على ما جرى به قضاء محكمة النقض - حقوق ارتفاق متبادلة مقررة لفائدة جميع العقارات الكائنة في الحي والتي فرضت لمصلحتها تلك القيود فإذا خالفها أغلب أهل الحي أصبح صاحب العقار المرتفق به في حل من الالتزام بها لانتفاء سبب هذا الالتزام (1).
2 - مفاد نص المادة 1018/ 1 و2 من القانون المدني أن القانون وقد اعتبر قيود البناء الاتفاقية حقوق ارتفاق جعل لمالكي العقارات المرتفقة أن يطالبوا بها مالك العقار المرتفق به وفي حالة مخالفته لتلك القيود فإن الأصل أن يطالبوه بتنفيذها عيناً عن طريق طلب الإصلاح العيني للمخالفة غير أن المشرع رأى أنه قد يترتب على ذلك إرهاق صاحب العقار المرتفق به إذا طلب منه إزالة بناء ضخم أقامه مخالفاً لما فرض عليه من القيود فأجاز في هذه الحالة الاكتفاء بالتعويض إذا وجد القاضي أن هذا جزاء عادل فيه الكفاية وذلك على غرار ما قرره المشرع في المادة 203 في شأن تنفيذ الالتزام إذا كان في التنفيذ العيني إرهاق للمدين. ومتى كان المشرع قد جعل الحكم بالتعويض بديلاً عن الحكم بالإصلاح العيني للمخالفة فإن القضاء بالتعويض لا يكون إلا حيث يطالب صاحب العقار المرتفق مالك العقار المرتفق به بهذا الإصلاح العيني أما إذا رفعت الدعوى ابتداء من مالك العقار المرتفق به بطلب تمكينه من إقامة بناء مخالف لما فرض عليه من القيود أو تكملة هذا البناء فلا يكون للقاضي أن يصرح له بذلك مقابل تعويض يدفعه لأصحاب العقارات المقررة هذه القيود لمصلحتها ما داموا هم قد تمسكوا بوجوب احترامها باعتبارها حقوق ارتفاق تبادلية وذلك لما ينطوي عليه هذا القضاء من تصريح بارتكاب مخالفة لما تقع أو باستفحال مخالفة بدئ فيها، ولم يقصد المشرع من إيراد حكم المادة 1018/ 2 من القانون المدني تخويل القاضي الحق في مخالفة حقوق الارتفاق هذه وإنما كل ما قصده وهو عدم إرهاق مالك العقار المرتفق به بإزالة المباني المخالفة لما فرض عليه من قيود في حالة وقوع هذه المخالفة فعلاً قبل أن يرفع الأمر إلى القاضي فإذا لم تطلب هذه الإزالة فلا يكون هناك محل للحكم ببديلها وهو التعويض.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن الشركة العقارية لأراضي الجيزة والروضة كانت تملك بمنطقة الدقي مساحات كبيرة من الأراضي قامت بتقسيمها والتصرف فيها ونصت في عقود البيع الصادرة منها على التزام المشترين وخلفائهم بقيود معينة عند البناء قاصدة بذلك إيجاد حي راقي هادئ تتوافر فيه عوامل الصحة والراحة والتنسيق ومن هذه القيود تحريم إقامة أي بناء للاستغلال وقصر حق المشتري على إقامة فيلا مع ترك مسافة لا تقل عن ثلاثة أمتار من ملك الجار وعن أربعة أمتار من الشارع وقد اشترت المرحومة السيدة عزيزة عارف مورثة الطاعنين قطعة أرض من أراضي الشركة وأقامت عليها الفيلا رقم 23 بشارع رفاعة ثم اشترى المطعون ضده بصفته ممثلاً لدائرة المعارض بالكويت قطعة أرض من بعض المشترين من الشركة برقم 22 بنفس الشارع في مواجهة المنزل الأول واستصدر من مصلحة التنظيم في سنة 1959 رخصة بإقامة بناء عليها مكون من بدروم يعلوه أربعة أدوار لإيواء الفتيات الكويتيات الوافدات إلى القاهرة لطلب العلم ولما شرع في إقامة هذا المبنى رفعت عليه مورثة الطاعنين أمام القضاء المستعجل الدعوى رقم 143 سنة 1960 مستعجل الجيزة طالبة الحكم بوقف أعمال البناء التي شرع في القيام بها تأسيساً على مخالفتها لقيود البناء التي فرضتها شركة الجيزة والروضة على المشترين منها وخلفائهم - وبتاريخ 3 من أبريل سنة 1960 قضت محكمة الأمور المستعجلة بوقف تلك الأعمال فاستشكل المطعون ضده في هذا الحكم بإشكالين قضى برفضهما كما استأنف ذلك الحكم وقضى في 24 من مايو سنة 1960 برفض هذا الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف فرفع نقضاً عن هذا الحكم وطلب من محكمة النقض أن تأمر بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه ولما رفضت هذا الطلب تنازل عن الطعن بالنقض وأقام في 27 نوفمبر سنة 1960 الدعوى الموضوعية الحالية رقم 667 سنة 1960 أمام محكمة الجيزة الابتدائية على مورثة الطاعنين طالباً الحكم بأحقيته في إقامة المباني طبقاً للرسوم المعتمدة من مصلحة التنظيم والرخصة الممنوحة له وبانتهاء حق الارتفاق الجماعي وبإلزام السيدة عزيزة عارف المدعى عليها بأن تدفع له تعويضاً قدره خمسون ألف جنيه نظير الأضرار التي أصابته بسبب وقف البناء بفعلها وأسس هذه الدعوى على أنه وإن كان لمبنى الذي شرع في إقامته يخالف بعض قيود البناء التي فرضتها الشركة فذلك لأن الكثيرين من ملاك الأراضي التي اشتروها من هذه الشركة في نفس الشارع والشوارع المجاورة قد سبقوه إلى مثل هذه المخالفات بل وبالغوا فيها حتى لم يبقوا على أي قيد من قيود البناء المفروضة وأنه لذلك تكون هذه القيود قد زالت بالتنازل الضمني عنها وأضاف أن مورثة الطاعنين بدورها خالفت أيضاً هذه القيود بإقامتها جراجاً بملحقاته دون أن تترك بينه وبين ملك الجار المسافة الواجب تركها - وبتاريخ 2 من مارس سنة 1961 قضت محكمة الجيزة الابتدائية قبل الفصل في الموضوع بندب خبير هندسي لمعاينة المباني التي أقامها المدعي (المطعون ضده) وبيان الناقص فيها لإمكان الانتفاع بها وتقدير الضرر الذي يترتب على إزالة ما يخالف منها شروط البناء في المنطقة وأوجه هذه المخالفة ولبيان ما إذا كانت المدعى عليها (مورثة الطاعنين) قد خالفت هذه الشروط وأوجه هذه المخالفة إن وجدت ولبيان أقرب المباني التي بها مخالفات بالنسبة لمبنى المدعي ومبنى المدعى عليها وما هي تلك المخالفات. وقد باشر الخبير هذه المأمورية وقدم تقريراً انتهى فيه إلى أن ما تم من العمل في مبنى المطعون ضده هو الأساسات جميعها والهيكل الخرساني المسلح للدور الأرضي جميعه وللدورين الأول والثاني للجزء الرئيسي من المبنى وأعمدة الدور الثالث ومباني حوائط الدور الأول للمبنى الرئيسي - وأن نسبة الأعمال التي تمت إلى قيمة المبنى جميعه 40% وأن المبنى وإن كان قد أنشئ طبقاً للرسومات والتصميمات المعتمدة من التنظيم إلا أن به ما يخالف قيود واشتراطات الشركة فيما يختص بالمسافات الواجب تركها بينه وبين الشارع وبينه وبين الجارين الغربي والقبلي - وهما غير مورثة الطاعنين - وفيما يختص بأنه لا يعتبر فيلا وإن كان ليس استغلالياً وأن قيمة المباني التي تمت لا تقل عن عشرين ألف جنيه وأن المدعى عليه (مورثة الطاعنين) احترمت قيود وشروط الشركة وإن كانت قد أقامت جراجاً ملحقاً به "صوبة" صغيرة من الخرسان المسلح على الحد الفاصل بينها وبين الجار مباشرة إذ تبين للخبير أن معظم فيلات المنطقة بها جراجات أو ما أشبه من هذه الملحقات على نفس الوضع مما جعل الخبير يعتبر ذلك عرفاً متبعاً في جميع فيلات المنطقة كما أثبت الخبير في تقريره وجود مخالفات متعددة بعقارات عديدة بالشارعين اللذين بهما عمارة المدعي وفيلا المدعى عليها وبالشوارع المحيطة بهما وبالمنطقة التي يقعان بها ويرجع تاريخ هذه المخالفات إلى مدة تتراوح بين سنتين وما لا يقل عن 15 سنة. وبتاريخ 3 من أغسطس سنة 1961 قضت المحكمة باستمرار المباني التي يقوم بها المدعي (المطعون ضده) بحيث لا يتجاوز ارتفاعها أربعة أدوار وذلك إذا دفع للمدعى عليها (مورثة الطاعنين) تعويضاً قدره ألف جنيه فاستأنف الطاعنون هذا الحكم - بعد وفاة مورثتهم - لدى محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف رقم 1504 سنة 78 قضائية طالبين إلغاء الحكم المستأنف ورفض الدعوى ونعوا على هذا الحكم إقحامه نص الفقرة الثانية من المادة 1018 من القانون المدني وإعماله حكمها لأن محل ذلك هو عند طلب إصلاح المخالفة عيناً وهو ما لم تطلبه مورثتهم - كما استأنف المطعون ضده الحكم أيضاً بالاستئناف رقم 1570 سنة 78 ق القاهرة طالباً الحكم له بطلباته المبينة في صحيفة افتتاح دعواه وأقام استئنافه على أن قيود البناء الارتفاقية التي فرضتها أصلاً شركة الجيزة والروضة لم يعد لها وجود لسبق تراضي الملاك المرتفقين تراضياً ضمنياً على النزول عنها وعدم الالتزام بها بدليل المخالفات العديدة التي أثبتها الخبير وسكت عنها الملاك - وبتاريخ 27 من أبريل سنة 1963 قضت محكمة الاستئناف برفض الاستئنافين وتأييد الحكم المستأنف بكامل أجزائه فطعن الطاعنون في قضائها هذا بطريق النقض بتقرير تاريخه 23 مايو سنة 1963 وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن.
وحيث إن الطعن بني على سببين يتحصل أولهما في أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون وتأويله وفي بيان ذلك يقول الطاعنون إن المطعون ضده طلب في دعواه الحكم له بأحقيته في تكملة المباني التي بدأ فيها طبقاً للرسوم المعتمدة من مصلحة التنظيم والرخصة الممنوحة له وإنهاء حق الارتفاق الجماعي وقد سجل عليه الحكمان الابتدائي والمطعون فيه أنه خالف قيود البناء التي تعتبر حقوق ارتفاق تبادلية وأن لمورثة الطاعنين أن تلزمه باحترام هذه القيود ما دامت هي لم تخالفها ولم تتنازل عنها وكان مقتضى ذلك أن تقضي المحكمة برفض دعوى المطعون ضده وتقف عند هذا الحد. لكن الحكم المطعون فيه أيد الحكم الابتدائي الذي قضى بأحقية المطعون ضده في الاستمرار في البناء إذ دفع لمورثة الطاعنين تعويضاً قدره ألف جنيه مستنداً في ذلك إلى الفقرة الثانية من المادة 1018 من القانون المدني مع أن المطعون ضده لم يطلب لا في صحيفة دعواه ولا في عريضة استئنافه في القضاء له بتكملة البناء مقابل دفع التعويض وبذلك يكون الحكم المطعون فيه قد قضى بشيء لم يطلبه الخصوم وفصل فيما لم يكن معروضاً عليه. هذا إلى أن محل القضاء بالتعويض على ما يستفاد من الفقرة الثانية من المادة 1018 هو عند ما ترفع دعوى بطلب الإصلاح العيني على من يخالف قيود البناء فيجوز للمحكمة عندئذ استعمال الرخصة المخولة لها في تلك الفقرة والقضاء بالتعويض بدلاً من الإزالة إذا رأت ما يبرر ذلك وإذ كانت مورثة الطاعنين لم ترفع دعوى بطلب الإصلاح العيني واكتفت بالحكم لها من القضاء المستعجل بوقف أعمال البناء التي شرع المطعون ضده في إقامتها وكان المطعون ضده هو الذي رفع الدعوى طالباً الحكم بأحقيته في الاستمرار في تلك الأعمال فإن مجال دعواه هذه لم يكن يسمح بالحديث في مسألة التعويض وإعمال حكم الفقرة المذكورة ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه إذ أعمل نص هذه الفقرة وقضى بالاستناد إليه بأحقية المطعون ضده في تكملة البناء مقابل تعويض يدفعه لمورثة الطاعنين قد أخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن المادة 1018 تقضي في فقرتها الأولى بأنه إذا فرضت قيود معينة تحد من حقوق مالك العقار في البناء عليه كيف شاء... فإن هذه القيود تكون حقوق ارتفاق على هذا العقار لفائدة العقارات التي فرضت لمصلحتها هذه القيود وتنص الفقرة الثانية على أن "كل مخالفة لهذه القيود تجوز المطالبة بإصلاحها عيناً، ومع ذلك يجوز الاقتصار على الحكم بالتعويض إذا رأت المحكمة ما يبرر ذلك" ومفاد أن القانون وقد اعتبر قيود البناء هذه حقوق ارتفاق جعل لمالكي العقارات المرتفقة أن يطالبوا بها مالك العقار المرتفق به وفي حالة مخالفته لتلك القيود فإن الأصل أن يطالبوه بتنفيذها عيناً عن طريق طلب الإصلاح العيني للمخالفة غير أن المشرع - على ما ورد في مذكرة المشروع التمهيدي - رأى أنه قد يترتب على ذلك إرهاق صاحب العقار المرتفق به إذا طلب منه إزالة بناء ضخم أقامه مخالفاً لما فرض عليه من القيود ولهذا فقد أجاز في هذه الحالة الاكتفاء بالتعويض إذا وجد القاضي أن هذا جزاء عادل فيه الكفاية - وذلك على غرار ما قرره المشرع في المادة 203 في شأن تنفيذ الالتزام إذا كان في التنفيذ العيني إرهاق للمدين - ومتى كان المشرع قد جعل الحكم بالتعويض بديلاً عن الحكم بالإصلاح العيني للمخالفة فإن محل استعمال هذه الرخصة والقضاء بالتعويض بدلاً من الإصلاح العيني لا يكون إلا حيث يطالب صاحب العقار المرتفق مالك العقار المرتفق به بهذا الإصلاح العيني أما إذا كانت الدعوى قد رفعت من الأخير ابتداء بطلب تمكينه من إقامة بناء مخالف لما فرض عليه من القيود أو تكملة هذا البناء فلا يكون للقاضي أن يصرح له بذلك مقابل تعويض يدفعه لأصحاب العقارات المقررة هذه القيود لمصلحتها ما داموا هم قد تمسكوا بوجوب احترامها باعتبارها حقوق ارتفاق تبادلية وذلك لما ينطوي عليه هذا القضاء من تصريح بارتكاب مخالفة لما تقع أو باستفحال مخالفة بدئ فيها والمشرع لم يقصد من إيراد حكم الفقرة الثانية من المادة 1018 تخويل القاضي الحق في مخالفة حقوق الارتفاق هذه وإنما كل ما قصده هو عدم إرهاق مالك العقار المرتفق به بإزالة المباني المخالفة لما فرض عليه من قيود في حالة وقوع هذه المخالفة فعلاً قبل أن يرفع الأمر إلى القاضي فإذا لم تطلب هذه الإزالة فلا يكون هناك محل للحكم ببديلها وهو التعويض. لما كان ذلك وكان المطعون ضده الذي خالف قيود البناء هو الذي رفع الدعوى على مورثة الطاعنين يطلب الحكم بأحقيته في تكملة هذا البناء حسب الرسومات المعتمدة من مصلحة التنظيم والمخالفة لقيود البناء المفروضة على أهل الحي وبانتهاء حقوق الارتفاق المترتبة على هذه القيود بسبب النزول الضمني عنها ولم تطلب مورثة الطاعنين لا بدعوى أصلية ولا في صورة طلب عارض إزالة المباني التي شرع المطعون ضده في إقامتها قبل أن يرفع الدعوى فإنه لم يكن للمحكمة أن تقضي له بالاستمرار في المباني على نحو يخالف تلك القيود إذا دفع لمورثة الطاعنين التعويض الذي قدرته ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه بقضائه بذلك قد أخطأ في تطبيق القانون إلا أنه مع ذلك ترى هذه المحكمة أن النعي عليه بهذا الخطأ غير منتج ذلك بأن الحكم المطعون فيه قد سجل في تقريراته ما يأتي: "وحيث إن قيود البناء التي اشترطتها شركة الجيزة والروضة هي ولا شك حقوق ارتفاق مقررة لمصلحة المشترين منها وخلفائهم على وجه تعتبر معه كل قطعة مرتفقة بالنسبة لباقي القطع ومرتفق بها في نفس الوقت كما أنه ولا شك في أن مخالفة بعض هؤلاء الملاك للقيود المذكورة بإقامتهم عمارات استغلالية وجراجات عمومية وحوانيت ودون التزام لحدود المسافات المقررة في تلك الحقوق وثبوت كون تلك المخالفات قد تمت قبل بدء النزاع المطروح بسنوات طويلة دون أن يطلب أحد من المرتفقين إصلاحها وقتذاك كل ذلك وإن كان من شأنه أن يؤيد المستأنف عبد اللطيف شعلان (المطعون ضده) في اتخاذها دلالات قاطعة في معنى النزول الضمني عن تلك الحقوق إلا أن أثر هذا النزول لا يتعدى تلك المخالفات المذكورة ولا ينقلب إلى نزول ضمني عام بحيث تصبح تلك القيود الارتفاقية في حكم المعدومة أصلاً" - هذا الذي سجله الحكم المطعون فيه من وقوع مخالفات كثيرة وجسيمة من أهل الحي لقيود البناء المفروضة عليهم أصلاً وطوال سنين عديدة دون أن يطلب أحد من ملاك العقارات المرتفقة إصلاحها كان يقتضي بذاته من المحكمة أن تعتبر حقوق الارتفاق هذه قد زالت بالنزول الضمني عنها ذلك بأن قيود البناء سالفة الذكر تعتبر - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - حقوق ارتفاق متبادلة مقررة لفائدة جميع العقارات الكائنة في الحي والتي فرضت لمصلحتها تلك القيود فإذا خالفها أغلب أهل الحي أصبح المطعون ضده في حل من الالتزام بها لانتفاء سبب هذا الالتزام ولما كان يبين مما سجله الحكم المطعون فيه ومن تقرير الخبير الذي أخذ به أن أغلب سكان الحي ومن بينهم المجاورون لمبنى مورثة الطاعنين قد وقعت منهم مخالفات جسيمة وإن هذه المورثة نفسها بنت جراجاً بملحقاته على وضع يخالف قيود البناء المفروضة وهذه المخالفة مهما قيل عن تفاهتها فإنه مخالفة على أي حال ولا يبررها قول الخبير بأن إقامة ملحقات من هذا النوع أضحى عرفاً متبعاً في الحي لأن هذا بذاته يفيد عدم تشدد أهل الحي في الالتزام بهذه القيود وإذ كان الإخلال بحقوق الارتفاق هذه على تلك الصورة المتبادلة وطوال سنين عديدة يدل دلالة قاطعة على نزول أصحابها عنها كما أنه لما كان الغرض من تقرير هذه الحقوق هو إنشاء حي سكني راق فيه عوامل الصحة والراحة ومظاهر التنسيق فإن إقامة عمارات شاهقة في هذا الحي الواحدة تلو الأخرى وفي كل المنطقة على النحو الوارد بتقرير الخبير من شأنه أن يفقد هذا الحي الصفات التي أريدت له من فرض تلك القيود ومن ثم لا يمكن القول ببقائها على قطع دون أخرى ولخدمة جار دون خدمة جار آخر. لما كان ذلك وكان المطعون ضده قد تمسك بكل هذا أمام المحكمة الابتدائية كما أسس عليه استئنافه فإنه على أساس تلك الحقيقة وتطبيقاً لها يكون الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى نتيجة صحيحة فيما قضى به للمطعون ضده من الاستمرار في البناء حسب الرسومات المعتمدة من مصلحة التنظيم وإن أخطأ في تعليقه ذلك على دفع التعويض الذي ألزم المطعون ضده بدفعه لمورثة الطاعنين غير أنه لا سبيل لمحكمة النقض إلى إصلاح هذا الخطأ ما دام المطعون ضده لم يطعن في هذا الشق من الحكم ولا يجوز أن يضار الطاعنون بطعنهم.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض السبب الأول لعدم الجدوى منه كما أنه وقد أوضحت هذه المحكمة أن الحكم المطعون فيه لم يكن له أن يستعمل الرخصة المقررة في الفقرة الثانية من المادة 1018 من القانون المدني وإن قضاءه بالاستمرار في البناء إنما يستقيم على أساس قانوني آخر فإنه لم يعد محل لبحث السبب الآخر المتضمن تعييب الحكم بالقصور لإغفاله الرد على دفاع الطاعنين المتضمن انتفاء المبرر لاستعمال الرخصة المذكورة.


(1) راجع نقض 14/ 11/ 1967 مجموعة المكتب الفني س 18 ص 1660 ونقض 29/ 4/ 1965 مجموعة المكتب الفني س 16 ص 538. ونقض 28/ 5/ 1964 مجموعة المكتب الفني س 15 ص 758.

الطعن 680 لسنة 13 ق جلسة 25 / 1 / 1969 إدارية عليا مكتب فني 14 ج 1 ق 39 ص 300

جلسة 25 من يناير سنة 1969

برئاسة السيد الأستاذ المستشار الدكتور أحمد موسى وكيل مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة عادل عزيز زخاري وعبد الستار عبد الباقي آدم ومحمد طاهر عبد الحميد ومحمد صلاح الدين محمد السعيد المستشارين.

----------------

(39)

القضية رقم 680 لسنة 13 القضائية

موظف "إنهاء خدمة. أسبابها". "الاستقالة".
اعتبار انقطاع الموظف عن العمل، بغير إذن وبدون تقديم أعذار مقبولة، لمدة خمسة عشر يوماً متتالية في حكم الاستقالة - يجوز لجهة الإدارة اعتبار غيابه مخالفة إدارية تستوجب مجازاته وفي هذه الحالة لا يجوز اعتباره مستقيلاً.

---------------------
إن لجهة الإدارة إذا ما انقطع العامل عن عمله بغير إذن خمسة عشر يوماً متتالية ولم يقدم أعذاراً مقبولة خلال الخمسة عشر يوماً التالية إما أن تفصله من العمل ويقوم الفصل في هذه الحالة على قرينة قانونية هي اعتباره مستقيلاً، وإما أن تتخذ ضده الإجراءات التأديبية باعتبار أن غيابه بدون إذن يشكل مخالفة إدارية تستوجب مجازاته وفي هذه الحالة الأخيرة لا يجوز اعتباره مستقيلاً.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من أوراق الطعن - في أن المدعي، السيد/ عبد الحكيم عبد السلام أحمد، أقام الدعوى رقم 2891 لسنة 19 القضائية ضد وزارة الري وتفتيش عام ضبط النيل بصحيفة أودعها سكرتيرية محكمة القضاء الإداري "هيئة الجزاءات والفصل بغير الطريق التأديبي" في 31 من مايو سنة 1965 طالباً الحكم بإلغاء القرار الوزاري رقم 438 لسنة 1964 الصادر في 26 من سبتمبر سنة 1964 بإنهاء خدمته اعتباراً من أول أغسطس سنة 1964 وما يترتب على ذلك من آثار بإعادته إلى عمله وصرف مرتبه عن المدة التي لم يصرف له فيها حتى تاريخ عودته. وقال - شرحاً لدعواه - إن القرار المطعون فيه صدر ناسباً له أنه انقطع عن العمل أكثر من المدة القانونية مع أن هذا يخالف الواقع إذ أنه كان موجوداً فعلاً بالعمل في التواريخ المقول بغيابه فيها وقد صرف مرتبه بالكامل عن شهر أغسطس سنة 1964 الذي أسند إليه الغياب فيه. واستشهد على حضوره ببعض زملائه الموظفين. وأن الإدارة لم تجر معه أي تحقيق، بل فصلته جزاء مشادة وقعت بينه وبين السيد المفتش العام، دون اتباع لما جاء بالنشرة الشهرية لديوان الموظفين رقم 10 لسنة 1957 - من أنه لا يمكن افتراض أن العامل أراد هجر العمل إلا بتحقق شرطين: الأول أن يتغيب بدون إذن والثاني ألا يثبت ما يقنع رئيسه أن غيابه كان بسبب قوة قاهرة، وأرجع المدعي سبب فصله إلى وجود منافسة بينه وبين رئيس شئون العاملين لكونه أعلى منه درجة وأكثر منه أقدمية. وقد استدعاه السيد المفتش العام ذات مرة ونهره بلفظ ناب وطلب من رئيس شئون العاملين قيده غائباً.. ومضى المدعي يقول إنه لا يوقع على ساعة الحضور منذ ثلاث سنوات أسوة بزملائه اكتفاء بحضوره. فضلاً عن أنه رئيس قلم وهو بهذه المثابة معفى من التوقيع كما أنه رقي في شهر يوليه سنة 1964 إلى الدرجة الخامسة بتوصية من التفتيش وبتقارير سرية جيدة. ثم فصل اعتباراً من الشهر التالي للترقية ولم يعلم بالقرار المطعون فيه إلا في 7 من أكتوبر سنة 1964 وتظلم منه في 10 من ذات الشهر ولم يتلق رداً على تظلمه فأقام هذه الدعوى.
ردت الجهة الإدارية على الدعوى بأن المدعي لم يجر معه أي تحقيق قبل إصدار القرار المطعون فيه لأنه كان متغيباً الأمر الذي أدى إلى إخطار النيابة الإدارية ووزارة الري بانقطاعاته خلال شهور يونيه ويوليه سنة 1964 وذلك بكتابي التفتيش رقمي 11، 12 سري في 9 من سبتمبر سنة 1964 فاعتبرته الوزارة مستقيلاً بقوة القانون تطبيقاً للمادتين 49 و81 من القانون رقم 46 لسنة 1964 وأن سبب صرف مرتبه عن شهر يوليه سنة 1964 فلأن التفتيش لا يملك إيقاف صرف مرتبه إلا بعد إخطار الوزارة وموافقتها على ذلك. وأن ما يذكره المدعي من منافسة بينه وبين رئيس شئون العاملين فإنه ادعاء لا يستند إلى أي دليل خاصة وأنه موظف كتابي والسيد رئيس شئون العاملين بالكادر العالي. وأضافت الجهة الإدارية أن بملف خدمة المدعي مذكرة مؤرخة في 13 من نوفمبر سنة 1963 تضمنت أنه لا يحترم مواعيد الحضور والانصراف وأنه متغيب بصفة مستمرة وأنه لا يصلح إطلاقاً للعمل وأنه صدر في 23 من ذات الشهر أمر مكتبي بإلحاقه بقسم شئون العمال وعليه القيام بإنشاء وتنظيم واستيفاء سجلات القسم خاصة سجلات المجندين والمحالين إلى المعاش والنقل والإعارة إلا أنه لم يقم بأي عمل من هذه الأعمال لتغيبه المستمر. وأنه لم يصدر أي أمر باعتباره رئيساً لقسم أو قلم، هذا فضلاً عن أن ملف خدمته حافل بالجزاءات لتلاعبه وكثرة غيابه واستهتاره بالعمل. وأنه يؤيد ذلك ما جاء بقضية النيابة الإدارية رقم 16 لسنة 1959 من كثرة انقطاعه عن العمل بدون إذن سابق وعدم تخصيصه وقت العمل الرسمي لأداء واجبات وظيفته وقد جوزي عن ذلك بالخصم من المرتب مع إنذاره. كما أنه قد أحيل إلى مجلس التأديب في القضية رقم 37 لسنة 1962 وجوزي بخصم شهر من راتبه لما ثبت من مخالفته قانون التوظف الذي حظر اشتغال الموظفين بالأعمال التجارية بأن قدم نفسه مقاولاً لدى مصلحة الطرق والكباري ورست عليه عمليتان من مقاولاتها قام بتنفيذهما مما أدى إلى كثرة انقطاعه عن العمل بدون إذن.
وبجلسة 22 من فبراير سنة 1967 قضت محكمة القضاء الإداري بإلغاء القرار المطعون فيه وما يترتب عليه من آثار وبإلزام الجهة الإدارية بالمصروفات. وأقامت قضاءها على أن تفتيش ضبط النيل أخطر النيابة الإدارية بكتابه السري رقم 11 في 9 من سبتمبر سنة 1964 بأن المدعي دأب على الانقطاع عن العمل دون الحصول على إذن سابق، فضلاً عن انصرافه دون إذن كذلك في الأيام التي يتواجد فيها كما تغيب طوال شهر أغسطس سنة 1964 وما زال منقطعاً حتى تاريخ ذلك الكتاب وطلب من النيابة الإدارية اتخاذ اللازم، الأمر الذي ترتب عليه قيامها بالتحقيق اعتباراً من 28 من سبتمبر سنة 1964. وبعد إرسال الكتاب المذكور للنيابة الإدارية صدر القرار المطعون فيه في 26 من ذات الشهر باعتبار خدمة المدعي منتهية اعتباراً من أول أغسطس سنة 1964 لانقطاعه عن العمل أكثر من المدة القانونية استناداً إلى المادة 81 من القانون رقم 46 لسنة 1964 وقد نصت الفقرة الأخيرة من هذه المادة على أنه لا يجوز اعتبار العامل مستقيلاً في جميع الأحوال إذا كانت قد اتخذت ضده إجراءات تأديبية خلال الشهر التالي لتركه العمل.. وطبقاً لهذه الفقرة لا يجوز اعتبار المدعي مستقيلاً طالما أن الجهة الإدارية قد طلبت من النيابة الإدارية إجراء التحقيق معه توطئة لاتخاذ الإجراءات التأديبية ضده ومن ثم فقد جاء القرار المطعون فيه في سببه مخالفاً للقانون.
طعنت الحكومة في الحكم المذكور بصحيفة أودعتها سكرتيرية هذه المحكمة في 23 من إبريل سنة 1967 طالبة القضاء بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه ورفض الدعوى مع إلزام المطعون ضده بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة، وبنت طعنها على أنه لا وجه لانطباق الفقرة الأخيرة من المادة 81 سالفة الذكر للأسباب الآتية:
أولاً: إن الخطاب الموجه من تفتيش ضبط النيل للنيابة الإدارية في 9 من سبتمبر سنة 1964 لا يعتبر إجراء تأديبياً، ذلك أن التفتيش المذكور أرسل في نفس الوقت وذات اليوم كتاباً آخر للسيد وكيل وزارة الري ببيان حالة المطعون ضده وتغيبه عن العمل أكثر من المدة القانونية. فالتفتيش بذلك عرض الموضوع على الجهتين. وهو، في نهاية الأمر لم يكن يملك أن يقرر إنهاء خدمة المذكور ولا مجازاته تأديبياً لأن ذلك لا بد وأن يكون بقرار من السيد وكيل الوزارة والسيد رئيس المصلحة وقد رأى السيد وكيل الوزارة بمجرد رفع الأمر إليه إنهاء خدمته استناداً إلى القانون ولم يعزز اتخاذ أي إجراء تأديبي ضده.
ثانياً: إن الإجراء التأديبي المانع من اعتبار الموظف مستقيلاً هو ذلك الذي يجب المخالفة وتستنفد به جهة الإدارة سلطتها في العقاب باعتبار أن الغياب بدون إذن يعتبر في ذاته مخالفة والتفتيش لم يتخذ ضد المطعون ضده أي إجراء من هذا النوع لأنه لم يفعل أكثر من الإخطار بالواقعة للجهتين حيث رأت السلطة الإدارية العليا الممثلة في السيد وكيل الوزارة إنهاء الخدمة استناداً إلى نص القانون ولم تشر باتخاذ أي إجراء تأديبي.
ثالثاً: ليس المقصود بالفقرة الأخيرة من المادة 81 أن تكون سلاحاً في يد الموظف يدفع به في مواجهة جهة الإدارة، بل المقصود بها احتياط ارتآه القانون ضرورياً حتى يواجه به حالات الانقطاع المعتمدة من جانب العاملين. فالقيد هنا ليس لصالح العامل بل مقرر ضده ومقصود به تفويت غرضه السيئ إذا كان يتعمد الغياب فعلاً حتى يعتبر مستقيلاً.
قدمت الحكومة حافظة مستندات أرفقت بها صوراً من الأوامر والمنشورات التي تنظم مواعيد الحضور والانصراف للعاملين بتفتيش عام ضبط النيل.
ومن حيث إن المادة 81 من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة رقم 46 لسنة 1964 نصت على أنه: "يعتبر العامل مقدماً استقالته في الحالتين الآتيتين:
1 - إذا انقطع عن عمله بغير إذن خمسة عشر يوماً متتالية ولو كان الانقطاع عقب إجازة مرخص بها ما لم يقدم خلال الخمسة عشر يوماً التالية ما يثبت أن انقطاعه كان بعذر مقبول وفي هذه الحالة يجوز لوكيل الوزارة أو لرئيس المصلحة، كل في دائرة اختصاصه، أن يقرر عدم حرمانه من مرتبه عن مدة الانقطاع إذا كان له رصيد من الإجازات يسمح بذلك وإلا وجب حرمانه من المرتب عن هذه المدة فإذا لم يقدم العامل أسباباً تبرر الانقطاع أو قدم هذه الأسباب ورفضت اعتبرت خدمته منتهية من تاريخ انقطاعه عن العمل.
2 - إذا التحق بالخدمة في حكومة أجنبية.
ولا يجوز اعتبار العامل مستقيلاً في جميع الأحوال إذا كانت قد اتخذت ضده إجراءات تأديبية خلال الشهر التالي لتركه العمل أو لالتحاقه بالخدمة في حكومة أجنبية".
ومؤدى هذه المادة أن لجهة الإدارة إذا ما انقطع العامل عن عمله بغير إذن خمسة عشر يوماً متتالية ولم يقدم أعذاراً مقبولة خلال الخمسة عشر يوماً التالية إما أن تفصله من العمل ويقوم الفصل في هذه الحالة على قرينة قانونية هي اعتباره مستقيلاً، وإما أن تتخذ ضده الإجراءات التأديبية باعتبار أن غيابه بدون إذن يشكل مخالفة إدارية تستوجب مجازاته وفي هذه الحالة الأخيرة لا يجوز اعتباره مستقيلاً.
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على الأوراق أن المدعي دأب على الانقطاع عن عمله دون الحصول على إذن سابق فتوالت عليه الجزاءات لهذا السبب، إلا أنه مع ذلك لم يرتدع وقام بالتغيب عن عمله بدون إذن مدة 22 يوماً متفرقة خلال شهر يونيه سنة 1964 ومدة 18 يوماً متفرقة خلال شهر يوليه سنة 1964 ثم غاب طوال شهر أغسطس سنة 1964 مما أدى إلى قيام تفتيش ضبط النيل، الذي كان يعمل به المدعي، إلى إخطار السيد وكيل وزارة الري في 9 من سبتمبر سنة 1964 بحالة المدعي سالفة الذكر طالباً تطبيق المادة 81 من القانون المنوه عنها على سيادته. وفي 26 من سبتمبر سنة 1964 أصدر السيد وكيل الوزارة قراره بإنهاء خدمته اعتباراً من أول أغسطس سنة 1964 لانقطاعه عن العمل أكثر من المدة القانونية مع حرمانه من المرتب اعتباراً من التاريخ المذكور حتى تاريخ صدور قرار إنهاء الخدمة وأخطر تفتيش ضبط النيل بذلك الذي قام بدوره بإخطار النيابة الإدارية ولم تكن النيابة الإدارية في ذلك الوقت قد بدأت في سماع أقوال المدعي إذ أنها لم تبدأ في ذلك إلا في 29 من أكتوبر سنة 1964.
ومن حيث إن الثابت مما تقدم أن المدعي قد انقطع عن عمله بغير إذن طوال شهر أغسطس سنة 1964 وغير ثابت أنه قدم أعذاراً لغيابه عقب الخمسة عشر يوماً الأولى ومن ثم يكون القرار المطعون فيه الصادر من السيد وكيل وزارة الري في 26 من سبتمبر سنة 1964 بإنهاء خدمته اعتباراً من أول أغسطس سنة 1964 مع حرمانه من مرتبه اعتباراً من التاريخ المذكور قد جاء سليماً وتطبيقاً صحيحاً للفقرة الأولى من المادة 81 من القانون رقم 46 لسنة 1964 سالفة الذكر. ولا مجال لإعمال الفقرة الأخيرة من هذه المادة لأن الكتاب الصادر من تفتيش ضبط النيل إلى النيابة الإدارية في 9 سبتمبر سنة 1964 لا يعتبر إجراء تأديبياً في مفهوم المادة المذكورة لأن التفتيش لم يقصد بكتابه المشار إليه للنيابة الإدارية اتخاذ إجراء تأديبي، بل إنه إنما قصد مجرد إخطارها بالموضوع وبأنه قد أخطر الوزارة لتطبيق المادة 81 بإنهاء خدمته وقد أصدرت الوزارة قرارها في 26 من سبتمبر سنة 1964 بذلك وأخطرت التفتيش الذي قام بدوره بإخطار النيابة الإدارية قبل أن تبدأ في التحقيق بسماع أقوال المدعي. وقد كان يتعين على النيابة الإدارية بمجرد أن أخطرته بصدور قرار إنهاء خدمة المدعي ألا تتخذ أي إجراء معه لأن التحقيق معه أصبح غير ذي موضوع.
ومن حيث إنه لا صحة لما زعمه المدعي من أنه لم ينقطع عن عمله بدون إذن. ذلك أنه، فضلاً عن أنه لم يقدم دليلاً على ذلك، فإن الثابت من الأوراق أن تعليمات تفتيش ضبط النيل (التي قدمت الحكومة صوراً منها بحافظتها الأخيرة) توجب على جميع الموظفين به من الدرجة الرابعة إلى التاسعة - ومنهم المدعي - أن يوقعوا في شريط ساعة الميقات في الحضور والانصراف. وقد اعترف المدعي بأنه لم يوقع في هذا الشريط مما يدل على أنه لم يحضر في الأيام المقال بأنه قد انقطع فيها ولا وجه لما ذكره المدعي - من أنه رئيس قلم وأنه بهذه المثابة معفى من التوقيع. ذلك لأنه فضلاً عن أنه ليس بملف خدمة المدعي المقدم من الحكومة ما يفيد أنه رئيس قلم، فإن التعليمات المنوه عنها لم تعف رؤساء الأقلام من التوقيع بل إنها صريحة في إلزام جميع الموظفين فنيين وإداريين وكتابيين دون استثناء من الدرجة الرابعة إلى التاسعة بالتوقيع على شريط تلك الساعة.
ومن حيث إنه لذلك تكون دعوى المدعي، بطلب إلغاء القرار الصادر في 29 سبتمبر سنة 1964 بإنهاء خدمته اعتباراً من أول أغسطس سنة 1964 وحرمانه من مرتبه من ذلك التاريخ، غير قائمة على أساس سليم من القانون خليقة بالرفض. وإذ ذهب الحكم المطعون فيه خلاف هذا المذهب فإنه يكون قد خالف القانون ويتعين لذلك القضاء بإلغائه وبرفض دعوى المدعي مع إلزامه بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى وألزمت المدعي بالمصروفات.

الطعن 763 لسنة 12 ق جلسة 25 / 1 / 1969 إدارية عليا مكتب فني 14 ج 1 ق 38 ص 291

جلسة 25 من يناير سنة 1969

برئاسة السيد الأستاذ المستشار الدكتور أحمد موسى وكيل مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة عادل عزيز زخاري وعبد الستار عبد الباقي آدم ومحمد طاهر عبد الحميد ومحمد صلاح الدين محمد السعيد المستشارين.

-----------------------

(38)

القضية رقم 763 لسنة 12 القضائية

(أ) - عقد إداري "عقد مقاولة أعمال". عقد توريد.
إذا انطوى العقد على مزيج من مقاولة الأعمال والتوريد فإنه يسري في شأن كل منهما ما تنطبق عليه من أحكام.
(ب) - عقد إداري "عقد توريد".
إذا رفض المورد قبول الخصم الذي حددته الجهة الإدارية إعمالاً لحكم المادة 137 من لائحة المناقصات والمزايدات، فإنه يمتنع على جهة الإدارة إجراؤه.

-----------------
1 - إن العقد مثار المنازعة انصب كله على إصلاح الدراجات البخارية "الموتوسيكلات" وعلى توريد وتركيب ما يلزم لها من قطع غيار جديدة وصاج وأخشاب ومشمع ومقابض وما إلى ذلك واستكمال الفوانيس والإشارات الحمراء. ولما كان التوريد في هذا العقد ذا شأن محسوس من حيث قيمته وأهميته بجانب العمل، فإن العقد بهذه المثابة ينطوي على مزيج من مقاولة الأعمال والتوريد، تقع المقاولة على أعمال الإصلاح وتنطبق أحكامه عليه ويقع التوريد على المواد وتسري أحكامه فيما يتعلق بها.
2 - شرط تطبيق نص المادة 137 من لائحة المناقصات والمزايدات على ما جرى به صريح حكمه أن يوافق المورد كتابة على تخفيض قيمة هذه الأصناف الموردة بنسبة ما قدره الفنيون المختصون لها مضافاً إليه غرامة معادلة وبمراعاة قيمة هذه الأصناف السوقية، فإذا لم يوافق الموارد على ذلك كتابة فلا يكون أمامها ثمة مندوحة من رفض الأصناف الموردة على خلاف المواصفات المتفق عليها، ومطالبة المورد بسحبها والشراء من غيره على حسابه أو إنهاء التعاقد بالنسبة لهذه الأصناف ومصادرة التأمين بما يوازي 10% من قيمتها دون إخلال بحق الجهة الإدارية في مطالبته بالتعويض.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة على ما يبين من الأوراق تتحصل في أن المدعي (الطاعن) أقام الدعوى رقم 767 لسنة 17 القضائية ضد السيد/ مدير عام هيئة البريد والسيد/ وزير المواصلات بعريضة أودعها قلم كتاب محكمة القضاء الإداري في 3 من مارس سنة 1963 طالباً الحكم بإلزام المدعى عليهما متضامنين بأن يدفعا له مبلغ 624 جنيهاً و30 مليماً والمصروفات والأتعاب مع حفظ كافة الحقوق الأخرى. وقال بياناً لدعواه إنه تعاقد مع هيئة البريد في 5 من نوفمبر سنة 1961 على أن يقوم بإصلاح عشرين موتوسيكلاً مقابل تسعين جنيهاً للموتوسيكل الواحد. وقد استلم هذه الموتوسيكلات وأتم إصلاحها على أكمل وجه وتسلمتها هيئة البريد، ولكنها لم تدفع له إلا مبلغاً قدره 1175 جنيهاً و970 مليماً (ألف ومائة وخمسة وسبعون جنيهاً وتسعمائة وسبعون مليماً) وخصمت الباقي وقدره 624 جنيهاً و30 مليماً (ستمائة وأربعة وعشرون جنيهاً وثلاثون مليماً) دون مبرر قانوني. وأضاف أنه طالب الهيئة بكتاب مسجل في 19 من ديسمبر سنة 1962 بأداء هذا المبلغ إلا أنها لم تستجب، الأمر الذي اضطر معه إلى إقامة هذه الدعوى.
وقد أجاب الدفاع عن المدعى عليها بأنه في 4 من نوفمبر سنة 1961 تم الاتفاق بين هيئة البريد والمدعي على أن يقوم الأخير بإصلاح عشرين موتوسيكلاً للهيئة طبقاً للمواصفات والاشتراطات مع تغيير جميع قطع الغيار المستهلكة فيما عدا الكاوتش والبطارية وإصلاح الكيلو متر، وأن يتم العمل خلال ستين يوماً من تاريخ استلامه الموتوسيكلات، وطبقاً للبرنامج الزمني المحدد لذلك، وتسلم المدعي الموتوسيكلات في 5 من نوفمبر سنة 1961. وقد تبين للجان المعاينة التي عهد إليها بتسلم الموتوسيكلات بعد إصلاحها أن المدعي لم يجر تغيير القطع المستهلكة وإنما قام بترميمها وإصلاحها فقط خلافاً لما تقضي به المواصفات وبالرغم من ذلك رؤى قبولها على أساس أنها ترميم وليس إصلاحاً تاماً مع خصم 15% مضافاً إليها 15% أخرى من الثمن بالتطبيق لحكم المادة 137 من لائحة المناقصات والمزايدات، وقد بلغت قيمة الخصم والغرامة على هذا النحو 540 جنيهاً. كما احتسبت عليه غرامة تأخير بواقع 4% إعمالاً لنص المادة 15 من العقد حيث تأخر في تسليم الموتوسيكلات عن المدة المحددة، فقد سلم عشرة منها بعد أكثر من ستين يوماً كما أصلح العشرة الأخرى بعد أربعة أشهر، وقد بلغت هذه الغرامة 72 جنيهاً. وبالإضافة إلى ذلك خصمت الهيئة من مستحقاته أربعة جنيهات مقابل دمغة عادية وثمانية جنيهات دمغة إضافية وعشرة مليمات دمغة فاتورة وعشرة مليمات دمغة توقيع وعشرة مليمات دمغة الإخطار وقد خصمت هيئة البريد هذه المبالغ وقدرها 624 جنيهاً وثلاثون مليماً من قيمة العقد وقدره 1800 جنيه، وأدت للمدعي الباقي وقدره 1175 جنيهاً و970 مليماً.. وخلص الدفاع إلى أن هيئة البريد التزمت جانب القانون حين خصمت المبالغ المطالب بها من مستحقات المدعي ومن ثم يتعين رفض الدعوى وإلزام المدعي بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة.
وبجلسة 13 من فبراير سنة 1966 قضت المحكمة برفض طلبات المدعي وألزمته المصاريف وأقامت قضاءها على أن المدعي لم ينازع منازعة جدية في صحة ما قررته هيئة البريد من أنه لم يقم بتركيب قطع غيار جديدة بأغلب الموتوسيكلات وذلك خلافاً لما هو متفق عليه في العقد، ولهذا لا تكون العملية في مجموعها سوى عملية القيام بالإصلاحات، وأنه لما كان المدعي سبق له أن وافق بمقتضى كتابه المؤرخ في 23 من أكتوبر سنة 1961 وقبل الاتفاق الحالي على أن يقوم بالإصلاح مقابل مبلغ قدره ستون جنيهاً للموتوسيكل الواحد، فقد رأت المحكمة أن تقدير اللجان التي شكلتها هيئة البريد للفحص وبحث أوجه النزاع مبلغ ثلاثة وستين جنيهاً عن إصلاح كل موتوسيكل تقدير عادل غير مجحف.. ولا يؤثر في هذا الشأن ما تنص عليه المادة 137 من لائحة المناقصات والمزايدات من ضرورة موافقة المتعهد كتابة في حالة الرفض، وذلك لأنه من المستحيل في الحالة المطروحة تطبيق حكم هذه المادة، برفض ما ردده المدعي لتعذر تنفيذ هذا الأمر باعتبار أن العمل في جملته وغالبيته يعتبر إجراء إصلاحات لا توريد.
وأضافت المحكمة بالنسبة لغرامة التأخير ورسوم الدمغة التي خصمت من مستحقات المدعي، أنه لم ينازع في حصول التأخير، كما أنه يلتزم قانوناً بضريبة الدمغة، ومن ثم فإن طلباته تكون غير قائمة على أساس قانوني سليم متعينة الرفض.
وقد طعن المدعي في هذا الحكم وأقام طعنه على أن محاميه لم يتح له التقدم بمستنداته ولم يبد دفاعه الكامل أمام المحكمة بسبب سفره إلى الخارج، وأن المعاينة التي أجرتها هيئة البريد للموتوسيكلات موضوع الدعوى في غير حضوره غير ملزمة له إذ أنه قام بتنفيذ ما التزم به على خير وجه. وأشار إلى أنه لم يوافق على المعاينة التي أجرتها هيئة البريد لهذه الموتوسيكلات ومن ثم كان يتعين عليها أن ترفض ما أجراه من تركيبات ثم تقوم بهذه العملية على حسابه وبذلك تكون قد خالفت حكم المادة 137 من لائحة المناقصات والمزايدات إذ خصمت من مستحقاته 30% من قيمة المناقصة. وأضاف أنه كان يقوم بتسليم الموتوسيكلات بعد إصلاحها في جراج الهيئة في المواعيد المحددة دون إيصالات. وقرر الطاعن أن الاتفاق السابق بينه وبين الهيئة على إصلاح الموتوسيكل بمبلغ ستين جنيهاً وكان مقصوراً على إصلاح إجمالي دون فك أجزاء الموتوسيكل وعلى طلائه طلاء سطحياً، بينما يقضي الاتفاق محل المنازعة بتغيير قطع الغيار المستهلكة والغير صالحة للعمل وبناء عليه فإن استناد المحكمة إلى الاتفاق الأول لتبرير تخفيض قيمة الإصلاح مثار المنازعة إلى ثلاثة وستين جنيهاً لا يقوم على أساس سليم من الواقع. وأبدى الطاعن أنه تقدم إلى الهيئة بالفاتورة رقم 2169 لصرف مبلغ 21 جنيهاً و800 مليم قيمة قطع غيار سرقت من موتوسيكل عند المعاينة ولم تدفع له الهيئة هذا المبلغ. وخلص الطاعن إلى طلب تعديل الحكم المطعون فيه وإلزام المطعون ضدهما بأن يدفعا له مبلغ 674 جنيهاً و70 مليماً مع إلزامها بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً انتهت فيه إلى أنها ترى رفض الطعن وإلزام الطاعن بالمصروفات. وعقب الطاعن بمذكرة ردد فيها دفاعه السابق وانتهى إلى طلب إلزام المطعون ضدهما متضامنين بأن يدفعا له مبلغ 674 جنيهاً و30 مليماً مع إلزامهما بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وتقدم الدفاع عن الحكومة بمذكرة صمم فيها على طلباته.
ومن حيث إنه يبين مما تم من إجراءات سواء أمام هيئة مفوضي الدولة أو محكمة القضاء الإداري وحضور محام عن المدعي أمامهما وإبداء دفاعه، أنه لا يوجد ثمة إخلال بحقوق الدفاع في هذا الشأن ينال من الحكم المطعون فيه، خاصة وأن المدعي لم يتقدم في طعنه بأي مستندات تشفع له فيما أبداه من أنه حرم من التقدم بها أمام محكمة القضاء الإداري.
ومن حيث إنه يبين من استقراء أوراق الدعوى أن هيئة البريد أخطرت المدعي في 5 من نوفمبر سنة 1961 بقبول العرض المقدم منه عن إصلاح عشرين موتوسيكلاً طبقاً للشروط والمواصفات المقدمة منه للجنة الممارسة التي تمت في 28 من أكتوبر سنة 1960 ومواصفات الإصلاح العام للموتوسيكلات وذلك بسعر قدره تسعون جنيهاً لإصلاح الموتوسيكل الواحد بإجمالي قدره ألف وثماني مائة جنيه مصري، على أن يتم إصلاحها خلال ستين يوماً فيقوم بإصلاح وتسليم خمسة موتوسيكلات في الشهر الأول ثم خمسة كل عشرة أيام وذلك من اليوم التالي لتاريخ استلام الموتوسيكلات، وطلب إليه استلام الموتوسيكلات من جراج البريد بمجرد وصول هذا الكتاب إليه. وقد تضمنت مواصفات الإصلاح العام الخاصة بالهيئة إلزام المدعي بإجراء عمرة عمومية لموتور الموتوسيكل وتغيير الأجزاء المستهلكة بأخرى جديدة من نفس الماركة الأصلية ودهان الموتوسيكل وصندوقه والسيدكار وإزالة البوية القديمة وترميم وإصلاح جميع أشغال النجارة والسمكرة وتنجيد المقعد وتغيير المقابض والدواسات والكاوتش المستهلكة واستكمال الفوانيس والإشارات الحمراء على الوجه المفصل بهذه المواصفات، وانطوى العرض الذي تقدم به المدعي في هذا الشأن على استعداده لتنفيذ جميع المواصفات بالاشتراطات المقدمة من الهيئة وتنفيذ جميع المواصفات مع تغيير جميع قطع الغيار المستهلكة (الغير صالحة) بأخرى جديدة ما عدا الكاوتش والبطارية والكيلو متر وإدارته وذلك مقابل مبلغ قدره تسعون جنيهاً للموتوسيكل الواحد. وفي 20 من يناير سنة 1962 قامت لجنة من موظفي الهيئة بفحص عشرة موتوسيكلات بعد إصلاحها وتبين لها أن المتعهد قام بترميم وإصلاح قطع الغيار المستهلكة ولم يجر تغييرها بالكامل طبقاً لشروط العقد. وفي 25 من مارس سنة 1962 قامت لجنة بمعاينة عشرة موتوسيكلات أخرى وتبينت أن بعض قطع الغيار التي قام المتعهد بتركيبها جديدة والبعض الآخر غير مطابق للمواصفات. وفي 18 من يوليه سنة 1962 اجتمعت لجنة أخرى وانتهت إلى قبول جميع الموتوسيكلات بالحالة التي هي عليها مقابل خصم 15% من قيمة العقد وتوقيع غرامة قدرها 15% من قيمة العقد أيضاً، وقد رفض المتعهد قبول هذا الخصم. واستندت الهيئة في إجراء هذا الخصم إلى حكم المادة 137 من لائحة المناقصات والمزايدات.
ومن حيث إن العقد مثار المنازعة انصب محله على إصلاح الدراجات البخارية "الموتوسيكلات" وعلى توريد وتركيب ما يلزم لها من قطع غيار جديدة وصاج وأخشاب ومشمع ومقابض وما إلى ذلك، واستكمال الفوانيس والإشارات الحمراء. ولما كان التوريد في هذا العقد ذا شأن محسوس من حيث قيمته وأهميته بجانب العمل، فإن العقد بهذه المثابة ينطوي على مزيج من مقاولة الأعمال والتوريد، تقع المقاولة على أعمال الإصلاح وتنطبق أحكامه عليه ويقع التوريد على المواد وتسري أحكامه فيما يتعلق بها.
ومن حيث إن نظام الشراء والبيع وإجراءاتهما بهيئة البريد الصادر به قرار وزير المواصلات رقم 56 لسنة 1958 يقضي في المادة 106 منه بإلغاء "كل ما يخالف أحكامه من القواعد والنظم واللوائح المعمول بها حالياً بالبريد"، ولما كان هذا النظام لا ينتظم نصاً يخالف حكم المادة 137 من لائحة المناقصات والمزايدات الصادر بها قرار وزارة المالية رقم 542 لسنة 1957 الذي كان معمولاً به في البريد، فإنه يتعين إعمال مقتضى هذه المادة إذا ما توافرت شرائطها.
ومن حيث إن المادة 137 المذكورة، التي أقامت هيئة البريد عليها حجتها في خصم 30% من قيمة العقد مقابل إخلال المدعي في تنفيذ شروطه، تقضي كأصل عام برفض الأصناف التي لا تطابق المواصفات أو العينات المتعاقد على أساسها وأجازت لجهة الإدارة المختصة بشروط خاصة قبول الأصناف غير المطابقة، ونصت على أن يكون القبول بخفض يقدره الفنيون المختصون فإذا زادت نسبة النقص على 10% يكون قبولها بخصم النسبة المقدرة ذاتها مضافاً إليها غرامة معادلة للخصم وذلك ما لم تكن نسبة النقص تجعل قيمتها السوقية أقل من ذلك فتخفض إلى أقل من القيمة السوقية بمقدار 30% وذلك بشرط أن يقبل المورد كتابة هذا الخصم، وإلا فيرفض الصنف وتطبيق أحكام المادتين (102، 105) من اللائحة. وشرط تطبيق هذا النص على ما جرى به صريح حكمه أن يوافق المورد كتابة على تخفيض قيمة الأصناف الموردة بنسبة ما قدره الفنيون المختصون لها مضافاً إليه غرامة معادلة وبمراعاة قيمة هذه الأصناف السوقية، فإذا لم يوافق المورد على ذلك كتابة فلا يكون أمامها ثمة مندوحة من رفض الأصناف الموردة على خلاف المواصفات المتفق عليها، ومطالبة المورد بسحبها والشراء من غيره على حسابه أو إنهاء التعاقد بالنسبة لهذه الأصناف ومصادرة التأمين بما يوازي 10% من قيمتها دون إخلال بحق الجهة الإدارية في مطالبته بالتعويض وإذ رفض المدعي قبول الخصم الذي حددته هيئة البريد فقد امتنع عليها إجراؤه وتكون بذلك قد خالفت حكم المادة 137 المشار إليها، كما خالفته أيضاً بتحديدها نسبة الخصم من إجمالي قيمة العقد كله بما اشتمل عليه من أعمال وتوريد ولم تلتزم حكم المادة المذكورة بنسبة الخصم إلى قيمة الأصناف التي تم توريدها على خلاف المواصفات المتفق عليها، وبالبناء على ذلك يكون استناد هيئة البريد فيما قامت به من خصم من مستحقات المدعي إلى حكم المادة 137 من لائحة المناقصات والمزايدات على غير أساس من القانون. أما ما أورده الحكم المطعون فيه وتمسك به الدفاع عن هيئة البريد من أن استحالة رفض ما قام المدعي بتوريده فإن المادة 137 سالفة الذكر فيما تقضي به من ضرورة موافقة المتعهد كتابة في حالة الخصم، فإنه لا سند له من القانون ولا أساس له من الواقع، فقد أوضح كتاب السيد/ مدير إدارة الصيانة والورش بهيئة البريد رقم 1 - ج - 21 المؤرخ في 27 من فبراير سنة 1962 إمكان رفض الأصناف التي تم توريدها بالمخالفة للمواصفات والشراء على حساب المدعي حيث قرر بأنه إذا عهد إلى متعهد آخر شراء قطع غيار جديدة لكل قطعة مستصلحة (مرممة بمعرفة المتعهد) وعلى حسابه ورد القطع المرممة إليه وصرف أجرة التركيب فإن الخسارة على المتعهد الأصلي ستكون كاسرة، وبناء على ذلك ينهار أساس الحجة التي استند إليها الحكم في هذا الشأن، كما تنهار الحجة التي أشار إليها السيد/ مدير إدارة الصيانة والورش في كتابه السابق لأن مجرد تحمل المتعاقد المخالف خسارة كبيرة من تطبيق حكم القانون السليم لا تبرر الوقوع في خطأ قانوني.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن المدعي لم يقم بإصلاح الدراجات البخارية طبقاً للشروط والمواصفات المتعاقد عليها وأخل بالتزاماته في هذا الشأن، إذ لم يستبدل بقطع الغيار المستهلكة فيها (الغير صالحة للعمل) قطعاً جديدة ومن نفس الماركة الأصلية بل اكتفى بترميم بعضها وتركيب بعض قطع من الصناعة المحلية ومن مخلفات الجيش، وقبلت الهيئة الدراجات البخارية رغماً عن ذلك وأجري تشغيلها بعد أن قدرت السلطات الفنية واللجان المختصة قيمة الخصم والغرامة على النحو آنف الذكر. بالتطبيق لحكم المادة 137 من لائحة المناقصات والمزايدات. ولما كان لا يسوغ لهيئة البريد إعمال حكم هذه المادة، إلا أن حقها والحالة هذه في مطالبة المدعي بما لحق بها من أضرار بسبب إخلال المدعي بالتزاماته العقدية أمر غير منكور. وبما أن السلطات الفنية بالهيئة قد قدرت ما أنجزه المدعي من التزاماته بما يوازي 15% من قيمة العقد على أساس أن ما قام به كان مجرد ترميم وليس إصلاحاً تاماً وبلغ هذا الخصم ثلاثة عشر جنيهاً ونصفاً وهو ما يقارب إجمالي ثمن الخارج لقطع الغيار الجديدة التي لم يقم بتركيبها وقيمتها أربعة عشر جنيهاً وسبعمائة وسبعون مليماً على ما أفاد به كتاب السيد مدير إدارة الصيانة والورش إلى السيد مدير إدارة المخازن في 11 من إبريل سنة 1962، ولم ينازع المدعي منازعة جدية مقبولة فيما أثبته الفنيون من قصور في تنفيذ العقد ومن تقدير قيمة ما لم ينجزه من التزامات. ولما كان التعويض يتحدد بمقدار ما تحقق من ضرر، ولم يثبت من الأوراق أن أضراراً أخرى قد حاقت بالهيئة فمن ثم يتمثل التعويض المستحق للهيئة بقيمة ما لم ينجزه المدعي من التزامات وقدرها ثلاثة عشر جنيهاً ونصف فقط للدراجة البخارية الواحدة دون إضافة الغرامة المنصوص عليها في المادة 137 المذكورة وتكون بذلك جملة التعويض مائتين وسبعين جنيهاً. ولا يجدي استناد الحكم المطعون فيه إلى العرض الذي سبق أن تقدم به المدعي في 23 من أكتوبر سنة 1961 لإصلاح ودهان الدراجة البخارية بمبلغ قدره ستون جنيهاً، في التدليل على أنه النزول بقيمة إصلاح الدراجة البخارية في الحالة المطروحة إلى ثلاثة وستين جنيهاً بعد خصم 30% من القيمة المتفق عليها يعد تقديراً عادلاً غير مجحف بالمدعي، لا يجدى ذلك لأن العرض الأول كان محله مجرد ترميم الدراجات، أما الثاني فقد تضمن توريد وتركيب قطع غيار جديدة، وإذا كان المدعي لم يلتزم ذلك تماماً إلا أنه قام فعلاً على ما سلف بيانه بتركيب بعض قطع الغيار وإن كان البعض منها من الصناعة المحلية أو من مخلفات الجيش بما يمتنع معه التسوية بين قيمة العرض الأول وبين قيمة ما أنجزه المدعي في الحالة الماثلة، خاصة وأن الفنيين أدلوا برأيهم في هذا الشأن وقدروا قيمة ما أنجزه المدعي بستة وسبعين جنيهاً ونصف بعد خصم 15% من قيمة إجمالي العقد بما لا سبيل معه للتعقيب على هذا التقدير، كما أنه لا ينال من ذلك ما أثاره المدعي من أنه لم يدع إلى حضور لجان معاينة الدفعة الأولى من الدراجات البخارية التي قام بإصلاحها ذلك أن مثل هذه الدعوة أمر غير لازم حيث لم يوجبها نص من عقد أو قاعدة قانونية.
ومن حيث إن المادتين 87 و92 من قرار وزارة المواصلات رقم 56 لسنة 1958 بنظام الشراء والبيع وإجراءاتهما بهيئة البريد تقضيان في حالة تأخر المتعهد في توريد كل أو بعض المهمات التي تعهد بتوريدها، وفي إنجاز الأعمال المسندة إليه بتوقيع غرامة مدة التأخير بواقع 1% من قيمة المهمات أو الأعمال التي تأخر في توريدها أو إنجازها عن كل أسبوع من مدة التأخير بحيث لا يجاوز مجموع الغرامة 4% من قيمة المهمات أو الأعمال المذكورة ولما كان المستفاد من الأوراق أن المدعي تأخر في إنجاز التزاماته مدداً تجاوزت الأربعة أسابيع، فإنه بناء على هاتين المادتين والمادة 15 من العقد تكون الهيئة على حق إذ هي وقعت عليه غرامة تأخير بحدها الأقصى وقدره 4% أي 72 جنيهاً. ولا يدرأ عن المدعي التزامه بهذه الغرامة ما أبداه من أنه كان يسلم الدراجات البخارية إلى جراج الهيئة في المواعيد المحددة دون أن يتسلم إيصالاً بذلك، لأنه فضلاً عن أن هذا القول عار عن أي دليل فإنه يخالف حكم المادة 16 من العقد فيما نصت عليه من إلزام المتعهد بأن يخطر الهيئة عن يوم تسليم أية رسالة ومن ثم فلا سند في الواقع أو القانون لدفاع المدعي في هذا الشأن.
ومن حيث إنه عن الدفعات التي خصمت من مستحقات المدعي وقدرها اثنا عشر جنيهاً وثلاثون مليماً فإن أساس التزام المدعي بها هو حكم المادة 12 من القانون رقم 224 لسنة 1951 بشأن رسوم الدمغة حيث تقضي بأن كل تعامل بين الحكومة والغير يتحمل هؤلاء دائماً رسم الدمغة ومن ثم فلا شبهة في التزام المدعي بها وهو ما لم ينازع فيه.
ومن حيث إن نطاق الدعوى يتحدد بما أبداه المدعي من طلبات أمام المحكمة المطعون في حكمها، فإنه لا يقبل منه ما أقحمه في تقرير الطعن الماثل من أن الهيئة لم تقم بصرف واحد وعشرين جنيهاً وثماني مائة مليم إليه قطع غيار سرقت من إحدى الدراجات البخارية التي وردها للهيئة وما طالب به من مبالغ أخرى لم يحدد تفصيلها في تقرير الطعن زيادة على ما طالب به أمام محكمة القضاء الإداري.
ومن حيث إنه يبين من جماع ما تقدم أن هيئة البريد أخطأت في خصم مبلغ الغرامة المنصوص عليها في المادة 137 من لائحة المناقصات والمزايدات وقدرها مائتان وسبعون جنيهاً من مستحقات المدعي، أما بالنسبة لما عدا هذا المبلغ فإنها كانت على حق فيه، ومن ثم فإنه يتعين القضاء للمدعي بهذا المبلغ دون سواه ورفض دعواه فيما خلا ذلك وتعديل الحكم المطعون فيه بما يتفق وهذه النتيجة مع إلزام هيئة البريد صاحبة الصفة في هذه المنازعة بالمصروفات المناسبة.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإلزام هيئة البريد بأن تدفع للمدعي مبلغ 270 ج (مائتان وسبعون جنيهاً مصرياً) والمصروفات المناسبة ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات.

الطعن 195 لسنة 33 ق جلسة 29 / 2 / 1968 مكتب فني 19 ج 1 ق 62 ص 418

جلسة 29 من فبراير سنة 1968

برياسة السيد المستشار محمود توفيق إسماعيل نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: الدكتور محمد حافظ هريدي، والسيد عبد المنعم الصراف، وسليم راشد أبو زيد، ومحمد صدقي البشبيشي.

---------------

(62)
الطعن رقم 195 لسنة 33 القضائية

(أ) تنفيذ. "تنفيذ عقاري". "إعفاء الراسي عليه المزاد من إيداع الثمن".
إعفاء الراسي عليه المزاد من إيداع الثمن مراعاة لمقدار دينه ومرتبته. إعفاء من الإيداع وليس إعفاءاً نهائياً من الالتزام به. تصفية ما بقي في ذمته من الثمن أو انقضاء التزامه به لا يكون إلا بعد إتمام إجراءات التوزيع وصدور قائمته النهائية. هذا الإعفاء لا يمنع من الشروع في التوزيع بأوامر صرف واجبة التنفيذ على الراسي عليه المزاد فإن امتنع اعتبر متخلفاً وأعيد البيع على مسئوليته.
(ب) تنفيذ. "تنفيذ عقاري". "إعفاء الراسي عليه المزاد من إيداع الثمن".
إعفاء الراسي عليه المزاد من إيداع الثمن رخصة من المشرع لقاضي البيوع.
(ج) شهر عقاري. "التأشير بحق دائن التركة في هامش التسجيل". تسجيل. إرث. "حق دائن التركة".
نص المادة 14 من القانون رقم 114 لسنة 1946 نص عام ينطبق على دائني التركة وارثين كانوا أو غير وارثين. لأي دائن إذا أشر بدينه في هامش تسجيل إشهادات الوراثة الشرعية أو الأحكام النهائية أو غيرها من السندات المثبتة لحق الإرث خلال سنة من تاريخ شهر حق الإرث أن يحتج بحقه على كل من تلقى من الوارث حقاً عينياً عقارياً وقام بشهره قبل هذا التأشير.

-------------------
1 - إعفاء الراسي عليه المزاد من إيداع الثمن مراعاة لمقدار دينه ومرتبته إنما هو إعفاء من إيداع الثمن خزانة المحكمة وليس إعفاءاً نهائياً من الالتزام به بناء على المقاصة مع دين الراسي عليه المزاد الذي روعي مقداره ومرتبته ولا تكون التصفية النهائية لما قد يبقى في ذمته من الثمن أو انقضاء التزامه به مقابل كل دينه أو بعضه إلا بعد إتمام إجراءات التوزيع وصدور قائمته النهائية ومن ثم فلا يمنع هذا الإعفاء من الشروع في التوزيع قبل إيداع الثمن خزانة المحكمة ويكون التوزيع حينئذ بأوامر صرف واجبة التنفيذ على الراسي عليه المزاد طبقاً لما تقضي به المادة 759 من قانون المرافعات فإذا امتنع عن الدفع أعيد البيع على مسئوليته باعتباره متخلفاً.
2 - إعفاء الراسي عليه المزاد من إيداع الثمن المنصوص عليه في المادة 669/ 2 من قانون المرافعات رخصة من المشرع لقاضي البيوع.
3 - لا يقتصر حكم الفقرة الأخيرة من المادة 14 من القانون رقم 114 لسنة 1946 على دائني التركة من غير الورثة ذلك بأن هذا النص ورد بصيغة عامة وينطبق على جميع الدائنين وارثين كانوا أو غير وارثين ومن ثم فإن لدائن المورث أياً كان هذا الدائن إذا أشر بدينه في هامش تسجيل إشهادات الوراثة الشرعية أو الأحكام النهائية أو غيرها من السندات المثبتة لحق الإرث في خلال سنة من تاريخ شهر حق الإرث أن يحتج بحقه على كل من تلقى من الوارث حقاً عينياً عقارياً وقام بشهره قبل هذا التأشير.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون ضدها الأولى طلبت في 8 يونيو سنة 1959 من القاضي المعين للتوزيع بمحكمة سوهاج الابتدائية فتح إجراءات التوزيع عن ثمن العقارات التي رسا مزادها على الطاعن بتاريخ 25 نوفمبر سنة 1958 في القضية رقم 27 لسنة 1956 بيوع كلي سوهاج واختصاصها بقيمة دينها البالغ 1403 ج و903 م من جملة الثمن الراسي به المزاد وقدره 1334 ج و641 م وقالت شرحاً لطلبها إنه في 12 يناير سنة 1956 توفى زوجها المرحوم فضلي لويس غطاس عنها وعن إخوته الأشقاء - باقي المطعون ضدهم - وإذ كان مديناً لها فقد استصدرت ضد ورثته أمري الأداء رقم 29 لسنة 1956 كلي سوهاج بمبلغ 1247 ج و97 م ورقم 2325 سنة 1956 طهطا بمبلغ 156 ج و90 م ثم شرعت في التنفيذ ضدهم على العقارات المتروكة عنه استيفاءً لدينها قبله ولما كان الطاعن يداين المطعون ضده الثاني أحد الورقة بمبلغ 1257 ج بموجب أمر الأداء رقم 62 لسنة 1953 كلي سوهاج فقد اتخذ إجراءات نزع ملكية بعض عقارات التركة باعتبار أنها آلت إلى مدينه ميراثاً عن شقيقه المرحوم فضلي لويس زوج المطعون ضدها الأولى ومدينها ولما أودع الطاعن قائمة شروط البيع في 16 سبتمبر سنة 1956 اعترضت عليها المطعون ضدها الأولى طالبة وقف الإجراءات التي اتخذها تأسيساً على أنها تداين المورث وأنه لا تركة إلا بعد سداد الديون. وفي 9 من إبريل سنة 1957 حكمت المحكمة برفض الاعتراض وبالاستمرار في إجراءات التنفيذ فاستأنفت المطعون ضدها الأولى قضاءها هذا لدى محكمة استئناف أسيوط بالاستئناف رقم 264 سنة 32 ق. وفي 4 مارس سنة 1958 قضت تلك المحكمة بتأييد الحكم المستأنف على أساس أن المعترضة لم تقم بعد بشهر حق الإرث وبالتالي لم تؤشر بدينها على هامش تسجيله طبقاً للمادتين 13 و14 من القانون رقم 114 سنة 1946 وقد سار الطاعن في إجراءات التنفيذ على أطيان المورث حتى رسا مزادها عليه بتاريخ 25 نوفمبر سنة 1958 باعتبار أنها مملوكة لمدينه المطعون ضده الثاني وقالت المطعون ضدها الأولى إنها إذ أشهرت حق الإرث في 28 مايو سنة 1958 وأشرت بديونها على هامش التسجيل في 10 يونيو سنة 1958 فإنه يحق لها قانوناً استيفاء ديونها قبل المورث من ثمن أعيان التركة التي رسا مزادها على الطاعن قبل أي دين مستحق على أحد الورثة. وبتاريخ 10 يونيو سنة 1959 أشر القاضي المعين للتوزيع بالمحكمة الابتدائية بفتح إجراءات التوزيع وبتحديد جلسة 29/ 9/ 1959 لمناقشة الدائنين ابتغاء الوصول إلى تسوية ودية وقيدت الدعوى برقم واحد سنة 1959 توزيع كلي سوهاج. وفي 27 مارس سنة 1962 حكمت المحكمة بعدم قبول الطلب استناداً إلى أن التوزيع بين الدائنين لا يكون إلا في حالة ما إذا كان ثمن العقار أو المنقول قد أودع خزانة المحكمة أو ألزم الراسي عليه المزاد بإيداعه في أجل محدد وأنه لا يكون ثمة مجال للتوزيع إذا كان الراسي عليه المزاد قد أعفى من الإيداع بحكم نهائي فاستأنفت المطعون ضدها الأولى هذا الحكم لدى محكمة استئناف أسيوط بالاستئناف رقم 36 لسنة 37 ق. وفي 9 مارس سنة 1963 قضت تلك المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به من عدم قبول الدعوى وبقبولها وبإعادة القضية إلى محكمة أول درجة لتحديد جلسة يخطر بها طرفاً الخصومة للسير في إجراءات التوزيع وقطعت في أسباب حكمها بأحقية المطعون ضدها الأولى في الدخول بدينها في التوزيع فطعن الطاعن في قضائها هذا بطريق النقض وقدمت المطعون ضدها الأولى مذكرة دفعت فيها بعدم قبول الطعن شكلاً وقدمت النيابة مذكرتين أبدت فيهما الرأي ببطلان الطعن بالنسبة للمطعون ضدها الثالثة ورفض الدفع المبدى من المطعون ضدها الأولى ورفض الطعن وبالجلسة المحددة لنظره صممت النيابة على رأيها.
وحيث إن النيابة العامة دفعت ببطلان الطعن بالنسبة للمطعون ضدها الثالثة لعدم إعلانها به.
وحيث إن هذا الدفع صحيح ذلك أن الطعن رفع في 8 مايو سنة 1963 ولم تعلن به المطعون ضدها الثالثة على إثر صدور قانون السلطة القضائية رقم 43 سنة 1965 وإذ أثبت المحضر بورقة الإعلان الخاصة بها المؤرخة 29 يوليو سنة 1965 أنها لم تعلن بسبب تركها المسكن ولم يقم الطاعن باستيفاء هذا الإجراء خلال الميعاد الذي منحه له القانون رقم 4 لسنة 1967 الذي عمل به من تاريخ نشره في 11/ 5/ 1967 ومن ثم يتعين إعمال الجزاء المنصوص عليه في المادة 431 من قانون المرافعات قبل تعديلها بالقانون رقم 401 لسنة 1955 والقضاء ببطلان الطعن بالنسبة لها - ولا يتعدى أثر هذا البطلان إلى باقي المطعون ضدهم الذين صح إعلانهم بالطعن لأن النزاع في حقيقته يدور بين الطاعن والمطعون ضدها الأولى والمطعون ضده الثاني المدين المنزوع ملكيته ولا شأن فيه للمطعون ضدها الثالثة التي لم يصح إعلانها بالطعن.
وحيث إن المطعون ضدها الأولى دفعت بعدم قبول الطعن شكلاً لإعلانها به في مكتب محاميها الذي لا يعد موطناً لها.
وحيث إن هذا الدفع في غير محله ذلك أن المطعون ضدها قد حضرت إثر حصول هذا الإعلان وقدمت مذكرة بدفاعها. ولم تبين وجه مصلحتها في التمسك ببطلان إعلانها بالطعن ومن ثم فلا يقبل منها التمسك بهذا البطلان.
وحيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية بالنسبة لباقي المطعون ضدهم.
وحيث إن الطعن أقيم على خمسة أسباب ينعى الطاعن بالسبب الأول منها على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون وفي بيان يقول إن محكمة أول درجة أقامت قضاءها بعدم قبول طلب التوزيع المقدم من المطعون ضدها الأولى على نص المادتين 724 و726 من قانون المرافعات وقالت إن مفاد هذين النصين إنه يشترط لقبول هذا الطلب أن يكون هناك ثمن قد تحصل من البيع حتى يكون لقاضي التوزيع ولاية القضاء في توزيع هذا الثمن وأنه لا يكون ثمت مجال للتوزيع إذا أعفى الراسي عليه المزاد بحكم نهائي من إيداع الثمن. وأكدت المحكمة نظرها هذا بنص المادة 673 التي تلزم الراسي عليه المزاد بإيداع الثمن خلال ثلاثة الأشهر التالية لصيرورة البيع نهائياً إلا إذا كان دائناً أعفاه حكم مرسى المزاد من إيداع الثمن كله أو بعضه مراعاة لمقدار دينه ومرتبته وقد خالفت محكمة الاستئناف وجهة نظر المحكمة الابتدائية في ذلك وقضت بقبول الطلب وبالسير في إجراءات التوزيع مغفلة النصوص القانونية التي استندت إليها محكمة أول درجة والتي لا تجيز السير في إجراءات التوزيع في حالة إعفاء الراسي عليه المزاد من الثمن الذي رسى به المزاد لأن هذا الإعفاء هو إعفاء نهائي لا يجوز معه توزيع الثمن على الدائنين وبذلك خالف الحكم المطعون فيه القانون.
وحيث إن هذا النعي غير سديد ذلك بأن إعفاء الراسي عليه المزاد من إيداع الثمن مراعاة لمقدار دينه ومرتبته إنما هو إعفاء من إيداع الثمن خزانة المحكمة وليس إعفاءً نهائياً من الالتزام به بناء على المقاصة مع دين الراسي عليه المزاد الذي روعي مقداره ومرتبته ولا تكون التصفية النهائية لما قد يبقى في ذمته من الثمن أو انقضاء التزامه به مقابل كل دينه أو بعضه إلا بعد إتمام إجراءات التوزيع وصدور قائمته النهائية ومن ثم فلا يمنع هذا الإعفاء من الشروع في التوزيع قبل إيداع الثمن خزانة المحكمة ويكون التوزيع حينئذ بأوامر صرف واجبة التنفيذ على الراسي عليه المزاد طبقاً لما تقضي به المادة 759 من قانون المرافعات فإذا امتنع عن الدفع أعيد البيع على مسئوليته باعتباره متخلفاً. لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر وأقام قضاءه على أن عدم إيداع الثمن خزانة المحكمة ليس معناه عدم إجراء القسمة والتوزيع بحسب درجات الدائنين فإنه يكون قد اتبع صحيح القانون ويكون النعي عليه بهذا السبب على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تأويله ذلك أن محكمة الاستئناف أقامت قضاءها على نص المادة 669 مرافعات وفسرته تفسيراً لا يتفق ومدلوله بأن جعلت الإعفاء المنصوص عليه في الفقرة الثانية من تلك المادة رخصة من المشرع لقاضي البيوع يقصد بها مجرد تمكين الراسي عليه المزاد من تسلم صورة الحكم المنفذ به حالة أن صياغة الفقرة المشار إليها تدل على أنه إذا تبين للقاضي أن مقدار دين الراسي عليه المزاد ومرتبته يبرران إعفاءه من الإيداع وجب عليه إعفاءه منه وهذا الإعفاء يكون بحكم ونهائياً.
وحيث إن هذا النعي غير منتج لما تقدم ذكره في الرد على السبب الأول من أن إعفاء الراسي عليه المزاد من الثمن ليس إعفاءاً من الالتزام به ولا يمنع من إجراء التوزيع بين الدائنين ومع ذلك فإن ما قرره الحكم من أن هذا الإعفاء هو رخصة من المشرع لقاضي البيوع صحيح في القانون.
وحيث إن حاصل السبب الثالث أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون ذلك أن المطعون ضدها الأولى سبق أن اعترضت على قائمة شروط البيع في القضية رقم 27 لسنة 1956 بيوع كلي سوهاج وطلبت وقف إجراءات التنفيذ التي كان قد اتخذها الطاعن وحصرت اعتراضها في أن دينها وهو دين على المورث مقدم على دين الطاعن الذي له أحد الورثة لأنه لا تركة إلا بعد سداد الديون ولم تعترض على أي شرط من شروط البيع المذكورة في القائمة ومن بينها شرط إعفاء الطاعن من إيداع الثمن في حالة رسو المزاد عليه مما يفيد قبولها لهذا الشرط وإذ كانت المادة 642 توجب إبداء جميع الملاحظات على شروط البيع بطريق الاعتراض على قائمة شروط البيع وإلا سقط الحق في التمسك بها فإن حق المطعون ضدها الأولى في الاعتراض على إعفاء الطاعن من إيداع الثمن الذي رسا به المزاد عليه يكون قد سقط لعدم إبدائه عند الاعتراض على قائمة شروط البيع ولا يجوز لها بالتالي العودة إلى إثارة هذا الشرط أمام قاضي التوزيع وإذ اعتبر الحكم المطعون فيه هذا الحق قائماً بمقولة أن قاضي التوزيع هو صاحب الولاية في الفصل في مرتبة الدائنين فإنه يكون مخالفاً للقانون.
وحيث إن هذا النعي مردود بأن المطعون ضدها لا تعترض على إعفاء الطاعن من الثمن الذي رسى به المزاد عليه حتى كان يمكن أن يرد عليها بسقوط حقها في هذا الاعتراض وإنما هي قد طلبت افتتاح التوزيع على أساس أن إعفاء الطاعن من إيداع الثمن الذي يرسو به المزاد عليه لا يعتبر إعفاءاً له من الالتزام بهذا الثمن وإنما من مجرد إيداعه بعد رسو المزاد عليه ومن ثم يكون النعي بهذا السبب ضرباً في غير مضرب والتفاتاً عن الواقع في الدعوى.
وحيث إن حاصل السبب الرابع أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون وتأويله وفي بيان ذلك يقول الطاعن إن محكمة الاستئناف تناولت بالتفسير المادتين 13 و14 من القانون رقم 114 لسنة 1946 وخلصت إلى أن تأشير الدائن بدينه خلال سنة من تاريخ تسجيل حق الإرث يحفظ له حقاً مطلقاً قبل الغير أما بعد هذا الميعاد فتكون العبرة بأسبقية الشهر بين الدائن للتركة وبين من يتلقى الحق من الوارث وقالت المحكمة إن هذا الميعاد لا يبدأ بالنسبة لهذا الدائن إلا من تاريخ شهر حق الإرث وفاتها أن الدائنة المطعون ضدها الأولى وارثة في الوقت نفسه وأنها مسئولة طبقاً للمادة 914 مدني عن طلب تصفية تركة مورثها ومدينها ليتقرر دينها فتراخيها في شهر حق الإرث أكثر من عامين بعد تسجيل الحجز العقاري الذي أوقعه الطاعن وعدم اتخاذها أي إجراء لتصفية تركة مورثها كل ذلك يجعل دين الطاعن يتقدم على دينها في مجال المفاضلة بينهما أما ما تنعى عليه المادتان 13 و14 من القانون رقم 114 لسنة 1946 فإن المقصود بالدائن الذي يحفظ حقه إذا ما أشر بدينه في خلال سنة من تاريخ تسجيل شهر الإرث إنما هو الدائن الذي يكون من الغير وليس الدائن الوارث وبذلك يكون الحكم المطعون فيه قد أول هاتين المادتين تأويلاً خاطئاً.
وحيث إن هذا النعي مردود بأن الحكم المطعون فيه لم يشر في أسبابه إلى المادتين 13 و14 من القانون رقم 114 لسنة 1946 إلا عند تعرضه لقضاء الحكم الصادر في الاستئناف رقم 264 سنة 32 ق أسيوط وهو في مقام الرد على الدفع الذي أبداه الطاعن بعدم جواز السير في إجراءات التوزيع لسبق الفصل في الموضوع المؤسس عليه طلب التوزيع ولم يعرض الحكم المطعون فيه لهاتين المادتين ببحث أو تفسير لخروج ذلك عن طبيعة الدعوى الحالية ونطاقها ومن ثم فإن النعي بهذا السبب لا يصادف محلاً في الحكم المطعون فيه هذا إلى أنه غير صحيح ما يقوله الطاعن من قصر حكم الفقرة الأخيرة من المادة 14 من القانون رقم 114 لسنة 1946 على دائني التركة من غير الورثة ذلك بأن هذا النص ورد بصيغة عامة وينطبق على جميع الدائنين وارثين كانوا أو غير وارثين ومن ثم فإن لدائن المورث أياً كان هذا الدائن إذا أشر بدينه في هامش تسجيل إشهادات الوراثة الشرعية أو الأحكام النهائية أو غيرها من السندات المثبتة لحق الإرث في خلال سنة من تاريخ شهر حق الإرث أن يحتج بحقه على كل من تلقى من الوارث حقاً عينياً عقارياً وقام بشهره قبل هذا التأشير.
وحيث إن حاصل السبب الخامس أن الحكم المطعون فيه أخطأ في الإسناد وقضى على خلاف حكم نهائي حاز قوة الأمر المقضي وفي بيان ذلك يقول الطاعن إن محكمة الاستئناف رفضت الدفع الذي أبداه بعدم جواز السير في إجراءات التوزيع لسبق الفصل نهائياً في الموضوع المؤسس عليه طلب التوزيع تأسيساً على ما قالته في حكمها المطعون فيه من أن الحكم السابق صدوره بين طرفي الخصومة في الاستئناف رقم 264 سنة 32 قضائية أسيوط لم يتعرض من قريب أو بعيد للمفاضلة بين دين الطاعن ودين المطعون ضدها الأولى لأن هذا الأمر لم يكن مطروحاً على المحكمة في ذلك الاستئناف لتبت فيه برأي وأن المرجع النهائي في ذلك لقاضي التوزيع الذي يحدد مرتبة كل دائن بالنسبة لدينه بعد رسو المزاد وفتح باب التوزيع والسير في إجراءاته ويرى الطاعن أن هذا الذي قاله الحكم المطعون فيه لا يتفق مع مدلول الحكم السابق لأنه تعرض بصفة صريحة لدين الطاعن ودين المطعون ضدها الأولى وفاضل بينهما وانتهى إلى القول بأن تركة المرحوم فضلي لويس غطاس مورث كل من المطعون ضدها الأولى ومدين الطاعن قد انتقلت إلى الورثة غير محملة بدين المطعون ضدها الأولى وهذا قضاء قطعي قد أصبح نهائياً ويمتنع معه على محكمة الاستئناف أن تعود إلى بحث هذا الأمر ويكون لذلك قضاؤها بأحقية المطعون ضدها المذكورة في الدخول بدينها في التوزيع مخالفاً لقضاء سابق حائز لقوة الأمر المقضي.
وحيث إن هذا النعي غير سديد ذلك بأنه يبين من الحكم المطعون فيه أنه بعد أن أثبت نتيجة اطلاع المحكمة على الاستئناف رقم 264 سنة 32 ق أسيوط ونقل ما تضمنته أسباب الحكم الصادر فيه انتهى إلى القول "وحيث إن المستفاد مما تقدم جميعه أن المسألة التي سبق عرضها على المحكمة الاستئنافية وقطعت فيها هي ما إذا كان لدائن الوارث الذي اتخذ إجراءات نزع ملكية مدينه قبل شهر الإرث والتأشير بالديون على هامش التسجيل الحق في السير في هذه الإجراءات أم لا بد من أن ينتظر إجراءات تصفية التركة أو تسجيل حق الإرث والتأشير بالديون وقد أجابت المحكمة على هذا بأن من حقه طالما أن حق الإرث لم يشهر ولم يؤشر بالديون على هامشه أن يستمر في إجراءات نزع الملكية التي بدأها وواضح من هذا أن المحكمة الاستئنافية لم تتعرض من قريب أو بعيد إلى المفاضلة بين الديون إذ أن هذا لم يكن مطروحاً أمامها لتبت فيه برأي إذ أن المرجع النهائي فيه لقاضي التوزيع الذي يحدد مرتبة كل دائن بالنسبة لدينه بعد رسو البيع وفتح باب التوزيع والسير في إجراءاته ومن ثم يكون الدفع بعدم جواز السير في إجراءات التوزيع لسابقة الفصل نهائياً في الموضوع المؤسس عليه طلب التوزيع في غير محله إذ لا يكون للحكم حجية إلا فيما يكون قد فصل فيه بين الخصوم بصفة صريحة أو بصفة ضمنية حتمية سواء في المنطوق أو في الأسباب التي لا يقوم المنطوق بدونها" وهذا الذي قرره الحكم المطعون فيه يقوم على فهم صحيح لما كان معروضاً على المحكمة في القضية السابق ولما فصل فيه الحكم الصادر فيها إذ أن مسألة المفاضلة بين دين الطاعن ودين المطعون ضدها الأولى لم تكن معروضة على المحكمة في الدعوى السابقة المذكورة ولم يكن الفصل فيها يقتضي بحث هذه المسألة، أما ما جاء بأسباب حكم محكمة الاستئناف الصادر فيها من أن المستأنفة (المطعون ضدها الأولى) وقد تخلفت عن اتخاذ ما نصت عليه المادة 14 من قانون تنظيم الشهر العقاري رقم 114 لسنة 1946 من إجراءات شهر حق الإرث قبل أن يتخذ المستأنف عليه الأول (الطاعن) إجراءات نزع الملكية فإنه لذلك تكون ملكية العقارات المتروكة عن المورث قد انتقلت إلى الوارث غير محملة بدين المستأنفة على المورث. هذا الذي جاء بأسباب الحكم السابق كان - كما وصفه الحكم المطعون فيه بحق استطراداً زائداً على حاجة تلك الدعوى ولم يكن لازماً للفصل فيها ويقوم منطوق الحكم بدونه ومثل هذه الأسباب الزائدة التي لا ترتبط بالمنطوق لا تكون لها قوة الأمر المقضي. لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه علاوة على هذا لم يعرض للمفاضلة بين دين الطاعن ودين المطعون ضدها الأولى على أساس أن بحث مرتبة الدائنين من اختصاص قاضي التوزيع ومن ثم فلا يصح القول بأنه فصل في هذه المسألة على خلاف قضاء سابق. لما كان ذلك فإن النعي بهذا السبب يكون أيضاً على غير أساس.

الطعن 1184 لسنة 9 ق جلسة 20 / 1 / 1969 إدارية عليا مكتب فني 14 ج 1 ق 37 ص 281

جلسة 20 من يناير سنة 1969

برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمد شلبي يوسف وكيل مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة محمد عبد العزيز يوسف ومحمد فتح الله بركات ومحمد بهجت عتيبة وأبو بكر محمد عطية المستشارين.

------------------

(37)

القضية رقم 1184 لسنة 9 القضائية

(أ) - موظف "مؤهل دراسي - تقييمه". "إعانة غلاء المعيشة - حسابها على أساس المرتب المحدد لهذا المؤهل". 

شهادة المعلمين الخاصة بنظام السنة الواحدة دراسة مسائية أو نهارية - قرار مجلس الوزراء الصادر في 17 من نوفمبر سنة 1954 قد جعل هذه الشهادة مؤهلاً دراسياً له تقويم مستقل ولحامله وضع خاص. - أثر ذلك على إعانة غلاء المعيشة - حسابها على أساس المرتب المحدد لهذا المؤهل الذي لم يسبق تسعيره من قبل وذلك إعمالاً لأحكام قرار مجلس الوزراء الصادر في 6 من يناير سنة 1952.
(ب) - محكمة إدارية عليا "الطعن أمامها - من أحد الخصوم - من هيئة مفوضي الدولة" 

الطعن المقدم للمحكمة الإدارية العليا من الخصوم ذوي الشأن، على خلاف طعن هيئة مفوضي الدولة، يحكمه أصل مقرر هو ألا يضار الطاعن بطعنه ولا يفيد منه سواه من المحكوم عليهم الذين أسقطوا حقهم في الطعن، أما الطعن المقدم لها من هيئة مفوضي الدولة فإنه يفتح الباب أمام تلك المحكمة لتزن الحكم المطعون فيه بميزان القانون ثم تنزل حكمه في المنازعة - أساس ذلك.
(جـ) - دعوى الإلغاء "حجية الحكم الصادر فيها - ترك الخصوم فيها ينتج أثره على خلاف الحال بالنسبة لطعن هيئة مفوضي الدولة".
الحكم الصادر فيها يعتبر حجة على الكافة - هي خصومة قضائية مناطها قيام النزاع واستمراره بين طرفيها وتنتهي بالترك الذي ينتج أثره على خلاف الحال بالنسبة إلى طعن هيئة مفوضي الدولة.

-------------------
1 - إن شهادة المعلمين الخاصة نظام السنة الواحدة دراسة مسائية أو نهارية يستلزم دراسة خاصة للحاصلين على شهادة التوجيهية أو ما يعادلها وتؤهل هذه الدراسة للتعيين في وظائف التدريس، وقد وافق مجلس الوزراء بقراره الصادر في 17 من نوفمبر سنة 1954، لمواجهة العجز في عدد المدرسين اللازمين لمدارس التعليم الابتدائي، على تقدير راتب لحملة هذا المؤهل الذي لم يسبق تسعيره قدره عشرة جنيهات شهرياً بزيادة قدرها جنيه واحد عن المرتب المقرر للحاصلين على التوجيهية فقط بعد أن كان الحاصلون على هذا المؤهل يعاملون نفس معاملة الحاصلين على الشهادة التوجيهية فيمنحون راتباً قدره تسعة جنيهات في الدرجة الثامنة، لذلك يكون قرار مجلس الوزراء الصادر في 17 من نوفمبر سنة 1954 المشار إليه قد جعل هذه الشهادة مؤهلاً دراسياً له تقويم مستقل ولحامله وضع خاص، وينبني على ذلك سريان أحكام قرار مجلس الوزراء الصادر في 6 من يناير سنة 1952 آنف الذكر في شأن حملته ويستحق المعين بمقتضاه أن تحسب إعانة الغلاء المقررة له على أساس المرتب المحدد لهذا المؤهل الذين لم يسبق تسعيره من قبل.
2 - تطبيقاً للقواعد التي تقدم بيانها كان يتعين تثبيت إعانة غلاء المعيشة للمطعون ضده على أساس المرتب المحدد لمؤهله آنف الذكر وهو عشرة جنيهات، ولكن الحكم المطعون فيه على خلاف ذلك انتهى إلى تثبيت الإعانة على أساس تسعة جنيهات فقط، إلا أنه وقد اقتصر الطعن على الحكومة وحدها دون هيئة المفوضين، ولم يطعن المطعون ضده في الحكم بحيث أصبح نهائياً في حقه، ولما كان الأصل أن الطاعن لا يضار من طعنه فإنه يتعين إقرار الحكم المطعون فيه فيما انتهى إليه من استحقاق المطعون ضده في تثبيت إعانة غلاء المعيشة على أساس راتب شهري قدره تسعة جنيهات مما يجعل طعن الحكومة الذي يقوم على تثبيت الإعانة على أساس ثمانية جنيهات ونصف فقط في غير محله ومتعين الرفض. إن هذا النظر لا يعتبر عدولاً عما استقر عليه قضاء المحكمة الإدارية العليا من قبل من أن الطعن أمامها يفتح الباب أمام تلك المحكمة لتزن الحكم المطعون فيه بميزان القانون وزناً مناطه استظهار ما إذا كانت قد قامت به حالة أو أكثر من الأحوال التي تعيبه فتلغيه ثم تنزل حكم القانون في المنازعة، أم أنه لم تقم به أية حالة من تلك الأحوال وكان صائباً في قضائه فتبقى عليه وترفض الطعن. إذ أن هذا المبدأ الذي أرسته المحكمة الإدارية العليا قد صدر في أول الأمر في ظل القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة والذي جعل من اختصاص هيئة المفوضين وحدها سواء من تلقاء نفسها أو بناء على طلب ذوي الشأن إن رأى رئيس الهيئة وجهاً لذلك حق الطعن أمام المحكمة العليا في الأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإداري أو المحاكم الإدارية باعتبار أن رأيها تتمثل فيه الحيدة لصالح القانون وحده الذي يجب أن تكون كلمته هي العليا. ذلك لأن هيئة المفوضين لا تمثل الحكومة ولا تنطق باسمها وإنما تنحصر وظيفتها في الدفاع عن القانون ولذلك فإنها قد تتخذ في طعنها موقفاً ضد الإدارة لأن مصلحة الدولة في أن يسود حكم القانون، ولو أدى ذلك إلى الحكم ضد الإدارة. فهيئة المفوضين أشبه إلى حد ما بالنيابة العمومية الأمينة على الدعوى الجنائية. وهذا النظر لا يصدق على الطعون التي ترفع من الخصوم وحدهم والتي أجازها لأول مرة القانون رقم 55 لسنة 1959 في شأن تنظيم مجلس الدولة والتي يتحتم أن يتحدد نطاقها ومصلحة الطاعن وحده ولو كان الجهة الإدارية بحيث لا يسوغ أن يضار الخصم بطعنه ولا يستفيد من طعنها وحدها الخصم الذي ارتضى الحكم فصار نهائياً في حقه. لأنه لا يتصور قيام نيابة قانونية بين الجهة الإدارية وبين خصمها كما هو الشأن بالنسبة إلى هيئة المفوضين والتي تعتبر نائبة عن المجتمع ومن بينه خصوم الدعوى.
3 - ولئن تميزت دعوى الإلغاء بأنها خصومة عينية تقوم على اختصام القرار الإداري وأن الحكم الصادر منها بإلغائه يعدمه، وبهذه المثابة يعتبر حجة على الكافة، بينما دعوى غير الإلغاء هي خصومة ذاتية يكون للحكم الصادر فيها حجية نسبية مقصورة على أطرافه إلا أنه من المسلمات في فقه القانون الإداري أن كلا الدعويين لا تخرجان عن كونهما خصومة قضائية مناطها قيام النزاع الذي هو جوهرها واستمراره بين طرفيها ولذا فمن المسلم به في الفقه والقضاء الإداري الفرنسي أن المنازعة الإدارية ولو كانت طعناً بالإلغاء قد تنتهي بالترك وينتج الترك أثره على خلاف الحال بالنسبة إلى طعن هيئة المفوضين أو النيابة العامة بالنسبة إلى الدعوى الجنائية.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل في أن المطعون عليه أقام الدعوى رقم 674 لسنة 9 القضائية. ضد وزارة التربية والتعليم أمام المحكمة الإدارية لوزارة التربية والتعليم بعريضة أودعها سكرتيرية تلك المحكمة في 18/ 7/ 1962 طالباً الحكم: "بأحقيته في تثبيت إعانة غلاء المعيشة التي يستحقها على راتب قدره عشرة جنيهات مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الوزارة المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة" وقال شرحاً لدعواه إنه حاصل على شهادة الدراسة التكميلية المسائية للتدريس بمدارس المرحلة الأولى عام 1956 ثم عين بوزارة التربية والتعليم اعتباراً من 1/ 9/ 1956 في وظيفة من الدرجة الثامنة بماهية قدرها عشرة جنيهات في الشهر وهو الراتب المقرر لهذا المؤهل إلا أن الوزارة قد جانبها الصواب عند تثبيت إعانة غلاء المعيشة إذ منحته الإعانة على أساس راتبه الشهري ثمانية جنيهات ونصف وهو الراتب المقرر لدبلوم المدارس الصناعية الثانوية الذي حصل عليه من قبل على حين أنه يستحق إعانة غلاء المعيشة على أساس المؤهل الحاصل عليه وهو عشرة جنيهات وفقاً لأحكام قرار مجلس الوزراء الصادر في 6 من يناير سنة 1952.
وقد قدمت الوزارة مذكرة قالت فيها إن شهادة دبلوم المدارس الصناعية الحاصل عليها المدعي قدر لها في قواعد الإنصاف مرتب قدره 8.500 ج أما مؤهله الذي حصل عليه بعد ذلك فلا يمكن تسميته مؤهلاً إذ أنه لم يرد في قواعد الإنصاف وأن إعانة غلاء المدعي قد ثبتت على مرتب قدره 8.500 ج طبقاً لكتاب ديوان الموظفين الدوري رقم 28 لسنة 1952 الذي يقضي بتثبيت إعانة غلاء المعيشة لمن يعين بعد 1/ 7/ 1952 على المرتب الذي ناله زملاء المدعي في 30/ 11/ 1950 ولما كان زملاؤه قد ثبتت لهم إعانة غلاء المعيشة على راتب قدره 8.500 ج فإن دعواه تكون قد بنيت على غير أساس من القانون.
وبجلسة 2 من يوليه سنة 1963 حكمت المحكمة الإدارية (باستحقاق المدعي بتثبيت إعانة غلاء المعيشة على أساس راتب شهري قدره تسعة جنيهات اعتباراً من تاريخ استحقاقه لإعانة غلاء المعيشة وما يترتب على ذلك من آثار على الوجه المبين بالأسباب وألزمت طرفي الخصومة المصروفات مناصفة).
وأقامت المحكمة قضاءها على أن قواعد تثبيت إعانة غلاء المعيشة تنطبق على الموظفين والمستخدمين والعمال الذين كانوا موجودين بالخدمة في 30 من نوفمبر سنة 1950 أما الذين عينوا في الخدمة ابتداء بعد هذا التاريخ فلا مناص من القول بتثبيت إعانة غلاء المعيشة لهم على أساس أول مربوط الدرجة التي عينوا فيها باعتبار إعانة غلاء المعيشة من إضافات المرتب الأصلي وتربط على أساسه وأنه مما يؤكد هذا النظر أن المشرع خرج على القاعدة العامة التي قررها في 3/ 12/ 1950 بتثبيت الإعانة على الماهيات المستحقة في 30/ 11/ 1950 فوافق مجلس الوزراء بقراريه الصادرين في 6 من يناير سنة 1952، 18 من مارس سنة 1953 على تثبيت الإعانة على أساس المرتب الجديد أي على أول مربوط الدرجة التي يعين فيها من كان موجوداً بالخدمة في 30/ 11/ 1950 وحصل على مؤهل أو كان حاصلاً عليه ثم عين في وظيفة درجتها مقررة لمؤهله. وإن من عين بعد 30/ 11/ 1950 يخضع للتشريعات اللاحقة لتلك التي كانت سارية في ذلك الحين فإذا كانت التشريعات التي عين الموظف في ظلها قد حددت له درجة وبالتالي أجراً معيناً يجوز عند تثبيت الإعانة النظر إلى التشريعات السابقة إلا بنص صريح في القانون لما في هذا النظر من إخلال بقاعدة سريان القوانين من حيث الزمان والأثر المباشر. وأن قرار 3/ 12/ 1950 استهدف أصلاً الموظفين والمستخدمين والعمال الموجودين بالخدمة في 30/ 11/ 1950 أما الذين عينوا بعد ذلك فلا يشملهم النص ومن ثم تثبت إعانتهم على أساس أول مربوط الدرجة التي عينوا عليها وأنه لا حجاج في القول بأن هذا الرأي من مقتضاه أن يمتاز حديث على قديم ما دام أن هذا الرأي يتمشى مع صريح النص وروحه.
وإن الأقرب إلى الفهم أن نية لمشرع لم تنصرف إلى جعل قاعدة تثبيت إعانة غلاء المعيشة على الماهيات التي صرفت في 30/ 11/ 1950 كقاعدة عامة قائمة بذاتها تسري على كافة الموظفين سواء الموجودون منهم بالخدمة وقت صدورها أو الذين يدخلون الخدمة بعد صدورها بل الأقرب إلى الفهم الصحيح أن هذه القاعدة أراد بها المشرع معالجة حالة الموظفين الذين ذكرهم في الفترة السابقة عليها وزملائهم الموجودين بالخدمة وقت صدورها.
وإنه ما دام أن المدعي حاصل على شهادة الدراسة التكملية المسائية للتدريس وعين بوزارة التربية والتعليم بتاريخ 26/ 12/ 1956 بالدرجة الثامنة بزيادة 1 جنيه عن أول مربوط الدرجة فإنه يتعين حساب إعانة الغلاء طبقاً لحالته الاجتماعية على أساس أول مربوط الثامنة وهو تسعة جنيهات وليس عشرة جنيهات وذلك بعد ثلاثة أشهر من تاريخ تعيينه وإنه بالنسبة للفروق المالية المترتبة على هذه التسوية فلا يستحق منها سوى تلك التي لم ينقض على استحقاقها خمس سنوات سابقة على تاريخ تقديمه طلب إعفائه من الرسوم في 29/ 1/ 1962 باعتباره أول إجراء قاطع للتقادم.
ومن حيث إن طعن الحكومة يقوم على أساس أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه ذلك لأن قرار مجلس الوزراء الصادر في 3 من ديسمبر سنة 1950 بتثبيت إعانة غلاء المعيشة على الماهيات والمرتبات والأجور المستحقة في آخر نوفمبر سنة 1950 إنما ينصرف إلى الموظفين الموجودين بالخدمة وقت صدوره وإلى من يعين منهم بعد ذلك في درجة زاد بداية مربوطها عما كان عليه في 30 من نوفمبر سنة 1950 إذ يتعين في هذه الحالة أن تثبت إعانة الغلاء على أساس المرتب الذي كان مقدراً لهذه الدرجة في تاريخ تثبيت إعانة الغلاء وذلك حتى لا يمتاز موظف جديد على موظف قديم.
كما أنه لا وجه لما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من أن قرار مجلس الوزراء الصادر في 6 من يناير سنة 1952 قد قرر تثبيت إعانة غلاء المعيشة على أساس المرتب الجديد إذ أن هذا القرار إنما ينصرف إلى الموظفين الذين حصلوا على شهادات دراسية جديدة أو العمال الذين نجحوا لبعض وظائف كادر العمال وتم تعيينهم فيما بعد على أساس مؤهلاتهم الجديدة فقد أوجب القرار منحهم إعانة الغلاء على أساس المرتبات الجديدة وهي ذات المرتبات التي نالها زملاؤهم المعينون في 30 من نوفمبر سنة 1950 إذ اعتبر هذا القرار نقلهم إلى الدرجات الجديدة بمثابة تعيين جديد وذلك حتى لا يمتاز الموظف الجديد على الموظف القديم.
ومن حيث إنه يبين من استعراض القواعد الخاصة بإعانة غلاء المعيشة أن مجلس الوزراء قرر بجلسته المنعقدة في 3 من ديسمبر سنة 1950 تثبيت إعانة غلاء المعيشة على الماهيات المستحقة للموظفين في 30/ 11/ 1950 ثم وافق بجلسة 6 من يناير سنة 1952 على معاملة الموظفين الذين تثبت لهم إعانة الغلاء على أساس ماهياتهم في 30/ 11/ 1950 ثم حصلوا على مؤهلات دراسية أعلى من هذا التاريخ أو بعده وعينوا بالدرجات أو الماهيات المقررة للمؤهلات الجديدة على أساس منحهم إعانة الغلاء على الماهية الجديدة من تاريخ حصولهم عليها وذلك حتى لا يمتاز جديد على قديم مؤدى هذا أن الموظفين الذين عينوا بعد 30/ 11/ 1950 تاريخ تثبيت إعانة الغلاء، وبمراعاة الحكم الوارد في قرار 6/ 1/ 1952، يمنحون إعانة غلاء المعيشة على أساس الماهية المقررة لمؤهلاتهم بالإنصاف وهي الماهية التي كان يمنحها زملاؤهم في 30/ 11/ 1950.
من حيث إنه يبين من ذلك أن قرار مجلس الوزراء الصادر في 3 من ديسمبر سنة 1950 ليس قابلاً للتطبيق على الموظفين الموجودين بالخدمة حتى 30/ 11/ 1950 إنما يجرى حكمه كذلك على من يعين بعد هذا التاريخ حتى لا يمتاز موظف جديد على موظف قديم وهذا ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة وإذ ذهب الحكم المطعون فيه - في أسبابه - غير هذا المذهب في التفسير يكون قد خالف أحكام القانون.
ومن حيث إن دعوى المطعون ضده تقوم على أنه حاصل على مؤهل جديد لم يسبق تسعيره في قواعد الإنصاف، وهو شهادة الدراسة التكميلية المسائية، وقد جرى تسعيره بقرار مجلس الوزراء الصادر في 17/ 11/ 1954، وأن إعانة الغلاء المستحقة له ينبغي أن تحسب على أساس المرتب الذي قدر لهذا المؤهل الجديد.
ومن حيث إن هذه المحكمة سبق أن قضت بأن الحاصلين على المؤهلات الجديدة التي لم يكن لها تقدير سابق حتى 30 من نوفمبر سنة 1950، تثبت لهم إعانة الغلاء عند تعيينهم بموجب هذه المؤهلات الجديدة، على أساس المرتبات المقدرة لها لأول مرة بعد هذا التاريخ، وذلك بالتطبيق لقرار مجلس الوزراء الصادر في 6 من يناير سنة 1952 والذي سلف ذكره.
ومن حيث إنه ينبغي بحث ما إذا كانت الشهادة الحاصل عليها المطعون ضده وعين بموجبها، تعتبر من المؤهلات الجديدة التي لم يكن لها تقدير سابق على 30 من نوفمبر سنة 1950.
ومن حيث إنه في 17 من نوفمبر سنة 1954 تقدمت وزارة التربية والتعليم بمذكرة إلى مجلس الوزراء بشأن مواجهة العجز في عدد المدرسين اللازمين لمدارس التعليم الابتدائي وذكرت فيها أنه لا سبيل إلى مداركة هذا العجز إلا بتنظيم دراسات مسائية على غرار الدراسات التكميلية لمعاهد المعلمين الخاصة (نظام السنة الواحدة) يلحق به الحاصلون على شهادة التوجيهية وما يعادلها، وأوضحت المذكرة أن خريجي معاهد المعلمين الخاصة الذين يقضون عاماً دراسياً بعد الحصول على شهادة التوجيهية يعينون في الدرجة الثامنة بمرتب تسعة جنيهاً وأن الطلبة لا يرغبون في هذه المعاملة التي لا تفرقهم إطلاقاً عن المعينين بشهادة التوجيهية مباشرة وهي أيضاً معاملة تقل عن المعاملة التي يعامل بها خريجو المدارس الصناعية والزراعية والتجارية وأن صالح التعليم يقتضي مواجهة هذه المشكلة وإنها لذلك تقترح أن يعين خريجو المعلمين الخاصة نظام السنة الواحدة دراسة مسائية أو نهارية في الدرجة الثامنة بمرتب قدره عشرة جنيهات بزيادة قدرها جنيه واحد عن الحاصلين على التوجيهية فقط وتعطى لهم الفرصة كي يحصلوا على دراسة أخرى للسنة الثانية تسمح لهم بالنقل إلى الدرجة السابعة بمرتب قدره 12 جنيهاً كزملائهم في نظام السنتين، وقد وافق مجلس الوزراء بجلسته المنعقدة في 17 من نوفمبر سنة 1954 على ما جاء بهذه المذكرة.
ومن حيث إنه يبين من ذلك أن شهادة المعلمين الخاصة نظام السنة الواحدة دراسة مسائية أو نهارية يستلزم دراسة خاصة للحاصلين على شهادة التوجيهية أو ما يعادلها وتؤهل هذه الدراسة للتعيين في وظائف التدريس، وقد وافق مجلس الوزراء بقراره الصادر في 17 من نوفمبر سنة 1954، لمواجهة العجز في عدد المدرسين اللازمين لمدارس التعليم الابتدائي، على تقدير راتب لحملة هذا المؤهل الذي لم يسبق تسعيره قدره عشرة جنيهات شهرياً بزيادة قدرها جنيه واحد عن المرتب المقرر للحاصلين على التوجيهية فقط بعد أن كان الحاصلون على هذا المؤهل يعاملون نفس معاملة الحاصلين على الشهادة التوجيهية فيمنحون راتباً قدره تسعة جنيهات في الدرجة الثامنة، لذلك يكون قرار مجلس الوزراء الصادر في 17 من نوفمبر سنة 1954 المشار إليه قد جعل هذه الشهادة مؤهلاً دراسياً له تقويم مستقل ولحامله وضع خاص، وينبني على ذلك سريان أحكام قرار مجلس الوزراء الصادر في 6 من يناير سنة 1952 آنف الذكر في شأن حملته ويستحق المعين بمقتضاه أن تحسب إعانة الغلاء المقررة له على أساس المرتب المحدد لهذا المؤهل الذي لم يسبق تسعيره من قبل وهذا هو ما انتهى إليه أيضاً الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة في الكتاب الصادر من وكيله إلى مدير عام التربية والتعليم بالفيوم بتاريخ 12/ 5/ 1964 (ملف رقم 418 - 12/ 1 م1) ذلك الكتاب الذي قدمت الحكومة صورته ضمن حافظة مستنداتها بجلسة 25/ 12/ 1968 وقد جاء به أن دبلوم الدراسات التكميلية نظام السنة الواحدة لم يكن له تقدير سابق في 30/ 11/ 1950 وأنه قدر لهذا المؤهل الدرجة الثامنة الفنية بمرتب 10 جنيهات وفقاً لقرار مجلس الوزراء الصادر في 17/ 11/ 1954 وأن إعانة غلاء المعيشة تثبت للمعينين بهذا المؤهل على ماهية 10 ج المقدرة لهذا المؤهل بقرار مجلس الوزراء المذكور.
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على الأوراق أن المطعون ضده عين في 26 من ديسمبر سنة 1956 في وظيفة مدرس بمدرسة الرملة المشتركة في الدرجة الثامنة الفنية بمرتب قدره عشرة جنيهات ومؤشر أمام مؤهله بأنه حاصل على دبلوم صنايع ودراسة تكميلية سنة 1956 وأن مؤهله مؤهل تربوي، ومن بين الأوراق المودعة بملف خدمته استمارة امتحان شهادة الدراسات التكميلية لحملة التوجيهية أو ما يعادلها ويبين منها أنه تقدم لامتحان هذه الشهادة من مدرسة "معهد المعلمين العام ببنها" قسم الصنايع وقد أدى الامتحان أمام لجنة فيها وتأشر على الاستمارة بنجاحه، وتطبيقاً للقواعد التي تقدم بيانها كان يتعين تثبيت إعانة غلاء المعيشة للمطعون ضده على أساس المرتب المحدد لمؤهله آنف الذكر وهو عشرة جنيهات، ولكن الحكم المطعون فيه على خلاف ذلك انتهى إلى تثبيت الإعانة على أساس تسعة جنيهات فقط، إلا أنه وقد اقتصر الطعن على الحكومة وحدها دون هيئة المفوضين، ولم يطعن المطعون ضده في الحكم بحيث أصبح نهائياً في حقه، ولما كان الأصل أن الطاعن لا يضار من طعنه فإنه يتعين إقرار الحكم المطعون فيه فيما انتهى إليه من استحقاق المطعون ضده في تثبيت إعانة غلاء المعيشة على أساس راتب شهري قدره تسعة جنيهات مما يجعل طعن الحكومة الذي يقوم على تثبيت الإعانة على أساس ثمانية جنيهات ونصف فقط في غير محله ومتعين الرفض.
ومن حيث إن هذا النظر لا يعتبر عدولاً عما استقر عليه قضاء المحكمة الإدارية العليا من قبل من أن الطعن أمامها يفتح الباب أمام تلك المحكمة لتزن الحكم المطعون فيه بميزان القانون وزناً مناطه استظهار ما إذا كانت قد قامت به حالة أو أكثر من الأحوال التي تعيبه فتلغيه ثم تنزل حكم القانون في المنازعة، أم أنه لم تقم به أية حالة من تلك الأحوال وكان صائباً في قضائه فتبقى عليه وترفض الطعن.
ومن حيث إن هذا المبدأ الذي أرسته المحكمة الإدارية العليا قد صدر في أول الأمر في ظل القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة والذي جعل من اختصاص هيئة المفوضين وحدها سواء من تلقاء نفسها أو بناء على طلب ذوي الشأن أن رأي رئيس الهيئة وجها لذلك حق الطعن أمام المحكمة العليا في الأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإداري أو المحاكم الإدارية باعتبار أن رأيها تتمثل فيه الحيدة لصالح القانون وحده الذي يجب أن تكون كلمته هي العليا.
ذلك لأن هيئة المفوضين لا تمثل الحكومة ولا تنطق باسمها وإنما تنحصر وظيفتها في الدفاع عن القانون ولذلك فإنها قد تتخذ في طعنها موقفاً ضد الإدارة لأن مصلحة الدولة في أن يسود حكم القانون، ولو أدى ذلك إلى الحكم ضد الإدارة. فهيئة المفوضين أشبه إلى حد ما بالنيابة العمومية الأمينة على الدعوى الجنائية.
ومن حيث إن هذا النظر لا يصدق على الطعون التي ترفع من الخصوم وحدهم والتي أجازها لأول مرة القانون رقم 55 لسنة 1959 في شأن تنظيم مجلس الدولة والتي يتحتم أن يتحدد نطاقها بمصلحة الطاعن وحده ولو كان الجهة الإدارية بحيث لا يسوغ أن يضار الخصم بطعنه ولا يستفيد من طعنها وحدها الخصم الذي ارتضى الحكم فصار نهائياً في حقه.
لأنه لا يتصور قيام نيابة قانونية بين الجهة الإدارية وبين خصمها كما هو الشأن بالنسبة إلى هيئة المفوضين والتي تعتبر نائبة عن المجتمع ومن بينه خصوم الدعوى.
ومن حيث إنه ولئن تميزت دعوى الإلغاء بأنها خصومة عينية تقوم على اختصام القرار الإداري وأن الحكم الصادر فيها بإلغائه يعدمه، وبهذه المثابة يعتبر حجة على الكافة، بينما دعوى غير الإلغاء هي خصومة ذاتية يكون للحكم الصادر فيها حجية نسبية مقصورة على أطرافه إلا أنه من المسلمات في فقه القانون الإداري أن كلا الدعويين لا تخرجان عن كونهما خصومة قضائية مناطها قيام النزاع الذي هو جوهرها واستمراره بين طرفيها ولذا فمن المسلم به في الفقه والقضاء الإداري الفرنسي أن المنازعة الإدارية، ولو كانت طعناً بالإلغاء قد تنتهي بالترك وينتج الترك أثره على خلاف الحال بالنسبة إلى طعن هيئة المفوضين أو النيابة العامة بالنسبة إلى الدعوى الجنائية.
ومن حيث إن الحكومة تعتبر خصماً حقيقياً في الطعن ولا يتصور افتراض نيابتها عن المطعون ضده وكان من حقها ومن سلطتها أن ترتضي الحكم فلا تطعن عليه ولها أن تترك الخصومة في الطعن بعد رفعه ومن ثم فلا يتصور أن تضار بالطعن الذي أقامته عن حكم ارتضاه خصمها فصار نهائياً في حقه.
ومن حيث إن الطاعنة قد أخفقت في طعنها فيتعين إلزامها بمصروفات الطعن عملاً بالمادة 184 مرافعات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وألزمت الحكومة بالمصروفات.

الطعن 7 لسنة 36 ق جلسة 28 / 2 / 1968 مكتب فني 19 ج 1 أحوال شخصية ق 61 ص 412

جلسة 28 من فبراير سنة 1968

برياسة السيد المستشار حسين صفوت السركي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد ممتاز نصار، وإبراهيم عمر هندي، ومحمد نور الدين عويس، ومحمد أبو حمزة مندور.

------------------

(61)
الطعن رقم 7 لسنة 36 ق "أحوال شخصية"

(أ) أحوال شخصية. "دعوى الأحوال الشخصية". "تدخل النيابة العامة في الدعوى". "إبداء الرأي". بطلان. دعوى. نيابة عامة.
وجوب تدخل النيابة العامة في قضايا الأحوال الشخصية وإبداء الرأي فيها. تفويض الرأي للمحكمة في تقدير أقوال الشهود. كاف.
(ب) أحوال شخصية. "دعوى الأحوال الشخصية". "المعارضة واستئناف الأحكام الصادرة فيها". استئناف. معارضة.
الأحكام الصادرة في دعاوى الأحوال الشخصية. جواز استئنافها في مدة المعارضة. أثره. سقوط الحق في المعارضة. عدم جواز إعادة الدعوى إلى محكمة أول درجة لنظر المعارضة.
(ج) محكمة الموضوع. "سلطتها في تحقيق الدعوى".
طلب ندب الطبيب الشرعي لفحص دماء الصغير. عدم التزام محكمة الموضوع بإجابته. مناطه.

------------------
1 - متى كان ممثل النيابة قد قدم مذكرة برأيها طلب فيها إحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات النسب المدعى به ثم فوض الرأي للمحكمة بعد سماع الشهود؛ فإن النيابة بذلك تكون - وعلى ما جرى به قضاء محكمة النقض - قد أبدت رأيها في القضية (1) بما مؤداه تفويض الرأي للمحكمة في تقدير أقوال الشهود والترجيح بينها وبما يحقق غرض الشارع من وجوب تدخل النيابة وإبداء الرأي في قضايا الأحوال الشخصية تطبيقاً لأحكام القانون رقم 628 لسنة 1955.
2 - النص في الفقرة الرابعة من المادة 308 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية على أنه "يجوز الاستئناف في مدة المعارضة وحينئذ يسقط الحق فيها" مؤداه أنه لا يجوز للمستأنف بعد أن سقط حقه في المعارضة يطلب من محكمة الاستئناف إعادة الدعوى إلى محكمة أول درجة لنظر هذه المعارضة.
3 - محكمة الموضوع غير ملزمة بإجابة طلب ندب الطبيب الشرعي لفحص دماء الصغير متى رأت من ظروف الدعوى والأدلة المقدمة فيها ما يكفي لتكوين عقيدتها.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن السيدة هنية أحمد سالم - المطعون عليها - أقامت الدعوى رقم 136 سنة 1962 محكمة المنصورة الابتدائية للأحوال الشخصية السيد حسن صالح الحديدي طلبت فيها الحكم بثبوت بنتها وفاء من والدها المدعى عليه وأثناء نظرها طلبت الحكم أيضاً بثبوت نسب ولدها ولاء من أبيه المدعى عليه إذ كانت حاملاً به وقت رفع الدعوى وقالت شرحاً لدعواها إنها زوجة للمدعى عليه بالعقد الصحيح ورزقت منه في 13/ 8/ 1961 ببنت أسمتها وفاء كما رزقت بعد ذلك منه بولد أسمته ولاء وأن المدعى عليه ينكر نسب الولدين منه وأنها لذلك أقامت الدعوى تطلب الحكم بثبوت نسب وفاء وولاء من والدهما المدعى عليه وقدمت تأييداً لدعواها شهادتي ميلاد الصغيرين وعقد إيجار المسكن الذي تقطن فيه موقعاً عليه بتوقيع منسوب للمدعى عليه بوصفه مستأجراً له، وبتاريخ 26/ 11/ 1962 حكمت المحكمة غيابياً وقبل الفصل في الموضوع بإحالة الدعوى إلى التحقيق لتثبت المدعية بكافة طرق الإثبات القانونية بما فيها البينة أنها رزقت بالصغيرين وفاء وولاء من المدعى عليه نتيجة نكاح صحيح وصرحت للمدعى عليه بنفي ذلك بذات الطرق وحددت للتحقيق جلسة 4/ 3/ 1963 وفيها أحضرت المدعية شهودها أما الحاضر عن المدعى عليه فقد استأجل الدعوى ليحضر شهوده فاستجابت المحكمة لطلبه وأجلت التحقيق لجلسة 1/ 4/ 1963 وفيها قرر الحاضر عن المدعى عليه أن من يدعي حلمي إبراهيم فوزي يطلب دخوله خصماً ثالثاً في الدعوى وقد حضر فعلاً وطلب قبوله خصماً ثالثاً مقرراً إنه زوج للمدعية بمقتضى عقد عرفي مؤرخ 13/ 3/ 1961 وأن الصغيرين ولداه من هذا الزواج ثم طعن المدعى عليه في عقد إيجار المسكن المنسوب إليه بالتزوير، وبتاريخ 10/ 5/ 1964 حكمت المحكمة حضورياً برفض الادعاء بالتزوير مع إلزام مدعي التزوير بمصروفاته وبغرامة قدرها 25 ج وبإعادة الدعوى للمرافعة لمناقشة طرفي الخصومة وبتاريخ 10/ 1/ 1965 حكمت: (أولاً) برفض طلب تدخل حلمي إبراهيم فوزي مع إلزامه لمصاريف تدخله. (ثانياً) وقبل الفصل في الموضوع بإحالة الدعوى إلى التحقيق لتثبت المدعية بكافة طرق الإثبات بما فيها البينة أنها رزقت بالصغيرين وفاء وولاء من المدعى عليه نتيجة نكاح صحيح وللمدعى عليه نفى ذلك بذات الطرق وبعد تنفيذ حكم التحقيق عادت وبتاريخ 6/ 6/ 1965 فحكمت حضورياً بثبوت نسب ولدي المدعية هنية أحمد سالم وهما وفاء وولاء إلى المدعى عليه حسن صالح الحديدي وأمرته بعدم التعرض لها في نسبهما إليه مع إلزامه بالمصروفات ومبلغ 200 قرش مقابل أتعاب المحاماة واستأنف المدعى عليه هذا الحكم لدى محكمة استئناف المنصورة طالباً إلغاءه والحكم برفض الدعوى وقيد هذا الاستئناف برقم 152 سنة 1965 استئناف المنصورة، وبتاريخ 2 يناير سنة 1966 حكمت المحكمة حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف وألزمت المستأنف بالمصروفات ومبلغ خمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض للأسباب الواردة في التقرير وعرض الطعن على هذه الدائرة حيث أصر الطاعن على طلب نقض الحكم وطلبت المطعون عليها رفض الطعن، وقدمت النيابة العامة مذكرة طلبت فيها رفض الطعن.
وحيث إن حاصل السبب الأول أن الحكم المطعون فيه شابه بطلان في الإجراءات من وجهين (أولهما) أنه أيد الحكم القطعي الابتدائي الصادر في 6/ 6/ 1965 مع أن الثابت في الحكم المذكور أن النيابة العامة فوضت الرأي للمحكمة والتفويض منها لا يعتبر إبداء الرأي مما يجعل الحكم الابتدائي منعدماً لخلوه من بيان رأي النيابة (وثانيهما) أن الطاعن تمسك أمام محكمة الاستئناف بأن الحكم المستأنف غيابي ووصف خطأ بأنه حضوري وطلب منها إعادة الدعوى إلى محكمة أول درجة للفصل في المعارضة ولكن المحكمة لم تجبه إلى طلبه متذرعة بأن المستأنف وقد طعن بالاستئناف فإن حقه في المعارضة يكون سقط وهذا القول مجاله أن يكون المستأنف قد استأنف الحكم الغيابي مباشرة دون طلب نظر المعارضة الأمر الذي لم يحصل بل على النقيض فقد تمسك في الاستئناف بطلب إعادة الدعوى إلى محكمة أول درجة لنظر المعارضة.
وحيث إن هذا النعي مردود في الوجه الأول منه بأنه يبين من حكم التحقيق الذي صدر في 10 يناير سنة 1965 إن ممثل النيابة الأستاذ سليمان عبد الكريم جمعه قدم مذكرة برأيها طلب فيها رفض تدخل الخصم الثالث وإحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات النسب المدعى به، ويبين من الحكم القطعي الابتدائي الذي صدر بعد سماع الشهود أن ممثل النيابة الأستاذ أحمد عبد الرازق فوض الرأي للمحكمة وتكون النيابة بذلك - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - قد أبدت رأيها في القضية بما مؤداه تفويض الرأي للمحكمة في تقدير أقوال الشهود والترجيح بينها وبما يحقق غرض الشارع من وجوب تدخل النيابة وإبداء الرأي في قضايا الأحوال الشخصية تطبيقاً لأحكام القانون رقم 628 لسنة 1955، ومردود في الوجه الثاني بأنه طبقاً للفقرة الرابعة من المادة 308 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية "يجوز الاستئناف في مدة المعارضة وحينئذ يسقط الحق فيها" ومؤداها أنه لا يجوز للمستأنف بعد أن سقط حقه في المعارضة أن يطلب من محكمة الاستئناف إعادة الدعوى إلى محكمة أول درجة لنظر هذه المعارضة. وإذ كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه لم يخالف هذا النظر وجرى في قضائه على سقوط حق المستأنف المعارضة لاستئنافه الحكم الغيابي مباشرة في مدة المعارضة فإن النعي عليه بالبطلان في الإجراءات في هذا الخصوص يكون على غير أساس.
وحيث إن حاصل السبب الثاني أن الطاعن تمسك أمام محكمة الموضوع بأن عقد إيجار المسكن الذي قدمته المطعون عليها للتدليل على أنه استأجر لها مسكناً بالقاهرة تقيم معه فيه مزور وأن المحكمة الابتدائية رفضت الادعاء بالتزوير واستندت في ذلك إلى أن الطاعن قد تخلف عن دفع أمانة الخبير وعن الحضور للاستكتاب لإمكان إجراء المضاهاة وأن الحكم المطعون فيه أيد الحكم الابتدائي في هذا الخصوص في حين أنه قدم الأمانة بحوالة بريدية للمحكمة وأنه لم يحضر الجلسة المحددة للاستكتاب لأنه كان مقيد الحرية بحبسه في سجن المنصورة وفي ذلك إخلال بحق الدفاع وقصور في التسبيب.
وحيث إن هذا النعي مردود بأنه يبين من مراجعة الحكم المطعون فيه أنه أورد في أسبابه أن "عقد الإيجار الذي قدمته المستأنف ضدها هو موقع عليه من المستأنف وقد طعن عليه بالتزوير أمام محكمة أول درجة وقضت المحكمة بصحته بعد أن تخلف عن الحضور أمامها لاستكتابه ولتقديم أوراق مضاهاة كما تخلف عن دفع أمانة الخبير فقد حددت محكمة أول درجة جلسة 8/ 3/ 1964 لاستكتابه ثم جلسة 22/ 3/ 1964 ثم جلسة 2/ 4/ 1964 ولكنه تخلف عن المثول أمامها..." وهي تقريرات موضوعية يستقل بها قاضي الدعوى وتكفي لحمله فيما انتهى إليه في هذا الخصوص ولا وجه للتحدي بأن الطاعن قدم أمانة الخبير وأنه كان مقيد الحرية في المواعيد المحددة لاستكتابه إذ هو في شقه الأول دفاع جديد لم يسبق طرحه أمام محكمة الموضوع فلا يجوز التمسك به لأول مرة أمام هذه المحكمة وفي شقه الثاني فإنه وإن كان الطاعن قد تمسك به أمام محكمة الاستئناف إلا أنه لم يقدم أمامها الدليل على ثبوت سجنه في المواعيد المحددة لاستكتابه.
وحيث إن حاصل السبب الثالث إن الحكم المطعون فيه أيد الحكم الابتدائي فيما قضى به من رفض تدخل الخصم الثالث الذي أقر بنسب الصغيرين منه باعتباره زوجاً للمطعون عليها بمقتضى عقد عرفي - حالة أن إقرار المذكور بالنسب يعول عليه شرعاً في إثبات نسب الصغيرين وأولى بالرعاية من البينة التي استندت إليها المطعون عليها مما يشوب الحكم بالقصور والخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن هذا النعي مردود بما رد به الحكم المطعون فيه من "أن المحكمة لا تلتفت لما ذهب إليه طالب التدخل حلمي إبراهيم فوزي من أن المستأنف ضدها تزوجته بموجب عقد عرفي مؤرخ 13/ 3/ 1961 وإن الولدين وفاء وولاء ولداه إذ يكفي لطرح هذا الزعم إن البنت وفاء ولدت كما هو ثابت من شهادة الميلاد في 13/ 8/ 1961 أي قبل ستة أشهر من هذا الزواج..." وهو تقرير موضوعي يتعلق بتقدير الدليل مما يستقل به قاضي الدعوى ولا يجوز الجدل فيه أمام هذه المحكمة ولا مخالفة فيه للقانون.
وحيث إن السبب الرابع يتحصل في أن الحكم المطعون فيه عول في قضائه على الدليل المستمد من أقوال شهود المطعون عليها مع أنها أقوال قائمة على الاستنتاج وصدر بعضها من شهود يمتون بصلة القربى للمطعون عليها فإنه يكون قد شابه قصور.
وحيث إن هذا النعي مردود بأنه جدل موضوعي يتعلق بتقدير الدليل ولا يجوز إثارته أمام هذه المحكمة.
وحيث إن حاصل السبب الخامس إن الطاعن طلب من محكمة الاستئناف ندب الطبيب الشرعي لفحص دماء الصغيرين وبيان ما إذا كانت من فصيلة دمائه ولكن المحكمة رفضت هذا الطلب مع ما له من دلالة بالغة في الإقناع مما يجعل الحكم مشوباً بالقصور والإخلال.
وحيث إن هذا السبب مردود بأن محكمة الموضوع غير ملزمة بإجابة هذا الطلب متى رأت من ظروف الدعوى والأدلة المقدمة فيها ما يكفي لتكوين عقيدتها، وإذ كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه أقام قضاءه على أسباب سائغة تكفي لحمله فلا وجه للنعي عليه بما تمسك به الطاعن في سبب الطعن ولما تقدم يتعين رفض الطعن.


(1) نقض 30/ 3/ 1966 - الطعن رقم 8 لسنة 32 ق. س 17 ص 764.