حيث إن السيد الدكتور
رئيس مجلس الوزراء طلب تفسير نص المادتين الخامسة والثامنة عشرة من القانون رقم 38
لسنة 1972 في شأن مجلس الشعب والتي تنص أولاهما على أن "مع عدم الإخلال
بالأحكام المقررة في قانون تنظيم مباشرة الحقوق السياسية، يشترط فيمن يرشح لعضوية مجلس
الشعب:
1 - أن يكون مصري الجنسية، من
أب مصري.
2 - أن يكون اسمه مقيداً في
أحد جداول الانتخاب، وألا يكون قد طرأ عليه سبب يستوجب إلغاء قيده طبقاً للقانون
الخاص بذلك.
3 - أن يكون بالغاً من العمر
ثلاثين سنة ميلادية على الأقل يوم الانتخاب.
4 - أن يجيد القراءة والكتابة.
5 - أن يكون قد أدى الخدمة
العسكرية الإلزامية أو أعفى من أدائها طبقاً للقانون.
6 - ألا تكون قد أسقطت عضويته
بقرار من مجلس الشعب أو مجلس الشورى بسبب فقد الثقة أو الاعتبار أو بسبب الإخلال
بواجبات العضوية بالتطبيق لأحكام المادة 96 من الدستور، ومع ذلك يجوز له الترشيح
في أي من الحالتين الآتيتين:
أ - انقضاء الفصل
التشريعي الذي صدر خلاله قرار إسقاط العضوية.
ب - صدور قرار من مجلس
الشعب أو من مجلس الشورى بإلغاء الأثر المانع من الترشيح المترتب على إسقاط
العضوية بسبب الإخلال بواجباتها ويصدر قرار المجلس في هذه الحالة بموافقة أغلبية
أعضائه بناء على اقتراح مقدم من ثلاثين عضواً، وذلك بعد انقضاء دور الانعقاد الذي
صدر خلاله قرار إسقاط العضوية".
وتنص ثانيتهما على أن
"إذا خلا مكان من أحد المنتخبين قبل انتهاء مدة عضويته يجري انتخاب تكميلي
لانتخاب من يحل محله وذلك دون إخلال بحكم الفقرة الأولى من المادة الثالثة من هذا
القانون.
وإذ كان من خلا مكانه من
المعينين عين من يحله محله.
وفي الحالتين تستمر مدة
العضو الجديد حتى يستكمل مدة عضوية سلفه" وذلك تأسيساً على أن هذين النصين قد
أثارا خلافاً في تطبيقهما وفيما ترتب عليهما من آثار، وتضاربت أحكام القضاء
الإداري بشأن من له حق التشريح في الانتخاب التكميلي الذي يجري طبقاً لنص المادة
الثامنة عشرة من القانون رقم 38 لسنة 1972 في شأن مجلس الشعب، في الدوائر التي
تخلو إعمالاً للتفسير الذي انتهت إليه المحكمة الدستورية العليا فيمن تخلف في شأنه
أحد الشروط التي نصت عليها المادة الخامسة من ذات القانون وسبق فوزه في
الانتخابات، وهل يقتصر الترشيح على من سبق اشتراكهم في تلك الانتخابات، أم يفتح
باب الترشيح أمام كل من توافر فيه شروطه وقت إجراء الانتخابات التكميلي، إذ ذهبت
بعض أحكام محكمة القضاء الإداري إلى فتح باب الترشيح لكافة المرشحين الذين تتوافر
فيهم شروط الترشيح لعضوية مجلس الشعب، إذا كان من تخلفت فيهم تلك الشروط قد قدموا
استقالاتهم وقبلها مجلس الشعب وقرر خلو دوائرهم الانتخابية لهذا السبب، وأنه لا
يجوز للقضاء الإداري بسط رقابته على قرار مجلس الشعب بقبول استقالة هؤلاء الأعضاء
بمقولة أنه كان يتعين على المجلس تقرير بطلان عضويتهم لا قبول استقالاتهم، إذ أن
هذا الأمر يتعلق بصحة العضوية ويعد من الأعمال البرلمانية التي لا يجوز للقضاء بسط
رقابته عليها إعمالاً لمبدأ الفصل بين السلطات، وقد سارت إدارة الفتوى لوزارة الداخلية
بمجلس الدولة على ذات الدرب. وانتهى رأيها إلى فتح باب الترشيح لكل من تتوافر فيهم
شروط الترشيح لعضوية مجلس الشعب حال صدور قرار من ذلك المجلس ببطلان عضوية أحد
أعضائه وخلو المكان طبقاً للمادة (94) من الدستور.
وأضاف السيد الدكتور رئيس
مجلس الوزراء أن المحكمة الإدارية العليا انتهجت منهجاً مخالفاً وقضت بأن من فاز
في الانتخابات رغم تخلف أحد شروط الترشيح لعضوية مجلس الشعب في شأنه، ولم يصدر حكم
ببطلان عضويته، لا يجوز لمجلس الشعب أن يصدر قراراً بقبول استقالته، وأنه يتعين
الالتفات عن هذه الاستقالة وقرار قبولها، وإنزال صحيح حكم القانون عند اتخاذ
إجراءات إعادة الانتخاب لشغل مثل هذه الدائرة في ضوء بطلان ترشيح شاغلها بداءة
بحيث يقتصر إجراء الانتخابات التكميلية على من كان مرشحاً في الانتخابات الأولى.
ونتيجة لتضارب تلك الأحكام فقد تباينت قرارات وزارة الداخلية بشأن إجراءات فتح باب
الترشيح في الدوائر التي تجرى فيها انتخابات تكميلية طبقاً لنص المادة الثامنة
عشرة من قانون مجلس الشعب حال تخلف أحد الشروط التي تطلبها القانون في مادته
الخامسة للترشيح لعضوية ذلك المجلس.
وإزاء اضطراب التفسير
والتأويل، واختلاف التطبيق والرؤى وتضارب الأحكام القضائية بشأن تفسير نص المادتين
الخامسة والثامنة عشرة من قانون مجلس الشعب، ولتعلهما بحق دستوري بالغ الأهمية هو
حق الترشيح لعضوية مجلس الشعب، فقد طلب السيد المستشار وزير العدل بناء على كتاب
السيد الدكتور رئيس مجلس الوزراء عرض الأمر على هذه المحكمة لإصدار تفسير تشريعي
للنصين المذكورين عملاً بما تنص عليه المادتان (26) و(33) من قانون المحكمة
الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979.
وحيث إن المادة (175) من
الدستور تنص على أن "تتولى المحكمة الدستورية العليا دون غيرها الرقابة
القضائية على دستورية القوانين واللوائح، وتتولى تفسير النصوص القانونية وذلك كله
على الوجه المبين في القانون". وإعمالاً لهذا التفويض نصت المادة (26) من
قانون المحكمة الدستورية العليا المشار إليه على أن "تتولى المحكمة الدستورية
العليا تفسير نصوص القوانين الصادرة عن السلطة التشريعية؛ والقرارات بقوانين
الصادرة من رئيس الجمهورية، وذلك إذا أثارت خلافاً في التطبيق، وكان لها من
الأهمية ما يقتضي توحيد تفسيرها".
وحيث إن السلطة المخولة
لهذه المحكمة في مجال التفسير التشريعي، مشروطة بأن تكون للنص التشريعي أهمية
جوهرية تتحدد بالنظر إلى طبيعة الحقوق التي ينظمها ووزن المصالح المرتبطة بها، وأن
يكون هذا النص - فوق أهميته - قد أثار عند تطبيقه خلافاً حول مضمونه تتباين معه
الآثار القانونية التي يرتبها فيما بين المخاطبين بأحكامه على نحو يُخل - عملاً -
بعمومية القاعدة القانونية الصادرة في شأنهم، والمتماثلة مراكزهم القانونية
بالنسبة إليهم، ويُهدر بالتالي ما تقتضيه المساواة بينهم في مجال تطبيقها الأمر
الذي يحتم رد هذه القاعدة إلى مضمون موحد يتحدد على ضوء ما قصده المشرع منها عند
إقرارها ضماناً لتطبيقها تطبيقاً متكافئاً بين المخاطبين بها.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة
قد جرى على أن ولايتها في مجال ممارستها لاختصاصها بالنسبة إلى التفسير التشريعي
تقتصر على تحديد مضمون النص القانوني محل التفسير لتوضيح ما أُبهِم من ألفاظه،
وذلك من خلال استجلاء إرادة المشرع وتحري مقصده منه، والوقوف على الغاية التي
يستهدفها من تقريره إياه.
وحيث إن البين من استقراء
نص المادة الخامسة من القانون رقم 38 لسنة 1972 في شأن مجلس الشعب المطلوب تفسيره
أنه قد عدّد الشروط اللازم توافرها فيمن يرشح لعضوية مجلس الشعب والتي بلغت ستة
شروط، وأن عبارته في بيان هذه الشروط جاءت واضحة الدلالة لا غموض فيها ولا إبهام
كما أن ما تعلق منه بالبند (5) سبق أن تناولته المحكمة الدستورية العليا بالتفسير
في طلب التفسير رقم (1) لسنة 24 قضائية "تفسير"، ورأت المحكمة أن عبارة
هذا البند واضحة الدلالة على اشتراط أداء الخدمة العسكرية الإلزامية أو الإعفاء
منها وفقاً لأحكام القانون فيمن يرشح لعضوية مجلس الشعب، وقد خلت الأوراق مما يفيد
قيام خلاف في تطبيق هذا النص بعد ممارسة هذه المحكمة لولايتها في إصدار تفسير
تشريعي ملزم لعبارته، ومن ثم فإن طلب تفسيره يكون غير مقبول.
وحيث إن الشرطان اللذين
تطلبهما المشرع لقبول طلب التفسير قد توافرا بالنسبة لصدر المادة الثامنة عشرة من
قانون مجلس الشعب المشار إليه، فيما تنص عليه من أنه "إذا خلال من مكان أحد
المنتخبين قبل انتهاء مدة عضويته يجري انتخاب تكميلي لانتخاب من يحل محله"
ذلك أن هذا النص قد آثار خلافاً في تطبيقه بين بعض دوائر محكمة القضاء الإداري من
ناحية والمحكمة الإدارية العليا من ناحية أخرى، إذ في حين رأت الأولى فتح باب
الترشيح لجميع المرشحين في الدوائر التي تخلو لتخلف أحد الشروط التي نصت عليها
المادة الخامسة من قانون مجلس الشعب إذا كان من تخلفت فيهم شروط الترشيح قد قدموا
استقالاتهم وقبلها مجلس الشعب وقرر خلو دوائرهم لهذا السبب، وشايعتها إدارة الفتوى
لوزارة الداخلية في هذا الرأي وأفتت بفتح باب الترشيح لكل من توافرت فيه شروط
الترشيح لعضوية مجلس الشعب في حالة خلو مكان أحد المنتخبين أياً كان سبب وطبيعة
هذا الخلو، اتجهت المحكمة الإدارية العليا وجهة أخرى مناقضة بقصرها إجراء
الانتخابات التكميلية على من كان مرشحاً في الانتخابات الأولى تأسيساً على أنه لا
يجوز قبول استقالة العضو الذي فاز في الانتخابات رغم تخلف أحد شروط الترشيح لعضوية
مجلس الشعب في شأنه، ولا أن تُرَتَّب أية آثار على هذه الاستقالة، وأن إنزال صحيح
حكم القانون عند اتخاذ إجراءات الانتخابات التكميلية، يقتضي قصرها على من كان
مرشحاً فقط مع من وُصمت عضويته بالبطلان، وقد انعكس هذا الخلاف على وزارة
الداخلية، فتضاربت قراراتها في هذا الشأن، كما أن النص محل طلب التفسير انتظمه
القانون رقم 38 لسنة 1972 في شأن مجلس الشعب الذي يُعد أحد القوانين المكملة
للدستور، ويتعلق بممارسة حق دستوري على جانب كبير من الأهمية هو حق الترشيح لعضوية
مجلس الشعب، ومن ثم فإن طلب تفسيره يكون مقبولاً.
وحيث إن هذه المحكمة في
مجال تحديدها مدلول النص التشريعي محل التفسير، تلجأ إلى تحري إرادة المشرع كشفاً
عن مقصده منه والذي يُفترض أن يكون ذلك النص معبراً عنه، وتستعين المحكمة في سبيل
الوصول إلى هذه الغاية بالتطور التشريعي للنص المطلوب تفسيره وكذا بأعماله
التحضيرية الممهدة له.
وحيث إنه يبين من استقصاء
التطور التشريعي للنص محل التفسير أنه كان يجري في أصل نص الوارد بالقانون رقم 38
لسنة 1972 في شأن مجلس الشعب على أن:
"إذا لم يرشح في الدائرة
الانتخابية أكثر من شخصين أحدهما على الأقل عامل أو فلاح أجرى الانتخاب في ميعاده،
ويعلن انتخاب المرشح إذا حصل على الأغلبية المطلقة من الأصوات الصحيحة التي أعطيت
في الانتخاب بشرط ألا يقل عدد هذه الأصوات عن 20% من مجموع الناخبين".
وبصدور القانون رقم 114
لسنة 1983 متبنياً الأخذ بنظام الانتخاب بالقائمة الحزبية مع التمثيل النسبي في
انتخاب مجلس الشعب تم تعديل بعض أحكام القانون رقم 38 لسنة 1972 وشمل التعديل نص
المادة عشرة ليصبح كالتالي:
"إذا خلال من أحد الأعضاء
المنتخبين قبل انتهاء مدة عضويته حل محله أحد الأعضاء الأصليين الذي لم يحل دوره
في العضوية نتيجة عدد المقاعد التي حصلت عليها قائمته في الانتخابات فإذا لم يوجد
أعضاء أصليون حل محل من انتهت عضويته العضو الاحتياطي وفي الحالتين يكون حلول
العضو بترتيب ورود اسمه في القائمة التي اُنتخبت وبذات صفة سلفه.
وتستمر مدة العضو الجديد
حتى يستكمل مدة عضوية سلفه".
وإذا رؤى العدول عن نظام
الانتخاب بالقائمة فقد صدر القانون رقم 188 لسنة 1986 مقرراً الجمع بين نظام
الانتخاب بالقائمة الحزبية ونظام الانتخاب الفردي، وتم تعديل المادة الثامنة عشرة
من القانون رقم 38 لسنة 1972 المشار إليه ليصبح حكماً متسقاً مع النظام الجديد
فأصبح نصها كتالي:
"إذا خلا مكان أحد الأعضاء
المنتخبين قبل انتهاء مدة عضويته يجرى انتخاب تكميلي بذات الطريقة التي تم بها
انتخاب العضو الذي خلا مكانه.
وإذا كان العضو الذي خلا
مكانه من بين المنتخبين بقائمة حزبية اقتصر حق الترشيح على الأحزاب الممثلة
بالمجلس عن طريق الانتخاب بالقوائم، ويتعين في جميع الأحوال مراعاة نسبة الخمسين
في المائة المقررة للعمال والفلاحين عن كل دائرة على حدة وتستمر مدة العضو الجديد
حتى يستكمل مدة عضوية سلفه، على أن يعلن فوز القائمة التي تحصل على أكبر عدد من
الأصوات الصحيحة متى كان المرشح لمقعد واحد، وإلا طُبق حكم المادة السابعة عشر".
وكان صدر هذه المادة قد
ورد في مشروع القانون المعروض على مجلس الشعب ناصاً على أن:
"إذا خلا مكان أحد الأعضاء
المنتخبين قبل انتهاء مدة عضويته أعيد الانتخاب بذات الطريقة التي تم بها انتخاب
العضو الذي خلا مكانه".
وقد رؤى استبدال عبارة
(يجرى انتخاب تكميلي) بعبارة (أعيد الانتخاب)، بناء على اقتراح من أحد أعضاء مجلس
الشعب بعد المناقشات التي أبداها بعض الأعضاء لدى تعليقهم على نص المادة الثامنة
عشرة والتي أبدوا خلالها أن الأمر في الحالة المعروضة لا يتعلق بإعادة الانتخاب من
جديد وإنما انتخاب تكميلي يجرى بعد خلو مكان العضو.
وإذ عُرض أمر المادة
الخامسة مكرراً من القانون رقم 38 لسنة 1972 على المحكمة الدستورية العليا والتي
كانت تنظم كيفية انتخاب أعضاء مجلس الشعب وذلك عن طريق الجمع في كل دائرة انتخابية
بين نظام الانتخاب بالقوائم الحزبية ونظام الانتخاب الفردي، قضت بجلستها المنعقدة
في 19 مايو سنة 1990 بعدم دستورية تلك المادة فيما تضمنته من النص على أن يكون لكل
دائرة عضو واحد يتم انتخابه عن طريق الانتخاب الفردي ويكون انتخاب باقي الأعضاء
الممثلين للدائرة عن طريق الانتخاب بالقوائم الحزبية.
وتنفيذاً لذلك الحكم، وفي
ضوء ما أسفرت عنه التجارب رؤى العودة إلى نظام الانتخاب الفردي الذي عايشته الحياة
النيابية في مصر، واعتادت عليه أمداً طويلاً، ومن ثم كان حتماً مقتضياً أن يتم
تعديل أحكام القانون رقم 38 لسنة 1972 لإلغاء التنظيم الخاص بالجمع بين نظام
الانتخاب بالقائمة ونظام الانتخاب الفردي في إطار واحد، فصدر قرار رئيس الجمهورية
بالقانون رقم 201 لسنة 1990 متضمناً تعديل بعض أحكام قانون مجلس الشعب ومنها
المادة الثامنة عشرة التي تنظم حالة خلو مكان عضو مجلس الشعب، والتي أصبح نصها
كالتالي:
"إذا خلا مكان أحد
المنتخبين قبل انتهاء مدة عضويته يجرى انتخاب تكميلي لانتخاب من يحل محله وذلك دون
إخلال بحكم الفقرة الأولى من المادة الثالثة من هذا القانون.
وإذا كان من خلال مكانه
من المعينين عُين من يحل محله.
وفي الحالتين تستمر مدة
العضو الجديد حتى يستكمل مدة عضوية سلفه".
وقد أبانت المذكرة
الإيضاحية لمشروع قرار رئيس الجمهورية بالقانون المشار إليه أن هذا التعديل قد
اقتصر على ما يجعل حكم المادة المذكورة متسقاً مع نظام الانتخاب الفردي بعد حذف ما
يتعلق بالتنظيم الخاص بخلو مكان عضو من بين المنتخبين بقائمة حزبية.
ولدى عرض قرار رئيس
الجمهورية بالقانون سالف الذكر على مجلس الشعب، لم تجر بشأن النص محل التفسير أية
مناقشات بين أعضائه تُعين على فهم المراد منه، وإنما وافق المجلس عليه مع نصوصه
الأخرى بالصياغة التي أفرغ فيها بجلسته المنعقدة في 29 من ديسمبر سنة 1990.
وحيث إن التطور التشريعي
للنص محل التفسير، وكذا مذكرته الإيضاحية لم يُفصحا عن بيان قصد المشرع من إقراره
سوى ما أسفرت عنه مناقشات مجلس الشعب لدى عرض مشروع القانون رقم 188 لسنة 1986 من
استبدال عبارة (يجرى انتخاب تكميلي) بعبارة (أعيد الانتخاب) التي وردت بالمشروع،
وذلك تأسيساً على أن الأمر لا يتعلق بإعادة انتخاب قد تم من قبل وإنما هو انتخابٌ
تكميليٌ لانتخاب عضو جديد بدلاً من العضو الذي خلا مكانه، ومن ثم أصبح لزاماً على
هذه المحكمة وهي في مقام تفسيرها للنص المشار إليه أن تفسره بما لا يُخرجه عن
المعنى الذي يبين من ظاهر عبارته، إذ أنها وحدها التي يتعين التعويل عليها ولا
يجوز العدول عنها إلى سواها إلا إذا كان التقيد بحرفيتها يُناقش أهدافاً واضحة ومشروعة
سعى إليها المشرع، وبمراعاة أن اختصاص هذه المحكمة بتفسير النصوص التشريعية لا
يخلوها حق مراقبة شرعيتها الدستورية، وإنما هي تكشف عن إرادة المشرع دون تقييم
لها، ويقتصر عملها على رد النصوص القانونية إلى إرادة المشرع وحملها عليها سواء
كان مضمونها متفقاً مع أحكام الدستور أم مناقضاً لها.
وحيث إن النص التشريعي
محل طلب التفسير تجري عبارته على أنه:
"إذا خلا مكان أحد
المنتخبين قبل انتهاء مدة عضويته يجرى انتخاب تكميلي لانتخاب من يحل محله...".
وحيث إن من المستقر عليه
في أصول التفسير أنه إذا كان عبارة النص واضحة الدلالة فلا يجوز تأويلها بما
يخرجها عن معناها المقصود منها، أو الانحراف عنها بدعوى تفسيرها، كما أنها إذا
جاءت عامة فإنها تجري على إطلاقها، ما لم يوجد ما يقيدها أو يُخصص حكمها.
وحيث إن الظاهر من عبارة
النص محل التفسير أنه إذا خلا مكان أحد المنتخبين قبل انتهاء مدة عضويته بمجلس
الشعب، فإنه يتعين إجراء انتخاب تكميلي لانتخاب من يحل محله، وقد وردت عبارتا
"إذا خلا مكان" و"يجرى انتخاب تكميلي" عامتين ليس فيهما تخصيص
لحكميهما، فإن عبارة "إذا خلا مكان" تشمل جميع حالات خلو مكان عضو مجلس
الشعب أياً كان سبب هذا الخلو، كما أن عبارة الانتخاب التكميلي لا تعني سوى
الانتخاب الذي نظم قانون مجلس الشعب إجراءاته والتي تبدأ بتقديم المرشحين طلباتهم
إلى مديرية الأمن بالمحافظة التي يرغبون في الترشيح لإحدى دوائرها، مصحوبة
بالأوراق والمستندات التي تطلب القانون تقديمها لإثبات توافر شروط الترشيح، ثم
إعلان كشف المرشحين بعد الفصل في الاعتراضات المقدمة على تلك الترشيحات، وإجراء
عملية الاقتراع التي تتمثل في إدلاء الناخبين بأصواتهم لاختيار من يرونه صالحاً
لتمثيلهم ثم فرز الأصوات وإعلان نتيجة الانتخاب.
وحيث إنه لا يجوز صرف
عبارة النص محل التفسير عن معناها الظاهري على النحو السالف بيانه، وتفسيرها قسراً
واعتسافاً على نحو يؤدي إلى انحسار حكمها عن حالة العضو الذي يخلو مكانه لبطلان
عضويته لعدم استيفائه أحد شروط الترشيح لعضوية مجلس الشعب، ولا أن يختص ذلك العضو
بحكم خاص بكيفية إجراء انتخاب من يحل محله، بحيث يتم قصر حق الترشيح لشغل الدائرة
التي خلت لبطلان عضويته على من كان قد تزاحم من المرشحين على شغل مقعد هذه الدائرة
وقت إجراء الانتخاب الأولى، ذلك أن النص العام لا يخصص إلا بدليل، ولا يقيد المطلق
إلا بقرينة، فإذا ما انتفى ذلك الدليل وتلك القرينة، فإنه لا يجوز إسباغ معنى آخر
على النص التشريعي وإلا كان تأويلاً له غير مقبول، يؤيد ذلك ما يلي:
أولاً: إن حقي الترشيح
والانتخاب من الحقوق الأساسية التي كفلها الدستور، وهما باعتبارهما كذلك، لا يجوز
المساس بهما، أو تفسير النصوص التشريعية التي تنظمهما على نحو يؤدي إلى الانتقاص
من محتواهما، بل يتعين تفسيرها تفسيراً ضيقاً يؤدي إلى عدم مصادرة حق الناخبين في
اختيار المرشح الذي يَرَوْنَ أنه أهلاً لتمثيلهم في مجلس الشعب، وفتح باب الترشيح
أمام كل من يرغب في الترشيح لعضوية ذلك المجلس، وتَحَقُّقُ ذلك يَدْعَمُ حقي
الانتخاب والترشيح معاً، أما قصره على من كان مرشحاً في الانتخابات الأولى فإنه
يمثل عدواناً على الحق في الترشيح إذ يحجب كل من كان غير مرشح من قبل عن التقدم
للترشيح، فضلاً عما فيه من اعتداء على حق الناخبين في اختيار ممثليهم، إذ قد يفرض
عليهم اختيار مرشح رفضوا منحه أصواتهم من قبل تقديراً منهم بأنه ليس جديراً
بتمثيلهم في مجلسهم النيابي، أو بسبب اختلافه معهم في توجهاته السياسية.
ثانياً: إن القيود التي
تفرض على حقي الانتخاب والترشيح، لا تتقرر اجتهاداً أو استنباطاً أو قياساً، بل
يتعين أن يكون مصدرها نص صريح واضح وجليِّ يفرض مثل هذه القيود - وبغض النظر عن
مدى تعارضها مع أحكام الدستور -، والقول بقصر الترشيح على من كان مرشحاً في
الانتخابات الأولى يتضمن وضع قيد على حق الترشيح بغير نص واضح الدلالة يُجيزه، كما
أن فيه تخصيص حكم لحالة محددة - هي حالة بطلان العضوية - بالرغم من أن عبارة النص
محل التفسير واضحة في انصراف حكمها ليستغرق جميع حالات خلو مكان عضو مجلس الشعب،
سواء كان هذا الخلو بسبب الاستقالة أو الوفاة أو بطلان العضوية أو إسقاطها.
ثالثاً: إن القول بقصر
دائرة المرشحين على من سبق ترشيحهم في الانتخابات التي أفرزت العضو الذي تقرر
بطلان عضويته، يؤدي بالضرورة إلى القول بقصر عملية الإدلاء بأصوات الناخبين، على
من كان منهم مدرجاً بالكشوف المعدة في ذلك الوقت، وذلك بالرغم من أنه يطرأ على
بعضهم ما يوجب إلغاء قيدهن وهو قول لم يقل به أحد، كما أن هذا القول يؤدي أيضاً
إلى حرمان من تم قيده بكشوف الناخبين بعد ذلك التاريخ من ممارسة حقه في انتخاب
ممثله في المجلس التشريعي، وهو ما لا يجوز التسليم به لما يمثله من عدوان على حق
الانتخاب.
رابعاً: إن القول بغلق
دائرة الترشيح على من كان مرشحاً من قبل في الانتخابات الأولى قد يؤدي إلى نتيجة
لا يمكن قبولها أو التسليم بها، وذلك في حالة ما إذا كان المرشح قد أُبطلت عضويته
من العمال أو الفلاحين، وكانت قائمة المرشحين في ذلك الوقت خالية من آخرين من ذات
الصفة، ففي هذه الحالة إما أن يتم اختيار عضو آخر من الفئات بدلاً من العضو الذي
أُبطلت عضويته رغم اختلاف الصفة بالمخالفة لأحكام الدستور وقانون مجلس الشعب
اللذين تطلبا أن يكون نصفا أعضاء مجلس الشعب على الأقل من الفلاحين والعمال، أو
أنه - إزاء هذه الصعوبة العملية - لا يتم إجراء انتخاب عضو آخر محل العضو الذي
أبطلت عضويته، وقد يؤدي ذلك إلى نقص عدد أعضاء مجلس الشعب عن العدد الذي تطلبه
الدستور وقانون المجلس واللذين يشترطان ألا يقل هذا العدد عن ثلاثمائة وخمسين
عضواً، أو أن يفتح باب الترشيح في هذه الدائرة كي يتقدم مرشحون جدد من العمال
والفلاحين لاختيار أحدهم، وفي هذه الحالة يتم فتح باب الترشح في بعض الدوائر
الانتخابية أمام جميع المرشحين وحجبه عن غيرهم في دوائر أخرى ممن يتم قصر الترشيح
فيها على من سبق دخولهم في الانتخابات الأولى بالمخالفة لصريح دلالة النص محل
التفسير والذي يقضي بفتح باب الترشيح أمام كل من يرغب في التقدم له وقت إجراء
الانتخاب التكميلي.