الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 23 يناير 2021

الطعن 6470 لسنة 52 ق جلسة 14 / 4 / 1983 مكتب فني 34 ق 108 ص 544

جلسة 14 من إبريل سنة 1983

برئاسة السيد المستشار/ حسن جمعه نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: أحمد أبو زيد، محمد نجيب صالح، عوض جادو ومصطفى طاهر.

---------------

(108)
الطعن رقم 6470 لسنة 52 القضائية

 (1)قتل عمد. قصد جنائي. إثبات "بوجه عام". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
نية القتل. أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر. استخلاص توافرها من عناصر الدعوى. موضوعي.
(2) حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". إثبات "بوجه عام".
متى يبطل التناقض الحكم؟
(3) علاقة السببية. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
علاقة السببية في المواد الجنائية. مناط تحققها؟ تقديرها. موضوعي.
 (4)قتل عمد. رابطة السببية. إثبات "خبرة". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
استظهار الحكم قيام علاقة السببية بين إصابات القتيل وفعل التغريق. وبين وفاته. نقلاً عن تقرير الصفة التشريحية. لا قصور.
 (5)محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". إثبات "خبرة". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
لمحكمة الموضوع أن تجزم بما لم يجزم به الخبير متى كانت وقائع الدعوى قد أيدت ذلك عندها.
(6) اشتراك. اتفاق. إثبات "بوجه عام". سبق إصرار. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
ثبوت سبق الإصرار في حق المتهمين يستلزم بالضرورة توافر الاشتراك بالاتفاق بالنسبة لمن لم يقارف الجريمة بنفسه منهم.
 (7)قتل عمد. سبق إصرار. فاعل أصلي. جريمة "أركانها". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". مسئولية جنائية "التضامن في المسئولية".
متى يعتبر الشخص فاعلاًً أصلياً. برغم عدم ارتكابه فعلاً يدخل في الركن المادي للجريمة؟
(8) عقوبة "العقوبة المبررة" "تقدير العقوبة". فاعل أصلي. شريك. وصف التهمة. نقض "المصلحة في الطعن".
عدم جدوى النعي على الحكم تغير صفة المتهم من شريك في الجريمة إلى فاعل أصلي فيها. ما دام أنه عاقب الطاعن بالعقوبة المقررة للشريك.
تقدير العقوبة. مرده الواقعة الجنائية وما أحاط بها من ظروف. لا الوصف القانوني لها.
(9) حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". إثبات "بوجه عام" "شهود". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
عدم قبول النعي على الحكم خطأه في الإسناد. متى أقيم على ما له أصل في الأوراق.
(10) قتل عمد. إثبات "اعتراف". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
تقدير صحة الاعتراف وقيمته في الإثبات وصدوره اختياراً من عدمه. موضوعي.
 (11)حكم "ما لا يعيبه في نطاق التدليل". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
الخطأ في الإسناد لا يعيب الحكم. طالما لم يتناول من الأدلة ما يؤثر في عقيدة المحكمة.
(12) قتل عمد. سبق إصرار. إثبات "بوجه عام". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".

سبق الإصرار. ماهيته؟
(13) قتل عمد. سبق إصرار. إثبات "بوجه عام". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
العبرة في سبق الإصرار بما ينتهي إليه الجاني من خطة رسمها لتنفيذ الجريمة. ولو قصر زمن هذا التفكير. المنازعة في ذلك أمام محكمة النقض. غير جائزة.
(14) إثبات "بوجه عام". سبق إصرار. قتل عمد. مسئولية جنائية. فاعل أصلي.
توافر ظرف سبق الإصرار. يرتب تضامناً بين المتهمين في المسئولية الجنائية.

-------------
1 - من المقرر أن قصد القتل أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه فإن استخلاص هذه النية من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية.
2 - من المقرر أن التناقض الذي يعيب الحكم ويبطله هو الذي يقع بين أسبابه بحيث ينفي بعضها ما أثبته البعض الآخر ولا يعرف أي الأمرين قصدته المحكمة.
3 - من المقرر أن علاقة السببية في المواد الجنائية علاقة مادية تبدأ بالفعل الذي اقترفه الجاني وترتبط من الناحية المعنوية بما يجب عليه أن يتوقعه من النتائج المألوفة لفعله إذا ما أتاه عمداً وهذه العلاقة مسألة موضوعية ينفرد قاضي الموضوع بتقديرها ومتى فصل فيها إثباتاً أو نفياً فلا رقابة لمحكمة النقض عليه ما دام قد أقام قضاءه في ذلك على أسباب تؤدي إلى ما انتهى إليه.
4 - متى كان الواضح من مدونات الحكم أنه استظهر علاقة السببية بين إصابات المجني عليه التي أورد تفصيلها عن تقرير الصفة التشريحية وفعل التغريق الذي قارفه الجناة بدفع المجني عليه في مياه الترعة بعد إحداث إصاباته والضغط على كتفيه وبين وفاته فأورد من واقع ذلك التقرير أن حدوث هذه الإصابات بالمجني عليه تؤثر على درجة الوعي لديه أو تفقده الوعي ومن شأنها مع الوجود في وسط مائي أن يحدث الغرق وأن الوفاة نشأت عن أسفكسيا الغرق الذي ساهمت فيه هذه الإصابات فإنه ينحسر عن الحكم ما يثيره الطاعن من قصور في هذا الصدد.
5 - الأصل أن لمحكمة الموضوع أن تجزم بما لم يجزم به الخبير في تقريره متى كانت وقائع الدعوى قد أيدت ذلك عندهما وأكدته لديها - كما هو واقع الحال في الدعوى المطروحة - ومن ثم فإن النعي على الحكم في هذا الخصوص لا يكون سديداً.
6 - إذا كان من المقرر أن مجرد إثبات ظرف سبق الإصرار على المتهمين يلزم عنه الاشتراك بالاتفاق بالنسبة لمن لم يقارف الجريمة بنفسه من المصرين عليها وليست المحكمة ملزمة ببيان وقائع خاصة لإفادة الاتفاق غير ما تبينته من الوقائع المفيدة لسبق الإصرار، وكان الحكم قد أثبت تصميم المتهمين على قتل المجني عليه فإن ذلك يرتب تضامناًً في المسئولية يستوي في ذلك أن يكون الفعل الذي قارفه كل منهم محدداً بالذات أو غير محدد وبصرف النظر عن مدى مساهمة هذا الفعل في النتيجة المترتبة عليه.
7 - لما كان ما أثبته الحكم كاف بذاته للتدليل على اتفاق الطاعن مع الطاعنين الثاني والثالث والمتهمين الآخرين - المحكوم عليهم غيابياً - على قتل المجني عليه من معيتهم في الزمان والمكان ونوع الصلة بينهم وصدور الجريمة عن باعث واحد واتجاههم وجهة واحدة في تنفيذها وأن كلاً منهم قد قصَد قصْد الآخر في إيقاعها بالإضافة إلى وحدة المعتدى عليه ومن ثم يصح طبقاً للمادة 39 من قانون العقوبات اعتبار الطاعن فاعلاً أصلياً في جريمة القتل العمد المقترن التي وقعت تنفيذاً لذلك التصميم أو هذا الاتفاق.
8 - لما كانت العقوبة المقضي بها على الطاعن - وهي الأشغال الشاقة المؤبدة - تدخل في نطاق العقوبة المقررة لجريمة الاشتراك في جناية القتل العمد مع سبق الإصرار مجردة من ظرف الاقتران فإن مجادلته فيما أثبته الحكم من وصف الجريمة بالنسبة له باعتباره فاعلاً أصلياً ونعيه على الحكم لعدم توافر ظرف الاقتران لا يكون له محل ولا مصلحة له منه، ولا يغير من ذلك القول بأن المحكمة قد أخذته بالرأفة وأنها كانت عند تقدير هذه العقوبة تحت تأثير الوصف الذي أعطته للواقعة بالنسبة له إذ أن تقدير المحكمة للعقوبة مرده ذات الواقعة الجنائية التي قارفها الجاني وما أحاط بها من ظروف لا الوصف القانوني الذي تعطيه المحكمة لها ومن ثم فإن النعي على الحكم المطعون فيه بدعوى الخطأ في تطبيق القانون يكون غير سديد.
9 - متى كان يبين من الاطلاع على المفردات المضمومة أن ما حصله الحكم من اعتراف الطاعنين الأول والثالث والمتهمين الثاني والرابع والسادس المحكوم عليهم غيابياً له صداه وأصله الثابت في الأوراق فإن ما ينعاه الطاعنان على الحكم بدعوى الخطأ في الإسناد لا يكون له محل بما تنحل معه منازعتهما في سلامة استخلاص الحكم لأدلة الإدانة في الدعوى إلى جدل موضوعي حول تقدير المحكمة للأدلة القائمة في الدعوى ومصادرتها في عقيدتها وهو ما لا يقبل إثارته أمام محكمة النقض.
10 - من المقرر أن الاعتراف في المواد الجنائية هو من العناصر التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات فلها بهذه المثابة أن تقرر عدم صحة ما يدعيه المتهم من أن الاعتراف المعزو إليه أو إلى غيره من المتهمين قد انتزع منهم بطريق الإكراه بغير معقب عليها ما دامت تقيم تقديرها على أسباب سائغة - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - فإن تعييب الحكم في هذا الخصوص يكون في غير محله.
11 - لا يقدح في سلامة الحكم ما أورده من أن المتهم المتوفى قد أصيب بالإغماء أمام وكيل النيابة في حين أن الثابت - على ما يبين من المفردات أنه أصيب بالإغماء أمام رئيس المباحث عقب القبض عليه فقام بنقله إلى المستشفى وأثبت هذه الواقعة في محضره المؤرخ 25 - 5 - 1980 وقام بعرضه على النيابة في ذات التاريخ، فإنه مع التسليم بأن الأمور جرت بداية ومآلاً على هذا النحو فإنها ليست بذات أثر على جوهر الواقعة التي اقتنعت بها المحكمة وهي أن هذا المتهم قد أصيب بالإغماء ونقل إلى المستشفى وتوفى بها وفاة طبيعية نتيجة حالته المرضية يستوي في هذا المقام أن يكون قد أصيب بالإغماء أمام وكيل النيابة أو الضابط وأن يقوم هذا الأخير بنقله إلى المستشفى تلقائياً أو تنفيذاً لأمر النيابة ومن ثم فإن دعوى الخطأ في الإسناد في هذا الصدد لا تكون مقبولة لما هو مقرر من أنه لا يعيب الحكم الخطأ في الإسناد طالما لم يتناول من الأدلة ما يؤثر في عقيدة المحكمة.
12 - من المقرر أن سبق الإصرار حالة ذهنية تقوم في نفس الجاني قد لا يكون لها في الخارج أثر محسوس يدل عليها مباشرة وإنما هي تستفاد من وقائع وظروف خارجية يستخلصها القاضي منها استخلاصاً ما دام موجب هذه الوقائع والظروف لا يتنافر عقلاً مع هذا الاستنتاج.
13 - ليست العبرة في توافر ظرف سبق الإصرار بمضي الزمن لذاته بين التصميم على الجريمة ووقوعها - طال هذا الزمن أو قصر - بل العبرة هي بما يقع في ذلك الزمن من التفكير والتدبير، فما دام الجاني انتهى بتفكيره إلى خطة معينة رسمها لنفسه قبل تنفيذ الجريمة كان ظرف سبق الإصرار متوافر ولا تقبل المنازعة فيه أمام محكمة النقض.
14 - إذا كان ما أورده الحكم سائغاً وسديداً ويستقيم به التدليل على تحقق قيام ظرف سبق الإصرار في حق الطاعنين كما هو معرف به في القانون وهو ما يرتب بينهما وبين من أسهموا في ارتكاب الفعل معهما تضامناً في المسئولية يستوي في ذلك أن يكون الفعل الذي قارفه كل منهم محدداً بالذات أو غير محدد وبصرف النظر عن مدى مساهمة هذا الفعل في النتيجة المترتبة عليه إذ يكفي ظهورهم معاً على مسرح الجريمة وقت ارتكابها وإسهامهم في الاعتداء على المجني عليه فإذا ما أخذت المحكمة الطاعنين عن النتيجة التي لحقت بالمجني عليه تنفيذاً لهذا القصد والتصميم الذي انتوياه دون تحديد لفعلهما وفعل من كانوا معهما ومحدث الإصابات وفعل التغريق الذي أدى إلى وفاته بناء على ما اقتنعت به للأسباب السائغة التي أوردتها من أن تدبيرهما للجريمة قد أنتج النتيجة التي قصدا إحداثها وهي الوفاة فإن ما يثيره الطاعنان بشأن عدم تحديد الحكم من قام من المتهمين بالاعتداء على المجني عليه بالضرب وإغراقه في المياه وعدم إشارته إلى مساهمة الطاعنين بنصيب قل أو أوفى في هذه الأفعال يكون غير سديد.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين وآخرين بأنهم: (أولاً) قتلوا..... عمداً ومع سبق الإصرار بأن بيتوا النية وعقدوا العزم على قتله وأعدوا لذلك سلاحاً نارياً (بندقية) وآلات راضة (عصي وحديدة) وتوجهوا إليه في مسكنه الذي أيقنوا سلفاً بتواجده به واصطحبوه إلى حيث ضربوه بعصي حديد حتى فقد وعيه وألقوه في ترعة فحدثت إصاباته الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته، وقد تقدمت هذه الجناية جنايتان أخريان هما أنه في ذات الزمان والمكان سالفي الذكر: ( أ ) سرقوا النقود المبينة وصفاً وقدراً بالتحقيقات المملوكة للمجني عليه سالف الذكر و..... بطريق الإكراه الواقع عليهما بأن انتحلوا صفة الشرطة السريين وهددوهما بسلاح ناري وتمكنوا بتلك الوسيلة من الإكراه من سلب نقودهما. (ب) قبضوا على المجني عليه سالف الذكر بدون وجه حق بأن ادعوا أنهم من رجال الشرطة السريين وتزيا أحدهم بزي عسكري وتوجهوا لمسكنه وأجروا تفتيشه وقبضوا عليه دون أمر الحكام المختصين. (ثانياً): المتهمين جميعاً أيضاً: أحرزوا بغير ترخيص سلاحاً نارياً غير مششخن (بندقية). وأحالتهم النيابة العامة إلى محكمة جنايات شبين الكوم لمعاقبتهم طبقاً للقيد والوصف الواردين بقرار الاتهام. وادعى (والدي المجني عليه) مدنياً قبل المتهمين متضامنين بمبلغ مائة جنيه على سبيل التعويض المؤقت. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 230، 231، 234/ 1، 2، 280، 282، 213 من قانون العقوبات والمادتين 1/ 1، 26/ 1، من القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل بالقوانين أرقام 546 لسنة 1954، 75 لسنة 1958، 26 لسنة 1979 والجدول رقم 2 مع تطبيق المادتين 32/ 2، 17 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهمين (الطاعنين) بالأشغال الشاقة المؤبدة عما أسند إليهم وبإلزامهم وآخرين متضامنين بأن يؤدوا للمدعين بالحقوق المدنية مبلغ مائة جنيه على سبيل التعويض المؤقت.
فطعن المحكوم عليهم في هذا الحكم بطريق النقض..... إلخ.


المحكمة

أولاً: عن الطعن المقدم من الطاعن الأول:
حيث إن مبنى الطعن المقدم من الطاعن الأول هو أن الحكم المطعون فيه إذ دانه بجناية القتل العمد مع سبق الإصرار المقترن بجنايتي سرقة بإكراه وقبض بدون وجه حق وبجناية إحراز سلاح ناري غير مششخن بغير ترخيص قد شابه القصور والتناقض في التسبيب وانطوى على الفساد في الاستدلال والخطأ في تطبيق القانون ذلك بأنه لم يدلل على توافر نية القتل لدى الطاعن تدليلاً كافياً ووقع في تناقض حين استدل على توافر هذه النية بالإصابات التي لحقت بالمجني عليه رغم أن تقرير الصفة التشريحية الذي عول عليه قد أثبت أن تلك الإصابات أفقدت المجني عليه الوعي وليس من شأنها إحداث الوفاة التي نشأت عن أسفكسيا الغرق بما تنتفي معه علاقة السببية بين هذه الإصابات والوفاة، وقد أقام الحكم قضاءه على القطع بأن إصابات المجني عليه أفقدته الوعي ومن شأنها مع الوجود في وسط مائي أن يحدث الغرق في حين أن الثابت من تقرير الصفة التشريحية أن هذه المساهمة كانت على سبيل الاحتمال لا القطع وفضلاً عن ذلك فإن الحكم عاقب الطاعن، باعتباره فاعلاً أصلياً في جناية القتل العمد المقترن وطبق في حقه نص المادة 234/ 2 من قانون العقوبات رغم أن ما أسند إلى الطاعن من أفعال لا يتجاوز الاشتراك في الجريمة مما كان يوجب معاملته بمقتضى المادة 235 من ذات القانون التي تنص على عقوبة مخففة بالنسبة للشريك والنزول بالعقوبة إلى السجن في حدود ما ترسمه المادة 17 من قانون العقوبات التي أعملتها المحكمة فضلاً عن عدم توافر ظرف الاقتران الأمر الذي يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما مؤداه أن المجني عليه قضي بإدانته وإلزامه بالتعويض في جناية إحداث عاهة بقريب المتهمين الثلاثة الأول أدت إلى إصابته بالشلل وبعد تنفيذه العقوبة والإفراج عنه ماطل في أداء التعويض مما أوغر صدر هؤلاء المتهمين نحوه فاتفق المتهمان الأول (الطاعن الأول) والثاني على قتله وتنفيذاً لهذا الاتفاق ومنذ ستة أشهر سابقة على الحادث توجها إلى بلدة المتهمين الرابع والسادس وعرضا عليهما ما عقدا العزم عليه فقبلا المساهمة معهما في الجريمة ثم اتفقا بدورهما مع قريبهما المتهم الثالث (الطاعن الثاني) الخفير النظامي ببلدة المجني عليه على أن يكون في انتظارهم ليراقب الطريق أثناء ارتكابهم الجريمة، وليلة الحادث توجه المتهمان الأول والثاني بسيارة أولهما إلى بلدة المتهمين الرابع والسادس وصحباهما في السيارة كما صحبهم أيضاً المتهم الخامس (الطاعن الثالث) وتوجهوا إلى بلدة المجني عليه وترجل المتهمون الرابع والخامس والسادس من السيارة وكان الرابع يحمل بندقية والسادس مرتدياً زياً عسكرياً وكان المتهم الثالث في انتظارهم تاركاً منطقة حراسته لهذا الغرض ورافقهم إلى قرب منزل المجني عليه ثم انتظر لتأمين الطريق بينما اتجه هؤلاء إلى المنزل وطرقوا بابه فترددت والدة المجني عليه في فتحه وعندما استيقظ المجني عليه وفتح لهم صفعه أحدهم بدعوى أنه هارب من الخدمة العسكرية وأن أخاه اختلس أموالاً أميرية وعاثوا في المنزل تفتيشاً حتى عثروا على مبلغ 53 جنيه وعندما حاولت والدة المجني عليه استرداد النقود منهم دفعها أحدهم بقبضة يده وقبض على المجني عليه أمام والديه واقتادوه خارج المنزل فتبعتهم والدته حتى غابوا عن بصرها في الظلام ووصلوا به إلى مكان السيارة التي كان ينتظر فيها المتهمان الأول والثاني بجوار شاطئ ترعة وهناك أكملوا خطتهم بأن انهال عليه اثنان منهم ضرباً بأجسام صلبة راضة على مؤخرة رأسه وكتفيه وظهره حتى فقد وعيه ثم ألقوا به في مياه الترعة وضغط أحدهم على كتفيه حتى توفى بأسفكسيا الغرق. وأورد الحكم على ثبوت هذه الواقعة في حق الطاعن والمحكوم عليهم الآخرين أدلة مستمدة من أقوال شهود الإثبات ومن اعتراف المتهمين الأول (الطاعن الأول) والثاني والرابع والخامس (الطاعن الثالث) والسادس من أقوال المتهم الثالث (الطاعن الثاني) ومن تحريات الشرطة ومن تقرير الصفة التشريحية وهي أدلة سائغة تتوافر بها كافة العناصر القانونية للجرائم التي دان الطاعنين بها وتؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، وكان الحكم قد استظهر نية القتل في قوله "وتستخلص المحكمة هذه النية من أن المتهمين في قبضهم على المجني عليه من منزله لا يمكن أن يكون لمجرد ضربه ضرباً يعجزه لأن ذلك كان ميسوراً لمن دخلوا المنزل منهم بحجة أنهم من رجال المباحث ثم اقتياده إلى شاطئ ترعة النعناعية حيث انهال عليه اثنان منهم بالضرب على مؤخرة رأسه وكتفيه وظهره بأجسام صلبة راضة حتى فقد الوعي ثم ألقوه في الترعة وضغط أحدهم على كتفيه حتى مات بأسفكسيا الغرق مما يقطع بتوافر نية إزهاق الروح". كما نقل الحكم عن تقرير الصفة التشريحية بما له أصله الثابت من الأوراق - على ما يبين من المفردات المضمومة - أن المجني عليه مصاب بجرح رضي بيمين مؤخر الرأس خلف الأذن اليمنى ومثله بمؤخر الرأس خلف الأذن اليسرى وانسكابات دموية غزيرة بأعلى الظهر والكتفين الأيمن والأيسر ويجوز حدوث هذه الإصابات من أجسام صلبة راضة أياً كان نوعها وأن من شأنها أن تؤثر على درجة الوعي أو تفقد المجني عليه الوعي كما أن من شأنها مع الوجود في وسط مائي أن يحدث الغرق وأن الوفاة حدثت نتيجة أسفكسيا الغرق الذي ساهمت فيه هذه الإصابات. ولما كان من المقرر أن قصد القتل أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه فإن استخلاص هذه النية من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية، وإذ ما كان الحكم المطعون فيه قد ساق على قيام هذه النية تدليلاً سائغاً واضحاً في إثبات توافرها لدى الطاعن على ما تقدم وكان الحكم لم يقتصر في استظهار نية القتل على الاستدلال بالإصابات التي أحدثها الجناة بالمجني عليه - كما يدعي الطاعن في طعنه - بل ومن تغريقه في مياه الترعة والضغط على كتفيه حتى توفى نتيجة أسفكسيا الغرق وبما لا يتعارض مع ما نقله عن تقرير الصفة التشريحية على النحو السالف ذكره وهو استخلاص سائغ لا تناقض فيه فإن قالة التناقض والتخاذل تنحسر عن الحكم المطعون فيه لما هو مقرر من أن التناقض الذي يعيب الحكم ويبطله هو الذي يقع بين أسبابه بحيث ينفي بعضها ما أثبته البعض الآخر ولا يعرف أي الأمرين قصدته المحكمة ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم في شأن استدلاله على توافر نية القتل يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن علاقة السببية في المواد الجنائية علاقة مادية تبدأ بالفعل الذي اقترفه الجاني وترتبط من الناحية المعنوية بما يجب عليه أن يتوقعه من النتائج المألوفة لفعله إذا ما أتاه عمداً وهذه العلاقة مسألة موضوعية ينفرد قاضي الموضوع بتقديرها ومتى فصل فيها إثباتاً أو نفياً فلا رقابة لمحكمة النقض عليه ما دام قد أقام قضاءه في ذلك على أسباب تؤدي إلى ما انتهى إليه، وإذ كان الواضح من مدونات الحكم أنه استظهر علاقة السببية بين إصابات المجني عليه التي أورد تفصيلها عن تقرير الصفة التشريحية وفعل التغريق الذي قارفه الجناة بدفع المجني عليه في مياه الترعة بعد إحداث إصاباته والضغط على كتفيه وبين وفاته فأورد من واقع ذلك التقرير أن حدوث هذه الإصابات بالمجني عليه تؤثر على درجة الوعي لديه أو تفقده الوعي ومن شأنها مع الوجود في وسط مائي أن يحدث الغرق وأن الوفاة نشأت عن أسفكسيا الغرق الذي ساهمت فيه هذه الإصابات فإنه ينحسر عن الحكم ما يثيره الطاعن من قصور في هذا الصدد، أما ما يثيره الطاعن في خصوص اعتماد الحكم على تقرير الصفة التشريحية مع أنه بني على الترجيح لا القطع في خصوص إسهام الإصابات في حدوث الغرق ففضلاً عن أن الطبيب الشرعي قد قطع بذلك في تقريره - على ما يبين من المفردات - فهو مردود بأن الأصل أن لمحكمة الموضوع أن تجزم بما لم يجزم به الخبير في تقريره متى كانت وقائع الدعوى قد أيدت ذلك عندها وأكدته لديها - كما هو واقع الحال في الدعوى المطروحة - ومن ثم فإن النعي على الحكم في هذا الخصوص لا يكون سديداً. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد دلل على ثبوت ظرف سبق الإصرار بما ينتجه من وجوه الأدلة السائغة بما لا مطعن عليه من الطاعن، وإذ كان من المقرر أن مجرد إثبات ظرف سبق الإصرار على المتهمين يلزم عنه الاشتراك بالاتفاق بالنسبة لمن لم يقارف الجريمة بنفسه من المصرين عليها وليست المحكمة ملزمة ببيان وقائع خاصة لإفادة الاتفاق غير ما تبينته من الوقائع المفيدة لسبق الإصرار، وكان الحكم قد أثبت تصميم المتهمين على قتل المجني عليه فإن ذلك يرتب تضامناً في المسئولية يستوي في ذلك أن يكون الفعل الذي قارفه كل منهم محدداً بالذات أو غير محدد وبصرف النظر عن مدى مساهمة هذا الفعل في النتيجة المترتبة عليه، هذا إلى أن ما أثبته الحكم كاف بذاته للتدليل على اتفاق الطاعن مع الطاعنين الثاني والثالث والمتهمين الآخرين - المحكوم عليهم غيابياً - على قتل المجني عليه من معيتهم في الزمان والمكان ونوع الصلة بينهم وصدور الجريمة عن باعث واحد واتجاههم وجهة واحدة في تنفيذها وأن كلاً منهم قصَد قصْد الآخر في إيقاعها بالإضافة إلى وحدة الحق المعتدى عليه ومن ثم يصح طبقاً للمادة 39 من قانون العقوبات اعتبار الطاعن فاعلاًً أصلياً في جريمة القتل العمد المقترن التي وقعت تنفيذاً لذلك التصميم أو هذا الاتفاق، وفضلاً عن ذلك فإنه لما كانت العقوبة المقضى بها على الطاعن - وهي الأشغال الشاقة المؤبدة - تدخل في نطاق العقوبة المقررة لجريمة الاشتراك في جناية القتل العمد مع سبق الإصرار مجردة من ظرف الاقتران فإن مجادلته فيما أثبته الحكم من وصف الجريمة بالنسبة له باعتباره فاعلاً أصلياً ونعيه على الحكم لعدم توافر ظرف الاقتران لا يكون له محل ولا مصلحة له منه، ولا يغير من ذلك القول بأن المحكمة قد أخذته بالرأفة وأنها كانت عند تقدير هذه العقوبة تحت تأثير الوصف الذي أعطته للواقعة بالنسبة له إذ أن تقدير المحكمة للعقوبة مرده ذات الواقعة الجنائية التي قارفها الجاني وما أحاط بها من ظروف لا الوصف القانوني الذي تعطيه المحكمة لها ومن ثم فإن النعي على الحكم المطعون فيه بدعوى الخطأ في تطبيق القانون يكون غير سديد. لما كان ما تقدم، فإن هذا الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
ثانياً: عن الطعن المقدم من الطاعنين الثاني والثالث:
وحيث إن مبنى الطعن المقدم من الطاعنين الثاني والثالث هو أن الحكم المطعون فيه إذ دانهما بجناية القتل العمد مع سبق الإصرار المقترن بجنايتي سرقة بإكراه وقبض بدون وجه حق وبجناية إحراز سلاح ناري غير مششخن بغير ترخيص قد شابه الخطأ في الإسناد والقصور في التسبيب وانطوى على الفساد في الاستدلال والخطأ في تطبيق القانون ذلك بأنه نسب إلى اعتراف الطاعن الأول والمتهمين الثاني والرابع والسادس - على خلاف الثابت بالأوراق أن الطاعن الثاني كان في انتظارهم ورافق المتهمين الرابع والسادس والطاعن الثالث في طريقهم إلى مسكن المجني عليه وانتظرهم في الخارج لمراقبة الطريق وأنهم صحبوا معهم الطاعن الثالث في طريقهم إلى مكان الحادث لذات الغرض الذي اتفقوا عليه، كما أسند إلى الطاعن الثالث اعترافه بمصاحبة المتهمين الأربعة سالفي الذكر في سيارة الطاعن الأول إلى بلدة المجني عليه وأنه دخل معهم منزل المجني عليه بدعوى أنهم من رجال المباحث واستولى من المنزل على مبلغ 53 ج ثم اقتادوا المجني عليه بعد القبض عليه إلى حيث تمت جريمة قتله رغم خلو اعترافه من ذلك، هذا إلى أن الطاعنين دفعا ببطلان هذه الاعترافات لصدورها تحت تأثير الإكراه والتعذيب من رجال الشرطة بدلالة وفاة المتهم "......" نتيجة التعذيب وقد أطرح الحكم هذا الدفاع قولاً منه بأن وفاته كانت طبيعية بعد إصابته بالإغماء أمام وكيل النيابة المحقق مع أن الثابت في الأوراق أن هذا المتهم لم يمثل أمام وكيل النيابة لإصابته بالإغماء أمام ضابط المباحث الذي قام بنقله إلى المستشفى، وفضلاً عن ذلك فإن ما أورده، الحكم بياناً لنية القتل وظرف سبق الإصرار لا يكفي لاستظهارهما والاستدلال على توافرهما في حق الطاعنين وقد عاقبهما الحكم باعتبارهما فاعلين أصليين في جريمة القتل العمد رغم أنه لم يحدد المتهمين الذين قاموا بالاعتداء على المجني عليه بالضرب وتغريقه في المياه ولم ينسب إلى الطاعنين المساهمة في هذه الأفعال، كل ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من الاطلاع على المفردات المضمومة أن ما حصله الحكم من اعتراف الطاعنين الأول والثالث والمتهمين الثاني والرابع والسادس المحكوم عليهم غيابياً له صداه وأصله الثابت في الأوراق فإن ما ينعاه الطاعنان على الحكم بدعوى الخطأ في الإسناد لا يكون له محل بما تنحل معه منازعتهما في سلامة استخلاص الحكم لأدلة الإدانة في الدعوى إلى جدل موضوعي حول تقدير المحكمة للأدلة القائمة في الدعوى ومصادرتها في عقيدتها وهو ما لا تقبل إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض لما دفع به الطاعنان من بطلان اعتراف المتهمين لأنه وليد إكراه وتعذيب بدلالة وفاة أحد المتهمين نتيجة التعذيب ورد عليه بقوله "وتشيح المحكمة عن هذا الدفاع جملة وتفصيلاً إذ الثابت أن...... أصيب بالإغماء أمام وكيل النيابة المحقق بجلسة 25 - 5 - 1980 فنقل إلى المستشفى للعلاج حيث وافاه أجله في يوم 30 - 5 - 1980 فكلفت النيابة لجنة من أطباء مستشفى منوف العام بكتابة تقرير مطول عن سبب الوفاة وقد انتهت هذه اللجنة إلى أن الوفاة طبيعية نتيجة المرض من ضغط الدم وأن السحجة المستديرة وقطرها أقل من نصف سنتيمتر بأسفل ساقه اليمنى مغطاة بقشرة ومضى عليها أكثر من عشرة أيام وتحدث من الارتطام بجسم صلب وقد انتهى الطبيب الشرعي في تقريره المؤرخ 30 - 6 - 80 إلى ما يؤيد رأي اللجنة الطبية عن الإصابة بالساق اليمنى - السحج - وأن وفاته نتيجة ارتفاع شديد مفاجئ في ضغط الدم وما صاحب ذلك من نزيف على سطح المخ وساعدت على ذلك حالة المتوفى المرضية المزمنة الموصوفة بالقلب والرئتين، فالاستدلال على أن أقوال المتهمين لم تكن وليدة إرادة حرة بوفاة المذكور يكون استدلال غير صحيح بعد إجماع رأي أهل الخبرة على أن الوفاة طبيعية نتيجة حالة مرضية مزمنة وصفها الطبيب الشرعي تفصيلاً بتقرير الصفة التشريحية وقد أصابت النيابة العامة فيما فعلت فسدت بذلك على المتهمين كل ذريعة لهم في هذا الخصوص، وليس أدل على أن أقوال المتهمين كانت وليدة إرادة حرة أن بعض من اعترف منهم قد جاهد في تخفيف مسئوليته ملقياً بعبء الجرم على الآخرين في حين لاذ البعض بالإنكار التام عن نفسه وليس هذا شأن من يكون واقعاً تحت إكراه، وكان خير شاهد على هذا هو عدم تطابق أقوالهم ولو كانت بإملاء رجال المباحث كما زعم المتهمون لكانت أقرب إلى التطابق لاتحاد مصدرها ولهذا كله ولاطمئنان المحكمة إلى أدلة الثبوت السابق سردها يكون دفاع المتهمين منهاراً من أساسه" ولما كان الطاعنان لا يماريان في صحة ما نقله الحكم عن التقارير الفنية في معرض رده على دفاعهما، وكان هذا الذي رد به الحكم على ما أثير بشأن تعييب اعتراف المتهمين سائغاً في تفنيده وفي نفي أية صلة له بأي نوع من الإكراه، وكان من المقرر أن الاعتراف في المواد الجنائية هو من العناصر التي تمتلك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات فلها بهذه المثابة أن تقرر عدم صحة ما يدعيه المتهم من أن الاعتراف المعزو إليه أو إلى غيره من المتهمين قد انتزع منهم بطريق الإكراه بغير معقب عليها ما دامت تقيم تقديرها على أسباب سائغة - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - فإن تعييب الحكم في هذا الخصوص يكون في غير محله. ولا يقدح في سلامة الحكم في هذا الصدد ما أورده من أن المتهم المتوفى قد أصيب بالإغماء أمام وكيل النيابة في حين أن الثابت - على ما يبين من المفردات - أنه أصيب بالإغماء أمام المقدم "......" رئيس المباحث عقب القبض عليه فقام بنقله إلى المستشفى وأثبت هذه الواقعة في محضره المؤرخ 25 - 5 - 1980 وقام بعرضه على النيابة في ذات التاريخ، فإنه مع التسليم بأن الأمور جرت بداية ومآلاً على هذا النحو فإنها ليست بذات أثر على جوهر الواقعة التي اقتنعت بها المحكمة وهي أن هذا المتهم قد أصيب بالإغماء ونقل إلى المستشفى وتوفى بها وفاة طبيعية نتيجة حالته المرضية يستوي في هذا المقام أن يكون قد أصيب بالإغماء أمام وكيل النيابة أو الضابط وأن يقوم هذا الأخير بنقله إلى المستشفى تلقائياً أو تنفيذاً لأمر النيابة ومن ثم فإن دعوى الخطأ في الإسناد في هذا الصدد لا تكون مقبولة لما هو مقرر من أنه لا يعيب الحكم الخطأ في الإسناد طالما لم يتناول من الأدلة ما يؤثر في عقيدة المحكمة. لما كان ذلك, وكان ما يعيبه الطاعنان في شأن تدليل الحكم على نية القتل قد سبق الرد عليه لدى بحث أوجه الطعن المقدم من الطاعن الأول فإن النعي على الحكم في هذا الصدد بالقصور أو الفساد في الاستدلال يكون غير سديد. لما كان ذلك وكان الحكم قد عرض لظرف سبق الإصرار وأثبته في حق الطاعنين والمتهمين الآخرين في قوله "الثابت مما تقدم أن الجناة قد انتهوا بتفكير هادئ إلى الخطة السابقة بعد بيانها من انتحال صفة رجال المباحث لاقتحام منزل المجني عليه للقبض عليه واقتياده إلى حيث يزهقون روحه انتقاماً منه لما صار إليه أمر خال أولهم وقريب الثاني والثالث منهم المدعو...... الذي كان قد أدين المجني عليه بإحداث عاهته التي ألزمته الفراش ومماطلة المجني عليه في أداء ما قضي به عليه من تعويض مما جعل الجانيان الأول والثاني يترددان على زميلاهما الرابع والسادس ببلدتهما أكثر من مرة لتنفيذ ما عقدوا العزم عليه من شهور عدة سابقة على يوم الحادث ولا يقدح في توفر سبق الإصرار في حق الجانبين الثالث والخامس (الطاعنين الثاني والثالث) أن هذا الخامس لم يعلم بالجريمة إلا والسيارة تقل الجناة إلى مسرح الجريمة بل إن هذا يدل على أنه إذ وافق عليها وشارك في تنفيذها كان بعيداً كل البعد عن ثورة الانفعال هادئ النفس وأعمل فكره في روية وانتهى به الأمر إلى المشاركة في التنفيذ، والأمر كذلك بالنسبة للخفير النظامي ثالث الجناة الذي كان في استقبال الجناة وأرشد من توجه منهم إلى منزل المجني عليه وظل يرقب لهم الطريق تنفيذاً للمخطط الإجرامي المعد من قبل ولم يعد إلى منطقة حراسته إلا بعد أن انتهت المأمورية التي كان مكلفاً بها بعد قتل المجني عليه وانصراف باقي الجناة". ولما كان من المقرر أن سبق الإصرار حالة ذهنية تقوم في نفس الجاني قد لا يكون لها في الخارج أثر محسوس يدل عليها مباشرة وإنما هي تستفاد من وقائع وظروف خارجية يستخلصها القاضي منها استخلاصاً ما دام موجب هذه الوقائع والظروف لا يتنافر عقلاً مع هذا الاستنتاج، وليست العبرة في توافر ظرف سبق الإصرار بمضي الزمن لذاته بين التصميم على الجريمة ووقوعها - طال هذا الزمن أو قصر - بل العبرة هي بما يقع في ذلك الزمن من التفكير والتدبير، فما دام الجاني انتهى بتفكيره إلى خطة معينة رسمها لنفسه قبل تنفيذ الجريمة كان ظرف سبق الإصرار متوافراً ولا تقبل المنازعة فيه أمام محكمة النقض، وإذا كان ما أورده الحكم فيما سلف سائغاً وسديداً ويستقيم به التدليل على تحقق قيام ظرف سبق الإصرار في حق الطاعنين كما هو معرف به في القانون وهو ما يرتب بينهما وبين من أسهموا في ارتكاب الفعل تضامناً في المسئولية يستوي في ذلك أن يكون الفعل الذي قارفه كل منهم محدداً بالذات أو غير محدد وبصرف النظر عن مدى مساهمة هذا الفعل في النتيجة المترتبة عليه إذ يكفي ظهورهم معاً على مسرح الجريمة وقت ارتكابها وإسهامهم في الاعتداء على المجني عليه فإذا ما أخذت المحكمة الطاعنين عن النتيجة التي لحقت بالمجني عليه تنفيذاً لهذا القصد والتصميم الذي انتوياه دون تحديد لفعلهما وفعل من كانوا معهما ومحدث الإصابات وفعل التغريق الذي أدى إلى وفاته بناء على ما اقتنعت به للأسباب السائغة التي أوردتها من أن تدبيرهما للجريمة قد أنتج النتيجة التي قصدا إحداثها وهي الوفاة فإن ما يثيره الطاعنان بشأن عدم تحديد الحكم من قام من المتهمين بالاعتداء على المجني عليه بالضرب وإغراقه في المياه وعدم إشارته إلى مساهمة الطاعنين بنصيب قل أو أوفى في هذه الأفعال يكون غير سديد. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.

الطعن 5124 لسنة 52 ق جلسة 14 / 4 / 1983 مكتب فني 34 ق 106 ص 515

جلسة 14 من إبريل سنة 1983

برئاسة السيد المستشار/ حسن جمعه نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: أحمد أبو زيد، محمد نجيب صالح، عوض جادو ومصطفى طاهر.

--------------

(106)
الطعن رقم 5124 لسنة 52 القضائية

 (1)دستور. شريعة إسلامية "تطبيقها".
النص في المادة الثانية من الدستور أن الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع. دعوة للشارع بالتزام ذلك فيما يستنه من قوانين.
تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية. منوط باستجابة الشارع لدعوة الدستور وإفراغ أحكامها في نصوص تشريعية محددة ومنضبطة تنقلها إلى مجال التنفيذ.
 (2)إثبات "بوجه عام" "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
حق القاضي الجنائي في تكوين عقيدته من أي دليل يطمئن إليه.
تقدير أقوال الشهود. موضوعي.
تأخر الشاهد في الإدلاء بشهادته. لا يمنع المحكمة من الأخذ بها.
(3) حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". إثبات "بوجه عام".
الخطأ في مصدر الدليل. لا يضيع أثره.
(4) نقض "أسباب الطعن. تحديدها". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
وجه الطعن يجب لقبوله أن يكون واضحاً محدداً.
 (5)قتل عمد. إثبات "شهود" "خبرة". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تطابق أقوال الشهود مع مضمون الدليل الفني. غير لازم. كفاية أن يكون الدليل القولي غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق.
 (6)قتل عمد. إثبات "شهود". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
إحالة الحكم في بيان شهادة الشهود إلى ما أورده من أقوال أحدهم. لا يعيبه ما دامت أقوالهم متفقة مع ما استند إليه الحكم منها.
حسب المحكمة أن تورد من أقوال الشهود ما تطمئن إليه.
 (7)إثبات "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
كفاية إيراد مضمون أقوال الشاهد.
 (8)إثبات "بوجه عام".
الأدلة في المواد الجنائية. ضمائم متساندة. مناقشتها فرادى. غير جائزة.
(9) إثبات "بوجه عام". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
بلاغ الواقعة. لا عبرة بما اشتمل عليه. العبرة بما اطمأنت إليه المحكمة مستخلصاً من التحقيقات.
(10) قتل عمد. قصد جنائي. إثبات "بوجه عام". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
قصد القتل. أمر خفي. استظهاره. موضوعي.
(11)قتل عمد. مسئولية جنائية. قصد جنائي. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
جريمة القتل العمد لا تتطلب سوى ارتكاب فعل على المجني عليه يؤدي بطبيعته إلى وفاته بنية قتله.
مساءلة المتهم عن جريمة القتل العمد سواء أكانت الوفاة حصلت من إصابة وقعت في مقتل أو من إصابة وقعت في غير مقتل.
 (12)قتل عمد. مسئولية جنائية. قصد جنائي. إثبات "بوجه عام".
لا يقيد المحكمة في استخلاصها نية القتل ما ذكره شهود الإثبات بخصوصها.
(13) سبق إصرار. ترصد. ظروف مشددة. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
سبق الإصرار. تعريفه؟ استخلاص القاضي له من وقائع خارجية.
الترصد. ما يكفي لتحققه؟
البحث في توافر ظرفي سبق الإصرار والترصد من إطلاقات قاضي الموضوع يستنتجه من ظروف الدعوى وعناصرها.
 (14)إثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
الدليل في المواد الجنائية لا يشترط فيه أن يكون صريحاً ودالاً مباشرة على الواقعة المراد إثباتها. يكفي أن يكون استخلاص ثبوتها منه عن طريق الاستنتاج مما يتكشف من الظروف والقرائن وترتيب النتائج على المقدمات.
(15) عقوبة "العقوبة المبررة". طعن "المصلحة في الطعن". قتل عمد. اشتراك.
لا مصلحة للطاعنين من إثارة الجدل حول عدم توافر ظرفي سبق الإصرار والترصد في حقهم. ما دام الحكم قد أوقع عليهم العقوبة المقررة لجريمة القتل العمد مجردة من هذين الظرفين بعد أن أثبت اتفاقهم على ارتكاب الفعل ومقارفتهم له.
(16) محكمة الموضوع "حقها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". إثبات "بوجه عام" "شهود".
استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى. موضوعي.
(17) حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". قتل عمد.
لا حاجة بالحكم إلى التعرض لإصابات لم تكن محل اتهام ولم ترفع بشأنها دعوى.
 (18)حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". إثبات "بوجه عام". قتل عمد.
تحديد وقت وقوع الحادث لا تأثير له في ثبوت الواقعة ما دامت المحكمة قد أطمأنت بالأدلة التي ساقتها من حصولها من الطاعن.
 (19)إثبات "بوجه عام" "خبرة". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من مطاعن. مرجعه إلى محكمة الموضوع.

-----------------
1 - لما كان ما نص عليه الدستور في المادة الثانية منه أن مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع ليس واجب الإعمال بذاته وإنما هو دعوة للشارع كي يتخذ الشريعة الإسلامية مصدراً رئيسياً فيما يستنه من قوانين ومن ثم فإن أحكام تلك الشريعة لا تكون واجبة التطبيق بالتعويل على نص الدستور المشار إليه إلا إذا استجاب الشارع لدعوته وأفرغ هذه الأحكام في نصوص تشريعية محددة ومنضبطة تنقلها إلى مجال العمل والتنفيذ وبالتالي فإنه لا مجال للتحدي بأحكام الشريعة الإسلامية ما دام أن السلطة التشريعية لم تفرغ مبادئها في تشريع وضعي.
2 - لما كان الشارع لم يقيد القاضي الجنائي في المحاكمات الجنائية بدليل معين إلا إذا نص على ذلك بالنسبة لجرائم معينة - وإنما ترك حرية تكوين عقيدته من أي دليل يطمئن إليه مادام أن له مأخذه من الأوراق، وكان وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها الشهادة متروك لتقدير محكمة الموضوع ومتى أخذت بشهادة شاهد فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، كما أن تأخر الشاهد في أداء شهادته لا يمنع المحكمة من الأخذ بأقواله ما دامت قد اطمأنت إليها ذلك أن تقدير الدليل من سلطة محكمة الموضوع ومن ثم فإن تعويل الحكم المطعون فيه على شهادة المجني عليه الثالث في قضائه بالإدانة بعد أن أفصحت المحكمة عن اطمئنانها إلى شهادته وأنها كانت على بينة بالظروف التي أحاطت بشهادته يكون مبرءاً من مخالفة القانون وينحل نعي الطاعنين في هذا الصدد إلى جدل في تقدير الدليل مما تستقل به محكمة الموضوع بغير معقب.
3 - لما كان يبين من المفردات المضمومة تحقيقاً للطعن أن ما أورده الحكم من أقوال المجني عليه الثالث له مأخذه الصحيح من التحقيقات - وهو ما لا ينازع فيه الطاعنين - وكان لا ينال من سلامة الحكم أن ينسب أقوال الشاهد إلى التحقيق الابتدائي وجلسة المحاكمة رغم خلو أقواله بالجلسة من أن الطاعنين الأول والثاني تقدما الباقين مرتدين زياً عسكرياً، إذ أن الخطأ في مصدر الدليل لا يضيع أثره فإن النعي على الحكم بالخطأ في الإسناد يكون غير سديد.
4 - لما كان يتعين لقبول وجه الطعن أن يكون واضحاً محدداً مبيناً به ما يرمي إليه مقدمه حتى يتضح مدى أهميته في الدعوى المطروحة وكونه منتجاً مما تلتزم محكمة الموضوع بالتصدي إيراداً له ورداً عليه، وكان الطاعنون لم يكشفوا بأسباب الطعن عن أوجه التناقض بين أقوال المجني عليه الثالث والشاهد "......" والتضارب فيها بل ساقوا قولهم مرسلاً مجهلاً فضلاً عما هو مقرر من أنه لا يقدح في سلامة الحكم عدم اتفاق أقوال شهود الإثبات في بعض تفاصيلها ما دام الثابت أنه حصل أقوالهم بما لا تناقض فيه ولم يورد تلك التفصيلات أو يركن إليها في تكوين عقيدته - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - فإن النعي على الحكم في هذا المقام فضلاًً عن عدم قبوله يكون غير سديد.
5 - لما كان قضاء هذه المحكمة قد استقر على أن الأصل أنه ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفني بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي - كما أخذت به المحكمة - غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق، وكان الحكم المطعون فيه لم يحصل من أقوال المجني عليه الثالث أن الأرض مستوية بمكان الحادث بل أورد من أقواله أن عميه المجني عليهما الأولين كانا جالسين "على مصطبة" بينما كان هو جالساً على مقعد يتناولون جميعاً طعام الإفطار وأثناء ذلك دخل عليهم الطاعنون حاملين بنادق سريعة الطلقات وما أن اقتربوا منهم إلى مسافة أربعة أمتار حتى أطلقوا عليهم أعيرة نارية أصابت عميه كما أصابته إحداها في ساقه اليمنى فسارع بالهرب بينما استمر الطاعنون في إطلاق الأعيرة على عميه، ونقل عن التقرير الطبي الشرعي الموقع عليه أن إصابته بالساق اليمنى نارية تنشأ من عيار ناري معمر بمقذوف مفرد يتعذر تحديد نوعه لعدم استقراره وأطلق من مسافة جاوزت مدى الإطلاق القريب ويمكن حدوثها وفق التصوير الوارد بأقواله وفي تاريخ يتفق وتاريخ الحادث ومن كل من البندقية الروسي المضبوطة وأي من الطلقات والمقذوفين من عيارهما وأيضاً من أي من البندقيتين أللي أنفليد المضبوطتين وكذا من أي الطلقات التشيكي والألماني، وإذا كان ما أورده الحكم من أقوال المجني عليه المذكور لا يتعارض بل يتلاءم مع ما نقله عن الدليل الفني فيما تقدم فإن ما يثيره الطاعنون من قالة جمع الحكم بين دليلين متناقضين يكون على غير أساس.
6 - لما كان من المقرر أنه لا يعيب الحكم أن يحيل في بيان شهادة الشهود إلى ما أورده من أقوال شاهد آخر ما دامت أقوالهم متفقة مع ما استند إليه الحكم منها، وكان من المقرر كذلك أن محكمة الموضوع غير ملزمة بسرد روايات كل الشهود - إن تعددت - وبيان وجه أخذها بما اقتنعت به بل حسبها أن تورد منها ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه، وإذا كان الطاعنون لا يجادلون في أن أقوال الشاهدين..... و...... متفقة في جملتها مع ما استند إليه الحكم منها في الواقعة الجوهرية المشهود عليها وهي مشاهدتهما الطاعنين حاملين أسلحتهم متجهين بها صوب مكان جلوس المجني عليهم ثم سماعهما صوت الأعيرة النارية فلا يؤثر في سلامة الحكم اختلاف أقوالهما في غير ذلك إذ أن مفاد إحالة الحكم في بيان أقوال ثانيهما إلى ما حصله من أقوال أولهما فيما اتفقا فيه أنه لم يستند في قضائه إلى ما اختلفا فيه من أقوال طالما أن من حق محكمة الموضوع تجزئة أقوال الشاهد والأخذ منها بما تطمئن إليه وإطراح ما عداه دون أن يعد هذا تناقضاً في حكمها ومن ثم فإن النعي على الحكم في هذا الصدد لا يكون له محل.
7 - لما كان من المقرر أنه لا يلزم قانوناً إيراد النص الكامل لأقوال الشاهد الذي اعتمد عليها الحكم بل يكفي أن يورد مضمونها ولا يقبل النعي على المحكمة إسقاطها بعض أقوال الشاهد لأن فيما أوردته منها وعولت عليه ما يعني أنها أطرحت ما لم تشر إليه منها لما للمحكمة من حرية في تجزئة الدليل والأخذ منه بما ترتاح إليه والالتفات عما لا ترى الأخذ به ما دام أنها قد أحاطت بأقوال الشاهد ومارست سلطتها في تجزئتها بغير بتر لفحواها أو مسخ لها بما يحيلها عن معناها أو يحرفها عن مواضعها - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعنون على الحكم من إغفاله تحصيل بعض أقوال الشاهدين..... و..... في شأن وصف الملابس التي كان يرتديها الطاعنون وكيفية مشاهدة الثاني لبعضهم لا يكون له محل.
8 - لما كان من المقرر أنه لا يلزم في الأدلة التي يعتمد عليها الحكم أن ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى، لأن الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي ومن ثم فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصد منها الحكم ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه فإن ما يثيره الطاعنون في شأن استناد الحكم إلى أقوال شهود الإثبات رغم أن شهادة كل منهم لا تفيد بذاتها تدليلاً على مقارفتهم الجريمة لا يكون مقبولاً.
9 - لما كان ما يثيره الطاعنون في شأن عدم اشتمال التبليغ عن الحادث على أسماء الجناة مردوداً بما هو مقرر من أنه لا عبرة بما اشتمل عليه بلاغ الواقعة وإنما العبرة بما اطمأنت إليه المحكمة مما استخلصته من التحقيقات فإن النعي على الحكم في هذا الخصوص ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير المحكمة لأدلة الدعوى ومصادرة لها في عقيدتها مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض.
10 - من المقرر أن قصد القتل أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه فإن استخلاص هذه النية من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية.
11 - جريمة القتل العمد لا تتطلب سوى ارتكاب فعل على المجني عليه بنية قتله يؤدي بطبيعته إلى وفاته سواء أكانت الوفاة حصلت من إصابة وقعت في مقتل أم من إصابة وقعت في غير مقتل ما دامت الوفاة نتيجة مباشرة للجريمة ومتى بين الحكم جريمة القتل من ثبوت نية القتل واستعمال أسلحة نارية قاتلة بطبيعتها وحدوث الوفاة من الإصابات النارية فلا يعيبه عدم بيان الإصابات الواقعة في مقتل وتلك الواقعة في غير مقتل ما دام أنه بينها جميعاً - كما هو الحال في الدعوى الماثلة - ونسب حدوثها إلى الطاعنين جميعاً دون غيرهم.
12 - قول المجني عليه الثالث بجلسة المحاكمة أن الطاعنين استهدفوا عميه بإطلاق النار عليهما أو أنه نفى في التحقيقات قصد قتله - كما يثير الطاعنين في طعنهم - فإن هذا القول لا يقيد حرية المحكمة في استخلاص قصد القتل بالنسبة له من كافة ظروف الدعوى وملابساتها ولأن ما أورده الحكم بياناً لنية القتل وتوافرها لدى الطاعنين بالنسبة لجريمة قتل المجني عليهما الأولين ينعطف حكمه بطريق اللزوم إلى جريمة الشروع في قتل المجني عليه الثالث ومن ثم فإن كل ما يثيره الطاعنون حول تعييب الحكم في بيانه لنية القتل يكون غير سديد.
13 - من المقرر أن سبق الإصرار حالة ذهنية تقوم بنفس الجاني فلا يستطيع أحد أن يشهد بها مباشرة بل تستفاد من وقائع خارجية يستخلصها القاضي منها استخلاصاً، وكان يكفي لتحقيق ظرف الترصد مجرد تربص الجاني للمجني عليه مدة من الزمن طالت أو قصرت من مكان يتوقع قدومه إليه أو وجوده به ليتوصل بذلك إلى مفاجأته والاعتداء عليه، وكان البحث في توافر ظرف سبق الإصرار والترصد من إطلاقات قاضي الموضوع يستنتجه من ظروف الدعوى وعناصرها ما دام موجب تلك الظروف وهذه العناصر لا يتنافر عقلاً مع ذلك الاستنتاج.
14 - لا يشترط في الدليل في المواد الجنائية أن يكون صريحاً ودالاً مباشرة على الواقعة المراد إثباتها بل يكفي أن يكون استخلاص ثبوتها منه عن طريق الاستنتاج مما يتكشف من الظروف والقرائن وترتيب النتائج على المقدمات. ولما كان ما قاله الحكم في تدليله على توفر ظرفي سبق الإصرار والترصد في حق الطاعنين من علمهم باعتياد المجني عليهم الجلوس في مكان الحادث وما استطرد إليه من أنهم جاءوا المجني عليهم في هذا المكان باعثهم على القتل الأخذ بالثأر بعد أن أعملوا الفكر وأعدوا أسلحتهم وملابسهم لهذا الغرض له مأخذه من أوراق الدعوى ومستمداً مما شهد به شهود الإثبات اللذين لا يجادل الطاعنون في صحة ما حصله الحكم من أقوالهم فضلاًً عن استخلاص الحكم توافر هذين الظرفين من ظروف الدعوى وملابساتها وقرائن الأحوال فيها. وكان ما استظهره الحكم للاستدلال على هذين الظرفين من وقائع وأمارات كشفت عنهما هو مما يسوغ به هذا الاستخلاص فإن ما يثيره الطاعنون في هذا الصدد لا يكون له محل.
15 - لما كانت العقوبة الموقعة على الطاعنين - وهي الأشغال الشاقة لمدة خمس عشرة سنة - تدخل في الحدود المقررة لأي من جنايتي القتل العمد التي قارفوها مجردة من أي ظروف مشددة، وكان الحكم قد أثبت في حق الطاعنين اتفاقهم على قتل المجني عليهما الأولين وباشر كل منهم فعل القتل تنفيذاً لما اتفقوا عليه مما مقتضاه قانوناً مساءلتهم جميعاً عن جريمة القتل العمد دون حاجة إلى تعيين من منهم أحدث الإصابات القاتلة فإن مصلحتهم في إثارة الجدل حول توافر ظرفي سبق الإصرار والترصد في حقهم أو عدم توافرهما تكون منتفية.
16 - الأصل أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق.
17 - الأصل أنه متى كان الحكم قد انصب على إصابة بعينها نسب إلى المتهم إحداثها وأثبت التقرير الطبي الشرعي وجودها واطمأنت المحكمة إلى أن المتهم هو محدثها فليس به من حاجة إلى التعرض لغيرها من إصابات لم تكن محل اتهام ولم ترفع بشأنها دعوى مما لا يصح معه القول بأن سكوت الحكم عن ذكرها يرجع إلى أنه لم يفطن لها.
18 - تحديد وقت وقوع الحادث لا تأثير له في ثبوت الواقعة ما دامت المحكمة قد اطمأنت بالأدلة التي ساقتها إلى أن المجني عليه الثالث قد رأى الطاعنين وتحقق منهم وهم يطلقون الأعيرة النارية على عميه المجني عليهما الأولين وإصابته من إحداها أثناء تناولهم طعام الإفطار وإلى أن بعض شهود الإثبات قد رأوا الطاعنين وهم حاملين أسلحتهم متوجهين بها صوب مكان جلوس المجني عليهم ثم سماعهم صوت الأعيرة النارية وإلى أن البعض الآخر رأوا الطاعنين بعد ارتكاب الحادث وهم يطلقون الأعيرة النارية أثناء فرارهم وإسراع هؤلاء إلى مكان الحادث حيث شاهدوا المجني عليهما الأولين صريعين والمجني عليه الثالث مصاباً على مسافة منهما.
19 - لما كان من المقرر أن تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من مطاعن مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير شأنه في ذلك شأن سائر الأدلة، وهي غير ملزمة من بعد بإجابة طلب مناقشة الطبيب الشرعي ما دام أن الواقعة قد وضحت لديها ولم تر هي من جانبها حاجة إلى اتخاذ هذا الإجراء، وكانت المحكمة قد أقامت قضاءها على ما اقتنعت به مما حواه تقرير الصفة التشريحية بما لا يتعارض مع قالة المجني عليه الثالث من وقوع الحادث في الصباح أثناء تناول المجني عليهم طعام الإفطار فلا تثريب على المحكمة إن هي التفتت عن طلب دعوة الطبيب الشرعي لتحقيق دفاع الطاعنين المبني على المنازعة في صورة الواقعة ووقت وقوعها ما دام أنه غير منتج في نفي التهمة عنهم على ما سلف بيانه ويكون النعي على الحكم المطعون فيه بقالة الإخلال بحق الدفاع لهذا السبب في غير محله.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهم: أولاً (1) المتهمين جميعاً: قتلوا..... عمداً مع سبق الإصرار والترصد بأن بيتوا النية على قتله وعقدوا العزم على ذلك وترصدوه في المكان الذي أيقنوا تواجده به وما أن ظفروا به حتى أطلقوا عليه وابلاً من الأعيرة النارية من أسلحتهم التي أعدوها لهذا الغرض قاصدين من ذلك قتله فأحدثوا به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته واقترنت هذه الجناية بجنايتين أخريين هما أنهم في الزمان والمكان سالفي البيان قتلوا...... عمداً مع سبق الإصرار والترصد وشرعوا في قتل.... عمداً مع سبق الإصرار والترصد بأن بيتوا النية على قتلهما وأعدوا لذلك أسلحة نارية (بنادق) وترصدوهما بالمكان الذي اعتادا الجلوس به وما أن ظفروا بهما حتى أمطروهما رمياً بالأعيرة النارية قاصدين قتلهما فأحدثوا بهما الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتقرير الطبي الشرعي والتي أودت بحياة أولهما وأوقف أثر الجريمة بالنسبة لثانيهما لسبب لا دخل لإرادتهم فيه هو فراره قبل الإجهاز عليه ومداركته بالعلاج. (2): أحرزوا بغير ترخيص بنادق مششخنة وأخرى لا يجوز الترخيص بحيازتها وإحرازها (3): أحرزوا ذخائر مما تستعمل في الأسلحة النارية سالفة الذكر. (ثانياً): المتهمين الأول والثاني أيضاً: ارتديا علانية كسوة رسمية خاصة بجنود القوات المسلحة. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهم طبقاً للقيد والوصف الواردين بقرار الاتهام. فقرر ذلك. وادعى كل من..... (ابن المجني عليه الثاني) و..... (المجني عليه الثالث) مدنياً قبل المتهمين متضامنين بمبلغ مائة جنيه على سبيل التعويض المؤقت.
ومحكمة جنايات سوهاج قضت حضورياً عملاً بالمواد 45، 46، 230، 231، 232، 234/ 2، 156 من قانون العقوبات والمواد 1/ 1، 6، 26/ 2، 3، 5، 30 من القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل بالقوانين 546 لسنة 1954، 75 لسنة 1958، 26 لسنة 1978 والبند "ب" من القسم الأول والقسم الثاني من الجدول رقم 3 الملحق بالقانون الأول مع إعمال المادتين 32/ 2، 17 من قانون العقوبات بمعاقبة كل من المتهمين بالأشغال الشاقة لمدة خمس عشرة سنة عما أسند إلى كل منهم ومصادرة الأسلحة والذخائر المضبوطة وإلزامهم متضامنين بأن يؤدوا إلى كل من المدعيين بالحقوق المدنية مبلغ مائة جنيه على سبيل التعويض المؤقت.
فطعن المحكوم عليهم في هذا الحكم بطريق النقض.. إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعنين بجناية القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد المقترن بجنايتي قتل عمد وشروع فيه مع سبق الإصرار والترصد وبجنايتي إحراز أسلحة نارية مششخنة وذخائر بغير ترخيص ودان الأول والثاني بجريمة لبس كسوة رسمية خاصة بجنود القوات المسلحة قد خالف القانون وشابه قصور في التسبيب وفساد في الاستدلال وانطوى على خطأ في الإسناد وإخلال بحق الدفاع ذلك بأنه عول في قضائه على شهادة المجني عليه الثالث "......" رغم أنها جاءت متأخرة وهي شهادة منه لنفسه فلا تكون مقبولة شرعاً لمخالفتها مبادئ الشريعة الإسلامية الصريحة في عدم قبول الشهادة المتأخرة ومن يجر لنفسه مغنماً وبالتالي مخالفة الحكم للدستور الذي يقضي في مادته الثانية بأن مبادئ الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع، كما استند الحكم إلى ما شهد به هذا الشاهد في التحقيقات، وبالجلسة من أن الطاعنين الأولين كانا في مقدمة الباقين مرتدين زياً عسكرياً مع أن أقواله بالجلسة لا تساند الحكم فيما حصله منها, ولم يعن بالرد على ما أثاره الدفاع من تناقض أقواله مع أقوال الشاهد "....." وتعارضها مع الدليل الفني إذ أن مؤدى أقواله أن الأرض مستوية بمكان الحادث في حين أن الثابت من التقرير الطبي الشرعي الموقع عليه أن الضارب كان في مستوى أعلى منه بقليل، هذا إلى أن الحكم أحال في بيان شهادة الشاهد "........" إلى مضمون ما شهد به الشاهد "....." رغم اختلاف أقوالهما في شأن رؤية المجني عليه الثالث قبل الحادث حاملاً صفحة الطعام والجهة التي قدم منها الخفيران، كما أغفل في تحصيله لأقوال الشاهد "......" ما قرره من أن كلاً من الطاعنين الثالث والرابع كان مرتدياً زياً عسكرياً وما قرره الشاهد "....." بشأن وصف ملابس الطاعنين الثاني والخامس وكيفية رؤيته لهما واستدل بأقوال شهود الإثبات رغم أن شهادة كل منهم لا تفيد بذاتها تدليلاً على مقارفة الطاعنين لما أسند إليهم إذ أن المجني عليه الثالث فر من مكان الحادث بعد إصابته كما أن باقي الشهود لم يروا واقعة القتل وإنما شهدوا بوقائع سابقة ولاحقة عليها، فضلاً عن أنه أغفل الرد على دفاع الطاعنين بأن بلاغ الحادث جاء خلواً من ذكر أسماء الجناة وأسند الاتهام إلى مجهول، يضاف إلى ذلك أن الحكم لم يدلل على توافر نية القتل في حق الطاعنين تدليلاً كافياً وسائغاً إذ أن أغلب إصابات المجني عليهما الأولين وإصابة المجني عليه الثالث ليست في مقتل وجاء الحكم قاصراً في بيان تلك الإصابات غير القاتلة وموضعها من الجسم هذا إلى أن المجني عليه الثالث نفى قصد قتله، كما أنه استدل على توافر ظرفي سبق الإصرار والترصد بما لا يسوغ به توافرهما إذ استند في إثباتهما إلى ما قاله من أن الطاعنين ارتكبوا الحادث بعد تفكير في هدوء وترو وأنهم كانوا عالمين باعتياد المجني عليهم بالجلوس في المكان الذي وقع فيه الحادث دون أن يبين سنده فيما ذهب إليه. وأخيراً فقد انبنى دفاع الطاعنين على أن الحادث لم يقع على الوجه الوارد بالتحقيق وفق مفهوم شهادة المجني عليه الثالث شاهد الرؤية استناداً إلى ما ثبت من تقرير الصفة التشريحية أن المجني عليه الأول "........" مصاب بعضتين آدميتين أغفلهما الحكم ووجود بقايا طعام غير مميز بمعدته بما يدل على التحام الجناة والمجني عليهم وقرب مسافة إطلاق النار وأن الحادث لم يقع أثناء تناول المجني عليهم طعام الإفطار وإلا لتميز الطعام لأنه أثر مضغة يبدأ هضمه وطلبوا مناقشة الطبيب الشرعي في دلالة عدم تميز الطعام بالمعدة وصولاً لتحديد وقوع الحادث إلا أن الحكم أطرح هذا الدفاع وطلب التحقيق المتعلق به بما لا يصلح رداً. كل ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجرائم التي دان الطاعنين بها وأورد على ثبوتها في حقهم أدلة مستمدة من أقوال شهود الإثبات وما تبين من معاينة النيابة العامة لمكان الحادث وما ثبت من التقارير الطبية الشرعية وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، وكان ما نص عليه الدستور في المادة الثانية منه أن مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع ليس واجب الإعمال بذاته وإنما هو دعوة للشارع كي يتخذ الشريعة الإسلامية مصدراً رئيسياً فيما يستنه من قوانين ومن ثم فإن أحكام تلك الشريعة لا تكون واجبة التطبيق بالتعويل على نص الدستور المشار إليه إلا إذا استجاب الشارع لدعوته وأفرغ هذه الأحكام في نصوص تشريعية محددة ومنضبطة تنقلها إلى مجال العمل والتنفيذ وبالتالي فإنه لا مجال للتحدي بأحكام الشريعة الإسلامية ما دام أن السلطة التشريعية لم تفرغ مبادئها في تشريع وضعي، وكان الشارع لم يقيد القاضي الجنائي في المحاكمات الجنائية بدليل معين - إلا إذا نص على ذلك بالنسبة لجرائم معينة - وإنما ترك حرية تكوين عقيدته من أي دليل يطمئن إليه ما دام أن له مأخذه من الأوراق، وكان وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها الشهادة متروك لتقدير محكمة الموضوع ومتى أخذت بشهادة شاهد فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، كما أن تأخر الشاهد في أداء شهادته لا يمنع المحكمة من الأخذ بأقواله ما دامت قد اطمأنت إليها, ذلك أن تقدير الدليل من سلطة محكمة الموضوع ومن ثم فإن تعويل الحكم المطعون فيه على شهادة المجني عليه في قضائه بالإدانة بعد أن أفصحت المحكمة عن اطمئنانها إلى شهادته وأنها كانت على بينة بالظروف التي أحاطت بشهادته يكون مبرءاً من مخالفة القانون وينحل نعي الطاعنين في هذا الصدد إلى جدل في تقدير الدليل مما تستقل به محكمة الموضوع بغير معقب. لما كان ذلك، وكان يبين من المفردات المضمومة تحقيقاً للطعن أن ما أورده الحكم من أقوال المجني عليه الثالث له مأخذه الصحيح من التحقيقات - وهو ما لا ينازع فيه الطاعنون - وكان لا ينال من سلامة الحكم أن ينسب أقوال هذا الشاهد إلى التحقيق الابتدائي وجلسة المحاكمة رغم خلو أقواله بالجلسة من أن الطاعنين الأول والثاني تقدما الباقين مرتدين زياً عسكرياً. إذ أن الخطأ في مصدر الدليل لا يضيع أثره فإن النعي على الحكم بالخطأ في الإسناد يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان يتعين لقبول وجه الطعن أن يكون واضحاً محدداً مبيناً به ما يرمي إليه مقدمه حتى يتضح مدى أهميته في الدعوى المطروحة وكونه منتجاً مما تلتزم محكمة الموضوع بالتصدي إيراداً له ورداً عليه، وكان الطاعنون لم يكشفوا بأسباب الطعن عن أوجه التناقض بين أقوال المجني عليه الثالث والشاهد...... والتضارب فيها بل ساقوا قولهم مرسلاً مجهلاً فضلاً عما هو مقرر من أنه لا يقدح في سلامة الحكم عدم اتفاق أقوال شهود الإثبات في بعض تفاصيلها ما دام الثابت أنه حصل أقوالهم بما لا تناقض فيه ولم يورد تلك التفصيلات أو يركن إليها في تكوين عقيدته - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - فإن النعي على الحكم في هذا المقام فضلاً عن عدم قبوله يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان قضاء هذه المحكمة قد استقر على أن الأصل أنه ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفني بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي - كما أخذت به المحكمة - غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق، وكان الحكم المطعون فيه لم يحصل من أقوال المجني عليه الثالث أن الأرض مستوية بمكان الحادث بل أورد من أقواله أن عميه المجني عليهما الأولين كانا جالسين على "مصطبة" بينما كان هو جالساً على مقعد يتناولون جميعاً طعام الإفطار وأثناء ذلك دخل عليهم الطاعنون حاملين بنادق سريعة الطلقات وما أن اقتربوا منهم إلى مسافة أربعة أمتار حتى أطلقوا عليهم أعيرة نارية أصابت عميه كما أصابته إحداها في ساقه اليمنى فسارع بالهرب بينما استمر الطاعنون في إطلاق الأعيرة على عميه، ونقل عن التقرير الطبي الشرعي الموقع عليه أن إصابته بالساق اليمنى نارية تنشأ من عيار ناري معمر بمقذوف مفرد يتعذر تحديد نوعه لعدم استقراره وأطلق من مسافة جاوزت مدى الإطلاق القريب ويمكن حدوثها وفق التصوير الوارد بأقواله وفي تاريخ يتفق وتاريخ الحادث ومن كل من البندقية الروسي المضبوطة وأي من الطلقات والمقذوفين من عيارهما وأيضاً من أي من البندقيتين أللي أنفليد المضبوطتين وكذا من أي الطلقات التشيكي والألماني، وإذا كان ما أورده الحكم من أقوال المجني عليه المذكور لا يتعارض بل يتلاءم مع ما نقله عن الدليل الفني فيما تقدم فإن ما يثيره الطاعنون من قالة جمع الحكم بين دليلين متناقضين يكون على غير أساس. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه لا يعيب الحكم أن يحيل في بيان شهادة الشهود إلى ما أورده من أقوال شاهد آخر ما دامت أقوالهم متفقة مع ما استند إليه الحكم منها، وكان من المقرر كذلك أن محكمة الموضوع غير ملزمة بسرد روايات كل الشهود - إن تعددت - وبيان وجه أخذها بما اقتنعت به بل حسبها أن تورد منها ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه، وإذا كان الطاعنون لا يجادلون في أن أقوال الشاهدين "......" و"......" متفقة في جملتها مع ما استند إليه الحكم منها في الواقعة الجوهرية المشهود عليها وهي مشاهدتهما الطاعنين حاملين أسلحتهم متجهين بها صوب مكان جلوس المجني عليهم ثم سماعهما صوت الأعيرة النارية فلا يؤثر في سلامة الحكم اختلاف أقوالهما في غير ذلك إذ أن مفاد إحالة الحكم في بيان أقوال ثانيهما إلى ما حصله من أقوال أولهما فيما اتفقا فيه أنه لم يستند في قضائه إلى ما اختلفا فيه من أقوال طالما أن من حق محكمة الموضوع تجزئة أقوال الشاهد والأخذ منها بما تطمئن إليه وإطراح ما عداه دون أن يعد هذا تناقضاً في حكمها ومن ثم فإن النعي على الحكم في هذا الصدد لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه لا يلزم قانوناً إيراد النص الكامل لأقوال الشاهد الذي اعتمد عليها الحكم بل يكفي أن يورد مضمونها ولا يقبل النعي على المحكمة إسقاطها بعض أقوال الشاهد لأن فيما أوردته منها وعولت عليه ما يعني أنها أطرحت ما لم تشر إليه منها لما للمحكمة من حرية في تجزئة الدليل والأخذ منه بما ترتاح إليه والالتفات عما لا ترى الأخذ به ما دام أنها قد أحاطت بأقوال الشاهد ومارست سلطتها في تجزئتها بغير بتر لفحواها أو مسخ لها بما يحيلها عن معناها أو يحرفها عن مواضعها - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعنون على الحكم من إغفاله تحصيل بعض أقوال الشاهدين......,...... في شأن وصف الملابس التي كان يرتديها الطاعنون وكيفية مشاهدة الثاني لبعضهم لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان البين من الحكم المطعون فيه أنه استند إلى أدلة الثبوت التي أوردها في مجموعها المستمدة من أقوال شهود الإثبات بين راءٍ وسامع ومن بينهم المجني عليه الثالث شاهد الرؤية ومما تبين من معاينة النيابة لمكان الحادث ومما ثبت من التقارير الطبية الشرعية وهي تؤدي في مجموعها إلى ما رتبه الحكم عليها من ثبوت مقارفة الطاعنين للجرائم المسندة إليهم ولما كان من المقرر أنه لا يلزم في الأدلة التي يعتمد عليها الحكم أن ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى، لأن الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي ومن ثم فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصد منها الحكم ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه فإن ما يثيره الطاعنون في شأن استناد الحكم إلى أقوال شهود الإثبات رغم أن شهادة كل منهم لا تفيد بذاتها تدليلاً على مقارفتهم الجريمة لا يكون مقبولاً. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعنون في شأن عدم اشتمال التبليغ عن الحادث على أسماء الجناة مردوداً بما هو مقرر من أنه لا عبرة بما اشتمل عليه بلاغ الواقعة وإنما العبرة بما اطمأنت إليه المحكمة مما استخلصته من التحقيقات فإن النعي على الحكم في هذا الخصوص ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير المحكمة لأدلة الدعوى ومصادرة لها في عقيدتها مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد استظهر نية القتل بقوله "وحيث إنه عن نية القتل فثابتة من أقوال الشهود والتحريات وما قرره المتهمون بالتحقيقات من وجود خصومة ثأرية بينهم والمجني عليهم ومن أنهم أمطروهم بالأعيرة النارية ولم يتركوهم إلا وقد أيقنوا أنهم أجهزوا عليهم ولولا فرار المجني عليه.... ومداركته بالعلاج لأجهزوا عليه مع عميه المجني عليهما" ولما كان من المقرر أن قصد القتل أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه فإن استخلاص هذه النية من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية، وإذ كان ما أورده الحكم على النحو المتقدم كافياً وسائغاً في التدليل على ثبوت نية القتل لدى الطاعنين، وكان الحكم - فوق ذلك - قد بين إصابات المجني عليهم ومواضعها من الجسم بياناً كافياً على نحو ما كشفت عنه مدوناته إذ نقل عن التقارير الطبية الشرعية - بما لا يجادل الطاعنون في صحة إسناد الحكم بشأنها - أن المجني عليه الأول أصيب بخمسة أعيرة بين الصدر وبين الرأس وبالفخذ الأيمن والمرفق الأيسر وتعزي الوفاة للإصابات النارية بالجثة وما أحدثته من تهتك ونزيف بالأحشاء الصدرية والبطنية والتمزقات بالأنسجة الرخوة للأطراف والكسور بعظامها، وأن المجني عليه الثاني أصيب بستة أعيرة بالطرفين العلويين والرأس والعنق والجزع وبخمسة عشراً عياراً بالطرفين السفليين الأيمن والأيسر وتعزي الوفاة لإصاباته النارية وما أحدثته من كسور بالحنجرة وتهتك للقصبة الهوائية والبلعوم وكسور بالأضلاع على الجانبين وتهتك بالقلب والرئتين والأحشاء البطنية والأوعية الدموية وكسور بالعمود الفقري وتهتكات بالنخاع الشوكي وكسور بعظام الأطراف ونزيف دموي، وإصابة المجني عليه الثالث بعيار ناري بالساق اليمنى بما تنحسر عن الحكم قالة القصور في البيان في هذا الصدد، وفضلاً عن ذلك فإن جريمة القتل العمد لا تتطلب سوى ارتكاب فعل على المجني عليه بنية قتله يؤدي بطبيعته إلى وفاته سواء أكانت الوفاة حصلت من إصابة وقعت في مقتل أم من إصابة وقعت في غير مقتل ما دامت الوفاة نتيجة مباشرة للجريمة ومتى بين الحكم جريمة القتل من ثبوت نية القتل واستعمال أسلحة نارية قاتلة بطبيعتها وحدوث الوفاة من الإصابات النارية فلا يعيبه عدم بيان الإصابات الواقعة في مقتل وتلك الواقعة في غير مقتل ما دام أنه بينها جميعاً - كما هو الحال في الدعوى الماثلة - ونسب حدوثها إلى الطاعنين جميعاً دون غيرهم. أما قول المجني عليه الثالث بجلسة المحاكمة أن الطاعنين استهدفوا عميه بإطلاق النار عليهما أو أنه نفى في التحقيقات قصد قتله - كما يثير الطاعنين في طعنهم - فإن هذا القول لا يقيد حرية المحكمة في استخلاص قصد القتل بالنسبة له من كافة ظروف الدعوى وملابساتها ولأن ما أورده الحكم بياناً لنية القتل وتوافرها لدى الطاعنين بالنسبة لجريمة قتل المجني عليهما الأولين ينعطف حكمه بطريق اللزوم إلى جريمة الشروع في قتل المجني عليه الثالث ومن ثم فإن كل ما يثيره الطاعنون حول تعييب الحكم في بيانه لنية القتل يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لظرفي سبق الإصرار والترصد وكشف عن توافرهما في قوله "وحيث إنه عن ظرفي سبق الإصرار والترصد فقد اعتاد المجني عليهم الجلوس بمكان الحادث وشهد بذلك من سئلوا بالتحقيقات من شهود الحادث وقرر بذلك خفيرا الحراسة اللذان يجلسان من الخارج والمتهمون عالمون بذلك ومتيقنون منه وفكروا في هدوء وروية باعثهم للقتل أخذاً بالثأر فأعدوا وخططوا وانتظروا وتربصوا واختاروا يوماً للتنفيذ معدين الأسلحة والملابس وقد جاء المجني عليهم في مكان الحادث الأمر الذي يتوافر معه ظرفي سبق الإصرار والترصد كما هما معرفين به في القانون... ولما كان من المقرر أن سبق الإصرار حالة ذهنية تقوم بنفس الجاني فلا يستطيع أحد أن يشهد بها مباشرة بل تستفاد من وقائع خارجية يستخلصها القاضي منها استخلاصاً، وكان يكفي لتحقيق ظرف الترصد مجرد تربص الجاني للمجني عليه مدة من الزمن طالت أو قصرت من مكان يتوقع قدومه إليه أو وجوده به ليتوصل بذلك إلى مفاجأته والاعتداء عليه، وكان البحث في توافر ظرفي سبق الإصرار والترصد من إطلاقات قاضي الموضوع يستنتجه من ظروف الدعوى وعناصرها ما دام موجب تلك الظروف وهذه العناصر لا يتنافر عقلاً مع ذلك الاستنتاج, وكان لا يشترط في الدليل في المواد الجنائية أن يكون صريحاً ودالاً مباشرة على الواقعة المراد إثباتها بل يكفي أن يكون استخلاص ثبوتها منه عن طريق الاستنتاج مما يتكشف من الظروف والقرائن وترتيب النتائج على المقدمات. ولما كان ما قاله الحكم في تدليله على توفر ظرفي سبق الإصرار والترصد في حق الطاعنين من علمهم باعتياد المجني عليهم الجلوس في مكان الحادث وما استطرد إليه من أنهم جاءوا المجني عليهم في هذا المكان باعثهم على القتل الأخذ بالثأر بعد أن أعملوا الفكر وأعدوا أسلحتهم وملابسهم لهذا الغرض له مأخذه من أوراق الدعوى ومستمداً مما شهد به شهود الإثبات اللذين لا يجادل الطاعنون في صحة ما حصله الحكم من أقوالهم فضلاً عن استخلاص الحكم توافر هذين الظرفين من ظروف الدعوى وملابساتها وقرائن الأحوال فيها. وكان ما استظهره الحكم للاستدلال على هذين الظرفين من وقائع وأمارات كشفت عنهما هو مما يسوغ به هذا الاستخلاص فإن ما يثيره الطاعنون في هذا الصدد لا يكون له محل. فضلاً عن ذلك فإنه لما كانت العقوبة الموقعة على الطاعنين - وهي الأشغال الشاقة لمدة خمس عشرة سنة - تدخل في الحدود المقررة لأي من جنايتي القتل العمد التي قارفوها مجردة من أي ظروف مشددة، وكان الحكم قد أثبت في حق الطاعنين اتفاقهم على قتل المجني عليهما الأولين وباشر كل منهم فعل القتل تنفيذاً لما اتفقوا عليه مما مقتضاه قانوناً مساءلتهم جميعاً عن جريمة القتل العمد دون حاجة إلى تعيين من منهم أحدث الإصابات القاتلة فإن مصلحتهم في إثارة الجدل حول توافر ظرفي سبق الإصرار والترصد في حقهم أو عدم توافرهما تكون منتفية. لما كان ذلك، وكان الأصل أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق، وكان الحكم قد اطمأن إلى شهادة المجني عليه الثالث وصحة تصويره للواقعة من أن الطاعنين أطلقوا النار على المجني عليهم من مسافة أربعة أمتار وهو ما لا يتعارض مع ما نقله عن تقريري الصفة التشريحية والتقرير الطبي الشرعي من أن الأعيرة النارية التي أصابت المجني عليهم أطلقت من مسافات جاوزت مدى الإطلاق القريب وأن إصاباتهم جائزة الحدوث وفق تصوير المجني عليه الثالث، وإذ كان البين من مجموع ما أورده الحكم أنه استند إلى الطاعنين دون غيرهم أنهم أطلقوا الأعيرة النارية من أسلحتهم على المجني عليهم وأحدثوا بهم الإصابات النارية التي أودت بحياة الأولين دون أن يسند إليهم إحداث الإصابتين العضيتين بالمجني عليه الأول اللتين أظهرهما التقرير الطبي الشرعي واللتين لم يكن لهما دخل في إحداث الوفاة ولم ترفع الدعوى الجنائية بشأنهما واستظهر قالة المجني عليه الثالث بما يتفق وصحة هذا الإسناد وذلك التصوير ونقل عن تقرير الصفة التشريحية الموقع على جثة المجني عليه الأول أن الوفاة نشأت عن الإصابات النارية وحدها، وكانت مدونات الحكم - فوق ذلك - بينة الدلالة على أن أحداً آخر سوى الطاعنين لم يعتد على المجني عليه الأول في الحادث الذي سقط فيه صريعاً فإن جدل الطاعنين في تصوير الواقعة بدعوى التحام الجناة والمجني عليهم وما رتبوه على ذلك من قالة التناقض بين الدليلين القولي والفني في هذا الصدد يكون غير سديد، ولا يؤثر في ذلك أن يكون الحكم قد أغفل الإشارة إلى الإصابتين العضيتين بالمجني عليه الأول، ذلك بأن الأصل أنه متى كان الحكم قد انصب على إصابة بعينها نسب إلى المتهم إحداثها وأثبت التقرير الطبي الشرعي وجودها واطمأنت المحكمة إلى أن المتهم هو محدثها فليس به من حاجة إلى التعرض لغيرها من إصابات لم تكن محل اتهام ولم ترفع بشأنها دعوى مما لا يصح معه القول بأن سكوت الحكم عن ذكرها يرجع إلى أنه لم يفطن لها، كما أنه لا وجه لمجادلة الطاعنين فيما اطمأنت إليه المحكمة من تصوير المجني عليه الثالث لوقوع الحادث أثناء تناول المجني عليهم طعام الإفطار ذلك بأن تحديد وقت وقوع الحادث لا تأثير له في ثبوت الواقعة ما دامت المحكمة قد اطمأنت بالأدلة التي ساقتها إلى أن المجني عليه الثالث قد رأى الطاعنين وتحقق منهم وهم يطلقون الأعيرة النارية على عميه المجني عليهما الأولين وإصابته من إحداها أثناء تناولهم طعام الإفطار وإلى أن بعض شهود الإثبات قد رأوا الطاعنين وهم حاملين أسلحتهم متوجهين بها صوب مكان جلوس المجني عليهم ثم سماعهم صوت الأعيرة النارية وإلى أن البعض الآخر رأوا الطاعنين بعد ارتكاب الحادث وهم يطلقون الأعيرة النارية أثناء فرارهم وإسراع هؤلاء إلى مكان الحادث حيث شاهدوا المجني عليهما الأولين صريعين والمجني عليه الثالث مصاباً على مسافة منهما فضلاً عما تبين من الاطلاع على المفردات أن وكيل النيابة المحقق باشر التحقيق الساعة 11.30 صباحاً بعد إخطاره بالحادث وأنه يبين من الحقيقة المادية الثابتة بمعاينة النيابة أن وكيل النيابة انتقل لإجراء المعاينة الساعة 12.30 ظهر يوم الحادث ومن بين ما أثبته في المعاينة وجود جثة المجني عليه الأول مسجاة على الأرض بجوار "المصطبة" ووجود جثة المجني عليه الثاني فوق "المصطبة" وبجوارها مائدة طعام الإفطار وهو مكون من خبز وشرائح سمك وطعمية وسلاطة طماطم وعنب كما وجد بعض هذا الطعام متناثراً على الأرض. كما يبين من تقرير الصفة التشريحية الموقع على جثة المجني عليه الأول "....." أن النيابة طرحت في مذكرتها للطبيب الشرعي أن الحادث وقع في الثامنة صباحاً أثناء تناول المجني عليهم طعام الإفطار وفق رواية المجني عليه الثالث وأثبت الطبيب الشرعي أنه أجرى تشريح الجثة في الساعة 3.30 مساء يوم الحادث وضمن تقريره وجود بقايا قليلة من طعام غير مميز بمعدة المجني عليه وخلا تقريره مما يفيد أنه طعام مهضوم أو داخل في مرحلة الهضم وانتهى في تقريره إلى أنه قد مضى على الوفاة لحين تشريح الجثة عدة ساعات وأنه من الجائز حدوث إصابات المجني عليه وفق تصوير المجني عليه الثالث الذي طرحته النيابة في مذكرتها، وإذ كان هذا الذي أثبتته المعاينة والدليل الفني لا يتعارض بل يتلاءم مع شهادة المجني عليه الثالث بأن الحادث وقع في الصباح أثناء تناول المجني عليهم طعام الإفطار ولا يؤثر في ذلك أن يكون الطبيب الشرعي لم يتيسر له تمييز نوع الطعام بمعدة المجني عليه الأول وهي عبارة أراد لها الطاعنون معنى معين لم يسايرهم فيه الحكم طالما أنه اطمأن إلى ما حواه الدليل الفني من وجود بقايا طعام بالمعدة وخلا من شبهة دخوله في مرحلة الهضم، وإذ كان ذلك فإن كل ما يثيره الطاعنون من منازعة حول تصوير المحكمة للواقعة أو في تصديقها لأقوال المجني عليه الثالث أو محاولة تجريحها ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها فيه أو مصادرة عقيدتها في شأنه أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من مطاعن مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير شأنه في ذلك شأن سائر الأدلة، وهي غير ملزمة من بعد بإجابة طلب مناقشة الطبيب الشرعي ما دام أن الواقعة قد وضحت لديها ولم تر هي من جانبها حاجة إلى اتخاذ هذا الإجراء، وكانت المحكمة قد أقامت قضاءها على ما اقتنعت به مما حواه تقرير الصفة التشريحية بما لا يتعارض مع قالة المجني عليه الثالث من وقوع الحادث في الصباح أثناء تناول المجني عليهم طعام الإفطار فلا تثريب على المحكمة إن هي التفتت عن طلب دعوة الطبيب الشرعي لتحقيق دفاع الطاعنين المبني على المنازعة في صورة الواقعة ووقت وقوعها ما دام أنه غير منتج في نفي التهمة عنهم على ما سلف بيانه ويكون النعي على الحكم المطعون فيه بقالة الإخلال بحق الدفاع لهذا السبب في غير محله. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.