الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 6 ديسمبر 2019

الطعن 1432 لسنة 57 ق جلسة 22 / 10 / 1987 مكتب فني 38 ج 2 ق 151 ص 835

جلسة 22 من أكتوبر سنة 1987
برياسة السيد المستشار/ أحمد أبو زيد نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ مصطفى طاهر نائب رئيس المحكمة، حسن عميره, وصلاح البرجى وحسن عفيفي.
-------------
(151)
الطعن رقم 1432 لسنة 57 القضائية
(1) دستور. قانون "تفسيره". تفتيش "إذن التفتيش. تسبيبه". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". مواد مخدرة.
للمساكن حرمة. عدم جواز دخولها ولا تفتيشها إلا بأمر قضائي مسبب. عدم لزوم ذلك في تفتيش الأشخاص. المادتان 44 من الدستور، 91 إجراءات المعدلة بالقانون رقم 37 لسنة 1972.
القانون لم يستلزم شكلاً خاصاً لهذا التسبيب.
 (2)محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل" إثبات "بوجه عام" دفوع "الدفع ببطلان الدليل. بطلان التفتيش". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
عدم جدوى النعي على الحكم بالقصور في الرد على دفع ببطلان تفتيش المسكن طالما لم يتساند الحكم في الإدانة إلى دليل مستمد من هذا التفتيش.
 (3)تفتيش "إذن التفتيش" "تسبيبه" "تنفيذه".
صدور أمر الندب إلى مأمور ضبط قضائي أو من يندبه من مأموري الضبط. دلالته؟
(4) دفوع "الدفع ببطلان الضبط والتفتيش" نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". تفتيش.
الدفع ببطلان الضبط والتفتيش دفع قانوني مختلط بالواقع. عدم جواز إثارته لأول مرة أمام النقض ما لم تكن مدونات الحكم ترشح لقيام البطلان. علة ذلك؟
(5) مواد مخدرة. تفتيش "إذن التفتيش. إصداره. تنفيذه". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
حرمة السيارة الخاصة مستمدة من اتصالها بشخص صاحبها أو حائزها.
وجود السيارة في حيازة الطاعن وتحت سيطرته قبيل الضبط يجعل له صفة عليها ويضحى تفتيشها سليماً في القانون.
 (6)مواد مخدرة. تعدي. سلاح. عقوبة. ارتباط. دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
قضاء المحكمة بمعاقبة الطاعن بالأشغال الشاقة لمدة سبع سنوات وتغريمه خمسة آلاف جنيه وهي المقررة بالمادة 40/ 2 من القانون 182 لسنة 1960 بعد إعمال المادة 17 عقوبات عن تهمة التعدي مع حمل سلاح. إثارة الطاعن بأن التهمة الأولى وهي حيازة الامفيتامين لا يعتبر مادة مخدرة لخلو جدول الاتفاقية الدولية منه. لا مصلحة له طالما أن المحكمة طبقت المادة 32 عقوبات فأوقعت عليه العقوبة الأشد المقررة للتهمة الثانية.
(7) مواد مخدرة. اتفاقيات دولية. معاهدات. قانون "تفسيره" "إلغاؤه".
الاتفاقية الدولية للمخدرات الصادر بشأنها القرار الجمهوري رقم 1764 لسنة 1966. عدم إلغائها أو تعديلها قانون المخدرات المصري.
اختلاف مجال تطبيق أحكام كل من الاتفاقية وقانون المخدرات المعمول في الجمهورية.
 (8)محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". إثبات "خبرة". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من مطاعن. مرجعه محكمة الموضوع. المحكمة غير ملزمة بإجابة طلب إعادة تحليل العينة ما دامت الواقعة قد وضحت لديها.
 (9)دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". محكمة استئنافية. إثبات "شهود". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
عدم تحقيق الدفاع غير المنتج والرد عليه. لا يعيب الحكم.
 (10)دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
ليس للطاعن أن ينعى على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلبه منها. مثال.
 (11)محاكمة "إجراءاتها". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
خلو محضر الجلسة من إثبات دفاع الخصم بالتفصيل. لا يعيب الحكم. على الخصم إن كان يهمه تدوين أمر معين أن يطلب صراحة إثباته في هذا المحضر.
------------------
1 - من المقرر أن المشرع بما نص عليه في المادة 44 من الدستور من أن "للمساكن حرمة فلا يجوز دخولها ولا تفتيشها إلا بأمر قضائي مسبب وفقاً لأحكام القانون"، وما أورده في المادة 91 من قانون الإجراءات الجنائية بعد تعديلها بالقانون رقم 37 لسنة 1972 من أن تفتيش المنازل عمل من أعمال التحقيق ولا يجوز الالتجاء إليه إلا بمقتضى أمر من قاضي التحقيق بناء على اتهام موجه إلى شخص يقيم في المنزل المراد تفتيشه بارتكاب جناية أو جنحة أو اشتراكه في ارتكابها أو إذا وجدت قرائن على أنه حائز لأشياء تتعلق بالجريمة... وفي جميع الأحوال يجب أن يكون أمر التفتيش مسبباً". لم يتطلب تسبيب أمر التفتيش إلا حين ينصب على المسكن وهو فيما استحدثه في هاتين المادتين من تسبيب الأمر بدخول المسكن أو تفتيشه لم يرسم شكلاً خاصاً للتسبيب.
2 - من المقرر أنه لا جدوى من النعي على الحكم بالقصور في الرد على الدفع ببطلان تفتيش مسكن المتهم ما دام البين من الواقعة كما صار إثباتها في الحكم ومن استدلاله أن ثمة تفتيش لم يقع على مسكن الطاعن وأن الحكم لم يستند في الإدانة إلى دليل مستمد من تفتيش المسكن وإنما قام قضاءه على الدليل المستفاد من تفتيش شخص الطاعن والسيارة التي يحوزها.
3 - من المقرر أنه مع التسليم بما جاء بوجه الطعن من صدور الندب إلى المقدم....... أو من يندبه من مأموري الضبط فإن دلالة الحال هي أن المعنى المقصود من حرف العطف المشار إليه هو الإباحة - لوروده قبل ما يجوز فيه الجمع، وهو ما يقطع بإطلاق الندب وإباحة انفراد الضابط بالتفتيش أو إشراك غيره معه فيه ممن يندبه لذلك من مأموري الضبط.
4 - لما كان الأصل أن الدفع ببطلان الضبط والتفتيش من الدفوع القانونية المختلطة بالواقع وهي لا تجوز إثارتها لأول مرة أمام محكمة النقض ما لم يكن قد دفع بها أمام محكمة الموضوع أو كانت مدونات الحكم ترشح لقيام ذلك البطلان لأنها تقتضي تحقيقاً تنحسر عنه وظيفة هذه المحكمة. ولما كان الثابت من محضري جلستي المحاكمة. أن الطاعن لم يدفع ببطلان التفتيش لعدم جدية التحريات وكانت مدونات الحكم قد خلت مما يرشح لقيام ذلك البطلان فإنه لا يقبل من الطاعن إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض.
5 - من المقرر أن حرمة السيارة الخاصة مستمدة من اتصالها بشخص صاحبها أو حائزها ولما كان الحكم قد أثبت أن السيارة في حيازة الطاعن وأنه قبيل الضبط كان يقودها وأوقفها قرب مسكنه وفتح حقيبتها وبدأ يستخرج بعض محتوياتها "جركن" ومن ثم يكون للطاعن صفة أصلية على السيارة هي حيازته لها وفي أن يوجه إليه الإذن في شأن تفتيشها، وبهذا يكون الإذن قد صدر سليماً من ناحية القانون وجرى تنفيذه على الوجه الصحيح مما يجعل ما أسفر عنه التفتيش دليلاً يصح الإسناد إليه في الإدانة.
6 - لما كان الحكم المطعون فيه قد قضى بمعاقبة الطاعن بالأشغال الشاقة لمدة سبع سنوات وتغريمه خمسه آلاف جنيه، وكانت هذه العقوبة مقررة في المادة 40/ 2 من القانون رقم 182 لسنة 1960 التي طبقتها المحكمة بعد استعمالها للمادة 17 من قانون العقوبات - عن التهمة الثانية الخاصة بالتعدي على الموظفين القائمين على تنفيذ القانون رقم 182 لسنة 1960 حالة كون الجاني يحمل سلاحاً، فإنه لا مصلحة للطاعن فيما يثيره بشأن التهمة الأولى وهي حيازة مخدر الامفيتامين لأنه لا يعتبر مادة مخدرة لخلو جدول الاتفاقية الدولية بشأن تحريم المخدرات والتي انضمت إليها مصر منه طالما أن المحكمة قد طبقت المادة 32 من قانون العقوبات وقضت بمعاقبة الطاعن بالعقوبة الأشد وهي العقوبة المقررة للتهمة الثانية.
7 - من المقرر أن الاتفاقية الدولية للمخدرات الموقعة في نيويورك في 30/ 3/ 1961 والتي صدر بشأنها القرار الجمهوري رقم 1764 لسنة 1966 بتاريخ 2/ 5/ 1966 هي مجرد دعوة من الدول بصفتهم أشخاص القانون الدولي العام إلى القيام بعمل منسق لضمان فعالية التدابير المتخذة ضد إساءة استعمال المخدرات. ويبين من الاطلاع على نصوصها أنها لم تلغ أو تعدل صراحة أو ضمناً من أحكام قوانين المخدرات المعمول بها في الدول الموقعة عليها إذ نصت المادة 36 منها على الأحوال التي تدعو الدول إلى تحريمها والعقاب عليها دون أن تتعرض إلى تعريف الجرائم وإجراءات المحاكمة وتوقيع العقاب وتركت ذلك كله إلى القوانين المحلية للدولة المنضمة إليها ويؤكد ذلك ما جرى به نص الفقرة الرابعة من تلك المادة من أنه لا تتضمن هذه المادة أي حكم مخل بمبدأ تعريف الجرائم التي ينص عليها ومحاكمة مرتكبيها ومعاقبتهم وفقاً للقوانين المحلية في الدول الأطراف المعنية. ومن ثم فإن مجال تطبيق أحكام هذه الاتفاقية يختلف عن مجال قانون المخدرات المعمول به في جمهورية مصر العربية".
8 - من المقرر أن تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من مطاعن مرجعة إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير شأنه في ذلك شأن سائر الأدلة، وهي غير ملزمة من بعد بإجابة الدفاع إلى ما طلبه من إعادة تحليل العينة ما دام أن الواقعة قد وضحت لديها ولم تر هي من جانبها حاجة إلى اتخاذ هذا الإجراء.
9 - لما كان طلب الاستعلام من قلم المرور عن مالك السيارة التي ضبط بها المخدر لأنها غير مملوكة له غير منتج في الدعوى بعد أن ثبت حيازة المتهم لها على ما سلف بسطه - ومن ثم فلا يعيب الحكم عدم تحقيق الدفاع غير المنتج أو الرد عليه.
10 - لما كان الثابت من الاطلاع على محضري جلستي المحاكمة أن الطاعن لم يطلب من المحكمة باقي الطلبات التي أوردها في أسباب طعنه، فليس له من بعد أن ينعى عليها قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلبه منها.
11 - من المقرر أنه لا يعيب الحكم خلو محضر الجلسة من إثبات دفاع الخصم بالتفصيل إذ عليه إن كان يهمه تدوين أمر معين أن يطلب صراحة إثباته في هذا المحضر.

الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: أحرز بقصد الاتجار جوهراً مخدراً (أمفيتامين) في غير الأحوال المصرح بها قانوناً (ب) تعدى علي موظفين عموميين قائمين على تنفيذ القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل في شأن مكافحة المخدرات وهو المقدم... الضابط بمباحث مركز.... والقوة المرافقة له بأن أطلق عليهم عدة أعيرة نارية من سلاح ناري كان يحمله قاصداً من ذلك مقاومتهم ومنعهم من ضبطه. (جـ) أحرز بغير ترخيص سلاحاًًً نارياً مششخناً (مسدس). "د" أحرز ذخائر طلقات مما تستعمل في السلاح الناري سالف الذكر دون أن يكون مرخصاً له في حيازته وإحرازه وأحالته إلي محكمة جنايات الجيزة لمحاكمته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 1، 2، 37، 38، 40/ 1 - 2، 42/ 1 من القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل والبند رقم 15 من الجدول رقم 1 المرفق والمعدل والمواد 1، 6، 26/ 2 - 5، 30 من القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل والبند ( أ ) من القسم الأول من الجدول رقم 3 المرفق مع إعمال المادتين 32، 17 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة لمدة سبع سنوات وتغريمه خمسة آلاف جنيه عما أسند إليه ومصادرة المضبوطات باعتبار أن حيازة المخدر كان بغير قصد الاتجار أو التعاطي أو الاستعمال الشخصي.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.

المحكمة
حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجرائم حيازة مخدر بغير قصد من القصود والتعدي على القائمين بتنفيذ القانون رقم 182 لسنة 1960 وإحراز سلاح وذخيرة بغير ترخيص قد شابه قصور في التسبيب وفساد في الاستدلال وإخلال بحق الدفاع كما أخطأ في تطبيق القانون ذلك أن المدافع عنه دفع ببطلان التفتيش لخلوه من الأسباب التي بني عليها ولعدم جدية التحريات ولأن عبارة الإذن خصت المقدم....... أو من يندبه من مأموري الضبط القضائي لإجراء التفتيش ومؤدى ذلك أن المندوب أصلاً للتفتيش له أن يتخلى عن إجرائه لأحد مأموري الضبط دون أن يضمه إليه بدلالة وجود حرف العطف "أو" الذي يفيد التغيير والانفراد لا الجمع والمصاحبة كما أنه دفع ببطلان تفتيش السيارة لأنها مملوكة لغيره مما يجعل الاختصاص بتفتيشها للقاضي، إلا أن الحكم أطرح كل ذلك بغير مبرر سائغ. كما أن الحكم قضى بالإدانة تأسيساً على أنه أحرز مادة مخدرة بعد انضمام مصر بمقتضى القرار الجمهوري رقم 1764 لسنة 1966 إلى الاتفاقية الدولية بشأن تحريم المخدرات والتي تضمنت جدولاً جديداً ليس من بينه مادة الامفيتامين، كما لم يجبه إلى طلبه لإعادة تحليل العينة لبيان ما إذا كانت المادة المضبوطة هي للامفيتامين لذاته من عدمه لأن المحرز وفق الجدول الأول من القانون رقم 182 لسنة 1960 هو الامفيتامين لذاته دون غيره ورد على ذلك بما لا يصلح له, بالإضافة إلى أن المدافع عن الطاعن طلب سؤال صاحب المتجر الذي كمن فيه الشاهد الأول قبل ضبطه، وإجراء معاينة لمكان الضبط وللسيارة وإجراء تجربة ضوئية وضم دفتر الأحوال وأصل بلاغ سجن طره بهروب الطاعن منه والاستعلام عن مالك السيارة التي تم تفتيشها ورفع البصمات التي يحملها المسدس المضبوط، وأن محضر الجلسة أثبت بعض تلك الطلبات ولم يثبت بعضها الآخر وأن المحكمة لم تجبه إلى تلك الطلبات واطرحتها بما لا يبرر رفضها، وهذا كله مما يعيب الحكم بما يستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجرائم التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة ومن شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض للدفع ببطلان إذن التفتيش لخلوه من الأسباب وبطلان تنفيذه لاشتماله على حرف "أو" ورد عليه بقوله "أن تدوين إذن التفتيش على صلب محضر التحريات والإحالة إليه حسبما أثبت بأوراق الدعوى يغنى عن التسبيب. كما أن القانون لم يشترط عبارات خاصة لصياغة إذن التفتيش فتقرير رئيس مباحث...... مجرى التحريات بأنه علم من تحرياته واستدلالاته أن جريمة وقعت وأن هناك دلائل وأمارات قوية ضد من طلب الإذن بتفتيشه وسيارته ومسكنه يكفي لتبرير إصدار الإذن قانوناً وصدور إذن التفتيش لرئيس وحدة مباحث..... أو أي من السادة مأموري الضبط القضائي المختصين قانوناً يترتب عليه صحة التفتيش الذي يجريه أحدهما أو كلاهما وما دام الإذن لم ينص صراحة على أن لا ينفرد أحدهما دون الآخر" وهذا الذي أورده الحكم يتفق وصحيح القانون ذلك بأن المشرع بما نص عليه في المادة 44 من الدستور من أن "للمساكن حرمة فلا يجوز دخولها ولا تفتيشها إلا بأمر قضائي مسبب وفقاً لأحكام القانون"، وما أورده في المادة 91 من قانون الإجراءات الجنائية بعد تعديلها بالقانون رقم 37 لسنة 1972 من أن تفتيش المنازل عمل من أعمال التحقيق ولا يجوز الالتجاء إليه إلا بمقتضى أمر من قاضي التحقيق بناء على اتهام موجه إلى شخص يقيم في المنزل المراد تفتيشه بارتكاب جناية أو جنحة أو اشتراكه في ارتكابها أو إذا وجدت قرائن على أنه حائز لأشياء تتعلق بالجريمة... وفي جميع الأحوال يجب أن يكون أمر التفتيش مسبباً". لم يتطلب تسبيب أمر التفتيش إلا حين ينصب على المسكن وهو فيما استحدثه في هاتين المادتين من تسبيب الأمر بدخول المسكن أو تفتيشه لم يرسم شكلاً خاصاً للتسبيب، والحال في الدعوى الماثلة أن الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه - وهو ما لا ينازع فيه الطاعن - أن النيابة العامة أصدرت هذا الأمر بعد اطلاعها على محضر التحريات المقدم إليها من المقدم........ - طلب الأمر وما تضمنه من أسباب توطئه وتسويغاً لإصداره وهذا حسبه كي يكون محمولاً على هذه الأسباب بمثابتها جزءاً منه، هذا فضلاً عن أنه لا جدوى من النعي على الحكم بالقصور في الرد على الدفع ببطلان تفتيش مسكن المتهم ما دام البين من الواقعة كما صار إثباتها في الحكم ومن استدلاله أن ثمة تفتيش لم يقع على مسكن الطاعن وأن الحكم لم يستند في الإدانة إلى دليل مستمد من تفتيش المسكن وإنما أقام قضاءه على الدليل المستفاد من تفتيش شخص الطاعن والسيارة التي يحوزها. كما أنه مع التسليم بما جاء بوجه الطعن من صدور الندب إلى المقدم...... أو من يندبه من مأموري الضبط فإن دلالة الحال هي أن المعنى المقصود من حرف العطف المشار إليه هو الإباحة - لوروده قبل ما يجوز فيه الجمع، وهو ما يقطع بإطلاق الندب وإباحة انفراد الضابط بالتفتيش أو إشراك غيره معه فيه ممن يندبه لذلك من مأموري الضبط لما كان ذلك وكان الأصل أن الدفع ببطلان الضبط والتفتيش من الدفوع القانونية المختلطة بالواقع وهي لا تجوز إثارتها لأول مرة أمام محكمة النقض ما لم يكن قد دفع بها أمام محكمة الموضوع أو كانت مدونات الحكم ترشح لقيام ذلك البطلان لأنها تقتضي تحقيقاً تنحسر عنه وظيفة هذه المحكمة. ولما كان الثابت من محضري جلستي المحاكمة. أن الطاعن لم يدفع ببطلان التفتيش لعدم جدية التحريات وكانت مدونات الحكم قد خلت مما يرشح لقيام ذلك البطلان فإنه لا يقبل من الطاعن إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض. لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد رد على الدفع ببطلان تفتيش السيارة بقوله "أن السيارة المذكورة سبق أن أثبت السيد رئيس مباحث.... بمحضر تحرياته المؤرخ....... أن المتهم يستخدمها في تنقلاته وطلب الإذن من النيابة العامة بضبطها وتفتيشها وبالفعل صدر إذن النيابة بتفتيش السيارة رقم...... ملاكي القاهرة وقد شوهد المتهم قادماً لمسكنه بالسيارة المذكورة حيث أوقفها وأخرج من داخل حقيقتها الجركن الأول المضبوط كما ضبط "جركن" آخر داخل حقيبة السيارة ومن ثم فالسيارة المضبوطة ضبطت في حيازة المتهم وسبق أن صدر إذن من النيابة بتفتيشها. لما سبق فإن ما ينعاه الدفاع في هذا الخصوص يكون غير سديد. وهو رد سديد في القانون يستقيم به اطراح دفاع الطاعن المتعلق ببطلان الإذن وتفتيش السيارة ذلك أن حرمة السيارة الخاصة مستمدة من اتصالها بشخص صاحبها أو حائزها ولما كان الحكم قد أثبت أن السيارة في حيازة الطاعن وأنه قبيل الضبط كان يقودها وأوقفها قرب مسكنه وفتح حقيبتها وبدأ يستخرج بعض محتوياتها "جركن" ومن ثم يكون للطاعن صفة أصلية على السيارة هي حيازته لها وفي أن يوجه إليه الإذن في شأن تفتيشها, وبهذا يكون الإذن قد صدر سليماً من ناحية القانون وجرى تنفيذه على الوجه الصحيح مما يجعل ما أسفر عنه التفتيش دليلاً يصح الاستناد إليه في الإدانة. لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد قضى بمعاقبة الطاعن بالأشغال الشاقة لمدة سبع سنوات وتغريمه خمسه آلاف جنيه، وكانت هذه العقوبة مقررة في المادة 40/ 2 من القانون رقم 182 لسنة 1960 التي طبقتها المحكمة بعد استعمالها للمادة 17 من قانون العقوبات - عن التهمة الثانية الخاصة بالتعدي على الموظفين القائمين على تنفيذ القانون رقم 182 لسنة 1960 حالة كون الجاني يحمل سلاحاً، فإنه لا مصلحة للطاعن فيما يثيره بشأن التهمة الأولى وهي حيازة مخدر الامفيتامين لأنه لا يعتبر مادة مخدرة لخلو جدول الاتفاقية الدولية بشأن تحريم المخدرات والتي انضمت إليها مصر منه طالما أن المحكمة قد طبقت المادة 32 من قانون العقوبات وقضت بمعاقبة الطاعن بالعقوبة الأشد وهي العقوبة المقررة للتهمة الثانية. هذا فضلاً عن أن الحكم عرض لدفاع الطاعن في هذا الشأن ورد عليه بقوله "أن الاتفاقية الدولية للمخدرات الموقعة في نيويورك في 30/ 3/ 1961 والتي صدر بشأنها القرار الجمهوري رقم 1764 لسنة 1966 بتاريخ 2/ 5/ 1966 هي مجرد دعوة من الدول بصفتهم أشخاص القانون الدولي العام إلى القيام بعمل منسق لضمان فعالية التدابير المتخذة ضد إساءة استعمال المخدرات. ويبين من الاطلاع على نصوصها أنها لم تلغ أو تعدل صراحة أو ضمناً من أحكام قوانين المخدرات المعمول بها في الدول الموقعة عليها إذ نصت المادة 36 منها على الأحوال التي تدعو الدول إلى تحريمها والعقاب عليها دون أن تتعرض إلى تعريف الجرائم وإجراءات المحاكمة وتوقيع العقاب وتركت ذلك كله إلى القوانين المحلية للدول المنضمة إليها ويؤكد ذلك ما جرى به نص الفقرة الرابعة من تلك المادة من أنها لا تتضمن هذه المادة أي حكم مخل بمبدأ تعريف الجرائم التي ينص عليها ومحاكمة مرتكبيها ومعاقبتهم وفقاً للقوانين المحلية في الدول الأطراف المعنية. ومن ثم فإن مجال تطبيق أحكام هذه الاتفاقية يختلف عن مجال قانون المخدرات المعمول به في جمهورية مصر العربية". وما أورده الحكم صحيح في القانون مجزي في الرد على ما أثاره الطاعن في هذا الشأن. كما أن الثابت من الحكم المطعون فيه أنه نقل عن تقرير المعمل الكيماوي الذي لا ينازع الطاعن في صحة ما نقله الحكم عنه أنه ثبت أن السائل في الجركنين المضبوطين يحتوي على الامفيتامين المدرج بجدول المخدرات. وكان كنه المادة المخدرة المضبوطة قد قطع بحقيقته المختص فنياً وأن المادة المضبوطة هي من المواد المدرجة في جدول قانون المخدرات وكان من المقرر أن تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من مطاعن مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير شأنه في ذلك شأن سائر الأدلة، وهي غير ملزمة من بعد بإجابة الدفاع إلى ما طلبه من إعادة تحليل العينة ما دام أن الواقعة قد وضحت لديها ولم تر هي من جانبها حاجة إلى اتخاذ الإجراء لما كان ذلك وكان الحكم قد رد على طلب الطاعن إجراء معاينة وتجربة رؤيا بقوله "إن المحكمة لا ترى في هذا الطلب إلا إثارة الثبوت التي اقتنعت بها المحكمة وأنها لا تتجه إلى نفي الفعل المكون للجريمة ولا إلى استحالة وقوع الواقعة على النحو الذي رواه شهود الحادث". وهو رد سائغ كاف لرفض طلبات الطاعن من ثم فإن منعاه في هذا الصدد يكون على غير أساس. لما كان ذلك، وكان طلب الاستعلام من قلم المرور عن مالك السيارة التي ضبط بها المخدر لأنها غير مملوكة له غير منتج في الدعوى بعد أن ثبت حيازة المتهم لها على ما سلف بسطه - ومن ثم فلا يعيب الحكم عدم تحقيق الدفاع غير المنتج أو الرد عليه.
لما كان ذلك وكان الثابت من الاطلاع على محضري جلستي المحاكمة. أن الطاعن لم يطلب من المحكمة باقي الطلبات التي أوردها في أسباب طعنه، فليس له من بعد أن ينعى عليها قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلبه منها، ولا يعيب الحكم خلو محضر الجلسة من إثبات دفاع الخصم بالتفصيل إذ عليه إن كان يهمه تدوين أمر معين أن يطلب صراحة إثباته في هذا المحضر. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً

الطعن 5880 لسنة 56 ق جلسة 5 / 2 / 1987 مكتب فني 38 ج 1 ق 31 ص 213


جلسة 5 من فبراير سنة 1987
برياسة السيد المستشار/ أحمد أبو زيد نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ مصطفى طاهر وحسن عميره وصلاح البرجى ومحمد حسام الدين الغرياني.
---------------
(31)
الطعن رقم 5880 لسنة 56 القضائية

(1) إجراءات "الأعمال الإجرائية". تفتيش "إذن تفتيش. إصداره" "تنفيذه". إثبات. "بوجه عام". مواد مخدرة.
الأعمال الإجرائية. جريانها على حكم الظاهر. عدم إبطالها من بعد نزولاً على ما يتكشف من أمر الواقع.
صدور إذن التفتيش لضبط أسلحة نارية. صحة ضبط ما ينكشف عرضاً من جرائم أخرى. مثال. تنفيذ الإجراء المشروع في حدوده. لا يتولد عنه عمل باطل.
 (2)استدلالات. تفتيش "التفتيش بإذن". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تقدير جدية التحريات وكفايتها للإذن بالتفتيش. موضوعي.
تولي رجل الضبط القضائي بنفسه التحريات التي يؤسس عليها طلب الإذن بالتفتيش. غير لازم. له الاستعانة بمعاونيه من رجال السلطة العامة والمرشدين السريين أو غيرهم.
مجرد الخطأ في بيان مهنة المتهم أو محل إقامته لا ينال بذاته من جدية التحريات.
 (3)تزوير "الطعن بالتزوير". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". مواد مخدرة.
الطعن بالتزوير في ورقة مقدمة في الدعوى. من وسائل الدفاع الموضوعية. خضوعه لتقدير المحكمة.
النعي على المحكمة قعودها عن إجراء لم يطلب منها. غير مقبول.
 (4)تزوير "الادعاء بالتزوير". إثبات "بوجه عام" "شهادة" "خبرة". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
عدم التزام المحكمة الجنائية باتباع قواعد الإثبات المدنية والتجارية ومن ذلك تعيين خبير في دعاوى التزوير - متى أقامت حكمها على ما يسوغه.
 (5)دفوع "الدفع ببطلان القبض والتفتيش". تفتيش "إذن التفتيش. تنفيذه". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". مأمور الضبط القضائي.
إثارة الطاعنين أن إذن التفتيش لم يحدد به مكان تنفيذه وأن التفتيش تم في غير المكان المحدد بالإذن. غير مقبول. علة ذلك؟
صدور أمر تفتيش شخص. لمأمور الضبط القضائي تنفيذه أينما وجده. ما دام في دائرة اختصاص مصدر الإذن ومنفذه.
 (6)دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". دفوع "الدفع ببطلان التفتيش".
الدفع بصدور الإذن بالتفتيش بعد الضبط. موضوعي. كفاية اطمئنان المحكمة إلى وقوع الضبط والتفتيش بناء على رداً عليه.
(7) محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". مواد مخدرة. إثبات "بوجه عام". "حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
لا تثريب على المحكمة في قضائها متى كانت قد اطمأنت إلى أن العينة التي أرسلت للتحليل هي التي صار تحليلها وكذلك إلى النتيجة التي انتهى إليها التحليل.
 (8)مواد مخدرة. دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". مسئولية جنائية "أركانها". قصد جنائي. حكم "ما لا يعيبه في نطاق التدليل". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
مناط المسئولية في جريمة إحراز وحيازة الجواهر المخدرة. ثبوت اتصال الجاني بالمخدر بالذات أو بالواسطة بأية صورة عن علم وإرادة.
القصد الجنائي في جريمة إحراز أو حيازة المخدر. قوامه. العلم بكنه المادة المخدرة.
(9) حكم "ما لا يعيبه في نطاق التدليل" "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
خطأ الحكم فيما لا أثر له في عقيدته. لا يعيبه.
 (10)إثبات "بوجه عام". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
عدم التزام محكمة الموضوع بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي والرد على كل شبهة يثيرها. كفاية استفادة الرد من أدلة الثبوت التي يوردها الحكم.
 (11)إثبات "معاينة". دعوى جنائية "نظرها والحكم فيها". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
طلب المعاينة الذي لا يتجه إلى نفي الفعل أو إثبات استحالة حصوله. عدم التزام المحكمة بإجابته.

------------------
1 - من المقرر في صحيح القانون بحسب التأويل الذي استقر عليه قضاء هذه المحكمة أن الأصل في الأعمال الإجرائية أنها تجرى على حكم الظاهر وهي لا تبطل من بعد نزولاً على ما ينكشف من أمر الواقع وقد أعمل الشارع هذا الأصل وأدار عليه نصوصه ورتب أحكامه ومن شواهده ما نصت عليه المواد 30، 163، 382 من قانون الإجراءات الجنائية مما حاصله أن الأخذ بالظاهر لا يوجب بطلان العمل الإجرائي الذي يتم على مقتضاه وذلك تيسيراً لتنفيذ أحكام القانون وتحقيقاً للعدالة حتى لا يفلت الجناة من العقاب، فإذا كان الثابت من التحريات أن الطاعنين ينقلان أسلحة نارية فصدر الإذن من النيابة بالتفتيش على هذا الأساس فانكشفت جريمة حيازة المواد المخدرة عرضاً أثناء تنفيذه فإن الإجراء الذي تم يكون مشروعاً ويكون أخذ المتهمين بنتيجته صحيحاً، ولا يقدح في جدية التحريات أن يكون ما أسفر عنه التفتيش غير ما انصبت عليه، لأن الأعمال الإجرائية محكومة من جهتي الصحة والبطلان بمقدماتها لا بنتائجها.
2- من المقرر أن تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار الإذن بالتفتيش هو من المسائل الموضوعية التي يوكل الأمر فيها إلى سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع، ومتى كانت المحكمة قد اقتنعت بجدية الاستدلالات التي بني عليها إذن التفتيش وكفايتها لتسوغ إصداره وأقرت النيابة على تصرفها في هذا الشأن، فإنه لا معقب عليها فيما ارتأته لتعلقه بالموضوع لا بالقانون، وإذ كان القانون لا يوجب حتماً أن يتولى رجل الضبط القضائي بنفسه مراقبة الأشخاص المتحرى عنهم أو أن يكون على معرفة سابقة بهم بل له أن يستعين فيما يجريه من تحريات أو أبحاث أو ما يتخذه من وسائل التنقيب بمعاونيه من رجال السلطة العامة والمرشدين السريين ومن يتولون إبلاغه عما وقع بالفعل من جرائم ما دام أنه اقتنع شخصياً بصحة ما نقلوه إليه وبصدق ما تلقاه من معلومات، وكان مجرد الخطأ في بيان مهنة المتهم أو محل إقامته لا يقطع بذاته في عدم جدية التحري، فإن النعي على الحكم في هذا الشأن لا يكون له محل.
3 - من المقرر أن الطعن بالتزوير في ورقة من الأوراق المقدمة في الدعوى هو من وسائل الدفاع التي تخضع لتقدير المحكمة، وكانت المحكمة في حدود هذه السلطة التقديرية قد أطرحت الطعن بتزوير إذن التفتيش بما أوردته فيما تقدم من رد سائغ، وكان لا يغير من الأمر ما يثيره الطاعنان بأسباب الطعن من أن محضر التحريات بدوره جرى به تصحيح مماثل إذ ليس من شأن ذلك - بفرض صحته - أن ينال من سلامة استدلال الحكم على انتفاء وقوع التزوير، ولا محل أيضاً للنعي على الحكم في هذا الصدد من قعود المحكمة عن تحقيق التزوير بواسطة أحد المختصين فنياً للتحقيق من استعمال نفس المداد في كتابة أصل الإذن وعبارة التصحيح في تاريخ معاصر، إذ لا يبين من محضر جلسة المحاكمة أن الدفاع طلب اتخاذ هذا الإجراء فليس للطاعنين من بعد أن ينعيا على المحكمة قعودها عن إجراء لم يطلب منها.
4 - من المقرر أن المحكمة الجنائية غير ملزمة في سبيل تكوين عقيدتها باتباع قواعد معينة مما نص عليه قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية ومن ذلك تعيين خبير في دعاوى التزوير متى كان الأمر ثابتاً لديها للاعتبارات السائغة التي أخذت بها.
5 - لما كان ما يثيره الطاعنان من أن الإذن بالتفتيش لم يحدد به مكان تنفيذه وأن التفتيش تم في غير المكان المحدد بالإذن - فضلاً عما ينطوي عليه من تهاتر - مردوداً بأن القانون لا يتطلب تحديد الأماكن بإذن التفتيش إلا إذا كان الإذن صادراً بتفتيشها، أما إذا كان الإذن صادراً بتفتيش الأشخاص أو السيارات الخاصة كالحال في هذه الدعوى فلا يوجب القانون تحديد المكان الذي يجرى فيه التفتيش بالإذن، هذا إلى ما هو مقرر في قضاء هذه المحكمة من أنه متى صدر أمر من النيابة بتفتيش شخص، كان لمأمور الضبط القضائي المندوب لإجرائه أن ينفذه عليه أينما وجده ما دام المكان الذي جرى فيه التفتيش واقعاً في اختصاص من أصدر الأمر ومن نفذه.
6 - من المقرر أن الدفع بصدور الإذن بالتفتيش بعد الضبط إنما هو دفاع موضوعي، فإنه يكفي للرد عليه اطمئنان محكمة الموضوع إلى وقوع الضبط بناء على الإذن أخذاً بالأدلة التي أوردتها.
7 - لما كان الحكم قد أطرح ما أثاره الدفاع من التشكيك في نسبة المخدر إلى الطاعنين بمقولة أن وزن العينة التي أخذت من المضبوطات يختلف عن وزن تلك التي أرسلت للتحليل واستند الحكم في ذلك إلى أنه لم يثبت من الأوراق وقوع أي عبث في هذا الشأن وكان من المقرر أنه متى كانت المحكمة قد أطمأنت إلى أن العينة التي أرسلت للتحليل هي التي جرى تحليلها واطمأنت كذلك إلى نتيجة التحليل - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - فلا تثريب عليها إن هي قضت في الدعوى بناء على ذلك.
8 - لما كان مناط المسئولية في حالتي إحراز وحيازة الجواهر المخدرة هو ثبوت اتصال الجاني بالمخدر اتصالاً مباشراً أو بالواسطة وبسط سلطانه عليه بأية صورة من علم وإرادة إما بحيازة المخدر حيازة مادية أو بوضع اليد عليه على سبيل الملك والاختصاص ولو لم تتحقق الحيازة المادية، وكان القصد الجنائي في جريمة إحراز أو حيازة الجوهر المخدر يتحقق بعلم المحرز أو الحائز بأن ما يحرزه أو يحوزه من المواد المخدرة.
9 - لا يقدح في سلامة استخلاص الحكم لتوافر ركن العلم في الجريمة ما أثير بشأن الخطأ في الإسناد بقالة أن الحكم نسب إلى الطاعن الثاني القول بأن هناك تعامل بينه وبين الطاعن الأول مع أنه لم يذكر سوى أن لهما محلين متجاورين، ذلك أنه ليس من شأن هذا الخطأ أن يؤثر في منطق الحكم وفي استدلاله السائغ على توافر علم الطاعنين بحقيقة الجوهر المخدر، ومن ثم فإن نعيهما في هذا الوجه لا يعتد به.
10 - لما كانت محكمة الموضوع ليست ملزمة بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي والرد على كل شبهة يثيرها على استقلال، إذ الرد يستفاد دلالة من أدلة الثبوت التي يوردها الحكم، وفي عدم إيرادها لهذا الدفاع ما يدل على أنها أطرحته اطمئناناً منها للأدلة التي عولت عليها في الإدانة.
11 - لما كان الحكم قد عرض لطلب هذا الطاعن إجراء معاينة لمكان ضبط الجوال المحتوي على المخدر بالسيارة وأطرحه استناداً إلى أن المحكمة وضح لها من أقوال شاهد الإثبات التي وثقت بها أن الجوال كان على الدواسة الموجودة أسفل المقعد الأمامي الأيمن للسيارة مما يغنى عن المعاينة، وهو رد كاف وسائغ في تبرير رفض هذا الطلب الذي لا يتجه في صورة الدعوى إلى نفي الفعل المكون للجريمة أو إثبات استحالة حصول الواقعة كما رواها الشاهد، وإنما المقصود به إثارة الشبهة في الدليل الذي اطمأنت إليه المحكمة، ومن ثم فإنه يعتبر دفاعاً موضوعياً لا تلتزم المحكمة بإجابته.


الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما: حازا بقصد الاتجار جوهراً مخدراً (حشيشاً) وذلك في غير الأحوال المصرح بها قانوناً. وأحالتهما إلى محكمة جنايات القاهرة لمحاكمتهما طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 1، 2، 37، 38، 42/ 1 من القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل والبند رقم 57 من الجدول رقم 1 الملحق بالقانون المذكور والمعدل بقرار وزير الصحة رقم 295 لسنة 1976 بمعاقبة كل من المتهمين بالسجن لمدة سبع سنوات وتغريم كل منهما مبلغ ثلاثة آلاف جنيه ومصادرة المخدر المضبوط باعتبار أن حيازة المخدر كان بغير قصد الاتجار أو التعاطي أو الاستعمال الشخصي.
فطعن كل من المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة
حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعنين بجريمة حيازة جوهر مخدر بغير قصد الاتجار أو التعاطي أو الاستعمال الشخصي قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال وانطوى على الخطأ في الإسناد والإخلال بحق الدفاع، ذلك بأن الطاعنين دفعاً ببطلان إذن التفتيش لابتنائه على تحريات غير جدية بدلالة ما أسفر عنه التفتيش من جريمة أخرى غير التي انصبت عليها التحريات وأن الضابط الذي أجراها لم يتول المراقبة بنفسه وأخطأ في بيان مهنة الطاعن الثاني ومحل إقامته، وتأسيساً على تزوير الإذن لإجراء تعديل به في بيان الجهة التي تتبعها السيارة المأذون بتفتيشها، فضلاً عن أنه لم يحدد به مكان تنفيذه، كما أثار الدفاع بطلان التفتيش ذاته لإجرائه في غير المكان المحدد بالإذن، وقبل صدوره مدللاً على ذلك بأقوال الطاعن الأول وتلاحق الإجراءات وتجهيل شاهد الإثبات مواقيت اتخاذها. وتمسك كذلك بأن وزن العينة التي اجتزئت من المضبوطات يختلف عن وزن تلك التي أجرى عليها التحليل مما يدل على مغايرة المادة المضبوطة - لما تم تحليله إلا أن الحكم أغفل الرد على بعض هذه الدفوع وجاء رده على بعضها الآخر غير سائغ ودون أن تحقق المحكمة واقعة تزوير الإذن عن طريق المختص فنياً ثم إن الحكم لم يدلل تدليلاً كافياً على توافر الركنين المادي والمعنوي للجريمة بحق الطاعنين، واعتمد في ذلك على ما حصله من أقوال لشاهد الإثبات لا تؤدي إلى ما رتبه عليها، وما أورده على خلاف الثابت بالأوراق من وجود تعامل بين الطاعنين، وخلص في هذا الشأن إلى اطراح دفعهما بشيوع التهمة بما لا يسوغ. كما أعرض الحكم عما ساقه الطاعن الثاني في دفاعه من شواهد على انتفاء صلته بالواقعة هذا إلى أن الأخير تمسك بإجراء معاينة لمكان ضبط كيس المخدرات بالسيارة لإثبات استحالة حصول الواقعة كما رواها الشاهد فلم تجبه المحكمة إلى طلبه واطرحته بما لا يصح رداً، مما يعيب الحكم ويوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين الواقعة بما محصله أن الضابط شاهد الإثبات تبين من تحرياته أن الطاعنين ينقلان أسلحة نارية لمنطقة عرب بلي بصحراء أبي صير ويستخدمان في هذا الغرض السيارة رقم 2666202 ملاكي الإسكندرية فاستصدر إذناً من النيابة بتفتيشهما والسيارة المذكورة في الساعة الواحدة وعشر دقائق من صباح 26/ 11/ 1985 وأعد كميناً لهذا الغرض بتلك المنطقة، وما لبث أن شاهد السيارة لدى دخولها إليها، وبعد خروجها منها بحوالي ساعة حاول استيقافها فلما لم يذعن قائدها قام بمطاردتها وتمكن من إيقافها ووجد بها آنذاك الطاعن الأول جالساً أمام عجلة القيادة وإلى جواره الطاعن الثاني الذي أسرع بالفرار فلم يتمكن من ضبطه، وبتفتيشه السيارة عثر فوق الدواسة الموجودة أسفل المقعد الأمامي الأيمن على جوال من البلاستيك موضوع بحالة ظاهرة وبداخله اثنتان وعشرون طربه "من الحشيش" كما عثر على رخصة قيادة باسم الطاعن الثاني وعلى توكيل صادر إليه بإدارة السيارة، وبمواجهة الطاعن الأول بالمخدر المضبوط أقر بحيازته له مع الطاعن الثاني، وأورد الحكم على ثبوت الواقعة على هذه الصورة أدلة سائغة مستمدة من أقوال الضابط بالتحقيقات وبالجلسة التي حصلها بما لا يخرج عما تقدم ومن تقرير المعامل الكيماوية. لما كان ذلك، وكان من المقرر في صحيح القانون بحسب التأويل الذي استقر عليه قضاء هذه المحكمة أن الأصل في الأعمال الإجرائية أنها تجرى على حكم الظاهر وهي لا تبطل من بعد نزولاً على ما ينكشف من أمر الواقع وقد أعمل الشارع هذا الأصل وأدار عليه نصوصه ورتب أحكامه ومن شواهده ما نصت عليه المواد 30، 163، 382 من قانون الإجراءات الجنائية مما حاصله أن الأخذ بالظاهر لا يوجب بطلان العمل الإجرائي الذي يتم على مقتضاه وذلك تيسيراً لتنفيذ أحكام القانون وتحقيقاً للعدالة حتى لا يفلت الجناة من العقاب، فإذا كان الثابت من التحريات أن الطاعنين ينقلان أسلحة نارية فصدر الإذن من النيابة بالتفتيش على هذا الأساس فانكشفت جريمة حيازة المواد المخدرة عرضاً أثناء تنفيذه فإن الإجراء الذي تم يكون مشروعاً ويكون أخذ المتهمين بنتيجته صحيحاً، ولا يقدح في جدية التحريات أن يكون ما أسفر عنه التفتيش غير ما انصبت عليه، لأن الأعمال الإجرائية محكومة من جهتي الصحة والبطلان بمقدماتها لا بنتائجها وكان من المقرر أن تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار الإذن بالتفتيش هو من المسائل الموضوعية التي يوكل الأمر فيها إلى سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع، ومتى كانت المحكمة قد اقتنعت بجدية الاستدلالات التي بني عليها إذن التفتيش وكفايتها لتسوغ إصداره وأقرت النيابة على تصرفها في هذا الشأن. فإنه لا معقب عليها فيما ارتأته لتعلقه بالموضوع لا بالقانون، وإذ كان القانون لا يوجب حتماً أن يتولى رجل الضبط القضائي بنفسه مراقبة الأشخاص المتحرى عنهم أو أن يكون على معرفة سابقة بهم بل له أن يستعين فيما يجريه من تحريات أو أبحاث أو ما يتخذه من وسائل التنقيب بمعاونيه من رجال السلطة العامة والمرشدين السريين ومن يتولون إبلاغه عما وقع بالفعل من جرائم ما دام أنه اقتنع شخصياً بصحة ما نقلوه إليه وبصدق ما تلقاه من معلومات، وكان مجرد الخطأ في بيان مهنة المتهم أو محل إقامته لا يقطع بذاته في عدم جدية التحري، فإن النعي على الحكم في هذا الشأن لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض لما أثير من تزوير إذن التفتيش استناداً إلى إجراء تعديل به في بيان الجهة التي تتبعها السيارة المأذون بتفتيشها بجعلها الإسكندرية بدلاً من القاهرة وأطرحه بما محصله أن المحكمة بعد أن استمعت إلى شهادة وكيل النيابة مصدر الإذن بأنه الذي أجرى ذلك التصحيح قد اطمأنت إلى أن الأمر لا يعدو مجرد خطأ مادي في الإذن جرى تصحيحه وأنه لو كان معتمداً بعد إتمام إجراءات الضبط والتفتيش - كما ذهب الدفاع - لأمكن تداركه ابتداء بمحضر التحريات، وإذ كان من المقرر أن الطعن بالتزوير في ورقة من الأوراق المقدمة في الدعوى هو من وسائل الدفاع التي تخضع لتقدير المحكمة، وكانت المحكمة في حدود هذه السلطة التقديرية قد أطرحت الطعن بتزوير إذن التفتيش بما أوردته فيما تقدم من رد سائغ، وكان لا يغير من الأمر ما يثيره الطاعنان بأسباب الطعن من أن محضر التحريات بدوره جرى به تصحيح مماثل إذ ليس من شأن ذلك - بفرض صحته - أن ينال من سلامة استدلال الحكم على انتفاء وقوع التزوير، ولا محل أيضاً للنعي على الحكم في هذا الصدد من قعود المحكمة عن تحقيق التزوير بواسطة أحد المختصين فنياً للتحقق من استعمال نفس المداد في كتابة أصل الإذن وعبارة التصحيح في تاريخ معاصر، إذ لا يبين من محضر جلسة المحاكمة أن الدفاع طلب اتخاذ هذا الإجراء فليس للطاعنين من بعد أن ينعيا على المحكمة قعودها عن إجراء لم يطلب منها، فضلاً عن أنه من المقرر أن المحكمة الجنائية غير ملزمة في سبيل تكوين عقيدتها باتباع قواعد معينة مما نص عليه قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية ومن ذلك تعيين خبير في دعاوى التزوير متى كان الأمر ثابتاً لديها للاعتبارات السائغة التي أخذت بها - كالحال في الدعوى المطروحة - فإن النعي على الحكم في هذا الخصوص يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعنان من أن الإذن بالتفتيش لم يحدد به مكان تنفيذه وأن التفتيش تم في غير المكان المحدد بالإذن - فضلاً عما ينطوي عليه من تهاتر - مردوداً بأن القانون لا يتطلب تحديد الأماكن بإذن التفتيش إلا إذا كان الإذن صادراً بتفتيشها، أما إذا كان الإذن صادراً بتفتيش الأشخاص أو السيارات الخاصة كالحال في هذه الدعوى - فلا يوجب القانون تحديد المكان الذي يجرى فيه التفتيش بالإذن، هذا إلى ما هو مقرر في قضاء هذه المحكمة من أنه متى صدر أمر النيابة بتفتيش شخص، كان لمأمور الضبط القضائي المندوب لإجرائه أن ينفذه عليه أينما وجده ما دام المكان الذي جرى فيه التفتيش واقعاً في اختصاص من أصدر الأمر ومن نفذه - وهو ما لا ينازع فيه الدفاع ومن ثم فإن النعي في هذا الوجه ببطلان الإذن بالتفتيش والتفتيش الذي تم بناء عليه يكون على غير أساس، لما كان ذلك، وكان الحكم قد أفصح عن اطمئنانه إلى أن التفتيش كان لاحقاً على صدور الإذن به استناداً إلى مضي فترة كافية ما بين ساعة صدور الإذن والوقت الذي تمت فيه إجراءات الضبط والتفتيش، وكان من المقرر أن الدفع بصدور الإذن بالتفتيش بعد الضبط إنما هو دفاع موضوعي، فإنه يكفي للرد عليه اطمئنان محكمة الموضوع إلى وقوع الضبط بناء على الإذن أخذاً بالأدلة التي أوردتها، ولا يعيب الحكم بعد ذلك خلوه من تحديد مواقيت الإجراءات التي اتخذها شاهد الإثبات، ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعنان في هذا الصدد غير سديد. لما كان ذلك، وكان الحكم قد أطرح ما أثاره الدفاع من التشكيك في نسبة المخدر إلى الطاعنين بمقولة أن وزن العينة التي أخذت من المضبوطات يختلف عن وزن تلك التي أرسلت للتحليل واستند الحكم في ذلك إلى أنه لم يثبت من الأوراق وقوع أي عبث في هذا الشأن، وكان من المقرر أنه متى كانت المحكمة قد أطمأنت إلى أن العينة التي أرسلت للتحليل هي التي جرى تحليلها واطمأنت كذلك إلى نتيجة التحليل - كما هو الحال في الدعوى المطروحة فلا تثريب عليها إن هي قضت في الدعوى بناء على ذلك، ومن ثم فإن هذا الوجه من الطعن يكون في غير محله. لما كان ذلك، وكان مناط المسئولية في حالتي إحراز وحيازة الجواهر المخدرة هو ثبوت اتصال الجاني بالمخدر اتصالاً مباشراً أو بالواسطة وبسط سلطانه عليه بأية صورة من علم وإرادة أما بحيازة المخدر حيازة مادية أو بوضع اليد عليه على سبيل الملك والاختصاص ولو لم تتحقق الحيازة المادية، وكان القصد الجنائي في جريمة إحراز أو حيازة الجوهر المخدر يتحقق بعلم المحرز أو الحائز بأن ما يحرزه أو يحوزه من المواد المخدرة وكان ما استند إليه الحكم من أقوال شاهد الإثبات - في معرض الرد على دفاع الطاعنين بانتفاء مسئوليتهما عن جريمة حيازة المخدر من أنهما كانا يستقلان معاً السيارة المضبوطة ويجلسان بالجزء الأمامي منها الذي وجد به الجوال المحتوي على المخدر موضوعاً بحالة ظاهرة سائغاً في الدلالة على حيازتهما للمخدر المضبوط وعلى علمهما بكنهه، ويعد كافياً في الرد على دفاعهما في هذا الخصوص وفي دحض ما أثاراه من شيوع التهمة وكان لا يقدح في سلامة استخلاص الحكم لتوافر ركن العلم في الجريمة ما أثير بشأن الخطأ في الإسناد بقالة أن الحكم نسب إلى الطاعن الثاني القول بأن هناك تعامل بينه وبين الطاعن الأول مع أنه لم يذكر سوى أن لهما محلين متجاورين، ذلك أنه ليس من شأن هذا الخطأ أن يؤثر في منطق الحكم وفي استدلاله السائغ على توافر علم الطاعنين بحقيقة الجوهر المخدر، ومن ثم فإن نعيهما في هذا الوجه لا يعتد به. لما كان ذلك، وكانت محكمة الموضوع ليست ملزمة بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي والرد على كل شبهة يثيرها على استقلال، إذ الرد يستفاد دلالة من أدلة الثبوت التي يوردها الحكم، وفي عدم إيرادها لهذا الدفاع ما يدل على أنها أطرحته اطمئناناً منها للأدلة التي عولت عليها في الإدانة، فإن منعى الطاعن الثاني على الحكم أنه لم يعرض لدفاعه بعدم صلته بالواقعة يكون في غير محله. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض لطلب هذا الطاعن إجراء معاينة لمكان ضبط الجوال المحتوي على المخدر بالسيارة وأطرحه استناداً إلى أن المحكمة وضح لها من أقوال شاهد الإثبات التي وثقت بها أن الجوال كان على الدواسة الموجودة أسفل المقعد الأمامي الأيمن للسيارة مما يغنى عن المعاينة، وهو رد كاف وسائغ في تبرير رفض هذا الطلب الذي لا يتجه في صورة الدعوى إلى نفي الفعل المكون للجريمة أو إثبات استحالة حصول الواقعة كما رواها الشاهد، وإنما المقصود به إثارة الشبهة في الدليل الذي أطمأنت إليه المحكمة، ومن ثم فإنه يعتبر دفاعاً موضوعياً لا تلتزم المحكمة بإجابته. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.

الطعن 4716 لسنة 56 ق جلسة 4 / 2 / 1987 مكتب فني 38 ج 1 ق 30 ص 194


جلسة 4 من فبراير سنة 1987
برياسة السيد المستشار/ محمد وجدي عبد الصمد نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ إبراهيم حسين رضوان نائب رئيس المحكمة وفتحي خليفة وسرى صيام وعلي الصادق عثمان.
-----------------
(30)
الطعن رقم 4716 لسنة 56 القضائية

(1) اختصاص "اختصاص ولائي". قضاء عسكري. قانون "تفسيره" "تطبيقه". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
المحاكم العادية صاحبة الولاية العامة بالفصل في الجرائم كافة إلا ما استثنى بنص خاص. أساس ذلك؟
إجازة بعض القوانين إحالة جرائم معينة إلى محاكم خاصة لا يسلب المحاكم العادية ولايتها بالفصل في تلك الجرائم ما دام أن القانون لم يرد به أن نص على انفراد المحكمة الخاصة بالاختصاص سواء كان معاقباً عليها بمقتضى قانون عام أو خاص. أساس ذلك؟
 (2)اختصاص "اختصاص ولائي" "تنازع الاختصاص". دستور. هيئة الشرطة. هيئات قضائية. قضاء عسكري. قانون "تفسيره".
قانون الأحكام العسكرية الصادر بالقانون رقم 25 لسنة 1966 أو قانون هيئة الشرطة أو أي تشريع آخر لم يرد فيه نص على انفراد القضاء العسكري دون غيره بالاختصاص على مستوى كافة مراحل الدعوى إلا فيما يتعلق بالأحداث الخاضعين لأحكامه. مفاد ذلك؟
النص في المادة 48 من قانون الأحكام العسكرية على أن السلطات القضائية العسكرية هي وحدها التي تقرر ما إذا كان الجرم داخلاً في اختصاصها أم لا. لا يفيد صراحة أو ضمناً انفراد القضاء العسكري وحده بنظر الجرائم المنصوص عليها في ذلك القانون. تحديد اختصاص الهيئات القضائية. أساسه؟
تنازع الاختصاص الإيجابي بين السلطات القضائية العسكرية وبين المحاكم الاستثنائية الخاصة. حكمه؟
 (3)اختصاص. "تنازع الاختصاص". محكمة عسكرية. محكمة استثنائية. محكمة عادية. قانون "تفسيره" "إلغاؤه". محكمة التنازع "المحكمة الدستورية العليا".
إلغاء النص التشريعي. عدم جوازه إلا بتشريع لاحق ينص صراحة على الإلغاء أو شموله نصاً يتعارض مع التشريع القديم أو ينظم من جديد الموضوع الذي سبق أن قرر قواعده ذلك التشريع.
عدم ورود نص تشريعي لاحق ينص صراحة على إلغاء المادة 48 من قانون الأحكام العسكرية. مؤداه؟
التنازع السلبي بين السلطات القضائية العسكرية وبين المحاكم العادية. حكمه؟
 (4)قتل خطأ. رابطة السببية.
تقدير الخطأ وتوافر رابطة السببية بينه وبين الإصابة. موضوعي.
 (5)قتل خطأ. نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
حق المحكمة في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها واطراح ما يخالفها من صور أخرى. شرط ذلك؟
 (6)إثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
الجدل الموضوعي في تقدير أدلة الدعوى وفي الصورة التي استخلصتها المحكمة. غير جائز أمام النقض.
(7) إثبات "معاينة" "خبرة". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". قتل خطأ. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
طلب إجراء المعاينة الذي لا يتجه إلى نفي الفعل المكون للجريمة ولا إلى إثبات استحالة حصول الواقعة كما رواها الشهود. لا تلتزم المحكمة بإجابته.
عدم التزام المحكمة إجابة الدفاع مناقشة الطبيب الشرعي. علة ذلك؟
 (8)إثبات "بوجه عام". قتل خطأ. مسئولية جنائية. جريمة "أركانها" محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
السرعة التي تصلح أساساً للمسائلة الجنائية. ماهيتها؟
تقدير ما إذا كانت سرعة السيارة في ظروف معينة تعد عنصراً من عناصر الخطأ أو لا تعد. موضوعي.

------------------
1 - استقر قضاء هذه المحكمة على أن المحاكم العادية هي صاحبة الولاية العامة بالفصل في الجرائم كافة إلا ما استثنى بنص خاص عملاً بنص الفقرة الأولى من المادة الخامسة عشرة من قانون السلطة القضائية الصادر بالقرار بقانون رقم 46 لسنة 1972، في حين أن غيرها من المحاكم ليست إلا محاكم استثنائية أو خاصة، وأنه وإن أجازت القوانين في بعض الأحوال، إحالة جرائم معينة إلى محاكم خاصة، إلا أن هذا لا يسلب المحاكم العادية ولايتها بالفصل في تلك الجرائم ما دام أن القانون الخاص لم يرد به أي نص على انفراد المحكمة الخاصة بالاختصاص، يستوي في ذلك أن تكون الجريمة معاقباً عليها بموجب القانون العام أو بمقتضى قانون خاص، إذ لو أراد الشارع أن يقصر الاختصاص على محكمة معينة ويفردها به، لما أعوزه النص على ذلك صراحة على غرار ما جرى عليه في قوانين عدة منها قانون السلطة القضائية سالف الذكر حين نص في المادة 83 منه التي ناطت بدوائر المواد المدنية والتجارية بمحكمة النقض "دون غيرها" الفصل في الطلبات التي يقدمها رجال القضاء والنيابة العامة بإلغاء القرارات الجمهورية والوزارية المتعلقة بشئونهم وفي شأن طلبات التعويض والمنازعات الخاصة بالمرتبات والمعاشات والمكافآت، وقانون مجلس الدولة الصادر بالقرار بقانون رقم 47 لسنة 1972 حين نص في المادة العاشرة منه على اختصاص محاكم مجلس الدولة "دون غيرها" بالفصل في المسائل التي حددها، والقانون رقم 31 لسنة 1974 بشأن الأحداث حين نص في الفقرة الأولى من المادة التاسعة والعشرين منه على اختصاص محكمة الأحداث "دون غيرها" بالنظر في أمر الحدث عند اتهامه في الجرائم وعند تعرضه للانحراف، أما غير الحدث - إذا أسهم في جريمة من الجرائم المنصوص عليها في قانون الأحداث - فإن الشارع وإن جعل لمحكمة الأحداث اختصاصاً بنظرها بموجب الفقرة الثانية من المادة التاسعة والعشرين سالفة الذكر، إلا أنه لم يفردها بهذا الاختصاص كما فعل في الفقرة الأولى، وبالتالي لم يسلب المحاكم العادية ولايتها بالفصل فيها. وقد التزم الشارع هذا النهج ولم يشذ عنه في اللجان التي أضفى عليها اختصاصاً قضائياً، من ذلك ما نص عليه في المادة 13 مكررة (1) من المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 بالإصلاح الزراعي من تشكيل لجان يكون من مهمتها في حالة المنازعة، تحديد ما يجب الاستيلاء عليه من الأراضي الزراعية طبقاً لأحكام هذا القانون، وأنه "واستثناء من حكم المادة 12 من قانون نظام القضاء، يمتنع على المحاكم النظر في المنازعات المتعلقة بملكية الأطيان المستولى عليها..." وفي المادة الثالثة من القانون رقم 54 لسنة 1966 بشأن لجان الفصل في المنازعات الزراعية من اختصاصها بنظر المنازعات الناشئة عن العلاقة الإيجارية في الأراضي الزراعية وغيرها "وبوجه خاص تختص اللجنة" وحدها "بالفصل في المسائل الآتية: ( أ ).... (ب)..... (ج)...." وفي الفقرة الثانية من المادة السابعة من القانون ذاته من أنه "يمتنع على المحاكم النظر في المنازعات التي تدخل في اختصاص هذه اللجان طبقاً للفقرة 2 من المادة 3"، وفي المادة الخامسة من القانون رقم 43 لسنة 1982 في شأن إنهاء الأحكار على الأعيان الموقوفة من اختصاص اللجنة القضائية المنصوص عليها فيها "دون غيرها" بالفصل في المسائل الواردة في البنود من الأول إلى الخامس منها. وقد أخذ الدستور بهذا المفهوم عندما نص في المادة 175 منه على أن تتولى المحكمة الدستورية "دون غيرها" الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح.
2 - لما كانت المحاكم العسكرية المنصوص عليها في القانون رقم 25 لسنة 1966 بإصدار قانون الأحكام العسكرية ليست إلا محاكم خاصة ذات اختصاص خاص، وأنه وإن ناط بها هذا القانون الاختصاص بنوع معين من الجرائم، ومحاكمة فئة خاصة من المتهمين، إلا أنه لم يؤثرها بهذه المحاكمة وذلك الاختصاص أو يحظرها على المحاكم العادية، إذ لم يرد فيه، ولا في قانون هيئة الشرطة رقم 109 لسنة 1971، ولا في أي تشريع آخر، نص على إنفراد القضاء العسكري بالاختصاص على مستوى كافة مراحل الدعوى ابتداء من تحقيقها وانتهاء بالفصل فيها - إلا فيما يتعلق بالجرائم التي تقع من الأحداث الخاضعين لأحكامه عملاً بنص المادة الثامنة مكرراً منه. ولا يقدح في ذلك، ما نصت عليه المادة الرابعة من مواد إصدار ذلك القانون، من سريان أحكامه على جميع الدعاوى الداخلة في اختصاصه، ما لم تكن قد رفعت إلى الجهات القضائية المختصة، ذلك بأن الشق الأول من النص قد خلا مما يفيد انعقاد الاختصاص بنظر الدعاوى المشار إليها فيه للقضاء العسكري وحده دون غيره، والشق الثاني منه يعالج الحالة التي تكون فيها هذه الدعاوى قد رفعت إلى الجهات القضائية المختصة قبل العمل به في أول يونيه سنة 1966، فأبقى الاختصاص بنظرها معقوداً لتلك الجهات دون أن يشاركها فيه القضاء العسكري. ويؤكد هذا النظر أن الشارع عندما أراد أن يعقد الاختصاص بجرائم الأحداث الخاضعين لأحكام قانون الأحكام العسكرية للقضاء العسكري وحده، فقد نص صراحة في المادة الثامنة مكرراً من هذا القانون - والمضافة بالقانون رقم 72 لسنة 1975 - على أن إفراده بذلك الاختصاص إنما هو استثناء من أحكام القانون رقم 31 لسنة 1974 بشأن الأحداث، وهو ما يتأدى منه أنه باستثناء ما أشير إليه في تلك المادة من جرائم تقع من الأحداث الخاضعين لأحكامه، وكذلك الجرائم التي تقع من الأحداث الذين تسري في شأنهم أحكامه إذا وقعت الجريمة مع واحد أو أكثر من الخاضعين لأحكامه، فإنه لا يحول بين المحاكم العادية وبين الاختصاص بالفصل في الجرائم المنصوص عليها فيه، مانع من القانون، ويكون اختصاص القضاء العسكري بجرائم الأحداث المنصوص عليها في المادة 8 مكرراً سالفة الذكر، إنما هو خروج على الأصل العام المقرر بقانون السلطة القضائية. أما ما عدا هؤلاء الأحداث وتلك الجرائم مما أسبغت سائر نصوص قانون الأحكام العسكرية على القضاء العسكري الفصل فيها، دون أن تفرده بذلك انتزاعاً من المحاكم صاحبة الولاية العامة في القضاء فإنه ليس ثمة ما يحول بين هذه المحاكم وبين الفصل فيها إعمالاً لحقها الأصيل، إذ لا محل للقول باختصاص استئثاري للقضاء العسكري بها، ويكون الاختصاص في شأنها - بالتعويل على ذلك - مشتركاً بين القضاء العسكري وبين المحاكم، لا يمنع نظر أيهما فيها، من نظر الأخرى، إلا أن تحول دون ذلك قوة الأمر المقضي. ولا ينال من هذا النظر، النص في المادة الثامنة والأربعين من قانون الأحكام العسكرية آنف الذكر على أن "السلطات القضائية العسكرية هي وحدها التي تقرر ما إذا كان الجرم داخلاً في اختصاصها أم لا". ذلك أن هذا النص - وأياً كان وجه الرأي فيه - لا يفيد صراحة ولا ضمناً، انفراد القضاء العسكري وحده بنظر الجرائم المنصوص عليها في قانون الأحكام العسكرية، ذلك أن اختصاص الهيئات القضائية - وعلى ما جرى به نص المادة 167 من الدستور - يحدده القانون، ومن ثم يكون قصارى ما يفيده نص المادة 48 سالفة الذكر، أن السلطات القضائية العسكرية هي وحدها صاحبة القول الفصل عند تنازع الاختصاص، وهو ما يؤكده أن لفظة "وحدها" وردت بعد عبارة "السلطات القضائية العسكرية" ولم ترد بعد لفظة "اختصاصها" في نهاية النص. لما كان ذلك، وكان إعمال مقتضى هذا النص في حالة التنازع الإيجابي بين السلطات المشار إليها فيه، وبين هيئة أو محكمة استثنائية ذات اختصاص قضائي أو محكمة خاصة، أنه متى رفعت الدعوى الجنائية إليها عن جريمة سبق أن قرر القضاء العسكري أنها تدخل في اختصاصه الولائي، تعين عليها أن تحكم بعدم اختصاصها بنظرها، وهو ما لا يسري على المحاكم العادية لأن القضاءين العادي والعسكري قسيمان في الاختصاص بالجرائم المنصوص عليها في قانون الأحكام العسكرية.
3 - لما كان من المقرر وفق القاعدة العامة الواردة في المادة الثانية من القانون المدني أنه "لا يجوز إلغاء نص تشريعي إلا بتشريع لاحق ينص صراحة على هذا الإلغاء أو يشتمل على نص يتعارض مع نص التشريع القديم أو ينظم من جديد الموضوع الذي سبق أن قرر قواعده ذلك التشريع "وكان قانون الأحكام العسكرية الصادر بالقانون رقم 25 لسنة 1966، وقانون كلتا المحكمتين العليا والدستورية، بمنزلة سواء في مدارج التشريع، وكانت القوانين سالفة الذكر اللاحقة على قانون الأحكام العسكرية لم تنص صراحة على إلغاء نص المادة 48 من هذا القانون، بل وخلت نصوصها وديباجاتها من أية إشارة إلى قانون الأحكام العسكرية، وكانت القوانين اللاحقة إنما هي تشريعات عامة فيما انتظمته من أحكام في شأن تنازع الاختصاص - إيجاباً وسلباً - بالنسبة للدعاوى التي ترفع عن موضوع واحد أمام مختلف جهات القضاء أو الهيئات ذات الاختصاص القضائي بعامة، وسواء أكانت تلك الدعاوى مدنية أم إدارية أم جنائية، في حين أن نص المادة 48 من قانون الأحكام العسكرية إنما هو نص خاص ورد في تشريع خاص وقصر ولاية السلطات القضائية العسكرية المنصوص عليها فيه على الفصل في تنازع الاختصاص في الدعاوى الجنائية التي تكون فيها تلك السلطات طرفاً في هذا التنازع فحسب، وكان من المقرر أيضاً أن الخاص يقيد العام، فإن نص المادة 48 من قانون الأحكام العسكرية يكون قائماً لم ينسخه قانون المحكمة العليا الصادر بالقانون رقم 81 لسنة 1969، ولا قانون الإجراءات والرسوم أمام تلك المحكمة الصادر بالقانون رقم 66 لسنة 1970، ولا قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 والذي خصتها المادة 25 ثانياً منه - دون غيرها - بالفصل في تنازع الاختصاص بتعيين الجهة المختصة من بين جهات القضاء أو الهيئات ذات الاختصاص القضائي، ويكون لكل من النصين مجال تطبيقه، لا يتداخلان ولا يبغيان. يؤيد بقاء نص المادة 48 من قانون الأحكام العسكرية قائماً، استثناء من النصوص الواردة في التشريعات العامة اللاحقة، إنه ظل ماضياً في تحقيق الغرض منه، سواء في ظل قانون السلطة القضائية الصادر بالقانون رقم 43 لسنة 1965 - من قبل - والذي كان ينص في المادة 17 منه على محكمة تنازع الاختصاص أم في ظل قانون كلتا المحكمتين العليا والدستورية - من بعد - الذي نقل الفصل في تنازع الاختصاص - على التعاقب - إليهما، فقد جرى قضاء هذه المحكمة - محكمة النقض - على تطبيق نص المادة 48 المشار إليه بهذا المفهوم على التنازع السلبي بين السلطات القضائية العسكرية وبين المحاكم العادية، وألزمت هذه المحاكم بالفصل في أية جريمة ترى تلك السلطات عدم اختصاصها بها اعتباراً بأن قرارها في هذا الشأن هو القول الفصل الذي لا يقبل تعقيباً.
4 - إن تقدير الخطأ المستوجب لمسئولية مرتكبه جنائياً أو مدنياً وتقدير توافر السببية بين الخطأ والنتيجة أو عدم توافره هو من المسائل الموضوعية التي تفصل فيها محكمة الموضوع بغير معقب ما دام تقديرها سائغاً ومستنداً إلى أدلة مقبولة ولها أصل في الأوراق.
5 - من المقرر أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إلى اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق.
6 - إن ما يثيره الطاعن في شأن إغفال دفاعه بارتداد الحادث إلى المجني عليه الذي قفز أمامه فجأة ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير أدلة الدعوى وفي الصورة التي استخلصتها المحكمة لها مما لا يجوز أمام محكمة النقض.
7 - إن المحكمة لا تلتزم بإجابة طلب إجراء المعاينة الذي لا يتجه إلى نفي الفعل المكون للجريمة ولا إلى إثبات استحالة حصول الواقعة كما رواها الشهود، بل كان المقصود به إثارة الشبهة في الدليل الذي اطمأنت إليه المحكمة، كما لا تلتزم بإجابة الدفاع إلى طلبه مناقشة الطبيب الشرعي ما دام أن الواقعة قد وضحت لديها ولم تر هي من جانبها حاجة إلى اتخاذ هذا الإجراء - وهو الحال في الدعوى.
8 - من المقرر أن السرعة التي تصلح أساساً للمساءلة الجنائية في جريمتي القتل والإصابة الخطأ ليست لها حدود ثابتة وإنما هي التي تجاوز الحد الذي تقتضيه ملابسات الحال وظروف المرور وزمانه ومكانه، فيتسبب عن هذا التجاوز الموت أو الجرح، وأن تقدير ما إذا كانت سرعة السيارة في ظروف معينة تعد عنصراً من عناصر الخطأ أو لا تعد هو مما يتعلق بموضوع الدعوى.


الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: تسبب بخطئه في موت الطفل ...... وكان ذلك ناشئاً عن إهماله وعدم احترازه ومخالفته للقوانين واللوائح بأن قاد الجرار الزراعي بحالة ينجم عنها الخطر فاصطدم بالمجني عليه سالف الذكر وأحدث به الإصابات المبينة بالتقرير الطبي والتي أودت بحياته. ثانياً: قاد الجرار الزراعي بحالة ينجم عنها الخطر. وطلبت عقابه بالمادة 238/ 1 من قانون العقوبات والمواد 3، 5، 63/ 1، 77 من القانون رقم 66 لسنة 1973 المعدل. وادعى والد ووالدة المجني عليه مدنياً قبل المتهم بطلب إلزامه بأن يدفع لهما مبلغ مائة وواحد جنيه على سبيل التعويض المؤقت. ومحكمة جنح مركز بنها الجزئية قضت حضورياً عملاً بمواد الاتهام بحبس المتهم سنة مع الشغل وكفالة خمسين جنيهاً لوقف التنفيذ وإلزامه بأن يؤدي للمدعيين بالحق المدني مبلغ مائة وواحد جنيه على سبيل التعويض المؤقت. استأنف المحكوم عليه، ومحكمة بنها الابتدائية (بهيئة استئنافية) قضت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بتعديل الحكم المستأنف والاكتفاء بحبس المتهم ستة أشهر مع الشغل وتأييد الحكم فيما عدا ذلك.
فطعن الأستاذ/........ المحامي نيابة عن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة
من حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه إنه إذ دانه بجريمة القتل الخطأ وألزمه بالتعويض قد خالف القانون وشابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع، ذلك بأنه صدر من محكمة عادية لا ولاية لها بنظر الدعوى لأن الطاعن من جنود القوات المسلحة الموزعين داخلياً على قسم قوات أمن القليوبية فينعقد الاختصاص بمحاكمته للقضاء العسكري إعمالاً للقانون رقم 25 لسنة 1966 بإصدار قانون الأحكام العسكرية، والذي نصت المادة 48 منه على حق هذا القضاء وحده في تقرير ما إذا كان الجرم داخلاً في اختصاصه أم لا، وأغفل الحكم دفاع الطاعن أن الحادث يرتد إلى خطأ المجني عليه غير المميز الذي قفز فجأة أمام المركبة ووجدت آثار دمائه بمنتصف الطريق، وأعرض عن طلب انتقال المحكمة لمعاينة مكان الحادث لإثبات استحالة حصوله وفق تصوير الشاهد، ومناقشة الطبيب الشرعي في بيان الصلة بين الحادث وبين الصدمة الجراحية والتي لم يستظهرها الحكم، واعتبر قول الطاعن أنه كان يقود المركبة بسرعة ثلاثين كيلو متراً في الساعة اعترافاً بالخطأ مع أن هذه السرعة في حد ذاتها لا تؤدي إلى وقوع الحادث، وعول على عدم تهدئة السرعة عند منعطف الطريق الذي حدثت فيه الواقعة مع أن آثار الدماء وجدت في منتصفه. كل ذلك يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة قد استقر على أن المحاكم العادية هي صاحبة الولاية العامة بالفصل في الجرائم كافة إلا ما استثنى بنص خاص عملاً بنص الفقرة الأولى من المادة الخامسة عشر من قانون السلطة القضائية الصادر بالقرار بقانون رقم 46 لسنة 1972، في حين أن غيرها من المحاكم ليست إلا محاكم استثنائية أو خاصة، وأنه وإن أجازت القوانين في بعض الأحوال، إحالة جرائم معينة إلى محاكم خاصة، إلا أن هذا لا يسلب المحاكم العادية ولايتها بالفصل في تلك الجرائم ما دام أن القانون الخاص لم يرد به أي نص على إنفراد المحكمة الخاصة بالاختصاص، يستوي في ذلك أن تكون الجريمة معاقباً عليها بموجب القانون العام أو بمقتضى قانون خاص، إذ لو أراد الشارع أن يقصر الاختصاص على محكمة معينة ويفردها به، لما أعوزه النص على ذلك صراحة على غرار ما جرى عليه في قوانين عدة منها قانون السلطة القضائية سالف الذكر حين نص في المادة 83 منه التي ناطت بدوائر المواد المدنية والتجارية بمحكمة النقض "دون غيرها" الفصل في الطلبات التي يقدمها رجال القضاء والنيابة العامة بإلغاء القرارات الجمهورية والوزارية المتعلقة بشئونهم وفي شأن طلبات التعويض والمنازعات الخاصة بالمرتبات والمعاشات والمكافآت، وقانون مجلس الدولة الصادر بالقرار بقانون رقم 47 لسنة 1972 حين نص في المادة العاشرة منه على اختصاص محاكم مجلس الدولة "دون غيرها" بالفصل في المسائل التي حددها، والقانون رقم 31 لسنة 1974 بشأن الأحداث حين نص في الفقرة الأولى من المادة التاسعة والعشرين منه على اختصاص محكمة الأحداث "دون غيرها" بالنظر في أمر الحدث عند اتهامه في الجرائم وعند تعرضه للانحراف، أما غير الحدث - إذا أسهم في جريمة من الجرائم المنصوص عليها في قانون الأحداث - فإن الشارع وإن جعل لمحكمة الأحداث اختصاصاً بنظرها بموجب الفقرة الثانية من المادة التاسعة والعشرين سالفة الذكر، إلا أنه لم يفردها بهذا الاختصاص كما فعل في الفقرة الأولى، وبالتالي لم يسلب المحاكم العادية ولايتها بالفصل فيها. وقد التزم الشارع هذا النهج ولم يشذ عنه في اللجان التي أضفى عليها اختصاصاً قضائياً، من ذلك ما نص عليه في المادة 13 مكررة (1) من المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 بالإصلاح الزراعي من تشكيل لجان يكون من مهمتهما في حالة المنازعة، تحديد ما يجب الاستيلاء عليه من الأراضي الزراعية طبقاً لأحكام هذا القانون، وأنه "استثناء من حكم المادة 12 من قانون نظام القضاء، يمتنع على المحاكم النظر في المنازعات المتعلقة بملكية الأطيان المستولى عليها..." وفي المادة الثالثة من القانون رقم 54 لسنة 1966 بشأن لجان الفصل في المنازعات الزراعية من اختصاصها بنظر المنازعات الناشئة عن العلاقة الإيجارية في الأراضي الزراعية وغيرها "وبوجه خاص تختص اللجنة "وحدها" بالفصل في المسائل الآتية: ( أ ).... (ب)..... (ج)...." وفي الفقرة الثانية من المادة السابعة من القانون ذاته من أنه "يمتنع على المحاكم النظر في المنازعات التي تدخل في اختصاص هذه اللجان طبقاً للفقرة 2 من المادة 3"، وفي المادة الخامسة من القانون رقم 43 لسنة 1982 في شأن إنهاء الأحكار على الأعيان الموقوفة من اختصاص اللجنة القضائية المنصوص عليها فيها "دون غيرها" بالفصل في المسائل الواردة في البنود من الأول إلى الخامس منها. وقد أخذ الدستور بهذا المفهوم عندما نص في المادة 175 منه على أن تتولى المحكمة الدستورية "دون غيرها" الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح. لما كان ذلك، وكانت المحاكم العسكرية المنصوص عليها في القانون رقم 25 لسنة 1966 بإصدار قانون الأحكام العسكرية ليست إلا محاكم خاصة - ذات اختصاص خاص، وإنه وإن ناط بها هذا القانون الاختصاص بنوع معين من الجرائم، ومحاكمته فئة خاصة من المتهمين، إلا أنه لم يؤثرها بهذه المحاكمة وذلك الاختصاص أو يحظرهما على المحاكم العادية، إذ لم يرد فيه، ولا في قانون هيئة الشرطة رقم 109 لسنة 1971، ولا في أي تشريع آخر، نص على إنفراد القضاء العسكري بالاختصاص على مستوى كافة مراحل الدعوى ابتداء من تحقيقها وانتهاء بالفصل فيها - إلا فيما يتعلق بالجرائم التي تقع من الأحداث الخاضعين لأحكامه عملاً بنص المادة الثامنة مكرراً منه. ولا يقدح في ذلك، ما نصت عليه المادة الرابعة من مواد إصدار ذلك القانون، من سريان أحكامه على جميع الدعاوى الداخلة في اختصاصه، ما لم تكن قد رفعت إلى الجهات القضائية المختصة، ذلك بأن الشق الأول من النص قد خلا مما يفيد انعقاد الاختصاص بنظر الدعاوى المشار إليها فيه للقضاء العسكري وحده دون غيره، والشق الثاني منه يعالج الحالة التي تكون فيها هذه الدعاوى قد رفعت إلى الجهات القضائية المختصة قبل العمل به في أول يونيه سنة 1966، فأبقى الاختصاص بنظرها معقوداً لتلك الجهات دون أن يشاركها فيه القضاء العسكري. يؤكد هذا النظر أن الشارع عندما أراد أن يعقد الاختصاص بجرائم الأحداث الخاضعين لأحكام قانون الأحكام العسكرية للقضاء العسكري وحده. فقد نص صراحة في المادة الثامنة مكرراً من هذا القانون - والمضافة بالقانون رقم 72 لسنة 1975 - على أن إفراده بذلك الاختصاص إنما هو استثناء من أحكام القانون رقم 31 لسنة 1974 بشأن الأحداث، وهو ما يتأدى منه أنه باستثناء ما أشير إليه في تلك المادة من جرائم تقع من الأحداث الخاضعين لأحكامه، وكذلك الجرائم التي تقع من الأحداث الذين تسري في شأنهم أحكامه إذا وقعت الجريمة مع واحد أو أكثر من الخاضعين لأحكامه، فإنه لا يحول بين المحاكم العادية وبين الاختصاص بالفصل في الجرائم المنصوص عليها فيه، مانع من القانون، ويكون اختصاص القضاء العسكري بجرائم الأحداث المنصوص عليها في المادة 8 مكرراً سالفة الذكر، إنما هو خروج على الأصل العام المقرر بقانون السلطة القضائية. أما ما عدا هؤلاء الأحداث وتلك الجرائم مما أسبغت سائر نصوص قانون الأحكام العسكرية على القضاء العسكري الفصل فيها، دون أن تفرده بذلك انتزاعاً من المحاكم صاحبة الولاية العامة في القضاء فإنه ليس ثمة ما يحول بين هذه المحاكم وبين الفصل فيها إعمالاً لحقها الأصيل، إذ لا محل للقول باختصاص استئثاري للقضاء العسكري بها، ويكون الاختصاص في شأنها - بالتعويل على ذلك - مشتركاً بين القضاء العسكري وبين المحاكم، لا يمنع نظر أيهما فيها، من نظر الأخرى، إلا أن تحول دون ذلك قوة الأمر المقضي. ولا ينال من هذا النظر، النص في المادة الثامنة والأربعين من قانون الأحكام العسكرية آنف الذكر على أن "السلطات العسكرية هي وحدها التي تقرر ما إذا كان الجرم داخلاً في اختصاصها أم لا". ذلك أن هذا النص - وأياً كان وجه الرأي فيه - لا يفيد صراحة ولا ضمناً، إنفراد القضاء العسكري وحده بنظر الجرائم المنصوص عليها في قانون الأحكام العسكرية، ذلك أن اختصاص الهيئات القضائية - وعلى ما جرى به نص المادة 167 من الدستور - يحدده القانون، ومن ثم يكون قصارى ما يفيده نص المادة 48 سالفة الذكر أن السلطات القضائية العسكرية هي وحدها صاحبة القول الفصل عند تنازع الاختصاص، وهو ما يؤكده أن لفظة "وحدها" وردت بعد عبارة "السلطات القضائية العسكرية" ولم ترد بعد لفظة "اختصاصها" في نهاية النص. لما كان ذلك، وكان إعمال مقتضى هذا النص في حالة التنازع الإيجابي بين السلطات المشار إليها فيه، وبين هيئة أو محكمة استثنائية ذات اختصاص قضائي أو محكمة خاصة، أنه متى رفعت الدعوى الجنائية إليها عن جريمة سبق أن قرر القضاء العسكري أنها تدخل في اختصاصه الولائي، تعين عليها أن تحكم بعدم اختصاصها بنظرها، وهو ما لا يسري على المحاكم العادية لأن القضاءين العادي والعسكري قسيمان في الاختصاص بالجرائم المنصوص عليها في قانون الأحكام العسكرية. لما كان ذلك، وكان من المقرر وفق القاعدة العامة الواردة في المادة الثانية من القانون المدني أنه "لا يجوز إلغاء نص تشريعي إلا بتشريع لاحق ينص صراحة على هذا الإلغاء أو يشتمل على نص يتعارض مع نص التشريع القديم أو ينظم من جديد الموضوع الذي سبق أن قرر قواعده ذلك التشريع" وكان قانون الأحكام العسكرية الصادر بالقانون رقم 25 لسنة 1966، وقانون كلتا المحكمتين العليا والدستورية، بمنزلة سواء في مدارج التشريع، وكانت القوانين سالفة الذكر اللاحقة على قانون الأحكام العسكرية لم تنص صراحة على إلغاء نص المادة 48 من هذا القانون، بل وخلت نصوصها وديباجاتها من أية إشارة إلى قانون الأحكام العسكرية وكانت القوانين اللاحقة إنما هي تشريعات عامة فيما انتظمته من أحكام في شأن تنازع الاختصاص - إيجاباً وسلباً - بالنسبة للدعاوى التي ترفع عن موضوع واحد أمام مختلف جهات القضاء أو الهيئات ذات الاختصاص القضائي بعامة، وسواء أكانت تلك الدعاوى مدنية أم إدارية أم جنائية، في حين أن نص المادة 48 من قانون الأحكام العسكرية إنما هو نص خاص ورد في تشريع خاص وقصر ولاية السلطات القضائية العسكرية المنصوص عليها فيه على الفصل في تنازع الاختصاص في الدعاوى الجنائية التي تكون فيها تلك السلطات طرفاً في هذا التنازع فحسب، وكان من المقرر أيضاً أن الخاص يقيد العام، فإن نص المادة 48 من قانون الأحكام العسكرية يكون قائماً لم ينسخه قانون المحكمة العليا الصادر بالقانون رقم 81 لسنة 1969، ولا قانون الإجراءات والرسوم أمام تلك المحكمة الصادر بالقانون رقم 66 لسنة 1970، ولا قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 والذي خصتها المادة 25 ثانياً منه - دون غيرها - بالفصل في تنازع الاختصاص بتعيين الجهة المختصة من بين جهات القضاء أو الهيئات ذات الاختصاص القضائي، ويكون لكل من النصين مجال تطبيقه، لا يتداخلان ولا يبغيان. يؤيد بقاء نص المادة 48 من قانون الأحكام العسكرية قائماً، استثناء من النصوص الواردة في التشريعات العامة اللاحقة، أنه ظل ماضياً في تحقيق الغرض منه، سواء في ظل قانون السلطة القضائية الصادر بالقانون رقم 43 لسنة 1965 - من قبل - والذي كان ينص في المادة 17 منه على محكمة - تنازع الاختصاص أم في قانون كلتا المحكمتين العليا والدستورية - من بعد - الذي نقل الفصل في تنازع الاختصاص - على التعاقب - إليهما، فقد جرى قضاء هذه المحكمة - محكمة النقض - على تطبيق نص المادة 48 المشار إليه بهذا المفهوم على التنازع السلبي بين السلطات القضائية العسكرية وبين المحاكم العادية، وألزمت هذه المحاكم بالفصل في أية جريمة ترى تلك السلطات عدم اختصاصها بها اعتباراً بأن قرارها في هذا الشأن هو القول الفصل الذي لا يقبل تعقيباً. لما كان ما تقدم وكانت النيابة العامة قد رفعت الدعوى الجنائية على الطاعن أمام المحاكم العادية صاحبة الولاية العامة بنظرها، فإن ما يثيره الطاعن من عدم اختصاص المحكمة المطعون في حكمها بنظر الدعوى يكون على غير سند من القانون. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد اعتنق أسباب الحكم الابتدائي وأضاف إليها أسباباً جديدة بعد أن بين واقعة الدعوى بما مفاده أن الطاعن كان يقود جراراً زراعياً ألحقت به مقطورة بسرعة كبيرة لم يهدئها عند دخوله إلى شارع فرعي كان المجني عليه يقف على ناصيته فانحرف نحوه وصدمه بالمركبة فأصابه بإصابات أودت بحياته، خلص إلى أن ركن الخطأ يتمثل في مخالفة الطاعن قواعد وآداب المرور لعدم تهدئة السير عند منعطف الشارع الفرعي القادم إليه من شارع رئيسي بسرعة كبيرة. لما كان ذلك، وكان تقدير الخطأ المستوجب لمسئولية مرتكبه جنائياً أو مدنياً وتقدير توافر السببية بين الخطأ والنتيجة أو عدم توافره هو من المسائل الموضوعية التي تفصل فيها محكمة الموضوع بغير معقب ما دام تقديرها سائغاً ومستنداً إلى أدلة مقبولة ولها أصل في الأوراق، وكان مؤدى ما خلص إليه الحكم من توافر خطأ الطاعن على الصورة المتقدمة وقيام رابطة السببية بينه وبين وقوع الحادث، أنه أطرح دفاع الطاعن - الذي أورده بمدوناته - أن المجني عليه قفز أمامه فجأة، والذي يعتبر من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستأهل رداً صريحاً، اكتفاء بأخذ المحكمة بأدلة الثبوت التي عولت عليها في قضائها بالإدانة، وكان من المقرر أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إلى اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق، فإن ما يثيره الطاعن في شأن إغفاله دفاعه بارتداد الحادث إلى المجني عليه الذي قفز أمامه فجأة ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير أدلة الدعوى وفي الصورة التي استخلصتها المحكمة لها مما لا يجوز أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان الحكم قد أورد - أخذاً بأقوال الشاهد ونقلاً عن المعاينة - أن آثار الدماء وجدت بجوار المنزل على جانب الطريق، وهو ما لا ينازع الطاعن في سلامة مأخذه، فإن زعمه أن هذه الآثار وجدت بمنتصف الطريق يكون على غير أساس. لما كان ذلك، وكان الحكم قد أورد طلب انتقال المحكمة لمعاينة مكان الحادث لإثبات استحالة حصوله وفق تصوير الشاهد ودعوة الطبيب الشرعي لمناقشته في بيان الصلة بين الصدمة الجراحية وبين الحادث، ثم أفصح عن اطمئنانه إلى تصوير الشاهد للواقعة، وإلى قيام علاقة السببية بين خطأ الطاعن وبين وقوع الحادث الذي أدى إلى إصابات المجني عليه التي أودت بحياته، استناد إلى التقرير الطبي الذي أورد مؤداه، وكان ما نقله الحكم عن المعاينة - مما لا يماري الطاعن فيه - لا يتناقض بل يتفق مع تصوير الشاهد الذي اعتنقه الحكم، وكان الطاعن لم يبين وجه استحالة حدوث الواقعة كما رواها الشاهد التي يتغيا إثباتها من المعاينة، وكانت إن المحكمة لا تلتزم بإجابة طلب إجراء المعاينة الذي لا يتجه إلى نفي الفعل المكون للجريمة ولا إلى إثبات استحالة حصول الواقعة كما رواها الشهود، بل كان المقصود به إثارة الشبهة في الدليل الذي اطمأنت إليه المحكمة، كما لا تلتزم بإجابة الدفاع إلى طلبه مناقشة الطبيب الشرعي ما دام أن الواقعة قد وضحت لديها ولم تر هي من جانبها حاجة إلى اتخاذ هذا الإجراء - وهو الحال في الدعوى، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص يكون غير مقبول. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن السرعة التي تصلح أساساً للمساءلة الجنائية في جريمتي القتل والإصابة الخطأ ليست لها حدود ثابتة وإنما هي التي تجاوز الحد الذي تقتضيه ملابسات الحال وظروف المرور وزمانه ومكانه، فيتسبب عن هذا التجاوز الموت أو الجرح، وأن تقدير ما إذا كانت سرعة السيارة في ظروف معينة تعد عنصراً من عناصر الخطأ أو لا تعد هو مما يتعلق بموضوع الدعوى، فإن الحكم إذ اعتبر القيادة بسرعة ثلاثين كيلو متراً في الساعة عند الدخول من طريق رئيسي إلى طريق فرعي تقع المنازل على جانيه بجرار زراعي ألحقت به مقطورة، خطأ يستوجب المساءلة، يكون قد اقترن بالصواب، ويضحى النعي عليه في هذا الصدد، على غير سند. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً مع إلزام الطاعن المصاريف المدنية.