الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 19 مارس 2018

عدم دستورية قصر آثار عقد التأمين على الراكبين المصرح بركوبهما في السيارة النقل دون سواهما من الركاب


القضية رقم 60 لسنة 37 ق " دستورية ".
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثالث من فبراير سنة 2018م، الموافق السابع عشر من جمادى الأولى سنة 1439 هـ.
برئاسة السيد المستشار / عبد الوهاب عبد الرازق  رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: محمد خيرى طه النجار والدكتور عادل عمر شريف ومحمود محمد غنيم والدكتور محمد عماد النجار والدكتور عبدالعزيز محمد سالمان والدكتور طارق عبد الجواد شبل    نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار / طارق عبدالعليم أبوالعطا  رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
      في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 60 لسنة 37 قضائية " دستورية ". بعد أن أحالتها محكمة النقض " الدائرة المدنية " بقرارها الصادر بجلسة 28/1/2015 في الطعن رقم 2172 لسنة 74 قضائية.
المقام من
رئيس مجلس إدارة شركة مصر للتأمين
ضــــد
1 - نادية عبد الحى عبد المجيد عن نفسها وبصفتها الوارثة للمتوفى / نجيب عبدالحسيب حسن، والوصية على أولادها القصر محمود وأسماء وهانى وعماد ورمضان ونادر، قصر المرحوم نجيب عبد الحسيب حسن
2 - صاوى نجيب عبد الحسيب
3 - رئيس مجلس إدارة شركة التأمين الأهلية

الإجراءات
      بتاريخ الخامس والعشرين من مارس سنة 2015، ورد إلى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، ملف الطعن رقم 2172 لسنة 74 قضائية، بعد أن قررت محكمة النقض "الدائرة المدنية" بجلسة 28/1/2015، وقف نظر ذلك الطعن وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية نص المادة (5) من القانون رقم 652 لسنة 1955 بشأن التأمين الإجباري من المسئولية المدنية الناشئة من حوادث السيارات، والبند "هـ" من الشـرط الأول من نموذج وثيقة التأمين، الملحق بقرار وزير المالية والاقتصاد رقم 152 لسنة 1955 بتنفيذ حكم المادة الثانية من القانون رقم 652 لسنة 1955 المشار إليه، الذى أحال إلى الفقرة "هـ" من المادة (16) من القانون رقم 449 لسنة 1955 بشأن السيارات وقواعد المرور، فيما نصا عليه من قصر امتداد عقد التأمين على الراكبين المصرح بركوبهما في السيارة النقل، دون سواهما من الأشخاص المتواجدين بذات السيارة، أيًّا كان مكان تواجدهم حال وقوع الحادث المؤمن من مخاطره.
      وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم أصليًّا: بعدم قبول الدعوى، واحتياطيًّا: برفضها.
      وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمـــــة
      بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
      حيث إن الوقائـع تتحصل – على ما يتبين من قرار الإحالة وسائر الأوراق - في أن كلاً من نادية عبد الحى عبد المجيد عن نفسها وبصفتها الوارثة للمرحوم نجيب عبد الحسيب حسن، والوصية على أولادها القصر محمود وأسماء وهانى وعماد ورمضان ونادى نجيب عبد الحسيب حسن، وصاوى نجيب عبد الحسيب، كانوا قد أقاموا الدعوى رقم 1360 لسنة 2002 مدنى كلى ملوى، أمام محكمة المنيا الابتدائية - مأمورية ملوى الكلية - ضد شركة التأمين الأهلية وشركة مصر للتأمين، بطلب إلزامهما بأن يؤديا لهم مبلغ 50000 جنيه مناصفة بينهما وبالسوية، تعويضًا عن الأضرار المادية والأدبية التى لحقت بهم، قولاً منهم إن النيابة العامـة كانت قد قدمت كلاً من مدحت عوض على وأحمد خيرى تونى للمحاكمة الجنائية في الجنحة رقم 2580 لسنة 2000 جنح قسم ملوى، متهمة إياهمـــا بأنهمـا بتاريـخ 16/3/2000 تسببا خطأ في إصابة المجنى عليهم عدلى حفظى راشـد، نجيب عبد الحسيب حسن، ونادية عبد الحى عبد المجيد، ومحمود نجيب عبد الحسيب، وفاطمة مراد حفظى، وكان ذلك ناشئًا عن إهمالهما وعدم احترازهما وعدم مراعاتهما للقوانين واللوائح، بأن قادا السيارة رقم 22962 نقل المنيا، والسيارة رقم 24834 نقل المنيا، بحالة ينجم عنها الخطر، مما تسبب في تصادمهما، فحدثت إصابات المجنى عليهم الموصوفة بالتقارير الطبية، كما تسبب المتهمان بإهمالهما في إتلاف السيارتين النقل المشار إليهما، وقادا السيارتين بحالة تعرض الأشخاص والأموال للخطر، وبجلسة 7/2/2001 قضت المحكمة بحبس كل منهما ستة أشهر، وكفالة مائتى جنيه عن التهمتين الأولى والرابعة للارتباط، وتغريم كل من المتهمين مبلغ 50 جنيه عن التهمتين الثانية والثالثة، وقد طعن المتهمان على هذا الحكم بالاستئنافين رقمي 2793، 7165 لسنة 2001 جنح مستأنف ملوى، وقررت المحكمة ضم الاستئنافين، وبجلسة 24/3/2002 قضت بإلغاء الحكم المستأنف والقضاء بانقضاء الدعوى الجنائية بالتصالح عن إصابة المجنى عليهم عدلى حفظى راشد وفاطمة مراد حفظى ونادية عبد الحى عبد المجيد عن التهمتين الثانية والثالثة للارتباط، وتغريم كل من المتهمين مبلغ 200 جنيه عن تهمة إصابة كل من نجيب عبد الحسيب حسن ومحمود نجيب عبد الحسيب، ولم يتم الطعن في الحكـــــم بالنقض، وهو ما حدا بالمدعين في الدعوى الموضوعية المشار إليها إلى إقامة دعواهم ضد شركة التأمين الأهلية وشركة مصر للتأمين، بطلب القضاء لهما بالتعويض عما أصابهم من أضرار مادية وأدبية، وإلزام كل من الشركتين بأدائه لهم، لكون الشركة الأولى مؤمنًا لديها عن السيارة رقم 24834 نقل المنيا، بالوثيقة رقم 0260548 لسنة 98، عن المـدة مـن 24/7/1999 حتـى 24/8/2000، وأن السيارة رقم 22962 نقل المنيا مؤمنًا عليها لـدى شركة مصـر للتأمين، بالوثيقة رقم 157575/1، عن المدة من 24/1/2000 حتى 24/1/2001، وبجلسة 31/3/2003 قضت المحكمة بإلزام الشركتين بأن يؤديا للمدعين في الدعوى الموضوعية مبلغ 6 آلاف جنيه تعويضًا ماديًّا وأدبيًّا بشأن إصابة مورثهم نجيب عبد الحسيب حسن، وأن يؤديا لنادية عبد الحى عبد المجيد عن نفسها وبصفتها وصية على القاصر محمود نجيب عبد الحسيب مبلغ 2000 جنيه لكل منهما، تعويضًا ماديًّا وأدبيًّا عن الإصابات التي لحقت بهما، وإذ لم يرتض الخصوم في الدعوى الموضوعية هذا القضاء، طعنوا عليه بالاستئنافات أرقام 1076، 1134، 1139 لسنة 39 قضائية، أمام محكمة استئناف بنى سويف - مأمورية المنيا - التى قررت ضمها للارتباط، وقضت فيها بجلسة 27/1/2004 برفضها وتأييد الحكم المستأنف، وقد طعنت شركة مصر للتأمين على هذا الحكم أمام محكمة النقض بالطعن رقم 2172 لسنة 74 قضائية، وبجلسة 28/1/2015 قررت الدائرة المدنية بمحكمة النقض، المنظور أمامها الطعن، بوقفه وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية نص المادة (5) من القانون رقم 652 لسنة 1955 بشأن التأمين الإجبارى من المسئولية المدنية الناشئة من حوادث السيارات، والبند "هـ" من الشرط الأول من نموذج وثيقة التأمين الملحق بقرار وزير المالية والاقتصاد رقم 152 لسنة 1955 بتنفيذ حكم المادة الثانية من القانون رقم 652 لسنة 1955 المشار إليه، الذى أحال إلى الفقرة "هـ" من المادة (16) من القانون رقم 449 لسنة 1955 بشأن السيارات وقواعد المرور، فيما نصـــت عليه من قصر امتداد عقد التأمين على الراكبين المصرح بركوبهما في السيارة النقل، دون سواهما من الأشخاص المتواجدين بذات السيارة، أيًّا كان مكان تواجدهم، حال وقوع الحادث المؤمن من مخاطره.
      وحيث إن المادة (6) من القانون رقـم 449 لسنة 1955 المشار إليه - مقروءة في ضوء قضاء المحكمة الدستورية العليا الصادر بجلسة 9/6/2002 في القضية رقم 56 لسنة 22 قضائية "دستورية"، المنشور بالجريدة الرسمية بالعدد رقم 25 (تابع) في 20/6/2002، وبجلسة 4/4/2004 في القضية رقم 109 لسنة 25 قضائية "دستورية"، المنشور بالجريدة الرسمية بالعدد رقم 16 (تابع) (أ) في 15/4/2004، وبجلسة 6/6/2004 في القضية رقم 235 لسنة 25 قضائية "دستورية"، المنشور بالجريدة الرسمية بالعدد رقم 26 (تابع) (ب) بتاريخ 24/6/2004 - تنص على أن "إذا أثبت الفحص الفني صلاحية السيارة فعلى الطالب أن يقدم وثيقة تأمين من حوادث السيارة عن مدة الترخيص صادرة من إحدى هيئات التأمين التي تزاول عمليات التأمين بمصر. ويجب أن يغطى التأمين المسئولية المدنية عن الإصابات التي تقع للأشخاص وأن يكون التأمين بقيمة غير محددة.
      ويكون التأمين .........، ولباقي أنواع السيارات يكون لصالح الغير والركاب والعمال.
      ويصدر وزير المالية والاقتصاد بالاتفاق مع وزير الداخلية القرارات المنظمة لعمليات التأمين والمبين بها الشروط والأوضاع الخاصة بتنفيذها وكذا اللازمة للإشراف والرقابة عليها من النواحي المالية والإدارية والإحصائية وتغطية الحوادث التى يتعذر فيها دفع التعويض".
      وتنص المادة (16) من هذا القانون على أن "يوضح في الرخصة التي تصرف لسيارات أجرة أو تحت الطلب أو نقل الركاب أو النقل البيانات الآتية: ... (هـ) بالنسبة لرخصة سيارة النقل - أقصى وزن وارتفاع وعرض حمولتها وعدد الركاب وهما راكبان والاشتراطات الصحية والإدارية التي يرى المحافظ أو المدير وجوب توافرها في السيارة".

      وتنص المادة (2) من القانون رقم 652 لسنة 1955 بشأن التأمين الإجباري من المسئولية المدنية الناشئة من حوادث السيارات - قبل إلغائه بقانون التأمين الإجباري عن المسئولية المدنية الناشئة عن حوادث مركبات النقل السريع داخل جمهورية مصـر العربية الصادر بالقانون رقــم 72 لسنة 2007 - على أن "تستهل الوثيقة في موضع ظاهر منها بما يفيد أنها صادرة وفقًا لأحكام القانون رقم 449 لسنة 1955 بشأن السيارات وقواعد المرور ولأحكام هذا القانون والقرارات الصادرة تنفيذًا لهما ......... وتكون الوثيقة مطابقة للنموذج الذى يعتمده وزير المالية والاقتصاد بالاتفاق مع وزير الداخلية .......".
      وتنص المادة (5) من هذا القانون، على أن "يلتزم المؤمن بتغطية المسئولية المدنية الناشئة عن الوفاة أو عن أية إصابة مدنية تلحق أى شخص من حوادث السيارة إذا وقعت في جمهورية مصر العربية وذلك في الأحوال المنصوص عليها في المادة (6) من القانون رقم 449 لسنة 1955، ويكون التزام المؤمن بقيمة ما يحكم به قضائيًّا من تعويض مهما بلغت قيمته، ويؤدى المؤمن مبلغ التعويض إلى صاحب الحق فيه ....". وتنفيذًا لذلك أصدر وزير المالية والاقتصاد بالاتفاق مع وزير الداخلية القرار رقم 152 لسنة 1955 المشار إليه، ونص في المـادة (1) منه على أن "تكون وثيقـة التأمين المنصــــوص عليها في المادة (2) من القانون وفقًا للنموذج المرافق"، ونص الشرط الأول من الشروط العامة الواردة بنموذج الوثيقة المرافق لهذا القرار على أن "يلتزم المؤمن بتغطية المسئولية المدنية الناشئة عن الوفاة أو أية إصابة بدنية تلحق أى شخص من الحوادث التى تقع في جمهورية مصر العربية من السيارات المثبتة بياناتها في هذه الوثيقة وذلك عن مدة سريانها.
      ويسرى هذا الالتزام لصالح الغير من حوادث السيارات أيًّا كان نوعها ولصالح الركاب أيضًا من حوادث السيارات الآتية :............. (هـ) سيارات النقل، فيما يختص بالراكبين المصرح بركوبهما طبقًا للفقرة "هـ" من المادة (16) من القانون رقم 449 لسنة 1955 ما لم يشملهما التأمين المنصوص عليه في القوانين أرقام 86 لسنة 1942 و89 لسنة 1950 و117 لسنة 1950 ......... ويعتبر الشخص راكبًا سواء أكان في داخل السيارة أو صاعدًا إليها أو نازلاً منها .......".
      وحيث إن مفاد النصوص المتقدمة أن المشرع رغبة منه في ضمان القدر الأوفى من الحماية والتنظيم لصالح شركات التأمين والمؤمن لهم والمتضررين في حوادث السيارات، وما تستلزمه هذه الحماية من تنظيم دقيق تدعمه - كما أوضحت المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 652 لسنة 1955 المشار إليه - العقوبة التي تكفل عدم الخروج عليه، ألزم هذا القانون كل من يطلب ترخيصًا لسيارة أن يقدم وثيقة تأمين من حوادث السيارة عن مدة الترخيص، صادرة من إحدى الشركات التي تزاول عمليات التأمين في مصر، على أن يغطى التأمين طبقًا لنص المادة (5) من القانون رقم 652 لسنة 1955، وبقيمة غير محددة المسئولية المدنية الناشئة عن الوفاة أو أية إصابة بدنية تلحق الأشخاص المضرورين من حوادث السيارات، ويتحدد نطاق التزام المؤمن بالأحوال التي عينها نص المادة (6) من القانون رقم 449 لسنة 1955، ويستفيد من هــذه التغطية التأمينية ركاب السيارة النقل. وقد استمر العمل بهذه الأحكام بعد إلغاء القانون الأخير بمقتضى نص المادة (1) من القانون رقم 66 لسنة 1973 بإصدار قانون المرور، إذ جرى قضاء هذه المحكمة في العديد من أحكامها - ومنها حكمها الصادر بجلسة 9/6/2002 في القضية رقم 56 لسنة 22 قضائية "دستورية" - بأن القانون رقم 652 لسنة 1955 حينما أحال إلى البيان الوارد بنص المادة (6) سالف الذكر، فإنه قصد إلى إلحاق هذا البيان بأحكامه منتزعًا إياه من إطاره التشريعي الخاص بالقانون رقم 449 لسنة 1955، جاعلاً منه لبنة من بنيانه، مندمجًا فيه، خاضعًا لما تخضع له باقي أحكام القانون رقم 652 لسنة 1955، وإذ لم يتعرض قانون المرور بالإلغاء أو التعديل لنص المادة (5) من القانون رقم 652 لسنة 1955، فإن هذا النص بكامل أجزائه بما في ذلك البيان الذى ألحق به من نص المادة (6) من القانون رقم 449 لسنة 1955 يكون قائمًا وساريًا، إلى أن تم إلغاء القانون رقم 652 لسنة 1955 بمقتضى نص المادة الثالثة من القانون رقم 72 لسنة 2007 بإصدار قانون التأمين الإجباري عن المسئولية المدنية الناشئة عن حوادث مركبات النقـل السريع داخل جمهورية مصر العربية، ولا يسرى هذا الحكم على نص المادة (16) من القانون رقم 449 لسنة 1955، الذى يتناول بالتحديد البيانات التي يجب تضمينها رخصة السيارات الأجرة وتحت الطلب ونقل الركاب والنقل، والذى لم تشمله تلك الإحالة، ومن ثم يمتد إليه الإلغاء ضمن باقي أحكام القانون رقم 449 لسنة 1955، الذى ألغى بمقتضى نص المادة (1) من القانون رقم 66 لسنة 1973 بإصدار قانون المرور، ومع ذلك تبقى قائمة الأحكام التي تضمنتها الفقرة (هـ) من هذا النص، والتى أحال إليها البند (هـ) من الشرط الأول من الشروط العامة الواردة بنموذج وثيقة التأمين، المرافق للقرار رقم 152 لسنة 1955، الصادر من وزير المالية والاقتصاد بالاتفاق مع وزير الداخلية، بمقتضى التفويض المقرر لهما بنص المادة (6) من القانون رقم 449 لسنة 1955، ونص المادة (2) من القانون رقم 652 لسنة 1955، خاصة أن المادة (2) من القانون رقم 66 لسنة 1973، قد قررت باستمرار العمل بالقرارات الصادرة تنفيذًا لأحكام القانون 449 لسنة 1955، إلى أن يتم وضع اللائحة التنفيذية لهذا القانون والقرارات المنفذة له. كما قضى نص المادة الخامسة من القانون رقم 72 لسنة 2007 بإصدار قانون التأمين الإجباري عن المسئولية المدنية الناشئة عن حوادث مركبات النقل السريع داخل جمهورية مصر العربية، بسريان الالتزام المنصوص عليه في المادة (3) من القانون المذكور - الخاص بالتزام مالك المركبة أو من يقوم مقامه قانونًا بإجراء التأمين - وذلك اعتبارًا من تاريخ انتهاء مدة وثيقة التأمين الإجباري السارية بالنسبة إلى المركبة في تاريخ العمل بهذا القانون، بما لازمه صيرورة هذه الأحكام جزءًا من البند (هـ) من تلك الشروط، ومندمجة فيه، باعتبارها أحد شـروط وثيقة التأمين، ولا يتوقف سريانها على إلغاء القانون رقم 449 لسنة 1955، وهى أحكام لائحية صدرت من السلطة التنفيذية إعمالاً للصلاحيات المقررة لها بمقتضى نص القانون، والمادة (144) من الدستور الصادر سنة 1971 (وتقابلها المادة 170 من الدستور الحالي)، وتمثلت تلك الأحكام في نصوص قانونية لا تخاطب أشخاصًا بذواتهم، وتتولد عنها مراكز عامة مجردة، ومن ثم ينعقد الاختصاص لهذه المحكمة بالفصل في دستوريتها، في إطار اختصاصها الذى وسده لها الدستور بمقتضى نص المادة (192) منه، والمادة (25) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، في شأن الرقابة القضائية على الشرعية الدستورية، الذى ينحصر - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - في النصوص التشريعية، التي يتولد عنها مراكز عامة مجردة، أيًّا كان موضوعها أو نطاق تطبيقها أو الجهة التى أقرتها وأصدرتها، أي سواء وردت بالتشريعات الأصلية التي سنتها السلطة التشريعية أو تلك التي أصدرتها السلطة التنفيذية، في حدود صلاحياتها التى ناطها الدستور بها، وتنحسر عما سواها.

      وحيث إنه عن الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة بعدم قبول الدعوى، على سند من أن المحكمة الدستورية العليا سبق لها أن حسمت المسألة الدستورية المثارة في الدعوى المعروضة، بحكمها الصادر بجلسة 4/4/2004 في القضية رقم 109 لسنة 25 قضائية "دستورية"، وحكمها الصادر بجلسة 7/4/2013 في القضية رقم 102 لسنة 29 قضائية "دستورية"، وذلك مردود بـأن قضاء هذه المحكمة جرى على أن الحجية المطلقة للأحكام الصادرة في الدعاوى الدستورية، والمانعة من نظر أي طعن دستوري جديد، يقتصر نطاقها على النصوص التشريعية التي كانت مثارًا للمنازعة حول دستوريتها، وفصلت فيها المحكمة فصلاً حاسمًا بقضائها، أما ما لم يكن مطروحًا عليها، ولم يكن مثارًا لنزاع أمامها، ولم تفصل فيه بالفعل، فلا يمكن أن يكون موضوعًا لحكم يحوز قوة الأمر المقضي، متى كان ذلك، وكان الحكم الصادر في القضية رقم 109 لسنة 25 قضائية "دستورية" قد قضى بعدم دستورية نص المادة (5) من القانون رقم 652 لسنة 1955 المشار إليه، فيما تضمنه من قصـر آثار عقد التأمين في شـأن أنواع السيارات - غير الخاصة - على الغير والركاب دون العمال، وحددت هذه المحكمة بحكمها الصادر في القضية رقم 102 لسنة 29 قضائية "دستورية" نطاق إعمال آثار حكمها الصادر في القضية رقم 109 لسنة 25 قضائية "دستورية"، في خصوص عمال السيارات النقل، بحيث تمتد آثار عقد التأمين إليهم، وانتهت من ذلك إلى القضاء بعدم قبول الدعوى لانتفاء المصلحة فيها، لكون المدعى في تلك الدعوى هو قائد السيارة، ويُعد من عمالها، ويستفيد بذلك من وثيقة التأمين، حال ثبوت عدم مسئوليته عن الحادث، ومن ثم فإن النص المطعون فيه محل تلك الدعوى مقروءًا في ضوء قضاء هذه المحكمة آنف الذكر، يحقق له بغيته من دعواه. ولما كان النص محل القضاء المتقدم يختلف نطاقًا عمّا تطرحه الدعوى المعروضة، والذى يتعلق بتحديد آثار عقد التأمين بالنسبة لركاب السيارة النقل، وما تضمنه نص البند "هـ" من الشرط الأول من الشروط العامة الواردة بنموذج وثيقة التأمين المرافق لقرار وزير المالية والاقتصاد رقم 152 لسنة 1955 المار ذكره، من قصر هذه الآثار على الراكبين المصرح بركوبهما في السيارة النقل، طبقًا لنص الفقرة "هـ" من المادة (16) من القانون رقم 449 لسنة 1955، الذى أحال إليه ذلك البند، دون سواهما من الركاب المتواجدين بذات السيارة، حال وقوع الحادث المؤمن من مخاطره، وهو ما لم يعرض له قضاء المحكمة الدستورية العليا المشار إليه، ولا تمتد إليه - من ثم - الحجية المطلقة المقررة لأحكام هذه المحكمة بمقتضى نص المادة (195) من الدستور، والمادتين (48، 49) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، الأمر الذى يضحى معه الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة في غير محله، وغير قائم على أساس سليم، حقيقًا بالالتفات عنه.

      وحيث إنه عن الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة، بعدم قبول الدعوى لانتفاء المصلحة، فإن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن المصلحة وهى شـــرط لقبول الدعـوى الدستورية، مناطهـا، أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازمًا للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها، والمطروحة على محكمة الموضوع. لما كان ذلك، وكان النزاع المردد أمام محكمة الموضوع يدور حول مطالبة كل من المدعين في تلك الدعوى لشركة التأمين بالتعويض عن الأضرار المادية والأدبية الناشئة من الإصابات التى لحقت بهم وبذويهم بتاريخ 16/3/2000، أثناء ركوبهم في السيارتين رقمي 24834 و22962 نقل المنيا، المؤمن من المسئولية الناشئة عن حوادثهما لدى شركة التأمين الأهلية وشركة مصر للتأمين، والتي تسبب فيها كل من سائقي السيارتين المشار إليهما. وكان نص المادة (5) من القانون رقم 652 لسنة 1955 المشار إليه مقروءًا في ضوء قضاء المحكمة الدستورية العليا سالف الذكر، يترتب عليه امتداد آثار عقد التأمين في السيارة النقل لصالح الغير والركاب والعمال، فجاء لفظ "الركاب" بهذا النص عامًا مطلقًا، دون تخصيص عدد معين من الركاب، لتشمل التغطية التأمينية المقررة بموجبه جميع ركاب السيارة النقل، وهو ذات ما تطرحه الدعوى الموضوعية، والطلبات المعروضة بها، وعين ما قصدت إليه محكمة النقض من إحالة هذا النص إلى المحكمة الدستورية العليا، ليضحى الفصل في دستورية النص المذكور غير لازم للفصل في الدعوى الموضوعية والطلبات المطروحة بها، لتنتفي بذلك المصلحة في الدعوى المعروضة بالنسبة له، مما يتعين معه القضاء بعدم قبول الدعوى في خصوص هذا الشق منها. ولينحصر بذلك نطاق المصلحة في هذه الدعوى فيما تضمنه نص البند (هـ) من الشرط الأول من الشروط العامة الواردة بنموذج وثيقة التأمين، المرافق لقرار وزير المالية والاقتصاد رقم 152 لسنة 1955 المشار إليه، مـــن قصـر آثار عقـد التأمين في شأن سيارات النقل على الراكبين المصرح بركوبهما طبقًا لنص الفقرة "هـ" من المادة (16) من القانون رقم 449 لسنة 1955 آنف الذكر، ممن لم يشملهما التأمين المنصوص عليه في القانون رقم 86 لسنة 1942 بشأن التأمين الإجباري عن حوادث العمل، والقانون رقم 89 لسنة 1950 بشأن إصابات العمل، والقانون رقم 117 لسنة 1950 بشأن التعويض عن أمراض المهنة، دون سواهما من الركاب، بحسبان هذا النص هو المحدد لالتزامات شركة التأمين في وثيقة التأمين عن تعويض الركاب في سيارات النقل عن الحوادث التي تصيبهم بأضرار، وإطار مسئوليتها عن ذلك، والمعين لنطاق التغطية التأمينية التي تتضمنها هذه الوثيقة بالنسبة لركاب هذه السيارات، ليقتصر على الراكبين المصرح بركوبهما فيها، دون غيرهما من الركاب، ومن ثم فإن القضاء في دستورية هذا النص - في حدود النطاق المتقدم - سيكون له أثره وانعكاسه الأكيد على الدعوى الموضوعية، والطلبات المطروحة بها، وقضاء محكمة الموضوع فيها. ولا ينال مما تقدم إلغاء القانون رقم 652 لسنة 1955 المشار إليه بمقتضى نص المادة الثالثة من القانون رقم 72 لسنة 2007 المار ذكره، الذى ينص على أن "يلغى القانون رقم 652 لسنة 1955 بشأن التأمين الإجباري من المسئولية المدنية الناشئة عن حوادث السيارات، كما يلغى كل حكم يخالف أحكام هذا القانون"، وكذا ما قضى به نص المادة الخامسة من ذلك القانون من استمرار العمل بوثائق التأمين السارية في تاريخ العمل به حتى انتهاء مدتها، وما نصت عليه المادة (5) من قانون التأمين الإجباري عن المسئولية الناشئة عن حوادث مركبات النقل السريع داخل جمهورية مصر العربية سالف الذكر من أن "تكون لكل مركبة وثيقة تأمين خاصة بها مطابقة للنموذج الذى يصدر به قرار من مجلس إدارة الهيئة المصرية للرقابة على التأمين ...." والذى صدر تنفيذًا له نموذج وثيقة التأمين الإجباري عن حوادث مركبات النقل السريع داخل جمهورية مصر العربية، بقرار الهيئة المصرية للرقابة على التأمين رقـم 344 لسنة 2007، ليحل محل النموذج المرافق للقرار رقم 152 لسنة 1955 المشار إليه، إذ جرى قضاء هذه المحكمة على أن إلغاء النص التشريعي لا يحول دون النظر والفصل في دستوريته، ذلك أن الأصل في تطبيق القاعدة القانونية أنها تسرى على الوقائع التي تتم في ظلها، أى خلال الفترة من تاريخ العمل بها حتى تاريخ إلغائها، فإذا ألغيت هذه القاعدة وحلت محلها قاعدة قانونية أخرى، فإن القاعدة الجديدة تسرى من الوقت المحدد لنفاذها، ويقف سريان القاعدة القديمة من تاريخ إلغائها، وبذلك يتحدد النطاق الزمنى لسريان كل من القاعدتين القانونيتين، ومن ثم فإن المراكز القانونية التي نشأت وترتبت آثارها في ظل أى من القانونين - القديم والجديد - تخضع لحكمه، فما نشأ منها وترتبت آثاره في ظل القانون القديم - كما هو الحال في الدعوى المعروضة - يظل خاضعًا له، وما نشأ من مراكز قانونية وترتبت آثاره في ظل القانون الجديد يخضع لهذا القانون وحده، ومن ثم فإن المصلحة في الدعوى المعروضة تكون متحققة بالنسبة للنص المذكور في حدود نطاقه المتقدم، مما يتعين معه الالتفات عن الدفع بعدم قبول الدعوى المبدى من هيئة قضايا الدولة في هذا الخصوص، والقضاء بقبولها بالنسبة لهذا النص.
      وحيث إن حكم الإحالة ينعى على النص المشار إليه - في الإطار سالف الذكر - مخالفته لمبدأ المساواة المقـرر بنص المادة (40) من الدستور الصـادر سنة 1971، لتمييزه بين فئتين من الركاب، ولم يكن أىٌ منهما طرفًا في عقد التأمين، ورغم اشتراكهما في مركز قانونى واحد.

      وحيث إن من المقرر أن حماية هذه المحكمة للدستور، إنما تنصرف إلى الدستور القائم، إلا أنه إذا كان هذا الدستور ليس ذا أثر رجعى، فإنه يتعين إعمال أحكام الدستور السابق الذى صدر النص المطعون عليه في ظل العمل بأحكامه، طالما أن هذا النص قد عمل بمقتضاه إلى أن تم إلغاؤه أو استبدال نص آخر به خلال مدة سريان ذلك الدستور. متى كان ذلك، وكان النص المطعون فيه قد استمر العمل به إلى أن أُلغى إبان سريان أحكام الدستور الصادر سنة 1971، ومن ثم يتعين الاحتكام في شأن دستوريته إلى نصوص ذلك الدستور.

      وحيث إن مبدأ المساواة أمام القانون الذى رددته الدساتير المصرية جميعها، وكفلته المادة (40) من الدستور الصادر سنة 1971، يستهدف - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - حماية حقوق المواطنين وحرياتهم في مواجهة صور التمييز التي تنال منها أو تقيد ممارستها، وهو بذلك يعد وسيلة لتقرير الحماية القانونية المتكافئة التى لا يقتصر تطبيقها على الحقوق والحريات العامة المنصوص عليها في الدستور، بل يمتد مجال إعمالها إلى الحقوق التي يقررها القانون، ويكون مصدرًا لها، ومن ثم فلا يجوز للقانون أن يقيم تمييزًا غير مبرر تتنافر به المراكز القانونية التي تتماثل في عناصرها.

      وحيث إن من المقرر أن مبدأ المساواة أمام القانون، أساس للعدل، وهو أدخل إلى جوهر الحرية وأكفل لإرساء السلام الاجتماعي، ولئن جاز القول بأن الأصل في كل تنظيم تشريعي أن يكون منطويًا على تقسيم أو تصنيف أو تمييز من خلال الأعباء التي يلقيها على البعض أو المزايا التي يمنحها لفئة دون غيرها، إلا أن اتفاق هذا التنظيم مع أحكام الدستور، يفترض ألا تنفصل النصوص القانونية التي نظم بها المشرع موضوعًا محددًا عن أهدافها، ليكون اتصال الأغراض التي يتوخاها، بالوسائل إليها منطقيًّا، وليس واهنًا أو واهيًا، بما يخل بالأسس الموضوعية التي يقوم عليها التمييز المبرر دستوريًّا.

      وحيث إن البند رقم "هـ" من الشرط الأول من الشروط العامة الواردة بنموذج وثيقة التأمين المرافق لقرار وزير المالية والاقتصاد رقم 152 لسنة 1955 سالف الذكر المطعون فيه، قد مايز بين الراكبين المصرح بركوبهما في السيارة النقل، طبقًا لنص الفقرة "هـ" من المادة (16) من القانون رقم 449 لسنة 1955 المشار إليه، وبين باقي الركاب المتواجدين بذات السيارة، أيًّا كان مكان تواجدهم، حال وقوع الحادث المؤمن من مخاطره، فاختص الفئة الأولى بمعاملة تأمينية متميزة تتمثل في شمول مظلة التأمين لهم، في حين حجب عن الفئة الثانية هذه الميزة، حال كونهم جميعًا في مركز قانونى متماثل، فهم جميعًا ينطبق في شأنهم وصف الراكب، الذى ينطبق على كل ركاب السيارة، أيًّا كان عددهم، ومكان تواجدهم بها، وقت وقوع الحادث، وهو ذات ما قررته المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 652 لسنة 1955 المشار إليه في مجال تعريفها للركاب الذين يستفيدون من التأمين في تطبيق نص المادة (13) من هذا القانون، بأنهم الذين يركبون السيارة، أيًّا كان عددهم، ولو جاوز العدد المصرح به للسيارة، كما جاء نص المادة (5) من القانون رقم 652 لسنة 1955 سالف الذكر في تحديده لآثار عقد التأمين، ونطاق التغطية التأمينية التى يشملها بالنسبة للسيارة النقل عامًّا مطلقًا، شاملاً جميع الركاب على النحو السالف بيانه،    هذا فضلاً عن أن هؤلاء الركاب ليسوا طرفًا في عقد التأمين المبرم بين شركة التأمين ومالك السيارة، ويتحدون جميعًا في عدم مسئوليتهم عن وقوع الحادث المؤمن من مخاطره، وفى أن أضرارًا لحقت بهم من جرائه، وكان يلزم ضمانًا للمعاملة المتكافئة بينهم أن تنتظمهم قاعدة موحدة لا تقيم في مجال تطبيقها تمييزًا بينهم، وبذلك يكون المشرع بالنهج الذى سلكه بالنص المطعون فيه، قد اختص الفئة التى تعلق بها مجال تطبيقه، بمعاملة استثنائية، لا ترتبط ارتباطًا عقليًّا ومنطقيًّا بأهدافه، باعتباره وسيلة صاغها المشرع لتحقيقها، والتى تفتقر إلى الأسس الموضوعية التى تبررها وتسوغها، فإن هذا النص يكون قد تضمن تمييزًا تحكميًّا يتصادم ونص المادة (40) من الدستور الصادر سنة 1971.
      وحيث إن النص المطعون فيه بقصره نطاق آثار عقد التأمين على الراكبين المصرح بركوبهما، دون باقى ركاب السيارة النقل، وتقييده - من ثم - حكمًا جاء بمقتضى نص المادة (5) من القانون رقم 652 لسنة 1955 المشار إليه عامًّا مطلقًا يشمل جميع ركاب السيارة، يُعد خروجًا من اللائحة التنفيذية عن نطاق التفويض المقرر لها بمقتضى نص المادة (144) من الدستور الصادر سنة 1971، ومخالفة من السلطة المختصة بإصدار اللائحة لالتزامها الدستوري في وجوب أن تراعى دومًا تحقيق التوفيق بين أحكام اللوائح التنفيذية الصادرة منها، وأحكام القوانين الصادرة تنفيذًا لها، وكذا أحكام الدستور، بما يجعل أحكامها دائرة في نطاق وظيفتها الدستورية التي تنحصر في تنفيذ القوانين، وبما ليس فيه تعطيل أو تعديل أو إعفاء من تنفيذها، الأمـر الذى يضحى معـه النص المطعون فيه - لما تقدم جميعه - مخالفًا لمبدأ المساواة المقرر بنص المادة (40)، وكذا نص المادة (144) من الدستور الصادر سنة 1971، مما يتعين معه القضاء بعدم دستوريته في حدود النطاق المشار إليه.
فلهـذه الأسبـاب
حكمت المحكمة بعدم دستورية نص البند رقم "هـ" من الشرط الأول من الشروط العامة الواردة بنموذج وثيقة التأمين المرافق لقرار وزير المالية والاقتصاد رقم 152 لسنة 1955 بتنفيذ حكم المادة الثانية من القانون رقم 652 لسنة 1955 بشأن التأمين الإجباري من المسئولية المدنية الناشئة من حوادث السيارات، فيما تضمنه من قصر آثار عقد التأمين على الراكبين المصرح بركوبهما في السيارة النقل، دون سواهما من ركاب هذه السيارة.
أمين السر                               رئيس المحكمة

الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة من أشخاص القانون العام والعاملون فيها موظفين عموميين


القضية رقم 63 لسنة 31 ق " دستورية ".
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثالث من فبراير سنة 2018م، الموافق السابع عشر من جمادى الأولى سنة 1439 هـ.
برئاسة السيد المستشار / عبد الوهاب عبد الرازق  رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: ومحمد خيرى طه النجار والدكتور عادل عمر شريف ومحمود محمد غنيم والدكتور محمد عماد النجار والدكتور عبدالعزيز محمد سالمان والدكتور طارق عبد الجواد شبل   نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار / طارق عبدالعليم أبوالعطا   رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
      في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 63 لسنة 31 قضائية " دستورية ". بعد أن أحالت محكمة القضاء الإداري - الدائرة (14) تسويات بقرارها الصادر بجلسة 27/10/2008 ملف الطعن رقم 155 لسنة 30 قضائية مستأنف.
المقامة من
حاتم السيد كامل الجبالى
ضــد
رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للاستثمار
الإجـراءات
      بتاريخ الرابع عشر من مارس سنة 2009، ورد إلى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا ملف الدعوى رقم 155 لسنة 30 قضائية مستأنف، بعد أن قضت الدائرة (14) تسويات بمحكمة القضاء الإداري، بجلسة 27/10/2008، وقف نظر الدعوى، وإحالتها إلى المحكمة الدستورية العليا، للفصل في دستورية نص المادة (11) من لائحة نظام العاملين بالهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة، الصادرة بقرار نائب رئيس مجلس الوزراء للشئون الاقتصادية والمالية ووزير الاقتصاد رقم 154 لسنة 1980 بعد تعديلها بالقرار رقم 6 لسنة 1993، فيما تضمنته من عدم جواز احتساب مدة الخبرة العملية الزائدة على مدة الخبرة المطلوبة لشغل الوظيفة عند التعيين أو إعادة التعيين بالهيئة.
      وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم أصليًّا: بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى، واحتياطيًّا: برفضها.
      وقدمت الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
      وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
         بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من قرار الإحالة وسائر الأوراق - في أن السيد/ حاتم السيد كامل الجبالى كان قد أقام الدعوى رقم 314 لسنة 42 قضائية، أمام المحكمة الإدارية لوزارة المالية بمجلس الدولة، ضد الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة، طالبًا الحكم بأحقيته في تسوية حالته الوظيفية بضم مدة الخدمة التي قضاها بتلك الهيئة بموجب عقد مؤقت، إلى مدة خدمته لديها بعد تعيينه في وظيفة دائمة. وذلك على سند من أنه التحق بالعمل بالهيئة بموجب عقد مؤقت في وظيفة باحث بقطاع الخبرة الحسابية، خلال المدة من 19/5/1990 حتى 31/3/1994، وبتاريخ 1/4/1994 تم تعيينه على وظيفة دائمة بالهيئة، فتقدم للهيئة طالبًا ضم مدة خبرته العملية السابقة، إلى مدة خدمته، وإذ رفض طلبه، استنادًا لنص المادة (11) من لائحة شئون العاملين بالهيئة الصادرة بالقرار رقم 154 لسنة 1980 بعد استبدالها بالقرار رقم 6 لسنة 1993، أقام دعواه الموضوعية بطلباته سالفة البيان، وقضت فيها المحكمة بجلسة 16/11/1997 برفض الدعوى، ولم يصادف هذا القضاء قبول المدعى، فطعن عليه أمام محكمة القضاء الإداري - الدائرة (14) تسويات - بالطعن رقم 155 لسنة 30 قضائية مستأنف. وإذ تراءى لتلك المحكمة عدم دستورية نص اللائحة المشار إليه، قررت بجلسة 27/10/2008، وقف الدعوى وإحالة أوراقها إلى المحكمة الدستورية العليا، للفصل في دستورية ذلك النص.

وحيث إن المادة (11) من لائحة شئون العاملين بالهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة الصادرة بقرار نائب رئيس مجلس الوزراء للشئون الاقتصادية والمالية ووزير الاقتصاد رقم 154 لسنة 1980، المستبدلة بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 6 لسنة 1993 - وقبل استبدال تلك اللائحة بقرار رئيس مجلس إدارة الهيئة رقم 5 لسنة 2000 - كانت تنص على أن "لا يجوز حساب مدة خبرة عملية زائدة على مدة الخبرة المطلوبة لشغل الوظيفة عند التعيين أو إعادة التعيين، ويكون حساب مدة الخبرة العملية للحاصلين على مؤهلات عليا ( الدكتوراه أو الماجستير ودبلومات الدراسات العليا التي مدتها سنتان) طبقًا للقواعد التي تقررها لجنة شئون العاملين بالهيئة".

      وحيث إن هيئة قضايا الدولة دفعت بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى، استنادًا إلى أن الاختصاصات المنوط بالهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة القيام بها، وهى الترويج للمشروعات التي تنهض بالاقتصاد المصري، تقتضى أن تتوافر فيمن يقومون بها صفات لا تتوافر في الموظفين العاديين بالدولة. وأن مباشرة تلك الاختصاصات يدخل في نطاق القانون الخاص، وبالتالي تخرج لائحة شئون العاملين بتلك الهيئة عن دائرة التشريع الموضوعي،
وهو ما تنحسر عنه الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح المنوط بالمحكمة الدستورية العليا مباشرتها.
      وحيث إن ذلك الدفع مردود: بأن المادة (192) من الدستور الحالي، والمادة (25) من قانون هذه المحكمة الصادر بالقانون رقـم 48 لسنة 1979، قـد عينا اختصاصاتها، وحددا ما يدخل في ولايتها، فخولاها اختصاصًا منفردًا بالرقابة على دستورية القوانين واللوائح، وينحصر هذا الاختصاص في النصوص التشريعية أيًّا كان موضوعها أو نطاق تطبيقها أو الجهة التي أصدرتها، فلا تنبسط هذه الولاية إلا على القانون بمعناه الموضوعي باعتباره منصرفًا إلى النصوص القانونية التي تتولد عنها مراكز قانونية عامة مجردة، سواء وردت هذه النصوص بالتشريعات الأصلية التي أقرتها السلطة التشريعية، أم تضمنتها التشريعات الفرعية التي تصدرها السلطة التنفيذية في حدود صلاحيتها التي ناطها الدستور بها، وأن تنقبض تلك الرقابة - تبعًا لذلك - عما سواها.
      وحيث كان ذلك، وكان المدعى في الدعوى الموضوعية من العاملين بالهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة، وهى هيئة عامة، عملاً بأحكام القانون رقم 8 لسنة 1997 بإصدار قانون ضمانات وحوافز الاستثمار، وقرار رئيس الجمهورية رقم 284 لسنة 1997 بإنشاء تلك الهيئة، ومن ثم تُعد تلك الهيئة شخصًا من أشخاص القانون العام، ويكون العاملون فيها موظفين عموميين يرتبطون بها بعلاقة تنظيمية تحكمها لائحة شئون العاملين بها، وهى بهذه المثابة تُعد تشريعًا بالمعنى الموضوعي مما يدخل في اختصاص المحكمة الدستورية العليا مباشرة الرقابة القضائية على دستوريتها. ومن ثم، يغدو الدفع بعدم اختصاص هذه المحكمة بنظر الدعوى فاقدًا لسنده، جديرًا بالالتفات عنه.

      وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة في الدعوى الدستورية - وهى شرط لقبولها - مناطها – وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يؤثر الحكم في المسألة الدستورية على الطلبات المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع. ويستوى في شأن توافر المصلحة أن تكون الدعوى قد اتصلت بالمحكمة عن طريق الدفع أو عن طريق الإحالة. والمحكمة الدستورية العليا هى وحدها التى تتحرى توافر شرط المصلحة في الدعاوى الدستورية للتثبت من شروط قبولها، بما مؤداه أن الإحالة من محكمة الموضوع إلى المحكمة الدستورية العليا لا تفيد بذاتها توافر المصلحة، بل يتعين أن يكون الحكم في المطاعن الدستورية لازمًا للفصل في النزاع المثار أمام محكمة الموضوع، فإذا لم يكن للفصل في دستورية النصوص التى ثارت بشأنها شبهة عدم الدستورية لدى محكمة الموضوع انعكاس على الطلبات في الدعوى الموضوعية، وقضاء محكمة الموضوع فيها؛ فإن الدعوى الدستورية تكون غير مقبولة. ومن المقرر أيضًا في قضاء المحكمة الدستورية العليا أنه يجب أن تتوافر المصلحة في الدعوى الدستورية ليس فقط وقت رفع الدعوى، وإنما يتعين أن تظل قائمة حتى الفصل فيها.

      وحيث كان ذلك، وكان النزاع المردد أمام محكمة الموضوع ينصب على طلب المدعى في الدعوى الموضوعية ضم مدة خبرته العملية التى قضاها بموجب عقد مؤقت إلى مدة خدمته بالهيئة في وظيفة دائمة. وكانت لائحة شئون العاملين بالهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة الصادرة بقرار نائب رئيس مجلس الوزراء للشئون الاقتصادية والمالية ووزير الاقتصاد بالقرار رقم 154 لسنة 1980، وتعديلاته، قد تم إلغاؤها بمقتضى اللائحة الصادرة بقرار مجلس إدارة الهيئة رقم 5 لسنة 2005، ثم أصدر وزير الاستثمار رئيس مجلس إدارة الهيئة القرار رقم 140 لسنة 2016 بلائحة أخرى لشئون العاملين بالهيئة، ونصت المادة الثالثة من ذلك القرار على أن "تلغى لائحة شئون العاملين بالهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة الصادرة بقرار مجلس إدارة الهيئة رقم 5 لسنة 2000 وتعديلاته"، كما نصت المادة (136) من تلك اللائحة على أن "تحتسب مدة الخبرة العملية للعامل الموجود بالخدمة وقت العمل بأحكام هذه اللائحة، التى تزيد على مدة الخبرة المطلوب توافرها لشغل الوظيفة على أساس أن تضاف إلى بداية أجر التعيين عن كل سنة من السنوات الزائدة قيمة علاوة دورية بحد أقصى خمس علاوات من علاوات درجة الوظيفة المعين عليها العامل، وبشرط أن تكون تلك الخبرة متفقة مع طبيعة عمل الوظيفة المعين عليها العامل وفقًا للضوابط التى يضعها مجلس الإدارة في هذا الشأن، وعلى ألا يسبق العامل زميله المعين في الهيئة في وظيفة من الدرجة نفسها في التاريخ الفرضى لبداية الخبرة المحسوبة سواء من حيث الأقدمية في الدرجة أو الأجر، وأن يتقدم العامل للرئيس التنفيذى بطلب لحساب هذه المدة خلال ثلاثة أشهر من تاريخ العمل بأحكام هذه اللائحة".

      وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان الثابت بالأوراق أن الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة قد طبقت حكم المادة (136) من لائحة شئون العاملين بالهيئة الصادرة بالقرار رقم 140 لسنة 2016 على السيد / حاتم السيد كامل الجبالي، المدعى في الدعوى الموضوعية، وتمت تسوية حالته الوظيفية على مقتضى ذلك النص، لتصبح أقدميته اعتبارًا من 19/5/1990 تاريخ التحاقه بالعمل لدى الهيئة بموجب عقد مؤقت، وصرف الفروق المالية المترتبة على ذلك، اعتبارًا من 7/4/2016 تاريخ اعتماد لائحة شئون العاملين بالهيئة الصادرة بالقرار المشار إليه. الأمر الذى يصير معه الفصل في دستورية النص التشريعي الذى ثارت بشأنه شبهة عدم الدستورية لدى محكمة الموضوع لا يرتب انعكاس على الطلبات في الدعوى الموضوعية، وقضاء محكمة الموضوع فيها، بعد أن تحققت للمدعى فيها مبتغاه منها، ومن ثم تغدو المصلحة في الدعوى المعروضة منتفية، وهو ما يتعين معه القضاء بعدم قبولها.
فلهذه الأسباب
      حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى.
      أمين السر                               رئيس المحكمة

دستورية المسئولية (المفترضة) لممثل الشخص المعنوي عن التهرب الضريبي

في القضية رقم 61 لسنة 21 ق " دستورية ".
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثالث من فبراير سنة 2018م، الموافق السابع عشر من جمادى الأولى سنة 1439 هـ.
برئاسة السيد المستشار / عبد الوهاب عبد الرازق  رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: محمد خيرى طه النجار والدكتور عادل عمر شريف ومحمود محمد غنيم والدكتور محمد عماد النجار والدكتور عبدالعزيز محمد سالمان والدكتور طارق عبد الجواد شبل  نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار / طارق عبدالعليم أبوالعطا   رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
   في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 61 لسنة 21 قضائية " دستورية ".
المقامة من
جمال الدين حسين محمد عقيـل
ضد
1- رئيس الجمهــــوريـــــة
2- رئيس مجلس الـــــــوزراء
3- وزير المالـــــــــــية
4- المستشار النائب العــــام
 الإجراءات
      بتاريخ الخامس عشر من شهر إبريل سنة 1999، أقام المدعى هذه الدعوى، بإيداع صحيفتها قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طلبًا للحكم بعدم دستورية نص المادة (46) من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم (11) لسنة 1991.
      وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت في ختامها الحكم برفض الدعوى.
      وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
      ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
      بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
      حيث إن الوقائع تتحصل - حسبما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - في أن النيابة العامة كانت قد قدمت المدعى بصفته رئيس مجلس إدارة الشركة المصرية لصناعة وسائل النقل الخفيف، وآخر - رئيس القطاع المالي للشركة - إلى المحاكمة الجنائية أمام محكمة القاهرة للجرائم المالية، في الجنحة رقم 366 لسنة 1997 جنح القاهرة للجرائم المالية، متهمة إياهما بصفتيهما السابقة في تمثيل الشركة - وهى أحد الأشخاص المعنوية الخاضعة لقانون الضريبة على المبيعات - بالتهرب من أداء الضريبة المستحقة على مبيعاتها، وذلك خلال الفترة من 10/2/1991 وحتى 25/12/1995، وعدم الإقرار عن هذه المبيعات، وسداد الضريبة المستحقة عليها، وطلبت عقابهما بالمواد (2/1، 16/1، 32/1و2، 43/1، 44/2، 45، 46) من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991. وإذ تدوولت الدعوى الجنائية أمام تلك المحكمة، فقضت بجلسة 29/6/1998، بعدم اختصاصها محليًّا بنظر الدعوى، وأحالتها إلى محكمة الجيزة والهرم المختصة حسب محل إقامة أحد المتهمين، فأحيلت الدعوى إلى محكمة جنح الأهرام، وقيدت طرفها جنحة برقم 10185 لسنة 1958. ومثل المدعى أمامها، واعتصم في دفاعه بعدم دستورية أحكام المادتين (45، 46) من قانون الضريبة العامة على المبيعات، لإقامتها المسئولية على افتراض علمه بالفعل، فقررت المحكمة حجز الدعـوى ليصدر فيها الحكم بجلسة 15/3/1999، وبتلك الجلسة قررت إعادة الدعوى للمرافعة، وصرحت له بإقامة الدعوى الدستورية طعنًا على نص المادة (46)، فأقام الدعوى المعروضة.
      وحيث إن المادة (46) من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم (11) لسنة 1991، تنص على أن " في حالة وقوع أي فعل من أفعال التهرب من الضريبة من أحد الأشخاص المعنوية، يكون المسئول عنه الشريك المسئول أو المدير أو عضو مجلس الإدارة المنتدب أو رئيس مجلس الإدارة ممن يتولون الإدارة الفعلية على حسب الأحوال".
      وحيث إن المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن المصلحة الشخصية المباشرة - وهى شرط لقبول الدعوى ‏الدستورية - مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى ‏الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازمًا للفصل في الطلبات ‏الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع. متى كان ذلك، وكانت النيابة العامة قد أحالت المدعى للمحاكمة الجنائية بصفته رئيسًا لمجلس إدارة الشركة المصرية لصناعة وسائل النقل الخفيف - وهي شخص اعتباري من المخاطبين بنص المادة (46) من قانون الضريبة العامة على المبيعات، ومسجلة لدى مصلحة الضرائب على المبيعات - بوصف ارتكابه لجريمة التهرب من أداء الضريبة المستحقة على مبيعات الشركة، دون الإقرار عنها وسدادها، وكان المدعى، بتلك الصفة، هو أحد المسئولين الذين عددتهم المادة (46) المشار إليها، ممن يتولى منهم الإدارة الفعلية المرتبطة بأداء الالتزام القانوني الذى فرضه المشرع، واعتبر الإخلال به جريمة يسألون عنها طبقًا لهذا النص، لكونهم قسائم متساوية، يجمعهم من يتولى منهم الإدارة الفعلية للشخص المعنوي. ومن ثم، فإن الفصل في دستورية ما ورد بذلك النص من أحكام، سيكون له أثر مباشر وانعكاس أكيد على موقف المدعى من الاتهام المسند إليه في الدعوى الموضوعية، وقضاء محكمة الموضوع فيها. الأمر الذى تتوافر معه للمدعى مصلحة شخصية ومباشرة في الطعن على ما نصت عليه تلك المادة من مسئولية أي من ممثلي الشخص المعنوي الذين عددتهم - ومن بينهم رئيس مجلس إدارته - ممن يتولى إدارته إدارة فعلية، عن أفعال التهرب من الضريبة التي تقع منه.
      وحيث إن المدعى ينعى على نص المادة (46) المطعون عليها، مخالفته لنصوص المواد (66، 67، 86، ‏‏165) من دستور سنة 1971، قولاً منه إنه يخل بمبدأ شخصية العقوبة، ومبدأ شخصية المسئولية الجنائية، لافتراضها مسئولية رئيس مجلس إدارة الشركة عن جريمة التهرب من الضريبة العامة على المبيعات، وتحميله تبعة الجريمة التي ارتكبها غيره، إذ لو أراد الشارع تقرير مسئولية الفاعل لكان يكفيه نص المادة (43) من القانون ذاته، الأمر الذى انطوى على افتئات على اختصاص السلطة القضائية والحيلولة دون ممارستها الحق في التثبت من ارتكاب رئيس مجلس الإدارة لجريمة التهرب.
      وحيث إن الرقابة على دستورية القوانين، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، لكون هذه الرقابة إنما تستهدف أصلاً – وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة- صون الدستور القائم وحمايته من الخروج على أحكامه، وأن نصوص هذا الدستور تمثل دائمًا القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التي يتعين التزامها، ومراعاتها، وإهدار ما يخالفها من تشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة.
      وحيث إنه بالبناء على ما تقدم، ولما كان قانون الضريبة العامة على المبيعات، الذى يتضمن النص المطعون فيه، استمر العمل به إلى ما بعد العمل بأحكام الدستور الحالي الصادر سنة 2014، وحتى إلغائه بموجب نص المادة الثانية من قانون الضريبة على القيمة المضافة الصادر بالقانون رقم 67 لسنة 2016، وكانت المناعي التي وجهها المدعى للنص المطعون فيه تندرج تحت المطاعن الموضوعية التي تقوم في مبناها على مخالفة نص تشريعي لقاعدة في الدستور من حيث محتواها الموضوعي. ومن ثم، فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على دستورية النص المطعون فيه من خلال أحكام الدستور القائم، باعتباره الوثيقة الدستورية الحاكمة للمسألة المعروضة.
      وحيث إن الدستور القائم لم يأت بما يخالف ما أورده المدعى بشأن المبادئ الدستورية الحاكمة للنص المطعون عليه في دستور سنة 1971: فالثابت أن المادتين (66، 67) في شأن شخصية العقوبة وأصل البراءة، والمادة (86) بشأن اختصاص البرلمان بسلطة التشريع، والمادة (165) بشأن استقلال السلطة القضائية، التى وردت في دستور سنة 1971، تطابق في مجملها الأحكام الواردة في المواد (95، 96، 101، 184) من الدستور القائم.
         وحيث إن المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن الأصل في الجريمة أن ‏عقوبتها لا يتحمل بها إلا من أدين بها كمسئول عنها، وهى عقوبة يجب أن تتوازن ‏وطأتها مع طبيعة الجريمة وموضوعها، بما مؤداه أن الشخص لا يزر غير سوء ‏عمله، وأن جريرة الجريمة لا يؤاخذ بها إلا جناتها، ولا ينال عقابها إلا من قارفها، ‏وأن شخصية العقوبة وتناسبها مع الجريمة محلها، مرتبطان بمن يعـد قانونًا مسئولاً عن ‏ارتكابها، ومن ثم تفترض شخصية العقوبة شخصية المسئولية الجنائية، بما يؤكد ‏تلازمهما، ذلك أن الشخص لا يكون مسئولاً عن الجريمة، ولا تفرض عليه عقوبتها، إلا ‏باعتباره فاعلاً لها أو شريكًا فيها، وهو ما يعبر عن العدالة الجنائية في مفهومها ‏الحق.‏
      وحيث إن من المقرر - أيضًا - في قضاء هذه المحكمة أن الجريمة في مفهومها ‏القانوني تتمثل في الإخلال بنص عقابي، وأن وقوعها لا يكون إلا بفعل أو امتناع ‏يتحقق به هذا الإخلال. متى كان ذلك، وكان المشـرع قد أوجب على المسجل في المادتين (16/1، 32) من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991، أن يقدم إقرارًا شهريًّا إلى مصلحة الضرائب على المبيعات عن الضريبة المستحقة عليه، خلال الثلاثين يومًا التالية لانتهاء شهر المحاسبة، وأداء حصيلة الضريبة رفق إقراره، فإذا لم يؤد المسجل الضريبة في الموعد المحدد استحق عليه ضريبة إضافية، مع الضريبة الأصلية بوقع نصف في المئة من قيمة الضريبة غير المدفوعة عن كل أسبوع، وتحصل بذات إجراءات تحصيلها. وكان المشرع قد أورد في المادة (43) من القانون المشار إليه العقوبة المرصودة لأفعال التهرب من الضريبة، وحدد في المادة (44) منه الأفعال التي تعد تهربًا من الضريبة، وتناول في المادة (46) من القانون ذاته – النص المطعون عليه - الأحكام المتعلقة بالمسئولية الجنائية حال وقوع أي فعل من أفعال التهرب من شخص معنوي، فأقام هذه المسئولية في حق القائم على الإدارة الفعلية في الشخص المعنوي، بحسبانه الشخص الطبيعي المكلف بأداء الالتزامات القانونية المتعلقة بهذه الضريبة عن الشخص المعنوي، وعدَّد الأشخاص المسئولين عن الإدارة الفعلية الذين تصح مساءلتهم عن هذه الجريمة، وهـم إما الشريك المسئول - في شركات الأشخاص -، أو المدير، أو عضو مجلس الإدارة المنتدب، أو رئيس مجلس الإدارة. وكان مناط ثبوت الجريمة في حق أحدهم هو ثبوت اختصاصه بأداء الالتزام القانوني الملقى على عاتق الشخص المعنوي وفقًا للنظام القانوني الحاكم له، وقواعد توزيع الصلاحيات المقررة فيه، ليكون مناط مسئولية أيهم عن هذه الجريمة ثبوت مسئوليته عن الإدارة ‏الفعلية بالشركة المتعلقة بأداء هذا الالتزام، طبقًا لنص المادة (46) من قانون الضريبة العامة على المبيعات، ‏والذى يجب دومًا أن يكون من الأشخاص الذين يعهد إليهم بقسط من نشاط الشخص المعنوي ‏يمارسونه نيابة عنه، ويرتبط بتنفيذ الالتزام القانوني الذى فرضه المشرع عليه، وجعل ‏الإخلال به جريمة، بحسبانه ملتزمًا قانونًا بتحصيل الضريبة العامة على المبيعات، من مشترى السلعة أو متلقى الخدمة، والإقرار عنها، وتوريدها للمصلحة، وهو يسأل عن فعله شخصيًّا، ولو كان ارتكابه للجريمة قد تم باسم الشركة ولحسابها ولمصلحتها ‏وباستخدام أحد وسائلها، وسواء كان امتناعه عن الوفاء بالتزامه القانوني نشاطًا سلبيًّا قصد به الجاني التنصل من الالتزام الذى فرضه المشرع على نحو آمر، أو كان قعوده عن هذا الواجب إهمالاً منه وتقصيرًا. وتقع الجريمة منه إذا توافرت أركانها، ‏والتي يتعين على سلطة الاتهام إثباتها كاملة في حقه، متضمنة صفته في تمثيل الشخص المعنوي، واختصاصه بأداء الالتزام القانوني الذى فرضه المشرع، ليكون قعوده عن تنفيذ هذا الالتزام هو حقيقة فعله وصميم اختصاصه الذى أخل به، وبذلك يتحقق توافق قواعد المسئولية الجنائية التي أتى بها النص المطعون فيه مع مبدأ شخصية المسئولية الجنائية، وينتفى معه تبعًا لذلك منعى الإخلال بمبدأ شخصية العقوبة، وافتراض المسئولية الجنائية له.‏
      وحيث إنه بشأن ما نعاه المدعى على النص المطعون عليه إخلاله بأصل البراءة، ومساسه بمبدأ استقلال السلطة القضائية، فمن المقرر في قضاء هذه المحكمة، أن الدستور نص في المادة (96) منه على أن المتهم برئ حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية تتوافر له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه. ومؤدى ذلك أن ضوابط المحاكمة المصنفة - التي عناها الدستور في هذه المادة - تتمثل في مجموعة من القواعد المبدئية التي تعكس مضامينها نظامًا متكامل الملامح، يتوخى بالأسس التي يقوم عليها، صون كرامة الإنسان وحقوقه الأساسية، ويحول بضماناته دون إساءة استخدام العقوبة بما يخرجها عن أهدافها، وذلك انطلاقًا من إيمان الأمم المتحضرة بحرمة الحياة الخاصة، وبوطأة القيود التي تنال من الحرية الشخصية التي اعتبرها الدستور من الحقوق الطبيعية الكامنة في النفس البشرية فلا تنفصل عنها عدوانًا، ولضمان أن تتقيد الدولة - عند مباشرتها لسلطاتها في مجال فرض العقوبة صونًا للنظام الاجتماعي - بالأغراض النهائية للقوانين العقابية التي ينافيها أن تكون إدانة المتهم هدفًا مقصودًا لذاته، أو أن تكون القواعد التي تتم محاكمته على ضوئها، مصادمة للمفهوم الصحيح لإدارة العدالة الجنائية إدارة فعالة. بل يتعين أن تلتزم هذه القواعد مجموعة من القيم التي تكفل لحقوق المتهم الحد الأدنى من الحماية، التي لا يجوز النـزول عنها أو الانتقاص منها. ويندرج تحت هذه القواعد أصل البراءة كقاعدة أولية تفرضها الفطرة، وتوجبها حقائق الأشياء، وهى بعد قاعدة حرص الدستور على إبرازها في المادة (96) منه.

      وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان نص المادة (46) من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991، ألقى على عاتق القائم بالإدارة الفعلية للشخص المعنوي - ممن عددهم النص - المسئولية الجنائية عن أفعال التهرب التي تقع من الشخص المعنوي، وناط ثبوت هذه الجريمة في حقه بثبوت مباشرته الإدارة الفعلية المتعلقة بتنفيذ الالتزام القانوني، الذى اعتبر المشرع الإخلال به جريمة، ولم يعف النيابة العامة من واجب إقامة الدليل على ثبوت عناصر الجريمة بأركانها كافة في حقه، بما في ذلك ثبوت الإدارة الفعلية، كما لم يحول بين المتهم ونفى عناصر الاتهام جميعها بكافة طرق ووسائل الإثبات القانونية المتاحة في شتى الدعاوى الجنائية، وعلى ذلك، فإن النص المطعون فيه جاء خلوًا من أي قرينة قانونية تعارض أصل البراءة الذى يصاحب المتهم في شتى مراحل الدعوى الجنائية، كما إنه لم يفتئت على صلاحيات محاكم السلطة القضائية في تحقيق جميع عناصر الجريمة إثباتًا ونفيًا للوقوف على حقيقة الاتهام المسند إلى المتهم. ومن ثم، فإن أحكام هذا النص مبرأة من قالة الإخلال بأصل البراءة، أو المساس باستقلال السلطة القضائية.
      وحيث إن النص المطعون فيه لا يتعارض مع أي نص آخر من نصوص الدستور، مما يتعين معه القضاء برفض الدعوى.
فلهــذه الأسبــاب
      حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعى المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
      أمين السر                               رئيس المحكمة