جلسة 21 من أكتوبر سنة 2009
برئاسة السيد القاضي/ محمود عبد الباري نائب رئيس المحكمة وعضوية
السادة القضاة/ إبراهيم الهنيدي، عبد الفتاح حبيب، حسن الغزيري ومصطفى محمد أحمد
نواب رئيس المحكمة.
--------------
(50)
الطعن 15507 لسنة 72 ق
(1) إثبات "قرائن".
محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الحالة العقلية". حكم "تسبيبه.
تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
استخلاص المحكمة من تصرفات الطاعن وأفعاله وأقواله السابقة والتالية
على الحادث قرينة على حفظه لشعوره واختياره وقت الحادث. استدلال سليم.
مثال لتسبيب
سائغ للرد على الدفع بانتفاء المسئولية للمرض العقلي.
(2) إثبات "خبرة". محكمة
الموضوع "سلطتها في تقدير الحالة العقلية". مسئولية جنائية. دفاع
"الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل
منها".
عدم التزام المحكمة بندب خبير فني في الدعوى لتحديد مدى تأثير مرض
الطاعن على مسئوليته الجنائية. حد ذلك؟
تقدير حالة المتهم العقلية. موضوعي. ما دام
سائغاً.
عدم التزام المحكمة بالالتجاء إلى أهل الخبرة في ذلك إلا فيما يتعلق
بالمسائل الفنية البحتة.
(3) أسباب الإباحة وموانع العقاب
"الدفاع الشرعي". دفوع "الدفع بقيام حالة الدفاع الشرعي".
محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير قيام حالة الدفاع الشرعي". حكم
"تسبيبه. تسبيب غير معيب".
حق الدفاع الشرعي. لم يشرع لمعاقبة معتد على اعتدائه وإنما شرع لدفع
العدوان.
مثال لتسبيب سائغ للرد على الدفع بقيام حالة الدفاع الشرعي.
(4) إثبات "بوجه عام".
استدلالات. دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". نقض "أسباب
الطعن. ما لا يقبل منها". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
لمحكمة الموضوع التعويل في تكوين عقيدتها على تحريات الشرطة باعتبارها
معززة لما ساقته من أدلة.
إثارة الدفع بتناقض التحريات لأول مرة أمام محكمة النقض.
غير جائز.
(5) إثبات
"اعتراف". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم
"تسبيبه. تسبيب غير معيب".
لمحكمة الموضوع تجزئة الدليل
ولو كان اعترافاً.
الجدل الموضوعي في سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى
واستنباط معتقدها. غير جائز أمام محكمة النقض.
مثال.
(6) إثبات "شهود".
إجراءات "إجراءات المحاكمة". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
الأصل في المحاكمات الجنائية. قيامها على التحقيق الشفوي الذي تجريه
المحكمة بالجلسة وتسمع فيه الشهود. ما دام ذلك ممكناً. امتناع المحكمة عن سماع
شهادة الشاهد. جائز. متى وضحت الواقعة لديها. أساس ذلك؟ قرار المحكمة بطلب سماع
الضابط أو طبيب المستشفى. تحضيري. لا تتولد عنه حقوق للخصوم. النعي على الحكم في
هذا الشأن. غير مقبول.
(7) إثبات "خبرة". نقض
"أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير
الدليل".
تقدير آراء الخبراء والمفاضلة بينهم. موضوعي. لها كامل الحرية في
تقدير القيمة التدليلية لها.
عدم التزام المحكمة بإجابة طلب الدفاع استدعاء الطبيب
الأخصائي. ما دامت قد اطمأنت لتقرير الطب الشرعي واطرحت تقريره.
-----------
1 - لما كان الحكم المطعون فيه قد بيَّن واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمتين اللتين دان الطاعن بهما وأورد على ثبوتهما في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها مستمداً من أقوال شهود الإثبات ومن اعتراف المتهم بالتحقيقات ومما جاء بتقرير الطب الشرعي، لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض لما أثاره الدفاع عن الطاعن من انتفاء مسئوليته لمرضه بمرض عقلي ورد عليه بما مجمله: "... أن المتهم ومنذ ارتكاب الواقعة يقر تفصيلاً بارتكابها ويورد أسباب ذلك أمام جهة الشرطة وبتحقيقات النيابة، وأن أحداً من الشهود لم يقر بانعدام مسئولية المتهم وأن الأوراق قد خلت مما يشير إلى أن المتهم مصاب عقلياً وأن المحكمة لم تلاحظ على المتهم ذلك بكافة جلسات المرافعة وانتهت إلى أنها تطمئن إلى أن المتهم يتمتع بحالة عقلية سليمة ورفضت الدفع". لما كان ذلك، وكانت المحكمة قد أثبتت في حدود سلطتها التقديرية تمتع الطاعن بملكة الوعي والتمييز والقدرة على حسن الإدراك وسلامة التدبير العقلي وقت ارتكاب الجريمة، وذلك من واقع ما استدلت به من مسلك الطاعن وأفعاله وأقواله سواء ما كان منها سابقاً على وقوع الجريمة أو أثناء ارتكابه لها أو من بعد مقارفته إياها، واستدلت من كل ذلك على سلامة قواه العقلية وقت وقوع الحادث وهو استدلال سليم لا غبار عليه إذ اتخذت من تصرفاته وأقواله السابقة والتالية على الحادث قرائن على ما انتهت إليه من أنه كان حافظاً لشعوره واختياره وقت الحادث، فإن ما أورده الحكم فيما تقدم كاف وسائغ في الرد على ما يثيره الطاعن في هذا الصدد.
2 - لما كانت المحكمة غير ملزمة بندب خبير فني في الدعوى تحديداً لمدى تأثير مرض الطاعن على مسئوليته الجنائية بعد أن وضحت لها الدعوى على ما تقدم لأن الأصل أن تقدير حالة المتهم العقلية من الأمور الموضوعية التي تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيها ما دامت تقيم تقديرها على أسباب سائغة وهي لا تلتزم بالالتجاء إلى أهل الخبرة إلا فيما يتعلق بالمسائل الفنية البحتة التي يتعذر عليها أن تشق طريقها فيها، ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم في هذا الصدد من دعوى الإخلال بحق الدفاع لا يكون له محل.
3 - لما كان الحكم قد عرض لما أثاره الطاعن من أنه كان في حالة دفاع شرعي عن النفس واطرحه بقوله: "... أن المتهم قرر بمحضر الضبط وبتحقيقات النيابة العامة أنه استولى على السكين المضبوطة من المجني عليه وطعنه بها ثلاث طعنات وأن المجني عليه كان أعزل لا يحمل أية أدوات يمكن أن يستخدمها في الاعتداء على المتهم بعد أن جرده الأخير من الأداة التي كانت معه "السكين" كما وأن المتهم لم يقرر بأن المجني عليه كان يحاول الاعتداء عليه أثناء طعنه، ومن ثم يكون حق الدفاع الشرعي منتفياً وانتهت المحكمة إلى رفضه"، لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد رد على دفاع الطاعن القائم على أنه كان في حالة دفاع شرعي بأن هذا الحق لم يشرع لمعاقبة معتد على اعتدائه وإنما شرع لدفع العدوان، وأنه بفرض أن السكين للمجني عليه وقد انتزعها الطاعن منه فقد صار أعزل لا يستطيع الاعتداء بها أو متابعة اعتدائه ولا يصح في القانون اعتبار الطاعن في حالة دفاع شرعي إذا ما انهال على المجني عليه طعناً بالسكين المذكور طالما أنه قد جرده منها، فإن ما أورده الحكم فيما تقدم صحيح في القانون ويكفي في تبرير ما انتهى إليه من انتفاء حالة الدفاع الشرعي، ويكون ما يثيره الطاعن في هذا الشأن غير سديد.
4 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تعول في تكوين عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة ما دامت تلك التحريات قد عرضت على بساط البحث، هذا فضلاً عن أن الطاعن لم يثر شيئاً مما أورده بوجه الطعن من تناقض تحريات الشرطة، ومن ثم لا يسوغ له أن يثير هذا الأمر لأول مرة أمام محكمة النقض ولا يقبل منه النعي على المحكمة إغفالها الرد عليه ما دام أنه لم يتمسك به أمامها بالإضافة إلى أنه لم يبين وجه هذا التناقض، فإن ما يثيره في هذا الصدد يكون غير سديد.
5 - من المقرر أن للمحكمة سلطة تجزئة الدليل ولو كان اعترافاً فتأخذ منه ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه، وكان الحكم المطعون فيه قد دلل على مقارفة الطاعن لجريمة الضرب المفضي إلى الموت تدليلاً سائغاً لا يتنافى مع العقل والمنطق واعتنق صورة واحدة لكيفية وقوع الحادث واستخلص أن الطاعن استعمل في ارتكاب الجريمة السكين المضبوطة أخذاً بما أورده تقرير الصفة التشريحية والذي لا ينازع الطاعن فيما نقله الحكم عنه، فإنه لا على الحكم إن هو اجتزئ من اعتراف الطاعن ما اطمأن إليه من مقارفته جريمة الضرب المفضي إلى الموت واطرح ما لا يطمئن إليه بأن المتهم كان في حالة دفاع شرعي عن النفس، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض.
6 - لما كان الحكم المطعون فيه قد عرض لطلب سماع شهادة طبيب الاستقبال بمستشفى العامرية والنقيب/..... بصفة احتياطية واطرحه في قوله "أن المحكمة لا تعول على طلب الدفاع مناقشة المذكورين وحسب المحكمة في ذلك أنها تطمئن وتأخذ بشهادة الطبيب الشرعي بجلسة المرافعة وما ورد بتقرير الصفة التشريحية ولا تعوَّل على ما تضمنه التقرير الطبي الأولى عن الحالة الصحية للمجني عليه وكذا ما أثبته النقيب/..... بمحضره المؤرخ... ذلك أن المحكمة ترى كفاية اعتراف المتهم بالتحقيقات من أن السكين المضبوطة هي ذات المستخدم في الحادث، ومن ثم تنتهي المحكمة إلى رفض الطلب". لما كان ذلك، وكان الأصل في المحاكمات الجنائية أن تقوم على التحقيق الشفوي الذي تجريه المحكمة بجلسة المحاكمة في مواجهة المتهم وتسمع فيه الشهود سواء لإثبات التهمة أو نفيها ما دام سماعهم ممكناً إلا أنه يجوز للمحكمة بمقتضى الفقرة الأخيرة من المادة 273 من قانون الإجراءات الجنائية أن تمتنع عن سماع شهادة الشاهد متى رأت أن الواقعة التي طلب سماع شهادته عنها قد وضحت لديها وضوحاً كافياً، لما كان ذلك، وكانت المحكمة قد أفصحت عن اطمئنانها إلى ارتكاب المتهم للواقعة على النحو السالف بيانه واطرحت ما أثبته محرر محضر الضبط بشأن السكين المستخدم وكذلك ما ورد بالتقرير الطبي الأولى، فإنه لا تثريب عليها إن هي لم تجب الطاعن إلى طلبه سماع المذكورين، هذا فضلاً عن أن قرار المحكمة بطلب سماع الضابط أو طبيب المستشفى لا يعدو أن يكون قراراً تحضيرياً لا تتولد عنه حقوق للخصوم توجب حتماً العمل على تنفيذه صوناً لهذه الحقوق، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن يكون غير سديد.
7 - من المقرر أن تقدير آراء الخبراء والمفاضلة والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من مطاعن مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير شأنه في ذلك شأن سائر الأدلة فلها مطلق الحرية في الأخذ بما تطمئن إليه منها والالتفات عما عداه، ولما كانت المحكمة قد اطمأنت إلى ما تضمنه التقرير الطبي الشرعي واطرحت في حدود سلطتها التقديرية تقرير الطبيب الأخصائي بمستشفى..... وهي غير ملزمة من بعد بإجابة طلب الدفاع باستدعائه ما دام أن الواقعة قد وضحت لديها ولم تر هي من جانبها حاجة إلى اتخاذ هذا الإجراء، فإن النعي على الحكم في هذا الخصوص لا يكون سديداً.
-----------
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: 1- قتل..... بأن طعنه ثلاث طعنات
بالصدر والبطن من سكين بحوزته قاصداً قتله فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير
الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. 2- أحرز بغير مسوغ من الضرورة المهنية
والشخصية أداة مما تستعمل في الاعتداء على الأشخاص "سكين". وأحالته إلى
محكمة جنايات..... لمحاكمته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. وادعى
والدي المجني عليه مدنياً قبل المتهم بأن يؤدي لهما مبلغ جنيه واحد على سبيل
التعويض المدني المؤقت. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمادة 236/ 1 من
قانون العقوبات والمواد 1/ 1، 25 مكرراً، 30/ 1 من القانون رقم 394 لسنة 1954
المعدل بالقانونين رقمي 26 لسنة 1978، 165 لسنة 1981 والبند رقم 11 من الجدول رقم
1 الملحق بالقانون الأول والمعدل بالقانون رقم 97 لسنة 1992، مع إعمال نص المادة
32 من قانون العقوبات، أولاً: بمعاقبته بالأشغال الشاقة لمدة خمس سنوات ومصادرة
السكين المضبوط. ثانياً: بإلزام المحكوم ضده بأن يؤدي للمدعيين بالحق المدني جنيه
واحد تعويضاً مؤقتاً.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض..... إلخ.
-------------
المحكمة
وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة الضرب
المفضي إلى الموت وإحراز أداة "سكين" مما يستخدم في الاعتداء على
الأشخاص دون مسوغ من الضرورة المهنية أو الشخصية قد شابه القصور والتناقض في
التسبيب والإخلال بحق الدفاع، ذلك أنه اطرح دفعه بانتفاء مسئوليته لمرضه بمرض عقلي
وعدم عرضه على الطب الشرعي، وأنه كان في حالة دفاع شرعي عن النفس إلا أن الحكم رد
على ذلك برد غير سائغ، والتفت الحكم عن دفاع الحاضر عن المتهم ببطلان التحريات
وعدم جديتها كما استند الحكم في قضائه بالإدانة إلى اعتراف المتهم رغم أنه قرر أنه
كان في حالة دفاع شرعي ولم يرد نصاً على ارتكاب الجريمة، كما رد بما لا يصلح رداً
على طلبه بسماع شهادة طبيب المستشفى محرر التقرير الطبي الأولى على المجني عليه
والنقيب/..... معاون مباحث..... بعد أن أجلت المحكمة الدعوى لسماعهما وعادت وفصلت
في الدعوى دون سماعهما، كل ذلك مما يعيب الحكم بما يستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد بيَّن واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة
العناصر القانونية للجريمتين اللتين دان الطاعن بهما وأورد على ثبوتهما في حقه
أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها مستمد من أقوال شهود الإثبات
ومن اعتراف المتهم بالتحقيقات ومما جاء بتقرير الطب الشرعي، لما كان ذلك، وكان
الحكم قد عرض لما أثاره الدفاع عن الطاعن من انتفاء مسئوليته لمرضه بمرض عقلي ورد
عليه بما مجمله: "... أن المتهم ومنذ ارتكاب الواقعة يقر تفصيلاً بارتكابها
ويورد أسباب ذلك أمام جهة الشرطة وبتحقيقات النيابة، وأن أحداً من الشهود لم يقر
بانعدام مسئولية المتهم وأن الأوراق قد خلت مما يشير إلى أن المتهم مصاب عقلياً
وأن المحكمة لم تلاحظ على المتهم ذلك بكافة جلسات المرافعة وانتهت إلى أنها تطمئن
إلى أن المتهم يتمتع بحالة عقلية سليمة ورفضت الدفع". لما كان ذلك، وكانت
المحكمة قد أثبتت في حدود سلطتها التقديرية تمتع الطاعن بملكة الوعي والتمييز
والقدرة على حسن الإدراك وسلامة التدبير العقلي وقت ارتكاب الجريمة، وذلك من واقع
ما استدلت به من مسلك الطاعن وأفعاله وأقواله سواء ما كان منها سابقاً على وقوع
الجريمة أو أثناء ارتكابه لها أو من بعد مقارفته إياها، واستدلت من كل ذلك على
سلامة قواه العقلية وقت وقوع الحادث وهو استدلال سليم لا غبار عليه إذ اتخذت من
تصرفاته وأقواله السابقة والتالية على الحادث قرائن على ما انتهت إليه من أنه كان
حافظاً لشعوره واختياره وقت الحادث، فإن ما أورده الحكم فيما تقدم كاف وسائغ في
الرد على ما يثيره الطاعن في هذا الصدد. لما كان ذلك، وكانت المحكمة غير ملزمة
بندب خبير فني في الدعوى تحديداً لمدى تأثير مرض الطاعن على مسئوليته الجنائية بعد
أن وضحت لها الدعوى على ما تقدم لأن الأصل أن تقدير حالة المتهم العقلية من الأمور
الموضوعية التي تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيها ما دامت تقيم تقديرها على أسباب
سائغة وهي لا تلتزم بالالتجاء إلى أهل الخبرة إلا فيما يتعلق بالمسائل الفنية
البحتة التي يتعذر عليها أن تشق طريقها فيها، ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن على
الحكم في هذا الصدد من دعوى الإخلال بحق الدفاع لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض لما أثاره الطاعن من أنه كان في حالة
دفاع شرعي عن النفس واطرحه بقوله "... أن المتهم قرر بمحضر الضبط وبتحقيقات
النيابة العامة أنه استولى على السكين المضبوطة من المجني عليه وطعنه بها ثلاث
طعنات وأن المجني عليه كان أعزلا لا يحمل أية أدوات يمكن أن يستخدمها في الاعتداء
على المتهم بعد أن جرده الأخير من الأداة التي كانت معه "السكين" كما
وأن المتهم لم يقرر بأن المجني عليه كان يحاول الاعتداء عليه أثناء طعنه، ومن ثم
يكون حق الدفاع الشرعي منتفياً وانتهت المحكمة إلى رفضه". لما كان ذلك، وكان
الحكم المطعون فيه قد رد على دفاع الطاعن القائم على أنه كان في حالة دفاع شرعي
بأن هذا الحق لم يشرع لمعاقبة معتد على اعتدائه وإنما شرع لدفع العدوان، وأنه بفرض
أن السكين للمجني عليه وقد انتزعها الطاعن منه فقد صار أعزل لا يستطيع الاعتداء
بها أو متابعة اعتدائه ولا يصح في القانون اعتبار الطاعن في حالة دفاع شرعي إذا ما
انهال على المجني عليه طعناً بالسكين المذكور طالما أنه قد جرده منها، فإن ما
أورده الحكم فيما تقدم صحيح في القانون ويكفي في تبرير ما انتهى إليه من انتفاء
حالة الدفاع الشرعي، ويكون ما يثيره الطاعن في هذا الشأن غير سديد. لما كان ذلك،
وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تعوَّل في تكوين عقيدتها على ما جاء بتحريات
الشرطة باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة ما دامت تلك التحريات قد عرضت على بساط
البحث، هذا فضلاً عن أن الطاعن لم يثر شيئاً مما أورده بوجه الطعن من تناقض تحريات
الشرطة، ومن ثم لا يسوغ له أن يثير هذا الأمر لأول مرة أمام محكمة النقض ولا يقبل
منه النعي على المحكمة إغفالها الرد عليه ما دام أنه لم يتمسك به أمامها بالإضافة إلى
أنه لم يبين وجه هذا التناقض، فإن ما يثيره في هذا الصدد يكون غير سديد. لما كان
ذلك، وكان من المقرر أن للمحكمة سلطة تجزئة الدليل ولو كان اعترافاً فتأخذ منه ما
تطمئن إليه وتطرح ما عداه، وكان الحكم المطعون فيه قد دلل على مقارفة الطاعن
لجريمة الضرب المفضي إلى الموت تدليلاً سائغاً لا يتنافى مع العقل والمنطق واعتنق
صورة واحدة لكيفية وقوع الحادث واستخلص أن الطاعن استعمل في ارتكاب الجريمة السكين
المضبوطة أخذاً بما أورده تقرير الصفة التشريحية والذي لا ينازع الطاعن فيما نقله
الحكم عنه، فإنه لا على الحكم إن هو اجتزأ من اعتراف الطاعن ما اطمأن إليه من
مقارفته جريمة الضرب المفضي إلى الموت واطرح ما لا يطمئن إليه بأن المتهم كان في
حالة دفاع شرعي عن النفس، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يعدو أن يكون جدلاً
موضوعياً في سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها مما لا تجوز
إثارته أمام محكمة النقض.
لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لطلب سماع شهادة طبيب
الاستقبال بمستشفى..... والنقيب/..... بصفة احتياطية واطرحه في قوله: "إن
المحكمة لا تعوَّل على طلب الدفاع مناقشة المذكورين وحسب المحكمة في ذلك أنها تطمئن
وتأخذ بشهادة الطبيب الشرعي بجلسة المرافعة وما ورد بتقرير الصفة التشريحية ولا
تعوَّل على ما تضمنه التقرير الطبي الأولى عن الحالة الصحية للمجني عليه وكذا ما
أثبته النقيب/..... بمحضره المؤرخ..... ذلك أن المحكمة ترى كفاية اعتراف المتهم
بالتحقيقات من أن السكين المضبوطة هي ذات المستخدم في الحادث، ومن ثم تنتهي
المحكمة إلى رفض الطلب"، لما كان ذلك، وكان الأصل في المحاكمات الجنائية أن
تقوم على التحقيق الشفوي الذي تجريه المحكمة بجلسة المحاكمة في مواجهة المتهم
وتسمع فيه الشهود سواء لإثبات التهمة أو نفيها ما دام سماعهم ممكناً إلا أنه يجوز
للمحكمة بمقتضى الفقرة الأخيرة من المادة 273 من قانون الإجراءات الجنائية أن
تمتنع عن سماع شهادة الشاهد متى رأت أن الواقعة التي طلب سماع شهادته عنها قد وضحت
لديها وضوحاً كافياً، لما كان ذلك، وكانت المحكمة قد أفصحت عن اطمئنانها إلى ارتكاب
المتهم للواقعة على النحو السالف بيانه واطرحت ما أثبته محرر محضر الضبط بشأن
السكين المستخدم وكذلك ما ورد بالتقرير الطبي الأولى، فإنه لا تثريب عليها إن هي
لم تجب الطاعن إلى طلبه سماع المذكورين، هذا فضلاً عن أن قرار المحكمة بطلب سماع
الضابط أو طبيب المستشفى لا يعدو أن يكون قراراً تحضيرياً لا تتولد عنه حقوق
للخصوم توجب حتماً العمل على تنفيذه صوناً لهذه الحقوق، فإن ما يثيره الطاعن في
هذا الشأن يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن تقدير آراء الخبراء
والمفاضلة والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من مطاعن مرجعه إلى محكمة الموضوع التي
لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير شأنه في ذلك شأن سائر
الأدلة فلها مطلق الحرية في الأخذ بما تطمئن إليه منها والالتفات عما عداه، ولما
كانت المحكمة قد اطمأنت إلى ما تضمنه التقرير الطبي الشرعي واطرحت في حدود سلطتها
التقديرية تقرير الطبيب الأخصائي بمستشفى .... وهي غير ملزمة من بعد بإجابة طلب
الدفاع باستدعائه ما دام أن الواقعة قد وضحت لديها ولم تر هي من جانبها حاجة إلى
اتخاذ هذا الإجراء، فإن النعي على الحكم في هذا الخصوص لا يكون سديداً. لما كان ما
تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه.