جلسة 2 من يونيو سنة 2009
برئاسة السيد القاضي/ حسام عبد الرحيم نائب رئيس المحكمة وعضوية
السادة القضاة/ علي فرجاني، حمدي ياسين، عبد الله فتحي وهشام عبد الهادي نواب رئيس
المحكمة.
------------
(36)
الطعن 1103 لسنة 78 ق
(1) حكم "بيانات
التسبيب".
عدم رسم القانون شكلاً خاصاً لصياغة الحكم. كفاية أن يكون مجموع ما
أورده مؤدياً إلى تفهم الواقعة بأركانها وظروفها. المادة 310 إجراءات.
(2) إثبات "شهود". محكمة
الجنايات "نظرها الدعوى والحكم فيها". حكم "تسبيبه. تسبيب غير
معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
حق محكمة الجنايات أن تورد في حكمها أقوال شهود الإثبات كما تضمنتها
القائمة المقدمة من النيابة العامة. ما دامت تصلح في ذاتها لإقامة قضائها بالإدانة.
(3) إثبات "بوجه عام".
تزوير "أوراق رسمية". تقليد. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير
الدليل". جريمة "أركانها". قصد جنائي. حكم "تسبيبه. تسبيب غير
معيب".
القصد الجنائي في جرائم تقليد خاتم إحدى الجهات الحكومية وتزوير
المحررات. مناط تحققه: متى تعمد الجاني تغيير الحقيقة في المحررات أو تقليد الخاتم
مع انتواء استعمال المحرر أو الخاتم في الغرض الذي من أجله غيرت الحقيقة أو ارتكب
التقليد. تحدث الحكم استقلالاً عن توافره. غير لازم. حد ذلك؟
(4) إثبات "بوجه عام".
تزوير "أوراق رسمية". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير
الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
الأصل في المحاكمات الجنائية باقتناع القاضي بناء على الأدلة
المطروحة.
جرائم التزوير. لم يجعل القانون لإثباتها طريقاً خاصاً.
تساند الأدلة في
المواد الجنائية. مؤداه؟
(5) اشتراك. تزوير "أوراق
رسمية". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
الاشتراك في جرائم التزوير. يتم دون مظاهر خارجية أو أعمال مادية
محسوسة. يكفي لثبوته اعتقاد المحكمة سائغاً حصوله من ظروف الدعوى وملابساتها وأن
إثبات الحكم إسهام الطاعن في مقارفة التزوير يفيد حتماً توافر علمه بتزوير المحرر.
(6) إثبات "شهود". حكم
"ما لا يعيبه في نطاق التدليل". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل
منها".
إحالة الحكم في بيان شهادة شاهد إلى ما أورده من أقوال شاهد آخر. لا
يعيبه. حد ذلك؟
النعي على الحكم بالجمع بين أقوال الشهود في إسناد واحد. غير سديد.
(7) حكم
"تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل
منها".
نعي الطاعن على الحكم بإدانته بشأن ضبط مبلغ نقدي معه. غير صحيح. ما
دام لا يعول على ذلك في إدانته.
(8) إجراءات "إجراءات
المحاكمة". تزوير "الادعاء بالتزوير". دفاع "الإخلال بحق
الدفاع. ما لا يوفره".
سقوط حق الطاعن في التمسك ببطلان الدليل المستمد من تقرير أبحاث
التزييف والتزوير. ما دام لم يدفع به أمام محكمة الموضوع. المادة 333 إجراءات.
(9) إثبات "خبرة". محكمة
الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
تقدير أراء الخبراء والقوة التدليلية لها والفصل فيما يوجه إليها من
اعتراضات. موضوعي.
عدم التزام محكمة الموضوع بالرد على الطعون الموجهة إلى تقارير
الخبراء. ما دامت قد أخذت بها.
(10) دفوع "الدفع بتلفيق
التهمة". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". محكمة الموضوع
"سلطتها في تقدير الدليل".
الدفع بتلفيق التهمة. موضوعي. لا يستوجب رداً صريحاً استفادة الرد
ضمناً من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم.
(11) دفوع "الدفع بشيوع
التهمة". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
الدفع بشيوع الاتهام وبعدم السيطرة على المسكن المأذون بتفتيشه. لا
محل له. ما دام التفتيش قد وقع على شخص الطاعن.
(12) إثبات "بوجه عام"
"شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة
الدعوى" "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير
معيب".
استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى. موضوعي. ما دام سائغاً.
وزن
أقوال الشهود وتقديرها. موضوعي.
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل. غير جائز أمام
النقض.
(13) دفوع "الدفع ببطلان القبض
والتفتيش". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". نقض
"أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
الدفع ببطلان القبض والتفتيش. من الدفوع القانونية المختلطة بالواقع.
إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض. غير جائز. علة ذلك؟
(14) استدلالات. تفتيش "إذن
التفتيش. إصداره" "إذن التفتيش. بياناته". محكمة الموضوع
"سلطتها في تقدير جدية التحريات".
تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار الإذن بالتفتيش. موضوعي.
عدم
بيان عمل الطاعن أو محل إقامته محدداً في محضر الاستدلالات. غير قادح في جدية
التحريات.
(15) أسباب الإباحة وموانع العقاب
"الإعفاء من العقوبة". عقوبة "الإعفاء منها". حكم
"تسبيبه. تسبيب غير معيب".
الإعفاء من العقوبة المنصوص عليه في المادة 210 عقوبات. مناط تحققه؟
مثال.
(16) إثبات "شهود".
إجراءات "إجراءات المحاكمة". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا
يوفره".
حق المحكمة في الاستغناء عن سماع شهود الإثبات. شرطه؟ المادة 289
إجراءات.
نعي الطاعن على المحكمة قعودها عن سماع شاهدي الإثبات. غير مقبول. ما دام
قد سكت عن التمسك به.
قرار المحكمة في صدد تجهيز الدعوى وجمع الأدلة. تحضيري. جواز
العدول عنه.
مثال.
(17) تزوير "أوراق
رسمية". تقليد. عقوبة "العقوبة المبررة" "عقوبة الجريمة
الأشد". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". نقض
"المصلحة في الطعن".
نعي الطاعن بفقدان محررين من المحررات المزورة صفة الرسمية. غير مجد.
ما دام قد ثبت في حقه تزوير مستندات أخرى لم يعب عليها ودين عن جريمة تقليد أختام
حكومية باعتبارها الأشد.
------------
1 - من المقرر أن القانون لم يرسم شكلاً خاصاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها وكان مجموع ما أورده الحكم المطعون فيه كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة، فإن ذلك يكون محققاً لحكم القانون كما جرى به نص المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية، ومن ثم فإن منعى الطاعن بقالة قصور الحكم في التسبيب يكون غير سديد.
2 - من المقرر أنه لا يوجد في القانون ما يمنع محكمة الجنايات أن تورد في حكمها أقوال شهود الإثبات المقدمة من النيابة العامة ما دامت تصلح في ذاتها لإقامة قضائها بالإدانة - وهو الحال في الدعوى المطروحة - فإن النعي على حكمها في هذا الصدد يكون على غير سند.
3 - من المقرر أن القصد الجنائي في جرائم تقليد خاتم من إحدى الجهات الحكومية وتزوير المحررات يتحقق متى تعمد الجاني تغيير الحقيقة في المحررات أو تقليد الخاتم مع انتواء استعمال المحرر أو الخاتم في الغرض الذي من أجله غيرت الحقيقة أو ارتكب التقليد، وليس أمراً لازماً على الحكم التحدث صراحة أو استقلالاً عن توافر هذا الركن ما دام قد أورد من الوقائع ما يشهد لقيامه. كالحال في الدعوى الراهنة. فإن منعي الطاعن على الحكم في هذا الصدد يكون على غير أساس.
4 - من المقرر أن الأصل في المحاكمات الجنائية هو اقتناع القاضي بناء على الأدلة المطروحة عليه، فله أن يكون عقيدته من أي دليل أو قرينة يرتاح إليها إلا إذا قيده القانون بدليل معين ينص عليه، ولما كان القانون الجنائي لم يجعل لإثبات جرائم التزوير طريقاً خاصاً, وكان لا يشترط أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزيئة من جزيئات الدعوى، إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة، فلا ينظر إلى دليل معين لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة، بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه.
5 - من المقرر أيضا أن الاشتراك في جرائم التزوير يتم غالباً دون مظاهر خارجية أو أعمال مادية محسوسة يمكن الاستدلال بها عليه، ومن ثم يكفي لثبوته أن تكون المحكمة قد اعتقدت حصوله من ظروف الدعوى وملابساتها وأن يكون اعتقادها سائغا تبرره الوقائع التي بينها الحكم وأن إثبات الحكم إسهام الطاعن في مقارفة التزوير يفيد حتماً توافر علمه بتزوير المحرر.
6 - من المقرر أنه لا يعيب الحكم أن يحيل في بيان شهادة الشهود إلى ما أورده من أقوال شاهد آخر ما دامت أقوالهم متفقة مع ما استند إليه منها، وكان الطاعن لا يجادل في أن أقوال الشهود قد اتفقت مع ما استند إليه الحكم منها, فإن نعيه في هذا الشأن لا يكون سديداً.
7 - لما كان الحكم قد استند في إثبات التهمة في حق الطاعن إلى أقوال شهود الإثبات وتقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير، ولم يعول في ذلك على ما تم ضبطه من المبلغ النقدي الذي لم يشر إليه في مدوناته، فإن النعي على الحكم في هذا الشأن يكون غير سديد.
8 - لما كان لا محل لما يثيره الطاعن بشأن بطلان الدليل المستمد من تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير بمصلحة الطب الشرعي لعدم مراعاة الطرق القانونية المقررة للحصول على أوراق المضاهاة، إذ الثابت من محاضر جلسات المحاكمة أن محاميه لم يدفع ببطلان هذا التقرير أمام محكمة الموضوع، ومن ثم فقد سقط حقه في التمسك ببطلان هذا الإجراء وفقاً للمادة 333 من قانون الإجراءات الجنائية.
9 - من المقرر أن الأصل في تقدير أراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتلك التقارير شأنها في ذلك شأن سائر الأدلة لتعلق الأمر بسلطتها في تقدير الدليل، وأنها لا تلتزم بالرد على الطعون الموجهة لتقارير الخبراء ما دامت قد أخذت بما جاء بها، لأن مؤدى ذلك أنها لم تجد في تلك الطعون ما يستحق التفاتها إليه، فيكون هذا النعي بدوره جدلاً موضوعياً لا شأن لمحكمة النقض به.
10 - من المقرر أن الدفع بتلفيق التهمة أو عدم ارتكابها هو من قبيل الدفوع الموضوعية التي لا تستأهل بحسب الأصل رداً صريحاً، بل يكفي أن يكون الرد عليه مستفاداً من الأدلة التي عولت عليها المحكمة بما يفيد اطراحها جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع عن المتهم لحملها على عدم الأخذ بها دون أن تكون ملزمة ببيان علة اطراحها. إياها, ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في شأن عدم ارتكاب الجريمة وتلفيقها له يكون من قبيل الجدل الموضوعي لما استقر في عقيدة المحكمة للأسباب السائغة التي أوردتها مما لا يقبل معه إثارته أمام محكمة النقض.
11 - لما كان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أن التفتيش لم يقع على مسكن الطاعن، بل على شخصه، فلا محل لما يثيره من شيوع الاتهام بمقولة عدم سيطرته على المسكن المأذون بتفتيشه.
12 - لما كان لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها ما دام استخلاصها سائغاً متفقاً مع العقل والمنطق، وكان من المقرر أن وزن أقوال الشهود وتقديرها وتعويل القضاء عليها مرجعه إلى محكمة الموضوع، ومتى أخذت بشهادة الشهود، فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال شهود الإثبات وصحة تصويرهم للواقعة، فإن رمي الحكم بالفساد في الاستدلال لتعويله على أقوال الشهود بمقولة أنها غير صحيحة وملفقة غير مقبول، إذ هو في حقيقته جدل موضوعي حول سلطة محكمة الموضوع في تقدير أدلة الدعوى واستنباط معتقدها منها وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.
13 - من المقرر أن الدفع ببطلان القبض والتفتيش إنما هو من الدفوع القانونية المختلطة بالواقع التي لا يجوز إثارتها لأول مرة أمام محكمة النقض ما لم يكن قد دفع به أمام محكمة الموضوع أو كانت مدونات الحكم تحمل مقوماته نظراً لأنه يقتضي تحقيقاً تنأى عنه وظيفة هذه المحكمة - محكمة النقض -، ولما كان الثابت من محاضر جلسات المحاكمة أن أيا من الطاعن أو المدافع عنه لم يدفع ببطلان القبض والتفتيش وكانت مدونات الحكم قد خلت مما يرشح لقيام ذلك البطلان، فإنه لا يقبل منه إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض.
14 - من المقرر أن تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار إذن التفتيش هو من المسائل الموضوعية التي يوكل الأمر فيها إلى سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع وكانت المحكمة قد اقتنعت بجدية الاستدلالات التي بني عليها إذن التفتيش وكفايتها لتسويغ إصداره - كما هو الشأن في الدعوى المطروحة - وأقرت النيابة على تصرفها في هذا الشأن، فإنه لا معقب عليها فيما ارتأته لتعلقه بالموضوع لا بالقانون، ولما كانت المحكمة قد سوغت الأمر بالتفتيش وردت على شواهد الدفع ببطلانه لعدم جدية التحريات التي سبقته بأدلة منتجة لا ينازع الطاعن في أن لها أصل ثابت بالأوراق، وكان عدم بيان عمل الطاعن أو محل إقامته محدداً في محضر الاستدلال لا يقدح بذاته في جدية ما تضمنه من تحريات، فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الصدد لا يكون سديداً. هذا فضلاً عن أنه لم يثر أمام محكمة الموضوع خلو محضر التحريات من بيان عمل الطاعن ومحل إقامته كأساس لهذا الدفع.
15 - لما كان نص المادة 210 من قانون العقوبات يجري على أن "الأشخاص المرتكبون لجنايات التزوير المذكورة بالمواد السابقة يعفون من العقوبة إذا أخبروا الحكومة بهذه الجنايات قبل تمامها وقبل الشروع في البحث عنهم وعرفوها بفاعليها لآخرين أو سهلوا القبض عليهم، ولو بعد الشروع في البحث المذكور "فالقانون قد قسم أحوال الإعفاء في هذه المادة إلى حالتين مختلفتين تتميز كل منهما بعناصر مستقلة، واشترط في الحالة الأولى إخبار الحكومة قبل تمام الجريمة وقبل البحث عن الجناة, أما الحالة الثانية من حالتي الإعفاء فهي إن لم تستلزم المبادرة بالإخبار قبل الشروع في البحث عن الجناة، إلا أن القانون اشترط - في مقابل الفسحة التي منحها الجاني في الإخبار - أن يكون إخباره هو الذي مكن السلطات من القبض على غيره من الجناة، فموضوع الإخبار - في هذه الحالة - يجاوز مجرد التعريف بالجناة إلى الإفضاء بمعلومات صحيحة تؤدي بذاتها إلى القبض على مرتكبي الجريمة, ولما كان مؤدى ما حصله الحكم المطعون فيه أن تحريات الشرطة قد دلت على قيام الطاعن بتزوير المحررات الرسمية ومحررات الشركات المساهمة والجمعيات وبناء على إذن النيابة العامة تمكن الضابط من القبض عليه وعثر معه على المحررات المزورة ممهورة ببصمات أختام مقلدة، وقد لاذ بالإنكار لدى مواجهة النيابة العامة له وظل على إنكاره أمام المحكمة، وإذ كان الحكم - على ما تقدم - قد أثبت أن أمر الجريمة ومرتكبها كان قد تكشف قبل القبض على الطاعن، وأنه اعتصم بالإنكار بعد القبض عليه، ولم يخبر عن آخرين قد ساهموا معه فيها - وهو ما لا يجادل الطاعن فيه -، فإن في هذا ما يتضمن بذاته الرد على ما أثاره الطاعن في شأن الإعفاء المنصوص عليه في المادة المذكورة بما يدل على إطراحه، ولا تلتزم المحكمة بالرد عليه، ومن ثم فقد تخلفت شرائط الإعفاء بحالتيه، ويكون ما يثيره الطاعن في هذا الصدد بعيداً عن محجة الصواب.
16 - لما كانت المادة 289 من قانون الإجراءات الجنائية قد أجازت الاستغناء عن سماع شهود الإثبات إذا قبل المتهم أو المدافع عنه ذلك صراحة أو ضمناً, ولما كان الطاعن لم يتمسك لدى محكمة الموضوع بسماع شاهدي الإثبات، بل تليت أقوالهما بموافقته، فلا يقبل منه أن ينعي عليها قعودها عن القيام بإجراء أمسك هو عن المطالبة به، ولا يغير من الأمر أن تكون المحكمة قد أصدرت قراراً بإعلان الشاهد، ثم عدلت عنه، ذلك بأن القرار الذي تصدره المحكمة في مجال تجهيز الدعوى وجمع الأدلة لا يعدو أن يكون قراراً تحضيرياً لا تتولد عنه حقوق للخصوم توجب حتماً العمل على تنفيذه صوناً لهذه الحقوق, ولما كان الطاعن لم يتمسك بسماع أقوال الشهود، ولم يطلب الدفاع عنه مناقشته، بل ترافع في موضوع الدعوى، وطلب في ختام مرافعته القضاء بالبراءة، فإن ما يثيره في هذا الصدد يكون غير سديد.
17 - لما كان لا يجدي المتهم ما يثيره حول فقدان المحررين الأخيرين موضوع الاتهامين الخامس والسادس صفة الرسمية لكونهما من محررات آحاد الناس، إذ يكفي لحمل قضاء الحكم بإدانته بجريمة التزوير في أوراق رسمية ما ثبت في حقه من تزوير السجل التجاري رقم ..... والبطاقة الشخصية رقم ..... سجل مدني .....، وهما ورقتان لم يعب الطاعن رسميتهما بشيء، فضلاً عن كون العقوبة المقضي بها عليه مبررة في نطاق عقوبة الجريمة الأشد، وهي جريمة تقليد أختام جهة حكومية التي ثبتت في حقه وفقاً للمادة 32 من قانون العقوبات التي أعملها الحكم.
------------
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: 1- وهو ليس من أرباب الوظائف
العمومية اشترك بطريقي الاتفاق والمساعدة مع آخر مجهول في ارتكاب تزوير في محرر
رسمي هو السجل التجاري رقم ...... والمنسوب لتسجيل ..... بأن اتفق مع المجهول على
تزويره وساعده بأن أمده بالبيانات اللازمة فاصطنعه الأخير على غرار الصحيح منه
ودون تلك البيانات وذيله بتوقيعات نسبها زوراً للمختصين بها، ومهره ببصمة خاتم
مقلدة عزاها للجهة سالفة الذكر، فتمت الجريمة بناء على ذلك الاتفاق وتلك المساعدة.
2- بصفته سالفة الذكر اشترك بطريقي الاتفاق والمساعدة مع آخر مجهول في
ارتكاب تزوير في محرر رسمي هو البطاقة الشخصية رقم ..... سجل مدني .... باسم ....،
ذلك بأن اتفق مع مجهول على تزويره وساعده، بأن أمده بالبيانات اللازمة فقام
المجهول بتغيير محل الإقامة بالمحرر، وذيل ذلك التعديل بتوقيع نسبه زوراً لأمين
سجل مدني المنتزه، فتمت الجريمة بناء على ذلك الاتفاق وتلك المساعدة.
3- قلد بواسطة غيره خاتم إحدى الجهات الحكومية "خاتم شعار
الجمهورية" المنسوب صدوره لمصلحة التسجيل التجاري ..... واستعمله بأن بصم به
على المحرر المزور موضوع التهمة الأولى مع علمه بتقليده.
4- قلد بواسطة غيره خاتم إحدى الجهات الحكومية "خاتم شعار
الجمهورية" الخاص بنيابة ..... الجزئية، وهيئة التأمينات الاجتماعية
واستعمله، بأن بصم بهم على نماذج خالية البيانات مع علمه بتقليده.
5- اشترك بطريقي الاتفاق والمساعدة مع آخر مجهول في ارتكاب تزوير في
محررات إحدى الشركات المساهمة، وهي شهادة منسوب صدورها لبنك .... فرع ..... وذلك
بأن اتفق مع المجهول على تزويرها وساعده بأن أمده بالبيانات اللازمة فاصطنعه
المجهول على غرار المحررات الصحيحة الصادرة من تلك الجهة، ودون تلك البيانات وذيله
بتوقيعات نسبها زوراً للمختصين بها، ومهره ببصمة خاتم مقلدة عزاها للجهة سالفة
الذكر فتمت الجريمة بناء على ذلك الاتفاق وتلك المساعدة.
6- اشترك بطريقي الاتفاق والمساعدة مع آخر مجهول في ارتكاب تزوير في محرر
إحدى الجمعيات المعتبرة قانوناً ذات نفع عام، وهي شهادة منسوب صدورها لجمعية رجال
الأعمال .....، بأن اتفق مع المجهول على تزويرها وساعده بأن أمده بالبيانات
اللازمة فاصطنعه الأخير على غرار المحررات الصحيحة الصادرة من تلك الجهة، ودون تلك
البيانات، وذيله بتوقيعات نسبها زوراً للمختصين بها، ومهره ببصمة خاتم مقلدة عزاها
للجهة سالفة الذكر، فتمت الجريمة بناء على ذلك الاتفاق وتلك المساعدة.
7- قلد بواسطة غيره خاتم إحدى الشركات المساهمة "خاتم بنك ..... فرع
واستعمله، بأن مهر به على المحرر المزور موضوع التهمة الخامسة مع علمه بتقليده.
8- قلد بواسطة غيره خاتم إحدى الجمعيات المعتبرة قانوناً ذات نفع عام
"خاتم جمعية رجال الأعمال" واستعمله بأن بصم به على المحرر المزور موضوع
التهمة السادسة مع علمه بتقليده.
وأحالته إلى محكمة جنايات ....... لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف
الواردين بأمر الإحالة.
والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 40/ ثانيا، ثالثا، 41/ 1،
206/ 3، 206 مكرراً، 211، 212، 214 مكرراً من قانون العقوبات، مع إعمال المادتين
30، 32 من ذات القانون بمعاقبته بالسجن المشدد لمدة ثلاث سنوات، ومصادرة المحررات
المزورة المضبوطة.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض .... إلخ.
----------------
المحكمة
من حيث إن الطاعن ينعي على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجرائم
الاشتراك في تزوير محررات رسمية وتقليد أختام مصالح حكومية واستعمالها قد شابه
القصور في التسبيب، والفساد في الاستدلال، والخطأ في تطبيق القانون، وانطوى على
إخلال بحق الدفاع, ذلك بأن الحكم لم يبين مضمون أدله الإدانة، واكتفى بنقلها كما
هي واردة بقائمة أدلة الإثبات المقدمة من النيابة العامة، ولم يدلل تدليلاً كافياً
على توافر القصد الجنائي لديه، كما أن الأدلة التي عول عليها لا تقطع بتزوير
المحررات، ولا تصلح دليلاً على اشتراكه في جريمة التزوير، وأورد أقوال شهود
الإثبات جملة دون أن يبين مؤدى شهادة كل منهم، ولم يورد قيمة المبلغ النقدي
المضبوط مع الطاعن، كما أخذ الحكم بتقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير بمصلحة الطب
الشرعي بالرغم من عدم مراعاته الطرق القانونية للحصول على الأختام، فضلاً عن أن
الحكم لم يتناول الرد على الدفوع بكيدية الاتهام وتلفيقه، وشيوع التهمة، واستحالة
حدوث الواقعة وفق التصوير الوارد بمحضر الضبط، وأغفل دفاعه ببطلان القبض والتفتيش
وبطلان إذن النيابة العامة لابتنائه على تحريات غير جدية خلت من بيان عمله وسنه
ومحل إقامته، كما أن الطاعن معفى من العقاب طبقاً لنص المادة 210 من قانون
العقوبات، كما طلب من المحكمة سماع شاهدي الإثبات الأول والثاني، إلا أنها قضت في
الدعوى دون سماعهما، وأخيراً فإن الحكم دان الطاعن بتزوير المحررين الأخيرين على
الرغم من فقدانهما صفة الرسمية، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بيّن واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة
العناصر القانونية للجرائم التي دان الطاعن بها، وأورد على ثبوتها في حقه أدلة
سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك, وكان القانون لم
يرسم شكلاً خاصاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي
وقعت فيها، وكان مجموع ما أورده الحكم المطعون فيه كافياً في تفهم الواقعة
بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة، فإن ذلك يكون محققاً لحكم القانون كما
جرى به نص المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية، ومن ثم فإن منعى الطاعن بقالة
قصور الحكم في التسبيب يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان لا يوجد في القانون ما
يمنع محكمة الجنايات أن تورد في حكمها أقوال شهود الإثبات المقدمة من النيابة
العامة ما دامت تصلح في ذاتها لإقامة قضائها بالإدانة - وهو الحال في الدعوى
المطروحة -، فإن النعي على حكمها في هذا الصدد يكون على غير سند. لما كان ذلك،
وكان القصد الجنائي في جرائم تقليد خاتم من إحدى الجهات الحكومية وتزوير المحررات
يتحقق متى تعمد الجاني تغيير الحقيقة في المحررات أو تقليد الخاتم مع انتواء
استعمال المحرر أو الخاتم في الغرض الذي من أجله غيرت الحقيقة أو ارتكب التقليد،
وليس أمراً لازماً على الحكم التحدث صراحة أو استقلالاً عن توافر هذا الركن ما دام
قد أورد من الوقائع ما يشهد لقيامه - كالحال في الدعوى الراهنة -، فإن منعى الطاعن
على الحكم في هذا الصدد يكون على غير أساس. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الأصل
في المحاكمات الجنائية هو اقتناع القاضي بناء على الأدلة المطروحة عليه، فله أن
يكون عقيدته من أي دليل أو قرينة يرتاح إليها إلا إذا قيده القانون بدليل معين ينص
عليه، ولما كان القانون الجنائي لم يجعل لإثبات جرائم التزوير طريقاً خاصاً, وكان
لا يشترط أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع في
كل جزئية من جزئيات الدعوى، إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها
بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة، فلا ينظر إلى دليل معين لمناقشته على حدة
دون باقي الأدلة، بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده
الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه، وكان
من المقرر أيضاً أن الاشتراك في جرائم التزوير يتم غالباً دون مظاهر خارجية أو
أعمال مادية محسوسة يمكن الاستدلال بها عليه، ومن ثم يكفي لثبوته أن تكون المحكمة
قد اعتقدت حصوله من ظروف الدعوى وملابساتها وأن يكون اعتقادها سائغاً تبرره
الوقائع التي بينها الحكم وأن إثبات الحكم إسهام الطاعن في مقارفة التزوير يفيد
حتماً توافر علمه بتزوير المحرر. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه لم يجمع بين
أقوال شهود الإثبات بإسناد واحد. خلافاً لما يدعيه الطاعن، وإنما أورد أقوال كل من
شهود الإثبات الأول والثالث والرابع والخامس والثامنة والتاسع على حدة ثم أحال في
بيان شهادة شاهد الإثبات الثاني إلى ما أورده من أقوال الشاهد الأول كما أحال في
بيان شهادة شاهد الإثبات السادس والسابع إلى ما أورده من أقوال الشاهد الثالث
والرابع والخامس، كما أحال في بيان شهادة شاهد الإثبات العاشر إلى ما أورده من
أقوال الشاهدين الثامنة والتاسع، وكان لا يعيب الحكم أن يحيل في بيان شهادة الشهود
إلى ما أورده من أقوال شاهد آخر ما دامت أقوالهم متفقة مع ما استند إليه منها،
وكان الطاعن لا يجادل في أن أقوال الشهود قد اتفقت مع ما استند إليه الحكم منها,
فإن نعيه في هذا الشأن لا يكون سديداً. لما كان ذلك، وكان الحكم قد استند في إثبات
التهمة في حق الطاعن إلى أقوال شهود الإثبات وتقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير،
ولم يعول في ذلك على ما تم ضبطه من المبلغ النقدي الذي لم يشر إليه في مدوناته،
فإن النعي على الحكم في هذا الشأن يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان لا محل لما
يثيره الطاعن بشأن بطلان الدليل المستمد من تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير
بمصلحة الطب الشرعي لعدم مراعاة الطرق القانونية المقررة للحصول على أوراق
المضاهاة، إذ الثابت من محاضر جلسات المحاكمة أن محاميه لم يدفع ببطلان هذا
التقرير أمام محكمة الموضوع، ومن ثم فقد سقط حقه في التمسك ببطلان هذا الإجراء
وفقاً للمادة 333 من قانون الإجراءات الجنائية, كما أنه من المقرر أن الأصل في
تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات مرجعه إلى محكمة
الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتلك التقارير شأنها في
ذلك شأن سائر الأدلة لتعلق الأمر بسلطتها في تقدير الدليل، وأنها لا تلتزم بالرد
على الطعون الموجهة لتقارير الخبراء ما دامت قد أخذت بما جاء بها، لأن مؤدى ذلك
أنها لم تجد في تلك الطعون ما يستحق التفاتها إليه، فيكون هذا النعي بدوره جدلاً
موضوعياً لا شأن لمحكمة النقض به. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الدفع بتلفيق
التهمة أو عدم ارتكابها هو من قبيل الدفوع الموضوعية التي لا تستأهل بحسب الأصل
رداً صريحاً، بل يكفي أن يكون الرد عليه مستفاداً من الأدلة التي عولت عليها
المحكمة بما يفيد إطراحها جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع عن المتهم لحملها على
عدم الأخذ بها دون أن تكون ملزمة ببيان علة إطراحها إياها، ومن ثم فإن ما يثيره
الطاعن في شأن عدم ارتكاب الجريمة وتلفيقها له يكون من قبيل الجدل الموضوعي لما
استقر في عقيدة المحكمة للأسباب السائغة التي أوردتها مما لا يقبل معه إثارته أمام
محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أن التفتيش لم
يقع على مسكن الطاعن، بل على شخصه، فلا محل لما يثيره من شيوع الاتهام بمقولة عدم
سيطرته على المسكن المأذون بتفتيشه. لما كان ذلك, وكان لمحكمة الموضوع أن تستخلص
من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة
لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها ما دام استخلاصها سائغاً متفقاً مع العقل
والمنطق، وكان من المقرر أن وزن أقوال الشهود وتقديرها وتعويل القضاء عليها مرجعه
إلى محكمة الموضوع، ومتى أخذت بشهادة الشهود، فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع
الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، وكانت المحكمة قد اطمأنت
إلى أقوال شهود الإثبات وصحة تصويرهم للواقعة، فإن رمي الحكم بالفساد في الاستدلال
لتعويله على أقوال الشهود بمقولة أنها غير صحيحة وملفقة غير مقبول، إذ هو في
حقيقته جدل موضوعي حول سلطة محكمة الموضوع في تقدير أدلة الدعوى واستنباط معتقدها
منها، وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك, وكان من المقرر أن
الدفع ببطلان القبض والتفتيش إنما هو من الدفوع القانونية المختلطة بالواقع التي
لا يجوز إثارتها لأول مرة أمام محكمة النقض ما لم يكن قد دفع به أمام محكمة
الموضوع أو كانت مدونات الحكم تحمل مقوماته نظراً لأنه يقتضي تحقيقاً تنأى عنه
وظيفة هذه المحكمة - محكمة النقض -، ولما كان الثابت من محاضر جلسات المحاكمة أن
أياً من الطاعن أو المدافع عنه لم يدفع ببطلان القبض والتفتيش، وكانت مدونات الحكم
قد خلت مما يرشح لقيام ذلك البطلان، فإنه لا يقبل منه إثارته لأول مرة أمام محكمة
النقض. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار إذن
التفتيش هو من المسائل الموضوعية التي يوكل الأمر فيها إلى سلطة التحقيق تحت إشراف
محكمة الموضوع، وكانت المحكمة قد اقتنعت بجدية الاستدلالات التي بني عليها إذن
التفتيش وكفايتها لتسويغ إصداره - كما هو الشأن في الدعوى المطروحة - وأقرت
النيابة على تصرفها في هذا الشأن، فإنه لا معقب عليها فيما ارتأته لتعلقه بالموضوع
لا بالقانون، ولما كانت المحكمة قد سوغت الأمر بالتفتيش وردت على شواهد الدفع ببطلانه
لعدم جدية التحريات التي سبقته بأدلة منتجة لا ينازع الطاعن في أن لها أصل ثابت
بالأوراق، وكان عدم بيان عمل الطاعن أو محل إقامته محدداً في محضر الاستدلال لا
يقدح بذاته في جدية ما تضمنه من تحريات، فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الصدد لا يكون
سديداً. هذا فضلاً عن أنه لم يثر أمام محكمة الموضوع خلو محضر التحريات من بيان
عمل الطاعن ومحل إقامته كأساس لهذا الدفع. لما كان ذلك, وكان نص المادة 210 من
قانون العقوبات يجري على أن "الأشخاص المرتكبون لجنايات التزوير المذكورة
بالمواد السابقة يعفون من العقوبة إذا أخبروا الحكومة بهذه الجنايات قبل تمامها،
وقبل الشروع في البحث عنهم وعرفوها بفاعليها لآخرين أو سهلوا القبض عليهم، ولو بعد
الشروع في البحث المذكور" فالقانون قد قسم أحوال الإعفاء في هذه المادة إلى
حالتين مختلفتين تتميز كل منهما بعناصر مستقلة، واشترط في الحالة الأولى إخبار
الحكومة قبل تمام الجريمة وقبل البحث عن الجناة, أما الحالة الثانية من حالتي
الإعفاء فهي إن لم تستلزم المبادرة بالإخبار قبل الشروع في البحث عن الجناة إلا أن
القانون اشترط - في مقابل الفسحة التي منحها الجاني في الإخبار - أن يكون إخباره
هو الذي مكن السلطات من القبض على غيره من الجناة، فموضوع الإخبار - في هذه الحالة
- يجاوز مجرد التعريف بالجناة إلى الإفضاء بمعلومات صحيحة تؤدي بذاتها إلى القبض
على مرتكبي الجريمة, ولما كان مؤدى ما حصله الحكم المطعون فيه أن تحريات الشرطة قد
دلت على قيام الطاعن بتزوير المحررات الرسمية ومحررات الشركات المساهمة والجمعيات،
وبناء على إذن النيابة العامة تمكن الضابط من القبض عليه وعثر معه على المحررات
المزورة ممهورة ببصمات أختام مقلدة، وقد لاذ بالإنكار لدى مواجهة النيابة العامة
له وظل على إنكاره أمام المحكمة، وإذ كان الحكم - على ما تقدم - قد أثبت أن أمر
الجريمة ومرتكبها كان قد تكشف قبل القبض على الطاعن، وأنه اعتصم بالإنكار بعد
القبض عليه، ولم يخبر عن آخرين قد ساهموا معه فيها - وهو ما لا يجادل الطاعن فيه
-، فإن في هذا ما يتضمن بذاته الرد تكون المحكمة قد أصدرت قراراً بإعلان الشاهد ثم
عدلت عنه ذلك بأن القرار الذي تصدره المحكمة في مجال تجهيز الدعوى وجمع الأدلة لا
يعدو أن يكون قراراً تحضيرياً لا تتولد عنه حقوق للخصوم توجب حتماً العمل على
تنفيذه صوناً لهذه الحقوق, ولما كان الطاعن لم يتمسك بسماع أقوال الشهود، ولم يطلب
الدفاع عنه مناقشته، بل ترافع في موضوع الدعوى، وطلب في ختام مرافعته القضاء
بالبراءة، فإن ما يثيره في هذا الصدد يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان لا يجدي
المتهم ما يثيره حول فقدان المحررين الأخيرين موضوع الاتهامين الخامس والسادس صفة
الرسمية لكونهما من محررات آحاد الناس، إذ يكفي لحمل قضاء الحكم بإدانته بجريمة
التزوير في أوراق رسمية ما ثبت في حقه من تزوير السجل التجاري رقم .... والبطاقة
الشخصية رقم ..... سجل مدني .... وهما ورقتان لم يعب الطاعن رسميتهما بشيء،
فضلاً عن كون العقوبة المقضي بها عليه مبررة في نطاق عقوبة الجريمة الأشد، وهي جريمة
تقليد أختام جهة حكومية التي ثبتت في حقه وفقاً للمادة 32 من قانون العقوبات التي
أعملها الحكم. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه
موضوعاً.