جلسة 8 فبراير سنة 2004
برئاسة السيد المستشار/ ممدوح مرعي - رئيس المحكمة وبحضور السادة المستشارين: حمدي محمد علي وعدلي محمود منصور وعلي عوض محمد صالح وأنور رشاد العاصي وعبد الوهاب عبد الرازق وإلهام نجيب نوار. وحضور السيد المستشار/ نجيب جمال الدين علما - رئيس هيئة المفوضين وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن - أمين السر.
-----------------
قاعدة رقم (39)
القضية رقم 176 لسنة 21 قضائية "دستورية"
1 - دعوى دستورية "المصلحة الشخصية المباشرة: مناطها".
المصلحة الشخصية المباشرة - وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية مناطها: توافر علاقة منطقية بينها وبين المصلحة التي يقوم بها النزاع الموضوعي، وذلك بأن يكون الفصل في المسائل الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها.
2 - حق الملكية "عدم زواله - تنظيمه".
حق الملكية نافذ في مواجهة الكافة ليختص صاحبه دون غيره بالأموال التي يملكها وتهيئة الانتفاع المفيد بها، لتعود إليها ثمارها وملحقاتها ومنتجاتها، وكان صون حرمتها مؤداه ألا تزول الملكية عن ذويها بانقطاعهم عن استعمالها، وألا يجردها المشرع من لوازمها، أو يفصل عنها بعض الأجزاء التي تكونها، أو ينال من أصلها أو يعدل من طبيعتها، أو يقيد من مباشرة الحقوق التي تتفرع عنها في غير ضرورة تقتضيها وظيفتها الاجتماعية.
3 - حرية التعاقد "صلتها بحق الملكية - منتفعي إصلاح زراعي - تصرف".
امتداد أشكال حمايتها إلى أشكالاً متعددة من إرادة الاختيار وسلطة التقرير التي ينبغي أن يملكها كل شخص وهي وثيقة الصلة بالحق في الملكية بالنظر إلى الحقوق التي ترتبها العقود فيما بين أطرافها.
الإجراءات
بتاريخ الثامن عشر من سبتمبر سنة 1999 أودع المدعون صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة طالبين الحكم بعدم دستورية نص المادة الرابعة من القانون رقم 3 لسنة 1986 في شأن تصفية بعض الأوضاع المترتبة على قوانين الإصلاح الزراعي، فيما تضمنه من إلغاء توزع الأرض على المنتفعين دون تفرقة بين من تصرفوا في الأرض قبل صدوره بعد وفائهم بكامل الثمن وبين من لم يوفوا بالثمن كاملاً.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المجمعة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتلخص في أن المدعين أقاموا الدعوى رقم 3702 لسنة 51 قضائية أمام محكمة القضاء الإداري ضد الهيئة العامة للإصلاح الزراعي بطلب الحكم بإلغاء قرار الهيئة المذكورة الذي يقضى بإلغاء توزيع الأراضي الزراعية التي كانت قد وزعت عليهم عامي 1966 و1967 وسددوا جميع أقساط ثمنها منذ سنة 1980 وإن لم يتم نقل ملكيتها إليهم بالتسجيل بتقاعس من مديرية الإصلاح الزراعي بالجيزة، وأثناء نظر الدعوى دفع المدعون بعدم دستورية المادة (4) من القانون رقم 3 لسنة 1986، وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية هذا الدفع وصرحت لهم بإقامة الدعوى الدستورية، فقد أقاموا الدعوى الماثلة.
وحيث إن القانون رقم 3 لسنة 1986 في شأن تصفية بعض الأوضاع المترتبة على قوانين الإصلاح الزراعي، بعد أن حدد في مادته الأولى الأراضي الخاضعة لأحكامه، نص في المادة الثانية على تشكيل لجان تتولى حصر وتحديد الأراضي المشار إليها وإعداد قوائم توضح اسم القرية والمساحة والقطعة أو الوحدة والحوض والحدود واسم صاحب التكليف، وناط بمادته الثالثة باللجان المذكورة حصر وتحديد المساحات الموزعة على صغار الفلاحين من الأراضي المشار إليها في المادتين السابقتين، وتتبع الوضع الحيازي فيها حتى تاريخ العمل بهذا القانون، ثم نص في المادة الرابعة منه (محل الطعن الماثل) على أنه: - "إذا ثبت أن واضع اليد على المساحة الموزعة من الأراضي المشار إليها هو غير المنتفع أو ورثته، يصدر قرار من رئيس مجلس إدارة الهيئة بإلغاء التوزيع الصادر إليه ويجري بحث لواضع اليد فإذا كانت تتوافر فيه الشروط المقررة قانوناً للانتفاع بالتوزيع وكان ملتزماً بأداء الواجبات المقررة على المنتفعين ومضى على وضع يده خمس عشر سنة، اعتد بوضع يده وصدرت شهادات التوزيع إليه.
وبالنسبة لمن لا تتوافر فيه شروط وضع اليد لمدة خمس عشرة سنة وتوافرت بشأنه الشروط المنصوص عليها في الفقرة السابقة جاز للهيئة العامة للإصلاح الزراعي الاعتداد بوضع يده وإصدار شهادات التوزيع إليه وغلا اتخذت إجراءات إزالة وضع يد المخالف بالطريق الإداري على نفقته والتصرف فيها وفق ما يقرره مجلس إدارة الهيئة بحسب الأحوال وذلك طبقاً للإجراءات التي تحددها اللائحة التنفيذية لهذا القانون".
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة - وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها توافر ارتباط مباشر بينها وبين المصلحة القائمة في النزاع الموضوعي، وذلك بأن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع. وإذ كان جوهر النزاع الموضوعي هو مدى مشروعية إلغاء توزيع الأراضي المشار إليها بالقانون رقم 3 لسنة 1986 وفقاً لحكم الفقرة الأولى من المادة الرابعة من هذا القانون بالنسبة للمنتفعين الذين قاموا بالتصرف في الأراضي الموزعة عليهم، وذلك رغم وفائهم بكامل ثمنها قبل صدور القانون المذكور، ومن ثم فإن نطاق الدعوى الدستورية الماثلة ينحصر في نص الفقرة المشار إليها فيما قضى به من أنه إذا ثبت للجنة أن واضع اليد على المساحة الموزعة من الأراضي المشار إليها هو غير المنتفع أو ورثته يصدر قرار من رئيس مجلس إدارة الهيئة بإلغاء التوزيع الصادر إليه، وذلك دون تفرقة بين من قاموا بسداد كامل ثمن هذه الأراضي قبل صدور القانون وبين غيرهم ممن تقاعسوا عن ذلك.
وينعى المدعون على النص المذكور - محدداً نطاقاً على النحو المتقدم - أنه جاء من العموم بحيث يشمل من صار مالكاً للأرض التي وزعت عليه بعد وفائه بكامل ثمنها ويحرمه من حق التصرف فيها، الأمر الذي يمثل اعتداء على حق الملكية ومساساً بالحقوق المكتسبة لما فيه من مصادرة لأموالهم بالمخالفة لأحكام المادتين 34 و36 من الدستور.
وحيث إن هذا النعي سديد في جوهره، ذلك أن المدعين وإن لم تكن ملكية الأراضي الموزعة عليهم قد انتقلت إليهم قانوناً وذلك لعدم تسجيل سند الملكية، إلا أن المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 بشأن الإصلاح الزراعي قد اعتد بملكيتهم لهذه الأراضي حيث خولهم حق التصرف فيها حال وفائهم بالثمن المقدر لها كاملاً، وهو ما يستفاد بمفهوم المخالفة من حكم المادة (16) من القانون المذكور التي تنص على أنه "لا يجوز لصاحب الأرض ولا لورثته من بعده التصرف فيها قبل الوفاء بثمنها كاملاً...".
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن حق الملكية نافذ في مواجهة الكافة ليختص صاحبه دون غيره بالأموال التي يملكها وتهيئة الانتفاع المفيد بها، لتعود إليها ثمارها وملحقاتها ومنتجاتها، وكان صون حرمتها مؤداه ألا تزول الملكية عن ذويها بانقطاعهم عن استعمالها، وألا يجردها المشرع من لوازمها، أو يفصل عنها بعض الأجزاء التي تكونها، أو ينال من أصلها أو يعدل من طبيعتها، أو يقيد من مباشرة الحقوق التي تتفرع عنها في غير ضرورة تقتضيها وظيفتها الاجتماعية. وكان لا يجوز كذلك أن يتذرع المشرع بتنظيمها لتقويض محلها، فإن إسقاط الملكية عن أصحابها أو سلب غلتها - سواء كان ذلك بطريق مباشر أو غير مباشر - يعتبر عدواناً عليها يناقض ما هو مقرر قانوناً من أن الملكية لا تزول عن الأموال محلها إلا إذا كسبها أغيار وفقاً للقانون.
كما جرى قضاء المحكمة على أن حرية التعاقد قاعدة أساسية يقتضيها الدستور صوناً للحرية الشخصية التي لا يقتصر ضمانها على تأمينها ضد صور العدوان على البدن، بل تمتد حمايتها إلى أشكال متعددة من إرادة الاختيار وسلطة التقرير التي ينبغي أن يملكها كل شخص فضلاً عن كونها وثيقة الصلة بالحق في الملكية، وذلك بالنظر إلى الحقوق التي ترتبها العقود فيما بين أطرافها، أياً كان الدائن بها أو المدين بأدائها.
وحيث إن العقود التي يقيمها أطرافها وفق نصوص الدستور ذاتها، لا يجوز أن ينهيها المشرع، ولو عارضتها مصلحة أياً كان وزنها.
وحيث إنه متى كان ما تقدم وكان المدعون - باعتبارهم من المنتفعين الخاضعين لقانون الإصلاح الزراعي - قد وزعت عليهم أراض وفقاً للقانون المذكور بعد أن توافرت في حقهم الشروط المقررة قانوناً لذلك وقاموا بالوفاء بثمن هذه الأراضي كاملاً ما لم تجحده جهة الإدارة فإنه تكون لهم كافة الحقوق المترتبة على حق الملكية، وعلى رأسها حق التصرف فيها، ومن ثم يكون ما انطوى عليه النص الطعين من أحقية الهيئة العامة للإصلاح الزراعي في إلغاء التوزيع الصادر إليهم نتيجة لتصرفهم فيها بالبيع اعتداءاً على حق الملكية ومساساً بالحرية الشخصية بالمخالفة لأحكام المواد (32، 34، 41) من الدستور.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة الرابعة من القانون رقم 3 لسنة 1986 في شأن تصفية بعض الأوضاع المترتبة على قوانين الإصلاح الزراعي فيما انطوى عليه من عدم استثناء المنتفعين الذين قاموا بالوفاء بالثمن كاملاً قبل صدور هذا القانون من الحكم الخاص بإلغاء التوزيع، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق