جلسة 6 من ديسمبر سنة 1956
برياسة السيد عبد العزيز محمد رئيس المحكمة، وبحضور السادة: اسحق عبد السيد، ومحمد عبد الواحد على، ومحمد متولى عتلم، وإبراهيم عثمان يوسف المستشارين.
-----------------
(134)
القضية رقم 66 سنة 23 القضائية
(أ) جمارك. إثبات. "عبء الإثبات". حكم "تسبيبه".
ضبط البضاعة المهربة داخل دائرة المراقبة الجمركية. ادعاء حائزها بحصوله عليها نتيجة مبادلة تمت خارج الدائرة الجمركية مع بعض السياح. عدم تقديمه الدليل على ذلك. استخلاص الحكم بأدلة سائغة أنها مهربة. لا خطأ.
(ب) جمارك. اختصاص.
اللجنة الجمركية. عدم انتفاء ولايتها ببطلان إجراءات الضبط والتفتيش التي تسبق رفع الدعوى إليها.
(ج) جمارك. إثبات "إقرار".
اعتبار إقرار حائز البضاعة المضبوطة بحيازته لها ووصولها إليه من غير طريق التهريب من الإقرارات المركبة الجائز تجزئتها.
(د) نقض. سبب جديد. جمارك.
التمسك بحصول تلاعب في البضاعة المضبوطة بتقديم غير ما ضبط منها معه للمحكمة. إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض. غير جائز.
(هـ) جمارك. غرامة. مصادرة. حكم "إصداره". قانون.
الغرامة والمصادرة التي تقضى بها اللجان الجمركية في مواد التهريب. اعتبار ذلك من قبيل التعويضات المدنية. الحكم الصادر بإلغاء الحكم الابتدائي القاضي باعتبار قرار اللجنة الجمركية كأن لم يكن. عدم اشتراط صدوره بإجماع آراء قضاة المحكمة.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - حسبما يبين من الحكم المطعون فيه ومن سائر الأوراق تتحصل في أن مفتش الإنتاج ومفتش مباحث الجمرك علما من مصدر سرى أن الطاعن يعتزم السفر من محطة سكة حديد بور سعيد ببضائع مهربة من الجمرك فانتظرا بالمحطة ولما حضر وجدا معه حقيبتين بتفتيشهما وجد بهما ست ساعات ذهبية، 16 قداحة أجنبية، 114 رباط رقبة وبعض أدوات الزينة وسئل عن هذه المضبوطات فأجاب بأنه اشترى أدوات الزينة من بعض التجار في تواريخ مختلفة وسدد الرسم الجمركي عنها أما الساعات والقداحات والأربطة فقد اشتراها من بعض ركاب البواخر من الأجانب الذين حضروا لمحله وبادلهم عليها ببضائع أخرى وقدم الطاعن إلى اللجنة الجمركية بتهمة تهريب البضاعة المضبوطة فدفع أمامها ببطلان القبض والتفتيش والتحقيق - وبتاريخ 15/ 10/ 1949 قررت اللجنة إدانته عن تهريب الساعات وأربطة الرقبة والقداحات وبإلزامه بغرامة قدرها 64 جنيها و905 مليمات بواقع مثلى الرسم المستحق عليها وبمصادرة الأشياء المذكورة وبراءته من تهمة تهريب باقي المضبوطات فعارض الطاعن في هذا القرار أمام محكمة بور سعيد الابتدائية بالدعوى رقم 56 سنة 1949 تجارى، وبتاريخ 21/ 5/ 1950 حكمت المحكمة بقبول المعارضة شكلا وبإلغاء قرار اللجنة الجمركية المعارض فيه واعتباره كان لم يكن والزام مصلحة الجمارك برد الغرامة والبضاعة المصادرة مع إلزامها بالمصروفات وبمبلغ 200 قرش مقابل أتعاب المحاماة، فاستأنفت المطعون عليها هذا الحكم بالقضية رقم 111 تجاري سنة 2 ق لدى محكمة استئناف المنصورة التي قضت بتاريخ 23/ 11/ 1952 بإلغاء الحكم المستأنف وتأييد قرار اللجنة الجمركية المعارض فيه والزام الطاعن بالمصروفات عن الدرجتين وبمبلغ 500 قرش مقابل أتعاب المحاماة عنهما، فقرر الطاعن الطعن في هذا الحكم بطريق النقض، ونظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون. فقررت إحالته إلى الدائرة المدنية وأبدت النيابة رأيها برفض الطعن.
وحيث إن الطعن بنى على سببين يتحصل أولهما في أن الحكم المطعون فيه خالف الدستور وأخطأ في القانون وجاء مشوبا بفساد الاستدلال ذلك. أولا - أن الطاعن وقد ضبط خارج الدائرة الجمركية وفي غير أحوال التلبس القانونية لم يكن ثمة مبرر من الدستور أو من قانون تحقيق الجنايات أو من لائحة الجمارك للقبض عليه وتفتيشه والتحقيق معه مما يشوب هذه الإجراءات ويدعو إلى بطلانها - ثانيا - أن الحكم قد أخطأ فى تطبيق القانون إذ اعتبر إقرار الطاعن بحيازة الأشياء المضبوطة معه اعترافا بارتكاب ما يوجب المسئولية واتخذ منه دليلا مستقلا عن الإجراءات الباطلة في حين أن اعترافه قاصر على ملكيته السليمة للأمتعة المعتدى عليها فضلا عن أن أقواله أمام اللجنة الجمركية لا يجوز اعتبارها اعترافا يصح الأخذ به بعد أن انتقلت ولاية اللجنة نتيجة لكون الضبط والتفتيش قد وقعا باطلين وهي لا تختص بنظر قضايا التهريب إلا إذا كان الضبط حاصلا طبقا للقانون. ثالثا: أن الحكم قد أخطأ في القانون إذ اتخذ من أوصاف بعض الأشياء المضبوطة دليلا على ما انتهى إليه في قضائه في حين أن هذه الأشياء متحصلة من إجراء باطل وهو الضبط والتفتيش - كما أن الحكم قد وقع في خطأ آخر إذ أغفل تساند الأدلة في الدعوى واتخذ من أوصاف المضبوطات ما يكمل الدليل المستمد من أقوال الطاعن في حين أن هذه المضبوطات نفسها متحصلة من التفتيش الباطل. رابعا: إن الحكم أخطأ في الاستدلال بالبضاعة المضبوطة في حين أنها قدمت إلى المحكمة الاستئناف غير محرزة ولم يثبت أنها هي بذاتها التي كانت في حيازة الطاعن عند التفتيش بل تبين أنه قد حصل التلاعب فيها إذ كانت القداحات المعروضة على المحكمة غير مختومة بختم التاج في حين أن ما ضبط مع الطاعن من القداحات كان مختوما. خامسا: أن الحكم أخطأ فى تطبيق القانون إذ اعتبر أن البضاعة التي ضبطت مع الطاعن كان يتعين أداء رسم جمركي عنها ذلك أن المادة الثانية من اللائحة الجمركية تقرر أن نقل البضائع يكون تحت مراقبة عمال الجمارك على مسافة كيلو مترين من الحدود البرية ومن ساحل البحر وانه فيما وراء هذه الحدود يجوز نقل البضائع بحرية مما يفيد أنه لا حق للجمرك في طلب الرسم على البضائع التي تخطت هذه الحدود إلا في الحالة الوحيدة التي نصت عليها هذه المادة وهي مطاردة البضائع المهربة بواسطة عمال الحكومة ولو بعد قطعها حدود دائرة المراقبة مما مؤداه أن تكون المطاردة قد بدأت فعلا في داخل دائرة المراقبة وأن تستمر المطاردة إلى أن يتم ضبط البضاعة المهربة، وقد جاءت نصوص المادة 33 من اللائحة الجمركية والمادتين 35 و41 من هذه اللائحة مؤكدة وجوب توافر التلبس الفعلي بالتهريب والضبط المادي للبضاعة المهربة مما يقتضى أن الرسوم الجمركية لا تستحق إلا على البضاعة التي يشاهدها عمال الجمرك بأعينهم وتستمر مطاردتها من داخل الدائرة الجمركية بلا انقطاع إلى أن يتم ضبطها فعلا.
وحيث إن هذا النعي مردود في وجهه الأول بأنه نعى غير منتج ذلك أنه قد قضى ابتدائيا واستئنافيا ببطلان التفتيش وانتهى الحكم المطعون فيه إلى قوله "إن الدفع ببطلان القبض والتفتيش والتحقيق غير ذي موضوع ما دام أن المحكمة بحثت موضوع الدعوى على ضوء إقرار المستأنف عليه (الطاعن) أمام اللجنة الجمركية المشكلة لمحاكمته وأمام محكمة أول درجة من أن الساعات الست وأربطة الرقبة المائة وأربعة عشر والست عشرة قداحة هي بضاعته وأنها كانت في حيازته"- ومردود في الوجهين الثاني والثالث بأن ولاية اللجنة الجمركية لا تنتفى بسبب ما يقع من بطلان في إجراءات الضبط والتفتيش التي تسبق تقديم الدعوى إليها ذلك أن ولاية هذه اللجنة تقوم على ما نصت عليه المادة 33 من اللائحة الجمركية من أنه "عقب أى ضبط في مواد التهريب يجتمع أمين الجمرك وثلاثة أو أربعة من كبار موظفي المصلحة بهيئة لجنة جمركية وبعد تحقيق المسألة يقررون ما إذا كان هناك وجه المصادرة والتغريم" مما مؤداه أن تنعقد ولاية اللجنة بنظر جميع مواد التهريب التي يتم اكتشافها دون أن يؤثر على اختصاصها ما قد يشوب إجراءات الضبط والتفتيش والتحقيق السابقة على رفع الدعوى إليها ما دامت اللجنة هي التي تحقق فيما يرفع إليها. فمتى كانت اللجنة قد أخذت في تحقيقها بما أدلى به الطاعن أمامها من حيازته للبضاعة مستقلا عن الضبط والتفتيش الباطلين فإنها لا تكون قد خرجت عن ولايتها، هذا إلى أن الحكم المطعون فيه لم يرتكن إلى اعتراف الطاعن أمام اللجنة الجمركية فحسب بل استند أيضا إلى اعترافه بحيازة البضاعة المضبوطة الذى قرره أمام المحكمة الابتدائية ثم أعاده أمام محكمة الاستئناف على ما يبين من الصورة الرسمية لمحضر جلسة 28/ 9/ 1952 المقدمة بحافظة الطاعن أما القول بأن هذا الاعتراف قاصر على ملكية الطاعن للبضاعة المضبوطة ملكية سليمة لا شائبة فيها ولا يجوز الأخذ بهذا الاعتراف إلا كاملا فقول لا أساس له من القانون ذلك أن هذا الإقرار هو من الإقرارات المركبة التي يجوز تجزئتها والأخذ بإقرار الطاعن بحيازته للبضاعة المضبوطة ونبذ ما يدعيه في الشطر الآخر من إقراره عن وصول هذه البضاعة إليه عن غير طريق التهريب ما دام الدليل قد أقيم على عدم صحة ما ادعاه المقر في هذا الصدد. فمتى كان الحكم المطعون فيه قد بنى قضاءه على دليل مستقل عن الضبط والتفتيش الباطلين وهو اعتراف الطاعن أمام اللجنة الجمركية وأمام المحكمة بحيازته للبضاعة المضبوطة وعلى ما استدل به على تهريبه هذه البضاعة من الجمرك من قرائن سائغة في حدود ما للمحكمة من سلطة موضوعية، فان الحكم لا يكون قد خالف القانون أو أخطأ فى تطبيقه - ومردود فى وجهة الرابع بأن ما يذكره الطاعن من التلاعب فى القداحات بتقديم غير ما ضبط منها مع الطاعن مما كان مختوما بختم التاج هو دفاع واقعى جديد لم يسبق التمسك به أمام محكمة الموضوع ولا تجوز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض - ومردود أخيرا بأن الثابت من واقعة الدعوى على ما قطع به حكم المحكمة الابتدائية - ولم يتعرض له الطاعن أمام محكمة الاستئناف ولا هذه المحكمة بما ينفيه - "أن محطة سكة حديد بور سعيد التي حصل فيها ضبط البضاعة تقع بدائرة المراقبة لأنها قريبة من الساحل وعلى مسافة قصيرة من قنال السويس" وأن المادة الثانية من اللائحة الجمركية تنص على أن "تخزين ونقل البضائع التي قطعت خط الجمارك يكونان تحت مراقبة عمال الجمرك على مسافة كيلو مترين من الحدود البرية أو من ساحل البحر المالح أو بين ضفتي قنال السويس والبحيرات التي تمر بها..." وأن مؤدى ذلك أن كل ما يوجد من البضائع داخل دائرة المراقبة الجمركية يكون مستحقا لأداء الرسم الجمركي عليه فاذا ما ادعى صاحب البضاعة أن الرسم الجمركي قد سدد فعلا كان هو المكلف بإقامة الدليل على ما يدعيه بعكس ما إذا كان الضبط قد وقع خارج دائرة المراقبة فان مصلحة الجمارك تكون هي المكلفة بأثبات ما تدعيه من عدم سداد الرسوم المستحقة. فمتى كان الثابت أن البضاعة المهربة ضبطت مع الطاعن داخل دائرة المراقبة الجمركية وادعى كما جاء بالحكم المطعون فيه أنها وصلت إليه نتيجة مبادلة تمت خارج الدائرة الجمركية مع بعض السياح مما يوحى بأنها خرجت إما باعتبارها أمتعة شخصية للسياح فهي معفاة من الرسوم وإما أن هؤلاء السياح قد دفعوا عليها الرسوم المطلوبة عند إخراجها ولم يقدم الدليل على ما ادعاه وانتهى الحكم بأدلة سائغة إلى "أنه حصل على هذه البضائع من مصدر واحد هو يعلم بتهريبها" فإن الحكم المطعون فيه لا يكون قد أخطأ في تطبيق القانون ولا جدوى بعد ذلك لمناقشة ما جاء بنعي الطاعن عن تأويله للقانون في شأن ما يضبط من البضائع خارج دائرة المراقبة في غير أحوال المطاردة المادية ما دام أن الضبط قد وقع فعلا داخل هذه الدائرة.
وحيث إن السبب الثاني يتحصل في أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون إذ ألغى الحكم الابتدائي الصادر باعتبار قرار اللجنة الجمركية كان لم يكن دون أن يثبت أن هذا الإلغاء تم بإجماع آراء قضاة المحكمة على ما تقضى به المادة 417 من قانون الإجراءات الجنائية في حالة إلغاء الحكم الصادر بالبراءة ذلك أن الحكم وإن كان صادرا من المحكمة بوصف أنها محكمة تجارية إلا أنها في الواقع كانت تحكم في قضية جنائية لأن القرار المطعون فيه بما تضمنه من الغرامة والمصادرة هو من العقوبات الجنائية.
وحيث إن هذا النعي مردود بأن ما تقضى به اللجان الجمركية في مواد التهريب من الغرامة والمصادرة لا يعتبر من العقوبات الجنائية بالمعنى المقصود في قانون العقوبات بل هو من قبيل التعويضات المدنية لصالح الخزانة، كما أن المعارضة في قرارات اللجان الجمركية هي من اختصاص المحكمة التجارية مما يقتضى بداهة أن تكون إجراءاتها خاضعة لأحكام قانون المرافعات في المواد المدنية والتجارية لا لقانون الإجراءات الجنائية.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس متعينا رفضه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق