جلسة 20 من ديسمبر سنة 1956
برياسة السيد عبد العزيز محمد رئيس المحكمة، وبحضور السادة: محمد عبد الرحمن يوسف، وأحمد قوشه، ومحمد متولى عتلم، وإبراهيم عثمان يوسف المستشارين.
----------------
(142)
القضية رقم 25 سنة 23 القضائية
(أ) نيابة عامة. مخاصمتها. قضاة.
حق المحكمة في استعراض أسباب المخاصمة وأدلتها للحكم بجواز المخاصمة أو بعدم جوازها. المادة 802 مرافعات.
(ب) قوة الأمر المقضي.
حجية الحكم الجنائي الصادر من المحكمة الجنائية في موضوع الدعوى الجنائية أمام المحاكم المدنية. نطاقها.
(ج) دفاع. إثبات.
طلب الإحالة على التحقيق. عدم التزام محكمة الموضوع بإجابته.
(د) نقض.
ميعاد الطعن. بدايته. قيام قلم الكتاب بإعلان الحكم. عدم إفادة المطعون عليه من هذا الإعلان.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة والمداولة.
من حيث إن الوقائع تخلص - كما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - في أن وكيل الطاعن قرر في قلم كتاب محكمة استئناف القاهرة بتاريخ 9 من مارس سنة 1952 أنه يخاصم المطعون عليه الأستاذ مصطفى محمود فهمي شخصيا وطلب إلزامه بأن يدفع له مبلغ سبعين ألف جنيه بصفة تعويض ذلك أن المطعون عليه إذ كان وكيلا للنائب العام بنيابة مرسى مطروح تقدم للنائب العام ببلاغ كاذب نسب فيه إلى الطاعن أموراً تمس شرفه مما ترتب عليه أن حبس الطاعن مدة تزيد على أربعة أشهر ثم حفظت القضية موضوع البلاغ بالنسبة للطاعن ولما عرضت بالنسبة لمتهمين آخرين قضت في 17 من نوفمبر سنة 1951 ببراءتهم وذكرت المحكمة المذكورة أن المطعون عليه غير الحقيقة في محضر رسمي وكان بلاغه للتشفي من الطاعن وقد أرفق بتقرير المخاصمة مذكرة بأوجهها وصورة رسمية من حكم محكمة الجنايات وطلب الطاعن الحكم بقبول تلك الأوجه وتحديد جلسة لنظر موضوعها والقضاء له بالتعويض وقيدت الدعوى برقم 138 سنة 69 ق استئناف القاهرة، فقضى في 25 من مايو سنة 1952 حضوريا بعدم جواز المخاصمة وبإلزام طالبها (الطاعن) بمصروفاتها وبألفي قرش مقابل أتعاب المحاماة وبغرامة مقدارها خمسون جنيها. وقد قام الكتاب بإعلان الحكم المذكور في 15 من ديسمبر سنة 1952 إلى الطاعن في مواجهة النيابة العامة التي قامت بدورها بتسليم الأوراق لقائد السجون الحربية فقام هذا الأخير في 27 من ديسمبر سنة 1952 بإعلان الطاعن شخصيا فقرر الطاعن الطعن في الحكم بطريق النقض بتاريخ 26 من يناير سنة 1953 وقدم مذكرة شارحة لأوجه الطعن كما قدم المطعون عليه مذكرة دفع فيها بعدم قبول الطعن شكلا للتقرير به بعد الميعاد وبرفضه موضوعا. وقدمت النيابة العامة مذكرة قالت فيها برفض الدفع وبقبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا فعرض الطعن على دائرة فحص الطعون بجلسة 31 من أكتوبر سنة 1956 فقررت إحالته على هذه الدائرة.
ومن حيث إن المطعون عليه دفع بعدم قبول الطعن شكلا لحصوله بعد ثلاثين يوما من الحكم المطعون فيه طبقا للمادتين 379، 428 مرافعات بمقولة إن الحكم أعلن في 15 من ديسمبر سنة 1952 بينما التقرير بالطعن حصل في 26 من يناير سنة 1953.
ومن حيث إن المادة 379 مرافعات نصت على أنه "تبدأ مواعيد الطعن من تاريخ إعلان الحكم ما لم ينص القانون على غير ذلك. ويكون الإعلان لنفس المحكوم عليه أو في موطنه الأصلي. ويجرى الميعاد في حق من أعلن الحكم ومن أعلن إليه." ومفاد هذا النص أن بدء جريان ميعاد الطعن لا يكون إلا من تاريخ إعلان الحكم من جانب من يتمسك بجريان الميعاد أو من جانب من يتمسك به ضده. ولما كان يبين من صورة الحكم المقدمة من الطاعن أن إعلانها كان حاصلا بناء على طلب قلم الكتاب وقد أعلنها مباشرة للنيابة العامة فى 15 من ديسمبر سنة 1952 وأنه بتاريخ 27 من ديسمبر سنة 1952 قام قائد السجون الحربية بالنيابة بإعلانها إلى الطاعن شخصيا وعلى ذلك لا يفيد المطعون عليه من هذا الإعلان - كما جرى قضاء هذه المحكمة (حكم النقض الصادر في 20 من ديسمبر سنة 1951 في الطعن رقم 84 سنة 19 ق) - ولذا يعتبر الطعن حاصلا في الميعاد ويترتب على ذلك رفض الدفع المقدم من المطعون عليه. وإذ استوفى الطعن أوضاعه الشكلية فيتعين قبوله شكلا.
ومن حيث إن الطاعن يبنى طعنه على خمسة أسباب نعى بأولها على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون من وجهين أولهما أنه عدد في تقرير المخاصمة ومذكرته تسعة أوجه ولم يعرض الحكم إلا لبحث ثلاثة منها تاركا الستة الأخرى على خلاف ما تقضى به المادة 802 مرافعات من أن على المحكمة أن تحكم على وجه السرعة في تعلق أوجه المخاصمة بالدعوى وجواز قبولها وذلك بعد سماع أقوال الطالب أو وكيله ويتحصل الوجه الآخر في أن المحكمة بوصفها غرفة مشورة لا تملك إلا البحث في تعلق أوجه المخاصمة بالدعوى وجواز قبولها ومع ذلك فقد تحيف الحكم المطعون فيه على هذا الاختصاص المقيد لقبول الأوجه وتعرض لموضوع الأوجه الثلاثة التي اختار التحدث عنها ثم عرض للأدلة وعلى رأسها حكم محكمة الجنايات فأنكر حجيته.
ومن حيث إن هذا النعي مردود في وجهه الأول بأنه عار عن الدليل إذ لم يقدم الطاعن صورة رسمية من تقرير المخاصمة ولا المذكرة المرافقة له، ومردود في وجهه الآخر بأن من حق المحكمة عملا بالمادة 802 مرافعات أن تبحث مدى تعلق أوجه المخاصمة في الدعوى وتحكم بقبولها وهذا لا يتأتى لها إلا باستعراض أسباب المخاصمة وأدلتها لتتبين منها مدى ارتباطها بأسباب المخاصمة وقد نصت المادة 797 مرافعات على أنه: "تقبل مخاصمة القضاة وأعضاء النيابة في الأحوال الآتية: 1 - إذا وقع من القاضي أو عضو النيابة في عملهما غش أو تدليس أو خطأ مهني جسيم..." ولما كان الحكم المطعون فيه قد أقيم على أن المحكمة لم تستظهر من الأوراق والمستندات وجود خصومة جدية بين طالب المخاصمة ووكيل النيابة المختصم ولم يثبت أن مذكرات هذا الأخير وإجراءاته في الدعوى الجنائية كانت هي السبب المباشر لما تحمله الطالب من أضرار، كما أشار الحكم المطعون فيه إلى أنه لم ير فيما أسنده الطاعن إلى المطعون عليه على ما ظهر له من الأوراق غشا أو تدليسا أو غدرا أو خطأ مهنيا جسيما وإنما رأى أن ما أتاه المطعون عليه قد اعتبره خطأ مهنيا غير جسيم بسبب حداثة عهده بأعمال النيابة وأن ما قام به هو خطأ هين لا يدخل فى أسباب المخاصمة - لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قضى بعدم جواز المخاصمة فلا يكون أخطأ في القانون.
ومن حيث إن الطاعن ينعى بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه أنه لم يبث جوهر النزاع في المخاصمة التي أساسها الخطأ بل عنى ببحث الدوافع التي قال عنها الطاعن إنها حدت بالمطعون عليه إلى الكيد مع أن هذه الدوافع ليس لها أثر في الفصل في الدعوى وأن الذى كان يجب بحثه هو أن الأفعال الآثمة التي أتاها المطعون عليه تستوجب المؤاخذة وتبيح المخاصمة سواء كانت بدوافع خفية للكيد أو عن شر ركب في طبعه وهو ما لا يطاق أو يتسامح فيه مع وكيل للنائب العام حمل أمانة التحقيق. وينعى بالسبب الثالث أن الحكم وقد أباح لنفسه أن يخوض في الدوافع وقد جاوز سلطان قاضي الموضوع فرفض الإحالة على التحقيق لإثبات السبب الأول من أسباب الضغينة وقال الحكم تبريرا لذلك إن سماع أحمد توفيق كشاهد للطاعن غير مجد في تأييد مزاعمه مع أنه ما كان ليمكن من معرفة شهادة هذا الشاهد قبل الإدلاء بها ثم سلم الحكم بما كان للطاعن من اعتراض على صفقة شراء أرض شرع فيها صهر المطعون عليه وقت أن كان الطاعن مديرا عاما لمصلحة الحدود ومع ذلك قرر الحكم أن من المبالغة الزعم بأن موقف الطاعن من أمر هذه الصفقة قد ترك في نفس الطاعن حقدا كامنا فأقام عليه الدنيا وأقعدها إذ لا يستساغ أن المطعون عليه لا يحقد على الذى منع حماه من صفقة الشراء التي أرادها - كما أن الحكم المطعون فيه قد سلم بأن المطعون عليه فتح محضرا للتحقيق زعم فيه أن شاهدا حضر إليه واستجوبه وهو لم يستجوبه ومع ذلك عاد الحكم فقرر أن المطعون عليه فعل ما فعل عفوا غير قاصد شرا ولا مريدا ضرا وهو قول لا يطيقه منطق ما سلم به الحكم نفسه - كما ينعى الطاعن بالسبب الرابع أن الحكم سلم بأن المطعون عليه وهو وكيل للنائب العام قد أقدم على تحرير محضر كاذب ألبسه ثوب الصدق فزعم أن شاهدا من شهود التحقيق حضر إليه في ديوان النيابة واستجوبه في حضور الكاتب مع أن شيئا من ذلك لم يحصل ولم ير الحكم المطعون فيه في ذلك تزويرا وقدر عمل المطعون عليه بأنه وإن كان لم يتبع الأصول المرعية في التحقيقات وأخطأ في فهم واجباته فإن هذا الخطأ لا يصل إلى درجة من الجسامة تستوجب مخاصمته ذلك أنه كان في ذلك الوقت حديث عهد بعمله ولم يمض عليه سوى خمسة شهور وقد يجهل أو لا يلم إلماما كافيا بأصول عمله ومقتضيات فنه فيما وقع فيه ثم هدم الحكم نفسه بنفسه بما أثبته من أقوال رئيس النيابة المحقق الأصلي للقضية في جلسة المعارضة من إهداره المحضر المزور.
ومن حيث إن هذه الأسباب مردودة بأنها جدل موضوعي في تقدير محكمة الموضوع للدليل الذى أقام عليه الحكم المطعون فيه قضاءه ذلك أن الحكم المطعون فيه بعد أن أورد أن الطاعن أجمل في دفاعه ما يقول بوجوده من ضغائن وأنها تخلص في ثلاثة أمور أولها: أن المطعون عليه قبل تعيينه وكيلا للنائب العام كان محاميا بالسويس ومتعهدا لتوريد المواد الغذائية للجيش البريطاني بمنطقة عتاقة وكان يستغل صلة مصاهرته للمرحوم محمد بك وصفى الذي كان وكيلاً لمصلحة الحدود فيتلاعب في مواد التموين ونمى أمره إلى رجال الحدود فضيقوا عليه الخناق وراقبوه مما أثار ثائرته وتقدم بشكاوى للجهات العليا ضد رجال مصلحة الحدود متهما إياهم بالتدخل في الانتخابات ومناصرة مرشح على آخر وقد حققت هذه الشكاوى بمعرفة اللواء أحمد توفيق محافظ البحر الأحمر وقتذاك وظهر فسادها وتبين أن المطعون عليه هو الموعز بها وانتهى الأمر باعتذاره ووقف التحقيق عند هذا الحد مراعاة لصلته بوكيل المصلحة. (ثانيا): أن حسين حجاب الذي اشترى مخلفات جيوش الأعداء في الصحراء الغربية كان قد قدم شكاوى ضد محمد بك وصفى كان من نتيجتها وقفه عن العمل وكان المطعون عليه يرجو أن يكون الطاعن نصيرا لصهره وقد ساءه وأحفظه أن يراه ملتزما الحياد. (ثالثا). أن الطاعن طعن في عقد بيع كان صادرا من الحكومة لصهر المطعون عليه عن قطعة أرض في جهة مرسى مطروح وترتب على هذا الطعن أن جعل العقد عقد إيجار عن جزء محدود. ثم تناول الحكم المطعون فيه هذه الأمور الثلاثة بالبحث فقرر عنها أنه "عن الأمر الأول فإن الثابت من التحقيقات الخاصة بهذا الموضوع أن الأستاذ مصطفى فهمى أرسل شكوى تلغرافية في ديسمبر سنة 1944 لعدة جهات حكومية ضد الملازم أول صبحى السمراوي مأمور منطقة عتاقة لمؤازرته أحد المرشحين في الانتخابات وقبضه على اثنين من موظفيه وتهديده عن طريقهم بتدبير جريمة للإيقاع به وقام بتحقيق هذه الشكوى وغيرها الأميرلاي أحمد توفيق من 26/ 12/ 1944 حتى 9/ 1/ 1945 ومن يتصفح هذه التحقيقات وهي تقع في أكثر من ستين صحيفة لا يجد فيها أثرا لأي اتهام أو شبهة ضد حسين سرى عامر لا من قريب ولا من بعيد قلم يرد له ذكر إطلاقا لا على لسان الأستاذ مصطفى فهمى ولا غيره من الذين سئلوا وهم عديدون فمن التجني أن يقال إن هذا الأمر أوغر صدر مصطفى فهمي على عامر ومن التعسف أن يزج هذا الأخير بنفسه في موضوع لا علاقة له به" ثم استطرد الحكم فقال إنه "لم يثبت أن وجوده له تأثير في التحقيق أو توجهيه وجهة خاصة وقد سوى الخلاف بين جميع أطرافه صلحا فمن العبث والأمر كما ذكر أن يطالب المدعى بسماع شهود ومن بينهم أحمد توفيق لأن حضوره في جلسات التحقيق غير مجد في تأييد مزاعمه فضلا عن أن التحقيقات خلو من كل ما يدعيه عن واقعة مراقبة الأستاذ مصطفى فهمى لمنع التلاعب في تصريفه المواد التموينية". وقال الحكم المطعون فيه عن الأمر الثاني إن الطاعن "لم يقدم أي دليل عليها" وقال عن الأمر الثالث بعد أن أورد تفصيلات الواقعة "هذه هي تفصيلات موضوع قطعة الأرض ويظهر من كتاب "الطاعن" أنه حاول فسخ البيع من الحكومة للورثة لكي يتمكنوا من نقل ملكيتها للراغبين في شرائها بالثمن الذى عرضوه وهو ألفان من الجنيهات وقد يكون هذا الموقف باعثا على استياء الورثة وحفيظتهم بيد أن من الإفراط فى إساءة الظن أن يقال إن المدعى عليه قد تملكه الحقد واستبد به فظل متربصا زهاء أربع سنوات حتى سنحت الفرصة وواتته الظروف فهب للانتقام من خصمه" ثم استطرد الحكم المطعون فيه "وإذا كانت المحكمة لا تعول إلا على ما هو ثابت في الأوراق دون التفات لما يبديه هذا الخصم أو ذاك من أقوال مرسلة لا دليل على صدقها فإن من المبالغة في التصوير الزعم بأن خطاب حسين سري عامر وموقفه من أمر هذه الصفقة قد أوجد في نفس المدعى عليه حقدا كامنا وبغضا دفينا فأقام عليه الدنيا وأقعدها ونكل به أشد التنكيل" ثم تناول الحكم التقرير والتحقيقات التي قال الطاعن أن المطعون عليه فتح محضرا ولم يفتحه وسأل شاهدا وهو لم يسأله فقال "وحيث إن التقرير الذي قدمه وكيل النيابة في 14 من أغسطس سنة 1950 إن هو إلا سرد لوقائع عديدة وبيان لأسماء الشهود الذين يشهدون على هذه الوقائع وقد سئلوا في التحقيقات واستخلصت النيابة العامة من أقوالهم ما حصلته أساسا للاتهام وسايرها حضرة قاضي الإحالة فأقرها من إحالة المتهمين اللذين تقدمت بهما إلى محكمة الجنايات. وهذا هو الحال بالنسبة للمذكرات اللاحقة وبالنسبة لمحضر التحقيق المؤرخ 5 من سبتمبر سنة 1950 الذي سئل فيه القائمقام محسن إبراهيم ورأت محكمة الجنايات في خصوصه أن وكيل النيابة لم يكن أمينا في عمله بأن غير الحقيقة على الوجه الذي فصلته في حكمها فإن من حق هذه المحكمة أن تلاحظ أن محسن إبراهيم وإن لم تدون أقواله في محضر تضمن سؤاله ومناقشته بحضور كاتب التحقيق وإن أنكر سؤاله على هذه الصورة فإنه لم ينكر أن وكيل النيابة كان يدون ما يدلى إليه به من معلومات على ورق من ورق العرايض وأنه قدم له ثلاثة كشوف محررة بخطه تأييدا لهذه المعلومات أو البيانات فاذا كان وكيل النيابة لم يتبع الأصول المرعية فى التحقيقات وأخطأ فهم واجباته فإن هذا الخطأ لا يصل إلى درجة من الجسامة يستوجب مخاصمته فضلا عن أن هذا المحضر الذى كان مثار الشكوى رغم ما احتواه من تحقيقات أخرى لا شائبة عليها قد أهدره المحقق الأصلي الأستاذ محمد عبد السلام منذ يوم 13 من سبتمبر سنة 1950 كما هو ثابت في محضر المعارضة في أمر الحبس فلم يكن له أي أثر في توجيه التحقيق أو في القيود التي وضعت على حرية المدعي وقد بدأت منذ 27 أغسطس واستمرت حوالى ثلاثة شهور". ثم استخلصت المحكمة بعدئذ أن الأسباب التي بنى عليها الطلب لا تصلح أساسا لدعوى المخاصمة من أنها "لم تستظهر من الأوراق والمستندات وجود خصومة جدية بين طالب المخاصمة ووكيل النيابة المختصم ولم يثبت أن مذكرات هذا الأخير وإجراءاته في الدعوى الجنائية كانت هي السبب المباشر لما تحمله الطالب من أضرار" ولما كان ذلك جميعه استخلاصا سائغا انتهت إليه المحكمة من واقع تقديرها للأدلة فيكون ما أورده الطاعن بالسبب الثاني والثالث والرابع من طعنه مجرد جدل موضوعي في تقدير الدليل مما لا رقابة لمحكمة النقض عليه. كما أن محكمة الموضوع غير ملزمة بإجابة الخصم إلى طلب الإحالة على التحقيق متى رأت فيما أوردته من أسباب ما يغنى عن التحقيق.
ومن حيث إن السبب الخامس من أسباب الطعن يتحصل في أن الحكم المطعون فيه خالف حجية حكم محكمة الجنايات الصادر في 17 من نوفمبر سنة 1951 فيما أثبته خاصا بالإجراءات التي تولاها المطعون عليه وذلك بإهداره حجية أسباب الحكم الجنائي لعدم وحدة الخصوم ويقول الطاعن إن وحدة الخصوم ليست شرطا لازما لتقييد القضاء المدني بما حكم به جنائيا.
ومن حيث إن هذا النعي مردود بأنه عار عن الدليل إذ لم يقدم الطاعن صورة رسمية من الحكم الجنائي الذى يتمسك بحجيته. كما أن المادة 456 من قانون الإجراءات الجنائية نصت على أنه "يكون للحكم الجنائي الصادر من المحكمة الجنائية فى موضوع الدعوى الجنائية بالبراءة أو بالإدانة قوة الشيء المحكوم به أمام المحاكم المدنية في الدعوى التي لم يكن قد فصل فيها نهائيا فيما يتعلق بوقوع الجريمة وبوصفها القانوني ونسبتها إلى فاعلها ويكون للحكم بالبراءة هذه القوة سواء بنى على انتفاء التهمة أو على عدم كفاية الأدلة" ومؤدى هذا النص أن الحجية قاصرة على منطوق الحكم الصادر بالإدانة أو بالبراءة بالنسبة لمن كان موضع المحاكمة ودون أن تلحق الأسباب التي لم تكن ضرورية للحكم بهذه البراءة أو تلك الإدانة ولما لم يكن الطاعن متهما في الحكم الجنائي الذي يتمسك بحجيته فلا يمكنه أن يفيد من عبارات قد يكون الحكم المذكور أوردها في سياق أسبابه ولا على الحكم المطعون فيه إذا كان لم ير حجية في تلك الأسباب الجنائية في معرض دعوى المخاصمة وبذلك لا يكون أخطأ في القانون.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق