جلسة 25 من أكتوبر سنة 1956
برياسة السيد عبد العزيز محمد رئيس المحكمة، وبحضور السادة: إسحق عبد السيد ومحمد عبد الواحد على، ومحمد متولى عتلم، وإبراهيم عثمان يوسف المستشارين.
-----------------
(123)
القضية رقم 328 سنة 23 القضائية
(أ) جمارك. نية التهريب.
عدم جواز توقيع أحد الجزاءات المنصوص عليها في لائحة الجمارك إلا بتوافر نية التهريب.
(ب) جمارك. محكمة الموضوع. نقض.
نية التهريب. نفيها. مسألة موضوعية.
(ج) جمارك. رسوم جمركية.
إعفاء الجيوش البريطانية منها بالقانون رقم 24 لسنة 1941. ما يخرج عن حاجة هذه الجيوش من البضائع وما يملكه أفرادها ملكا خاصا. وصوله إلى يد أحد الأفراد وعدم سداد الرسوم عنه وإطلاقه خفية للتداول في السوق. عدم سريان الإعفاء عليه.
(د) نقض. طعن. المصلحة في الطعن. جمارك. مصادرة.
قضاء الحكم باعتبار قرار اللجنة الجمركية بالمصادرة قائما لحين استيفاء الرسوم بقصد حبس البضاعة إلى أن تستوفى الرسوم. النعي على الحكم بمخالفة القانون تأسيسا على أن المصادرة عقوبة لا يتوقف الحكم بها على سداد الرسم أو عدم سداده. انعدام المصلحة في هذا النعي.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن الوقائع - حسبما يبين من الحكم المطعون فيه ومن سائر الأوراق - تتحصل في أن رئيس المباحث السرية بجمرك بور سعيد وصله إخبار سري بأن المطعون عليه يخفي أربعين صندوقا من السجاير المخصصة لاستهلاك الجيش البريطاني ومستحق عنها رسوم جمركية بمخزنين بعزبته ويحاول تهريبها وبيعها في الأسواق المحلية - فاستأذن النيابة وانتقل بمصاحبة مساعد مفتش الإنتاج ومأمور جمرك الإسماعيلية وبعض رجال البوليس فوجدوا بمخازن المطعون عليه 24 صندوقا، 37 باكو من سجاير ماركة Id virginia)، 36 باكو، و390 علبه من سجاير ماركة my Best وقدم المطعون عليه إلى اللجنة الجمركية فقررت بتاريخ 21/ 10/ 1948 إدانته عن تهمة تهريب تلك السجاير وإلزامه بدفع غرامة قدرها 9388 جنيها و25 مليما بواقع مثلى الرسوم الجمركية عنها وبمصادرة السجاير المضبوطة مع شمول الحكم بالنفاذ المعجل - عارض المطعون عليه فى هذا القرار أمام محكمة بور سعيد الابتدائية وقيدت المعارضة برقم 260 لسنة 1948 كلى، وفى 6/ 3/ 1949 قضت المحكمة بقبول المعارضة شكلا وفى الموضوع بإلغاء القرار المعارض فيه واعتباره كأن لم يكن. فاستأنف الطاعنون هذا الحكم أمام محكمة استئناف المنصورة وقيد برقم 106 سنة 2 ق تجارى. وفى 27/ 1/ 1953 قضت المحكمة بقبول الاستئناف شكلا. وفى 22/ 3/ 1953 قضت في الموضوع بتعديل الحكم المستأنف وباعتبار قرار اللجنة قائما بالنسبة لمصادرة السجاير المضبوطة إلى أن تستوفى مصلحة الجمارك الرسم العادي المستحق عليها. فطعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض. عرض الطعن على دائرة فحص الطعون وطلب الطاعنون الإحالة - وطلبت النيابة رفض الطعن، فقررت بجلسة 11/ 4/ 1956 إحالة الطعن إلى الدائرة المدنية.
ومن حيث إن الطعن بنى على ثلاثة أسباب: يتحصل أولها - فى النعي على الحكم بمخالفة القانون والخطأ في تطبيقه، ويقول الطاعنون في بيان ذلك إن الحكم أقام قضاءه على أن المطعون عليه اشترى السجاير من شركة سالونيكا وهذا هو ما أوحى إليه الاتصال بالشركة المذكورة بعد يأسه من العودة إلى الكانتين ومن قبول المتعاقد الجديد مع الجيش البريطاني استلام ما تخلف لديه من السجاير لتصريفها في المعسكر. وعلى أنه لم يكن يعلم أن حضور مندوب الجمرك وقت استلامه السجاير يعنى شيئا أكثر من التأكد من سلامة الإجراءات التي تمت حتى تسليم السجاير، ولو أنه علم أنه من المفروض عليه إخطار الجمرك وأن النقل الإجباري من المعسكر يعتبر في ذاته قرينة لا تقبل النعي على التهريب أو الشروع فيه لأخطر الجمرك وأراح نفسه من الرسل والخطابات إلى شركة سالونيكا متوسلا إليها أن تتسلم الباقي من السجاير التي اشتراها منها والتي لا يستطيع تصريفها إلا في المعسكر - وهذا الذي أقام عليه الحكم قضاءه مخالف للقانون ذلك أنه حتى مع التسليم بأن المطعون عليه لم يكن يعلم أن المفروض عليه إخطار الجمرك قبل إخراج البضاعة من الكانتين فإن مجرد نقل السجاير من الكانتين مع علمه بأن الرسوم المفروضة عليها قد ردت إلى شركة سالونيكا ودون أن يقوم هو بتسديد الرسوم المستحقة عليها من جديد - هذا النقل هو التهريب بعينه. لأن جريمة التهريب لا تستلزم قصدا جنائيا خاصا ولا يشترط فيها سوء النية. وعلى ذلك يكون غير صحيح ما قرره الحكم من أن قيام المطعون عليه بنقل السجاير مع توافر العلم على النحو المشار إليه لا يعتبر قرينة لا تقبل النفي على التهريب أو الشروع فيه.
ومن حيث إن هذا السبب مردود بما قرره الحكم الابتدائي في أسبابه التي أخذ بها الحكم المطعون فيه حيث يقول: "وحيث إن جريمة التهريب أو الشروع فيه ترى المحكمة أنه لا بد أن يتوفر القصد الجنائى فيها أسوة بكل جرائم العمد وأن الإجراءات التى يعاقب الناس على إهمالها يجب أن ترجع إلى نص فى القانون ليلتزموا بأدائه وإلا حق عليهم العقاب - وقد تبين من مجموع التحقيقات التى قام بها الجمرك ومن أسباب قرار اللجنة الجمركية أن شركة سالونيكا هى البائعة لتلك السجاير وأنها هى التى استردت رسومها، فقول المعارض (المطعون عليه) إنه لجأ إليها لتسترد منه ما بقى لديه من السجاير على اعتبار أنها الجهة التي أفادت من استرداد الرسوم الجمركية وأنها هي التي تورد السجاير للجيش البريطاني قول سائغ تقبله المحكمة. لأن تعاقد المعارض مع الجيش البريطاني قد انتهى وأصبح غير قادر على بيع تلك السجاير لغيره ووضح ذلك من خطابه للشركة المؤرخ 6/ 4/ 1947 من أنه سبق أن شرح للشركة ظروفه التي تحول دون احتفاظه بالسجاير لأنه ترك الكانتين وهذه السجاير مخصصة للجيش وحده ولا يمكنه بيعها محليا. فتصرفه كان تصرفا معقولا". ثم أثبتت المحكمة صور الخطابات المتبادلة بين المطعون عليه والوسيط بينه وبين الشركة وقد أبلغه ذلك الوسيط أن الشركة قبلت استرداد السجاير وأنها ستكلف عمالها بتوزيعها على الكناتين الأخرى. كما أثبتت المحكمة أنه من قبل ذلك سعى لدى الجيش البريطاني ليعيد تأجير الكانتين إليه وأنه طلب من رجال الجيش التوسط لدى مستأجر الكانتين الجديد - في حالة عدم نجاحه هو في تحديد عقده - في استلام السجاير بالثمن الذى يصير الاتفاق عليه ولو بطريق التحكيم، ثم قالت المحكمة أخيرا: "ويبين مما تقدم أن المعارض لم يقعد عن مواصلة العمل على إعادة السجاير للشركة أو التخلص منها بصورة لا تضيع على مصلحة الجمارك حقها". ثم جاء الحكم المطعون فيه يؤكد هذا الرأي ويثبت حسن نية المطعون عليه ويبرر تأخره في إبلاغ مصلحة الجمارك بما نقله من المستندات التي قدمتها المصلحة بنفسها ومن أقوال الشهود في تحقيقاتها الخاصة، ثم قال أخيرا: "ويفهم من شهادة نيقولا أغانيدس أمام اللجنة الجمركية أنه اتصل بالمطعون عليه في أواخر يناير أو أوائل فبراير وعلى كل حال فهو يقول أنه ذهب إليه في المعسكر ورأى هناك 25 صندوقا واعترف مدير شركة سالونيكا أن نيقولا أغانيدس قابله بخصوص موضوع السجاير وقد كان ذلك قطعا قبل خطاب 20/ 3/ 1947 المرسل إلى الشركة من المستأنف عليه، فهو إذن لم يتأخر عن إبلاغ الشركة بل بادر بذلك على لسان الرسول نيقولا الذى اعترفت الشركة برسالته فبانت بذلك حسن نية المستأنف عليه".
ومن حيث إن ما قرره الحكم المطعون فيه من وجوب توافر نية التهريب للحكم على المتهم طبقا لنصوص اللائحة الجمركية هو تقرير صحيح ذلك أن نية التهريب هى مناط الجزاءات المنصوص عليها في لائحة الجمارك، ولا يصح توقيع أحد تلك الجزاءات إلا إذا قام الدليل على توافر نية التهريب وهو ما جرى به قضاء هذه المحكمة (الطعن رقم 239 سنة21 ق).
ومن حيث إنه لما كانت المحكمة قد نفت في حدود سلطتها الموضوعية توافر نية التهريب فإنها لا تكون قد أخطأت في تطبيق القانون وإنما عالجت مسألة موضوعية انتهت منها بأدلة سائغة إلى استبعاد تلك النية.
ومن حيث إن الطاعنين ينعون بالسبب الثاني على الحكم بمخالفة القانون وبقصور تسبيبه ويقول الطاعنون فى بيان ذلك إن الحكم أقام قضاءه على أن المادة 14 من اللائحة الجمركية خاصة بالبضائع التي يرغب أصحابها فى إخراجها من الدائرة الجمركية والتي لم تمر على أى جمرك. أما السجاير موضوع هذه القضية فقد مرت بالجمرك وأعفيت من الرسوم واستفادت من ذلك شركة سالونيكا فحالتها تختلف عما أشير إليه فى المادة المذكورة - وهذا الذى أقام الحكم عليه قضاءه معيب بالقصور إذ لم يبين الحكم سبب هذا الخلاف الذى رد إليه قضاءه وسنده من القانون. كما أن قضاء الحكم مخالف للقانون ذلك لأن المادة 14 نصت على "أن البضائع المراد إدخالها بطريق البر يجب تقديمها لمكتب الجمرك الأقرب للحدود" والسجاير موضوع هذه الدعوى إذ خصصت فى بادئ الأمر لاستهلاك الجيش البريطاني وسلمت إلى المطعون عليه داخل الكانتين بحضور مندوب من الجمرك وردت الرسوم الجمركية المقدرة عليها إلى شركة سالونيكا، تعتبر بذلك كأنها خرجت من مصر وأعيد تصديرها إلى الخارج. فإذا أراد المطعون عليه إدخالها إلى داخل القطر وجب عليه تقديمها لمكتب الجمرك - ولا فرق بين ما إذا كانت هذه السجاير الغير مسددة عنها الرسوم قد وردت من الخارج لأول مرة وبين ما إذا كانت قد سددت عنها الرسوم ثم أعفيت منها وردت الرسوم إلى شركة سالونيكا - ذلك لأن حالة الإعفاء تنتهى بمجرد زوال سببها وعندئذ يتعين إذا ما أريد إدخالها إلى البلاد المصرية دفع الرسم المقرر عليها.
ومن حيث إن هذا السبب مردود بما ثبت من المستندات المقدمة من الطاعنين أنفسهم من أن المطعون عليه استأجر مخزنا للبيع (كانتينا) من الجيش البريطاني ابتداء من عام 1941 وأقام هو مبانيه وظل عقد إجارته يتجدد عاما بعد عام حتى أنذر فى 22/ 12/ 1946 بضرورة الإخلاء فى نهاية العام ولمفاجأته بهذا الإنذار ولمطالبته بهدم مبانيه ولضيق الوقت فقد بذل قصارى جهده لدى رئيس المعسكر التابع له ليشفع له فى تجديد عقده أو ليمكن له فى تسليم ما بقى لديه من سجاير إلى المستأجر الجديد بالثمن الذى يتفقان عليه وإلا فبطريقة التحكيم. وسعى فى خلال ذلك لدى شركة سالونيكا التي ابتاع منها تلك السجاير ووسط لديها الوسطاء وتوسل إليها بالكثير من الرسائل لتنقذه من خسارة محققة فوعدته على لسان الوسيط أنها ستكلف رجالها بتوزيع السجاير على (الكانتينات) المختلفة ولكنها عادت فتنكرت له، ولو أنه أفلح فى مسعاه لعادت السجاير إلى المعسكرات ولما كان لمصلحة الجمارك من سلطان عليه ولا على غيره ممن يتسلمون تلك السجاير داخل المعسكرات أينما وجدت لأنها كلها تتمتع بالإعفاء الجمركي بمقتضى وفاق 14/ 7/ 1921 وملحق المعاهدة المصرية الإنجليزية لعام 1936 وللقانون رقم 24 لسنة 1941 ولذلك لا يستساغ قول الطاعنين إن خروج السجاير من الكانتين بغير إخطار لأقرب جمرك يعتبر تهريبا وأن الكانتين يعتبر فى نظرها منطقة جمركية وأن إخراج البضائع منه يعتبر إخراجا من القطر المصري - هذا القول فى جملته غير سائغ ولا صحيح في القانون ولأن نقل البضاعة من كانتين إلى آخر مثله أو من معسكر للجيش البريطاني إلى غيره من المعسكرات لا يمكن اعتباره تهريبا لأن الكل فى الإعفاء سواء ولأن سداد الرسوم عند الخروج من كانتين أو معسكر ثم ردها بالتالي عند الدخول في مثيله إنما يكون عبثا ينزه عنه المشرع. ولذلك جرى قضاء هذه المحكمة (الطعن 321 سنة 20 ق) بأن القانون رقم 24 لسنة 1941 الذى قرر إعفاء الجيوش البريطانية من سداد الرسوم الجمركية إنما جعل هذا الإعفاء مقصورا على ما تستورده لحاجتها (أو تشتريه من الداخل وترد عنه الرسوم الجمركية لبائعه كما هو الحال فى النزاع الحالي) وما يخرج عن حاجتها وما يملكه أفرادها ملكا خاصا فلا يسرى عليه الإعفاء إذا حصل التصرف فيه. فإذا وصل إلى يد فرد من الأفراد كان عليه المبادرة إلى سداد الرسوم. فان لم يفعل وأطلقه خفية للتداول فى السوق اعتبر مهربا وفقا للمادة 33 من لائحة الجمارك وصح تعقبه وضبط البضاعة أينما وجدت - ولا جدال فى أن المطعون عليه كان ولا يزال المالك للسجاير. وأنه لم يتصرف فيها للغير. وأنه لم يطلقها للتداول خفية - ولم يثبت توافر نية التهريب عنده على ما سبق بيانه فى الرد على السبب الأول - وقصر كل
مجهوداته ومحاولاته بعد أن أجبر على الإخلاء والهدم على إعادة السجاير إلى المعسكرات البريطانية أو إلى الشركة البائعة بطريقة أو بأخرى من الطرق المشروعة - يفعل كل ذلك في علانية لا خفاء فيها وهو يصرح بأن السجاير مخصصة للجيش البريطاني وحده وأن بقاءها لديه سيرهقه ويحمله خسائر فادحة وأنه لا يستطيع بيعها محليا وقد أثبت الحكم المطعون فيه صدقه في كل ما قال به.
ومن حيث إن الطاعنين ينعون بالسبب الثالث على الحكم مخالفة القانون إذ قضى بمصادرة السجاير المضبوطة أو حبسها إلى أن تستوفى مصلحة الجمارك الرسم العادي المقرر عليها - ووجه المخالفة أن المصادرة عقوبة لا يتوقف الحكم بها على سداد الرسم أو عدم سداده.
ومن حيث إن هذا السبب مردود بأن الحكم إنما قصد بالمصادرة حبس السجاير حتى تستوفى مصلحة الجمارك الرسم الذى تستحقه وعبر الحكم عن ذلك بصراحة أكثر من مرة فى أسبابه. وفهم الطاعنون ذلك بدليل قولهم فى النعي إن الحكم قضى بمصادرة السجاير أو حبسها ومفهوم ذلك أن الحكم لم يقصد المصادرة المعتبرة عقوبة في القانون - وإلا لما أوقف نفاذها حتى تستوفى المصلحة الرسم لأن المصادرة لا تقبل وقف التنفيذ - وأخيرا فانه لا مصلحة للطاعنين في هذا النعي لو صح فهمهم أن قرار اللجنة الجمركية بالمصادرة يعتبر قائما حتى تستوفى الرسوم.
ومن حيث إنه لذلك كله يكون الطعن في غير محله ويتعين رفضه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق