جلسة 29 من نوفمبر سنة 1956
برياسة السيد محمد فؤاد جابر المستشار. وبحضور السادة: محمد عبد الرحمن يوسف، وأحمد قوشه، ومحمد متولى عتلم، وإبراهيم عثمان يوسف المستشارين.
---------------
(133)
القضية رقم 264 سنة 23 القضائية
(أ) غش الدخان. دخان.
اعتراف حائز الدخان المخلوط في محضر الضبط بصحة الإجراءات وتقريره بأنه ليس له اعتراض عليها. عدم جواز الادعاء بعد ذلك ببطلان إجراءات أخذ العينات أو تحرير محضر الضبط.
(ب) غش الدخان. دخان.
النقض في عدد العينات التي تؤخذ من الدخان المضبوط أو في مدد صور محضر الضبط. لا بطلان. القانون رقم 74 سنة 1933 المعدل بالقانون رقم 86 سنة 1948.
(ج) حكم "منطوقه". دفع. غش الدخان.
الدفع ببطلان إجراءات أخذ عينات الدخان المضبوط وتحرير محضر الضبط. القضاء برفض هذا الدفع في سياق الأسباب. نص الحكم في المنطوق على قضاء صريح بالرفض. غير لازم.
(د) غش الدخان. دخان.
حيازة الدخان المخلوط مع علم الحائز بوجود المواد الغريبة فيه. توافر ركن سوء النية في الحيازة.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن الوقائع تخلص - كما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - في أنه بتاريخ 26 من أبريل سنة 1950 قام رجال مباحث الجمرك بتفتيش مسكن الطاعن برضائه بناء على معلومات وصلت إليهم عن إحرازه أدخنة مختلفة غير خالصة الرسوم الجمركية فعثروا في غرفة بسطح المنزل على كمية من الدخان المسحوق والناعم والخشن موضوعة في 26 جوالا قرر أنه اشترى منها 150 أقة دخان سجاير مفككة من الشركة الشرقية للدخان كانت مرسلة منها إلى أحد التجار بالصعيد فانقلبت السيارة التي كانت تحملها في إحدى الترع وابتلت السجاير فاشتراها الطاعن بثمن زهيد لكي يفرزها وينظفها ثم يبيعها بعد ذلك، كما اشترى باقي الكمية من تجار بالسوق وقدم فواتير المشترى فأخذت عينات من البضاعة المضبوطة وحرر محضر بذلك وقد أرسلت العينات إلى المعمل لتحليل الدخان فتبين أن العينات تحتوى كل كمية وافرة من المواد النباتية الغريبة ومن ثم حوكم الطاعن أمام اللجنة الجمركية التي قضت بتاريخ 8 من نوفمبر سنة 1950 بقرارها رقم 127 سنة 1950 بمصادرة المضبوطات وبتغريم الطاعن 6510 جنيهات مع النفاذ. فعارض الطاعن في هذا القرار أمام محكمة القاهرة الابتدائية وقيدت معارضته برقم 2581 سنة 1950 تجارى وطلب بصفة مستعجلة وقف قرار اللجنة الجمركية حتى يفصل فى المعارضة وفى الموضوع إلغاء القرار المذكور واعتباره كأن لم يكن. فقضى بتاريخ 4 من فبراير سنة 1951 بقبول معارضته شكلا وبتأييد القرار الجمركي المعارض فيه مع إلزامه بالمصروفات و300 قرش مقابل أتعاب المحاماة. فاستأنف هذا الحكم أمام محكمة استئناف القاهرة وقيد استئنافه برقم 65 سنة 68 ق، ودفع المطعون عليه ببطلان عريضة الاستئناف لعدم إعلانها إلى قلم القضايا. وبتاريخ 8 من مارس سنة 1951 حكمت محكمة الاستئناف برفض الدفع وبقبول الاستئناف شكلا وبوقف تنفيذ قرار الغرامة لحين الفصل في الموضوع - وبتاريخ 19 من فبراير سنة 1952 أصدرت حكما قبل الفصل في الموضوع بندب مصلحة الطب الشرعي أو من تندبه من أطبائها وأخصائها على أن يكون لها الاستعانة بأخصائيين آخرين وذلك لفحص عينات الدخان المقدمة في ملف الدعوى وتحديد نوع وكمية ونسبة المواد النباتية أو غير النيابة الغريبة الموجودة بها وبيان ما إذا كان من المحتمل أو المقبول أن تعلق هذه المواد بالدخان بطريقة عارضة على النحو الذى يقرره الطاعن في دفاعه أم لا والانتقال إلى الشركة الشرقية (ماتوسيان) وتحقيق ما تجريه هذه الشركة بفضلات الدخان المختلفة عن صنع السجاير (الكنسة) وهل هذه الفضلات يعلق بها من المواد مثل ما بالدخان المضبوط وبيان كيفية تصرف الشركة في هذه الفضلات. ولما أن أجاب مكتب الطب الشرعي بأنه غير مختص بهذه المأمورية ندبت المحكمة بتاريخ 11 من مارس سنة 1952 قسم الدخان بمصلحة الكيمياء لأداء المأمورية المذكورة، وبعد أن قدمت المصلحة المذكورة تقريرها قضت محكمة الاستئناف بتاريخ 25 من نوفمبر سنة 1952 برفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف وألزمت الطاعن بالمصروفات وبمبلغ خمسمائة قرش صاغ مقابل أتعاب المحاماة. فقرر الطعن بالنقض فيه وطلب نقض الحكم المطعون فيه كما قدمت المطعون عليها مذكرة طلبت فيها رفض الطعن، وأبدت النيابة العامة رأيها كذلك أيضا، وقد عرض هذا الطعن على دائرة فحص الطعون بجلسة 30 من مايو سنة 1956 فقررت إحالته على هذه الدائرة.
ومن حيث إن الطاعن يبني طعنه على سببين نعى بأولهما على الحكم المطعون فيه الخطأ في القانون وقصوره في التسبيب وفي تبيان هذا السبب الأول يقول الطاعن إنه تمسك في مذكرته أمام محكمة الاستئناف ببطلان محضر أخذ العينات استنادا إلى المادة الرابعة من القانون رقم 74 لسنة 1933 المعدل بالقانون رقم 86 لسنة 1948 بشأن تنظيم صناعة الدخان وتجارته والتي توجب أخذ ثلاث عينات من كل صنف يضبط وان يحرر المحضر من صورتين بينما لم يؤخذ من الدخان المضبوط سوى عينتين اثنتين وحرر المحضر من صورة واحدة وأن الحكم المطعون فيه قد أورد في أسبابه هذا الدفاع حرفيا نقلا عن مذكرة الطاعن ولكنه لم يتعرض له بما يبين منه رأي المحكمة بذلك يكون الحكم باطلا إذ أسس قضاءه على إجراءات باطلة ولا يغير من ذلك اعتراف الطاعن بحيازته لأدخنة مخلوطة وهي الجريمة التي حوكم من أجلها ويدل على ذلك أن القانون المتقدم الذكر يعتبر في حكم الدخان المخلوط الدخان الذى تخلط به أو تدس فيه مواد غريبة وظاهر أن هذا النص لا ينطبق على من حاز بحسن نية دخاناً عالقاً به بعض الوساخة كما يبين أن الطاعن لم يعترف مطلقا بأنه خلط الدخان أو دس فيه مواد غريبة أو أنه كان يعلم أن الدخان قد خلطت به أو دست فيه مواد غريبة. ولما كان الحكم المطعون فيه قد بنى أيضا على نتيجة التحليل الذى أجراه الخبير بمصلحة الكيمياء الذى ندبته محكمة الاستئناف بناء على عينات قدمتها مصلحة الجمارك دون مراعاة الشروط السالف ذكرها التي توجبها المادة الرابعة من القانون المشار إليه فإن ما بنى عليه الحكم يكون مخالفا للقانون مخالفة تستوجب نقضه.
ومن حيث إن هذا النعي مردود بأن الحكم بعد أن أورد دفاع الطاعن "فى خصوص بطلان إجراءات أخذ العينات وتحرير المحضر" رد عليه بأن الطاعن "اعتراف في المحضر بصحة الإجراءات وقرر أنه ليس له اعتراض على شيء منها" وهذا الذى قرره الحكم من شأنه أن يحول بين الطاعن وبين العود إلى الادعاء ببطلان الإجراءات التي اتبعت سواء في عدد العينات أو صور المحضر كما أن المادة الربعة من القانون رقم 74 لسنة 1933 المعدل بالقانون رقم 86 لسنة 1948 بشأن تنظيم صناعة الدخان وتجارته لم ترتب بطلانا على النقص في عدد العينات أو صورتي المحضر ما دام الطاعن لم يبد اعتراضا على ذات العينات التي جرى التحليل عليها ولا اعترضا على ما دون بمحضر الضبط خصوصا وأنه لم يكن غرض المشرع أن يخضع مخالفات أحكام هذا القانون إلى قواعد إثبات خاصة بها بل هو تركها خاضعة للقواعد العامة. فمتى اطمأن القاضي إلى صحة الدليل المستمد من التحليل ولم يساوره الشك في ناحية من نواحيه خصوصا من جهة أخذ العينة أو من تحرير المحضر من صورة واحدة أو من عملية التحليل ذاتها أصدر حكمه على هذا الأساس بغض النظر عن عدد العينات التي أخذت كما جرى قضاء هذه المحكمة (الطعن رقم 1560 سنة 14 ق). ولما كان الحكم بعد أن أورد الرد على دفاع الطاعن المتعلق بالبطلان قضى فى موضوع الدعوى فإن هذا منه يعتبر قضاء فى الدفع برفضه ولا على الحكم المطعون فيه إن هو لم ينص فى المنطوق على قضاء صريح بالرفض ما دام هذا مستفادا من سياق الأسباب ولما كانت المادة الأولى من القانون رقم 74 لسنة 1933 المعدل بالقانون رقم 87 لسنة 1948 قد نصت على أنه يقصد (بعبارة الدخان المغشوش) جميع المواد المعدة للبيع أو للاستهلاك بوصف أنها دخان وليست منه وأنه يعتبر فى حكم الدخان المغشوش الدخان المعروض باسم غير صحيح والدخان المعد من فضلات التمباك أو أعقاب السيجار أو السجائر أو ما يتخلف عن الاستعمال وأنه يقصد بعبارة "الدخان المخلوط" الدخان الذى تخلط به أو تدس فيه مواد غريبة بأي نسبة كانت - ونصت المادة السادسة من القانون المذكور على معاقبة كل صانع أو تاجر أو صاحب حانوت أو مخزن يحوز دخانا مغشوشا أو مخلوطا. ولما كان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه بمؤاخذة الطاعن على ما انتهى إليه خبير مصلحة الكيمياء الذى ندبته محكمة الاستئناف والذى أثبت وجود عناصر غريبة في العينات التي حللت وعلى اعتراف الطاعن بأنه اشترى ذلك الدخان المضبوط "جزءا منه شركة ماتوسيان وجزءا منه من التجار السريحة اللي يأكلوا عيش من الشغلة دي يلموها من بتوع السجاير ويشتريها منهم وطبيعي تحتوى على بعض وساخة" ولما كان حاصل هذا الذى ثبت بمحضر تحقيق اللجنة الجمركية بأن الدخان يحتوى على مواد غريبة "وساخة" وأن هذه المواد توجد به بطبيعته ولما كان مفاد ذلك علم الطاعن بوجود المواد الغريبة في الدخان المضبوط ويكون حاز هذا الدخان مع علمه بذلك وبذلك يكون قد توفر لديه - في رأي الحكم - ركن سوء النية في حيازته فإذا أقام الحكم المطعون فيه قضاءه على حاصل هذا الفهم فإنه لا يكون قد خالف القانون ولا شابه قصور فى التسبيب.
ومن حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه بالسبب الآخر من الطعن الخطأ فى الاستدلال وفي تبيان ذلك يقول إن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه على أن هناك اعترافا بمحضر ضبط الواقعة ومحضر اللجنة الجمركية بأن الدخان الذي ضبط بمنزله مختلط بالمواد الغريبة النباتية والترابية وقطع من الحجر والفحم مع أنه ليس لذلك أصل فى الأوراق إذ لم يعترف الطاعن مطلقا بأنه اشترى جزءا من الدخان من الباعة السريحة الذين يتجرون في أعقاب السجاير.
وحيث إن هذا النعي مردود بأن الحكم لم ينسب إلى الطاعن اعترافا بأن الدخان المضبوط لديه ردئ مختلط بالمواد الغريبة النباتية وقطع من الحجر والفحم وإنما أسس قضاءه على أن الطاعن اعترف بأنه ضبط بمنزله 26 جوالا من الدخان ثم بين وصف هذا الدخان من واقع تقرير خبير مصلحة الكيمياء ثم أورد الحكم المطعون فيه بعد ذلك أن الطاعن اعترف بشراء 13 جوالا منها من الشركة الشرقية ومشترى الباقي من الباعة السريحة الذين يتجرون في الدخان الذي يجمعونه وأن هذا الدخان يحتوى بطبيعته على "وساخة" ثم أشار الحكم المطعون فيه إلى عدم صحة أقواله من أنه "اشترى الدخان بقصد تنظيفه وتنقيته لأجل بيعه لأن الشهادة التي يدعى أنه اشترى بها الدخان من الشركة كانت في 27 من نوفمبر سنة 1948 بينما ضبط الدخان بمنزله له كان في 26 من أبريل سنة 1950 وأنه لو كان قوله صحيحا لبادر إلى التنظيف عقب المشترى مباشرة ولكنه لم يفعل كما أن الكمية مشتراة من الشركة الشرقية من الدخان الذي سقط في الماء كانت ضئيلة ولم تكن كل الدخان المضبوط عنده وبذلك يكون دفاعه القائم على حسن النية هو دفاع لا يستقيم مع الوقائع الثابتة في التحقيقات وتكون واقعة إحرازه دخانا مخلوطا مجردة من حسن النية لأنه اعترف بمحضر اللجنة بأنه يحتوى على وساخة" وهذا الذى أقيم عليه الحكم المطعون فيه استنادا إلى بعض ما ورد في أقوال الطاعن المشار إليها لا مخالفة فيه للثابت بمحضر الضبط أو محضر تحقيق اللجنة الجمركية وهو بعد استخلاص موضوعي سائغ مما يتعين معه رفض هذا الطعن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق