جلسة 20 من ديسمبر سنة 1956
برياسة السيد عبد العزيز محمد رئيس المحكمة، وبحضور السادة: اسحق عبد السيد ومحمد عبد الرحمن يوسف، ومحمد متولى عتلم، وإبراهيم عثمان يوسف المستشارين.
----------------
(143)
القضية رقم 27 سنة 23 القضائية
(أ) جمارك. عقوبة. مصادرة.
عقوبة المصادرة المنصوص عليها في المادتين 33 و35 من اللائحة الجمركية. اعتبارها عقوبة جوازية وذلك في حالة التهريب بالتصدير أو الاستيراد على السواء.
(ب) جمارك. مصادرة.
محكمة الموضوع. سلطتها في رفض توقيع عقوبة المصادرة.
(ج) جمارك. ارتباط.
محكمة الموضوع. سلطتها في تقرير وجود الارتباط بين واقعتي التهريب بالتصدير والتهريب بالاستيراد.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون عليهما أرسلا في الفترة بين 21، 30 من مارس سنة 1946 خمسين ألف دولار إلى الولايات المتحدة داخل خطابات مؤمن عليها دون ترخيص من وزير المالية ثم استوردا في أوائل أبريل سنة 1946 من الولايات المتحدة كمية من الذهب زنتها خمسون كيلو جراما دون الحصول على إذن استيراد عنها وقد أصدر وزير المالية في 10 من سبتمبر سنة 1946 قرار بمصادرة الذهب المستورد - وقدم المطعون عليهما إلى المحاكمة أمام اللجنة الجمركية بتهمة تهريب الدولارات. وفى 27 من أكتوبر سنة 1946 قررت اللجنة إدانتهما ومصادرة الدولارات مع حفظ حق مصلحة الجمارك في الرجوع عليهما بقيمتها نظرا لتعذر تنفيذ المصادرة - فعارض المطعون عليهما في هذا القرار أمام محكمة القاهرة الابتدائية وقيدت المعارضة برقم 51 سنة 1947 تجارى كلى مصر. وفي 12 من أبريل سنة 1949 حكمت المحكمة بقبول المعارضة شكلا وفي الموضوع برفضها وبتأييد القرار المعارض فيه فاستأنف المطعون عليهما هذا الحكم أمام محكمة استئناف القاهرة وقيد الاستئناف برقم 406 سنة 66 ق تجاري. وفي 9 من ديسمبر سنة 1952 حكمت المحكمة بقبول الاستئناف شكلا وفى الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وبعدم مصادرة الدولارات... وبنت حكمها على أن نص المادة 33 من اللائحة الجمركية يفيد أن المصادرة أمر جوازي وأنه لا نزاع بين طرفي الخصومة في أن الدولارات أرسلت إلى الولايات المتحدة في أواخر مارس سنة 1946 وأن الذهب صدر من الولايات المتحدة ووصل إلى مصر في أوائل أبريل سنة 1946 وأن قيمة الذهب تعادل قيمة الدولارات وأن التقارب في التاريخ وفى القيمة يجعل قول المستأنفين "المطعون عليهما" - من أنهما قصدا بإرسال الدولارات استيراد مقابلها من الذهب - محل نظر خصوصا وأن تصرفاتهما في التصدير والاستيراد كانت علنية وأن تصرفات المستأنفين "الطاعنين" لذلك لم تكن مشوبة بطابع الرغبة في تهريب الدولارات لمجرد الكسب غير المشروع وإنما قصدا الحصول على الذهب لاستغلاله في تجارتهما وكفاهما جزاء على تقصيرهما في الحصول على ترخيص التصدير وإذن الاستيراد مصادرة الذهب الذي استورده وانتهت المحكمة إلى أنها ترى لهذه الاعتبارات عدم الحكم بمصادرة الدولارات - وقد طعن الطاعنان في هذا الحكم وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون فقررت بجلسة 13 من أكتوبر سنة 1956 إحالته على الدائرة المدنية وحددت لنظره جلسة 6 من ديسمبر سنة 1956 وأبدت النيابة رأيها برفض الطعن.
وحيث إن الطعن بنى على سبب واحد هو النعي على الحكم المطعون فيه بمخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وتأويله من ثلاثة أوجه أولها أنه يستفاد من نصوص المرسوم بقانون رقم 98 سنة 1939 والقرار الوزاري رقم 67 سنة 1940 وأحكام اللائحة الجمركية أن المصادرة في حالة الدعوى وجوبية لا جوازية ذلك أن المرسوم بقانون رقم 98 سنة 1939 حظر تصدير الحاصلات والبضائع المبينة بالجدول الملحق بالمرسوم بقانون المذكور بغير ترخيص من وزير المالية ونص على أن جميع الحاصلات والبضائع التي تصدر أو يحاول إخراجها بغير ترخيص تعتبر مهربة وتضبط وتطبق عليها أحكام المادة "33" وما بعدها من اللائحة الجمركية وأضاف القرار الوزاري رقم 67 سنة 1940 النقود إلى البضائع والحاصلات الممنوع تصديرها بغير ترخيص من وزير المالية - كما أن أحكام المادتين "33، 35" من اللائحة الجمركية قد فرقت في باب التهريب بين أحوال الاستيراد والتصدير كما فرقت بين أحوال الاستيراد العادية وتلك المصحوبة بظروف مشددة - ثم ألحقت بتلك الأحوال الأخيرة أحوال تصدير البضائع أو محاولة تصديرها بدون إحضارها إلى الجمرك وكذلك أحوال البضائع الممنوع تصديرها ونصت على مضاعفة العقوبة في هذه الأحوال فضلا عن المصادرة مما يقطع بأن المصادرة في تلك الأحوال وجوبية لا جوازية ولما كان تصدير النقود بغير تصريح من وزير المالية يعتبر تهريبا فتكون عقوبة المصادرة واجبة ولو لم تكن هناك رسوم صادر مستحقة عليها. الوجه الثاني - أنه مع وجوب الحكم بالمصادرة - لا يكون هناك محل للتحدي بحسن النية أو سوئها لأن مجرد وقوع المخالفة بتصدير النقود بغير ترخيص من وزير المالية يترتب عليه حتما وجوب الحكم بالمصادرة. الوجه الثالث - أن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه على وجود ارتباط بين واقعتي تصدير الدولارات واستيراد الذهب في حين أنهما واقعتان مستقلتان وتكون كل منهما جريمة تهريب مستقلة عن الأخرى.
وحيث إن هذا النعي مردود في جميع وجوهه: أولا - بأن المادة 33 من اللائحة الجمركية تنص على أنه "عقب أي ضبط في مواد التهريب يجتمع أمين للجمرك وثلاثة أو أربعة من كبار موظفي المصلحة بهيئة لجنة جمركية وبعد تحقيق المسألة ويقررون ما إذا كان هناك وجه للمصادرة والتغريم... ويجوز مصادرة البضائع وكذا جميع وسائل النقل وأدوات التهريب... وتكون الغرامة مستوجبة مهما كان جنس البضائع المضبوطة وهي تعادل ضعفي رسوم الوارد وفى حالة العود إلى تهريب يجوز إبلاغها إلى أربعة أضعاف الرسوم ثم إلى ستة أضعافها... ولمصلحة الجمارك الحق دائما بالصلح مع المتهم بتخفيض العقوبة إلى غرامة تقرر بحسب الظروف ولكنها لا تكون في أية حال من الأحوال أقل من ضعفي رسوم الوارد" وعبارات المادة صريحة فى أن المصادرة جوازية بدليل إباحة الصلح وجواز قصر العقوبة على الغرامة فقط ولا تحتمل عبارات المادة التخريج الذى ذهب إليه الطاعنان من أن المصادرة التي نصت عليها هذه المادة وجوبية وأن الجواز الوارد بالفقرة الثانية منها قاصر على نطاق المصادرة أي على ما يمكن أن تشتمله المصادرة لأن عبارة تلك الفقرة في النصين العربي والفرنسي صريحة في جواز مصادرة البضائع المهربة - كما أن المادة 35 من اللائحة تنص على أنه "فيما خلا الأحوال العادية المتعلقة بالشروع فى إدخال البضائع بطريق الاحتيال تعتبر البضائع الآتي بيانها كأنها مهربة وتعامل طبقا للقواعد المنصوص عليها في المادة 33 وبمقتضى النتائج السالف ذكرها..." ثم أوردت المادة سبع حالات تتصل بالبضائع الواردة ثم أوردت الحالة الثامنة وهي "جميع البضائع المقرر عليها رسوم صادر - التي تخرج أو يشرع في إخراجها بدون إحضارها إلى الجمرك..." وعقبت على ذلك بأن تكون الغرامة المقتضى الحكم بها في هذه الحالة فضلا عن المصادرة ستة عشر ضعف رسوم الصادر... وتعتبر أيضا كأنها مهربة وتعامل بحسب القواعد نفسها جميع البضائع الممنوعة من الحكومة..." وعبارات هذه المادة صريحة في الإحالة فيما يتعلق بالإجراءات والعقوبات عن الأفعال الواردة بها على المادة 33 فيما عدا مقدار الغرامة الواجب الحكم بها في حالات التصدير أو الشروع فيه بطريق التهريب فقد جاء النص مقررا أن تكون الغرامة ستة عشر ضعف رسوم الصادر والعلة في ذلك اختلاف رسوم الصادر عن رسوم الوارد ولذا رأى المشرع أن تكون عقوبة الغرامة موحدة في حالات التهريب بالتصدير أو الاستيراد على السواء - ولا محل لما يقوله الطاعنان من أن المشرع فرض عقوبة المصادرة وجعلها وجوبية في حالات التصدير دون حالات الاستيراد لانعدام العلة في هذه التفرقة لأن التهريب في ذاته جريمة سواء وقع على بضائع مصدرة أو مستوردة - أما ما ذكره الطاعنان في المذكرة الشارحة من أن القول بأن المصادرة جوازية في حالات التصدير ينتهى إلى إعفاء البضائع الممنوع إخراجها من مصر والتي لا يفرض عليها لذلك رسوم صادر - من العقاب في حالة تصديرها بغير ترخيص فمردود بأنه اعتراض على التشريع عالجه المشرع بالقانون رقم 623 سنة 1955. ولما كان المرسوم بقانون رقم 98 سنة 1939 الذى منع تصدير الحاصلات والبضائع المبينة بالجدول الملحق به لم ينص على عقوبة خاصة على مخالفة أحكامه وأحل فيما يتعلق بالإجراءات والعقوبات على المادة 33 وما بعدها من اللائحة الجمركية فان هذه العقوبات تكون هي وحدها الواجبة التطبيق في حالة مخالفة أحكام المرسوم بقانون سالف الذكر ولما كانت عقوبة المصادرة المنصوص عليها في المادتين 33، 35 من اللائحة الجمركية جوازية على ما سبق البيان فإن الحكم المطعون فيه لا يكون قد خالف القانون. ثانيا - أنه لما كانت المصادرة التي يفرضها القانون على مخالفة أحكام المرسوم بقانون رقم 98 سنة 1939 عقوبة جوازية فان الحكم المطعون فيه إذ رفض توقيع تلك العقوبة على واقعة الدعوى استنادا إلى حسن نية المطعون عليهما للأسباب السائغة التي استند إليها لا يكون قد خالف القانون إذ لمحكمة الموضوع أن تقرر في حدود سلطتها التقديرية قيام الأسباب المبررة لرفض توقيع العقوبة الجوازية. ثالثا - أن الحكم المطعون فيه إذ أقام قضاءه على وجود ارتباط بين واقعتي تصدير الدولارات واستيراد الذهب استنادا إلى تقارب مواعيد التصدير وموعد الاستيراد وإلى تعادل قيمة الدولارات المصدرة مع قيمة الذهب المستورد لم يخالف القانون لأن تقرير وجود ارتباط بين الواقعتين هو من حق محكمة الموضوع بلا معقب ما دام قضاؤها في هذا الخصوص يستند إلى أسباب مسوغة.
وحيث إنه لذلك يتعين رفض الطعن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق