باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثامن من يونيه سنة 2024م،
الموافق الثاني من ذي الحجة سنة 1445ه.
برئاسة السيد المستشار/ بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: رجب عبد الحكيم سليم ومحمود محمد غنيم
والدكتور محمد عماد النجار والدكتور عبد العزيز محمد سالمان وطارق عبد العليم أبو
العطا وعلاء الدين أحمد السيد
نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ عبد الرحمن حمدي محمود أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 9 لسنة 39
قضائية "تنازع"
المقامة من
وزير الدفاع
ضد
ورثة/ وائل عبود عبد الحارث، وهم:
1- عبود عبد الحارث محمود صالح، عن نفسه، وبصفته وليًّا طبيعيًّا على
ابنته القاصر/ كوثر
2- طاهرة رياض راوي صالح
3- ليلى عبود عبد الحارث
4- هند عبود عبد الحارث
-------------
الإجراءات
بتاريخ الثاني من مايو سنة 2017، أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الاعتداد بالحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري في الدعوى رقم 51895 لسنة 63 قضائية، دون الحكم الصادر من محكمة شمال القاهرة الابتدائية، في الدعوى رقم 2027 لسنة 2007 تعويضات كلي، والحكم الصادر من محكمة استئناف القاهرة – تعويضات – في الاستئنافات أرقام 4121 لسنة 19 قضائية و903 و5592 و6179 لسنة 20 قضائية - مأمورية شمال.
وبعد
تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة،
وفيها قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم.
------------
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق –
في أن المدعى عليهم أقاموا أمام محكمة شمال القاهرة الابتدائية الدعوى رقم 2027
لسنة 2007، طلبًا للحكم بإلزام المدعي بأن يؤدي إليهم مبلغ ثمانمائة ألف جنيه،
تعويضًا ماديًّا وأدبيًّا وموروثًا عن الأضرار التي لحقت بهم جراء وفاة مورثهم،
نتيجة انفجار لغم به في حقل الألغام المحيط بوحدته العسكرية، كما أقام المدعي دعوى
ضمان فرعية ضد عدد من تابعيه، بطلب إلزامهم بما عسى أن يُقضى به عليه في الدعوى
الأصلية، تأسيسًا على أن الحادث وقع نتيجة لإهمالهم في أداء عملهم، وعدم الإشراف
على مرءوسيهم. وبجلسة 26/4/2009، حكمت المحكمة بعدم اختصاصها ولائيًّا بنظر
الدعويين الأصلية والفرعية وإحالتهما إلى محكمة القضاء الإداري، لم يلق هذا القضاء
قبولًا لدى المدعى عليهم؛ فطعنوا عليه أمام محكمة استئناف القاهرة – مأمورية شمال
- بالاستئناف رقم 4883 لسنة 13 قضائية. وبجلسة 20/11/2013، حكمت المحكمة بإلغاء
الحكم المستأنف وإعادة الدعوى إلى محكمة أول درجة للفصل في موضوعها. وبجلسة
23/5/2015، حكمت المحكمة، أولًا: في موضوع الدعوى الأصلية: بإلزام المدعي بأن يؤدي
للمدعى عليهم مبلغًا مقداره ستون ألف جنيه، تعويضًا ماديًّا وأدبيًّا يوزع بالسوية
فيما بينهم، ومبلغ عشرة آلاف جنيه تعويضًا موروثًا يوزع حسب الفريضة الشرعية.
ثانيًا: في موضوع الدعوى الفرعية: بإلزام تابعي المدعي – المدعى عليهم في الدعوى
الفرعية - بأن يؤدوا للمدعي قيمة التعويض المقضي به في الدعوى الأصلية، وقد أسست
المحكمة قضاءها على سند من أنه ثبت لديها خطأ المدعي باعتباره مسئولًا عن أعمال
تابعيه، وذلك لعدم تعيين خدمة على سور حقل الألغام، وكذلك لعدم تعيين خدمة على
معسكر المستدعين، مع ضعف الإضاءة في مكان الحادث. لم يلق هذا القضاء قبولًا لدى
أطراف النزاع؛ فأقام المدعي أمام محكمة استئناف القاهرة – مأمورية شمال -
الاستئنافين رقمي 4121 لسنة 19 قضائية و6179 لسنة 20 قضائية، وأقام المدعى عليهم
أمام المحكمة ذاتها الاستئناف رقم 903 لسنة 20 قضائية، وأقام ثلاثة من المدعى
عليهم في الدعوى الفرعية الاستئناف رقم 5592 لسنة 20 قضائية. وقررت المحكمة ضم
الاستئنافات جميعها للارتباط. وبجلسة 8/2/2017، قضت المحكمة في موضوع الاستئناف
رقم 4121 لسنة 19 قضائية بإلغاء الحكم المستأنف فيما قضي به من تعويض مادي.
ثالثًا: في موضوع الاستئناف رقم 903 لسنة 20 قضائية بتعديل الحكم المستأنف بجعل
التعويض الأدبي ثلاثين ألف جنيه، يوزع بالسوية فيما بين المستأنفين، وجعل التعويض
الموروث سبعين ألف جنيه،
يوزع حسب الفريضة الشرعية. رابعًا: في موضوع الاستئنافين رقمي 5592 و6179 لسنة 20 قضائية: برفضهما.
ومن جهة أخرى، ونفاذًا لحكم محكمة شمال القاهرة الابتدائية الصادر بجلسة 26/4/2009، في الدعوى رقم 2027 لسنة 2007، القاضي بعدم الاختصاص، وإحالة الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري، فقد قُيدت لديها برقم 51895 لسنة 63 قضائية، وقضت بجلسة 30/12/2012، بقبول الدعويين الأصلية والفرعية شكلًا، ورفضهما موضوعًا؛ وذلك تأسيسًا على أن التحقيقات مع المصابين في الحادث أوضحت أن مورث المدعى عليهم اتفق مع زملائه من الجنود المستدعين على الخروج من الكتيبة من خلال سور حقل ألغام الكتيبة، للاتصال بذويهم، وأنهم كانوا على علم بوجود حقل ألغام يحوط بها، من خلال العلامات التحذيرية والتلقين المستمر الصادر لهم من رؤسائهم عند حضورهم للاستدعاء بخطورة المكان، فضلًا عن توقيعهم على دفتر التعليمات والأوامر المستديمة للكتيبة في هذا الخصوص؛ ومن ثم ينتفي ركن الخطأ في جانب الجهة الإدارية، باعتبار أن مورث المدعى عليهم يُعد مرتكبًا الخطأ الذي أودى بحياته. وبانتفاء ركن الخطأ في جانب الجهة الإدارية؛ تنحسر مسئوليتها عن الأضرار التي لحقت بالمدعى عليهم، ويتعين القضاء برفض الدعوى.
وإذ ارتأى المدعي أن ثمة تناقضًا بين الحكم الصادر من محكمة القضاء
الإداري في الدعوى رقم 51895 لسنة 63 قضائية، والحكم الصادر من محكمة شمال القاهرة
الابتدائية في الدعوى رقم 2027 لسنة 2007 تعويضات كلي شمال القاهرة، والحكم الصادر
من محكمة استئناف القاهرة – تعويضات - في الاستئنافات أرقام 4121 لسنة 19 قضائية
و903 و5592 و6179 لسنة 20 قضائية - مأمورية شمال -؛ فقد أقام الدعوى المعروضة.
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن المفاضلة التي تجريها بين الحكمين النهائيين المتناقضين لتحدد على ضوئها أيهما أحق بالاعتداد به عند التنفيذ، إنما يتم على أساس ما قرره المشرع من قواعد توزيع الولاية بين جهات القضاء المختلفة.
متى كان ما تقدم، وكانت الدعوى التي أقامها المدعى عليهم أمام جهة القضاء العادي قد استهدفت تعويضهم عن الأضرار التي لحقت بهم نتيجة انفجار لغم في مورثهم أودى بحياته، وهو ما قضت به محكمة شمال القاهرة الابتدائية، بحكمها الصادر بجلسة 23/5/2015، في الدعوى رقم 2027 لسنة 2007 تعويضات كلي، وأيدتها محكمة استئناف القاهرة- في نطاق إقرار التعويض دون مقداره - وذلك بحكمها الصادر بجلسة 8/2/2017، في الاستئنافات أرقام 4121 لسنة 19 قضائية و930 و5592 و6179 لسنة 20 قضائية - شمال القاهرة - كما تحدد محل الدعوى رقم 51895 لسنة 63 قضائية، المحالة إلى محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة، في تعويض المدعى عليهم عن الأضرار ذاتها، وانتهت فيها المحكمة إلى رفض الدعوى، وكان الحكمان اللذان يشكلان حدي التناقض المعروض قد فصلا في طلب التعويض الذي طرحه المدعى عليهم جبرًا للأضرار التي لحقت بهم جراء انفجار لغم في مورثهم أدى إلى وفاته، فإن أولى هاتين الجهتين بالفصل في تلك الخصومة إنما يتحدد على ضوء ما إذا كانت تلك المنازعة تُعد منازعة مدنية أم إدارية.
وحيث إن اختصاص جهة القضاء العادي بالتعويض عن المسئولية عن الأعمال الشخصية، أو المسئولية عن عمل الغير، أو المسئولية الناشئة عن حراسة الأشياء، مناطه تحقق عناصر العمل غير المشروع، في أي من صوره السالفة، بما يسبغ على المنازعة وصفها المدني، حال أن اختصاص جهة القضاء الإداري بالفصل في دعاوى التعويض، إنما يتحدد في ضوء المسئولية عن الخطأ المرفقي أو الخطأ الشخصي لأحد تابعي جهة الإدارة بسبب أداء وظيفته أو بمناسبتها، مما يدخل المنازعة بشأنه في عداد المنازعات الإدارية التي يختص بها قضاء مجلس الدولة، عملًا بالمفهوم المقرر بنص المادة (190) من الدستور والمادة (10) من قانون مجلس الدولة الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 47 لسنة 1972.
وإذ كان ذلك، وكان طلب التعويض موضوع الحكمين المتناقضين الصادرين عن جهتي القضاء العادي والإداري مرده إلى الأضرار المادية والأدبية والمورثة التي أصابت المدعى عليهم من وفاة مورثهم أثناء استدعائه إلى الخدمة العسكرية وبسببها، وما يرتبط بذلك بحكم الاقتضاء القانوني من تقرير أن المسئولية الناشئة عن الخطأ المدعى به يندرج في دائرة مرفق الدفاع، ويُعد بهذه المثابة خطأً مرفقيًّا، يدخل الاختصاص بالفصل في الدعاوى الناشئة عنه ضمن الاختصاص المحجوز لجهة القضاء الإداري دون غيره؛ ومن ثم فإن القضاء بالاعتداد بالحكم الصادر من جهة القضاء الإداري دون الحكمين الصادرين من جهة القضاء العادي يكون متعينًا.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بالاعتداد بحكم محكمة القضاء الإداري الصادر بجلسة 30/12/2012، في الدعوى رقم 51895 لسنة 63 قضائية، دون حكم محكمة شمال القاهرة الابتدائية الصادر بجلسة 23/5/2015، في الدعوى رقم 2027 لسنة 2007 تعويضات كلي، وحكم محكمة استئناف القاهرة – مأمورية شمال - الصادر بجلسة 8/2/2017، في الاستئنافات أرقام 4121 لسنة 19 قضائية و903 و5592 و6179 لسنة 20 قضائية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق