جلسة 7 من يناير سنة 1967
برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة الدكتور أحمد موسى وعبد الستار عبد الباقي آدم ومحمد طاهر عبد الحميد وعباس فهمي محمد بدر المستشارين.
----------------
(55)
القضية رقم 205 لسنة 11 القضائية
موظف. "تأديب. الجزاءات التأديبية". موظفو الهيئة العامة للسكك الحديدية. تشريع "أثره".
صدور الحكم التأديبي بعقوبة خفض الراتب - إلغاء هذه العقوبة بمقتضى تنظيم قانوني لاحق له - ليس له من أثر على الحكم - وجوب بحث سلامة تطبيق الحكم التأديبي للقانون على أساس القرارات والقواعد التنظيمية التي كان معمولاً بها عند صدوره دون غيرها (1).
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من أوراق الطعن في أن النيابة الإدارية أودعت في 2 من ديسمبر سنة 1963 سكرتيرية المحكمة التأديبية لوزارة المواصلات تقرير اتهام ضد الطاعن السيد/ فهمي شنودة يوسف وآخرين وأرفقت به مذكرة قالت فيها إنه في 25 من إبريل سنة 1963 قام القطار رقم 1446 بالجرار رقم 3220 من محطة مشطا قيادة السائق محمد عارف بدوي ومساعده محمد عبد اللطيف ومعهما الكمساري فهمي شنودة (الطاعن) وانفصلت بعض عربات القطار في الطريق دون أن يتنبه السائق واستمر القطار في طريقه حتى بلغ محطة طهطا فأرسلت هذه المحطة الأخيرة إشارة بذلك إلى المحطة التالية - وهي محطة الصوامعة - وإلى محطة مشطا ثم وصل القطار إلى محطة الصوامعة وتم تخزينه بها وأعيد الجرار مفرداً من محطة طهطا لاكتشاف الخط فوصل إلى مكان انفصال العربات حيث تبين سقوط العربات. ولما أبلغ الحادث إلى المختصين قام الونش من سوهاج إلى المكان المذكور فاصطدم بإحدى العربات الساقطة وتسبب هذا التصادم في سقوط عربتين أخريين من القطار كما سقطت عربة من قطار الونش وأصيب ميكانيكي الديزل الراكب بالونش بعدة إصابات. وقد قامت النيابة الإدارية بالتحقيق وانتهت إلى تقديم الطاعن وآخرين إلى المحاكمة التأديبية في الدعوى رقم 17 لسنة 6 قضائية وقد نسبت إلى الطاعن المخالفات الآتية:
1 - لم يقم بعمل الوقاية القانونية من الأمام للجزء المتخلف من القطار رقم 1446 وفقاً للبند 284 ألف من اللائحة العامة.
2 - أخطأ في إعطاء بيان الموقع الكيلو متري للحادث.
3 - لم يحصل سوى ثلاث كبسولات بدلاً من 12 كبسولة ولم يكن معه فانوس إشارة مما اضطره إلى رفع فانوس السبنسة الخلفي.
وبجلسة 6 من أكتوبر سنة 1964 قضت المحكمة التأديبية بمجازاة الطاعن بتخفيض أجره بمقدار قرشين يومياً عن المخالفة الأولى وبراءته من المخالفتين الأخيرتين. وأقامت قضاءها بإدانته في المخالفة الأولى على أن الثابت من اعترافه في التحقيق أنه خالف مقتضى الواجب عليه في عمله إذ لم يقم بعمل الوقاية القانونية من الأمام للجزء المتخلف من القطار وفقاً للبند 284 من اللائحة العامة وأنه لا يجديه المحاجة بأنه لم يتسلم سوى ثلاث كبسولات فقط لأن الثابت من ناحية أن كاتب التشغيل شهد بأن عهدة الطاعن من الكبسولات كانت تامة ولم يستطع إثبات عكس ذلك ومن ناحية أخرى كان باستطاعته عمل الوقاية المطلوبة من الأمام والخلف بالثلاث كبسولات التي أدعى أنها كانت في عهدته ولكنه لم يفعل كما لا يجديه التذرع بأن سائق الجرار الونش كان يسير بسرعة أكبر من السرعة القانونية مما تسبب في وقوع الحادث ذلك لأن إهماله كان له دخل كبير في وقوعه سواء أكان ذلك الجرار يسير بسرعة كبيرة أم بسرعة قانونية.
وقد طعن الطاعن في هذا الحكم بصحيفة أودعها سكرتيرية هذه المحكمة في 25 من يناير سنة 1965 طالباً الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قرره من مجازاته بخفض أجره بمقدار قرشين يومياً وما يترتب على ذلك من آثار والحكم له بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وبنى طعنه على أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون للأسباب الآتية:
1 - إن القانون رقم 46 لسنة 1964 لا ينص على عقوبة خفض الراتب أو الأجر وأنه نظراً لأن قوانين الجزاءات ذات أثر فوري وتنطبق فور وقوعها على ما تصادفه من الوقائع ومن ثم فلا يجوز منذ صدور القانون المذكور تطبيق عقوبة تأديبية لا ينص عليها.
2 - إن التحقيقات المضمومة للملف ليست هي بذاتها التي أجريت معه لأنه وقع على أوراق التحقيق الذي أجري معه.
3 - إن حالة انفصال العربات شهدها السائق من الناحية الأمامية عندما عاد بالجرار كما شهدها الكمساري (الطاعن) من الناحية الخلفية ويجب على كل منهما أن يقوم بالتصرف المطلوب من جهته وأن الكمساري يكفيه أن يعمل الوقاية من ناحية وقد قام بذلك فعلاً فلم يعد في الإمكان نسبة الخطأ إليه لمخالفته نص البند 284 من اللائحة العامة فضلاً عن أنه قد قام بالوقاية من الأمام بفانوس السبنسة الأحمر.
4 - يعتبر الطاعن معذوراً بسبب عدم وجود أكثر من ثلاث كبسولات معه في تلك الليلة. وهذا الظرف لا يرجع إلى خطئه بل إلى خطأ المسئولين عن الصرف ويكفيه أنه طالب بصرف العهدة وأنه لم يكن له أن يمتنع عن العمل ليلة الحادث ويتسبب بذلك في تعطيل القطارات بحجة عدم استكمال عهدته من الكبسولات.
5 - إن الحادث إنما وقع لا بسبب عدم الوقاية المنسوبة للطاعن، وإنما بسبب سرعة سائق جرار الونش.
قدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني مسبباً في الطعن انتهت فيه إلى أنها ترى الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع برفضه مع إلزام الطاعن بالمصروفات. واستندت في ذلك إلى أن البند 284 هو الواجب التطبيق وأن مخالفة هذا البند تتحقق بمجرد عدم عمل الوقاية الأمامية بالكبسولات حتى ولو لم يقع الحادث. وردت الهيئة على سبب الطعن الأول - الذي يقوم على أساس مخالفة الحكم المطعون فيه لمقتضى الأثر الفوري لحكم القانون رقم 46 لسنة 1964 - بأن هذا القانون لا يسرى على العاملين بالهيئة العامة للسكك الحديدية لأنهم يخضعون لأحكام القرار الجمهوري رقم 2190 لسنة 1959 والقرارات المكملة له وهي تنص على عقوبة خفض المرتب.
وقد عقب الطاعن على تقرير هيئة المفوضين بمذكرة قال فيها إنه قد صدر القرار الجمهوري رقم 3576 لسنة 1966 في 20 من سبتمبر سنة 1966 ناصاً على خضوع العاملين في الهيئة العامة للسكك الحديدية للقانون رقم 46 لسنة 1964 وأن المادة 3 منه - وإن كانت قد نصت على استمرار العمل باللوائح السابقة - إلا أنها قد اشترطت ألا يتعارض ذلك مع تطبيق القانون سالف الذكر. وأنه نظراً لأن الدعاوى التأديبية ذات طبيعة جزائية فإن القواعد العامة في القانون الجنائي والإجراءات الجنائية هي التي تطبق في هذا النوع من الدعاوى ولذلك فإن المتهم يفيد من صدور قاعدة أصلح أثناء المحاكمة وأضاف الطاعن أنه لم يهمل في السفر بدون عهدة كاملة من الكبسولات لأنه طالب بأن تصرف له العهدة فلم تصرف وانتهى الطاعن إلى التصميم على طلباته المبينة بصحيفة الطعن.
ثم قدمت الحكومة مذكرة طلبت فيها رفض الطعن مع إلزام الطاعن بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. واستندت في ذلك إلى ما استند إليه الحكم المطعون وتقرير هيئة مفوضي الدولة وأضافت إليه أن القرار الجمهوري رقم 3576 لسنة 1966 عمل به من أول يوليو سنة 1966 ومن ثم فإنه لا يسرى على واقعة الدعوى بل يسرى عليها القرار الجمهوري الذي وقعت في ظله.
ومن حيث إن المحكمة التأديبية قد أدانت الطاعن في التهمة الأولى المسندة إليه وبرأته من التهمتين الأخريين فطعن الطاعن وحده دون أن تطعن الحكومة. ومن ثم فإن الطعن يكون مقصوراً على التهمة الأولى.
ومن حيث إن المحكمة التأديبية قد أصابت وجه الحق في قضائها - بإدانة الطاعن في هذه التهمة - للأسباب التي استندت إليها والتي تأخذ بها هذه المحكمة وتضيف إليها أن المادة 284 ألف من اللائحة العامة لسكك حديد مصر طبعة سنة 1962 قد نصت على أنه:
"إذا انفصل قطار أثناء مسيره على خط طوالي ولم يشعر السائق بذلك يجب على الكمساري الموجود بالجزء الخلفي من القطار أن يبذل قصارى جهده في إيقاف هذا الجزء في الحال.
"وعند إيقاف الجزء الخلفي يجب على الكمساري وقاية هذا الجزء من الأمام والخلف بالكبسول. بحيث تعمل الوقاية من الإمام أولاً" وهذا النص يفرض على الكمساري إجراء الوقاية من الأمام أولاً فإذا كان الكمساري الطاعن قد أجراها من الخلف فقط كما يزعم، فإنه يكون قد خالف صريح نص هذه المادة مما يستوجب مؤاخذته وقد أيد ذلك السيد مفتش الحركة المختص إذ قرر أن المسئول الأول عن الحادث هو الطاعن لعدم عمل الوقاية من الأمام حسب التعليمات (تراجع أقواله ص 11 من تحقيق النيابة الإدارية) ولا اعتداد بما ذكره الطاعن - من أنه قام بالوقاية من الأمام بالفانوس الأحمر الخاص بعربة السبنسة - ذلك لأن الإهمال في عمل الوقاية الأمامية بالكبسول تتحقق به مخالفة المادة 284 ألف سالفة الذكر فضلاً عن أن الثابت من التحقيقات أن ملاحظ الونش قد قرر أنه لم يشاهد الطاعن يعطي أي إشارة بالفانوس المذكور (تراجع أقواله ص 14 من تحقيق النيابة الإدارية).
ومن حيث إنه لا اعتداد كذلك بما ذكره الطاعن - من أن عودة الجرار إلى مكان الحادث يشترك السائق في مسئولية الوقاية - ذلك لأن الحادث هو انفصال الجزء الخلفي للقطار وفي هذه الحالة توجب المادة 284 ألف من اللائحة على كمساري القطار أن يتخذ الوقاية اللازمة بالكبسول من الأمام والخلف وعلى أن يبدأ بالوقاية من الأمام وإذ كان الثابت أن - الكمساري الطاعن قد أهمل في اتخاذ الوقاية بالكبسول من الأمام فإنه يكون، بلا أدنى شك، قد خالف حكم هذه المادة ولا يغير من ذلك عودة الجرار إلى مكان الحادث لاستكشاف الطريق.
ومن حيث إنه لا حجة فيما ذهب إليه الطاعن في صحيفة طعنه - من أن الحكم المطعون فيه خالف القانون رقم 46 لسنة 1964 - إذ قضى بخفض أجره مع أن القانون المذكور لا ينص على عقوبة خفض الراتب - لا حجة في ذلك لأن الطاعن من موظفي الهيئة العامة للسكك الحديدية الذين يخضعون لأحكام القرار الجمهوري رقم 2190 لسنة 1959 الخاص بنظام الموظفين بتلك الهيئة والقرار الجمهوري رقم 1640 لسنة 1960 المنفذ له والقرار الوزاري رقم 108 الصادر في 18 من ديسمبر سنة 1960 الخاص بلائحة الجزاءات لموظفي الهيئة. وقد تضمنت هذه القرارات عقوبة خفض المرتب باعتباره من العقوبات الجائز توقيعها على العاملين بالهيئة المذكورة ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه إذ أوقع بالطاعن عقوبة خفض المرتب يكون قد طبق القانون تطبيقاً صحيحاً ولا مطعن عليه في هذا الشأن. ولا يغير من ذلك صدور القرار الجمهوري رقم 3576 لسنة 1966 - الذي نص على استمرار العمل بالقرارات المعمول بها حالياً في شئون العاملين بالهيئة العامة للسكك الحديدية وذلك فيما لا يتعارض مع أحكام القانون رقم 46 لسنة 1964 - ذلك أنه - وإن كان توقيع عقوبة خفض الراتب يتعارض مع نصوص القانون المشار إليه - إلا أن القرار الجمهوري رقم 3576 لسنة 1966 ليس له من أثر على الحكم المطعون فيه الذي تبحث سلامة تطبيقه للقانون على أساس القرارات والقواعد التنظيمية التي كان معمولاً بها عند صدوره دون غيرها.
ومن حيث إنه لا وجه في النهاية لما ينعاه الطاعن على حكم المطعون فيه - من أنه قد اعتمد على غير التحقيقات الموقع عليهما منه - إذ الثابت من الاطلاع على هذه التحقيقات أنها هي التحقيقات الأصلية الموقع عليها من الطاعن. أما باقي أوجه الطعن فقد رد عليها الحكم المطعون فيه بما فيه الكفاية.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون الحكم المطعون فيه قد صدر صحيحاً متفقاً وأحكام القانون في قضائه بمجازاة الطاعن بخفض أجره بمقدار قرشين يومياً - ولا غلو فيه لأن - الجزاء يتناسب مع الذنب الإداري الذي اقترفه الطاعن إذ تسبب في سقوط عربتين من القطار المنفصل وعربة أخرى من قطار الونش. كما تسبب في إصابة أحد العاملين بهذا القطار الأخير. ومن ثم يكون الطعن غير قائم على أساس سليم من القانون ويتعين لذلك القضاء برفض الطعن مع إلزام الطاعن بالمصروفات.
"فلهذه الأسباب"
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وألزمت الطاعن بالمصروفات.
(1) انظر حكم المحكمة الإدارية العليا الصادر في القضية رقم 732 لسنة 8 ق بجلسة 28/ 12/ 1963 والمنشور بمجموعة السنة التاسعة - المبدأ 28 ص 316 - وحكمها الصادر في القضية رقم 514 لسنة 9 ق بجلسة 12/ 12/ 1964 والمنشور بمجموعة السنة العاشرة - المبدأ 22 ص 203.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق